الفصل ١١
مضت ساعة كاملة وهو مستلقٍ على مرفقه يتأملها في نومها دون أن يكل أو يمل فمن ذا الذي قد يمل من تأمل مخلوقة كهذه !
شديدة الهدوء في نومها تبقى على وضعية واحدة لعدة ساعات وكأنها تحولت الى تمثال هادىء بديع !
شديدة الرقي حتى في نومها تذكر مرة أنه قرأ عن صورة بعنوان الموت الجميل
لشابة انتحرت برمي نفسها من أعلى , فسقطت فوق سيارة في وضعٍ كامل الجمال أنيقة , خلابة ملامحها رقيقة ومرتاحة وكأنها وجدت الراحة أخيرا في آخر المطاف وكأنها الصورة الأجمل التي تم التقاطها لها !
شعر خاطر فجأة بإنقباض في صدره وهو يشببها بتلك الصورة ! فتجهم بشدة يهز رأسه كي يبعد عنها شبح الموت ! حتى ولو كان مجرد فكرة في الخيال !
لقد وقع في المحظور لقد وقع في الغرام
وما كان عليه أن يقع مطلقا !
تحول انقباض صدره الى وجع حقيقي وهو يدرك أن يوم الفراق آتٍ لا محالة وما عليه سوى أن التمتع بما تنعم عليه به من لحظات السعادة المسروقة حتى تأتي لحظة الوجع الأكبر
كانت كل أحلامه في شريكة حياته لا تتضمن مثل هذا الشعور الموجع المكبل لروحه و حياته رهن إشارتها
لم يكن يريد سوى فتاة بسيطة تشاركه مساوئ هذه الحياة في أيامٍ هادئة لا طعم لها ربما لأن حياته لم يكن ينقصها المزيد من التعقيد
لكن بعرفته بشغف , و كأنه ألقى بنفسه في منبع الشرور كلها
كان من قبل ينفجر قهرا وغضبا من ظروف حياته , ناقما على ما يمر به حتى عرفها عرف جانبا آخر من الحياة
عرف نوعا آخر من البشر لم يقترب منهم من قبل نوعا شرسا , حياته سوادها مفجع
إن كانت هناك فائدة اكتسبها من زواجه بشغف , فهي أنه أدرك مبلغ النعمة في الحياة التي يحياها وأن همومه مهما بلغ مقدارها فهي لا توازي السواد الذي رآه بين جدران هذا البيت !
ومن بين هذا السواد القاتم توجد هذه المرأة النائمة أمامه بهدوء برقي يسحر القلب
هدوء ملامحها لا يوازي التعقيد والتشوه بنفسها وكأنها روح سوداء ضائعة تم احتجازها داخل تمثال رخامي بارد , ناعم , وجميل
تحرك رأسها قليلا حركة غير ملحوظة ثم فتحت عينيها
لقد حفظ طريقة استيقاظها عن ظهر قلب فهي تفتح عينيها أولا بنظرة هادئة لا تنم عن شيء وكأنها تحاول استيعاب مكان نومها واستيقاظها محدقة بالسقف ثم لا تلبث نظرة حزن تغشى عينيها وكأنها تدرك الألم في حياتها أو تتذكره ربما كانت تحلم بحياة أجمل ثم تستيقظ على حياتها , فترتسم الغشاوة أمام حدقتيها
وكلما شهد لحظة استيقاظها ود لو اعتصرها بين ذراعيه فوق صدره بقوة ليهمس في أذنها
كفى ألما توقفي عن الألم
لكنه لم يفعل , فهو يعرف أنها لن ترحب بحركته وربما ستهديه واحدة من عباراتها الساخرة المهينة
رفع عينيه عن وجهها ناظرا الى الطاولة الصغيرة المجاورة لجانبها من السرير والتي كانت تحتوي مصباحا شديد الجمال , فني الطراز لكنه لم يكن ما جذب نظره خلال الساعات الماضية ,
بل مجموعة السيارات البلاستيكية الصغيرة مختلفة الألوان والمتراصة بجواره في ترتيب على الأرجح لم يتغير منذ وقت طويل وعلبة من الشوكولاتة يعرفها تماما , فقد سبق و أذاقته ليلة من نفس النوع !
انحنت عيناه ألما وهو يخفضهما إليها مجددا لا لن ترحب بحركته مطلقا
لذا تعود الاكتفاء بمراقبة لحظات استيقاظها بصمت وتأمل نظرة الحزن الساكن في عينيها والتي أطلت مفاجئة و كأنها تتذكر شيئا ثم لم يلبث صدرها أن ارتفع و كأنها تأخذ نفسا عميقا تحاول به التغلب على الذكرى قبل أن يستدير وجهها ببطء لتلتقي عينيها بعينيه المحدقتين بها من علو وسرعان ما ابتسمت ابتسامتها الهادئة ذات الطابع الأرستقراطي الساخر ثم قالت بصوتها العميق الذي يماثل ابتسامتها سخرية
صباح الخير
لم يرد خاطر على الفور , بل تابعت عيناه تأمل تلك الملامح المرتفعة نسبة الى أصول مختلفة
الوجنتين الأنف الفم الممتلئ بابتسامته المستفزة العينين الكبيرتين كمتاهتين يضيع فيهما من يحاول دخولهما فيقع في شرنقة يستحيل عليه بعدها إنقاذ نفسه منهما
ظهرت ابتسامة قصيرة فوق شفتيه الصلبتين دون رد للحظات ثم تكلم بصوت أجش خشن
هل تعلمين ماذا أحب أن أفعل الآن ؟!
تألقت ابتسامتها سخرية أكبر ومالت على جانبها تواجهه , ثم غمغمت بصوتٍ أشبه بخرير القطط
لدي فكرة لا بأس بها
رأته يهز رأسه نفيا ببطء دون أن يفقد ابتسامته على الرغم من الوميض الذي ظهر في عينيه جليا ثم قال ببطء و بنبرة ثقيلة متشدقة
أريد اعداد أجمل فطور لكِ , بينما تبقين أنت مدللة , متراخية
ارتفع حاجبها وهي تميل بوجهها بتعبير أنيق مندهش ثم أجابت بنعومةٍ خادعة
سلم لي الشهم الراقي هل هذا هو أقصى ما تمنيت أن تشاركه مع زوجتك !
ارتفعت حدقتاه للحظة وكأنه تذكر شيئا , ثم أفلتت من بين شفتيه ضحكة قصيرة وهو يغمض عينيه , فسألته بدهشة
علام تضحك ؟! ماذا تذكرت ؟!
هز رأسه رفضا , الا أنها أصرت سائلة بقوة مبتسمة
بلى , أخبرني
استلقى للخلف وهو يقول بصوتٍ محرج خشن ضاحك
في عمرٍ أصغر قليلا , كنت أتمنى حين أتزوج وفي حفل زفافنا أضم زوجتي لأرفعها عن الأرض وأدور بها كما يفعلون دائما
ارتفع حاجباها غير مصدقة , قبل أن تضحك بقوة , فشاركها الضحك وهو ينظر إليها مبتسما مسندا رأسه الى قبضته متأملا برضا فمعه و في بعض الأحيان النادرة جدا كانت تتحرر من جمودها المؤلم
تضحك تبكي تصرخ
تقترب من الآدمية ولا تشبه التمثال الرخامي الجميل
وكم يرضيه هذا ! يرضيه جدا !
حين انتهت من الضحك وهو يتأملها مبتسما لا يشعر بذرةٍ من رفض لضحكها ليتها لا تتوقف أبدا
سألته أخيرا بصوتٍ عميق
ظننت أن الرجال لا يفضلون حفلات الزفاف ! أنت تدهشني دائما
أجابها ببساطة قائلا بصوتٍ هادئ
في سنواتٍ تلت , أدركت أن الظروف المادية ستحتم علي الاختيار بين حفل زفاف و قضاء شهر عسل متقلص الى بضعة أيام , لذا
قاطعته شغف قائلة بخبث متملقة تتابع عنه
لذا , و بالطبع فضلت اختيار قضاء شهر عسل فهو أكثر فائدة لك من حفل الزفاف بالتأكيد
تحولت ابتسامته الى عريضة وهو يرد بنبرة بسيطة وكأنه لم يكن موضوعا يثير نقمته من قبل
وبعد سنواتٍ تلت أدركت استحالة إقامة حفل زفاف , أو قضاء شهر عسلفركزت أحلامي على إيجاد بنت الحلال لكن بعد سنتين إضافيتين بدأت أفقد الأمل في هذا الحلم أيضا
احتفظ وجهها الأنيق بابتسامته الجذابة الهادئة وهي تتأمل عينيه الخضراوين المحدقتين بكل ما ينعم به الغطاء المنحسر عنها من جمال خائن السخرية من نظراته كانت تلون نبرتها وهي تقول بدلالٍ ناعم
علي اذن الاعتذار عن إفسادي لأحلامك الثلاثة.. فلم تحظى بالزفاف أو شهر العسل وحتى بنت الحلال لم تحصل عليها
ساد الصمت فترة قصيرة , ثم سألها بهدوء شديد
ما الذي أكد لك أنني لن أتزوج بعد انتهاء صفقتنا !
لم تفقد ابتسامتها , بل لم يتغير أي شيء في ملامحها لمن ينظر إليها لكنه أبصر تغييرا لا يعلم إن كان يتوهمه وكأن الابتسامة باردة كالصقيع ,و الملامح الأنيقة جامدة بصلفٍ أكبر أما النظرات فشابها شيء من ماذا ؟!
وحين تكلمت سألته بهدوء مماثل يحمل رنة استهزاء
أنت تنوي الزواج اذن ! ما الذي جعل الحلم المستحيل أصبح ممكنا ؟!
صمتت للحظة ثم قالت ببرود دون أن تفقد ابتسامتها
إلا أنك قررت أخيرا الاستفادة من بنود صفقتنا
لم يرد على الفور , ولم ينفعل ولم يفقد ابتسامته حتى , الا أنه مال بوجهه إليها هامسا في أذنها بصوتٍ أجش
بنود صفقتنا سبق و قمت باستغلالها منذ اللحظة التي امتلكتك بها
توترت ملامحها قليلا وشعرت بالإجفال للحظة مما زاده رضا فابتسم بحسم متراجعا عنها , فتمالكت نفسها تسأله باستهانة
أما عن المال والجنسية ؟! قبلت ما لم تستطع مقاومته بينما لا تزال تقاوم باقي ما عُرِض عليك و أنت تظن نفسك منيعا ضد البيع لقد بعت نفسك يا خاطر و انتهى الأمر
كان قد نهض من مكانه يوليها ظهره , الا أنه سألها ببرودٍ أشد قسوة من نبرتها الجليدية
ماذا عنكِ يا شغف ؟! الا ترين أنكِ بعتِ نفسك أيضا بأكثر الطرق إهانة لإمرأة مثلك , لكن مع الفارق أن الثمن مختلفا ؟!
استدار يحدق في عينيها بعينين خضراوين قاسيتين داكنتين ثم تابع قائلا
سأتبنى نظريتك يا شغف , كلُ يبيع في لحظة معينة لكن أشد البيع رخصا هو بيع الجسد و كلا منا ليس أفضل من الآخر
صمت للحظة و عيناه تمران ببطء على جسدها المنحني كقوسٍ ناعم ثم تابع قائلا بنبرة موجعة في ما حملت من تحقير لم يرغب به من البداية
بل أظنني أفضل منكِ قليلا
ثم انصرف عنها و تركها شاحبة الوجه مرتعشة الشفتين وأصابعها تقبض على حافة الغطاء بشدة لا إرادية
....
أخبرنا يا دكتور عامر أم أقول الأديب عامر ؟!
فتح كفيه ببساطة مبتسما تلك الابتسامة الخلابة العريضة مجيبا ببساطة
ما تفضلين دعكِ من الألقاب فأنا لا أفضلها على كل حال
ابتسمت مقدمة البرنامج وتابعت سؤالها مشيرة الى المرأتين الجالستين على الأريكة العريضة في استديو ضخم يحيط به جمهور ليس بقليل العدد
تجلس بين اثنتين من الجميلات , اتهمك أحد المنشورات أنك تنوي الزواج منهما معا و كأنهما صفقة واحدة , فانقلب عليك الجمهور و تباينت الآراء لكن أغلبها كان ضدك بشكلٍ جارح و عنيف والقليل منها شجع الفكرة من النساء و الرجال في حالة نادرة وكان رأي الكثير أن الزواج بهذه الطريقة به إهانة للمرأة بشكل عام فهل كان هذا المنشور حقيقيا , أم مجرد إشاعة ؟!
نظرت سلوان الى درة بطرفِ عينيها و التي كانت تجلس بجوار عامر فاتنة بدرجة مهلكة واثقة من نفسها, تضع ساقا فوق أخرى بفستان يصل الى ركبتيها شعرها الأسود مصفف بعناية على جانب كتفها وزينة وجهها جعلتها تبدو كنجمات الشاشات
لكن كل هذا لم يهمها , لم تشعر بالغيرة منها كما كانت تفعل دائما بل كانت تريد منها فقط ان تنظر إليها
ففي غرفة التجهيز للتصوير حاولت الكلام معها هامسة باسمها الا أن درة رمقتها بنظرة باردة ثم أولتها ظهرها و انصرفت دون كلام .
اخفضت سلوان وجهها الشاحب بينما أجاب عامر ببساطة شديدة و دون تردد
الحقيقة المؤكدة هنا هو أن زوجتي تجلس بجواري الآن ونحن في بداية شهر العسل , لم يخرجنا منه سوى رجاء معد البرنامج بالحضور وهو يعتبر صديقا عزيزا
ثم مد يده وأمسك بكف سلوان يرفعها الى فمه ليقبلها برفق , فاحمرت وجنتاها بشدة أمام التصفيق العالي الذي ملأ المكان فسألتهما المقدمة مجددا بابتسامة كبيرة
اعطنا بعض الأسرار اذن هل كانت قصة حب ؟!
نظر عامر الى عيني سلوان اللتين تراقبانه وهي تنتفض داخليا بعنف ثم قال بصدق دون أن يبتسم
كان افتتان غريب ومنذ اللقاء الأول كانت ولازالت مصدر ابتسامتي سألتها قبل مجيئنا الى هنا عن سرها , فلم تجد جوابا وأشك أن يجد كلانا الجواب مطلقا
تعالى التصفيق بعنف أكبر لكنها لم تشعر بالخوف منه هذه المرة , بل ابتسمت لعامر ابتسامة شديدة الخجل و البراءة والسعادة .
على أحد جوانب الشاشة , كانت تجلس فوق الأريكة تتابع اللقاء مع والدها بعينين غائرتين مستندة بجانب جبهتها الى إصبعيها
كلماته كانت لها حريقا مستعر أوجع قلبها
عامر ! يتكلم بهذه النبرة عن امرأة , و تلك النظرة في عينيه !
عادت اليها ذكريات زمالتهما , صوته الحنون و تدليله لها حسد كل زميلاتها بشخص مثالي كعامر
انحت عيناها ألما مع نشيج كبتته في صدرها كي لا يسمعه والدها , الا أنه سمعه و التفت اليها قائلا بحنق
هل أنتِ نادمة الآن ؟! بعد ماذا ؟!
لم تجبه على الفور , بل أغمضت عينيها و قالت بصوتٍ مشتد
الطباخة ! تزوج الطباخة ! هل هذه هي من وجد فيها الدواء ؟!
انقلب والدها في مقعده ملتفتا إليها وهو يهدر بقوة
أي دواء و أي تخريف لقد جن الولد , جعلتِ منه معتوها يتصرف بشكلٍ مختل وهو يترنح هنا وهناك اسمعي يا نيجار , لقد اتصل بي علام و أخبرني أن عامر على استعداد لردك لعصمته ولا مجال للرفض مفهوم ؟
فتحت عينيها و صرخت بعنف و احتقار رغم إعيائها الواضح
أنا أكون زوجة ثانية بعد الطباخة ؟! هل جننتم جميعا ؟!
ضرب والدها على ذراع مقعده و صرخ بعنفٍ أجفلها
تستحقين تستحقين كل لحظة مهانة مررتِ بها أو سوف تمرين وإن كنت دافعت عنكِ من قبل فهذا لأنه لم يُخلق بعد من يتجرأ على تخيل تأديبي بضرب ابنتي , أما عنكِ فأنتِ تستحقين القتل على الوضع الذي نحن فيه جميعا بسببك اسمعيني مجددا يا نيجار , لقد رميت أموالا طائلة في هذا المشفى و لن افقدها بسبب نزواتك فهمتِ ؟! اتصلي بعامر وسوي الأمر معه بأي طريقة أي طريقة
أظلمت عيناها الحمراوان و هي تعيدهما الى الشاشة ناظرة الى ملامحه الجذابة و ابتسامته الكبيرة
لقد استردها استرد الابتسامة التي فقدها يوما !
ومالت برأسها مستندة الى كفها مجددا تستمع الى سلوان التي همست إجابة على سؤال ما لم تسمعه و قالت بخجل واضح
ما جذبني إليه ! أشعرني أنني انسانة , وكنت قد نسيت هذه الصفة منذ زمنٍ بعيد
شحبت ابتسامته للحظة وأصابعه تداعب راحة يدها برفق ونظر كلا منهما للآخر نظرات تم التقاطها بعشرات الصور
وحين تكلمت نيجار أخيرا , قالت بصوت ميت دون أن ترفع رأسها
أين طليقها ؟! ما موقفه مما يحدث خاصة وأن لديه منها ابنتين ؟!
أجابها والدها بنفاذ صبر ملوحا بيده غاضبا
عرفنا عنه أنه مدينا للبنك وعددا من المؤسسات عبر مشاريع فاشلة , فهرب ولا يمكنه العودة لذلك تتصرف بحرية
لم ترد نيجار لفترة , و دون أن تتحرك قالت بنفس النبرة
اذن لندفع ما يدين به ونعيده
.......
نفث دخان سيجارة ببطء وهو يجلس في غرفة مظلمة سوداء , لا يضيئها سوى شاشة التلفاز الكبيرة , فتضفي على ملامحه أشعه فضية تجعله مخيفا بل مرعبا وهو ينظر الى جمالها الفاتن عبر الشاشة
و ما أن ابتسمت بثقة معتدلة في جلستها على استعداد للكلام حتى مال للأمام , مستندا بمرفقيه الى ركبتيه متحفزا , فوصله صوتها تقول بنعومة
الفكرة كانت فكرتي من الأساس قبل حتى أن تتعرف سلوان على عامر
صمتت درة للحظة , ثم مالت برأسها و نفضت شعرها متابعة
يظن الجميع أن الرجل هو الهدف الأول والأخير لكل امرأة على وجه هذه الأرض ويظن الكثير أن جميع النساء تشعر بالتملك تجاه رجالها فترفض المشاركة لكن الأمر بسيط جدا , بالنسبة لي صداقة امرأة قد تكون أكثر إخلاصا من التمسك برجل مضطرة الى مراقبته كل لحظة واخفاؤه عن النساء وابعاد كل ما هو مؤنث عنه هذه ليست بحياة مطلقا ولأن الزواج ضرورة لا أنكرها , فكرت بأنه لا مانع لدي في المشاركة , مع صديقة جمعتني بها الأيام الصعبة والخيانة
شعت عينا سلوان بالألم و الذي ظهر على الشاشة , فأخفضت وجهها
أما هو فتحرك حلقه بتشنج وهو يراقب كل ذرة تتحرك فيها ثم أخذ نفسا آخر من سيجارته وهو يسمع المقدمة تسألها
وهل أتت الفكرة بمعرفتك بعامر ؟! أم قبلها ؟!
تراجعت درة في جلستها تقول بهدوء
بل قبلها الفكرة لا تتعلق بالرجل , بل بي و بها وما نريده أما الرجل فما هو الا كائن مستفيد و على أتم الاستعداد للقبول في أي لحظة
تعالت بعض صيحات الاستنكار من شباب الجمهور , الا أن درة لم تهتم , بل نظرت إليهم بلامبالاة و دون أن تفقد ابتسامتها , لكن مجددا لم تترك مقدمة البرنامج الفرصة دون أن تستغلها فسألتها باهتمام
ولماذا وقع الاهتمام على عامر في النهاية ؟!
ضحكت درة ضحكة جميلة مغرية و نظرت الى الشاشة ثم تكلمت بصوت ناعم كالحرير ناظرة الى عمق عيني من يراقبها من خلف الشاشة في الظلام شعرت بأنه من يمكنني حبه قريبا
تعالت الضحكات والصفير القوي بينما أطرقت سلوان بوجهها محاولة إخفاء غيرة نهشت أعماقها عن الشاشة
بينما برقت العينان القاسيتان بعنف ممتزج بألم حاقد ونار دبت في أعماقه مما جعله ينتفض من مكانه بقوة مطفئًا سيجارته ضاربا التلفاز بكل قوته فأوقعه متهشما قبل أن يخرج صافقا الباب من خلفه بجنون
.....
تعددت الأسئلة و كانت الحلقة مثيرة لاهتمام الجمهور المتربص بشخصية معروفة بالنسبة لهم وكان السؤال الأخير لعامر من مقدمة البرنامج
والآن يا دكتور عامر الا زلت على استعدادٍ أن تشاركك زوجتك مع غيرها بتراض منها و اتفاق مسبق بينهما ؟
نظر عامر الى سلوان للحظات ثم قال ما سبق وقاله يكلمها بهدوء
أنا على استعداد لفعل كل ما تريده زوجتي لكن لو تركت الخيار لي , فلن أختار غيرها , فقد كان عثوري عليها صدفة اختارني القدر ليخصني بها
انتهت الحلقة وتنفست سلوان الصعداء مرتجفة , تشعر بالدوار وما أن حاولت الكلام مع درة حتى وجدت أن أحد المساعدين في الأستديو قد خلع عنها مكبر الصوت فعدلت فستانها و التقطت حقيبتها الصغيرة تتجاوزهما مما جعل سلوان تناديها بعجز
درة انتظري
لكنها لم تنتظر , بل تابعت طريقها مرفوعة الرأس ولحق بها كلا من عامر و سلوان في الخارج على درجات السلم , فنادى عامر يقول
انتظري يا درة , سنقلك الوقت متأخر
توقفت على درجات السلم القليلة واستدارت إليه وطار شعرها من حولها ثم قالت بهدوء
معتادة على التحرك وحدي شكرا لك
الا أن صوتا مخيفا جعلها تتسمر مكانها وهو يقول بازدراءٍ مرعب
هذا ما تحيكه لكِ مخيلتك الخصبة الا أنك لم تكوني يوما وحدك , دائما كنتِ في حاجة للغير
استدارت درة تبحث عنه وفي الظلام وجدته واقفا مستندا الى سيارته مكتفا ذراعيه ينظر إليها بملامح معتمة على جانب السلم فلم تره في المرة الأولى
ابتلعت درة ريقها غير مصدقة أنها وجهت له الرسالة عبر الشاشة برعونة , فجاءها الرد بوصوله بمثل هذه السرعة !
تمكنت من القول بقسوة
ماذا تريد يا قاسم ؟!
ابتسم ابتسامة شريرة أظهرت أسنانه وهو يقول بتمهل
الا تملين السؤال ؟! وكل مرة تحصلين على نفس الجواب , أريدك أريد امتلاكك
شهقت سلوان رافعة يدها الى فمها , بينما وقفت درة مكانها مسمرة كالحجر ثم قالت أخيرا بصوتٍ ميت
أنت سافل , و هذا ليس بجديد عليك
تجاوزها عامر نازلا درجات السلم ببطء قائلا بنبرة بطيئة
تراجعي أنتِ يا درة سأتعامل أنا معه
صدرت عن قاسم ضحكة باهتة دون أن يتحرك أو حتى يفك ذراعيه طلبا للعراك لكن النظرة في عينيه أرعبتها وقال بهدوء قبل أن يصل إليه عامر
لا بأس , سأمنحك جوابا جديدا أريد المبلغ الذي سرقته مني , أو قسما بالله ستبيتين في الحجز في الغد
أطرقت درة برأسها شاعرة بالحرج أمام عامر , الا أنه تقدم حتى وقف بجوارها وسألها بمنتهى البساطة
بكم تدينين له ؟!
ظلت صامتة بضع لحظات , ثم أجابت بنبرة فاترة رقما مختصرا وبنفس البساطة أخرج عامر من جيب سترته دفتر شيكاته , و قلما ليحرر مبلغا بنفس البساطة وهو يقول بهدوء
جيد أن الدفتر معي سأزيد المبلغ الضعف , اعتبره تعويضا عن الفترة التي مكثتها درة في بيتكم وأنفق عليها والدك
تصلبت ملامح قاسم ونظر مجفلا الى وجه درة الممتقع بينما مد عامر يده بالشيك و حين لاحظ صدمته قال مبتسما بتهذيب
آه , أنت متعجب لمعرفتي ! لقد قصت علي درة جوانبا كثيرة في حياتها , لأجل الرواية الجديدة
امتدت يد قاسم تلتقط الشيك من عامر فنظر إليه قائلا بصوتٍ اجوف
لأجل الرواية الجديدة !
ثم رفع عينيه إلى عينيها مما جعلها تشيح بوجهها بعيدا عن العتاب في عينيه , فمهما كان لم تشأ تتطرق الى مسألة انفاق الحاج رحيم عليها
أقسمت أنها رأت في عينيه ألما حقيقيا لم تشأ أن تصدقه , ثم سمعت حفيف الورق وهو يجعد الشيك قبل أن يضربه في وجهها بكل قوة , مما جعلها تشهق منتفضة مطبقة عينيها بشدة وحين تجرأت على فتحهما رأته يستقل سيارته لينطلق بها محدثا صريرا مرعبا
وأثناء قيادته المجنونة أمسك بهاتفه , طلب به رقما وما أن وصله الصوت الأنثوي المبتهج بلهفة حتى صرخ فيها بهياج
نادين تعالي الى الشقة , أريدك الليلة خلال دقائق
......
شعر لدى دخوله العمل صباحا بحركة مريبة غير مريحة وحركات سريعة و أسئلة مبهمة من حوله
فشعر بعدم الراحة و الكلمات تتناثر هنا وهناك يسودها اسم هويدا !
تابع سيره متباطئا عله يفهم ما يُقال عنها ثم سمرته كلمة حادث
شعر ساهر فجأة بالدماء تفر من أوردته فأمسك أول المتكلمين و سأله بلهفة
أي حادث ؟! ما الذي حدث ؟!
أجابه الشاب قائلا
الآنسة هويدا تعرضت لحادث ليلة أمس بسيارتها و نقلت للمشفى والسيد عبد السلام متغيب يرافقها و القلق يسود المكان
شحب وجه ساهر بشدة ووجد نفسه يستدير عائدا ليخرج من المكان خطواته تتسارع بعد أن تكلم لسانه سائلا عن عنوان المشفى !!
اقترب ساهر من الغرفة التي دلوه عليها فطرق الباب وانتظر لاهثا بخوف و خلال لحظات فتح الباب ووجد عبد السلام بنفسه يقف أمامه رمادي الوجه ضيق العينين متفاجئا برؤيته هنا
فقد ساهر كل ما كان قد حضره من كلمات منطقية كي يطمئن عليها دون أن يكون تواجده مثيرا للريبة لكنه الآن نسي كل شيء ووقف صامتا متلجلجا ثم رفع وجهه و قال بصوتٍ متعثر أهوج
أعرف أن وجودي هنا غريبا ومؤكد انك ستطلب مني الانصراف , لكن هويدا ... الآنسة هويدا ذات فضل كبير أعرف أنني لم يكن ينبغي علي الخروج من العمل دون اذن بعد كل غياب الفترة الماضية
قطع كلماته المتعثرة فجأة و هتف فيه باستياء عصبي بالغ
حذرتك أن تمنعها عن القيادة حذرتك
تراجع وجه عبد السلام مجفلا من غضب ساهر وساد الصمت بينهما متوترا ثم تكلم عبد السلام سائلا بغرابة
كانت ليلة زفافك بالأمس
وكأنها عبارة مفهومة تحوي سؤالا متعجبا فنظر ساهر الى وجهه وقال بنبرة خافتة
يجب أن أراها سبق و كانت بجواري في مرض أمي , أرجوك حتى إن أردت بعدها أن
توقف عن الكلام وهو يرى عبد السلام يتراجع فظنه سيغلق الباب في وجهه الا أنه أفسح له مجالا للدخول مشيرا بيده
اتسعت عينا ساهر للحظة قبل أن يخطو مترددا وما أن أبصرها حتى تنهد مبتسما متأوهًا ما بين بعض الراحة والصدمة في آن واحد
فقد كانت مستلقية في سرير الكدمات تغطي وجهها بشكل مفزع وساقها مجبرة حتى الفخذ لكن كل هذا بالنسبة له كان نعمة فهي بخير و هذا هو كل ما يهم فقد ظن في لحظة أنها لم تكن سوى روح جميلة زارت حياته و غادرت سريعا وهذا التفكير لسع عينيه طوال الطريق للمشفى أما الآن و هي تنظر إليه مذهولة قبل أن تهتف بصوتها الأجش محاولة النهوض من مكانها فهذا هو غاية التمني
ساهر !
اقترب منها ساهر ببطء حتى وصل إليها ثم انحنى جاثيا أمامها و همس بقلق
أتعرفين إن عرفت أنكِ قدتِ السيارة مجددا يا هويدا ؟! أنا من سيكسر ساقك الأخرى , أعدك بذلك
كانت تضحك بعنفٍ سالت له دموعها وهي تهز رأسها غير مصدقة وجوده , ولم تشأ السؤال فقد تمتعت برؤيته بقربها
أما عبد السلام فكان يراقبها بأسى مفكرا
ليتني أستطيع شراء السعادة لكِ يا ابنتي لكنت دفعت كل ما أملك ثمنا لها ليتني
شديدة الهدوء في نومها تبقى على وضعية واحدة لعدة ساعات وكأنها تحولت الى تمثال هادىء بديع !
شديدة الرقي حتى في نومها تذكر مرة أنه قرأ عن صورة بعنوان الموت الجميل
لشابة انتحرت برمي نفسها من أعلى , فسقطت فوق سيارة في وضعٍ كامل الجمال أنيقة , خلابة ملامحها رقيقة ومرتاحة وكأنها وجدت الراحة أخيرا في آخر المطاف وكأنها الصورة الأجمل التي تم التقاطها لها !
شعر خاطر فجأة بإنقباض في صدره وهو يشببها بتلك الصورة ! فتجهم بشدة يهز رأسه كي يبعد عنها شبح الموت ! حتى ولو كان مجرد فكرة في الخيال !
لقد وقع في المحظور لقد وقع في الغرام
وما كان عليه أن يقع مطلقا !
تحول انقباض صدره الى وجع حقيقي وهو يدرك أن يوم الفراق آتٍ لا محالة وما عليه سوى أن التمتع بما تنعم عليه به من لحظات السعادة المسروقة حتى تأتي لحظة الوجع الأكبر
كانت كل أحلامه في شريكة حياته لا تتضمن مثل هذا الشعور الموجع المكبل لروحه و حياته رهن إشارتها
لم يكن يريد سوى فتاة بسيطة تشاركه مساوئ هذه الحياة في أيامٍ هادئة لا طعم لها ربما لأن حياته لم يكن ينقصها المزيد من التعقيد
لكن بعرفته بشغف , و كأنه ألقى بنفسه في منبع الشرور كلها
كان من قبل ينفجر قهرا وغضبا من ظروف حياته , ناقما على ما يمر به حتى عرفها عرف جانبا آخر من الحياة
عرف نوعا آخر من البشر لم يقترب منهم من قبل نوعا شرسا , حياته سوادها مفجع
إن كانت هناك فائدة اكتسبها من زواجه بشغف , فهي أنه أدرك مبلغ النعمة في الحياة التي يحياها وأن همومه مهما بلغ مقدارها فهي لا توازي السواد الذي رآه بين جدران هذا البيت !
ومن بين هذا السواد القاتم توجد هذه المرأة النائمة أمامه بهدوء برقي يسحر القلب
هدوء ملامحها لا يوازي التعقيد والتشوه بنفسها وكأنها روح سوداء ضائعة تم احتجازها داخل تمثال رخامي بارد , ناعم , وجميل
تحرك رأسها قليلا حركة غير ملحوظة ثم فتحت عينيها
لقد حفظ طريقة استيقاظها عن ظهر قلب فهي تفتح عينيها أولا بنظرة هادئة لا تنم عن شيء وكأنها تحاول استيعاب مكان نومها واستيقاظها محدقة بالسقف ثم لا تلبث نظرة حزن تغشى عينيها وكأنها تدرك الألم في حياتها أو تتذكره ربما كانت تحلم بحياة أجمل ثم تستيقظ على حياتها , فترتسم الغشاوة أمام حدقتيها
وكلما شهد لحظة استيقاظها ود لو اعتصرها بين ذراعيه فوق صدره بقوة ليهمس في أذنها
كفى ألما توقفي عن الألم
لكنه لم يفعل , فهو يعرف أنها لن ترحب بحركته وربما ستهديه واحدة من عباراتها الساخرة المهينة
رفع عينيه عن وجهها ناظرا الى الطاولة الصغيرة المجاورة لجانبها من السرير والتي كانت تحتوي مصباحا شديد الجمال , فني الطراز لكنه لم يكن ما جذب نظره خلال الساعات الماضية ,
بل مجموعة السيارات البلاستيكية الصغيرة مختلفة الألوان والمتراصة بجواره في ترتيب على الأرجح لم يتغير منذ وقت طويل وعلبة من الشوكولاتة يعرفها تماما , فقد سبق و أذاقته ليلة من نفس النوع !
انحنت عيناه ألما وهو يخفضهما إليها مجددا لا لن ترحب بحركته مطلقا
لذا تعود الاكتفاء بمراقبة لحظات استيقاظها بصمت وتأمل نظرة الحزن الساكن في عينيها والتي أطلت مفاجئة و كأنها تتذكر شيئا ثم لم يلبث صدرها أن ارتفع و كأنها تأخذ نفسا عميقا تحاول به التغلب على الذكرى قبل أن يستدير وجهها ببطء لتلتقي عينيها بعينيه المحدقتين بها من علو وسرعان ما ابتسمت ابتسامتها الهادئة ذات الطابع الأرستقراطي الساخر ثم قالت بصوتها العميق الذي يماثل ابتسامتها سخرية
صباح الخير
لم يرد خاطر على الفور , بل تابعت عيناه تأمل تلك الملامح المرتفعة نسبة الى أصول مختلفة
الوجنتين الأنف الفم الممتلئ بابتسامته المستفزة العينين الكبيرتين كمتاهتين يضيع فيهما من يحاول دخولهما فيقع في شرنقة يستحيل عليه بعدها إنقاذ نفسه منهما
ظهرت ابتسامة قصيرة فوق شفتيه الصلبتين دون رد للحظات ثم تكلم بصوت أجش خشن
هل تعلمين ماذا أحب أن أفعل الآن ؟!
تألقت ابتسامتها سخرية أكبر ومالت على جانبها تواجهه , ثم غمغمت بصوتٍ أشبه بخرير القطط
لدي فكرة لا بأس بها
رأته يهز رأسه نفيا ببطء دون أن يفقد ابتسامته على الرغم من الوميض الذي ظهر في عينيه جليا ثم قال ببطء و بنبرة ثقيلة متشدقة
أريد اعداد أجمل فطور لكِ , بينما تبقين أنت مدللة , متراخية
ارتفع حاجبها وهي تميل بوجهها بتعبير أنيق مندهش ثم أجابت بنعومةٍ خادعة
سلم لي الشهم الراقي هل هذا هو أقصى ما تمنيت أن تشاركه مع زوجتك !
ارتفعت حدقتاه للحظة وكأنه تذكر شيئا , ثم أفلتت من بين شفتيه ضحكة قصيرة وهو يغمض عينيه , فسألته بدهشة
علام تضحك ؟! ماذا تذكرت ؟!
هز رأسه رفضا , الا أنها أصرت سائلة بقوة مبتسمة
بلى , أخبرني
استلقى للخلف وهو يقول بصوتٍ محرج خشن ضاحك
في عمرٍ أصغر قليلا , كنت أتمنى حين أتزوج وفي حفل زفافنا أضم زوجتي لأرفعها عن الأرض وأدور بها كما يفعلون دائما
ارتفع حاجباها غير مصدقة , قبل أن تضحك بقوة , فشاركها الضحك وهو ينظر إليها مبتسما مسندا رأسه الى قبضته متأملا برضا فمعه و في بعض الأحيان النادرة جدا كانت تتحرر من جمودها المؤلم
تضحك تبكي تصرخ
تقترب من الآدمية ولا تشبه التمثال الرخامي الجميل
وكم يرضيه هذا ! يرضيه جدا !
حين انتهت من الضحك وهو يتأملها مبتسما لا يشعر بذرةٍ من رفض لضحكها ليتها لا تتوقف أبدا
سألته أخيرا بصوتٍ عميق
ظننت أن الرجال لا يفضلون حفلات الزفاف ! أنت تدهشني دائما
أجابها ببساطة قائلا بصوتٍ هادئ
في سنواتٍ تلت , أدركت أن الظروف المادية ستحتم علي الاختيار بين حفل زفاف و قضاء شهر عسل متقلص الى بضعة أيام , لذا
قاطعته شغف قائلة بخبث متملقة تتابع عنه
لذا , و بالطبع فضلت اختيار قضاء شهر عسل فهو أكثر فائدة لك من حفل الزفاف بالتأكيد
تحولت ابتسامته الى عريضة وهو يرد بنبرة بسيطة وكأنه لم يكن موضوعا يثير نقمته من قبل
وبعد سنواتٍ تلت أدركت استحالة إقامة حفل زفاف , أو قضاء شهر عسلفركزت أحلامي على إيجاد بنت الحلال لكن بعد سنتين إضافيتين بدأت أفقد الأمل في هذا الحلم أيضا
احتفظ وجهها الأنيق بابتسامته الجذابة الهادئة وهي تتأمل عينيه الخضراوين المحدقتين بكل ما ينعم به الغطاء المنحسر عنها من جمال خائن السخرية من نظراته كانت تلون نبرتها وهي تقول بدلالٍ ناعم
علي اذن الاعتذار عن إفسادي لأحلامك الثلاثة.. فلم تحظى بالزفاف أو شهر العسل وحتى بنت الحلال لم تحصل عليها
ساد الصمت فترة قصيرة , ثم سألها بهدوء شديد
ما الذي أكد لك أنني لن أتزوج بعد انتهاء صفقتنا !
لم تفقد ابتسامتها , بل لم يتغير أي شيء في ملامحها لمن ينظر إليها لكنه أبصر تغييرا لا يعلم إن كان يتوهمه وكأن الابتسامة باردة كالصقيع ,و الملامح الأنيقة جامدة بصلفٍ أكبر أما النظرات فشابها شيء من ماذا ؟!
وحين تكلمت سألته بهدوء مماثل يحمل رنة استهزاء
أنت تنوي الزواج اذن ! ما الذي جعل الحلم المستحيل أصبح ممكنا ؟!
صمتت للحظة ثم قالت ببرود دون أن تفقد ابتسامتها
إلا أنك قررت أخيرا الاستفادة من بنود صفقتنا
لم يرد على الفور , ولم ينفعل ولم يفقد ابتسامته حتى , الا أنه مال بوجهه إليها هامسا في أذنها بصوتٍ أجش
بنود صفقتنا سبق و قمت باستغلالها منذ اللحظة التي امتلكتك بها
توترت ملامحها قليلا وشعرت بالإجفال للحظة مما زاده رضا فابتسم بحسم متراجعا عنها , فتمالكت نفسها تسأله باستهانة
أما عن المال والجنسية ؟! قبلت ما لم تستطع مقاومته بينما لا تزال تقاوم باقي ما عُرِض عليك و أنت تظن نفسك منيعا ضد البيع لقد بعت نفسك يا خاطر و انتهى الأمر
كان قد نهض من مكانه يوليها ظهره , الا أنه سألها ببرودٍ أشد قسوة من نبرتها الجليدية
ماذا عنكِ يا شغف ؟! الا ترين أنكِ بعتِ نفسك أيضا بأكثر الطرق إهانة لإمرأة مثلك , لكن مع الفارق أن الثمن مختلفا ؟!
استدار يحدق في عينيها بعينين خضراوين قاسيتين داكنتين ثم تابع قائلا
سأتبنى نظريتك يا شغف , كلُ يبيع في لحظة معينة لكن أشد البيع رخصا هو بيع الجسد و كلا منا ليس أفضل من الآخر
صمت للحظة و عيناه تمران ببطء على جسدها المنحني كقوسٍ ناعم ثم تابع قائلا بنبرة موجعة في ما حملت من تحقير لم يرغب به من البداية
بل أظنني أفضل منكِ قليلا
ثم انصرف عنها و تركها شاحبة الوجه مرتعشة الشفتين وأصابعها تقبض على حافة الغطاء بشدة لا إرادية
....
أخبرنا يا دكتور عامر أم أقول الأديب عامر ؟!
فتح كفيه ببساطة مبتسما تلك الابتسامة الخلابة العريضة مجيبا ببساطة
ما تفضلين دعكِ من الألقاب فأنا لا أفضلها على كل حال
ابتسمت مقدمة البرنامج وتابعت سؤالها مشيرة الى المرأتين الجالستين على الأريكة العريضة في استديو ضخم يحيط به جمهور ليس بقليل العدد
تجلس بين اثنتين من الجميلات , اتهمك أحد المنشورات أنك تنوي الزواج منهما معا و كأنهما صفقة واحدة , فانقلب عليك الجمهور و تباينت الآراء لكن أغلبها كان ضدك بشكلٍ جارح و عنيف والقليل منها شجع الفكرة من النساء و الرجال في حالة نادرة وكان رأي الكثير أن الزواج بهذه الطريقة به إهانة للمرأة بشكل عام فهل كان هذا المنشور حقيقيا , أم مجرد إشاعة ؟!
نظرت سلوان الى درة بطرفِ عينيها و التي كانت تجلس بجوار عامر فاتنة بدرجة مهلكة واثقة من نفسها, تضع ساقا فوق أخرى بفستان يصل الى ركبتيها شعرها الأسود مصفف بعناية على جانب كتفها وزينة وجهها جعلتها تبدو كنجمات الشاشات
لكن كل هذا لم يهمها , لم تشعر بالغيرة منها كما كانت تفعل دائما بل كانت تريد منها فقط ان تنظر إليها
ففي غرفة التجهيز للتصوير حاولت الكلام معها هامسة باسمها الا أن درة رمقتها بنظرة باردة ثم أولتها ظهرها و انصرفت دون كلام .
اخفضت سلوان وجهها الشاحب بينما أجاب عامر ببساطة شديدة و دون تردد
الحقيقة المؤكدة هنا هو أن زوجتي تجلس بجواري الآن ونحن في بداية شهر العسل , لم يخرجنا منه سوى رجاء معد البرنامج بالحضور وهو يعتبر صديقا عزيزا
ثم مد يده وأمسك بكف سلوان يرفعها الى فمه ليقبلها برفق , فاحمرت وجنتاها بشدة أمام التصفيق العالي الذي ملأ المكان فسألتهما المقدمة مجددا بابتسامة كبيرة
اعطنا بعض الأسرار اذن هل كانت قصة حب ؟!
نظر عامر الى عيني سلوان اللتين تراقبانه وهي تنتفض داخليا بعنف ثم قال بصدق دون أن يبتسم
كان افتتان غريب ومنذ اللقاء الأول كانت ولازالت مصدر ابتسامتي سألتها قبل مجيئنا الى هنا عن سرها , فلم تجد جوابا وأشك أن يجد كلانا الجواب مطلقا
تعالى التصفيق بعنف أكبر لكنها لم تشعر بالخوف منه هذه المرة , بل ابتسمت لعامر ابتسامة شديدة الخجل و البراءة والسعادة .
على أحد جوانب الشاشة , كانت تجلس فوق الأريكة تتابع اللقاء مع والدها بعينين غائرتين مستندة بجانب جبهتها الى إصبعيها
كلماته كانت لها حريقا مستعر أوجع قلبها
عامر ! يتكلم بهذه النبرة عن امرأة , و تلك النظرة في عينيه !
عادت اليها ذكريات زمالتهما , صوته الحنون و تدليله لها حسد كل زميلاتها بشخص مثالي كعامر
انحت عيناها ألما مع نشيج كبتته في صدرها كي لا يسمعه والدها , الا أنه سمعه و التفت اليها قائلا بحنق
هل أنتِ نادمة الآن ؟! بعد ماذا ؟!
لم تجبه على الفور , بل أغمضت عينيها و قالت بصوتٍ مشتد
الطباخة ! تزوج الطباخة ! هل هذه هي من وجد فيها الدواء ؟!
انقلب والدها في مقعده ملتفتا إليها وهو يهدر بقوة
أي دواء و أي تخريف لقد جن الولد , جعلتِ منه معتوها يتصرف بشكلٍ مختل وهو يترنح هنا وهناك اسمعي يا نيجار , لقد اتصل بي علام و أخبرني أن عامر على استعداد لردك لعصمته ولا مجال للرفض مفهوم ؟
فتحت عينيها و صرخت بعنف و احتقار رغم إعيائها الواضح
أنا أكون زوجة ثانية بعد الطباخة ؟! هل جننتم جميعا ؟!
ضرب والدها على ذراع مقعده و صرخ بعنفٍ أجفلها
تستحقين تستحقين كل لحظة مهانة مررتِ بها أو سوف تمرين وإن كنت دافعت عنكِ من قبل فهذا لأنه لم يُخلق بعد من يتجرأ على تخيل تأديبي بضرب ابنتي , أما عنكِ فأنتِ تستحقين القتل على الوضع الذي نحن فيه جميعا بسببك اسمعيني مجددا يا نيجار , لقد رميت أموالا طائلة في هذا المشفى و لن افقدها بسبب نزواتك فهمتِ ؟! اتصلي بعامر وسوي الأمر معه بأي طريقة أي طريقة
أظلمت عيناها الحمراوان و هي تعيدهما الى الشاشة ناظرة الى ملامحه الجذابة و ابتسامته الكبيرة
لقد استردها استرد الابتسامة التي فقدها يوما !
ومالت برأسها مستندة الى كفها مجددا تستمع الى سلوان التي همست إجابة على سؤال ما لم تسمعه و قالت بخجل واضح
ما جذبني إليه ! أشعرني أنني انسانة , وكنت قد نسيت هذه الصفة منذ زمنٍ بعيد
شحبت ابتسامته للحظة وأصابعه تداعب راحة يدها برفق ونظر كلا منهما للآخر نظرات تم التقاطها بعشرات الصور
وحين تكلمت نيجار أخيرا , قالت بصوت ميت دون أن ترفع رأسها
أين طليقها ؟! ما موقفه مما يحدث خاصة وأن لديه منها ابنتين ؟!
أجابها والدها بنفاذ صبر ملوحا بيده غاضبا
عرفنا عنه أنه مدينا للبنك وعددا من المؤسسات عبر مشاريع فاشلة , فهرب ولا يمكنه العودة لذلك تتصرف بحرية
لم ترد نيجار لفترة , و دون أن تتحرك قالت بنفس النبرة
اذن لندفع ما يدين به ونعيده
.......
نفث دخان سيجارة ببطء وهو يجلس في غرفة مظلمة سوداء , لا يضيئها سوى شاشة التلفاز الكبيرة , فتضفي على ملامحه أشعه فضية تجعله مخيفا بل مرعبا وهو ينظر الى جمالها الفاتن عبر الشاشة
و ما أن ابتسمت بثقة معتدلة في جلستها على استعداد للكلام حتى مال للأمام , مستندا بمرفقيه الى ركبتيه متحفزا , فوصله صوتها تقول بنعومة
الفكرة كانت فكرتي من الأساس قبل حتى أن تتعرف سلوان على عامر
صمتت درة للحظة , ثم مالت برأسها و نفضت شعرها متابعة
يظن الجميع أن الرجل هو الهدف الأول والأخير لكل امرأة على وجه هذه الأرض ويظن الكثير أن جميع النساء تشعر بالتملك تجاه رجالها فترفض المشاركة لكن الأمر بسيط جدا , بالنسبة لي صداقة امرأة قد تكون أكثر إخلاصا من التمسك برجل مضطرة الى مراقبته كل لحظة واخفاؤه عن النساء وابعاد كل ما هو مؤنث عنه هذه ليست بحياة مطلقا ولأن الزواج ضرورة لا أنكرها , فكرت بأنه لا مانع لدي في المشاركة , مع صديقة جمعتني بها الأيام الصعبة والخيانة
شعت عينا سلوان بالألم و الذي ظهر على الشاشة , فأخفضت وجهها
أما هو فتحرك حلقه بتشنج وهو يراقب كل ذرة تتحرك فيها ثم أخذ نفسا آخر من سيجارته وهو يسمع المقدمة تسألها
وهل أتت الفكرة بمعرفتك بعامر ؟! أم قبلها ؟!
تراجعت درة في جلستها تقول بهدوء
بل قبلها الفكرة لا تتعلق بالرجل , بل بي و بها وما نريده أما الرجل فما هو الا كائن مستفيد و على أتم الاستعداد للقبول في أي لحظة
تعالت بعض صيحات الاستنكار من شباب الجمهور , الا أن درة لم تهتم , بل نظرت إليهم بلامبالاة و دون أن تفقد ابتسامتها , لكن مجددا لم تترك مقدمة البرنامج الفرصة دون أن تستغلها فسألتها باهتمام
ولماذا وقع الاهتمام على عامر في النهاية ؟!
ضحكت درة ضحكة جميلة مغرية و نظرت الى الشاشة ثم تكلمت بصوت ناعم كالحرير ناظرة الى عمق عيني من يراقبها من خلف الشاشة في الظلام شعرت بأنه من يمكنني حبه قريبا
تعالت الضحكات والصفير القوي بينما أطرقت سلوان بوجهها محاولة إخفاء غيرة نهشت أعماقها عن الشاشة
بينما برقت العينان القاسيتان بعنف ممتزج بألم حاقد ونار دبت في أعماقه مما جعله ينتفض من مكانه بقوة مطفئًا سيجارته ضاربا التلفاز بكل قوته فأوقعه متهشما قبل أن يخرج صافقا الباب من خلفه بجنون
.....
تعددت الأسئلة و كانت الحلقة مثيرة لاهتمام الجمهور المتربص بشخصية معروفة بالنسبة لهم وكان السؤال الأخير لعامر من مقدمة البرنامج
والآن يا دكتور عامر الا زلت على استعدادٍ أن تشاركك زوجتك مع غيرها بتراض منها و اتفاق مسبق بينهما ؟
نظر عامر الى سلوان للحظات ثم قال ما سبق وقاله يكلمها بهدوء
أنا على استعداد لفعل كل ما تريده زوجتي لكن لو تركت الخيار لي , فلن أختار غيرها , فقد كان عثوري عليها صدفة اختارني القدر ليخصني بها
انتهت الحلقة وتنفست سلوان الصعداء مرتجفة , تشعر بالدوار وما أن حاولت الكلام مع درة حتى وجدت أن أحد المساعدين في الأستديو قد خلع عنها مكبر الصوت فعدلت فستانها و التقطت حقيبتها الصغيرة تتجاوزهما مما جعل سلوان تناديها بعجز
درة انتظري
لكنها لم تنتظر , بل تابعت طريقها مرفوعة الرأس ولحق بها كلا من عامر و سلوان في الخارج على درجات السلم , فنادى عامر يقول
انتظري يا درة , سنقلك الوقت متأخر
توقفت على درجات السلم القليلة واستدارت إليه وطار شعرها من حولها ثم قالت بهدوء
معتادة على التحرك وحدي شكرا لك
الا أن صوتا مخيفا جعلها تتسمر مكانها وهو يقول بازدراءٍ مرعب
هذا ما تحيكه لكِ مخيلتك الخصبة الا أنك لم تكوني يوما وحدك , دائما كنتِ في حاجة للغير
استدارت درة تبحث عنه وفي الظلام وجدته واقفا مستندا الى سيارته مكتفا ذراعيه ينظر إليها بملامح معتمة على جانب السلم فلم تره في المرة الأولى
ابتلعت درة ريقها غير مصدقة أنها وجهت له الرسالة عبر الشاشة برعونة , فجاءها الرد بوصوله بمثل هذه السرعة !
تمكنت من القول بقسوة
ماذا تريد يا قاسم ؟!
ابتسم ابتسامة شريرة أظهرت أسنانه وهو يقول بتمهل
الا تملين السؤال ؟! وكل مرة تحصلين على نفس الجواب , أريدك أريد امتلاكك
شهقت سلوان رافعة يدها الى فمها , بينما وقفت درة مكانها مسمرة كالحجر ثم قالت أخيرا بصوتٍ ميت
أنت سافل , و هذا ليس بجديد عليك
تجاوزها عامر نازلا درجات السلم ببطء قائلا بنبرة بطيئة
تراجعي أنتِ يا درة سأتعامل أنا معه
صدرت عن قاسم ضحكة باهتة دون أن يتحرك أو حتى يفك ذراعيه طلبا للعراك لكن النظرة في عينيه أرعبتها وقال بهدوء قبل أن يصل إليه عامر
لا بأس , سأمنحك جوابا جديدا أريد المبلغ الذي سرقته مني , أو قسما بالله ستبيتين في الحجز في الغد
أطرقت درة برأسها شاعرة بالحرج أمام عامر , الا أنه تقدم حتى وقف بجوارها وسألها بمنتهى البساطة
بكم تدينين له ؟!
ظلت صامتة بضع لحظات , ثم أجابت بنبرة فاترة رقما مختصرا وبنفس البساطة أخرج عامر من جيب سترته دفتر شيكاته , و قلما ليحرر مبلغا بنفس البساطة وهو يقول بهدوء
جيد أن الدفتر معي سأزيد المبلغ الضعف , اعتبره تعويضا عن الفترة التي مكثتها درة في بيتكم وأنفق عليها والدك
تصلبت ملامح قاسم ونظر مجفلا الى وجه درة الممتقع بينما مد عامر يده بالشيك و حين لاحظ صدمته قال مبتسما بتهذيب
آه , أنت متعجب لمعرفتي ! لقد قصت علي درة جوانبا كثيرة في حياتها , لأجل الرواية الجديدة
امتدت يد قاسم تلتقط الشيك من عامر فنظر إليه قائلا بصوتٍ اجوف
لأجل الرواية الجديدة !
ثم رفع عينيه إلى عينيها مما جعلها تشيح بوجهها بعيدا عن العتاب في عينيه , فمهما كان لم تشأ تتطرق الى مسألة انفاق الحاج رحيم عليها
أقسمت أنها رأت في عينيه ألما حقيقيا لم تشأ أن تصدقه , ثم سمعت حفيف الورق وهو يجعد الشيك قبل أن يضربه في وجهها بكل قوة , مما جعلها تشهق منتفضة مطبقة عينيها بشدة وحين تجرأت على فتحهما رأته يستقل سيارته لينطلق بها محدثا صريرا مرعبا
وأثناء قيادته المجنونة أمسك بهاتفه , طلب به رقما وما أن وصله الصوت الأنثوي المبتهج بلهفة حتى صرخ فيها بهياج
نادين تعالي الى الشقة , أريدك الليلة خلال دقائق
......
شعر لدى دخوله العمل صباحا بحركة مريبة غير مريحة وحركات سريعة و أسئلة مبهمة من حوله
فشعر بعدم الراحة و الكلمات تتناثر هنا وهناك يسودها اسم هويدا !
تابع سيره متباطئا عله يفهم ما يُقال عنها ثم سمرته كلمة حادث
شعر ساهر فجأة بالدماء تفر من أوردته فأمسك أول المتكلمين و سأله بلهفة
أي حادث ؟! ما الذي حدث ؟!
أجابه الشاب قائلا
الآنسة هويدا تعرضت لحادث ليلة أمس بسيارتها و نقلت للمشفى والسيد عبد السلام متغيب يرافقها و القلق يسود المكان
شحب وجه ساهر بشدة ووجد نفسه يستدير عائدا ليخرج من المكان خطواته تتسارع بعد أن تكلم لسانه سائلا عن عنوان المشفى !!
اقترب ساهر من الغرفة التي دلوه عليها فطرق الباب وانتظر لاهثا بخوف و خلال لحظات فتح الباب ووجد عبد السلام بنفسه يقف أمامه رمادي الوجه ضيق العينين متفاجئا برؤيته هنا
فقد ساهر كل ما كان قد حضره من كلمات منطقية كي يطمئن عليها دون أن يكون تواجده مثيرا للريبة لكنه الآن نسي كل شيء ووقف صامتا متلجلجا ثم رفع وجهه و قال بصوتٍ متعثر أهوج
أعرف أن وجودي هنا غريبا ومؤكد انك ستطلب مني الانصراف , لكن هويدا ... الآنسة هويدا ذات فضل كبير أعرف أنني لم يكن ينبغي علي الخروج من العمل دون اذن بعد كل غياب الفترة الماضية
قطع كلماته المتعثرة فجأة و هتف فيه باستياء عصبي بالغ
حذرتك أن تمنعها عن القيادة حذرتك
تراجع وجه عبد السلام مجفلا من غضب ساهر وساد الصمت بينهما متوترا ثم تكلم عبد السلام سائلا بغرابة
كانت ليلة زفافك بالأمس
وكأنها عبارة مفهومة تحوي سؤالا متعجبا فنظر ساهر الى وجهه وقال بنبرة خافتة
يجب أن أراها سبق و كانت بجواري في مرض أمي , أرجوك حتى إن أردت بعدها أن
توقف عن الكلام وهو يرى عبد السلام يتراجع فظنه سيغلق الباب في وجهه الا أنه أفسح له مجالا للدخول مشيرا بيده
اتسعت عينا ساهر للحظة قبل أن يخطو مترددا وما أن أبصرها حتى تنهد مبتسما متأوهًا ما بين بعض الراحة والصدمة في آن واحد
فقد كانت مستلقية في سرير الكدمات تغطي وجهها بشكل مفزع وساقها مجبرة حتى الفخذ لكن كل هذا بالنسبة له كان نعمة فهي بخير و هذا هو كل ما يهم فقد ظن في لحظة أنها لم تكن سوى روح جميلة زارت حياته و غادرت سريعا وهذا التفكير لسع عينيه طوال الطريق للمشفى أما الآن و هي تنظر إليه مذهولة قبل أن تهتف بصوتها الأجش محاولة النهوض من مكانها فهذا هو غاية التمني
ساهر !
اقترب منها ساهر ببطء حتى وصل إليها ثم انحنى جاثيا أمامها و همس بقلق
أتعرفين إن عرفت أنكِ قدتِ السيارة مجددا يا هويدا ؟! أنا من سيكسر ساقك الأخرى , أعدك بذلك
كانت تضحك بعنفٍ سالت له دموعها وهي تهز رأسها غير مصدقة وجوده , ولم تشأ السؤال فقد تمتعت برؤيته بقربها
أما عبد السلام فكان يراقبها بأسى مفكرا
ليتني أستطيع شراء السعادة لكِ يا ابنتي لكنت دفعت كل ما أملك ثمنا لها ليتني