الفصل الثامن عشر
رمقوها الفتيات بدهشه وإضطراب وذهول من صدقها وجرأتها بالبوح عما بداخلها بسلاسه، قبضت لمياء برفق على يدها محدقة في عيناها بحنو ثم أردفت
-والله ووقعت ياجميل ولا حدش سمَّي عليك، كل ال قولتيه ده بيقول انك حبيتي يابوسي، بس السؤال هنا بقى، انتي متأكده ان حاتم ده بيحبك فعلا ولا زيه زي مازن ونادر؟
نظرت بيسان لها باضطراب لترحل عينيها عنها وترمق أيسل بتردد وأجابتها
-والله انا ما بقيت عارفه حاجه، بس إصراره على أنه يكون قريب مني وكلامه معايا بيقول انه فعلا بيحبني!
ربتت أيسل فوق كتفها جعلتها تستدير لها فنظرت إليها بخجل لتجيبها قائله
-هوني على نفسك ياقلبي، الحب ده أسمَي احساس بالوجود بس لليفهمه صح وانتي من المحظوظين انك حظيتي به، المفروض تكوني سعيده بس المهم انك ماتعمليش اي حاجه غلط كل تصرفاتك تبقى في حدود، عشان ماتدخليش في مشاكل مع باباكي زي إل دخلتي فيها قبل كده بسبب اسمه ايه ده.. اه مازن،فهماني ياحبيبتي؟
نالت كلمات أيسل استحسان بيسان ولمياء كثيرا، وضعت لمياء وايسل يداهم على أكتاف أيسل يربتوا فوقها بحنو، ثم غمزا لبعضهما بأن ينكزوها ويقرقروها كي تضحك وتنسى القلق والاضطراب، القوا بها فوق الفراش وقامو بكركرتها في خصرها، هلثت أنفاسها بسبب كثرة الضحك
في هذه الأثناء كانت السيدات يلملمن المائده وولجوا الي المطبخ سويا ليغسلوا الصحون، بينما أتى أيمن بالطاوله تبعه كي يلهو مع أصدقائه لحين يأتي إليهم الشاي.
بعد مرور بضع أيام عزم براء بأن يصطحب الشباب ويهبطوا كي يبحثوا عن عماله ليقوموا بإنشاء المبنى الذي سيقيمون عليه المشروع، بعدما استقروا بأن يولجوا ثلاثتهم بالشراكة فيما بينهم برأس المال والإدارة أيضا، ففي يوم من الايام أخذهم ايمن وذهبوا سويا الي المحامي ليُعد لهم العقود الثلاث ومضوا عليها واخذ كل منهم نسخته بعدما سجلوها بالشهر العقاري ليصمن كل منهم حقه؛
سعدت السيدات الثلاثه بهذه الفكرة كثيرا أيضا وخاصةً مروه لأنها تطمح بأن تكون مكانتها موازيه للسيدات المجتمع الراقي وتكون من سيدات الأعمال؛
انتهى تصميم المبنى بعد مرور شهران من الشغل المستمر وبدأوا بجلب البضاعه من شركات الاغذيه العالميه عن طريق الشحن وأتت إليهم عن طريق المينا، تعاملوا أيضا مع مصانع مصريه إنتاجها مضمون وصحي وبدأوا على الفور بتهيأ المكان لإستقبال بعض الموظفين للعمل بداخله، ذهب ايمن الي محمد في شقته ليتفق معه على ساعات الشغل بالمناصفة بينهم كنبطشيه، جلسوا بجانب بعضهما على الأريكه وتنهد أيمن ممسك ورقة وقلم
-بص ياسيدي بما اننا عندنا شغل المصنع تقريبا نصف اليوم، احنا نشوف حد موثوق فيه يدير المول في الوقت ده، وآخر اليوم انت هتشيل ٣ ايام وانا ٣ ايام ويوم الجمعه نروح سوا من الصبح، إيه رأيك؟
كاد محمد ان يجيبه فولجت عليهم مروه واوقفته عن استرسال حديثه باجابتها المفاجأه حين أردفت
-بعد اذنك يامحمد انا عندي رأي كويس جدا وأتمنى تسمعوه مني وان شاء الله يعجبكوا؛
المشروع لسه في بدايته ومحتاجين كل مليم يدخل لينا منه، فاحنا ليه نجيب موظف يدير المكان وياخد راتب قد كده، انا معايا دبلوم وبفهم في الحسابات كويس جدا، وقاعده طول اليوم مش بعمل أي حاجه وهايدي كمان شبههي، إيه رأيكوا كل واحده فينا تمسكوا ٣ ايام فترة الصباح، انا شايفه انها فكره كويسه لينا كلنا.
هز محمد رأسه بإضطراب وقال
-بس هنا يامروه بلد كبيره وناس انتي ماتعرفيهاش مش الصعيد حدانا ياماما، ممكن حد يتعرض ليكي ولا ح....
ربت أيمن على يده وقاطعه في الحديث مبتسما
-أنا شايف ان مروه عندها حق وكلنا نبقى مع بعض ايد واحده، وبعدين انت ناسي اننا هيكون عندنا أفراد أمن على كل مداخل المكان، وهيكون برده المكان محاصر بكاميرات المراقبه، ده هايدي هتفرح أرى لأنها من زمان بتلح عليا تنزل تشتغل.
كادت مروه تبكي من سعادتها وحنانه ايمن الجارف على زوجته، تمَّنت لو ان محمد يوافق مثله بدون مناهده، فخفضت عينيها وهي تدعو الله بأن يوافق والا يعود في كلامه كي تبدأ تعيش حياتها مثل ما تمنت.
انتهت من شرودها على يده تربت فوق كتفها بحنو
-خلاص ياست الكل هتشتغلي معانا واهو مع الممارسه وكده هتفهمي كل حاجه، ولو حاجه وقفت عليكي اتصلي بيا علطول وانا اقولك تعملي ايه.
تركهم أيمن وعاد الي منزله ليزف الي زوجته الخبر، في منتصف حديثه معها انتفضت من مقعدها، تعالت ضحكاتها وصاحت بسعاده
-هااا، ايوا كده هو ده الكلام المظبوط، ميرسي اوي يابيبي انك فكرت فيا، انا مبسوطه اوي واخيرا هحقق حلمي وهشتغل وايه كمان، هكون مسئوله برتبة مدير وااااو بجد.
في هذه الأثناء كانت أجازة براء وأسرته قد انتهت وآن الأوان كي يحجزوا ويعودوا الي المملكه العربيه السعوديه مرة أخرى ليوصل شغله، تحدث مع ايمن في الأمر ليضع النقاط فوق الأحرف
-إحنا حنا مضطرين نحجز عشان نسافر يابرنس، المول في عهدتك بقى مش هوصيك ولو ما فيهاش إزعاج ممكن تبعتلي كشف حساب شهري بالصادر والوارد والمصاريف.
غادر براء بصحبة أسرته بعدما ودعوا الجميع بالدموع والفزع من الفراق لعل لما يلقوا بعضهم مرة أخرى، توجهوا الي المطار ليستقلوا الطائره، أثناء جلوسهم في صالة الانتظار كانت ايسل ترمق الجميع من حولها، فوقع نظرها على شاب وسيم ينظر إليها خلسه بين الحين والآخر، في بدد الأمر عقدت حاجبيها ورمقته بغضب، تارة تنظر إليه وتارة تشيح بنظرها بعيدا عنه وتلهو في هاتفها، ثم بعد ذلك طالت نظراتهما لبعض، مرت بضع دقائق على ذلك خشت ايسل ان ينتبها لها والدها فكانت تنظر إليه بحذر، صعقت بعد ذلك حينما رأته يترك مقعده ويحمل حقيبة يده ويتوجه إليها،
إرتبكت كثيرا وجحظت عيناها فاعتدلت بجلستها وهي تنظر باتجاه والدتها، أحست بأحد يجلس في المكان الشاغر بجانبها، انتفضت ونظر اليه فوجدته هو، صدمت وكادت ان تصيح فوضعت يدها على فمها كي لا يخرج صوتها، ثم امالت بجسدها بعيدا عنه وحاولت ان تشغل نفسها بأي شيئ، تفاجأت به وضع الهاتف على أذنه مدعيا انه يتحدث مع شخص ما، لكن إستسرقت السمع له فانتبهت بأنه يملي رقم هاتف وأعاده اكثر من مره، أيقنت انه يمليها هي كي تدونه في هاتفها، تلعثمت بأن تكتبه لكنه ظل يعيد الرقم وعيناه يرمقانها خلسةً كي يتأكد بأنه كتبته، بالفعل فتحت هاتفها ودونت الرقم فسمعته يذكر اسمه فتحي، إبتسمت ودونته بإسمه فتحي ثم دقت عليه ليصله رقم هاتفها لكن لم تقل اسمها فدق الهاتف وهو على اذنه، شعر بالخجل من المحيطين به ثم أسقط من يده وهو يبتسم، إبتسمت أيسل أيضا على موقفه المحرج؛
انتبهوا جميعا لصوت مكبر الصوت ينادي على الجميع انه باقي ربع ساعه عن الإقلاع وطلبت منهم ان يستعدوا جميعا لصعود الطائره بعد خمس دقائق، همّ الجميع وتوجهوا الي الباص الذي سيوصلهم الي الطائره، تفاجأت أيسل بأن فتحي يصعد معهم على متن الطائره، ونفس الدرجه أيضا، سعدت من داخلها لأنه سيرافقها لساعتين كاملتين، هو أيضا كان مبتهجاً وكان يود لو ان يتواصل معها عبر الواتساب لكن للأسف لم تكن هناك أي شبكة اتصالات داخل الطائره فاكتفوا بالنظرات الي بعضهما طوال فترة الرحله، لاحظت عفاف شرود ابنتها المستمر فنكزتها غامزة بعينها ثم تحدثت معها بصوت خافض
-بنوتي الجميله سرحانه في ايه كده من ساعة ماوصلنا المطار، مين واخد عقلك ياقمر؟ ولا زعلانه إننا راجعين جده وسايبين مصر، ولا زعلانه اكتر انك بعدتي عن بيسان ولمياء بعد ما اتعودتي عليهم؟!
شهقت أيسل لأنها لم تدري ماذا اصابها ليملأ الإضطراب قلبها هكذا، التفتت لوالدتها بابتسامه هادئه ثم أجابتها بصدق وتلقائيه
-كل ال انتي قولتي عليه ده ياماما صحيح فعلا بس للأمانه مش ده ال شاغلني،
ثم أشارت باصبعها تجاه المقعد المقابل للمقعدها الذي يجلس فوقه فتحي ثم همهمت بصوت متحشرج
-شوفتي الشاب ال قاعد قصادنا ده، عطاني رقمه من شويه بعد ماقعد فتره طويله يبص ناحيتي ويبتسم، مش عارفه انا ازاي وافقت اخده منه وكمان مش قادره ابعد عيوني عنه.
شهقت عفاف وحدقت فيها بدهشه ثم أجابتها بحده بعض الشئ دون أن ترفع صوتها
-ياخبر يا أيسل! معقول انتي تعملي كده، وبعدين انا كنت فين وانتي بتاخديه كنه، دا انتي قاعده جنبي طول الوقت!! وبعدين هو فيه حلو عشان يلتفت انتباهك كده وتوصل بيكي الدرجه انك تاخدي رقمه كمان!!
ارتفع صوتها رغما عنها، فانتبه لها الركاب، حنت رأسها خجلا، ترك براء مقعده واتجه نحوهم ليري مابهم، اوقفته المضيفه وتحدثت معه بلطافه
-لو سمحت يافندم التزم مكانك، ممنوع تقوم غير للاستعمال التواليت بس، اتفضل ارجع لكرسيك وحط حزام الأمان تبعك.
صدمته رؤيتهم بهذا الشكل ماكان عليه إلا الارتقاب لحين تهبط الطائره، رمق ابنته عن كثب فرأي عيونها منتفخة حمراء، ترقب أي بادرة منه وحين طال صمتها أدرك انها من المحتمل ان تكون مجهده فقط، فاطاح لها بقبله في الهواء وهو يغمض ويفتح عيناه مبتسما لها كي تهدأ وتطمئن، بينما كانت عفاف تعض على انيابها من تصرف أيسل الهمجي بدون وعي او تفكير، همست لها في أذنها بصوت متعصب ولا هادئ بعض الشيئ
-الرقم ال اخذتيه منه ده تمسحيه وتنسى انك شوفتي الولد ده، عشان ما ازعلش منك واقول لبابا كمان، وبعدين انتي مش صغيره لافعال المراهقه دي يابنتي.
شعرت أيسل بانها أخطأت حينما أبلغت والدتها بما حصل معها، لكن أومأت إليها وهي تهز رأسها بالقبول
-حاضر ياماما همسحه وآسفه اني عملت كده.
ثم إستدارت وادعت انها تمحي الرقم من هاتفها ثم اغلقت الهاتف تماما واعتدلت في جلستها، ثم بعد ذلك كانت تختلس النظر لفتحي دون أن تحس عليها عفاف، لحين انتهت الرحله وامرتهم المضيفه بأن يثبتوا الأحزمه لان الطائره ستهبط في الحال؛
عند مغادرتهم المطار بسلام تفاجأت أيسل بفتحي يصافح والدها ويعرض عليه بأن يستقل معه السياره ليوصله الي مكان ما يريد، صعقت عفاف أيضا عندما شاهدت ذلك، رفض براء الايصاغ له لكن أشار له بالتعرف على عائلته وهم يتعرفوا عليه أيضا.
-دا ياجماعه فتحي ابن كفيلي السعودي وكان نازل مصر زياره لواحد صاحبه كان عازمه على فرحه، ودول بقى زوجتي وبنتي أيسل معاها كليه تربيه رياضيه.
ابتسم فتحي لانه عرف اسمها قبل أن يغادر، ثم قام بالقاء التحيه عليهم دون مصافحه، ثم غادر كل منهم بسياره منفرده، ظلّت عفاف ترمق أيسل بدهشه وذهول ثم تمتمت مع نفسها
-يعني تفضلي صايمه يابنتي ويوم ما تتعرفي على شاب ماتلاقيش غير ابن الكفيل وسعودي كمان، ياحظك، يلا ياعالم حظك هيكون مع سعودي ولا مصري.
لكن أيسل كان لايفرق مها كنيته ولاجنسيته، الأهم من هذا وذاك انه يكون عاشق لها وتحظي معه على كل ما حلمت به من حب وحنان وعاطفه.
جذبتها والدتها الى صدرها محيطةً إياها بذراعيها، تشبثت أيسل بوالدتها كمن عثرت على قشة نجاتها من الشرود الذي تملكها فجأه، أخذت تبكي بين ذراعيها ليعلو صوت نحيبها، ليصل إلى سمع والدها، اسرع براء بالالتفات إليها بقلب خائف يرجف، أشار إلى السائق كي يتوقف على جنب الطريق، فتوقف بمكانه والتفت إليها براء متسائلا ليرجوها بعينيه
-مالك يابنتي فيكي ايه، مالها البنت ياعفاف، في حاجه بتوجعها ولا ايه، بتعيط ليه؟
انصاعت عفاف وهي تومأ اليه وهي أيضا تربت على يده
-ماتقلقش يابابا، تعبت بس شويه من ركوب الطياره وحاسه نفسها لاعيه عليها، كلها عشر دقائق ونوصل البيت،
جذب براء ابنته نحوه وقبّلها من جبينها ومحي دموعها، ثم إعادها لمقعدها مبتسما
-روقي كده يابابا، مش حابب اشوف دموعك دي ابدا
ثم التفت للسائق متحدثا بلطافه
-يلا ياريس كمل طريقك الله يباركلك.
مرت نصف ساعه وأيسل تكاد ان تفتح هاتفها ليلتقط شبكه لم يجول بخاطرها ان فتحي سيحاول الاتصال بها، حينما وصلت إلى المنزل وأدخلت شبكة النت رأت رساله على الواتساب من فتحي،
-حمدالله على السلامه ياجميل، نورتي جِدَّه
إرتبكت أيسل كثيرا لكن عقلها أشار إليها بأن تجيب عليه فارسلت له الرد مسرعةً
-الله يسلمك، متشكره جدا لزوقك
لاحظ فتحي بأن ردها عليها مبادره قد تكون إشارة له كي يتعرفا على بعض عن كثب، لكن لم تسمح لها عفاف بالمكوث بمفردها ونادت عليها كي يفرغوا حقائبهم ويرتبوا المنزل بعد تنظيفه من الأتربه، تأفأفت أيسل لأنها فهمت غاية والدتها من ذلك، لكن صاح براء في عفاف بحده
-ماتسيبي البنت ترتاح ياعفاف مستعجله على ايه، إرتاحوا على الاقل ساعه من إرهاق السفر وبعد كده ابقى اعملي ال انتي عايزاه.
غادر عفاف غرفة أيسل بينما ولج إليها براءوأغلق باب الغرفة بروية، ووقعت عينيه على أيسل تجلس ارضًا فمد يده إليها لتقف وقبلتها على مضض واتجه بها إلى الفراش وأجلسها إلى جواره وقال بصوت خفيض مبتسماً
-أنا عارف ان مامتك كذبت عليا في العربيه وانك ماكنتيش زعلانه، وكمان حسيت واحنا واقفين مع فتحي ابن كفيلي انك مش على بعضك كده واتاخدتي فجأه، ممكن بقى تحكيلي ايه الحكايه، وصدقيني مش ههاجمك ولا هسمعك كلام مش حابه انك تسمعيه، ها بقى فيه ايه ياخلبوصه؟
رفعت أيسل حاجبها وقلبها ينهشة القلق والخوف، لاحظ والدها ذلك فابتسم وربت فوق يدها وقال
-قولتلك والله ماتخافي، اطمني وقولي ياحبيبة قلب باباكي ايه ال شاغلك لاني عمري ماشوفتك كده؟
وضعت يدها فوق يد والدها واجابته وهي حانية الرأس خجلا وخوفا، ثم سردت له جل ما حصل معها، وضع يده على رأسها بحنو وقال
-على فكره انا كنت حاسس بكده، وبعدين الحب لا هو عيب ولا هو حرام، اهم حاجه يكون حب صادق من الطرفين ويتوج بالزواج بعد كده، وانا عارف فتحي من سنين هو ولد محترم وعلى خلق، يعني انا مش قلقان منه عليكي، لو هو بادر بالكلام معاكي يبقى ناوي خير، بس عايزك تكوني حذره معاه وتشتري منه الكلام ماتبعتيش، و إوعاكي تقوليله بابا وماما عارفين، شوفيه هو هيقولك ايه، وربنا يقدملك ال فيه الخير ياحبيبتي وافرح بيكي عن قريب، وبعدين سعودي ولا مصري كلنا مسلمين اهم حاجه العشره الطيبه، يلا محدش عارف نصيبه
-والله ووقعت ياجميل ولا حدش سمَّي عليك، كل ال قولتيه ده بيقول انك حبيتي يابوسي، بس السؤال هنا بقى، انتي متأكده ان حاتم ده بيحبك فعلا ولا زيه زي مازن ونادر؟
نظرت بيسان لها باضطراب لترحل عينيها عنها وترمق أيسل بتردد وأجابتها
-والله انا ما بقيت عارفه حاجه، بس إصراره على أنه يكون قريب مني وكلامه معايا بيقول انه فعلا بيحبني!
ربتت أيسل فوق كتفها جعلتها تستدير لها فنظرت إليها بخجل لتجيبها قائله
-هوني على نفسك ياقلبي، الحب ده أسمَي احساس بالوجود بس لليفهمه صح وانتي من المحظوظين انك حظيتي به، المفروض تكوني سعيده بس المهم انك ماتعمليش اي حاجه غلط كل تصرفاتك تبقى في حدود، عشان ماتدخليش في مشاكل مع باباكي زي إل دخلتي فيها قبل كده بسبب اسمه ايه ده.. اه مازن،فهماني ياحبيبتي؟
نالت كلمات أيسل استحسان بيسان ولمياء كثيرا، وضعت لمياء وايسل يداهم على أكتاف أيسل يربتوا فوقها بحنو، ثم غمزا لبعضهما بأن ينكزوها ويقرقروها كي تضحك وتنسى القلق والاضطراب، القوا بها فوق الفراش وقامو بكركرتها في خصرها، هلثت أنفاسها بسبب كثرة الضحك
في هذه الأثناء كانت السيدات يلملمن المائده وولجوا الي المطبخ سويا ليغسلوا الصحون، بينما أتى أيمن بالطاوله تبعه كي يلهو مع أصدقائه لحين يأتي إليهم الشاي.
بعد مرور بضع أيام عزم براء بأن يصطحب الشباب ويهبطوا كي يبحثوا عن عماله ليقوموا بإنشاء المبنى الذي سيقيمون عليه المشروع، بعدما استقروا بأن يولجوا ثلاثتهم بالشراكة فيما بينهم برأس المال والإدارة أيضا، ففي يوم من الايام أخذهم ايمن وذهبوا سويا الي المحامي ليُعد لهم العقود الثلاث ومضوا عليها واخذ كل منهم نسخته بعدما سجلوها بالشهر العقاري ليصمن كل منهم حقه؛
سعدت السيدات الثلاثه بهذه الفكرة كثيرا أيضا وخاصةً مروه لأنها تطمح بأن تكون مكانتها موازيه للسيدات المجتمع الراقي وتكون من سيدات الأعمال؛
انتهى تصميم المبنى بعد مرور شهران من الشغل المستمر وبدأوا بجلب البضاعه من شركات الاغذيه العالميه عن طريق الشحن وأتت إليهم عن طريق المينا، تعاملوا أيضا مع مصانع مصريه إنتاجها مضمون وصحي وبدأوا على الفور بتهيأ المكان لإستقبال بعض الموظفين للعمل بداخله، ذهب ايمن الي محمد في شقته ليتفق معه على ساعات الشغل بالمناصفة بينهم كنبطشيه، جلسوا بجانب بعضهما على الأريكه وتنهد أيمن ممسك ورقة وقلم
-بص ياسيدي بما اننا عندنا شغل المصنع تقريبا نصف اليوم، احنا نشوف حد موثوق فيه يدير المول في الوقت ده، وآخر اليوم انت هتشيل ٣ ايام وانا ٣ ايام ويوم الجمعه نروح سوا من الصبح، إيه رأيك؟
كاد محمد ان يجيبه فولجت عليهم مروه واوقفته عن استرسال حديثه باجابتها المفاجأه حين أردفت
-بعد اذنك يامحمد انا عندي رأي كويس جدا وأتمنى تسمعوه مني وان شاء الله يعجبكوا؛
المشروع لسه في بدايته ومحتاجين كل مليم يدخل لينا منه، فاحنا ليه نجيب موظف يدير المكان وياخد راتب قد كده، انا معايا دبلوم وبفهم في الحسابات كويس جدا، وقاعده طول اليوم مش بعمل أي حاجه وهايدي كمان شبههي، إيه رأيكوا كل واحده فينا تمسكوا ٣ ايام فترة الصباح، انا شايفه انها فكره كويسه لينا كلنا.
هز محمد رأسه بإضطراب وقال
-بس هنا يامروه بلد كبيره وناس انتي ماتعرفيهاش مش الصعيد حدانا ياماما، ممكن حد يتعرض ليكي ولا ح....
ربت أيمن على يده وقاطعه في الحديث مبتسما
-أنا شايف ان مروه عندها حق وكلنا نبقى مع بعض ايد واحده، وبعدين انت ناسي اننا هيكون عندنا أفراد أمن على كل مداخل المكان، وهيكون برده المكان محاصر بكاميرات المراقبه، ده هايدي هتفرح أرى لأنها من زمان بتلح عليا تنزل تشتغل.
كادت مروه تبكي من سعادتها وحنانه ايمن الجارف على زوجته، تمَّنت لو ان محمد يوافق مثله بدون مناهده، فخفضت عينيها وهي تدعو الله بأن يوافق والا يعود في كلامه كي تبدأ تعيش حياتها مثل ما تمنت.
انتهت من شرودها على يده تربت فوق كتفها بحنو
-خلاص ياست الكل هتشتغلي معانا واهو مع الممارسه وكده هتفهمي كل حاجه، ولو حاجه وقفت عليكي اتصلي بيا علطول وانا اقولك تعملي ايه.
تركهم أيمن وعاد الي منزله ليزف الي زوجته الخبر، في منتصف حديثه معها انتفضت من مقعدها، تعالت ضحكاتها وصاحت بسعاده
-هااا، ايوا كده هو ده الكلام المظبوط، ميرسي اوي يابيبي انك فكرت فيا، انا مبسوطه اوي واخيرا هحقق حلمي وهشتغل وايه كمان، هكون مسئوله برتبة مدير وااااو بجد.
في هذه الأثناء كانت أجازة براء وأسرته قد انتهت وآن الأوان كي يحجزوا ويعودوا الي المملكه العربيه السعوديه مرة أخرى ليوصل شغله، تحدث مع ايمن في الأمر ليضع النقاط فوق الأحرف
-إحنا حنا مضطرين نحجز عشان نسافر يابرنس، المول في عهدتك بقى مش هوصيك ولو ما فيهاش إزعاج ممكن تبعتلي كشف حساب شهري بالصادر والوارد والمصاريف.
غادر براء بصحبة أسرته بعدما ودعوا الجميع بالدموع والفزع من الفراق لعل لما يلقوا بعضهم مرة أخرى، توجهوا الي المطار ليستقلوا الطائره، أثناء جلوسهم في صالة الانتظار كانت ايسل ترمق الجميع من حولها، فوقع نظرها على شاب وسيم ينظر إليها خلسه بين الحين والآخر، في بدد الأمر عقدت حاجبيها ورمقته بغضب، تارة تنظر إليه وتارة تشيح بنظرها بعيدا عنه وتلهو في هاتفها، ثم بعد ذلك طالت نظراتهما لبعض، مرت بضع دقائق على ذلك خشت ايسل ان ينتبها لها والدها فكانت تنظر إليه بحذر، صعقت بعد ذلك حينما رأته يترك مقعده ويحمل حقيبة يده ويتوجه إليها،
إرتبكت كثيرا وجحظت عيناها فاعتدلت بجلستها وهي تنظر باتجاه والدتها، أحست بأحد يجلس في المكان الشاغر بجانبها، انتفضت ونظر اليه فوجدته هو، صدمت وكادت ان تصيح فوضعت يدها على فمها كي لا يخرج صوتها، ثم امالت بجسدها بعيدا عنه وحاولت ان تشغل نفسها بأي شيئ، تفاجأت به وضع الهاتف على أذنه مدعيا انه يتحدث مع شخص ما، لكن إستسرقت السمع له فانتبهت بأنه يملي رقم هاتف وأعاده اكثر من مره، أيقنت انه يمليها هي كي تدونه في هاتفها، تلعثمت بأن تكتبه لكنه ظل يعيد الرقم وعيناه يرمقانها خلسةً كي يتأكد بأنه كتبته، بالفعل فتحت هاتفها ودونت الرقم فسمعته يذكر اسمه فتحي، إبتسمت ودونته بإسمه فتحي ثم دقت عليه ليصله رقم هاتفها لكن لم تقل اسمها فدق الهاتف وهو على اذنه، شعر بالخجل من المحيطين به ثم أسقط من يده وهو يبتسم، إبتسمت أيسل أيضا على موقفه المحرج؛
انتبهوا جميعا لصوت مكبر الصوت ينادي على الجميع انه باقي ربع ساعه عن الإقلاع وطلبت منهم ان يستعدوا جميعا لصعود الطائره بعد خمس دقائق، همّ الجميع وتوجهوا الي الباص الذي سيوصلهم الي الطائره، تفاجأت أيسل بأن فتحي يصعد معهم على متن الطائره، ونفس الدرجه أيضا، سعدت من داخلها لأنه سيرافقها لساعتين كاملتين، هو أيضا كان مبتهجاً وكان يود لو ان يتواصل معها عبر الواتساب لكن للأسف لم تكن هناك أي شبكة اتصالات داخل الطائره فاكتفوا بالنظرات الي بعضهما طوال فترة الرحله، لاحظت عفاف شرود ابنتها المستمر فنكزتها غامزة بعينها ثم تحدثت معها بصوت خافض
-بنوتي الجميله سرحانه في ايه كده من ساعة ماوصلنا المطار، مين واخد عقلك ياقمر؟ ولا زعلانه إننا راجعين جده وسايبين مصر، ولا زعلانه اكتر انك بعدتي عن بيسان ولمياء بعد ما اتعودتي عليهم؟!
شهقت أيسل لأنها لم تدري ماذا اصابها ليملأ الإضطراب قلبها هكذا، التفتت لوالدتها بابتسامه هادئه ثم أجابتها بصدق وتلقائيه
-كل ال انتي قولتي عليه ده ياماما صحيح فعلا بس للأمانه مش ده ال شاغلني،
ثم أشارت باصبعها تجاه المقعد المقابل للمقعدها الذي يجلس فوقه فتحي ثم همهمت بصوت متحشرج
-شوفتي الشاب ال قاعد قصادنا ده، عطاني رقمه من شويه بعد ماقعد فتره طويله يبص ناحيتي ويبتسم، مش عارفه انا ازاي وافقت اخده منه وكمان مش قادره ابعد عيوني عنه.
شهقت عفاف وحدقت فيها بدهشه ثم أجابتها بحده بعض الشئ دون أن ترفع صوتها
-ياخبر يا أيسل! معقول انتي تعملي كده، وبعدين انا كنت فين وانتي بتاخديه كنه، دا انتي قاعده جنبي طول الوقت!! وبعدين هو فيه حلو عشان يلتفت انتباهك كده وتوصل بيكي الدرجه انك تاخدي رقمه كمان!!
ارتفع صوتها رغما عنها، فانتبه لها الركاب، حنت رأسها خجلا، ترك براء مقعده واتجه نحوهم ليري مابهم، اوقفته المضيفه وتحدثت معه بلطافه
-لو سمحت يافندم التزم مكانك، ممنوع تقوم غير للاستعمال التواليت بس، اتفضل ارجع لكرسيك وحط حزام الأمان تبعك.
صدمته رؤيتهم بهذا الشكل ماكان عليه إلا الارتقاب لحين تهبط الطائره، رمق ابنته عن كثب فرأي عيونها منتفخة حمراء، ترقب أي بادرة منه وحين طال صمتها أدرك انها من المحتمل ان تكون مجهده فقط، فاطاح لها بقبله في الهواء وهو يغمض ويفتح عيناه مبتسما لها كي تهدأ وتطمئن، بينما كانت عفاف تعض على انيابها من تصرف أيسل الهمجي بدون وعي او تفكير، همست لها في أذنها بصوت متعصب ولا هادئ بعض الشيئ
-الرقم ال اخذتيه منه ده تمسحيه وتنسى انك شوفتي الولد ده، عشان ما ازعلش منك واقول لبابا كمان، وبعدين انتي مش صغيره لافعال المراهقه دي يابنتي.
شعرت أيسل بانها أخطأت حينما أبلغت والدتها بما حصل معها، لكن أومأت إليها وهي تهز رأسها بالقبول
-حاضر ياماما همسحه وآسفه اني عملت كده.
ثم إستدارت وادعت انها تمحي الرقم من هاتفها ثم اغلقت الهاتف تماما واعتدلت في جلستها، ثم بعد ذلك كانت تختلس النظر لفتحي دون أن تحس عليها عفاف، لحين انتهت الرحله وامرتهم المضيفه بأن يثبتوا الأحزمه لان الطائره ستهبط في الحال؛
عند مغادرتهم المطار بسلام تفاجأت أيسل بفتحي يصافح والدها ويعرض عليه بأن يستقل معه السياره ليوصله الي مكان ما يريد، صعقت عفاف أيضا عندما شاهدت ذلك، رفض براء الايصاغ له لكن أشار له بالتعرف على عائلته وهم يتعرفوا عليه أيضا.
-دا ياجماعه فتحي ابن كفيلي السعودي وكان نازل مصر زياره لواحد صاحبه كان عازمه على فرحه، ودول بقى زوجتي وبنتي أيسل معاها كليه تربيه رياضيه.
ابتسم فتحي لانه عرف اسمها قبل أن يغادر، ثم قام بالقاء التحيه عليهم دون مصافحه، ثم غادر كل منهم بسياره منفرده، ظلّت عفاف ترمق أيسل بدهشه وذهول ثم تمتمت مع نفسها
-يعني تفضلي صايمه يابنتي ويوم ما تتعرفي على شاب ماتلاقيش غير ابن الكفيل وسعودي كمان، ياحظك، يلا ياعالم حظك هيكون مع سعودي ولا مصري.
لكن أيسل كان لايفرق مها كنيته ولاجنسيته، الأهم من هذا وذاك انه يكون عاشق لها وتحظي معه على كل ما حلمت به من حب وحنان وعاطفه.
جذبتها والدتها الى صدرها محيطةً إياها بذراعيها، تشبثت أيسل بوالدتها كمن عثرت على قشة نجاتها من الشرود الذي تملكها فجأه، أخذت تبكي بين ذراعيها ليعلو صوت نحيبها، ليصل إلى سمع والدها، اسرع براء بالالتفات إليها بقلب خائف يرجف، أشار إلى السائق كي يتوقف على جنب الطريق، فتوقف بمكانه والتفت إليها براء متسائلا ليرجوها بعينيه
-مالك يابنتي فيكي ايه، مالها البنت ياعفاف، في حاجه بتوجعها ولا ايه، بتعيط ليه؟
انصاعت عفاف وهي تومأ اليه وهي أيضا تربت على يده
-ماتقلقش يابابا، تعبت بس شويه من ركوب الطياره وحاسه نفسها لاعيه عليها، كلها عشر دقائق ونوصل البيت،
جذب براء ابنته نحوه وقبّلها من جبينها ومحي دموعها، ثم إعادها لمقعدها مبتسما
-روقي كده يابابا، مش حابب اشوف دموعك دي ابدا
ثم التفت للسائق متحدثا بلطافه
-يلا ياريس كمل طريقك الله يباركلك.
مرت نصف ساعه وأيسل تكاد ان تفتح هاتفها ليلتقط شبكه لم يجول بخاطرها ان فتحي سيحاول الاتصال بها، حينما وصلت إلى المنزل وأدخلت شبكة النت رأت رساله على الواتساب من فتحي،
-حمدالله على السلامه ياجميل، نورتي جِدَّه
إرتبكت أيسل كثيرا لكن عقلها أشار إليها بأن تجيب عليه فارسلت له الرد مسرعةً
-الله يسلمك، متشكره جدا لزوقك
لاحظ فتحي بأن ردها عليها مبادره قد تكون إشارة له كي يتعرفا على بعض عن كثب، لكن لم تسمح لها عفاف بالمكوث بمفردها ونادت عليها كي يفرغوا حقائبهم ويرتبوا المنزل بعد تنظيفه من الأتربه، تأفأفت أيسل لأنها فهمت غاية والدتها من ذلك، لكن صاح براء في عفاف بحده
-ماتسيبي البنت ترتاح ياعفاف مستعجله على ايه، إرتاحوا على الاقل ساعه من إرهاق السفر وبعد كده ابقى اعملي ال انتي عايزاه.
غادر عفاف غرفة أيسل بينما ولج إليها براءوأغلق باب الغرفة بروية، ووقعت عينيه على أيسل تجلس ارضًا فمد يده إليها لتقف وقبلتها على مضض واتجه بها إلى الفراش وأجلسها إلى جواره وقال بصوت خفيض مبتسماً
-أنا عارف ان مامتك كذبت عليا في العربيه وانك ماكنتيش زعلانه، وكمان حسيت واحنا واقفين مع فتحي ابن كفيلي انك مش على بعضك كده واتاخدتي فجأه، ممكن بقى تحكيلي ايه الحكايه، وصدقيني مش ههاجمك ولا هسمعك كلام مش حابه انك تسمعيه، ها بقى فيه ايه ياخلبوصه؟
رفعت أيسل حاجبها وقلبها ينهشة القلق والخوف، لاحظ والدها ذلك فابتسم وربت فوق يدها وقال
-قولتلك والله ماتخافي، اطمني وقولي ياحبيبة قلب باباكي ايه ال شاغلك لاني عمري ماشوفتك كده؟
وضعت يدها فوق يد والدها واجابته وهي حانية الرأس خجلا وخوفا، ثم سردت له جل ما حصل معها، وضع يده على رأسها بحنو وقال
-على فكره انا كنت حاسس بكده، وبعدين الحب لا هو عيب ولا هو حرام، اهم حاجه يكون حب صادق من الطرفين ويتوج بالزواج بعد كده، وانا عارف فتحي من سنين هو ولد محترم وعلى خلق، يعني انا مش قلقان منه عليكي، لو هو بادر بالكلام معاكي يبقى ناوي خير، بس عايزك تكوني حذره معاه وتشتري منه الكلام ماتبعتيش، و إوعاكي تقوليله بابا وماما عارفين، شوفيه هو هيقولك ايه، وربنا يقدملك ال فيه الخير ياحبيبتي وافرح بيكي عن قريب، وبعدين سعودي ولا مصري كلنا مسلمين اهم حاجه العشره الطيبه، يلا محدش عارف نصيبه