الفصل ١٤
بعد شهر
ارتمت على فراشها بمعدة تزأر من شدة الجوع تكره هذا الإحساس , على الرغم من أنها لم تواجهه الا مراتٍ قليلا بعد خروجها من بيت رحيم والفضل يعود الى النقود التي سرقتها من قاسم لكن المبلغ لم يصمد طويلا , ما بين إيجارتٍ لشقق و غرف فنادق وما بين البحث عن عملٍ بين وظيفة و أخرى
لكنها لم تنجو من الجوع مراتٍ قليلة ورعب الشعور به جعلها تقسم الا تعود إليه مجددا
تنهدت بيأس مفكرة في المبرد الخالي في المطبخ لقد نفذ عن آخره , بعد رحيل سلوان
كما أن آخر جزء من النقود التي تقاضتها من الدار نفذت على طبيب المعدة وأدويته , ليتها ما ذهبت
فلو كانت قد أكلت لكان هذا أفضل من علاج التهاب المعدة الذي لا طائل منه
لقد أعياها التعب اليوم لكثرة ما بحثت عن عمل دون جدوى وعادت خالية اليدين لا تمتلك قرشا واحدا ولا لقمة جافة في البيت
وحين أعياها الجوع قررت النوم فاستلقت بإرهاق مغمضة عينيها ولحسن الحظ أنها تشعر بنعاس شديد من شدة التعب
وهاجمتها أضغاث الأحلام المتشابكة دون معنى وكان نومها متقطعا , يوقظها شيء كل بضعة دقائق
ترى أشكالا من حولها في هذيان أحلامها .
سمعت صوت المفتاح في قفل باب الشقة ففتحت عينيها بضعفٍ في ظلام الغرفة وتساءلت في نومها المتعثر
هل أغلقت رتاج الباب ؟! أم أنني نسيت من شدة التعب ؟!
لم تستطع النهوض أبدا وكأن المطلوب منها أن تتسلق جبلا فعادت لتغمض عينيها و هي تفكر بأنها تحلم بلا شك
فمن ذا الذي يمتلك مفتاحا غير سلوان وسلوان لن تترك زوجها في مثل هذه الساعة من الليل مطلقا
عند هذه النقطة راحت في سبات عميق متنهدة دون أن تسمع الخطوات التي تجولت في الشقة ببطء
تنهدت مجددا وهي تشعر بإصبعٍ يلامس وجنتها فأدارت وجهها معترضة لكن الأصابع توالت و سارت فوق عنقها وكتفيها وتمهلت فوق صدرها فتجرأت مما جعل أعصابها تنتبه وعقلها يأمرها بالاستيقاظ لكن وعيها كان ضعيفا ضائعا وجسد ذكوري يقترب منها بإدراكٍ حسي
شفتان بدأتا تتحركان فوقها حتى وصلتا الى جانب شفتيها حينها فتحت درة عينيها على أقصى
اتساعهما لكن الظلام المحدق بها جعل حدقتيها تتوسعان أكثر وهي ترى الشكل المبهم المظلم الممسك بها بكفيه و بين ساقيه فصرخت عاليا الا أن اليد القوية أطبقت على فمها مما جعل عينيها تتسعان أكثر وبذعرٍ أبشع
ثم همس صوت تعرفه جيدا في أذنها
اهدئي يا درة إنه أنا
فغرت فمها بذهول أسفل كفه وهي تحاول تبين ملامحه ثم تكلم مجددا بخفوت أسفل أذنها
لم أتخيل أن يتهور جسدي بهذا الشكل تجاوبا مع استلقائك الذي جلب لذهني ذكرياتٍ لم أنساها أبدا
مرت كفه في تجنٍ محموم فوق جسدها مجددا مما جعلها تطبق عينيها بشدة محاولة المقاومة بصراعٍ مستميت
لكن الصوت همس قائلا
يا امرأة أنتِ لا تفقدين سحرك أبدا كباقي النساء
عادت تتلوى بجنون , ثم عضت راحته بقسوةٍ أدمتها فتأوه وهو يبتعد عنها ممسكا بكفه وهو يهتف بعنف
تبا لكِ أيتها الشرسة
انتهزت درة الفرصة وانتفضت قافزة أرضا , جارية الى مفتاح الضوء فأنارت الغرفة لتتأكد بأنها لا تحلم
وبرعب رأت حسين جاثيا بركبتيه فوق سريرها !
حسين ؟! كيف عاد ؟! ومتى ؟! ألم يهتما بتغيير قفل المفتاح ؟!
صرخت درة عاليا كي يسمعها الجيران لكنه كان خلفها بكل سرعته فحاوط خصرها بذراعه وأطبق بكفه على فمها يهزها بقوة وهو يهدر في أذنها
اخرسي يا مجنونة اهدئي
لكنها لم تهدأ بل حاولت ركله بساقيها وكفيها دون جدوى مما جعله يقول من بين أسنانه بغضب
درة اهدئي لقد عدت لأبقى وهذه المرة سأردك ولن أطلقك أبدا سنسترد الشقة و لا تأبهي بسلوان مطلقا , فتلك الحيوانة الغبية حسابها معي فقط تعاوني معي و
ضربته درة في معدته بكل قوتها مما جعله يتأوه قبل أن تدرك أنها أثارت غضبه وتحول الى وحشٍ هائج فصرخ عاليا كالمجنون
تبا لكِ يا درة أتظنين أنني قد أغفر لكما انتهاز عدم قدرتي على العودة و فضحي بهذا الشكل أمام الملايين وطالما أنكِ ترفضين التعاون معي , فستقبلين بالعقاب بنفس راضية
ثم تركها ليديرها إليه قبل أن يصفعها بكل قوته
شعرت درة بالذعر للحظة فبدأت بالصراخ كي يسمعها أحد وهي تحاول الوصول الى باب الشقة لكن صفعة أخرى جعلتها تصمت تماما و تترنح حتى اهتزت الرؤية أمام حدقتيها ولم يتوقف و كأنه منتشيًا بما يفعل جراء غضبه مما رأى على الشاشة ولم يتخيل أن ينال انتقامه أبدا لكن ها هو هنا و الفرصة سانحة
فتوالت صفعاته وهي تترنح وما أن رآها ساكنة لا تقاوم حتى صرخ فيها بغضب
هل هدأتِ الآن ؟!!
لم تجبه , بل امتدت يدها لتلتقط طبقا زجاجيا فوق الطاولة رفعته عاليا و بالمتبقي من قوتها ضربت رأسه فرأت خيطا من الدم ينزف عبر حاجبيه
لامس حسين الدم ونظر إليه ذاهلا , قبل أن يحدق في عينيها بجنونٍ شرس ثم صفعها بقوة جعلتها ترتمي للخلف متعثرة فسقطت وارتطمت مؤخرة رأسها بحافة الطاولة عند هذه النقطة بدأت الرؤية تتلاشى أمام عينيها وشعرت بالرعب من أن تتهاوى وتترك نفسها فريسة له
لكنها سقطت أرضا مغشيا عليها
من بين الظلام الثقيل أخذت تهز رأسها ذات اليمين واليسار وكلما فعلت شعرت بألمٍ عنيف فتأوهت
لكن كانت هناك أصابع تلامس وجنتها وجبهتها مما جلب لها ذكرى مرعبة ففتحت عينيها بقوة وهي تصرخ بكل قوتها مستقيمة في جلستها مما جعل صوت رجولي يقول بعذاب
اهدئي يا درة إنه أنا
فتحت عينيها تنظر الى من يحدثها فوجدت قاسم جاثيا أرضا بجوارها وهو ينظر إليها بعينين بهما حريق مستعر محتجز خلف الحدقتين المظلمتين فصرخت عاليا و هي تحيط جسدها بذراعيها مما جعله يضمها الى صدره بكل قوته الا أنها أخذت تضرب صدره بقبضتيها وتصرخ عاليا بهياج تصرخ , تصرخ ثم أغمضت عينيها مجددا وتلاشت من أمامه لعله كان كابوسا
هذا لم يكن سوى كابوسا مجرد كابوس مقيت ليتها فقط تستيقظ لا تعلم لماذا لا يمكنها
الاستيقاظ رغم محاولاتها المضنية في رفع جفنيها !
كلما فعلت غشى الرؤية أمام حدقتيها ضوء أبيض قوي , آلم عينيها وزاد الصداع النابض في رأسها حدة بشراسة
لا تزال تتذكر لمحات واضحة من ذاك الكابوس الذي ضم الرجلين الوحيدين في حياتها و أكثر من كرهت بسببهما باقي الرجال جميعا
لا ليس حقيقيا هناك والدها الذي لم يكتفي بزوجته وجاء بأمها وجعل منها بوفاته عبئا على عاتق أسرة لا ترغبها
وهناك أخاها الذي ما أن وجد فرصة أفضل لحياته حتى انطلق اليها , دون أن ينظر للوراء ولو للحظة وتركها أسيرة لإحسان الغريب
الرجال جميعهم نوعا واحد نوعا , إما أن تبتعد عنه للأبد وإما أن تخضعه تحت سيطرتها كي تنجو بنفسها من شره
عليها أن تتوقف عن هذه الأفكار , فهي على ما يبدو السبب في جلب هذا الكابوس حيث تعرضت في ليلةٍ واحدة الى اعتداءين مِن أكثر مَن كرهت في حياتها تبا لهما كيف يجرؤا على فعل ما فعلا حتى وإن كان كابوسا !!
زاد الألم بقوة في مؤخرة رأسها مما جعلها تتأوه بقوةٍ وبصوتٍ خرج من حلقها أخيرا كصيحة مختنقة
وعلى الرغم من قدرتها على الصياح الا أنها عجزت عن فتح عينيها مجددا على الرغم من محاولاتها المستميتة
الا أن صرخة أخرى امتزجت بصيحتها أجفلتها صرخة رجولية غاضبة جعلت العالم يرتج من حولها مرسلاً رعشة رعب في أوصالها
إنها تتألم ! تصرفوا , افعلوا شيئا أو سأخرجها من هنا
تماوجت العديد من الأصوات من حولها واختلطت فعجزت عن الفهم و استيعاب ما تنطقه هذه الأصوات
بدأ الرعب ينتشر بداخل صدرها فشعرت بإنقباضٍ مفزع ماذا يحدث ؟!
ألم ينتهي الكابوس بعد ؟! لا والله لن تسمح بأن تعيش لحظة إضافية من تلك الإهانة التي مرت بها على يد اثنين من الحقراء يجب أن تستيقظ بالقوة وبالعنف إن لزم الأمر
حاولت مجددا فتح عينيها و كأنهما مقيدتين بشريط لاصق لكنها بذلت جهدا أكبر و أعنف ومزقت تلك الأشرطة اللاصقة الوهمية فارتفع جفناها أخيرا ببطء ضعيف
إنها تفيق
سمعت هذه العبارة والتي بدت بصوتٍ أجوف تردد صداه عدة مرات فارتج رأسها وجعا
لكنها حافظت على جفنيها مفتوحين وهي تحدق في السقف الأبيض ذو المربعات الواسعة
لكن فجأة اخترق ظل أسود كبير مجال الرؤية لديها فأراح حدقتيها الناعستين من الضوء الأبيض المزعج و ظللهما للحظة بينما اندفع نفس الرجولي في أذنها يتكلم بنبرةٍ خشنة تحمل لهفة غاضبة
درة هل أنتِ بخير ؟! درة
لماذا هو غاضب منها ؟! ماذا فعلت كي يغضب منها ؟! من هو ذاك الملح الذي لا يتوقف عن مناداة اسمها بنبرة الأمر الغاضبة تلك ؟!
درة هل تسمعيني ؟!
كف قوية التقطت يدها وشدت عليها بقوةٍ بينما راح ابهام كبير يفرك راحتها كي يزعجها أكثر ويحثها على الاستفاقة بكل سماجة
درة حركي عينيكِ تجاهي
هلا تركتها قليلا من فضلك لنتابع عملنا
لن أبارح مكاني للحظة , فلتخرجوني بالقوة
يا سيد أنت تعيق عملنا اخرج من هنا حتى ننتهي من فحصنا
لن أخرج ويجدر بكم البدء بالاهتمام بها عوضا عن إضاعة الوقت في ثرثرة لا طائل منها
أغمضت عينيها مجددا بألم غير قادرة على تحمل الصداع الذي يزيد هذا الصوت المزعج من تفجره في رأسها
لكن الصوت المزعج عاد ليقترب من أذنها قائلا بغضبٍ مستفز
لا تغمضي عينيكِ مجددا افتحيهما حالا درة أجيبيني
همست بصوتٍ يئن بعذاب
اخفض صوتك أرجوك
سمعت صوت تنهيدة كبيرة تنهيدة محملة من القلب بنفسٍ عميق تنهيدة تعني أن هناك من عثر على الحياة أخيرا
ثم وصلها الصوت يسألها الآن بنبرة أكثر خفوتا
هل تشعرين بالدوار ؟! هل تحسين بالغثيان ؟!
هل هي حامل ؟
انطلقت فجأة ضحكة عالية قوية , خرجت متحشرجة من حلقها ثم و كأن انفعالا غريبا كان مشحونا بداخلها تطلب تفريجا فوجدت في الضحكة راحة غريبة , مما جعلها تضحك أكثر بلا توقف
حتى طفرت عينيها بالدموع فتعالى الصراخ الغاضب مجددا
إنها ليست في حالٍ طبيعية هل أنتم عميان لا تبصرون حالتها
أخرجوه من هنا استدعوا الأمن
يا سيد هلا أتيت معي رجاءًا , أنت في حاجة لقرصٍ مهدئ
رفعت كفها بضعف كي تلمس جبهتها المتألمة وتأوهت مجددا قائلة
كفى اخرجوا جميعا من كابوسي
شعرت بلهيبٍ دافىء يلامس وجنتها والصوت يعود من جديد ليهدر بهمس أجش في تجويف أذنها
درة افتحي عينيك
وكأنها مسلوبة الإرادة أمام هذه النبرة الآمرة ذات السلطان , امتثلت وفتحت عينيها مجددا ببطء
هذه المرة بدت الرؤية أوضح والضوء لا يزعجها بنفس الدرجة
استقرت حدقتاها للحظة , قبل أن تديرهما الى مصدر الصوت المألوف بجوار أذنها وهي تشعر بالبرد فجأة يدب في أوصال جسدها
وكأنما الاستيعاب قد هطل على عقلها في لحظة واحدة مدركة صاحب الصوت قبل أن تبصره عيناها
وما أن نظرت الى وجهه حتى تسمر جسدها تماما وهي تنظر إليه عاقدة حاجبيها
كان وجه قاسم يعلو وجهها تماما يبدو شاحب الوجه , مستعر النظرات وهو يحدق في عينيها بنظراتٍ غريبة مخيفة
أخفضت عينيها و هي تشعر بضغط أصابعه القوية فوق كفها ! أين هي ؟! ماذا يفعل قاسم في غرفة نومها ؟! الا زالت تعيش الكابوس ؟! لكن
أدارت عينيها تنظر حولها , فوجدت نفسها ممددة في سرير بالفعل لكنه ليس بسريرها بل سرير ضيق أبيض داخل جزء غريب محاط بالستائر الزرقاء من ثلاث جهات وهناك أشخاص غيره , اثنين أو ثلاث
رعب مفاجئ بدأ يسيطر على عقلها وهي تعيد عينيها الواسعتين الذاهلتين الى حيث وجه قاسم وعينيه المنتظرتين لعينيها ثم تكلمت بصوت متحشرج متعثر
ماذا أين أنا ؟!
كان الرعب واضحا على وجهها , فقال بصوتٍ خشن متصلب
لا تخافي يا درة , أنا معك لن أغادر
لكن ذكرى الكابوس اندفعت في ذهنها دفعة واحدة من بدايته وحتى نهايته وفجأة صرخت بقوة و هي تضربه في صدره بقبضتها الحرة
ابتعد عني لا تلمسني
عقد قاسم حاجبيه بشدة وهو يتراجع عتها مستقيما في وقفته الا أنه لم يترك كفها , بينما حاولت جذبها منه و حين فشلت صرخت مجددا بذعر
اترك يدي لا تلمسني ماذا فعلت بي ؟!
ازداد انعقاد حاجبيه , ثم شعرت بكفها تتحرر ببطء حتى سقطت الى جوارها فوق السرير الضيق وكانت تلهث بسرعة وصدرها يرتفع وينخفض ذاهلة تنقل عينيها بين ملامحه المتجهمة وبين أنحاء هذا المكان حتى وجدت شابا غريبا عنها يرتدي معطفا أبيضا ينحني إليها وسألها باهتمام
هل هذا الرجل هو من اعتدى عليك ؟
انتفض رأسها كالرصاصة وهي تحدق في الطبيب ذاهلة بملامح بيضاء تقارب درجة الغطاء الذي يغطيها
وحين ظلت صامتة فاغرة فمها , مد الطبيب يده يمسك بذقنها ثم وجه الى إحدى حدقتيها ضوءًا كاشفا قويا جعل حدقتها تتسع ثم فعل نفس الشيء مع الحدقة الأخرى وسمعت صوته يسألها مجددا
سيدة درة هل هذا الرجل الذي أحضرك الى هنا هو من اعتدى عليك ؟!
اتبعي حركة إصبعي
لكنها مع حركة إصبعه تجاه اليمين أبصرت قاسم مجددا والذي كان واقفا في الزاوية ينظر إليها متجهما بملامح غريبة فلم تتمالك نفسها وهتفت فجأة بجنون
أين أنا ؟!
ربت الطبيب على ذراعها يطمئنها قائلا
اهدئي ألا تستوعبين المكان المتواجدة فيه الآن ؟
ابتلعت درة ريقها بخوف وهي تقول بعصبية متلعثمة
أنا في مشفى
أومأ الطبيب برأسه ثم سألها
لقد وصلتِ منذ قليل هل تتذكرين تفاصيل الاعتداء الذي تعرضتِ له ؟
أسبلت جفنيها للحظة وهي تستعيد تفاصيل الكابوس , ثم ارتعدت فاهتز جسدها بعنف قبل أن تنظر الى قاسم بذهول وهو يبادلها النظر بتجهمه الشديد ثم همست بذعر
هل اقتحمت شقتي ؟ هل لمستني و
رفعت يدها الى وجنتها وهي تتذكر الصفعات التي تلقتها والتي لاتزال تؤلمها بشدة , الا أن صوت قاسم قصف فجأة بعنف وهو يهدر فيها بنبرة مرعبة
من فعل بكِ هذا تذكري
انتفضت بشدة من صرخته التي هزت المكان , فاهتز لها رأسها وهي تجيب صاغرة هامسة بعدم تصديق
وكأنها تكلم نفسها
حسين !
وكأنما أحال الاسم الذي نطقته الملامح المرعبة الى أخرى شديدة التوحش وهو يندفع إليها حتى مال إليها وثبت كفيه فوق السرير على جانبي كتفيها وهو يحقق معها بشراسة
طليقك أهو من دخل الشقة ؟! كيف ؟ ماذا فعل ؟؟ وكيف تطور الأمر و انتهى بالكدمات التي تعلو وجهك ؟ درة هل تسمعينني ؟
كانت تهز رأسها بعدم فهم وبملامح شاحبة مرتعبة , محاولة فهم ما حدث و ما يحدث الآن !
لكن الطبيب لم يمنحه الفرصة كي ينال الأجوبة التي قد تشفي غليله أو ربما تزده جنونا
فأمسك بكتفيه وهو يجذبه للخلف بعيدا عنها وهو يهتف بصوتٍ صارم
يا سيد حاول أن تفهم لقد تلقت ضربة قوية على رأسها , من الممكن أن تكون قد تسببت لها بارتجاج في المخ وربما تعاني من كدماتٍ أخرى في جسدها هلا خرجت الآن رجاءًا ؟
نظر إليها قاسم للحظاتٍ نظراتٍ رأت فيها عذاب التوقعات المرعبة ممتزجا بغضبٍ أسود مخيف
فبادلته النظر و هي عاجزة عن الفهم لم تستوعب ما يحدث
هل كان حسين في الشقة فعلا واعتدى عليها وضربها ! وهل كان قاسم موجودا أيضا ؟! لكن ألم يره ؟!
اضطر قاسم في النهاية للتراجع دون أن يسحب عينيه عن عينيها , ثم رمقها بنظرة أخيرة طويلة قبل أن تراه يخرج من الستار المقابل لها
حينها فقط نظرت الى الطبيب الذي اقترب منها يفحص رأسها فسألته محاولة الفهم بنبرة مرتعشة
أين أنا بالضبط ؟! أقصد بأي قسم ؟! ومنذ متى تحديدا ؟
أجابها الطبيب محاولا تهدئتها
أنتِ الآن في قسم الطوارئ لقد أحضرك السيد الذي خرج للتو منذ قليل و كنتِ فاقدة للوعي إثر ضربة تلقيتها في مؤخرة رأسك سنقوم الآن بفحصك بالكامل وسنجري أشعة لنتأكد من سلامتك
تأوهت درة وهو يفحص الضربة في مؤخرة عنقها ثم همست متذكرة بعينين شاردتين
لم تكن ضربة أظنني صدمت رأسي في حافة الطاولة حين وقعت
سألها الطبيب باهتمام
هل تتذكرين ما حدث بوضوح ؟
أومأت وهي ترمش بعينيها ثم قالت ذاهلة
نعم أتذكر أنني وقعت و شعرت بألمٍ حاد , لكنني لا أتذكر شيء بعدها
رد عليها الطبيب سائلا
لكن هذه الصفعات على وجهك تدل على أنكِ تعرضتِ لهجوم عنيف , هل تتذكرين تفاصيله وهوية مرتكبه ؟!
عادت لتومئ من جديد ثم همست ببطء
نعم أتذكره
ثم صمتت شاعرة بالمهانة والذل والغضب والقهر من عجزها أمام هول ما تعرضت ل
ربت الطبيب على كتفها برفق قائلا
سنجري أولا باقي الفحوص اللازمة لنحدد مدى اصابتك , ثم نبلغ الشرطة
شردت عينا درة بعيدا وهي تومئ برأسها ببطئ فخرج الطبيب من نفس الستار الذي خرج منه قاسم وبقت معها إحدى الممرضات لتساعدها وفجأة دخل قاسم مجددا , ووقف ينظر إليها متجهما جسده يرتجف بطريقة ما !
وهي ترمقه بنظرة صامتة , تود لو تمتلك القوة لتصرخ فيه أن يخرج منها لكنها كانت تحتاج الى بعض الأجوبة و ستحصل عليها وبالفعل سألته
أريد أن أفهم كيف دخلت الى شقتي ؟! ألم تره ؟!
لم يحتج الى سؤالها عن المقصود , بل أجابها بنبرة خفيضة غاضبة شرسة من بين أسنانه وهو يقبض كفه
أتظنين أنني لو كنت رأيته , لكنت الآن واقفا معك أتحدث بعجزٍ كالنساء !لكنت أطبقت على عنقه بكل قوتي وتمتعت و أنا أرى روحه تخرج ببطء
ارتعدت درة بشدة وانتفض جسدها مع نبرة الشر في صوتها والتي لاقت استجابة بداخلها
صمت قاسم وهو يبتلع المتبقي من كلماته الغاضبة فاستدار عنها يوليها ظهره شاتما بلفظ بذيء
وبعد لحظتين سألته بخفوت و بصوتٍ واهٍ
اذن كيف
التفت برأسه يرمقها بنظرةٍ طويلة من فوق كتفه ... لكن وقبل أن يجيب دخلت طبيبة عبر الستار وتوجهت إليها متكلمة بخفوت ورفق حتى تستوعب درة ما تقوله ممسكة بمعصمها بقبضة هادئة
كيف تشعرين الآن ؟ تم إبلاغي أنكِ تعرضتِ الى هجوم في بيتك واعتداء جسدي و سيتم تقديم بلاغ رسمي للشرطة من قبل المشفى , لذا أنا هنا لأسألك هل تعرضت لاعتداء جنسي بأي شكل ليتم فحصك ؟
شعرت درة بالدماء تفر من وجهها في لحظة واحدة مع تيارٍ جليدي من الخوف سرى في أوردتها و هي تنظر الى عيني قاسم الواسعة بنظرةٍ مريعة وكأن هذا ما كان يخشاه وأجل السؤال عنه
مما جعلها تصرخ بهلع
بالطبع لا لم يحدث لم يحدث
ثم أعادت عينيها الى قاسم وصرخت بجنون
مستحيل أن يكون قد حدث
لم يرد عليها , بل كان واقفا مبتلعا المكان بهيئته المشحونة وهو يضع كفيه في خصره ناظرا إليها بعجزٍ ناري يدل على عدم تأكده من كلماتها
الا أن الطبيبة أمسكت بكفها بقوة وقالت بهدوء و نبرة تفهم
اهدئي يا سيدة درة أرجوكِ أنا فقط أريد التأكد لمصلحتك , هل أنتِ واثقة ؟
كانت درة تهز رأسها بانفعال وهي تحدق حولها هامسة بعدم تركيز
أنا لقد كان
صمتت للحظة ثم رفعت يدها الى جبهتها وهي تئن قائلة
لقد كانت هناك
صمتت مجددا للحظاتٍ ثم صرخت بيأس وهي تشيح بوجهها عن قاسم
لا أريده هنا أريده أن يخرج
التفتت الطبيبة الى قاسم وتكلمت بصرامة
سمعت السيدة , رجاءًا أخرج
الا أن قاسم صرخ بجنون وقد فقد القدرة على تقدير الموقف
هل هذا هو ما تهتمين به في هذه اللحظة ؟! ألا أكون شاهدا على انكسارك وما تعرضتِ له ؟! أيتها الغبية العمياء المجنونة !
هتفت الطبيبة بنبرة أشد
أخرج من هنا حالا
الا أن قاسم تجاهلها واقترب من درة منحنيا إليها حتى أمسك بيدها بين أصابعه بقوة و هدر بقوة
تكلمي أمامي يا درة أريحي عقلي الذي يوشك على الجنون بالله عليك
رفعت جفنيها وهي ترى في عينيه تعبيرا أفزعها سيطر عليها وشلها وزاد من رعبها على نفسها إن كان هذا هو الرعب الكامن خلف حدقتيه مما جعلها تهمس بضعف مسلوبة الإرادة أمام عينيه
كانت هناك محاولاتٍ منه , لقد استيقظت وهو بجواري لكنني أفلت منه و خرجت من الغرفة بسرعة , حينها غضب ولاحقني بصفعاته فضربته و صفعني صفعة أخيرة أخلت بتوازني فسقطت مرتطمة بالطاولة وفقدت الوعي دون أن يحدث شيئا مما تشكون فيه
كانت أصابعه تضغط على كفها بقسوة مع كل كلمة تنطق بها حتى آلمتها بينما النظرة في عينيه تزداد قدرة على إرهاب من ينظر غليها في تلك اللحظة
الا أنه تكلم سائلا بنبرة خافتة , شديدة الخطورة والغضب متحشرجة
هل أنتِ واثقة من ألا يكون قد حدث شيء بعد فقدانك الوعي ؟!
فتحت فمها لتنفي بسرعة و إصرار لكن لزمها ثانيتين كي تجيب بثقة , مما جعله يسقط رأسه بيأس دون أن يترك يدها ثم قال مخاطبا الطبيبة بنبرة باهتة مقتضبة
ستخضع لفحص كامل
صرخت درة بحرج و رعب
لا أريد شئ من هذا , لم يفعل لن يجرؤ على
نظر قاسم الى الطبيبة وتكلم بنبرةٍ آمرة لكنها كانت مهتزة بعض الشيء
هل يمكنني الكلام معها على انفراد للحظات
أومأت الطبيبة برأسها على مضض ثم نظرت الى درة وقالت بهدوء
لا تُطِل من فضلك
وبعد خروجها ظل قاسم واقفا مكانه مظلم الملامح مستعر العينين إنما بمشاعر خافت من تفسيرها فأطرقت بوجهها ترتعش وحين حاولت سحب يدها لم يسمح لها وانتظرت ان تسمع منه تشفيا أو ازدراءًا قاتلا
وهي لن تتحمل أي من هذا الآن والله لن تتحمل
لكن صدمها صوته وكأنه فقد فجأة كل عنفه وهدير الغضب فيه وتحول الى نبرة خافتة هادئة
ليس هناك أصعب على نفسي من إقناعك بهذا
رفعت وجهها الشاحب تنظر إليه بعينين واسعتين مبللتين لكنه لم يكن ينظر الى عينيها بل ظل مطرق الوجه و كأن الموقف أكبر من قدرته ثم تابع بنبرة متصلبة
لكن والله لو ثبت أن هذا ما حدث والله الذي لا أقسم باسمه باطلا , سأمزق من لحمه وهو حي حتى يموت أمامي
ارتجفت شفتاها بشدة فأطبقت جفنيها فوق دموعٍ رفضت أن يراها ولوحت بكفها محاولة الكلام فخرج صوتها هاتفا مختنقا
لا أظنه يصل الى هذه المرحلة كان يريد إرعابي فقط , ثم أنني ضربته فوق رأسه إن لم تقتله الضربة فعلى الأقل ستتركه مترنحا نازفا وأنا
صمتت للحظة تنظر الى نفسها للمرة الأولى لتجد أنها لا تزال ترتدي قميص نومها , الا أنه كان مغطى بقطرات وبقع الدم !
دم غزير ! أخذت تتحسس صدرها ومعدتها بأصابع مرتجفة , فلم تشعر بنفسها مصابة بهذه الدرجة !
كان قاسم يراقب حركاتها المضطربة ففهم معناها مما جعله يقول بصوتٍ أجش مختنق
ليس دمك بل دمه المدنس
نظرت درة إليه بهلع فتابع بصوتٍ أكثر خفوتا وأكثر إرعابا
هذا يعني أنه اقترب منكِ بعد اغمائك
صدر عنها أنين مفزوع لكنها عادت تهز رأسها نفيا بعينين واسعتين مرتعبتين ثم قالت ببطىء
لكن كيف دخلت أنت ؟ كيف عرفت ؟ وكيف لم تره ؟
ترك يدها ببطء ثم استدار عنها ليوليها ظهره وأجابها بصوتٍ باهت
اتصل بي جارك أخبرني أنه يسمع أصوات حركة وبعض الصرخات في شقتك التي تعلوه , وأنه سيصعد ليتفقدك وأنا جئت بأقصى ما استطعته من سرعة
رمشت درة بعينيها و شعرت بأنها لم تعد تفهم شيئا , فهمست بهذيان
ولماذا يتصل بك أنت ؟ من أين له أن يعرفك ؟!
ظل قاسم صامتا بضعة لحظات , ثم قال باختصار دون أن يستدير إليها
سبق وتعارفنا , وطلبت منه أن يخبرني إن احتجتِ يوما لشيء أو حدث أي مكروه أو
صمت وهو يتنهد تنهيدة عميقة جعلتها تفغر شفتيها المرتعشتين قليلا ثم تابع قائلا بنبرة جليدية
المهم حين وصلت , كنتِ ممددة أرضا وفاقدة الوعي وحين رأيت الدم على قميصك , ظننتك
عاد ليصمت مجددا الا أنها فهمت ما يمكن أن يشعر به ويتخيله وهو يرى أمامه منظرا كهذا
أخفضت وجهها للحظة , ثم همست ببطء
أستطيع التخيل
صدرت عن حلقه ضحكة جافة خشنة ثم سأل بسخرية سوداء
أتراكِ تستطيعين حقا ؟!
عضت على شفتها تحاول عبثا إيقاف ارتعاشها , ثم سألت بصوتٍ بدا كالنحيب
لكن على ما يبدو أنك وصلت بسرعة , كم من الوقت مر ؟
أومأ قاسم برأسه ثم أجاب بصوتٍ مقتضب مكتوم
هذا ما أعتمد عليه ليطمئنني قليلا فبعد أن اتصل بي جارك , صعد مباشرة ليجد الباب مفتوحا وقد خرج الحيوان هاربا تاركا إياكِ ممددة أرضا
وجدت نفسها تسأل بصوتٍ واهٍ وكأنه آتٍ من خلف غيومٍ تحيط بذهنها المرتعب المشوش
كيف وصلت بمثل هذه السرعة ؟!
لم يرد قاسم على الفور , بل ساد الصمت بينهما للحظات قبل أن يرد بجفاء متجاهلا سؤالها
ستخضعين للفحص لا أظنه قد وصل الى هذه المرحلة كذلك , لكن ربما كان زاد من انتهاكه لكِ بأي طريقة قبل رحيله كنوع من الانتقام
صرخت درة بضياع وعجز
لماذا ينتقم مني ؟ ماذا فعلت له كي يفجر بي كل هذا الحقد دفعة واحدة
لم يجبها قاسم للحظات , بل اكتفى بالنظر إليها بنظراتٍ مبهمة قاتمة ثم اقترب منها حتى جثى على عقبيه أمام سريرها , فبات وجهه قريبا من وجهها جدا وشعرت بنفسها أسيرة لنظرات عينيه غير قادرة على الإشاحة بوجهها عن سلطانهما في تلك اللحظة المخيفة التي تمر بها وحين تكلم قال بصوتٍ أجش خافت
افعلي هذا رجاءًا
تحرك حلقها بصعوبة و كأن حجرا مؤلما يمزق صوتها وهي تهمس
لا أريد المرور بهذا , لن أستطيع الآن مطلقا
رفع قاسم يده ببطء ومر بها على مقدمة شعرها لكنها انتفضت ونفرت منه بسرعة مشيحة بوجهها مما جعل يده تتشنج وملامحه تتوتر ألما فأبعدها وهو يتنهد بثقل قائلا بصوتٍ جاف لا يعرف اللين أو الحنان
تعرفين في قرارة نفسك أن هذا ما سيحدث لذا ارتاحي قليلا الى أن تنتهي الأشعة وتقطيب الجرح في رأسك وبعدها قد تكونين أكثر منطقية وتعقلا
ودون أن ينتظر منها جوابا أو موافقة استقام متجها الى الستار ليخرج , لكن وقبل أن يفعل نادته درة فجأة بخوف
قاسم هل ستغادر ؟
توقف مكانه يوليها ظهره حتى أنها ظنته سيتجاهل الرد عليها , لكنه أجاب أخيرا دون أن يستدير إليها وباقتضاب بدا فيه صوته متحشرجًا وكأنه يصارع محافظا على رتابة نبرته
سأنتظرك لآخر لحظة
ثم خرج بينما ويا للغرابة كانت تلك هي المرة الأولى التي تشعر فيها بشيء من الراحة منذ أن أفاقت على هذا الكابوس المروع
الكابوس المؤلم لم ينتهي الا بعد وقتٍ طويل بدا كدهرٍ وهي تترنح من بين يدي طبيب لآخر و طبيبة أصواتهم تتداخل فيعصف الصداع برأسها يكاد أن يفتك بها والدوار يلقي بها في وادٍ سحيق بعيد
كانت تسأل بين الحين و الآخر عن قاسم وكأنها تريد الاطمئنان الى أن هناك من ينتظرها في الخارج
وما أن انتهى كل شيء و بقت جالسة على حافة السرير قدماها الحافيتان تلامسان الأرض الباردة و قبضتيها متشبثتين بالأغطية خوفا من أن تقع أرضا مجددا حتى سمعت صوته الخافت ينادي ببطء باسمها
فالتفتت اليه بصمتٍ تطالع ملامح وجهه محاولة أن تستشف أي تعبير
الا أن ملامحه كانت جامدة وهيئته قوية ومتحفزة فقط عيناه تظهران طوفان من المشاعر المتناقضة والتي لا يمكن تفسيرها مطلقا
حين بقت صامتة قال بجفاء
لقد انتهى كل شيء
فتحت فمها للحظة , ثم أومأت وأجابت بخفوت
كل شيء على ما يرام
فهم ما تقصد فأومأ هو أيضا وأجاب بصوتٍ باهت مرهق
نعم
شعرت بحرجٍ بالغ وأخفضت وجهها فنظر إليها طويلا بعينيه القاتمتين , ثم قال أخيرا
لقد كان جارك و زوجته هنا طوال الوقت يريدان الاطمئنان عليكِ الا أنني فضلت ألا تواجهي أحدا الآن وطلبت منهما العودة الى بيتهما , فقد أطالا البقاء بالفعل
أومأت برأسها ببطء وقالت بصوتٍ لا يكاد أن يسمع
شكرا هذا أفضل
سمعت خطواته تقترب منها , لكنها لم ترفع رأسها حتى شعرت بكومة من الملابس تلقى بجوارها على السرير وحين نظرت إليها لاحظت أنها ملابسها الخاصة
رفعت عينيها الى وجهه الجامد متسائلة فأجاب بفتور
حين عرضا المساعدة قبل رحيلهما , طلبت من زوجته أن تأتيكِ بملابس من الشقة
أخفضت عينيها الى الملابس , وصمتت دون رد فتابع قائلا بنبرة أكثر خشونة
سأنتظرك في الخارج إن كنتِ تحتاجين الى المساعدة يمكنني استدعاء ممرضة .
هزت رأسها نفيا دون صوت , فأومأ برأسه ورمقها بنظرةٍ مبهمة قبل أن يخرج ويتركها بمفردها
اضطرت للاعتراف بينها و بين نفسها أنها ممتنة لوجوده وفي نفس الوقت كان الشخص الأخير في هذا العالم الذي تتمنى أن يكون شاهدا على هذا الذل و المهانة التي تعرضت لهما
لكنها كانت أضعف من أن تستمر في الممانعة وهي كانت بالحاجة الى وجود أحدهم بجوارها , فقد كانت تشعر بالخوف !
وطالما أنه شهد ضعفها وانتهى الأمر , فالأفضل ألا يراها غيره
وقفت درة أمام باب المشفى تشعر ببعض الدوار وهي تنظر حولها محاولة تحديد اتجاهها و كانت أشعة الصباح قد بدأت تغشي عينيها فرمشت بهما عدة مرات قبل أن تتحرك يمينا وبخطواتٍ خرقاء
لكن أصابع حديدية قبضت على ذراعها فجأة غير عابئة بترنحها وآلامها و صوت خشن غاضب يقول
انتظري الى أين تظنين نفسك ذاهبة ؟!
كان قد خرج معها من باب المشفى وهي تسير بجواره شاردة الذهن وما أن خرجت حتى تخيلت أن الحاجة إليه قد انتهت وسارت في طريقها دون النظر الى الوراء لكنه على ما يبدو له رأي آخر
رفعت يدها لتظلل بها عينيها وهي تنظر اليه بنظراتٍ زائغة ثم اضطرت للقول بصوتٍ باهت خافت
أنا شاكرة لك على المساعدة يا قاسم , وأستطيع تدبر أمر نفسي من هذه النقطة سلام
صدر من حلقه صوت استهجان واضح أشبه بضحكة سخرية مخيفة ... لا تحمل أثرا للمرح
ثم دون رد وجدت نفسها تُسحب خلفه الى جهة اليسار وكأنه وجد أن مجرد الرد عليها يعد تنازلا لا يليق به
حاولت جذب ذراعها من بين أصابعه المؤلمة دون جدوى وهتفت بضعف
اتركني يا قاسم لا تفعل هذا أمام الناس , أنت تجذب الأنظار
رد عليها هازئا دون أن يتركها أو حتى أن يخفف من سرعة خطواته
ربما تسمحين لي اذن بفعله في الخفاء
وجدت نفسها فجأة تضرب ظهره بقبضة ضعيفة متراخية
اتركني , الا ترى أنني متعبة وقد عانيت لتوي من
توقف فجأة حتى أنها اصطدمت بظهره وتعثرت لكن قبل أن تقع كان قد استدار إليها وأمسك بذراعها الآخر وأرعبتها النظرة في عينيه السوداوين وهو ينظر إليها بوحشية وهمس من بين أسنانه
أنصحك أن تخرسي يا درة أنصحك أن تُخرِسي لسانك في هذه اللحظة بالذات ولا تتفوهي بأي كلمة إضافية تعلمي متى يكون الوقت مناسبا لتلفظي به بهذا القيء الكريه ومتى يتوجب عليكِ قطع لسانك
وعلى الرغم من أن نبرة صوته لم تتعدى الهمس , الا أنها خرجت بإحساس جعلها ترتعد شاعرة بأنه يهدر بصراخٍ متوحش أفزع الجميع
ابتلعت ريقها بتوتر و همست بصوتٍ مرتعش
حسنا يمكنك أن تقلني الى شقتي لا داعي لمثل هذا العنف فقد اكتفيت منه ليومٍ واحد
اضطرب فكه والتوت شفتاه , الا أنه ترك ذراعا واحد وتابع سحبها خلفه و لحسن الحظ لم يسيرا طويلا , فقد كانت تترنح بإعياء وبعد أن أجلسها و أغلق الباب دار حول السيارة وجلس خلف المقود راميًا نفسه مما جعل السيارة ترتج من شدة انفعاله
بعد دقائق من انطلاق السيارة , كان الهدوء الزائف يلفهما كلا منهما بداخله نارا موقدة توشك على الانفجار
لاتزال ترتعش حتى الآن و الذكرى لا تبارحها
ذكرى صوت المفتاح في الباب و الذي لم يكن حلما
ذكرى استيقاظها على لمساتٍ غريبة مهما بدت مألوفة وجسد ذكوري ملقى فوقها
ارتعدت مجددا والخوف يزيد فأغمضت عينيها وهي تتذكر الصفعات التي توالت على وجهها بغضبٍ انتقامي دون رحمة لم تعهده بمثل هذا العنف خلال زواجهما
كان ضعيفا , باهت الشخصية , يصلح أن يٌقاد
فتحت درة عينيها وهي تنظر من النافذة والإهانة بداخلها تغلي و تحرق لكن مع التفاتها لمحت صورة وجهها في المرآة الجانبية لم تكن الصورة واضحة لكنه بالتأكيد لم يكن وجهها !
التفتت ورفعت يدها محاولة فتح المرآة التي تعلو رأسها , لكن و قبل أن تفعل سبقتها يد رجولية قبضت على كفها وصوت يقول بصرامة
ماذا تفعلين ؟
أجابته بصوتٍ خافت وهي ترمقه بنظرةٍ متوترة
أريد النظر للمرآة فحسب
ظنته سيبعد يدها لكنه شدد من قبضته فوق أصابعها قائلا بصوتٍ مقتضب وهو يتابع قيادة السيارة ببساطة
لا داعي لهذا الآن
عقدت حاجبيها وتحرك حلقها مجددا , الا أنها قالت بشجاعة
بلى أريد أن أرى وجهي , اترك يدي من فضلك
تصلبت ملامحه أكثر , الا أنه دفع يدها بفظاظة تاركا لها حرية فعل ما تريد و كأنه لا يبالي
فأخذت نفسا عميقا , وأنزلت المرآة كي تنظر الى نفسها عن قرب وما أن فعلت حتى كتمت أنفاسها مانعة شهقة من الخروج من بين شفتيها فأول ما طالع عينيها هما عيناها
عينها اليمنى كانت حمراء كالدم منتفخة و الجفن متورم و متهدل و هذا سبب إحساسها بالثقل فيه
أما العين الأخرى فكانت سليمة لكنها كانت تضم داخلها ما افتقده العين الفاترة الميتة اليمنى
كانت تضم خوفا ألما شعورا بالرفض والمهانة وغضبا عنيفا أكثر خزيا من قدرته على الخروج للعلن
رفعت وجهها قليلا كي تتمكن من رؤية باقي أجزائه جانب تلون أعلاه باللون الأزرق الداكن المحاط بالأحمر أما الجانب الآخر فكان أسفله بجوار زاوية شفتيها مكدوم بشكل بشع وهناك جرح في منتصف شفتها السفلى جعلها محتقنة ومتورمة
عادت عضلات حلقها تتحرك بصعوبة وهي تراقب نفسها بحاجبين منعقدين و عينين متألمتين حزينتين , غاضبتين لكن المرآة أُغلقت فجأة بقوة ثم سمعت صوته يقول بصرامة
هذا يكفي
لم تجادله هذه المرة واكتفت أن نظرت من النافذة بجوارها تضم جسدها بذراعيها محاولة تهدئة ارتعاشه وهي تشعر بالحرج من منظرها الذي رآه قاسم و ملأ عينيه به منذ ساعات
ولا تعلم ما الذي دفعها لتقول ببرود دون أن تلتفت إليه
هل هذا ما كنت تحميني من رؤيته ؟! أتخاف من رؤيتي لبضعة كدمات ؟! أنا أقوى مما تظن يا قاسم وقد رأيت في حياتي ما يجعل من هذه الصفعات مجرد مزحة
ابتسم قاسم ابتسامة ساخرة وهو ينظر جانبا من نافذته ثم قال أخيرا ببرودٍ هازئ
هذه الملحوظة غيرت حياتي فعلا أشكرك على تفضلك بها على مسامعي , لكن رجاء أخير إن لم تكوني على دراية ووعي بأنكِ كنتِ عرضة لمحاولة اغتصاب نجوتِ منها بستر الله فأقترح عليكِ أن تصمتي ولا تُسمعيني صوتك البائس هذا حتى نصل الى وجهتنا
صمتت بالفعل و هي ترتعش من شدة الغضب ولعنت لسانها الغبي الذي أظهرها بهذا المظهر المدافع عن كرامتها المهترئة بأكثر الطرق سخافة فأرجعت رأسها للخلف و أغمضت عينيها بتعب و إرهاق و بعد لحظات سمعت صوته يسألها بجمود لا يحمل أي مشاعر
هل تشعرين بالدوار ؟
فتحت فمها وتمكنت من القول بعناء وهي تشعر بالعالم يجري من حولها بسرعةٍ مؤلمة
نعم
أجابها بصوتٍ خافت
قال الطبيب أن هذا طبيعي و ستشعرين به طوال اليوم تقريبا نتيجة الضربة في مؤخرة رأسك إن كان الجرح يؤلمك أميلي رأسك جانبا كي لا تستندي إليه هكذا وحاولي النوم قليلا
أمالت رأسها جانبا بالفعل دون أن تفتح عينيها وهي تفكر في وجهة وصولهما
عقدت حاجبيها و تغضنت ملامحها متخيلة نفسها عائدة الى الشقة والنوم في سريرها بمفردها وحين يحل الظلام !
انتفض جسدها نفورا وخوفا ففتحت عينيها تنظر الى السماء تتنفس بسرعة وتوتر مع شعور مفاجىء بالغثيان
أمالت رأسها تنظر الى جانب وجهه المظلم ثم همست محاولة الكلام بنبرة طبيعية زائفة
هل يمكنك إيصالي الى بيت عامر .... عامر علام داشاي
انتفض رأسه وهو ينظر إليها نظرة قاتلة مرعبة جعلتها تدرك مدى سخافة طلبها , فوضحت قائلة
الى حيث تسكن سلوان أحتاجها في أمر خاص تعلم أن ما حدث يخصها كما يخصني
أعاد وجهه الى الطريق وأجاب باختصار أقرب الى القسوة
يمكنك الاتصال بها
لعقت شفتها المتورمة فآلمتها وحاولت إيجاد حجة أخرى , ترفض أن تظهر له خوفها من الشقة اللعينة
فقالت بخفوت
هلا أوصلتني لها فحسب دون أن تجادلني ولو لمرة يا قاسم ؟ مرة واحدة فأنا حقا مرهقة , كن آدميا مرة في حياتك .
لم يرد عليها للحظات وتابع النظر الى الطريق الممتد أمامهما ثم قال بصوتٍ هادىء
نامي الآن ولا تفكري في الشقة
اتسعت عيناها دهشة وهي تنظر الى جانب وجهه , لكنه كان هادئا , جامدا كقناع خشبي يخفي الإنسان القابع خلفه
لكنها كانت أكثر إرهاقا من المتابعة فأغمضت عينيها وراحت في سبات عميق وآخر ما فكرت فيه
ربما لو أمكنها النزول ضيفة عند جارها وزوجته الى أن تتجاوز نفورها وخوفها من الشقة اللعينة
ارتمت على فراشها بمعدة تزأر من شدة الجوع تكره هذا الإحساس , على الرغم من أنها لم تواجهه الا مراتٍ قليلا بعد خروجها من بيت رحيم والفضل يعود الى النقود التي سرقتها من قاسم لكن المبلغ لم يصمد طويلا , ما بين إيجارتٍ لشقق و غرف فنادق وما بين البحث عن عملٍ بين وظيفة و أخرى
لكنها لم تنجو من الجوع مراتٍ قليلة ورعب الشعور به جعلها تقسم الا تعود إليه مجددا
تنهدت بيأس مفكرة في المبرد الخالي في المطبخ لقد نفذ عن آخره , بعد رحيل سلوان
كما أن آخر جزء من النقود التي تقاضتها من الدار نفذت على طبيب المعدة وأدويته , ليتها ما ذهبت
فلو كانت قد أكلت لكان هذا أفضل من علاج التهاب المعدة الذي لا طائل منه
لقد أعياها التعب اليوم لكثرة ما بحثت عن عمل دون جدوى وعادت خالية اليدين لا تمتلك قرشا واحدا ولا لقمة جافة في البيت
وحين أعياها الجوع قررت النوم فاستلقت بإرهاق مغمضة عينيها ولحسن الحظ أنها تشعر بنعاس شديد من شدة التعب
وهاجمتها أضغاث الأحلام المتشابكة دون معنى وكان نومها متقطعا , يوقظها شيء كل بضعة دقائق
ترى أشكالا من حولها في هذيان أحلامها .
سمعت صوت المفتاح في قفل باب الشقة ففتحت عينيها بضعفٍ في ظلام الغرفة وتساءلت في نومها المتعثر
هل أغلقت رتاج الباب ؟! أم أنني نسيت من شدة التعب ؟!
لم تستطع النهوض أبدا وكأن المطلوب منها أن تتسلق جبلا فعادت لتغمض عينيها و هي تفكر بأنها تحلم بلا شك
فمن ذا الذي يمتلك مفتاحا غير سلوان وسلوان لن تترك زوجها في مثل هذه الساعة من الليل مطلقا
عند هذه النقطة راحت في سبات عميق متنهدة دون أن تسمع الخطوات التي تجولت في الشقة ببطء
تنهدت مجددا وهي تشعر بإصبعٍ يلامس وجنتها فأدارت وجهها معترضة لكن الأصابع توالت و سارت فوق عنقها وكتفيها وتمهلت فوق صدرها فتجرأت مما جعل أعصابها تنتبه وعقلها يأمرها بالاستيقاظ لكن وعيها كان ضعيفا ضائعا وجسد ذكوري يقترب منها بإدراكٍ حسي
شفتان بدأتا تتحركان فوقها حتى وصلتا الى جانب شفتيها حينها فتحت درة عينيها على أقصى
اتساعهما لكن الظلام المحدق بها جعل حدقتيها تتوسعان أكثر وهي ترى الشكل المبهم المظلم الممسك بها بكفيه و بين ساقيه فصرخت عاليا الا أن اليد القوية أطبقت على فمها مما جعل عينيها تتسعان أكثر وبذعرٍ أبشع
ثم همس صوت تعرفه جيدا في أذنها
اهدئي يا درة إنه أنا
فغرت فمها بذهول أسفل كفه وهي تحاول تبين ملامحه ثم تكلم مجددا بخفوت أسفل أذنها
لم أتخيل أن يتهور جسدي بهذا الشكل تجاوبا مع استلقائك الذي جلب لذهني ذكرياتٍ لم أنساها أبدا
مرت كفه في تجنٍ محموم فوق جسدها مجددا مما جعلها تطبق عينيها بشدة محاولة المقاومة بصراعٍ مستميت
لكن الصوت همس قائلا
يا امرأة أنتِ لا تفقدين سحرك أبدا كباقي النساء
عادت تتلوى بجنون , ثم عضت راحته بقسوةٍ أدمتها فتأوه وهو يبتعد عنها ممسكا بكفه وهو يهتف بعنف
تبا لكِ أيتها الشرسة
انتهزت درة الفرصة وانتفضت قافزة أرضا , جارية الى مفتاح الضوء فأنارت الغرفة لتتأكد بأنها لا تحلم
وبرعب رأت حسين جاثيا بركبتيه فوق سريرها !
حسين ؟! كيف عاد ؟! ومتى ؟! ألم يهتما بتغيير قفل المفتاح ؟!
صرخت درة عاليا كي يسمعها الجيران لكنه كان خلفها بكل سرعته فحاوط خصرها بذراعه وأطبق بكفه على فمها يهزها بقوة وهو يهدر في أذنها
اخرسي يا مجنونة اهدئي
لكنها لم تهدأ بل حاولت ركله بساقيها وكفيها دون جدوى مما جعله يقول من بين أسنانه بغضب
درة اهدئي لقد عدت لأبقى وهذه المرة سأردك ولن أطلقك أبدا سنسترد الشقة و لا تأبهي بسلوان مطلقا , فتلك الحيوانة الغبية حسابها معي فقط تعاوني معي و
ضربته درة في معدته بكل قوتها مما جعله يتأوه قبل أن تدرك أنها أثارت غضبه وتحول الى وحشٍ هائج فصرخ عاليا كالمجنون
تبا لكِ يا درة أتظنين أنني قد أغفر لكما انتهاز عدم قدرتي على العودة و فضحي بهذا الشكل أمام الملايين وطالما أنكِ ترفضين التعاون معي , فستقبلين بالعقاب بنفس راضية
ثم تركها ليديرها إليه قبل أن يصفعها بكل قوته
شعرت درة بالذعر للحظة فبدأت بالصراخ كي يسمعها أحد وهي تحاول الوصول الى باب الشقة لكن صفعة أخرى جعلتها تصمت تماما و تترنح حتى اهتزت الرؤية أمام حدقتيها ولم يتوقف و كأنه منتشيًا بما يفعل جراء غضبه مما رأى على الشاشة ولم يتخيل أن ينال انتقامه أبدا لكن ها هو هنا و الفرصة سانحة
فتوالت صفعاته وهي تترنح وما أن رآها ساكنة لا تقاوم حتى صرخ فيها بغضب
هل هدأتِ الآن ؟!!
لم تجبه , بل امتدت يدها لتلتقط طبقا زجاجيا فوق الطاولة رفعته عاليا و بالمتبقي من قوتها ضربت رأسه فرأت خيطا من الدم ينزف عبر حاجبيه
لامس حسين الدم ونظر إليه ذاهلا , قبل أن يحدق في عينيها بجنونٍ شرس ثم صفعها بقوة جعلتها ترتمي للخلف متعثرة فسقطت وارتطمت مؤخرة رأسها بحافة الطاولة عند هذه النقطة بدأت الرؤية تتلاشى أمام عينيها وشعرت بالرعب من أن تتهاوى وتترك نفسها فريسة له
لكنها سقطت أرضا مغشيا عليها
من بين الظلام الثقيل أخذت تهز رأسها ذات اليمين واليسار وكلما فعلت شعرت بألمٍ عنيف فتأوهت
لكن كانت هناك أصابع تلامس وجنتها وجبهتها مما جلب لها ذكرى مرعبة ففتحت عينيها بقوة وهي تصرخ بكل قوتها مستقيمة في جلستها مما جعل صوت رجولي يقول بعذاب
اهدئي يا درة إنه أنا
فتحت عينيها تنظر الى من يحدثها فوجدت قاسم جاثيا أرضا بجوارها وهو ينظر إليها بعينين بهما حريق مستعر محتجز خلف الحدقتين المظلمتين فصرخت عاليا و هي تحيط جسدها بذراعيها مما جعله يضمها الى صدره بكل قوته الا أنها أخذت تضرب صدره بقبضتيها وتصرخ عاليا بهياج تصرخ , تصرخ ثم أغمضت عينيها مجددا وتلاشت من أمامه لعله كان كابوسا
هذا لم يكن سوى كابوسا مجرد كابوس مقيت ليتها فقط تستيقظ لا تعلم لماذا لا يمكنها
الاستيقاظ رغم محاولاتها المضنية في رفع جفنيها !
كلما فعلت غشى الرؤية أمام حدقتيها ضوء أبيض قوي , آلم عينيها وزاد الصداع النابض في رأسها حدة بشراسة
لا تزال تتذكر لمحات واضحة من ذاك الكابوس الذي ضم الرجلين الوحيدين في حياتها و أكثر من كرهت بسببهما باقي الرجال جميعا
لا ليس حقيقيا هناك والدها الذي لم يكتفي بزوجته وجاء بأمها وجعل منها بوفاته عبئا على عاتق أسرة لا ترغبها
وهناك أخاها الذي ما أن وجد فرصة أفضل لحياته حتى انطلق اليها , دون أن ينظر للوراء ولو للحظة وتركها أسيرة لإحسان الغريب
الرجال جميعهم نوعا واحد نوعا , إما أن تبتعد عنه للأبد وإما أن تخضعه تحت سيطرتها كي تنجو بنفسها من شره
عليها أن تتوقف عن هذه الأفكار , فهي على ما يبدو السبب في جلب هذا الكابوس حيث تعرضت في ليلةٍ واحدة الى اعتداءين مِن أكثر مَن كرهت في حياتها تبا لهما كيف يجرؤا على فعل ما فعلا حتى وإن كان كابوسا !!
زاد الألم بقوة في مؤخرة رأسها مما جعلها تتأوه بقوةٍ وبصوتٍ خرج من حلقها أخيرا كصيحة مختنقة
وعلى الرغم من قدرتها على الصياح الا أنها عجزت عن فتح عينيها مجددا على الرغم من محاولاتها المستميتة
الا أن صرخة أخرى امتزجت بصيحتها أجفلتها صرخة رجولية غاضبة جعلت العالم يرتج من حولها مرسلاً رعشة رعب في أوصالها
إنها تتألم ! تصرفوا , افعلوا شيئا أو سأخرجها من هنا
تماوجت العديد من الأصوات من حولها واختلطت فعجزت عن الفهم و استيعاب ما تنطقه هذه الأصوات
بدأ الرعب ينتشر بداخل صدرها فشعرت بإنقباضٍ مفزع ماذا يحدث ؟!
ألم ينتهي الكابوس بعد ؟! لا والله لن تسمح بأن تعيش لحظة إضافية من تلك الإهانة التي مرت بها على يد اثنين من الحقراء يجب أن تستيقظ بالقوة وبالعنف إن لزم الأمر
حاولت مجددا فتح عينيها و كأنهما مقيدتين بشريط لاصق لكنها بذلت جهدا أكبر و أعنف ومزقت تلك الأشرطة اللاصقة الوهمية فارتفع جفناها أخيرا ببطء ضعيف
إنها تفيق
سمعت هذه العبارة والتي بدت بصوتٍ أجوف تردد صداه عدة مرات فارتج رأسها وجعا
لكنها حافظت على جفنيها مفتوحين وهي تحدق في السقف الأبيض ذو المربعات الواسعة
لكن فجأة اخترق ظل أسود كبير مجال الرؤية لديها فأراح حدقتيها الناعستين من الضوء الأبيض المزعج و ظللهما للحظة بينما اندفع نفس الرجولي في أذنها يتكلم بنبرةٍ خشنة تحمل لهفة غاضبة
درة هل أنتِ بخير ؟! درة
لماذا هو غاضب منها ؟! ماذا فعلت كي يغضب منها ؟! من هو ذاك الملح الذي لا يتوقف عن مناداة اسمها بنبرة الأمر الغاضبة تلك ؟!
درة هل تسمعيني ؟!
كف قوية التقطت يدها وشدت عليها بقوةٍ بينما راح ابهام كبير يفرك راحتها كي يزعجها أكثر ويحثها على الاستفاقة بكل سماجة
درة حركي عينيكِ تجاهي
هلا تركتها قليلا من فضلك لنتابع عملنا
لن أبارح مكاني للحظة , فلتخرجوني بالقوة
يا سيد أنت تعيق عملنا اخرج من هنا حتى ننتهي من فحصنا
لن أخرج ويجدر بكم البدء بالاهتمام بها عوضا عن إضاعة الوقت في ثرثرة لا طائل منها
أغمضت عينيها مجددا بألم غير قادرة على تحمل الصداع الذي يزيد هذا الصوت المزعج من تفجره في رأسها
لكن الصوت المزعج عاد ليقترب من أذنها قائلا بغضبٍ مستفز
لا تغمضي عينيكِ مجددا افتحيهما حالا درة أجيبيني
همست بصوتٍ يئن بعذاب
اخفض صوتك أرجوك
سمعت صوت تنهيدة كبيرة تنهيدة محملة من القلب بنفسٍ عميق تنهيدة تعني أن هناك من عثر على الحياة أخيرا
ثم وصلها الصوت يسألها الآن بنبرة أكثر خفوتا
هل تشعرين بالدوار ؟! هل تحسين بالغثيان ؟!
هل هي حامل ؟
انطلقت فجأة ضحكة عالية قوية , خرجت متحشرجة من حلقها ثم و كأن انفعالا غريبا كان مشحونا بداخلها تطلب تفريجا فوجدت في الضحكة راحة غريبة , مما جعلها تضحك أكثر بلا توقف
حتى طفرت عينيها بالدموع فتعالى الصراخ الغاضب مجددا
إنها ليست في حالٍ طبيعية هل أنتم عميان لا تبصرون حالتها
أخرجوه من هنا استدعوا الأمن
يا سيد هلا أتيت معي رجاءًا , أنت في حاجة لقرصٍ مهدئ
رفعت كفها بضعف كي تلمس جبهتها المتألمة وتأوهت مجددا قائلة
كفى اخرجوا جميعا من كابوسي
شعرت بلهيبٍ دافىء يلامس وجنتها والصوت يعود من جديد ليهدر بهمس أجش في تجويف أذنها
درة افتحي عينيك
وكأنها مسلوبة الإرادة أمام هذه النبرة الآمرة ذات السلطان , امتثلت وفتحت عينيها مجددا ببطء
هذه المرة بدت الرؤية أوضح والضوء لا يزعجها بنفس الدرجة
استقرت حدقتاها للحظة , قبل أن تديرهما الى مصدر الصوت المألوف بجوار أذنها وهي تشعر بالبرد فجأة يدب في أوصال جسدها
وكأنما الاستيعاب قد هطل على عقلها في لحظة واحدة مدركة صاحب الصوت قبل أن تبصره عيناها
وما أن نظرت الى وجهه حتى تسمر جسدها تماما وهي تنظر إليه عاقدة حاجبيها
كان وجه قاسم يعلو وجهها تماما يبدو شاحب الوجه , مستعر النظرات وهو يحدق في عينيها بنظراتٍ غريبة مخيفة
أخفضت عينيها و هي تشعر بضغط أصابعه القوية فوق كفها ! أين هي ؟! ماذا يفعل قاسم في غرفة نومها ؟! الا زالت تعيش الكابوس ؟! لكن
أدارت عينيها تنظر حولها , فوجدت نفسها ممددة في سرير بالفعل لكنه ليس بسريرها بل سرير ضيق أبيض داخل جزء غريب محاط بالستائر الزرقاء من ثلاث جهات وهناك أشخاص غيره , اثنين أو ثلاث
رعب مفاجئ بدأ يسيطر على عقلها وهي تعيد عينيها الواسعتين الذاهلتين الى حيث وجه قاسم وعينيه المنتظرتين لعينيها ثم تكلمت بصوت متحشرج متعثر
ماذا أين أنا ؟!
كان الرعب واضحا على وجهها , فقال بصوتٍ خشن متصلب
لا تخافي يا درة , أنا معك لن أغادر
لكن ذكرى الكابوس اندفعت في ذهنها دفعة واحدة من بدايته وحتى نهايته وفجأة صرخت بقوة و هي تضربه في صدره بقبضتها الحرة
ابتعد عني لا تلمسني
عقد قاسم حاجبيه بشدة وهو يتراجع عتها مستقيما في وقفته الا أنه لم يترك كفها , بينما حاولت جذبها منه و حين فشلت صرخت مجددا بذعر
اترك يدي لا تلمسني ماذا فعلت بي ؟!
ازداد انعقاد حاجبيه , ثم شعرت بكفها تتحرر ببطء حتى سقطت الى جوارها فوق السرير الضيق وكانت تلهث بسرعة وصدرها يرتفع وينخفض ذاهلة تنقل عينيها بين ملامحه المتجهمة وبين أنحاء هذا المكان حتى وجدت شابا غريبا عنها يرتدي معطفا أبيضا ينحني إليها وسألها باهتمام
هل هذا الرجل هو من اعتدى عليك ؟
انتفض رأسها كالرصاصة وهي تحدق في الطبيب ذاهلة بملامح بيضاء تقارب درجة الغطاء الذي يغطيها
وحين ظلت صامتة فاغرة فمها , مد الطبيب يده يمسك بذقنها ثم وجه الى إحدى حدقتيها ضوءًا كاشفا قويا جعل حدقتها تتسع ثم فعل نفس الشيء مع الحدقة الأخرى وسمعت صوته يسألها مجددا
سيدة درة هل هذا الرجل الذي أحضرك الى هنا هو من اعتدى عليك ؟!
اتبعي حركة إصبعي
لكنها مع حركة إصبعه تجاه اليمين أبصرت قاسم مجددا والذي كان واقفا في الزاوية ينظر إليها متجهما بملامح غريبة فلم تتمالك نفسها وهتفت فجأة بجنون
أين أنا ؟!
ربت الطبيب على ذراعها يطمئنها قائلا
اهدئي ألا تستوعبين المكان المتواجدة فيه الآن ؟
ابتلعت درة ريقها بخوف وهي تقول بعصبية متلعثمة
أنا في مشفى
أومأ الطبيب برأسه ثم سألها
لقد وصلتِ منذ قليل هل تتذكرين تفاصيل الاعتداء الذي تعرضتِ له ؟
أسبلت جفنيها للحظة وهي تستعيد تفاصيل الكابوس , ثم ارتعدت فاهتز جسدها بعنف قبل أن تنظر الى قاسم بذهول وهو يبادلها النظر بتجهمه الشديد ثم همست بذعر
هل اقتحمت شقتي ؟ هل لمستني و
رفعت يدها الى وجنتها وهي تتذكر الصفعات التي تلقتها والتي لاتزال تؤلمها بشدة , الا أن صوت قاسم قصف فجأة بعنف وهو يهدر فيها بنبرة مرعبة
من فعل بكِ هذا تذكري
انتفضت بشدة من صرخته التي هزت المكان , فاهتز لها رأسها وهي تجيب صاغرة هامسة بعدم تصديق
وكأنها تكلم نفسها
حسين !
وكأنما أحال الاسم الذي نطقته الملامح المرعبة الى أخرى شديدة التوحش وهو يندفع إليها حتى مال إليها وثبت كفيه فوق السرير على جانبي كتفيها وهو يحقق معها بشراسة
طليقك أهو من دخل الشقة ؟! كيف ؟ ماذا فعل ؟؟ وكيف تطور الأمر و انتهى بالكدمات التي تعلو وجهك ؟ درة هل تسمعينني ؟
كانت تهز رأسها بعدم فهم وبملامح شاحبة مرتعبة , محاولة فهم ما حدث و ما يحدث الآن !
لكن الطبيب لم يمنحه الفرصة كي ينال الأجوبة التي قد تشفي غليله أو ربما تزده جنونا
فأمسك بكتفيه وهو يجذبه للخلف بعيدا عنها وهو يهتف بصوتٍ صارم
يا سيد حاول أن تفهم لقد تلقت ضربة قوية على رأسها , من الممكن أن تكون قد تسببت لها بارتجاج في المخ وربما تعاني من كدماتٍ أخرى في جسدها هلا خرجت الآن رجاءًا ؟
نظر إليها قاسم للحظاتٍ نظراتٍ رأت فيها عذاب التوقعات المرعبة ممتزجا بغضبٍ أسود مخيف
فبادلته النظر و هي عاجزة عن الفهم لم تستوعب ما يحدث
هل كان حسين في الشقة فعلا واعتدى عليها وضربها ! وهل كان قاسم موجودا أيضا ؟! لكن ألم يره ؟!
اضطر قاسم في النهاية للتراجع دون أن يسحب عينيه عن عينيها , ثم رمقها بنظرة أخيرة طويلة قبل أن تراه يخرج من الستار المقابل لها
حينها فقط نظرت الى الطبيب الذي اقترب منها يفحص رأسها فسألته محاولة الفهم بنبرة مرتعشة
أين أنا بالضبط ؟! أقصد بأي قسم ؟! ومنذ متى تحديدا ؟
أجابها الطبيب محاولا تهدئتها
أنتِ الآن في قسم الطوارئ لقد أحضرك السيد الذي خرج للتو منذ قليل و كنتِ فاقدة للوعي إثر ضربة تلقيتها في مؤخرة رأسك سنقوم الآن بفحصك بالكامل وسنجري أشعة لنتأكد من سلامتك
تأوهت درة وهو يفحص الضربة في مؤخرة عنقها ثم همست متذكرة بعينين شاردتين
لم تكن ضربة أظنني صدمت رأسي في حافة الطاولة حين وقعت
سألها الطبيب باهتمام
هل تتذكرين ما حدث بوضوح ؟
أومأت وهي ترمش بعينيها ثم قالت ذاهلة
نعم أتذكر أنني وقعت و شعرت بألمٍ حاد , لكنني لا أتذكر شيء بعدها
رد عليها الطبيب سائلا
لكن هذه الصفعات على وجهك تدل على أنكِ تعرضتِ لهجوم عنيف , هل تتذكرين تفاصيله وهوية مرتكبه ؟!
عادت لتومئ من جديد ثم همست ببطء
نعم أتذكره
ثم صمتت شاعرة بالمهانة والذل والغضب والقهر من عجزها أمام هول ما تعرضت ل
ربت الطبيب على كتفها برفق قائلا
سنجري أولا باقي الفحوص اللازمة لنحدد مدى اصابتك , ثم نبلغ الشرطة
شردت عينا درة بعيدا وهي تومئ برأسها ببطئ فخرج الطبيب من نفس الستار الذي خرج منه قاسم وبقت معها إحدى الممرضات لتساعدها وفجأة دخل قاسم مجددا , ووقف ينظر إليها متجهما جسده يرتجف بطريقة ما !
وهي ترمقه بنظرة صامتة , تود لو تمتلك القوة لتصرخ فيه أن يخرج منها لكنها كانت تحتاج الى بعض الأجوبة و ستحصل عليها وبالفعل سألته
أريد أن أفهم كيف دخلت الى شقتي ؟! ألم تره ؟!
لم يحتج الى سؤالها عن المقصود , بل أجابها بنبرة خفيضة غاضبة شرسة من بين أسنانه وهو يقبض كفه
أتظنين أنني لو كنت رأيته , لكنت الآن واقفا معك أتحدث بعجزٍ كالنساء !لكنت أطبقت على عنقه بكل قوتي وتمتعت و أنا أرى روحه تخرج ببطء
ارتعدت درة بشدة وانتفض جسدها مع نبرة الشر في صوتها والتي لاقت استجابة بداخلها
صمت قاسم وهو يبتلع المتبقي من كلماته الغاضبة فاستدار عنها يوليها ظهره شاتما بلفظ بذيء
وبعد لحظتين سألته بخفوت و بصوتٍ واهٍ
اذن كيف
التفت برأسه يرمقها بنظرةٍ طويلة من فوق كتفه ... لكن وقبل أن يجيب دخلت طبيبة عبر الستار وتوجهت إليها متكلمة بخفوت ورفق حتى تستوعب درة ما تقوله ممسكة بمعصمها بقبضة هادئة
كيف تشعرين الآن ؟ تم إبلاغي أنكِ تعرضتِ الى هجوم في بيتك واعتداء جسدي و سيتم تقديم بلاغ رسمي للشرطة من قبل المشفى , لذا أنا هنا لأسألك هل تعرضت لاعتداء جنسي بأي شكل ليتم فحصك ؟
شعرت درة بالدماء تفر من وجهها في لحظة واحدة مع تيارٍ جليدي من الخوف سرى في أوردتها و هي تنظر الى عيني قاسم الواسعة بنظرةٍ مريعة وكأن هذا ما كان يخشاه وأجل السؤال عنه
مما جعلها تصرخ بهلع
بالطبع لا لم يحدث لم يحدث
ثم أعادت عينيها الى قاسم وصرخت بجنون
مستحيل أن يكون قد حدث
لم يرد عليها , بل كان واقفا مبتلعا المكان بهيئته المشحونة وهو يضع كفيه في خصره ناظرا إليها بعجزٍ ناري يدل على عدم تأكده من كلماتها
الا أن الطبيبة أمسكت بكفها بقوة وقالت بهدوء و نبرة تفهم
اهدئي يا سيدة درة أرجوكِ أنا فقط أريد التأكد لمصلحتك , هل أنتِ واثقة ؟
كانت درة تهز رأسها بانفعال وهي تحدق حولها هامسة بعدم تركيز
أنا لقد كان
صمتت للحظة ثم رفعت يدها الى جبهتها وهي تئن قائلة
لقد كانت هناك
صمتت مجددا للحظاتٍ ثم صرخت بيأس وهي تشيح بوجهها عن قاسم
لا أريده هنا أريده أن يخرج
التفتت الطبيبة الى قاسم وتكلمت بصرامة
سمعت السيدة , رجاءًا أخرج
الا أن قاسم صرخ بجنون وقد فقد القدرة على تقدير الموقف
هل هذا هو ما تهتمين به في هذه اللحظة ؟! ألا أكون شاهدا على انكسارك وما تعرضتِ له ؟! أيتها الغبية العمياء المجنونة !
هتفت الطبيبة بنبرة أشد
أخرج من هنا حالا
الا أن قاسم تجاهلها واقترب من درة منحنيا إليها حتى أمسك بيدها بين أصابعه بقوة و هدر بقوة
تكلمي أمامي يا درة أريحي عقلي الذي يوشك على الجنون بالله عليك
رفعت جفنيها وهي ترى في عينيه تعبيرا أفزعها سيطر عليها وشلها وزاد من رعبها على نفسها إن كان هذا هو الرعب الكامن خلف حدقتيه مما جعلها تهمس بضعف مسلوبة الإرادة أمام عينيه
كانت هناك محاولاتٍ منه , لقد استيقظت وهو بجواري لكنني أفلت منه و خرجت من الغرفة بسرعة , حينها غضب ولاحقني بصفعاته فضربته و صفعني صفعة أخيرة أخلت بتوازني فسقطت مرتطمة بالطاولة وفقدت الوعي دون أن يحدث شيئا مما تشكون فيه
كانت أصابعه تضغط على كفها بقسوة مع كل كلمة تنطق بها حتى آلمتها بينما النظرة في عينيه تزداد قدرة على إرهاب من ينظر غليها في تلك اللحظة
الا أنه تكلم سائلا بنبرة خافتة , شديدة الخطورة والغضب متحشرجة
هل أنتِ واثقة من ألا يكون قد حدث شيء بعد فقدانك الوعي ؟!
فتحت فمها لتنفي بسرعة و إصرار لكن لزمها ثانيتين كي تجيب بثقة , مما جعله يسقط رأسه بيأس دون أن يترك يدها ثم قال مخاطبا الطبيبة بنبرة باهتة مقتضبة
ستخضع لفحص كامل
صرخت درة بحرج و رعب
لا أريد شئ من هذا , لم يفعل لن يجرؤ على
نظر قاسم الى الطبيبة وتكلم بنبرةٍ آمرة لكنها كانت مهتزة بعض الشيء
هل يمكنني الكلام معها على انفراد للحظات
أومأت الطبيبة برأسها على مضض ثم نظرت الى درة وقالت بهدوء
لا تُطِل من فضلك
وبعد خروجها ظل قاسم واقفا مكانه مظلم الملامح مستعر العينين إنما بمشاعر خافت من تفسيرها فأطرقت بوجهها ترتعش وحين حاولت سحب يدها لم يسمح لها وانتظرت ان تسمع منه تشفيا أو ازدراءًا قاتلا
وهي لن تتحمل أي من هذا الآن والله لن تتحمل
لكن صدمها صوته وكأنه فقد فجأة كل عنفه وهدير الغضب فيه وتحول الى نبرة خافتة هادئة
ليس هناك أصعب على نفسي من إقناعك بهذا
رفعت وجهها الشاحب تنظر إليه بعينين واسعتين مبللتين لكنه لم يكن ينظر الى عينيها بل ظل مطرق الوجه و كأن الموقف أكبر من قدرته ثم تابع بنبرة متصلبة
لكن والله لو ثبت أن هذا ما حدث والله الذي لا أقسم باسمه باطلا , سأمزق من لحمه وهو حي حتى يموت أمامي
ارتجفت شفتاها بشدة فأطبقت جفنيها فوق دموعٍ رفضت أن يراها ولوحت بكفها محاولة الكلام فخرج صوتها هاتفا مختنقا
لا أظنه يصل الى هذه المرحلة كان يريد إرعابي فقط , ثم أنني ضربته فوق رأسه إن لم تقتله الضربة فعلى الأقل ستتركه مترنحا نازفا وأنا
صمتت للحظة تنظر الى نفسها للمرة الأولى لتجد أنها لا تزال ترتدي قميص نومها , الا أنه كان مغطى بقطرات وبقع الدم !
دم غزير ! أخذت تتحسس صدرها ومعدتها بأصابع مرتجفة , فلم تشعر بنفسها مصابة بهذه الدرجة !
كان قاسم يراقب حركاتها المضطربة ففهم معناها مما جعله يقول بصوتٍ أجش مختنق
ليس دمك بل دمه المدنس
نظرت درة إليه بهلع فتابع بصوتٍ أكثر خفوتا وأكثر إرعابا
هذا يعني أنه اقترب منكِ بعد اغمائك
صدر عنها أنين مفزوع لكنها عادت تهز رأسها نفيا بعينين واسعتين مرتعبتين ثم قالت ببطىء
لكن كيف دخلت أنت ؟ كيف عرفت ؟ وكيف لم تره ؟
ترك يدها ببطء ثم استدار عنها ليوليها ظهره وأجابها بصوتٍ باهت
اتصل بي جارك أخبرني أنه يسمع أصوات حركة وبعض الصرخات في شقتك التي تعلوه , وأنه سيصعد ليتفقدك وأنا جئت بأقصى ما استطعته من سرعة
رمشت درة بعينيها و شعرت بأنها لم تعد تفهم شيئا , فهمست بهذيان
ولماذا يتصل بك أنت ؟ من أين له أن يعرفك ؟!
ظل قاسم صامتا بضعة لحظات , ثم قال باختصار دون أن يستدير إليها
سبق وتعارفنا , وطلبت منه أن يخبرني إن احتجتِ يوما لشيء أو حدث أي مكروه أو
صمت وهو يتنهد تنهيدة عميقة جعلتها تفغر شفتيها المرتعشتين قليلا ثم تابع قائلا بنبرة جليدية
المهم حين وصلت , كنتِ ممددة أرضا وفاقدة الوعي وحين رأيت الدم على قميصك , ظننتك
عاد ليصمت مجددا الا أنها فهمت ما يمكن أن يشعر به ويتخيله وهو يرى أمامه منظرا كهذا
أخفضت وجهها للحظة , ثم همست ببطء
أستطيع التخيل
صدرت عن حلقه ضحكة جافة خشنة ثم سأل بسخرية سوداء
أتراكِ تستطيعين حقا ؟!
عضت على شفتها تحاول عبثا إيقاف ارتعاشها , ثم سألت بصوتٍ بدا كالنحيب
لكن على ما يبدو أنك وصلت بسرعة , كم من الوقت مر ؟
أومأ قاسم برأسه ثم أجاب بصوتٍ مقتضب مكتوم
هذا ما أعتمد عليه ليطمئنني قليلا فبعد أن اتصل بي جارك , صعد مباشرة ليجد الباب مفتوحا وقد خرج الحيوان هاربا تاركا إياكِ ممددة أرضا
وجدت نفسها تسأل بصوتٍ واهٍ وكأنه آتٍ من خلف غيومٍ تحيط بذهنها المرتعب المشوش
كيف وصلت بمثل هذه السرعة ؟!
لم يرد قاسم على الفور , بل ساد الصمت بينهما للحظات قبل أن يرد بجفاء متجاهلا سؤالها
ستخضعين للفحص لا أظنه قد وصل الى هذه المرحلة كذلك , لكن ربما كان زاد من انتهاكه لكِ بأي طريقة قبل رحيله كنوع من الانتقام
صرخت درة بضياع وعجز
لماذا ينتقم مني ؟ ماذا فعلت له كي يفجر بي كل هذا الحقد دفعة واحدة
لم يجبها قاسم للحظات , بل اكتفى بالنظر إليها بنظراتٍ مبهمة قاتمة ثم اقترب منها حتى جثى على عقبيه أمام سريرها , فبات وجهه قريبا من وجهها جدا وشعرت بنفسها أسيرة لنظرات عينيه غير قادرة على الإشاحة بوجهها عن سلطانهما في تلك اللحظة المخيفة التي تمر بها وحين تكلم قال بصوتٍ أجش خافت
افعلي هذا رجاءًا
تحرك حلقها بصعوبة و كأن حجرا مؤلما يمزق صوتها وهي تهمس
لا أريد المرور بهذا , لن أستطيع الآن مطلقا
رفع قاسم يده ببطء ومر بها على مقدمة شعرها لكنها انتفضت ونفرت منه بسرعة مشيحة بوجهها مما جعل يده تتشنج وملامحه تتوتر ألما فأبعدها وهو يتنهد بثقل قائلا بصوتٍ جاف لا يعرف اللين أو الحنان
تعرفين في قرارة نفسك أن هذا ما سيحدث لذا ارتاحي قليلا الى أن تنتهي الأشعة وتقطيب الجرح في رأسك وبعدها قد تكونين أكثر منطقية وتعقلا
ودون أن ينتظر منها جوابا أو موافقة استقام متجها الى الستار ليخرج , لكن وقبل أن يفعل نادته درة فجأة بخوف
قاسم هل ستغادر ؟
توقف مكانه يوليها ظهره حتى أنها ظنته سيتجاهل الرد عليها , لكنه أجاب أخيرا دون أن يستدير إليها وباقتضاب بدا فيه صوته متحشرجًا وكأنه يصارع محافظا على رتابة نبرته
سأنتظرك لآخر لحظة
ثم خرج بينما ويا للغرابة كانت تلك هي المرة الأولى التي تشعر فيها بشيء من الراحة منذ أن أفاقت على هذا الكابوس المروع
الكابوس المؤلم لم ينتهي الا بعد وقتٍ طويل بدا كدهرٍ وهي تترنح من بين يدي طبيب لآخر و طبيبة أصواتهم تتداخل فيعصف الصداع برأسها يكاد أن يفتك بها والدوار يلقي بها في وادٍ سحيق بعيد
كانت تسأل بين الحين و الآخر عن قاسم وكأنها تريد الاطمئنان الى أن هناك من ينتظرها في الخارج
وما أن انتهى كل شيء و بقت جالسة على حافة السرير قدماها الحافيتان تلامسان الأرض الباردة و قبضتيها متشبثتين بالأغطية خوفا من أن تقع أرضا مجددا حتى سمعت صوته الخافت ينادي ببطء باسمها
فالتفتت اليه بصمتٍ تطالع ملامح وجهه محاولة أن تستشف أي تعبير
الا أن ملامحه كانت جامدة وهيئته قوية ومتحفزة فقط عيناه تظهران طوفان من المشاعر المتناقضة والتي لا يمكن تفسيرها مطلقا
حين بقت صامتة قال بجفاء
لقد انتهى كل شيء
فتحت فمها للحظة , ثم أومأت وأجابت بخفوت
كل شيء على ما يرام
فهم ما تقصد فأومأ هو أيضا وأجاب بصوتٍ باهت مرهق
نعم
شعرت بحرجٍ بالغ وأخفضت وجهها فنظر إليها طويلا بعينيه القاتمتين , ثم قال أخيرا
لقد كان جارك و زوجته هنا طوال الوقت يريدان الاطمئنان عليكِ الا أنني فضلت ألا تواجهي أحدا الآن وطلبت منهما العودة الى بيتهما , فقد أطالا البقاء بالفعل
أومأت برأسها ببطء وقالت بصوتٍ لا يكاد أن يسمع
شكرا هذا أفضل
سمعت خطواته تقترب منها , لكنها لم ترفع رأسها حتى شعرت بكومة من الملابس تلقى بجوارها على السرير وحين نظرت إليها لاحظت أنها ملابسها الخاصة
رفعت عينيها الى وجهه الجامد متسائلة فأجاب بفتور
حين عرضا المساعدة قبل رحيلهما , طلبت من زوجته أن تأتيكِ بملابس من الشقة
أخفضت عينيها الى الملابس , وصمتت دون رد فتابع قائلا بنبرة أكثر خشونة
سأنتظرك في الخارج إن كنتِ تحتاجين الى المساعدة يمكنني استدعاء ممرضة .
هزت رأسها نفيا دون صوت , فأومأ برأسه ورمقها بنظرةٍ مبهمة قبل أن يخرج ويتركها بمفردها
اضطرت للاعتراف بينها و بين نفسها أنها ممتنة لوجوده وفي نفس الوقت كان الشخص الأخير في هذا العالم الذي تتمنى أن يكون شاهدا على هذا الذل و المهانة التي تعرضت لهما
لكنها كانت أضعف من أن تستمر في الممانعة وهي كانت بالحاجة الى وجود أحدهم بجوارها , فقد كانت تشعر بالخوف !
وطالما أنه شهد ضعفها وانتهى الأمر , فالأفضل ألا يراها غيره
وقفت درة أمام باب المشفى تشعر ببعض الدوار وهي تنظر حولها محاولة تحديد اتجاهها و كانت أشعة الصباح قد بدأت تغشي عينيها فرمشت بهما عدة مرات قبل أن تتحرك يمينا وبخطواتٍ خرقاء
لكن أصابع حديدية قبضت على ذراعها فجأة غير عابئة بترنحها وآلامها و صوت خشن غاضب يقول
انتظري الى أين تظنين نفسك ذاهبة ؟!
كان قد خرج معها من باب المشفى وهي تسير بجواره شاردة الذهن وما أن خرجت حتى تخيلت أن الحاجة إليه قد انتهت وسارت في طريقها دون النظر الى الوراء لكنه على ما يبدو له رأي آخر
رفعت يدها لتظلل بها عينيها وهي تنظر اليه بنظراتٍ زائغة ثم اضطرت للقول بصوتٍ باهت خافت
أنا شاكرة لك على المساعدة يا قاسم , وأستطيع تدبر أمر نفسي من هذه النقطة سلام
صدر من حلقه صوت استهجان واضح أشبه بضحكة سخرية مخيفة ... لا تحمل أثرا للمرح
ثم دون رد وجدت نفسها تُسحب خلفه الى جهة اليسار وكأنه وجد أن مجرد الرد عليها يعد تنازلا لا يليق به
حاولت جذب ذراعها من بين أصابعه المؤلمة دون جدوى وهتفت بضعف
اتركني يا قاسم لا تفعل هذا أمام الناس , أنت تجذب الأنظار
رد عليها هازئا دون أن يتركها أو حتى أن يخفف من سرعة خطواته
ربما تسمحين لي اذن بفعله في الخفاء
وجدت نفسها فجأة تضرب ظهره بقبضة ضعيفة متراخية
اتركني , الا ترى أنني متعبة وقد عانيت لتوي من
توقف فجأة حتى أنها اصطدمت بظهره وتعثرت لكن قبل أن تقع كان قد استدار إليها وأمسك بذراعها الآخر وأرعبتها النظرة في عينيه السوداوين وهو ينظر إليها بوحشية وهمس من بين أسنانه
أنصحك أن تخرسي يا درة أنصحك أن تُخرِسي لسانك في هذه اللحظة بالذات ولا تتفوهي بأي كلمة إضافية تعلمي متى يكون الوقت مناسبا لتلفظي به بهذا القيء الكريه ومتى يتوجب عليكِ قطع لسانك
وعلى الرغم من أن نبرة صوته لم تتعدى الهمس , الا أنها خرجت بإحساس جعلها ترتعد شاعرة بأنه يهدر بصراخٍ متوحش أفزع الجميع
ابتلعت ريقها بتوتر و همست بصوتٍ مرتعش
حسنا يمكنك أن تقلني الى شقتي لا داعي لمثل هذا العنف فقد اكتفيت منه ليومٍ واحد
اضطرب فكه والتوت شفتاه , الا أنه ترك ذراعا واحد وتابع سحبها خلفه و لحسن الحظ لم يسيرا طويلا , فقد كانت تترنح بإعياء وبعد أن أجلسها و أغلق الباب دار حول السيارة وجلس خلف المقود راميًا نفسه مما جعل السيارة ترتج من شدة انفعاله
بعد دقائق من انطلاق السيارة , كان الهدوء الزائف يلفهما كلا منهما بداخله نارا موقدة توشك على الانفجار
لاتزال ترتعش حتى الآن و الذكرى لا تبارحها
ذكرى صوت المفتاح في الباب و الذي لم يكن حلما
ذكرى استيقاظها على لمساتٍ غريبة مهما بدت مألوفة وجسد ذكوري ملقى فوقها
ارتعدت مجددا والخوف يزيد فأغمضت عينيها وهي تتذكر الصفعات التي توالت على وجهها بغضبٍ انتقامي دون رحمة لم تعهده بمثل هذا العنف خلال زواجهما
كان ضعيفا , باهت الشخصية , يصلح أن يٌقاد
فتحت درة عينيها وهي تنظر من النافذة والإهانة بداخلها تغلي و تحرق لكن مع التفاتها لمحت صورة وجهها في المرآة الجانبية لم تكن الصورة واضحة لكنه بالتأكيد لم يكن وجهها !
التفتت ورفعت يدها محاولة فتح المرآة التي تعلو رأسها , لكن و قبل أن تفعل سبقتها يد رجولية قبضت على كفها وصوت يقول بصرامة
ماذا تفعلين ؟
أجابته بصوتٍ خافت وهي ترمقه بنظرةٍ متوترة
أريد النظر للمرآة فحسب
ظنته سيبعد يدها لكنه شدد من قبضته فوق أصابعها قائلا بصوتٍ مقتضب وهو يتابع قيادة السيارة ببساطة
لا داعي لهذا الآن
عقدت حاجبيها وتحرك حلقها مجددا , الا أنها قالت بشجاعة
بلى أريد أن أرى وجهي , اترك يدي من فضلك
تصلبت ملامحه أكثر , الا أنه دفع يدها بفظاظة تاركا لها حرية فعل ما تريد و كأنه لا يبالي
فأخذت نفسا عميقا , وأنزلت المرآة كي تنظر الى نفسها عن قرب وما أن فعلت حتى كتمت أنفاسها مانعة شهقة من الخروج من بين شفتيها فأول ما طالع عينيها هما عيناها
عينها اليمنى كانت حمراء كالدم منتفخة و الجفن متورم و متهدل و هذا سبب إحساسها بالثقل فيه
أما العين الأخرى فكانت سليمة لكنها كانت تضم داخلها ما افتقده العين الفاترة الميتة اليمنى
كانت تضم خوفا ألما شعورا بالرفض والمهانة وغضبا عنيفا أكثر خزيا من قدرته على الخروج للعلن
رفعت وجهها قليلا كي تتمكن من رؤية باقي أجزائه جانب تلون أعلاه باللون الأزرق الداكن المحاط بالأحمر أما الجانب الآخر فكان أسفله بجوار زاوية شفتيها مكدوم بشكل بشع وهناك جرح في منتصف شفتها السفلى جعلها محتقنة ومتورمة
عادت عضلات حلقها تتحرك بصعوبة وهي تراقب نفسها بحاجبين منعقدين و عينين متألمتين حزينتين , غاضبتين لكن المرآة أُغلقت فجأة بقوة ثم سمعت صوته يقول بصرامة
هذا يكفي
لم تجادله هذه المرة واكتفت أن نظرت من النافذة بجوارها تضم جسدها بذراعيها محاولة تهدئة ارتعاشه وهي تشعر بالحرج من منظرها الذي رآه قاسم و ملأ عينيه به منذ ساعات
ولا تعلم ما الذي دفعها لتقول ببرود دون أن تلتفت إليه
هل هذا ما كنت تحميني من رؤيته ؟! أتخاف من رؤيتي لبضعة كدمات ؟! أنا أقوى مما تظن يا قاسم وقد رأيت في حياتي ما يجعل من هذه الصفعات مجرد مزحة
ابتسم قاسم ابتسامة ساخرة وهو ينظر جانبا من نافذته ثم قال أخيرا ببرودٍ هازئ
هذه الملحوظة غيرت حياتي فعلا أشكرك على تفضلك بها على مسامعي , لكن رجاء أخير إن لم تكوني على دراية ووعي بأنكِ كنتِ عرضة لمحاولة اغتصاب نجوتِ منها بستر الله فأقترح عليكِ أن تصمتي ولا تُسمعيني صوتك البائس هذا حتى نصل الى وجهتنا
صمتت بالفعل و هي ترتعش من شدة الغضب ولعنت لسانها الغبي الذي أظهرها بهذا المظهر المدافع عن كرامتها المهترئة بأكثر الطرق سخافة فأرجعت رأسها للخلف و أغمضت عينيها بتعب و إرهاق و بعد لحظات سمعت صوته يسألها بجمود لا يحمل أي مشاعر
هل تشعرين بالدوار ؟
فتحت فمها وتمكنت من القول بعناء وهي تشعر بالعالم يجري من حولها بسرعةٍ مؤلمة
نعم
أجابها بصوتٍ خافت
قال الطبيب أن هذا طبيعي و ستشعرين به طوال اليوم تقريبا نتيجة الضربة في مؤخرة رأسك إن كان الجرح يؤلمك أميلي رأسك جانبا كي لا تستندي إليه هكذا وحاولي النوم قليلا
أمالت رأسها جانبا بالفعل دون أن تفتح عينيها وهي تفكر في وجهة وصولهما
عقدت حاجبيها و تغضنت ملامحها متخيلة نفسها عائدة الى الشقة والنوم في سريرها بمفردها وحين يحل الظلام !
انتفض جسدها نفورا وخوفا ففتحت عينيها تنظر الى السماء تتنفس بسرعة وتوتر مع شعور مفاجىء بالغثيان
أمالت رأسها تنظر الى جانب وجهه المظلم ثم همست محاولة الكلام بنبرة طبيعية زائفة
هل يمكنك إيصالي الى بيت عامر .... عامر علام داشاي
انتفض رأسه وهو ينظر إليها نظرة قاتلة مرعبة جعلتها تدرك مدى سخافة طلبها , فوضحت قائلة
الى حيث تسكن سلوان أحتاجها في أمر خاص تعلم أن ما حدث يخصها كما يخصني
أعاد وجهه الى الطريق وأجاب باختصار أقرب الى القسوة
يمكنك الاتصال بها
لعقت شفتها المتورمة فآلمتها وحاولت إيجاد حجة أخرى , ترفض أن تظهر له خوفها من الشقة اللعينة
فقالت بخفوت
هلا أوصلتني لها فحسب دون أن تجادلني ولو لمرة يا قاسم ؟ مرة واحدة فأنا حقا مرهقة , كن آدميا مرة في حياتك .
لم يرد عليها للحظات وتابع النظر الى الطريق الممتد أمامهما ثم قال بصوتٍ هادىء
نامي الآن ولا تفكري في الشقة
اتسعت عيناها دهشة وهي تنظر الى جانب وجهه , لكنه كان هادئا , جامدا كقناع خشبي يخفي الإنسان القابع خلفه
لكنها كانت أكثر إرهاقا من المتابعة فأغمضت عينيها وراحت في سبات عميق وآخر ما فكرت فيه
ربما لو أمكنها النزول ضيفة عند جارها وزوجته الى أن تتجاوز نفورها وخوفها من الشقة اللعينة