الفصل ١٩

كانت مستلقية في سريرها في منتصف النهار بعد أن قضت الصباح في غرفتها كي لا ترى وجهه من جديد خاصة و أن الصداع قد بدأ من جديد ففضلت أن ترتاح وتتجنب مواجهته .
لكن و فيما هي مستلقية تتفقد هاتفها بتعب سمعت طرقة سريعة على الباب , ثم دخلت أم فوزي قبل حتى أن تدعوها درة للدخول وقالت بلهفة
- لديكِ زائر يا درة تعالي إنها مفاجأة لكِ
نهضت درة من استلقائها لتجلس قائلة بحيرة بالغة
- زائر لي أنا ؟! وهنا ؟!
وخلال دقائق كانت قد نزلت السلم واجتازت البهو حتى رأت الضيف الجالس على أحد الكراسي و الذي كان ينظر غليها بنظراتٍ غير مفسرة وكان أول من تكلم هي أم فوزي التي قالت مبتسمة
- ما رأيك في هذه المفاجأة ؟
لم ترد درة عليها بل راقبت الضيف الذي نهض من مكانه يرمقها بنظرة غريبة ثم قال بصوتٍ مهتز
- هلا تركتِنا يا أم فوزي
أومأت برأسها ثم خرجت من باب البيت المفتوح متجهة الى غرفة الحديقة كي تخبر قاسم بالزائر بينما ظلت درة واقفة مكانها تنظر إليه ثم قالت باقتضاب
- مروان ما هذه المفاجأة ؟!
صرخ فيها فجأة وهو يندفع إليها هاتفا أمام عينيها الذاهلتين
- أيتها الفاجرة

أما قاسم فقد هتف بأم فوزي مجفلا وهو في الحديقة أمام باب البيت
- مروان ؟! من سمح له بالدخول و كيف تركته معها ؟!
وقبل أن يحصل على رد منها اندفع بخطىً سريعة تجاه البيت مكفهر الملامح ليتسمر مكانه فجأة وهو يراه يلقي بدرة فوق أحد الكراسي ليضغط بركبته في معدتها يثبتها بينما أطبق بكفيه فوق عنقها ثم رفع كفا ينوي صفعها وهي تقاومه صارخة بفزع وذهول
لكن قاسم كان أسرع منه , فقد أمسك بمعصمه قبل أن يهوي بكفه على وجهها ثم كبله بقبضتيه وهو يديره حول نفسه لاويا ذراعه خلف ظهره قبل أن يلقي به أرضا بكل قوته هادرا بغضب مخيف
- ماذا تفعل ؟! هل نسيت نفسك ونسيت مكانة البيت الذي تقف فيه لتتهجم على ضيف من ضيوفه !!
نهض مروان متعثرا من الأرض ووقف ضئيلا أمام قاسم متخاذلا الا أنه لم يفقد غضبه الجنوني بعد فقال محتدا
- هذا الأمر بيني وبين أختي يا سيد قاسم أعتذر عن فقداني لأعصابي , سآخذها ونصفي حسابنا في البيت
نهضت درة تنظر إليه بعينين واسعتين وهي تضع يدها على عنقها لا تصدق ما يحدث من جنون بينما هدر قاسم بصوتٍ أعنف
- إن لم تتمالك نفسك وتتصرف بأدب فأنا من سيفقد أعصابه ضيفة على أهل بيت الحاج رحيم تعني فردا من أفراده لن تأخذها ولن تمسها بسوء بل لن تمسها من الأساس
هتف مروان وهو يلوح بذراعه قائلا
- ما هذا الكلام يا سيد قاسم كان هذا في حياة الحاج رحيم , أما الآن فكيف لها أن تبقى معك في بيت واحد , خاصة وأنه كان بينكما مشروع خطبة من قبل والله لن أقبل
عند هذه النقطة , تكلمت درة وهتفت مستنكرة بازدراء
- على الرغم من أنني لم أفهم سبب هذا الجنون الذي يحدث الا أنني مضطرة هنا لسؤالك يا أخي العزيز عن سبب نخوتك المفاجئة ؟! ألم تتركني في نفس البيت منذ سنوات وقد رجوتك ألا تفعل الآن فقط لن تقبل ؟!هل وجدت لي أريكة أنام عليها في بيتك أخيرا ؟!
علا صوت قاصم قاطعا آمرا
اصمتي يا درة
ثم التفت الى مروان وتكلم بصوتٍ خفيض غاضب
- أنصحك أن تأخذ واجبك ثم تنصرف يا مروان , درة باقية
هدر مروان وهو يهذي ملوحا بذراعيه كالأحمق
- بقانون من يا سيد قاسم ؟! أتريد للناس أن تجعل من سمعتنا علكة في أفواههم ؟! الا تكفينا الفضيحة الأولى والتي لم ينسها الناس حتى الآن !
هتفت درة بجنون
- عن أي فضيحة يتكلم !
رفع قاسم كفه وهو يهدر بصوتٍ صادم
- قلت اصمتي أنتِ
ثم التفت الى مروان وصرخ فيه
- وأنت أخرج الآن بدون مطرود يا مروان سآتي لزيارتكم بنفسي الليلة لنتفاهم
بقى أخاها واقفا مكانه يحدجها بنظراتٍ لاهبة وهو يتنفس بسرعة ثم قال لاهثا
- موعدنا الليلة اذن يا سيد قاسم وإلا فلن تلم غير نفسها
غادر مروان أمام عينيها الذاهلتين بينما استدار قاسم عنها وهو يزفر بحنقٍ نافضا قميصه بعنف فسألته مصدومة
- ماذا أصابه هذا المجنون ما أن رآني وعن أي فضيحة يتكلم ؟!
ظل قاسم على صمته للحظات , ثم استدار إليها ونظر الى عينيها بعينين سوداوين عميقتين وقال أخيرا بصوتٍ مزدري
- سمعتك انهارت في البلدة بعد هربك قبل زفافك بأيام دون مقدماتٍ أو اعتذار لم يكن هناك سوى افتراض واحد لفتاة كانت على وشك الزواج بقاسم رحيم و فضلت الهرب سوى أنها هربت مع رجل آخر وهناك من يزعم أنه رآك برفقته في نفس اليوم وبما أنكِ لم تتزوجي بعدها مباشرة , فقد استنتج الجميع أن هناك من أوقعك في فخه لفترة ثم تخلى عنك بعد أن ضيع شرفك
ساد صمت مخيف بينهما وهي تنظر إليه بنظراتٍ خاوية رغم الصدمة و هو يبادلها النظر بعينين متجهمتين ثم سألته فجأة بصوتٍ غريب
- ترى ما هو دورك في مثل هذه القصة يا قاسم ؟! إن لم تكن أنت من روج لها
.....
كان قد وصل للتو الى شقته الصغيرة بعد يوم عمل مرهق في الموقع و بينما يحضر لنفسه وجبة بسيطة, سمع رنين هاتفه فتوجه اليه وأجاب بهدوء
لكن الدهشة كانت من نصيبه حين سمع الصوت الوقور يقول هادئا
- السلام عليكم معك عبد السلام عدوي يا ساهر
تفاجأ ساهر من الاتصال الا أنه أجاب بترحيب
- وعليكم السلام يا سيد عبد السلام مرحبا
لم يجب عبد السلام بل ظل صامتا فسأله ساهر بقلق
- هل هناك مشكلة ؟
سأله عبد السلام بتردد عوضا عن الإجابة
- أين أنت الآن يا ساهر ؟
أجابه وقد تضاعف قلقه
- لقد عدت للبيت لتوي من موقع العمل تكلم رجاءًا يا سيد عبد السلام , هل هويدا بخير ؟!
سأله عبد السلام قائلا بنبرة مقتضبة
- هل زوجتك بجوارك يا ساهر ؟
أجفل ساهر قليلا , الا أنه أجاب بسرعة
- لا نسيبة ليست في البيت , رجاءًا تكلم
أخذ عبد السلام نفسا عميقا و بدا أكثر ترددا ثم قال أخيرا
- اسمع يا ساهر ترددت كثيرا قبل الاتصال بك , الا أنني توسمت فيك الأخلاق ولا أظنك ستخذلني إن طلبت مساعدتك في شيء لكن على أن تستوعب أولا
عقد ساهر حاجبيه أكثر الا أنه سأل بحدة
- هويدا بخير ؟
أجابه عبد السلام بصوتٍ قلق
- هويدا خرجت منذ الظهر وتركت هاتفها في البيت ولا فكرة لدي عن مكانها إطلاقا , وربما أنت تتساءل الآن عن السبب الذي يجعلني أتصل بك انت تحديدا . بينما لا دخل لك في الموضوع
أغمض ساهر عينيه
بل يعلم
تكلم عبد السلام قائلا بخفوت
- اسمع يا ساهر ما سأقوله , صعب على أي والد الاعتراف به الا أنني مضطر ... تعاني هويدا من بعض الأعراض الخاصة بحالة نفسية ومن أحد هذه الأعراض التعلق الشديد بشيء ما أو شخص ما , في حالة هويدالاحظت أنها ربما كانت متعلقة بك أكثر من اللازم وهذا التعلق مع فترة زواجك جعلها تدخل في مراحل اكتئاب متتالية مما تسبب في زيادة الأدوية التي تأخذها و ليلة الحادث , كانت هويدا بالقرب من حفل زفافك
صمت غير قادرا على المتابعة أكثر وهو يتساءل للمرة العاشرة إن كان اتصاله هذا في مصلحة ابنته أم ضدها
الا أنه تابع على كل حالٍ سائلا
- هل لديك فكرة عن مكانٍ ربما تحب أن تختلي فيه بنفسها أو ربما رأيتها متواجدة من حولك في موقع العمل أو خلافه قل يا ساهر ولا تخش شيئامن فضلك
الا أن رد ساهر كان قاطعا قويا وحاسما
- لن أعود الا بها أعدك
.......
لم تشعر بفورة الدماء تنطلق بين عروقها كما تشعر الآن منذ فترة طويلة و كأن برودة الماء اللاذعة تندفع عبر أوردتها وترسل بداخلها تياراتٍ تجعلها تشعر بشعورٍ من البهجة غير طبيعي
كانت في حاجةٍ إليه اليوم بل الآن هذه اللحظة .
الأمواج تحرك شعرها ليطفو فوق السطح بينما تفتح عينيها تحت الماء فاردة ذراعيها مبتسمة لهذا العالم الأزرق القاتم الذي يبتلعها ببرودةٍ منعشة
أغمضت عينيها للحظة ثم فتحتهما لتراه يشاركها نفس العالم أسفل سطح الماء ينظر إليها مبتسما وهو يمد يده إليها داعيا فحركت أصابعها خلال السائل الشفاف لتلامس أصابعه شاعرة بنبضات قلبها تتزايد بسرعةٍ تكاد أن تكون مؤلمة وهذا في حد ذاته يشعرها بلذة لا توصف
لطالما كانت أحلام اليقظة الخاصة بها مؤلمة تسبب تسارع ضربات قلبها بشكلٍ عنيف ومن الألم تتفجر البهجة الغير مسيطر عليها
لكن أحيانا أخرى ينحدر ألم الانفعال الى اكتئاب خانق يطبق على صدرها و يلازمها لأيامٍ طويلة تعجز خلالها عن النهوض من الفراش وتظل أسيرة بكاءٍ غير مفهوم أو مبرر
تنهدت تنهيدة ثقيلة خرجت من بين شفتيها كعددٍ من الفقاعاتٍ تحت سطح الماء قبل أن تخرج رأسها شاعرة بحاجة صدرها للهواء
وما أن فعلت حتى صدمتها البرودة الغير متوقعة نظرت حولها فوجدت أن الظلام قد بدأ في الانتشار و الرؤية تتضاءل
كم مر عليها من الوقت وهي تغمر نفسها بين الأمواج ؟! لقد فقدت الإحساس بالساعة تماما
حركت عينيها الى الشاطئ القاتم , ثم بدأت في التقدم بخطواتٍ بطيئة لا تزال ذراعاها مفرودتان تتمتع بالدفعات التي تضرب ظهرها و تحرك خصلات شعرها , لكن صوت هتاف بعيد ومنفعل جذب انتباهها فجأة فجعلها تقف عن التقدم مضيقة عينيها وهي تحاول التقاط سبب الهتاف القادم من جهة الشاطئ فرأت رجل يهتف بانفعال وهو ينحني ليخلع حذاءه ثم الآخر لكنه كان ينظر إليها !
رمشت هويدا بعينيها عدة مرات وهي تتحقق من هيئة هذا الرجل ثم اتسعت حدقتاها لوهلةٍ قبل أن تهبط برأسها أسفل سطح الماء مجددا كي تغسلهما بملح البحر عل الرؤية المجنونة تتضح أكثر
لكن ما أن عادت و أخرجت رأسها فوق السطح رأته يندفع اليها عبر الماء يجري بسرعة قبل أن يغوص قافزا بقوة ليضرب الماء بذراعيه متجها إليها على ما يبدو !
لكن ليس قبل أن تتحقق من هيئته المحفورة على جدران قلبها حتى وإن كانت مسافة كبيرة تفصل بينهما
عقدت حاجبيها وهمست بصوتٍ أجش
- لقد عادت الهلاوس من جديد !
لقد حذرتها الطبيبة من احتمال حدوث بعض التهيؤات وهي منذ دقيقة واحدة كانت تتخيله معها تحت سطح الماء , لكنها كانت متحكمة في تخيلاتها , تستطيع أن تبدأها وتنهيها وقتما تشاء لكن هذا الذي يحدث الآن كان خارجا عن سيطرتها لا تستطيع التحكم فيه , ترى ساهر يندفع عبر الماء سابحا بقوة متجها إليها
ومهما رمشت بعينيها لا يختفي هذا التهيؤ !! مما يجعلها تتطور الى مرحلة الهلاوس البصرية
بل و السمعية أيضا ! فقد سمعت صوت هتافه من الشاطئ!
لم يحتج الى السباحة طويلا فهي لم تكن بعيدة للغاية, بل كانت قدماها تلامسان الرمال ولا ترتفعان إلا بوجود موجة ترفعها و تنزلها من جديد
وما أن وصل إليها حتى أسقط كل ثقله عليها مما جعلها تقع في الماء شاهقة مبتلعة كمية كبيرة منه وكأنها ملأت رئتيها وذراع من حديد أحاطت بعنقها تزيد اختناقها لتسحبها بقوةٍ تجاه الشاطئ!
لا تسمع سوى صوته يهدر بعنف
- لا تخافي أنتِ بأمان لا تخافي
جحظت عيناها بشدة وتسعل فوق سطح الماء , تشق محاولة التنفس محاولة الصراخ
لكن تلك الذراع الغبية كانت تعيقها عن المحاولتين فاستجمعت كل قوتها الباقية وصرخت
- لا أستطيع التنفس سأختنق
توقف للحظة ونظر إليها عاقدا حاجبيه , يبدو الخوف على وجهه مريعا لكنه كان يراقب عينيها الواسعتين بعجز وعلى الرغم من أنه لا يزال متمسكا بها يحتضنها بكل قوته وكانت هي متشبثة بكتفيه , لكنه حاول بسرعة بديهة استيعاب أنها تحتاج فقط للسعال ! وأنهما يقفان أرضا ببساطة !.
استمرت تسعل وتسعل بقوة الى أن تمالك نفسه وبدأ يضربها على ظهرها الى أن شهقت شهقة أخيرة
ثم وقفت أمامه متسعة العينين بهلع إثر أزمة التنفس التي مرت بها فاغرة فمها تلهث بعنف
بينما هو يشاركها اللهاث نتيجة الرعب و السباحة السريعة
وما أن هدأت أنفاسها قليلا , حتى عادت ترمش بعينيها غير متأكدة مما ترى أتراها وصلت لنهاية المطاف في أعراض مرضها !
فهمست بصوتٍ غريب
- ساهر !
وكأن همستها المتسائلة كانت الجرس الذي جعله ينتبه فهدر بقوة صارخا في وجهها
- ما الذي تفعلينه بالله عليكِ ! ماذا تفعلين هنا ؟!
من يراهما من بعيد يظن أنهما اثنين من العاشقين , غمرهما الهوى وجذبهما الى فخِ عناقٍ علني جريء وغير بريء إطلاقا فهو لا يزال يضمها الى صدره بقوة وهي لا تزال تتشبث بكتفيه
لكن الواقع كان مختلفا فما تمسكه بها الا رعبا غير مسيطرا عليه بعد وما تشبثها به إلا محاولة التأكد بأنه هنا وأنها لا تتوهم و لا ترى الهلاوس
أصابعها تحركت على كتفيه قليلا وغامت عيناها وكل عصب في جسدها يتنبه يسخن ثم يستعر
قبل أن تتراجع متحررة من بين ذراعيه بقوة للخلف وهي تنظر الى عينيه فاغرة فمها سائلة مجددا
- ساهر !
انتفاضتها وقفزتها للخلف جعلته يدرك أنها فعليا كانت بين أحضانه وبقوة !! مما جعله يسرع في الابتعاد للخلف خطوة مثلها مما باعد بينهما خطوتين و كلا منهما يحترق ويتلون على الرغم من برودة الماء , لكن الظلام الذي ازداد كثافة كان ساترا كريما للكثير من الانفعالات الغير محبب ظهورها في هذه اللحظة
وكان هو أول من تكلم بمنطق للمرة الأولى فسألها بصوتٍ مجهد مضطرب
- هيا لنخرج من هنا
بدأ في الحركة , الا أنه توقف ونظر إليها بحذر سائلا
- هل أنتِ بخير ؟ هل يمكنك السباحة ؟
رمشت بعينيها وهي تحاول التركيز بكل طاقات عقلها المشتت ما بين الحقيقة والأوهام الا أن صوتها ما أن خرج من فمها حتى سمعها تسأل ببديهة
- أي سباحة !! نحن نقف على أقدمانا ! فلنمشي فقط
حدق ساهر في ملامحها القاتمة مستنكرا غاضبا , ثم ما لبث أن هز رأسه وهو يشير تجاه الشاطئ داعيا بتهذيب مع أنه خرج من بين أسنانه
- تفضلي اذن تقدميني
وبالفعل بدأت في الحركة أمامه توليه ظهرها وما أن أصبحت ملامحها في مأمن من عينيه الكاشفتين حتى تركت لنفسها حرية إظهار كافة انفعالاتها فاتسعت عيناها على أقصاهما وعقدت حاجبيها و فغرت فمها تسأل دون صوت
" ساهر, هل يسير ساهر خلفي في الماء ؟! حقا "
وعلى الرغم من جنون ما يحدث بالنسبة لها الا أنها أطبقت عينيها بشدة و ضمت شفتيها تكبت صرخة جذل أرادت أن تشق بها عنان السماء وضمة قبضتها في إمتنان عظيم للظروف التي ساقته الى هنا
وكأن هالة سحرية سحبته من مكانه وجائت به الى هنا ما أن همست باسمه متمنية أن تراه
وفي خضم انفعالاتها الجياشة تعثرت قدمها في صخرٍ ناتئ مما جعلها تقع في الماء متأوهة
لكنها وجدت من رفعها بسرعة وأوقفها على قدميها وصوته يسأل بنفاذ صبر هافتا
- هل أنتِ بخير ؟!
وقفت تعرج الا أنها التفتت إليه قائلة بصوتٍ متألم
- أنا بخير لقد تعثرت في حجرٍ صغير
وفي أثناء شرحها وصلت موجة كبيرة وضربت وجهها بقوة مما جعلها تسعل من جديد فزفر ساهر بعنف وهو يمسك بمرفقها ويضرب ظهرها وهذه المرة كانت ضربة حاقدة قليلا ثم هتف فيها بغضب
- هيا لنخرج فإن قوة الموج تزداد
استدارت لتتحرك , بينما قبضتها خلف ظهرها تدلك مكان ضربته التي بدت ضربة عقاب لا مساعدة على التنفس !! أيعقل !
وصلا جنبا الى جنب الى الشاطئ وما أن فعلت حتى ارتمت أرضا لتجلس بينما كان ساهر يهتف بقوة كي لا تفعل
- لا تفعلي
لكنها بالفعل كانت قد جلست ونظرت إليه ببراءة , تسأله بغباء
- لا أفعل ماذا ؟!
لكنه لم يجب بل نظر بأسى الى مؤخرتها وساقيها والرمال التي التصقت بها تزيد من فظاعة الموقف
كانت ترتدي ملابسها كاملة واقتحمت البحر بملابسها كاملة !.
و الآن هي مبللة , غارقة في الرمال حالتها يرثى لها , وفي نفس الوقت تستحق الضرب بساق طاولة فوق رأسها
زم ساهر شفتيه وهو ينظر حوله وعلى البصيص المتبقي من النور المغادر أبصر حذائه حيث ألقاه , فاتجه إليه وأمسك به ثم عاد إليها وهو يخرج من جيبي بنطاله , هاتفه وحافظة نقوده !!
فغرت هويدا فمها وهي تسأله مستنكرة بعدم تصديق
- هل نزلت الى البحر بالهاتف والحافظة !
نظر إليها ساهر عاقدا حاجبيه وهو يضغط أسنانه من شدة الغضب ثم لم يلبث أن سأل بصوتٍ أجش ساخر
- غباء مني أليس كذلك ؟
ردت عليه مؤكدة
- بالطبع , أي غبي يفعل هذا !
رفع ساهر حاجبه و الغيظ بداخله يتزايد ويتدفق أكثر , الا أنه أجاب مُستَفزا بقوة
- أنا يا هويدا
ثم نظر الى الحذاء الجاف في يده , ليتابع بعدها قائلا بصوتٍ مكتوم
- على الأقل الحذاء بخير
ابتسمت رغما عنها وخرجت منها ضحكة في صوتٍ محرج جدا جعلها تكتمها بيدها وهي تنظر بعيدا , الا أنه كان قد سمعها فنظر إليها رافعا حاجبيه لكنه لم يتبين ملامحها في الظلام الجزئي خاصة بعد أن أدارت وجهها بسرعة مما جعل شبح ابتسامة يلوح فوق شفتيه لكنه قتلها بسرعة وعاد الى تجهمه ثم سألها بجفاء
- ماذا عنكِ ؟! ماذا أتلفتِ ؟
التفتت إليه سائلة بحيرة
- ماذا تقصد ؟!
نظر إلى ملابسها الكاملة ثم الى الشاطئ الخالي قبل أن ينظر إلى عينيها مجيبا
- لا أرى أي حقيبة أو أغراضٍ خاصة فماذا أتلفتِ داخل جيبي بنطالك ؟
هزت هويدا كتفيها وهي تجيبه وكأنما ترد على غبي
- لم أحضر معي شيئا من الأساس
ارتفع حاجباه وهو يسألها بإيجاز
- لم تحضري شيئا من الأساس !
أومأت برأسها وهي تجيبه ببساطة
- هل تظنني غبية ؟!
تراجع رأسه للخلف , ثم أجاب بقنوط
- العفو يا هويدا أنا الغبي
مالت برأسها تقول بسرعة وحرج
لا تقل هذا
وجد نفسه يرتمي جالسا بجوارها فوق الرمال ليتلوث بها , ثم ألقى بحذائه دون اهتمام ونظر الى أمواج البحر القاتمة بصمت ,بينما هويدا تختلس النظر إليه بطرفِ عينيها حتى سألت بحذر متابعة
- لكن فيما كنت تفكر لتفعل ما فعلت !
نظر إليها مندهشا , ثم لم يتمالك نفسه وهو يهتف باستياء
- فيما كنت أفكر !! كنت أفكر أنكِ تغرقين يا هويدا , هذا ما كنت أفكر فيه
اتسعت عيناها وهي تنظر إليه متفاجئة ثم ردت مستهجنة
-أغرق !! لماذا أغرق ؟! لم أكن بعيدة الى هذا الحد كما أنني أجيد السباحة
كان ساهر ينظر إليها بعدم تصديق ثم التفت إليها بكليته وهتف فيها بغضب حقيقي من بين أسنانه
- هويدا انظري الى نفسك !! لقد نزلتِ الى البحر بملابسك كاملة والشاطئ خالٍ تماما في هذا الوقت من العام و أيضا هذه الساعة من اليوم لا تحملين معكِ هاتف أو أي شيء , أنا من عليه أن يسألك فيما كنتِ تفكرين ؟!
أجفلت قليلا , وفتحت شفتيها تنوي الكلام بسرعة , الا أنها عادت و أغلقتهما ثم نظرت الى البحر وظلت صامتة قليلا حتى قالت أخيرا باضطراب
- لم أكن أنوي فعل هذا لم أكن أريد سوى السير على الشاطئ قليلا , ثم شعرت بالرغبة في النزول الى البحر
نظر إليها ساهر طويلا ثم سألها بقنوط
- وهل تقومين بكل ما ترغبين فيه دون تفكير يا هويدا ؟!
نظرت إليه نظرة خاطفة , ثم أشاحت بوجهها عنها لكنه شعر بها تتشنج و تتعصب وبدا ذلك جليا في حركات جسدها الغير مرتاح حتى أصابعها التي بدأت تتلاعب في الرمال بعصبية
تنهد بصوتٍ مسموع ثم نظر الى البحر هو أيضا و إلتزم الصمت شاعرا بخطورة موقفها بالفعل يبدو أن حالها ليس يسيرا كما كان يظن
منذ أن بدأ يتعرف الى حالتها , وجد نفسه مهتما بالقراءة عن هذا التشخيص بنهم ومما قرأه وجد معلوماتٍ تخيف لكنه سرعان ما أبعد الشكوك عنه و طمأن نفسه بأن حال هويدا أبسط بكثير مما قرأ
فلا مشكلة من بعض الدموع تعقبها بعض الضحكات الأمر ليس بخطير و هي بالتأكيد لا تعاني من هذه الأعراض المكتوبة
لكن الآن وبعد عدة مواقف بدأت تتضح له الصورة بشكلٍ آخر بدأ يتذكر الفترات التي تختفي فيها عن الجميع والمواقف الخطيرة التي تضع نفسها فيها بتهور ودون تفكيرٍ
من حادث سيارة , لاحتمال الغرق في الظلام دون أن يشعر بها أحد ... و ماذا بعد !
تراءى له في هذه اللحظة صورة خطيبها ذلك الفظ الغير مراعي لشعورها إطلاقا والذي لم يره سوى مرتين لكنهما كانتا كفيلتان كي يدرك أي جلفٍ هو
ومع ذلك شعر الآن ببعض التقدير له لتصميمه على الزواج من هويدا وهو يدرك أن هذا الزواج لن يكون سهلا مطلق ربما كانت تحتاج الى انسان في مثل فظاظته عله يقمع تهورها قليلا , حتى و إن كان سيتسبب في جرح مشاعرها , لكنها على الأقل ستكون آمنة من تهورها
انتبه فجأة من شروده على صوتها الأجش وهي تسأله بتردد
- كيف يعقل أن تكون هنا ؟!
بدت و كأنها تكلم نفسها وهي تهمس شاردة الا أنه بدا مترددا أكثر منها , كيف يفسر لها أن والدها استعان به وماذا إن سألته السؤال البديهي
لماذا يستعين بك أنت تحديدا ؟!
لن يتمكن من إحراجها بفضح كشف المقربين منها لحقيقة مشاعرها النقية فقال بطريقة مموهة
هويدا ألم تفكري للحظة أن تصرفك هذا و خروجك دون هاتفك قد يثير قلق والدك بل رعبه لقد لقد سأل الجميع عنكِ , ووصلني الأمر فقمت بالمساعدة بالطبع
بدت شديدة القلق وهي تنظر إليه عاقدة حاجبيها حتى أن تشنج أصابعها في الرمال زاد و بدا أكثر وضوحا وكأنما كانت تحاول تبين الصدق من الكذب في نبرته
وكأنها تتساءل , إن كان هذا هو ما حدث بالفعل أم أن والدها فضح مشاعرها التي تظن أنها تخفيها عن الجميع لكن الجميع يرى بوضوح
أطرق ساهر برأسه مشفقا عليها بشدةود لو يطمئنها
ود لو بإمكانه إخبارها أن مشاعرها تسعده تكاد أن تشرفه فمن تحبه انسانة بروعتها عليه أن يكون سعيدا بنفسه راضيا عنها
لكن كل هذا لم يكن ليُنطَق
ردت هويدا بخفوت وهي تكتف ذراعيها ترتجف قليلا
- لم أنتبه للوقت فحسب
نظر إليها عاقدا حاجبيه بشدة وبدا غاضبا , غاضبا جدا فهتف بقوة قبل أن يستطيع أن يمنع نفسه
- لم تنتبهي للوقت ! أهذه هي المشكلة التي استنتجتها يا هويدا ! أنكِ تأخرتِ قليلا ؟!! لقد أنتِ الى مكانٍ خالٍ , قمتِ بتصرفٍ أخرق كان يمكن لأي مختلٍ أو مجنون أو منحرف أن يهاجمك دون حتى أن يلاحظك أحد و يتمكن من مساعدتك !!
ارتجفت شفتاها قليلا وهي تطرف بعينيها , الا أنها تعمدت تجنب النظر إليه لكنه شعر بقسوة غريبة في نفسه وهو يقول بحدة
- يمكنك البكاء كما تريدين لن أتراجع عما قلت , تعاطفا مع دموعك على الأقل فكري في المهتمين بأمرك
زمت شفتيها كي تمنعهما من الارتجاف وظلت مكانها عاقدة الحاجبين و الدموع تترقرق في عينيها الا أنه تابع قائلا بجدية و جفاء
- هل هذا هو الأسلوب الذي تتبعينه مع والدك كلما منعك عن شيء ؟! الدموع و قلب الشفتين كي يرق قلبه لكِ ؟!
ردت هويدا بصوتٍ باهت خافت وأيضا وكأنما تكلم نفسها تخاطب أفكارها
- أنت الآن تتكلم مثله
اقترب ساهر منها كي يتمكن من سماع ما تقول , ثم هتف باستياء
- مثل من ؟! مثل والدك ؟! لا أظن هذا , لو كان أشد قليلا في التعامل معكِ لكنتِ أكثر حرصا
نظرت إليه وهتفت فجأة بغضب قوي
- بل محسن أنت تتكلم مثله تماما
تركها واستدار ليتجه ناحية البحر لكن على شفتيه كانت هناك ابتسامة وهو يهز رأسه غير مصدقا لما يحدث معه , دس كفيه في جيبي بنطاله المبلل تماما والممتلئ بالرمال يتحرك مضيقا عينيه بحثا عن الحذاء لكنه كان شارد الذهن , مضطرب المشاعر بشكل لا يبشر بالخير
وجد نفسه يتوقف للحظة وهو ينظر الى البحر المظلم مستمعا لهديره الصاخب بلحنٍ بديع ثم همس لنفسه عاقدا حاجبيه بقلق
- ما الذي تفعله يا ساهر ! أنت تترك نفسك للانزلاق بسرعة غريبة
فغر فمه وهو ينظر جانبا وكأنه يبدو متفاجئا مما نطق به للتو وكأن صوته بدا كناقوس الخطر ثم سرعان ما هز رأسه بسرعة ليهمس بصوتٍ أجش
- لا لا بالطبع لا التعاطف شيء بينما ال
توقف فاغرا فمه وهو ينظر الى البحر بعينين زائغتين بداخله صوت غريب يتساءل بجنون
لماذا لا تزال تشعر بدفء جسدها على صدرك بين الأمواج !
أطبق عينيه هامسا بجنون ذاهل
لا هذا تأثير البحر ليس غير , لطالما كان للبحر تأثير عاطفي خطير نعم هذا هو كل ما في الأمر
سمع صوتها ينادي من بعيد
- ساهر أشعر بالبرد وأكاد أن أتجمد
أطبق شفتيه و انقبضت أصابعه في قبضة مغتاظة ثم همس لنفسه بغيظ
إنها حتى لا تترك للإنسان فرصة مناقشة نفسه وتحليل مشاعره إنه مجرد تعاطف , الأمر في منتهى البساطة وهذا كل شيء , اطمئن يا ساهر الوضع تحت السيطرة
سمع ندائها من جديد بصوتها الأجش نافذ الصبر
- ساهر أنا أتجمد
عاد ليطبق عينيه ويضغط أسنانه متمتما ببضع كلمات ثم فتحهما ينظر حوله بنظراتٍ باحثة يائسة
لكن الظلام كان مطبقا , والهاتف مؤكد لن يساعد بحالته الغارقة فرفع يديه مخاطبا الهواء حوله هامسا بيأس
- ما الحل الآن ؟!! ماذا أفعل ؟!
ومع ندائها الثالث قفل راجعا وهو يشتم اللاشيء متبرما , راكلا الرمال مع كل خطوة وما أن وصل إليها متجهم الملامح , حانق العينين بينما كانت هي تنظر إليه بوداعة ثم سألت تقر أمرا واقعا بأسف
- لقد أضعته أليس كذلك ؟
لم يرد عليها , بل كان يرمقها بنظرةٍ حمراء من شدة الغيظ وسمعت نفسا حادا فلزمت الصمت و هي تدلك ذراعيها بقوة تحاول تحمل قسوة البرد الى أن يتغلب على غضبه وبالفعل اضطر الى سؤالها في النهاية بصوتٍ مقتضب
- أستنتج من نبرتك الواثقة أنكِ كنتِ أكثر مني ذكاءًا وتعرفين مكان حذائك
ابتسمت بتعاطف معه وردت ببديهية
- بالطبع لقد وضعته أسفل حاجز الشاطئ على الطريق
مط شفتيه وهو يشير غليها بكفه كي تتقدمه و بالفعل تقدمته بخطواتٍ بطيئة مكتفة ذراعيها مطرقة برأسها
وما أن وصلا الى الحاجز حتى اتجهت للفتحة فيه و التي تركت فيها حذائها ... الا انها تسمرت مكانها فاغرة فمها دون حركة وتوقف ساهر خلفها ناظرا الى تسمرها دون حركة فهتف بصوتٍ متوجس خيفة
- الحذاء غير موجود ها !!
فغرت هويدا شفتيها وهي تفتح كفيها هاتفة بيأس
- لا يعقل لقد تركته هنا بالضبط أين ذهب ؟!
رفع ساهر قبضتيه لأعلى وهو يغمض عينيه يهمس من بين شفتيه شيئا ثم قال من بين أسنانه
- لعله شعر بالملل فقرر أن يسبقك للبيت لقد سُرِق لقد سٌرِق يا هويدا
عضت بأسنانها على جانب شفتها تنظر أرضا شاعرة بالخجل والارتباك بينما حاول هو التقاط أنفاسه ثم أخذ يتكلم سائلا نفسه
- ما الحل الآن ؟! أنا وأنتِ حفاة الأقدام مبللين ومغطين بالرمال النقود في الحافظة مبللة تماما والهاتف لا فائدة منه لا يمكننا السير ولا أملك من المال ما يمكنني أشتري به أي شيء تغطين به نفسك ولا نستطيع حتى الاتصال طلبا للمساعدة
كانت تستمع إليه بتركيز محاولة إيجاد أي حلٍ منطقي وكانت قد فكت ذراعيها ودست كفيها في جيبي بنطالها الخلفيين
مرت على الطريق دراجة بخارية عليها شابين صرخ أحدهما بعبث ضاحكا
- ليتني كنت مكان كفيك
انتبه ساهر الى ما يقصد فصرخ بقوةٍ شاتما بألفاظٍ نابية وحشية مما جعل هويدا تفغر فمها غير مصدقة لما تسمع أما الدراجة فكانت قد اختفت تماما مما جعله يعود إليها هادرا بانفعال
- أخرجي كفيكِ أنتِ أيضا أين تظنين نفسك !!
سارعت تخرج كفيها بسرعة و قد احتقن وجهها بشدة , لكنه لم ينتظر أكثر بل أشار الى أول سيارة أجرة وجدها وما أن وقفت حتى نظر السائق إليهما بدهشة , لكن ساهر سأله بخشونة
- نحن مبللين و تغطينا الرمال هل يمكننا الركوب ؟
كانت نبرته خشنة و فظة بينما السائق ينظر إليه مندهشا الا أنه أومأ برأسه ببطء فأشار لها آمرا بقسوة
- ادخلي
دخلت بالفعل الى الأريكة الخلفية وهي تندس بجوار النافذة تضم ركبتيها و كفيها , لتجده قد اتخذ مكانه ليجلس بجوارها صافقا الباب !!
أدارت هويدا وجهها الى النافذة مبتسمة ابتسامة شاردة .... بل محلقة بين السحاب والسيارة تطير بهما وهو يجلس بجوارها وكأنما اليوم قد وعدها بتاريخه أن يسجل كأجمل يوم من تواريخ حياتها الأسعد على الإطلاق
نظرت إليه نظرة جانبية ثم سألت بخفوت
- لم تخبرني كيف عرفت مكاني ؟
ظل متجهم الملامح قليلا , الا أنه رد بصوتٍ لين
- فكرت أنني حين كنت متضايقا أخذتني الى هذا الشاطئ وقلتِ أنه المكان الذي تأتين إليه دائما كلما أردتِ الاختفاء عن العالم
أومأت برأسها ببطء شاردة العينين الواسعتين لا تصدق أنه لا يزال يتذكر معلومة كهذه !
لكنه تابع قائلا بصوتٍ يحمل دعابة خشنة
- وبصراحة لم يكن لدي أي أفكار أخرى
ابتسمت هويدا و هي تعيد وجهها الى النافذة ولزمت الصمت بينما هو يختلس النظر إليها بملامح جادة و نظراتٍ متفرسة
كانت تنتفض من البرد , الا أنها فعليا لم تكن تشعر به الآن لكن ساهر رأى ارتجافها و شعر به بوضوح لقربها منه فمال للأمام يطلب بهدوء
- هل يمكنك إغلاق نافذتك قليلا من فضلك ؟ .
أومأ السائق برأسه و نفذ الطلب بينما نظر ساهر الى هويدا قائلا بتذمر و بصوتٍ خفيض
- لا أرتدي حتى سترة كي أعيرها لكِ ولو أعطيتك قميصي فسيكون هذا هو التصرف الأخير كي يتم تسجيل محضر فعل فاضح في الطريق العام ضدنا
صدرت عنها نفس الضحكة المحرجة فكتمت أنفاسها بكفها وهي تدير وجهها الى النافذة أما هو
فقد عادت شبه الابتسامة تلوح على فمه وهو يراقبها غاضب المشاعر !
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي