الفصل الثاني و الأربعون

هكذا هي الحياة حين نؤمن لها ونظن أنها ما عادت تحزننا وكل شيء أصبح ذا لون وردي زاهي تعود وتنقلب من حال لحال فتشمر على ساعديها وتشرع في هزنا بعنف فتردينا شبه خاوين من القدرة على التحمل والإستيعاب فتستنزف الفرح منا حتى الرمق الأخير لكننا لا نستسلم بل لآخر لحظة سنقاوم ونقف.

بقيت مكانها متسمرة لقد نزلت عليها لعنة فراعنة قديمة لحظة سماعها كلمات بل بعض من كلمات "هي ليست من صلبه" تلك كانت تميمة اللعنة فجمدتها مكانها كالصنم.

نظرت إليها نازلي إلى دهشتها وتحديقها بأوزجي بفم مفتوح فابتسمت ثم استادرت بكل هدوء وكأنها لم تفعل شيء ووضعت نظارتها الماركة الغالية لتتحدث قائلة:
عودي إلى قصرك هيا أسرعي قبل أن يهرب منك ولا تنسي لمس كب ركن به كي تصدقي بأنك تعيشين بمكان راق و نظيف مثله وتنسي قريتك العفنة التي أتيت منها ثم ركبت سيارتها وشغلتها وانطلقت مسرعة لا تزال تبتسم فرحة بانتصارها وهز سعادة ريحان واقتلاع طمأنينتها من الجذور
نظرت إليها اوزجي قليلا ثم قالت:
ماما ماذا حدث لم ريحان مندهشة بتلك الطريقة؟
طالعتها نازلي قليلا من خلال المرآة وابتسمت مرغمة قائلة:
لا شيء حلوتي أنت فقط استمتعي بالنظر للطريق حتى نصل وسأشتري لك أشياء تحبينها ثم تحدثت بهمس كله بسببك غبية
اوزجي مستفهمة:
قلت شيء ماما
نازلي مبتسمة:
لا لم أقل شيء.
أكملت نازلي دربها هي والصغيرة بعد أن فجرت تلك القنبلة في وجه ريحان دون رحمة.
عادت ريحان للقصر تتحرك بخطا عشوائية متثاقلة عشوائية الأفكار التي تضرب رأسها ترهقها ومشاعرها التي اختلطت ببعضها أتحزن أ تغضب أو تنتظر بهدوء تبحث عن إجابة أو تفسيرا لما سمعت لكنها لن تجد إلا إذا حدثته وفهمت منه ماذا تقصد نازلي بكلماتها تلك أو لربما هذا فعلا كابوس وستستفيق منه مهما طال نومها فمن أعراض الوحام رؤية كوابيس بشعة لتجر جسدها نحو غرفتها جرا ثم دلفت هناك وما إن فعلت حتى أخذت نفسا عميقا وأعا شعرها للخلف وكل جسدها يرتجف و بدأت تتحرك سريعا ذهابا وإيابا دون توقف وتردد:
لطفك وعفوك يا رب أجرنا يستحيل هذا كيف هذا أصلا ولم لم يخبرني قبلا أو حتى يلمح كيف فجأة ليست ابنته وإن كانت كذلك ابنة من إذا؟
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أخذت نفسا عميقا ثم رمت نفسها على الكنبة وأسندت رأسها للخلف ووضعت يديها على رقبتها تمسح عليها متوترة متذمرة لكن سرعان ما فاضت عيناها ترسل دموعا لوجنتيها دون إرادة منها فهي لم تتحمل الذي سمعت تذرف تلك الدموع التي تتساقط أرضا حزينة و ملامح الصغيرة أمامها وضحكتها التي ترسل الربيع كلما أشرقت تلفها من كل جانب وقهقهة ضحكاتها تبعث الفرحة في قلبها لتزفر بحنق قائلة:
حبيبتي المسكينة ومهجة قلبي أتراه يكون عندها علم بذلك؟
لا يمكن تناديه بابا ثم إن سنها صغيرة فلو كانت على علم بذلك كانت تأثرت الصغار يتأثرون من أي شيء كيف إذا موضوع الأبوة هذا سأجن كيف حدث هذا هل صحيح ما قالت أم كذبت فقط كي تغيضني لأنها رأت الخاتم بيدي لا اصدق لا اصدق تلك الغبية تكذب بالتأكيد لكن لا يمكن أن تكذب إنها لن تقول هي ليست ابنتي وهي ابنتها من صلبها ليست غبية لهذه الدرجة وأوزجي هي ورقتها الوحيدة الرابحة.
سكتت قليلا وقامت ثانية من مكانها توجهت للغرفة الداخلية وجلست على حافة السرير تضم وسادته إليها لتضيف:
لكن أمير كيف يخفي عني شيء كهذا كيف؟
ياربي سينفجر رأسي من كثرة الأسئلة أنا لا يمكنني لن أبقى هكذا لا يمكن يجب أن أجد تفسيرا لكل ما يحدث.
كانت اشبه بمن يقف بين نارين تأكلها نار الحيرة من ناحية ونار الخوف علي كلا من اوزجي وامير، لا تدري ماذا عليها أن تفعل او كيف تتصرف، تتخبطها الحيرة من هنا لهناك دون سبيل تصل اليه فيدلها.
زفرت للمرة التي لا تدري كم ثم وقفت مباشرة وبسرعة لكنها أحست بدوار برأسها بسبب حركتها السريعة ما جعلها تعود لموضعها وتجلس مباشرة تمسك باللحاف بقوة وتغمض عينيها وتتنفس بعمق ثم أسندت ضهرها على حافة السرير وأخذت تردد شيء من القرآن كعادتها فهي كلما توترت أو حزنت أو أحست بخوف أوضيق تهرول إلى ربها عز وجل وما خاب من قال يا الله لتبق مدة طويلة على حالها تنظر للسقف صامتة تفكر بما سمعت وبالصغيرة تكاد لا تستوعب كلمة من تلك الكلمات تنتظر أن يوقضها أحد لكنها اقتنعت بالأخير أن الذي هي به ليس حلما بل حقيقة يجب أن تتقبلها وتجد لها تفسيرا.
هدأت قليلا وواصلت التنفس بعمق وهكذا حتى أحست بأن الدوار قد زال عنها لتقوم ثانية من موضعها وتتجه إلى خارج الغرفة باحثة عن مليكة.
توجهت للمطبخ ودخلت لكنها لم تجد غير نيجار هناك لتسألها على عجل:
نيجار أين خالتي مليكة؟
ردت نيجار:
خرجت ياخانم قالت لديها مشوار وستعود لكن مابك هل أنت بخير؟
وجهك شاحب ولونه مخطوف
ردت ريحان:
أنا بخير لا تقلقي ليس وقت خروجها اطلاقا الآن من فضلك كأس ماء فقط
تحركت نيجار نحو الثلاجة وأحضرت الماء لها لتشرب ريحان كل الكأس دفعة واحدة وكأنها ركضت ماراثونا أصابها بالعطش الشديد.
نيجار مستفهمة:
تريدين شيء آخر خانم
ردت ريحان:
لا لا شئ لا تهتمي شكرا لك ثم تحركت للخارج وتوجهت لغرفة سونا التي كانت تتجهز للخروج تاركة نيجار تنظر مستغربة لرد فعلها ذاك.
دلفت ريحان غرفة سونا وسلمت لتجدها تجهز نفسها وتضع بعضا من عطرها كلمسة أخيرة وكم بدت أنيقة ومبتهجة لحظتها وكأنها غير سونا التي تعود الكل عليها لا تهتم بظهرها إلا نادرا مذ أن حدث ما حدث.
ابتسمت ريحان رغم التيه التي كانت ضائعة به ثم اقتربت منها قائلة:
ماشاء الله تبدين جميلة حبيبتي لكن إلى أين؟
ردت سونا مبتسمة:
وهل يصح الجمال بعدك زوجة أخي؟
عندي جلسة معالجة فيزيائية أتأتين معي.
ردت ريحان:
أستغفر الله الجمال جمال الروح أيضا لا يمكنني الذهاب معك حبيبتي مرة أخرى وعد أشعر ببعض التعب أنت فقط لا تجزعي مني.
تحركت سونا بكرسييها واقتربت منها لتسألها:
مابك ريحان لست على بعضك أنت بخير أكنت تبكين؟
وجهك شاحب وعيونك متورمة أم أن حبة السمسم تلك تنكد عليك؟
أمسكت ريحان بيد سونا وضمتها لتتحدث بخفوت:
لا حلوتي لا شيء يدعو للقلق أنت تعرفين حمل ووحام منذ الصباح وإرهاق هكذا يعني هذه الأمور التي تقلب المزاج من لحظة للحظة فلا يمكنني السيطرة عليها لا تهتمي ستزول أنت فقط اذهبي جلستك العلاجية ولا تتأخري عن أوزجان.
ضحكت سونا لتردف:
أوه ابن أخي وماذا فعل بأمه وهو لا يزال نتفة صغيرة نعم من شابه أباه ما ظلم
ابتسمت ريحان ونظرت لبطنها لتكمل سونا قائلة:
حسنا أيتها الأم الصغيرة وأنت اهتمي بصحتك ولا ترهقي نفسك تسطحي بفراشك ولا تتحركي هنا وهناك كي لا تتعبي أكثر وإياك أن تقومي بأي عمل أو تطبخي وإلا أخبرت أخي ها لدي عيون هنا لا تقولي خرجت أذهب وأطبخ أو افعل شيء أراقبك ها.
ريحان ضاحكة:
علم سيدي سأطبق الأوامر بالحرف وأنت اتصلي بي إن حدث شيء أو احتجت لمساعدة
سونا بحب:
تمام حلوتي هيا لأذهب كي لا أتاخر
خرجت سونا بجانب ريحان وهما تتحدثان عن جلسة سونا وأين وصلت بعلاجها النفسي لتقوم بإيصالها إلى باب القصر ثم ودعتها وعادت لغرفتها مباشرة.

وصلت أوزجي و ولادتها للبيت أخيرا وما إن نزلتا حتى توجهت نازلي لمكتبها تجري اتصالا مهما بخصوص العمل بينما أوزجي فقد استقبلتها مربيتها وأخذت بيدها مباشرة إلى غرفتها لترتاح قليلا لكن عيون الصغيرة كانت تتبع والدتها بحزن إنها تريدها هي لا المربية مشتاقة إليها إلى حديثها واللعب معها والضحك والقهقهات لكن هيهات هيهات فقد ختم على قلبها أن لا تحب غير نفسها.

في القصر كانت ريحان لا تزال بغرفتها تأكل الأسئلة عقلها وينخر كلام نازلي بفؤادها ضائعة لا تدري ما تفعل أو لمن تلجأ ثم نظرت لهاتفها قليلا وفكرت لحظات وحملت هاتفها لتقرر الإتصال بأمير الذي لم يظهر بعد ولم يتصل و الذي حدث أنساها حتى الإتصال به لكن حتى أمير لم يرد رغم أنه رأى اتصالها.
أقفلت الخط ورمت هاتفها جانبا قائلة بتذمر:
أين أنت الآن؟
ليس وقت اختفائك حتى أنه لم يترك رسالة وكأنه لم يترك خلفه شخصا مريضا لا بأس سنعرف أرضك بعد حين.
لحظات فقط وعادت لحالة الضياع تلك لتعود الأسئلة تروح وتجيء على فكرها فتحدثت بحنق قائلة:
لكن هل يعقل أنه لا يعرف أيضا م أن نازلي انجبتها من رجل؟
أستغفر الله العظيم من كل ذنب أثيم ماذا أهذي أنا؟
ياربي إن لم أجد إجابة لسؤالي سأجن بالتأكيد وأحمل نفسي ذنوبا بسبب شكي.
جلست ثانية على حافة السرير وأغمضت عيونها بقوة تحاول الهدوء ليدخل حينها أمير من باب الغرفة فجأة يرسم ابتسامة عريضة على شفتيه ليطالعها بحب وهي كذلك.
أحست على حركته ففتحت عيونها سريعا ونظرت إليه ليقول:
صباح الخير جميلتي.
رفعت رأسها ببطئ ثم أطبقت نظرها به دون أن ترمش حتى.
كانت تنظر بعتب أما هو فلم يفهم شيء من نظراتها تلك فقط اكتفى بالابتسام.
بقي واقفا بمكانه لحظات ينظر باستفهام أما هي فلم تتحدث بشيء بعد ليكسر صمتها قائلا:
بم تردي حتى التحية أنت بخير حبيبتي؟
ردت مباشرة:
لم أخفيت عني ذلك؟
زادت دهشته أكثر وابتلع ريقه مرتعبا واتسعت عيناه وانتفظ قلبه فجأة ثم تحدث بحنق:
أخفيت ماذا عشق؟
امتلأت مقلتيها دمعا رغم أنها حاولت تمالك نفسها كي لا تبكي لكنها لم تستطع لتضيف لتتركهما يأخذان مجراهما المعتاد ثم تحدثت قائلة:
كيف استطعت إخفاء ذلك كل هذه المدة فقط أخبرني كيف استطعت؟
زلزلت الارض أسفله لحظتها واهتز وارتعد فأغمض عيونه بقوة ليشرع جسده بالإرتجاف والتوتر و أخذت الحالة تزداد وهو واقف متسمر مكانه فما كان يخفيه ظهر للعلن و ما كان يوجعه زاد وما كان يخشاه انتشر وما كان يهرب منه أمسك به وسحبه إليه نعم إنه شبحه الذي لطالما حاول معه لكنه كان يهزمه في كل مرة فهل يا تراه سيتمكن منه هذه المرة أيضا؟
حدث نفسه قائلا:
لقد جاءت اللحظة حقا يبدو أنها عرفت كل شيء إنها الحقيقة التي مهما أخفيتها ستظهر يوما إنه الواقع أمير كانت ستعرف إن شئت ذلك أم لم تشأ كانت ستعرف يوما وتتأكد أن وصفها لك بالشيطان لم يكن عبثا لكن كان سريعا لم أهنأ بها بعد،ربي ألهمني القوة لأواجهها وأنظر بعيونها وأنا أتحدث لم أحتسب يوما كهذا ولا لحظة كهذه لم أفعل.
كانت تنظر إليه صامتة تنتظره أن يتحدث ويفسر لهت ليخرج هو زفرة قوية من أعماق أعماقه ثم اقترب وجلس بجانبها بكل هدوء وهي لا تزال بحالة الذهول والصمت ليتحدث أخيرا ويقول بحزن:
أنت كيف عرفت؟
أجابت قائلة:
لا يهم كيف عرفت ومن من عرفت المهم هو لماذا أخفيت عني ذلك لماذا؟
رد أمير بحنق:
لأنني أحبك لا قدرة لي دونك حاولت لكن ما استطعت صدقيني
ردت ريحان:
لكن ليس بالشيء الذي تخفيه عني أمير موضوع كهذا من المفترض أن أعلم به منذ زمن.
نظر إليها وإلى ردة فعلها فهي رغم حزنها إلا أنها تبدو هادئة لكنه فلم يجد تفسيرا لحالتها ثم وضع يديه على رأسه وأبعد نظره عنها ليتحدث بعد لحظات قائلا:
سامحيني
نظرت اليه برهة ثم تحدثت قائلة:
ما الذي منعك؟
رد أمير:
أنت كيف تتوقعين أن أنظر بعينيك وأقولها هكذا بسهولة
كيف سأقول بأنني ثم صمت.
نظرت إليه مطولا فحتى ردة فعله استغربتها لكن كل الذي كان يهمها أن تجد تفسيرا لتلك الحقيقة لتردف قائلة:ل
كنها مثل طفلتي أيضا أمير لا تنس هذا
نظر باستفهام ليقول:
كيف طفلة ماذا؟
تنهدت بقسوة لتردف:
كيف تتوقع ردة فعلي حين اعرف أن الفتاة التي أعتبرها ومتأكدة وكل العالم أجمع يعرف أنها ابنة أمير تارهوم زوجي زوجي تظهر فجأة بأنها ليست كذلك ومن الغريب أيضا.
اعتدل أمير لينظر إليها مستفهما ثم أردف:
لحظة لحظة كيف؟
ريحان بحزن:
ألهذه الدرجة لا تثق بي كي تسلمني سرا كهذا أمير أم أنني لست بقدر المقام أو علك تخاف أن أكشف السر؟
أمير دهشا:
ماذا؟
ردت ريحان:
فعلا الموضوع لا يصدق لا عقل يصدقه يعني فجاة ابنتك ليست ابنتك أهذه حقيقة أم كذبة أمير هل ماسمعته حقيقي فعلا؟
أجبني رجاء فمنذ الصباح وأنا في حيرة من أمري وألف سؤال ينخر برأسي.
شيء من الفرح خالطه رغم أن الذي عرفته ليس هينا لكن فكرة أنها لم تعرف تلك الحقيقة القاسية أراحته حقا فكل الذي سيأتي بعد ذلك هين ليتنهد ويردف:
لا حقيقة حبيبتي أوزجي أبنتي بالتبني وليست من صلبي.

قالها واعترف لم يخفي شيء ولم يتهرب لتنزل كلماته عليها بارده فتأكدت أخيرا أن كلام نازلي ليس كذبا وأنها عرفت سرا بالكاد يصدق.
نظرت اليه بانكسار ثم تحدثت باكية لتقول:
لقد حزنت بشدة لأجلها صغيرتي إنها تعيش بكذبة كبيرة.

نعم كذبة لكن لسنا نحن من نختار ظروفنا ولسنا نحن من نسطر قدرنا إنه كله مكتوب في لوح محفوظ قبل أن نولد وكل تدبير من رب العالمين فيه خير سواء خيرا كان أو شرا.
أكملت حديثها قائلة:
لكن أكثر شيء أحزني فعلا ثم سكتت فأومأ مستفهما لتكمل:
كيف استطعت أن تخفي عني شيء كهذا وأنا التي تثق بك ولا تخفي عنك أي شيء.
لم يتحدث هو بشي بعدها فقط اكتفى بالصمت ينظر إليها بحزن فقد فتحت كل مواجعه المدفونة.
قاطعت صمته قائلة بخفوت:
انتظر منك تفسيرا أمير ولي الحق في ذلك.
تنهد بقوة ثم سكت قليلا ليتحدث بعد حين ويحرر حروفه أخيرا تلك الحروف التي تكاد تخنقه منذ أن دلف الغرفة و واجهته بينما هي لاتزال تنظر إليه ليقول:
إنها بالأصل ابنة صديقي
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي