الفصل التاسع والأربعون

تمر الأيام علينا لتليها الأشهر ثم السنون نعيشها بحلوها ومرها، لكن هناك من يتمرس سرقة اللحظات السعيدة من كل يوم يمر فيعيش تلك التفاصيل ويجيد استغلال كل ثانية منها بفرح، تثور عليه وتعاند كل حين متحججة بهرمونات الحمل فيستجيب ويسايرها دون ملل فكل ما تفعله لذيذ، أصبحت فوضوية ولكن لذيذة لطيفة تشبه الأطفال في عندهم وقد سلبت منهم برائتهم ودلعهم، تتدلل عليه وتزيد دلعها ثم تقول إنه الوحم فيضحك ويبتهج لأنها كله وكل ما تطلبه فهو لقطعة منه سكنت احشائها فيركض ملبيا ما ترغب ثم يعود هامسا:
وكأن كل الكون قليل عليك فلقد فاض بي وأنا ابحث عما تستحقينه يا عشقي، ولكنني أدركت أن ما تستحقينه سرمديا كعشقي لك.

هل تراه يتركها هكذا؟ بالتأكيد لن يفعل سيراضي العاشق محبوبته الغاضبة ولو كلفه ذلك كل شيء فتحدث محاولا أن يراضيها:
حسنا لا تعبسي جميلتي لا شيء يستحق أن تختفي تلك الحفرة سأحضره لك صباحا وأي شيء تريدين أيضا فقط لنعد للنوم هيا يلزمك الراحة.
جحظت عيونها به فأفزعته ليبقى نظره عليها صامتا ينتظر أي نوع من القنابل ستضربها به ثم تحدثت بحزن قائلة:
لايمكن أن أصدق ما سمعت أي صباح هذا أتريد لطفلي أن ينتظر حتى الصباح؟
أمير بتذمر:
أتعلمين شيء حبيبتي؟ لن اقول شعرا مرة ثانية ولأي سبب كان حتى لا أتورط الساعة الثانية صباحا، رجاء كان يومي مرهقا وغدا أيضا أريد النوم حلوتي.
ريحان بتذمر:
والمعنى؟ لا يهمني أنا أريد توت يعني أريد توت.
أمير برجاء:
عشق يا روحي يا عشقي يا نفسي يا مهجة قلبي ماذا تريدين أيضا؟ لطفا أريد النوم عندي عمل مكثف في الصباح.
سحبت وسادته بقوة وأبعدتها عنه لتردف بجدية:
لا تحلم بأن أتركك تنام وطفلك يشتهي التوت هيا صحصح معي جيدا ولا تناقشني يا حبيب قلبي.
تنفس بتأفف وطالعها متذمرا ثم حمل هاتفه وتفقد الساعة ليريها إياها قائلا:
انظري إلى الساعة إنها تشير إلى الثانية والنصف الآن أي محل سيفتح الآن؟
ردت ريحان:
أنت بالمدينة التي لا تنام لا تنس هذا الناس يأتونها من كل حدب وصوب فقط ليسهروا حتى الصباح ويستمتعوا وأنت تقول أي محل يفتح الآن؟ لا تتحجج بشيء كما يجب أن تذهب انت لا أن تبعث غيرك لا أريد لسفر أن يذهب أنت يعني أنت.
زفر بحنق ليرد:
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم على ما يبدو لن تتركيني أنام صحيح
اومأت برأسها بالنفي فأردف قائلا:
وحتى أنت لن تفعلي صحيح؟
أومأت بالنفي وهي تضحك ليضيف قائلا:
حسنا بأمر أطفالي ما عساي أقول يريدون توت في منتصف الليل، نحضر توت في منتصف الليل، أنت سأذهب وأعود سريعا سنحرم من النوم قبل أن يأتي هذا الصغير.
تحرك من مكانه نحو الخزانة لتغيير ثيابه يتأفف يلعن نفسه ويرمقها ببصره بينما هي تضع يدها على فمها تكتم ضحكتها.
غير ثيابه سريعا والتفت إليها ليردف:
حسنا فوضت أمري لرب العالمين.
رد ريحان:
ضريبة الأبوة بابا حبيبي.
ابتسم مجاملة ورد:
اها صحيح سيدفعني ضرائب كثيرة لحين يأتي ثم تحرك نحو الباب لكنه توقف فجأة والتفت إليها قائلا:
حبيبتي ما رأيك أن نخرج سويا؟
ردت ريحان تلوح بيديها معا:
لا لا طفلك يريد النوم ليس جيدا له السهر لا أريد بابا حبيبي أخرج أنت فقط ونحن سنبقى في انتظارك.
أمير بتأفف:
يعني بحجم حبة العدس ويمكنه أن يحس بكل شيء ماشاء الله لا ويتحكم بأبيه أيضا،صبرا جميلا
ريحان بخفوت:
والله المستعان
رمقها بتذمر ليردف:
واحد يطلب توتا بمنتصف الليل والأخرى تريد طائرة خاصة ونم أنت يا أمير واستقف باكرا لأجل مشروعك
ريحان ضاحكة:
لكل شيء ثمن بابا
ابتسم برضا ليرد:
لأجل كلمة بابا سأتحمل كل شيء وليكن لا نوم حسنا سأخرج الآن
لن أتاخر لا تنامي.
أشارت له بالإقتراب منها قليلا ففعل ثم دنى منها لتطبع قبلة ناعمة نعومتها على وجنته جعلته ينسى النوم والتوت والطائرة وكل شيء حوله ويهيم بها حد الصبابة لا يرى غيها لتردف بعد أن فصلت قبلتها قائلة:
حسنا سانتظرك أنا وصغيري لن ننام حتى تعود إلينا بالتوت.
ابتسم برضا وكف عن التذمر وتغيرت نظرته بتلك القبلة فهي إكثر من يعرف نقطة ضعفه، وأكثر من يريح قلقه فتحرك بعدها نحو الخارج وما إن فعل حتى اعتدلت بمكانها مرددة:
سأنام في الفترة التي يغيب فيها واستمتع قليلا بالسرير وحدي ثم خرج متجها لوسط المدينة ليحضر لها ما أرادت لكن توقف عند غرفة المكتب حين لمح ضوء قادما من هناك.
اقترب إكثر بغية الدخول للمكتب ليعرف من هناك بتلك الساعة لكنه توقف فجأةحين سمع صوت والده وهو يتحدث عبر الهاتف بنبرة غضب بل يكاد يسمع كل من في القصر.
كن وهدأ ولم يصدر أي صوت ولو بسيطا عله يفهم شيء من ذلك الإتصال لكن ما حدث ليتحدث مستغربا:
أبي! ماذا يفعل بهذا الوقت بمكتبه ياترى؟
اقترب أكثر ووضع أذنه على الباب لكن سرعان ما استوعب ما يقوم به فابتعد قليلا يفكر ما بأبيه ولم يتحدث بوقت متأخر كهذا عبر الهاتف في جوف الليل لا أحد يدري عنه شيء، لكن رغم ابتعاده أتاه صوت أبيه الذي قال بحدة:
أريد الأوراق التي تدينه بأسرع وقت، أدفع لك نصف ثروتي فقط أحضر الأوراق والباقي عندي المسمى ديمير كان يجب أن يسجن منذ سنين مضت أو يقتل لترتاح البشرية من دنائته.
هنا اتسعت عيون أمير وبهت مما سمع، إن والده يتوعد لديمير وبالدليل أيضا وهذا ليس بالأمر الهين.
أكمل حديثه مع ذلك الرجل عبر الهاتف ثم أقفل الخط وما أن فعل حتى دخل أمير عليه فجأة دون أن يطرق الباب حتى فنظر حكمت لامير مندهشا من طريقة دخوله المفاجئة تلك ليقول بنبرة شديدة:
أمير ماذا تفعل هنا في هذه الساعة وكيف تدخل هكذا؟
رد أمير بنفس الحدة:
بل انت ماذا تفعل هنا بساعة كهذة أبي؟ الساعة الآن تشير إلى الثالثة صباحا ومن المفروض أن تكون نائما لا بمكتبك تتحدث عب الهاتف.
سكت حكمت قليلا يطالع أمير بذهول ثم تحدث بتعلثم قائلا:
كان لدي أقصد بني كان لدي اتصال مهم
أمير مستفهما:اتصال بهذا الوقت أبي ممن ولم؟
رد حكمت بنبرة حادة:
ماذا هل تحقق معي امير؟ قلت عملا بني.
سكت أمير قليلا واستغفر ربه في سره ثم أردف قائلا:
حشا لله أبي لا أحقق معك طبعا وما كنت لأفعل لكن أنا حين رأيت الضوء قادما من المكتب انشغل بالي أن يكون مكروها قد أصابك وقد سمعت حديثك صدفة، على ماذا تنوي أخبرني؟
رد حكمت:
أمير قلت لا شيء مهم انصرف لوجهتك ولا تشغل بالك بمثل هكذا أمور ثم أين تذهب أنت بوقت كهذا؟
رد أمير:
مشوار لا تهتم لكن أبي هناك شيء أنا متأكد، أي أوراق وأي إدانة تتحدث عنها؟ لن ابرح حتى تخبرني عن ما تنوي له.
تأفف حكمت ليرد:
أمير لا تعاند قلت لا شيء.
رد أمير:
أبي لطفا نحن لم نصدق كيف تخلصنا من حقارة ذلك الشخص ولم يعد يتطاول على اسم تارهون لم تفتح علينا أبواب الانتقام من جديد؟
حكمت بحنق:
ديمير لم ينس شيء بني يخيل لك فقط، هو لحد اللحظة يحملني ذنب فقدان ابنته وتراجع الشركة وتراجع المشاريع ونقص السيولة الذي نعاني منه كله بسببه، إنه يضارب بنسبة أرباحه وينزلها إلى أدنى مستوى فقط ليأخذها هو ولا ننال نحن منها وهكذا يضرب الشركة بالصميم، لا تنس بني نحن شركة إنشاءات يعني نعتمد اعتمادا كليا على المشاريع التي تطرح للتصميم والبناء.
يالها من كلمه ذكرها والده لقد دكت برأسه دكا (يحملي ذنب فقدان ابنته) جعلته يتذكر وكلما تذكر تألم وكلما تألم غضب من نفسه واحتقر أمير أمير ةكثر وأكثر.
شد  قبضته بقوة ولمعت الحسرة والندم من مقلتيه كيف به وهو يواجه نفسه بحقيقته الصعبة، كلما تذكر همه أو كلما ذكر على غفلة به، إنه ذلك الذنب الذي يلاحقه أينما ذهب، إنه أمير الظال الذي يجده بكل زاوية يلتفت إليها.
ذلك الذنب الذي يشتبه في وجعه بذنب وحشي حين قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه بطريقته البشعة الوحشية وحشية اسمه ذاك.، وحين أقر أن يسلم  وجاء للنبي صلى الله عليه وسلم ووقف أمامه سأله النبي صلى الله عليه وسلم:"أنت وحشي"
قال:نعم
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"أنت قتلت حمزة"
فقال:
قد كان من الأمر ما بلغك، وقد جئت أشهد أن لا إله إلا الله، وأنكَ رسول الله.
قال صلى الله عليه وسلم:
"فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني"
إنها النفس البشرية سيدنا نبي رحيم حليم لكن هو بشر والقلب مضغة لا كتلة صخر وهناك ضربات قوية تحدث بالقلب وبالذاكرة ندوبا بشعة لا تمحى ولو حاولنا النسيان لكن ذاكرتنا تأبى ذلك وتتمرد على النسيان وترفض قطعا وإقرارا لا رجعة في ذلك.
فذلك أمير وذنبه الذي لا تمحوه توالي السنين الطوال
تحدث حكمت بعد أن انتظره مطولا ليعود عن شروده لكن ما فعل ليردف قائلا:
بني أين شردت؟
استفاق من غفلته تلك ثم نظر لوالده برهة ليتحدث بجدية قائلا:
أبي نحن الآن نملك مشروعا تهافتت عليه أكثر من شركة لظفر به ومن بينهم شركته وأخذناه بجدارة، سننجح ونؤسسه وتعود الشركة أفضل مما كانت عليه أيضا وإن كان هناك شيء يدينه حقا قدمه للعدالة ولا تتصرف من رأسك أبي، لا أريد أن تتورط بشيء لا يحمد عقباه.
رد حكمت:
لكن انا لن أتخلى عن ثأري أمير إلا هذه لا أفعلها لن يقال عني جبنت.
ناظره أمير نظرة حادة لثوان صامتا ثم تحدث مشيرا بأصبع السبابة قائلا:
وأنا لن أفرط بعائلتي لأجل ثأرك أبي، يكفي ما عانيناه لحد اللحظة من حزن بسببه يكفي أبي، ثأرك هذا لم يفدنا بشيء ولم يجلب لنا غير الأذى.
طالعه والده بذهول ولم ينطق ببنت كلمة ليتحرك أمير من أمامه ثم انصرف غاضبا تاركا والده واقفا مكانه متسمرا مندهشا من ردة فعل أمير القوية والمفاجئة تلك.
ركب أمير سيارته وبقي فيها لحظات يفكر، ثم بدأ أخذ نفسا عميقا ليشرع في ضرب مقود السيارة بيديه بقوة وهو يردد صارخا:
يكفي يكفي ليتها أصابتني لعنة فراعنة قديمة ولا أصابتني لعنة ذنبي، اللعنة عليك أمير أنت تستحق كل هذا.
هدأ بعد لحظات وكف عن ضرب المقود ثم رمى بظهره للخلف وأخذ يتنفس بعمق عله ينسى لكن هيهات هيهات فكلما طالع عيونها تذكر ولا مفر له من ذنبه حقا.
مر بعض الوقت وهو على حاله ليقوم بعدها بتشغيل سيارته والإنطلاق إلى وجهته المقصودة.
أخذ يطوف بين محلات اسطنبول وأسواق بيع الخضار يبحث عن توت شامي كما طلبت كن لم يجد فقد كانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحا وأغلب المحلات مقفلة، ومن وجده مفتوحا منها لم يجد به ما طلبت، فيخرج حينها ويقف عند باب المحل متذمرا ثم يستغفر ربه ويحاول أن يهدأ ليتحرك بها إلى سيارته وينطلق.
مر وقت وأمير لا يزال وسط المدينة.

نامت ريحان كل ذلك الوقت الذي غابه قريرة العين.
بحث وبحث حتى استسلم ليصف سيارته توقف عند قارعة الطريق ثم نزل منها ووقف يستند عليها ليأخذ هاتفه ويتصل بمحبوبته، رن هاتفها ففتحت عيونها فزعة ثم أمسكته لتجد المتصل أمير، فتحته لترد قائلة بحماس:
ها أمير وجدته صحيح؟
رد أمير متذمرا:
قولي السلام عليكم أولا
ريحان بسرعة
:السلام عليكم ورحمة وبركاته أولا هل وجدته؟ أخبرني.
رد أمير قائلا:
لا مع الأسف حبيبتي ليس موسم قطفه وأغلب المحلات مقفلة أصلا والمفتوح منها لم أجد به، سأعود وصباحا وأحضره لك وبالكمية التي ترغبين أيضا، الآن سأعود للقصر.
ردت ريحان صارخة:
ستجعل طفلك ينتظر حتى الصباح لأجل حبات توت؟ أنت المهندس أمير تارهون إن نسيت أذكرك.
أمير بحنق وهو بيعد الهاتف عن أذنه:
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم يبدو أنه لن أنام الليلة.
ريحان بصوت مرتفع:
الووو أين ذهبت أميري؟
رد أمير:
معك معك حبيبتي حسنا فوضت أمري للواحد الأحد الصمد، سابحث بين الأزقة علي أجد محلا للخضراوات يبيع توتا بالعادة تلك المحلات تجدين عندها فواكه غريبة.
ذكرته قائلة:
لا تنس أيضا طفلك يريده أسودا ولست أنا.
زفر أمير بحنق ثم أبعد الهاتف عنه ليهمس:
آمنت بالله على هذه الليلة التي لن تنتهي
ريحان عبر السماعة:
ماذا قلت حبيبي؟
رد أمير:
أسود مثل سواد هذه الليلة التي لن تنتهي حسنا.

ودعها وأقفل الخط ثم نظر لهاتفه وابتسم بعد أن كان يتأفف في لحظة انقلب مزاجه، بمجرد سماع صوتها يرتاح وما عساه يصنع غير نيل رضاها ليتحدث قائلا:
مجنونة وابتليت بعشقها ولا دواء لي، حسنا لنعد للبحث عنك يا توت، ثم تحرك نحو السيارة وركبها وهو يردد:
أنت السبب أمير يجب أن تنتبه لكلماتك حين تسمعها شعرا أو لا تقل شعرا بالمرة حتى تلد.
أما هي فقد كانت سعيدة بالعبث بأعصابه متحججة بحملها، ابتسمت ووضعت الهاتف جانبا لتقول:
لأنم سريعا وأستغل غيابه قبل أن يعود وسريعا أغمضت عيونها وغطت في نوم عميق.


مر زمن بعدها وحلت نسمات الفجر الأولى حاملة معها يقين جديد بيوم أجمل وبداية جديدة لعشقهما، ولد الفجر من رحم ظلمة الليل ليشهدهما كما عهدت الأيام الماضية وتعاهدا ليكملا الأيام القادمة بنفس الشغف والعشق.
استفاقت ريحان حينها وبدأت بفتح عيونها بتثاقل كعادتها ثم نظرت لهاتفها لتجد بأنه وقت الصلاة فهمت بالوقوف كي تتوضأ وتصلي، لكن ما إن فعلت حتى أحست بألم شديد برأسها بسبب نومها المتقطع ليلتها، فوضعت يدها على رأسها لتردد:
اوه ما كل هذا الألم أيضا لم تأخر أمير كل هذا الوقت؟ لو ذهب للهند وأحضره لكان عاد ومعه توت ومانجا ايضا، هو هكذا دائما يماطل حتى ينسي الشخص ما كان يريد.
سكنت قليلا ونظرت بجانبها وابتسمت ثم أخذت نفسا عميقا وقامت من مكانها وتوجهت للتوضأ لتأدية صلاة الفجر.
أنهت فرضها ورفعت يديها ودعت خالقها أن يصون جنينها ويهون حملها ويحفظ زوجها وعائلتها الصغيرة ثم إلى مصحفها لا تغير عاداتها مهما حل بها، قرأت شيء من وردها اليومي فارتاحت بطريقة عجيبة ثم عادت لموضعها علها تتمكن من العودة للنوم لكنها لم تستطع، نظرت جانبا إلى مكانه ثم أردفت قائلة:
يا الهي لقد تأخر كثيرا ماكان يجب أن ألح عليه وأرسله في منتصف الليل وهو تعب، منذ متى أصبحت شريرة أنا؟
أمسكت هاتفها واتصلت به لكن لم يرد فقد كان بحديقة القصر  وقتها يهم بالدخول للقصر.

أقفلت الخط بعدها وقالت:
ربما يقود السيارة لذا لم يستطع الرد، مالذي يحدث معي أنا لقد غيرني الوحام كليا وقلب كياني رأسا على عقب، لم أكن لحوحة يوما، انت ايها الصغير أنت السبب لقد باشرت في تقلباتك المزاجية أنت وهرموناتي وجعلت من ماما شريرة وهي التي كانت طيبة، حتى أنها أرسلت والدك ليلا للبحث عن التوت رغم أنه قد لا يجده  دون أن تحس بتعبه طيلة النهار، أميري أنه اميري انا فقط أنا محظوظة أنه زوجي وعشقي، أرأيت صغيري والدك ليس له مثيل البتة ودائما مستعد أن يفني عمره بأكمله لأجلنا، اسمع سأخبرك سرا أنت محظوظ جدا لأنه هو البابا الخاص بك.
ليأتيها صوته صدخا من هناك:
أليس الوقت باكرا على الأسرار أنت وطفلنا أيتها السيدة الصغيرة؟
تأملته بعين حالمة مبتسمة له بحب كالبلهاء تميل رأسها إلى الجانب، لكن سرعان ما استوعبت وجوده أمامها وأنها تبتسم كالغبية لتهرب ببصرها عنه يمينا و شمالا تنظر في أرجاء الغرفة خجلة وتردد بداخلها:
أسمعني يا ترى؟ يبدو أنه كذلك واضح من ابتسامته تلك أنه سمعني وسمع حديثي مع بطني كالمجنونة، سيظن أني ساذجة وغبية أخاطب حبة سمسم فجرا والناس نيام.
اقترب قليلا ثم جلس بجانبها وهي لاتزال على هيئتها تلك تهرب منه خجلة لكنه اوقف هروبها عنه وهو يضع علبة صغيرة بحجرها ثم أمسك بيدها وقبلها ليردف:
لا أخفيك حبيبتي هذه أصعب عملية بحث مرت علي في حياتي كلها، بحوث الهندسة ولم تكن بهذه الصعوبة وكأنني أبحث عن ابرة في كومة قش، تفضلي يا ماما الصغيرة التوت الذي اشتهيت.
أمسكت بالعلبة تلك مبتهجة وعيونها تتراقص فرحا ثم نظرت إليه بحب وعيون لامعة لتردف قائلة:
حبيبي أنت بطلي يعيش يعيش توت توت ولأجله أموت.
نظر إليها ببلاهة ثم رد وهو يقهقه:
توت توت لأجله تموت فعلا لا طفلة غيرك هنا.
ابتسمت ونظرت لبطنها لتقول بهمس:
صغيري أخبر بابا أن ماما تحبه وتقول له شكرا لأنها أتعبته طوال الليل.
رد أمير ضاحكا:
يا سلام ولم لا تخبرينني أنت وجها لوجه لم يخبرني هو أو هي؟
ريحان بدلع:
هكذا فقط ليس لشيء ثم تخيلها فقط معي وهو يقولها بصوته الناعم.
أمير بتذمر:
تقولها وليس يقولها.
.ردت ريحان:
لا يهم يقولها أو تقولها المهم أحد يقولها، ثم رققت صوتها وجعلته كصوت الأطفال لتنحدث بنعومة أصابته في صميم قلبه لتردف قائلة:
بابا ماما تقول لك أنها تحبك أو مثلا ماما تقول لك أنا اكرهك، لتفجر ضاحكة دون سبب.
طالعها أمير دهشا ثم حادث نفسه قائلا:
ما بها؟ يبدو أنها شربت شيء ذو جرعة عالية أصابها بالهلوسة أو أنه تأثير الهرمونات.
نظرت إليه وإلى عقدة حاجبيه  لتتوقف حينها عن الضحك كالبلهاء تضع يدها على فمها لتردد:
احم احم حسنا كنت أمزح فقط كي أنسيك تعب البحث عن التوت، على العموم سلمت حبيبي ربي لا يحرمني منك ومن طيبتك يارب.
ابتسم ونظر إليها مطولا ولكن في نظرته لمحت حزنا لا سعادة حتى أنها أحست بأن تلك الابتسامة قد تحررت من بين دموع سوداء، دموع حبيسة مقلتيه يريد أن يطلقها لكن لا يستطيع، تراكمات فوق تراكمات حتى أضحى طيرا مكسورة الجناح وهي فقط من يمكن أن تجبر كسره لكنه خائف، خائف من يديها أن تؤلمه وخائف من أن لا يطير مجددا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي