الفصل الرابع عشر
شهقتها جعلته يبتلع باقي حروفه، وهب عن مقعده محدقاً بها، وقبل أن يتقدم منها، أوقفته بإشارة يدها وهي باكيه، فقد مزقتها كلماته، وقف المحامي يتابع ما يدور أمامه، يشعر بالشفقة على محمد، فلا ذنب له إن استغله شقيقه، تركهم وغادر المنزل بعدما عطي لبديعه نسخه من الوصيه لتقوم بتنفيذها
رفضت بديعه أن تعطي الوصيه لعلاء، قامت بطيها واتجهت نحو غرفتها وفتحت دولابها لتجلب صندوق الحاج همام لتحتفظ بها بداخله؛ وتركت أولادها لحين يهدؤا ثم ذهبت إلى المحامي برفقة محمد لتنقل له ماكتب من نصيبه الي عصمته بالعقود وقامت بالإمضاء عليها ليرتاح قلبها ناحية محمد،
زفر علاء بأختناق عندما علم بالأمر وصاح يزجر نفسه
-مش هكذب وأقول أني بكره أخوي، بس أنا خابر زين إني بحب الفلوس اكتر، أنا شايف اني استحق اخد اكبر جزء من التركه، الله يسامحك يابوي بقى على إل عملته معايا
التفت ليحدق بإنعكاسه في المرآة وقال ضاحكا ساخرا
- وإيه يعني ماياخد محمد ياخد حقه؟ هو اكيد مش هيعيش هنا والأهم انه هيعرض ال ورثه للبيع عشان ياخد فلوسه ويمشي، انا بقى لازم استغل الفرصه واشتري منه انا بقى بالسعر ال انا عايزه، وهو هيوافق باي سعر عشان يخلص ويسافر، يعني إكده ولا إكده كل حاجه هتبقى ملكي و بتاعتي.
أغمض عينه عن محبة الشقيق، يشعر بالسقم منه، يتوق لو كان هو الولد والوريث الوحيد لاملاك والده، تملك قلبه الجشع والطمع، إشتعلت نيران البغض والكره بداخله، سكون محمد يضجره بعدما كان بدور حوله يشاغبه، لا يروق له صمته، وأنه كفَّ عن التعامل معه، وأكتفي بجلوسه بعيداً بمنأى عنه، إما بين يده كتابٍ ما، أو يتحدث إلى صغيرته، أو يختفي داخل تلك الغرفة القاتمة التي حُرم عليه فيما قبل، زفر علاء بحنق زاجراً نفسه للمرة المائة، فهو لم يعد يقوى على تحمل تجنبه إياه، فغادر غرفته متسللاً كي يراه، توارى خلف أحد الأعمدة، حين وجده يجلس فوق الأريكة وبين يداه لمياء ابنته الذي ما أن أبصرها حتى نبض قلبه بقوة، وتعلق بها
أومأ وهو يلاحق بعيناه ملامحه، كأنه كنز فقد منه وعاد، فخفض عيناه عنه فنظراته تربكه وتُرجف قلبه بقوة، يود لو يتذكر أي شيء عنها، ولكن ما بوسعه فعل شيئ، هناك حاجز قوي يمنعه عن التذكر، ولكنه لا يمنعه عن الأحساس به، فهو استطاع بإيام قليلة سلب نبض قلب بديعه من مكانه، برائته وتلقائيته في التعامل، حنوه على والديه، وعيناه التي تخبرهم بالكثير عنه.
زفر علاء بسخط فهو أضاع كل هذا من يده، تغيُره يقتله، ورفضه النظر إليه أو محادثته تثير جنونه، لقد ندم نعم ندم على لحظة الضعف تلك، يتمنى لو بإمكانه إعادة الوقت ليعود علاء الحاقد البغيض
أما بديعه فهي سئمت جلسوها بمفردها بغرفتها، صارت الوحده تخنق أنفاسها، غادرت وهي تنادي على محمد، وتخبره عن افتقادها الجلوس برفقة همام، فوجوده كان يخفف عنها الكثير من وجعها، تنهدت لتطرد شعورها بذاك الألم، الذي يتوسط قلبها، يتحكم بكل شيء بداخلها، قلبها يأن فحبيبها وشريك عمرها صار تحت التراب ، عاشت ليال حاضنه لصورته و دموعها تسيل على وجنتيها، وها هي هنا تكتوي بنيران الفقد والوحشة
وفي المملكه العربيه السعوديه حجزت ام ايسل تذاكر العوده الى مصر لتقضي أجازتها برفقة شقيقها أيمن، أرادت ان تفاجأه بهذه الزياره، لم تُعلمه من قبل، بعدما اشترت بعض الهدايا لأيمن وأسرته، ما أن جهزت أغراضها واغراض زوجها وابنتها، ثم توجهوا الي المطار ليستقلوا الطائره، استغرقت رحلتهم اربع ساعات لحين وصلوا الي منزل أيمن، حتى أسرعت ووقفت خارج المنزل تبتسم بإضطراب، فبدت وكأنها تقتحم المنزل، ومن مكانها تابعتها أيسل ابنتها، وهي تدق جرس الباب بإرتجاف وتخوف من رد فعل شقيقها عندما يراها أمامه بعد فراق لتسع سنوات، فنظرات عفاف لزوجها أثارت ريبتها، وبالداخل وقفت هايدي خلف الباب تجيب بفضول وهي ممسكة لمقبض الباب قبل أن تفتح
-مين، مين ال بيخبط، هو ال واقف ده انطرش ولا ايه، انت مين ياعم يالي مش سامعني؟!
ثم فتحت الباب إذ فجأة فكانت عفاف ضاغطه عليه من الأمام فارتمت فوقها شاهقةً، وبادلتها هايدي النظرات بسقم اردفت بذهول وهي تحتضنها بقوه
-عااا.... عفاف، معقول المفاجأه دي! يابنت الإيه، ده ازاي وامتا وفين؟! حلوة أوي المفاجأه دي، طول عمرك مجنونه
أخبرتها عفاف وهي تضحك وتقبلها من وجنتيها بحراره
-وحشتوني.. وحشتوني اوي، لقيتني بحجز على أول طياره نازله مصر من غير ما افكر، فين ايمن وفين بوسي، وحشتوني اوي اوي.
سحبتها هايدي من يدها لتولجها الي الداخل كي ترحب ببراء زوج عفاف، ثم ضمت أيسل لحضنها وقبلتها من وجنتيها وجبينها وهي تربت على ظهرها بحراره
-يامشاء الله عليكي، بقيتي عروسه ياسوسو، إيه الحلاوه والجمال ده يامسكره، اتفضلوا.. اتفضلوا... دا ايمن هيتجنن لما يشوفكوا ولا بيسان خايفه يغمى عليها من حلاوة المفاجأه.
جلس براء بجوار أيسل بينما ظلت عفاف واقفه ترمق المنزل ببهجه وسعاده لتستأذن هايدي الذهاب إلى غرفة أيمن بعدما عرفت منها بأنه في المصنع، وأشارت هايدي إلى أيسل لتذهب إلى غرفة بيسان كي توقظها بنفسها وتطمئن عليها، ولجت أيسل للغرفه وهي على يقين بأن بيسان فارقة في النعاس، تفاجأت بها تحاول أن تفتح عيناها لتقوم من على الفراش، فأقتربت منها ووضعت يدها لتعصب عيناها من الخلف برفق وهمست بصوت منخفض قد يكون ضاحك
-أنا مين! وبعدين يابوسي هو في حد ينام لوقت متأخر كده! ولا انتي عاجبك وشك الدبلان بالشكل ده!
لم تكن بيسان قد إستيقظت تماما ولم تعرف ان تميز الصوت، ذهب تفكيرها مسرعة لصديقتها لمياء، فامسكت يد أيسل ضاخكه
-لمياء حبيبتي جيتي أمته يابنت اللذين وليه ماقولتيش من امبارح انك جايه!؟
ضمتها أيسل إليها لتنخرط بيسام بموجة هلع عنيفة ارتجفت لها، وأثارت دهشة أيسل فشددت من أحتضانها لها، لزمت أيسل الصمت أحتراماً لمشاعر شقيقتها حتى هدأ نحيبها، ثم التفتت إليها بيسان مسرعةً فانتفضت من فوق الفراش وهي تقفز على الأرض وتعال صراخها في الغرفه من كثرة السعاده
-سوسو، انتي هنا بجد! انا مش مصدقه عنيا، وسيباني اقولك لمياء، يابنت الإيه! جيتو امتا؟
ثم ألقت بنفسها في حضنها ضاحكه وقبلتها من وجنتيها، بينما آيسل ظلت تضحك على مشاعر وحركات بيسان الجنونيه، لم تعرف ان تجيبها على استفساراتها لحين تهدأ تماما، ثم خرجوا من الغرفه ممسكين بيد بعضهما بعدما بدلت بيسان ملابسها ومشطت شعرها مسرعةً؛
رأت زوج عمتها جالسا بمفرده بالصالون فاسرعت بمشيتها لترحب به بحفاوه واشتياق أيضا مصافحة باليد دون أن تقبله او تحتضنه، لأنها في رعيان شبابها ولا يجوز أن تفعل ذاك الشيئ المخجل؛ إستسرقت السمع لصوت عماها خارج من غرفة والدها فهرولت إليها مسرعةً، و إرتموا بحضن بعضهما صارخين مهللين، بادرت بيسان بالتحدث
-عمتووو، حبيبتي حمدالله على السلامه، والله دي أحلى مفاجأه حصلت ليا في حياتي، ده بابا هيطير من السعاده لما يشوفك، اه لو تعرفي قد ايه وحشانا كلنا.
ضمتها عفاف لحضنها أكثر واغرورقت عيناها بالدموع فرحةً وسعاده ثم أجابتها بصوت متحشرج
-انتو ال وحشتوني اوي ياحبايبي والله، عارفه اني غيبت عنكوا كتير، بس والله ظروف شغل براء ال عملت فينا كده، بس الاكيد اني هقعد معاكوا فتره الاجازه كلها عشان نشبع من بعض على قد مانقدر.
انفطر قلب أيسل على بكاء والدتها، فهي تعلم علم اليقين معنى فقدان الشقيق والاشتياق له لأنها فقدت شقيقها الأصغر في حادث أليم، لم تنساه للآن ودائما تبكي عندما تتذكره لأنها كانت برفقته وقتما فارق الحياه وهو ممسك بيدها الملطخة بدمائه، أشاحت بنظرها بعيدا عن عفاف كي لاتراها لأنها ستفهم بإنها تذكرت شقيقها، وتحزن هي الأخرى، ثم محت دموعها والتقطت أنفاسها ثم عادت النظر إليهم مبتسمه واردفت اليهم
-مش كفايه أحضان وبوس كده ولا ايه يابنات، سيبوا شويه لخالو لما يرجع، وتعالوا نقعد مع بابا سايبنه قاعد لوحده من ساعة ما وصلنا.
اتجهت هايدي ناحيتها ضاحكه وهي تربت على كتفها بحنو
-ياخلاثي على ست البنات العاقله العثوله ياولاد، تعالي.. تعالي ندخل المطبخ سوي انا وانتي نجيب عصير لبابا وماما وندردش شويه انا وانتي، ده انتي وحشاني اوي، تعرفي اني بحسك بنتي وغلاوتك ومعزتك في قلبي زي بوسي بنتي ويمكن أزيد شويه.
اتسعت عينا أيسل بدهشة وسألتها بحيرة
-طيب إزاي ياطنط؟ هو في حد بيحب حد اكتر من أولاده! ومع ذلك انا كمان بحب حضرتك زي ماما.
ابتسمت هايدي وبدأت تقص على أيسل قصص وروايات عن أفعال بيسان المضحكه معهم في الأعوام الماضيه، فشهقت أيسل فهي لا تصدق أن يصل الأمر للنميمه بهذه الطريقه لهذا الحد، بينما كانت هايدي منهمكه في المطبخ، ظهرها كان موجه لأيسل، تسحبت أيسل بهدوء واعادت ادراجها الي الخلف دون أن تشعر بها هايدي، واسرعت في مشيتها وجلست برفقة والداها وبيسان، رمقوها ضاحكين لأنهم فهموا لماذا هي فعلت ذلك؛
جاءت هايدي وبيدها العصير محدقة بأيسل لاوية شفتاها
-بقى معقول تسبيني اكلم نفسي في المطبخ وتيجي تقعدي هنا ياسوسو، الله يسامحك بس بحبك برده.
تنهدت أيسل وهي ترمق الجميع بارتباك وابتسامه هادئه، وتذكرت خالها فشهقت وهي محدقة ببيسان
-هو خالو متعود يتأخر كده في الشغل! ماتحاولي ترني عليه كده يابوسي تشوفيه هيجي إم.....
لم تكمل حديثها الا وجرس الباب يدق ففزعوا جميعا، أشارت لهم بيسان بصوت منخفض
-شششش، محدش يعمل صوت، دخلوا الشنط دي ورا الكراسي هنا، واستخبوا بسرعه في اي حته بس بسرعه.
ثم قامت هي بعدما اخذت نفس عميق وفتحت الباب بتلقائيه وكأنه لا يوجد شيئا، ولج أيمن الي الداخل زافرا من حرارة الجو لكن شعر برائحة غريبه بالمنزل، ظل يستنشق محاولا معرفة وتمييز الرائحه دون جدوى، التفت الي ابنته كانت تضحك لكن قطعت ضحكتها ورمقته ببلاهه، فسألها بدهشه
-في ريحه غريبه بالبيت، هو في حد زاركوا النهارده وانا في الشغل؟
همهمت بيسان بصوت خافض
-ريحه، ريحة ايه يابابا؟ ده متهيألك بس،
ثم طرقت بيدها على جبينها وتشير بيدها في وجهه مبتسمه بارتباك
-اه تصدق انت عندك حق، في ريحه جديده في البيت فعلا، اصل ماما ايه بقى، كانت في السوق من يومين ولقت بخور سعودي ريحته رهيبه فقالت تشتري منه، تلاقيها بقى ولعت منه شويه النهارده، المهم سيبك انت حمدالله على السلامه، عملت ايه في الشغل النهارده، تعال.. تعال اقعد.. تلاقيك تعبان ياحبيبي
ثم سحبته من يده لتجلسه على الأريكه التي هم يختبئون خلفها، رمقها أيمن بدهشه و إستغراب لرد فعلها الغير طبيعي، ثم استنشق الرائحه لأنها زادت وبشده، كاد ان يعتدل في جلسته متكأً على ظهره، انتفض من مقعده صاعقا عندما قاموا ثلاثتهم من الخلف وفي آن واحد
-السلام عليكم ياحاج أيمن.
أصابه الهلع والفزع كاد قلبه ان يتوقف من هول المفاجأه، انتفض عن الأريكه ملتفتا خلفه ورأي شقيقته وأسرتها واقفين أمامه، تسمر مكانه وعجز لسانه عن النطق، وضع يده على فمه المفتوح جاحظا عيناه بدهشه، اقتربت منه عفاف رافعة ساعديها لتحتضنه ودموعها محتبسة في عيناها، أسقط ايمن يداه بجانبه وتركها تحضنه ليصدق بإنها حقيقه وليست خيال، عندما استنشق منها رائحة والدتهم رحمها الله، عقد زراعيه حول خصرها ليضمها بقوه ثم تعالت صرخاته وصاح بدهشه وسعاده
-عفاف اختي حبيبتي... يااااااه، والله ما انا مصدق، انتي هنا بجد وواقفه معايا! عملتيها ازاي دي، ده انا لسه مكلم من يومين وماجيبتيش اي سيره خالص اني ناويه تنزلي اجازه، يااااه ياعفاف، وحشتيني اوي ياحبيبة قلب اخوكي، الف حمدالله على سلامتك، بس انتي ملامحك اتغيرت وبقيتي شبه أمنا خالص، ربنا يعطيكي الصحه والعافيه
بينما عفاف كانت تقبله فقط وتنام على صدره وهي زارفةً لدموعها بغزاره لأنها أيضا كانت تشعر بإنها تحتضن والدها وشقيقها معاً، لم تقوى على التحدث على الإطلاق، قبَّلها أيمن من جبينها بحراره ثم اشاح بنظره بعيدا عنها محدقا ببراء باشتياق أيضا، امالت عفاف على جنب ثم ارتمي الرجلان بحضن بعضهما وهم يربتون على ظهور بعضهم بحراره، بادر ايمن بالتحدث
-حمدالله على السلامه ياصاحبي، نورت مصر والدنيا كلها، بس مفاجإتكوا دي في الجون ياولاد اللذين.
اجابه براء ضاحكا
-الله يسلمك يازميلي، اختك بقى وقرارتها المفاجأه، انا مش هحكيلك بقى عن جنانها، انت اكيد حافظها
لمح ايمن ابنة عفاف بذهول، حدق فيها بدهشه وسرور، ثم اردف إليها ضاحكاً
-لا، معقول انتي أيسل البنوته الصغيره ال يامه بهدلت هدومي من الحمام بتاعها، تعالي في حضني ياروح قلب خالك
إرتمت أيسل بحضن خالها وهو يقبلها من وجنتيها ثم قام بفرضها من وجنتها مثلما كان يفعل معها سابقا، اطلق الجميع ضحكاتهم، بينما كانت هايدي وبيسان يرمقوا السعاده والتفاؤل الذي ظهر فجأة على ملامح أيمن، ثم نظروا لبعضهما غامزين مبتسمين سعداء لأجل أيمن كثيرا، وأخيرا التقي بالمتبقي من عائلته؛
بادرت هايدي بالتحدث بصوت خافض
-يلا قدامي على المطبخ بسرعه قدامنا شغل كتير جوا، خلينا نسيبهم يقعدوا ويشبعوا من بعض عبال مانجهز ليهم الغداء.
انتبهت لهم عفاف فنهضت من مكانها مشيرة بيدها لهايدي
-إستني خديني معاكي أساعدك، الايام جايه كتير وهنقعد مع بعض لحد مانشبع، انا جايه اساعدك واعلمك شوية اكلات سعودي بقى هتاكلي صوابعك وراها.
تمدد أيمن فوق الشيزلونج تبعه ليريح قدمه من وقوف طوال اليوم في المصنع، وأشار لأيسل ان تجلس بجانبه، وضعه زراعه على كتفها وجلس يسألها ويطئن على احوالها، بينما جلس براء بجانبهم مبتسماً فتح جواله ليرسل لأصدقائه بالخارج يطمأنهم بأنه وصل مصر بالسلامه، ثم اغلقه والتفت الي أيمن متحدثا في أمور الحياه وكيف يقضون حياتهم بمصر، تحدثا أيضا عن غلاء الأسعار لبعض السلع، وانه موضوع منتشر في العالم بأكمله، أشار براء على أيمن باستثمار بعض المال في مشروع السلع الغذائيه ويكون أيمن بمثابة شريك له بالإدارة لمحاربة الغلاء، اعتدل أيمن في جلسته محدقا به.
رفضت بديعه أن تعطي الوصيه لعلاء، قامت بطيها واتجهت نحو غرفتها وفتحت دولابها لتجلب صندوق الحاج همام لتحتفظ بها بداخله؛ وتركت أولادها لحين يهدؤا ثم ذهبت إلى المحامي برفقة محمد لتنقل له ماكتب من نصيبه الي عصمته بالعقود وقامت بالإمضاء عليها ليرتاح قلبها ناحية محمد،
زفر علاء بأختناق عندما علم بالأمر وصاح يزجر نفسه
-مش هكذب وأقول أني بكره أخوي، بس أنا خابر زين إني بحب الفلوس اكتر، أنا شايف اني استحق اخد اكبر جزء من التركه، الله يسامحك يابوي بقى على إل عملته معايا
التفت ليحدق بإنعكاسه في المرآة وقال ضاحكا ساخرا
- وإيه يعني ماياخد محمد ياخد حقه؟ هو اكيد مش هيعيش هنا والأهم انه هيعرض ال ورثه للبيع عشان ياخد فلوسه ويمشي، انا بقى لازم استغل الفرصه واشتري منه انا بقى بالسعر ال انا عايزه، وهو هيوافق باي سعر عشان يخلص ويسافر، يعني إكده ولا إكده كل حاجه هتبقى ملكي و بتاعتي.
أغمض عينه عن محبة الشقيق، يشعر بالسقم منه، يتوق لو كان هو الولد والوريث الوحيد لاملاك والده، تملك قلبه الجشع والطمع، إشتعلت نيران البغض والكره بداخله، سكون محمد يضجره بعدما كان بدور حوله يشاغبه، لا يروق له صمته، وأنه كفَّ عن التعامل معه، وأكتفي بجلوسه بعيداً بمنأى عنه، إما بين يده كتابٍ ما، أو يتحدث إلى صغيرته، أو يختفي داخل تلك الغرفة القاتمة التي حُرم عليه فيما قبل، زفر علاء بحنق زاجراً نفسه للمرة المائة، فهو لم يعد يقوى على تحمل تجنبه إياه، فغادر غرفته متسللاً كي يراه، توارى خلف أحد الأعمدة، حين وجده يجلس فوق الأريكة وبين يداه لمياء ابنته الذي ما أن أبصرها حتى نبض قلبه بقوة، وتعلق بها
أومأ وهو يلاحق بعيناه ملامحه، كأنه كنز فقد منه وعاد، فخفض عيناه عنه فنظراته تربكه وتُرجف قلبه بقوة، يود لو يتذكر أي شيء عنها، ولكن ما بوسعه فعل شيئ، هناك حاجز قوي يمنعه عن التذكر، ولكنه لا يمنعه عن الأحساس به، فهو استطاع بإيام قليلة سلب نبض قلب بديعه من مكانه، برائته وتلقائيته في التعامل، حنوه على والديه، وعيناه التي تخبرهم بالكثير عنه.
زفر علاء بسخط فهو أضاع كل هذا من يده، تغيُره يقتله، ورفضه النظر إليه أو محادثته تثير جنونه، لقد ندم نعم ندم على لحظة الضعف تلك، يتمنى لو بإمكانه إعادة الوقت ليعود علاء الحاقد البغيض
أما بديعه فهي سئمت جلسوها بمفردها بغرفتها، صارت الوحده تخنق أنفاسها، غادرت وهي تنادي على محمد، وتخبره عن افتقادها الجلوس برفقة همام، فوجوده كان يخفف عنها الكثير من وجعها، تنهدت لتطرد شعورها بذاك الألم، الذي يتوسط قلبها، يتحكم بكل شيء بداخلها، قلبها يأن فحبيبها وشريك عمرها صار تحت التراب ، عاشت ليال حاضنه لصورته و دموعها تسيل على وجنتيها، وها هي هنا تكتوي بنيران الفقد والوحشة
وفي المملكه العربيه السعوديه حجزت ام ايسل تذاكر العوده الى مصر لتقضي أجازتها برفقة شقيقها أيمن، أرادت ان تفاجأه بهذه الزياره، لم تُعلمه من قبل، بعدما اشترت بعض الهدايا لأيمن وأسرته، ما أن جهزت أغراضها واغراض زوجها وابنتها، ثم توجهوا الي المطار ليستقلوا الطائره، استغرقت رحلتهم اربع ساعات لحين وصلوا الي منزل أيمن، حتى أسرعت ووقفت خارج المنزل تبتسم بإضطراب، فبدت وكأنها تقتحم المنزل، ومن مكانها تابعتها أيسل ابنتها، وهي تدق جرس الباب بإرتجاف وتخوف من رد فعل شقيقها عندما يراها أمامه بعد فراق لتسع سنوات، فنظرات عفاف لزوجها أثارت ريبتها، وبالداخل وقفت هايدي خلف الباب تجيب بفضول وهي ممسكة لمقبض الباب قبل أن تفتح
-مين، مين ال بيخبط، هو ال واقف ده انطرش ولا ايه، انت مين ياعم يالي مش سامعني؟!
ثم فتحت الباب إذ فجأة فكانت عفاف ضاغطه عليه من الأمام فارتمت فوقها شاهقةً، وبادلتها هايدي النظرات بسقم اردفت بذهول وهي تحتضنها بقوه
-عااا.... عفاف، معقول المفاجأه دي! يابنت الإيه، ده ازاي وامتا وفين؟! حلوة أوي المفاجأه دي، طول عمرك مجنونه
أخبرتها عفاف وهي تضحك وتقبلها من وجنتيها بحراره
-وحشتوني.. وحشتوني اوي، لقيتني بحجز على أول طياره نازله مصر من غير ما افكر، فين ايمن وفين بوسي، وحشتوني اوي اوي.
سحبتها هايدي من يدها لتولجها الي الداخل كي ترحب ببراء زوج عفاف، ثم ضمت أيسل لحضنها وقبلتها من وجنتيها وجبينها وهي تربت على ظهرها بحراره
-يامشاء الله عليكي، بقيتي عروسه ياسوسو، إيه الحلاوه والجمال ده يامسكره، اتفضلوا.. اتفضلوا... دا ايمن هيتجنن لما يشوفكوا ولا بيسان خايفه يغمى عليها من حلاوة المفاجأه.
جلس براء بجوار أيسل بينما ظلت عفاف واقفه ترمق المنزل ببهجه وسعاده لتستأذن هايدي الذهاب إلى غرفة أيمن بعدما عرفت منها بأنه في المصنع، وأشارت هايدي إلى أيسل لتذهب إلى غرفة بيسان كي توقظها بنفسها وتطمئن عليها، ولجت أيسل للغرفه وهي على يقين بأن بيسان فارقة في النعاس، تفاجأت بها تحاول أن تفتح عيناها لتقوم من على الفراش، فأقتربت منها ووضعت يدها لتعصب عيناها من الخلف برفق وهمست بصوت منخفض قد يكون ضاحك
-أنا مين! وبعدين يابوسي هو في حد ينام لوقت متأخر كده! ولا انتي عاجبك وشك الدبلان بالشكل ده!
لم تكن بيسان قد إستيقظت تماما ولم تعرف ان تميز الصوت، ذهب تفكيرها مسرعة لصديقتها لمياء، فامسكت يد أيسل ضاخكه
-لمياء حبيبتي جيتي أمته يابنت اللذين وليه ماقولتيش من امبارح انك جايه!؟
ضمتها أيسل إليها لتنخرط بيسام بموجة هلع عنيفة ارتجفت لها، وأثارت دهشة أيسل فشددت من أحتضانها لها، لزمت أيسل الصمت أحتراماً لمشاعر شقيقتها حتى هدأ نحيبها، ثم التفتت إليها بيسان مسرعةً فانتفضت من فوق الفراش وهي تقفز على الأرض وتعال صراخها في الغرفه من كثرة السعاده
-سوسو، انتي هنا بجد! انا مش مصدقه عنيا، وسيباني اقولك لمياء، يابنت الإيه! جيتو امتا؟
ثم ألقت بنفسها في حضنها ضاحكه وقبلتها من وجنتيها، بينما آيسل ظلت تضحك على مشاعر وحركات بيسان الجنونيه، لم تعرف ان تجيبها على استفساراتها لحين تهدأ تماما، ثم خرجوا من الغرفه ممسكين بيد بعضهما بعدما بدلت بيسان ملابسها ومشطت شعرها مسرعةً؛
رأت زوج عمتها جالسا بمفرده بالصالون فاسرعت بمشيتها لترحب به بحفاوه واشتياق أيضا مصافحة باليد دون أن تقبله او تحتضنه، لأنها في رعيان شبابها ولا يجوز أن تفعل ذاك الشيئ المخجل؛ إستسرقت السمع لصوت عماها خارج من غرفة والدها فهرولت إليها مسرعةً، و إرتموا بحضن بعضهما صارخين مهللين، بادرت بيسان بالتحدث
-عمتووو، حبيبتي حمدالله على السلامه، والله دي أحلى مفاجأه حصلت ليا في حياتي، ده بابا هيطير من السعاده لما يشوفك، اه لو تعرفي قد ايه وحشانا كلنا.
ضمتها عفاف لحضنها أكثر واغرورقت عيناها بالدموع فرحةً وسعاده ثم أجابتها بصوت متحشرج
-انتو ال وحشتوني اوي ياحبايبي والله، عارفه اني غيبت عنكوا كتير، بس والله ظروف شغل براء ال عملت فينا كده، بس الاكيد اني هقعد معاكوا فتره الاجازه كلها عشان نشبع من بعض على قد مانقدر.
انفطر قلب أيسل على بكاء والدتها، فهي تعلم علم اليقين معنى فقدان الشقيق والاشتياق له لأنها فقدت شقيقها الأصغر في حادث أليم، لم تنساه للآن ودائما تبكي عندما تتذكره لأنها كانت برفقته وقتما فارق الحياه وهو ممسك بيدها الملطخة بدمائه، أشاحت بنظرها بعيدا عن عفاف كي لاتراها لأنها ستفهم بإنها تذكرت شقيقها، وتحزن هي الأخرى، ثم محت دموعها والتقطت أنفاسها ثم عادت النظر إليهم مبتسمه واردفت اليهم
-مش كفايه أحضان وبوس كده ولا ايه يابنات، سيبوا شويه لخالو لما يرجع، وتعالوا نقعد مع بابا سايبنه قاعد لوحده من ساعة ما وصلنا.
اتجهت هايدي ناحيتها ضاحكه وهي تربت على كتفها بحنو
-ياخلاثي على ست البنات العاقله العثوله ياولاد، تعالي.. تعالي ندخل المطبخ سوي انا وانتي نجيب عصير لبابا وماما وندردش شويه انا وانتي، ده انتي وحشاني اوي، تعرفي اني بحسك بنتي وغلاوتك ومعزتك في قلبي زي بوسي بنتي ويمكن أزيد شويه.
اتسعت عينا أيسل بدهشة وسألتها بحيرة
-طيب إزاي ياطنط؟ هو في حد بيحب حد اكتر من أولاده! ومع ذلك انا كمان بحب حضرتك زي ماما.
ابتسمت هايدي وبدأت تقص على أيسل قصص وروايات عن أفعال بيسان المضحكه معهم في الأعوام الماضيه، فشهقت أيسل فهي لا تصدق أن يصل الأمر للنميمه بهذه الطريقه لهذا الحد، بينما كانت هايدي منهمكه في المطبخ، ظهرها كان موجه لأيسل، تسحبت أيسل بهدوء واعادت ادراجها الي الخلف دون أن تشعر بها هايدي، واسرعت في مشيتها وجلست برفقة والداها وبيسان، رمقوها ضاحكين لأنهم فهموا لماذا هي فعلت ذلك؛
جاءت هايدي وبيدها العصير محدقة بأيسل لاوية شفتاها
-بقى معقول تسبيني اكلم نفسي في المطبخ وتيجي تقعدي هنا ياسوسو، الله يسامحك بس بحبك برده.
تنهدت أيسل وهي ترمق الجميع بارتباك وابتسامه هادئه، وتذكرت خالها فشهقت وهي محدقة ببيسان
-هو خالو متعود يتأخر كده في الشغل! ماتحاولي ترني عليه كده يابوسي تشوفيه هيجي إم.....
لم تكمل حديثها الا وجرس الباب يدق ففزعوا جميعا، أشارت لهم بيسان بصوت منخفض
-شششش، محدش يعمل صوت، دخلوا الشنط دي ورا الكراسي هنا، واستخبوا بسرعه في اي حته بس بسرعه.
ثم قامت هي بعدما اخذت نفس عميق وفتحت الباب بتلقائيه وكأنه لا يوجد شيئا، ولج أيمن الي الداخل زافرا من حرارة الجو لكن شعر برائحة غريبه بالمنزل، ظل يستنشق محاولا معرفة وتمييز الرائحه دون جدوى، التفت الي ابنته كانت تضحك لكن قطعت ضحكتها ورمقته ببلاهه، فسألها بدهشه
-في ريحه غريبه بالبيت، هو في حد زاركوا النهارده وانا في الشغل؟
همهمت بيسان بصوت خافض
-ريحه، ريحة ايه يابابا؟ ده متهيألك بس،
ثم طرقت بيدها على جبينها وتشير بيدها في وجهه مبتسمه بارتباك
-اه تصدق انت عندك حق، في ريحه جديده في البيت فعلا، اصل ماما ايه بقى، كانت في السوق من يومين ولقت بخور سعودي ريحته رهيبه فقالت تشتري منه، تلاقيها بقى ولعت منه شويه النهارده، المهم سيبك انت حمدالله على السلامه، عملت ايه في الشغل النهارده، تعال.. تعال اقعد.. تلاقيك تعبان ياحبيبي
ثم سحبته من يده لتجلسه على الأريكه التي هم يختبئون خلفها، رمقها أيمن بدهشه و إستغراب لرد فعلها الغير طبيعي، ثم استنشق الرائحه لأنها زادت وبشده، كاد ان يعتدل في جلسته متكأً على ظهره، انتفض من مقعده صاعقا عندما قاموا ثلاثتهم من الخلف وفي آن واحد
-السلام عليكم ياحاج أيمن.
أصابه الهلع والفزع كاد قلبه ان يتوقف من هول المفاجأه، انتفض عن الأريكه ملتفتا خلفه ورأي شقيقته وأسرتها واقفين أمامه، تسمر مكانه وعجز لسانه عن النطق، وضع يده على فمه المفتوح جاحظا عيناه بدهشه، اقتربت منه عفاف رافعة ساعديها لتحتضنه ودموعها محتبسة في عيناها، أسقط ايمن يداه بجانبه وتركها تحضنه ليصدق بإنها حقيقه وليست خيال، عندما استنشق منها رائحة والدتهم رحمها الله، عقد زراعيه حول خصرها ليضمها بقوه ثم تعالت صرخاته وصاح بدهشه وسعاده
-عفاف اختي حبيبتي... يااااااه، والله ما انا مصدق، انتي هنا بجد وواقفه معايا! عملتيها ازاي دي، ده انا لسه مكلم من يومين وماجيبتيش اي سيره خالص اني ناويه تنزلي اجازه، يااااه ياعفاف، وحشتيني اوي ياحبيبة قلب اخوكي، الف حمدالله على سلامتك، بس انتي ملامحك اتغيرت وبقيتي شبه أمنا خالص، ربنا يعطيكي الصحه والعافيه
بينما عفاف كانت تقبله فقط وتنام على صدره وهي زارفةً لدموعها بغزاره لأنها أيضا كانت تشعر بإنها تحتضن والدها وشقيقها معاً، لم تقوى على التحدث على الإطلاق، قبَّلها أيمن من جبينها بحراره ثم اشاح بنظره بعيدا عنها محدقا ببراء باشتياق أيضا، امالت عفاف على جنب ثم ارتمي الرجلان بحضن بعضهما وهم يربتون على ظهور بعضهم بحراره، بادر ايمن بالتحدث
-حمدالله على السلامه ياصاحبي، نورت مصر والدنيا كلها، بس مفاجإتكوا دي في الجون ياولاد اللذين.
اجابه براء ضاحكا
-الله يسلمك يازميلي، اختك بقى وقرارتها المفاجأه، انا مش هحكيلك بقى عن جنانها، انت اكيد حافظها
لمح ايمن ابنة عفاف بذهول، حدق فيها بدهشه وسرور، ثم اردف إليها ضاحكاً
-لا، معقول انتي أيسل البنوته الصغيره ال يامه بهدلت هدومي من الحمام بتاعها، تعالي في حضني ياروح قلب خالك
إرتمت أيسل بحضن خالها وهو يقبلها من وجنتيها ثم قام بفرضها من وجنتها مثلما كان يفعل معها سابقا، اطلق الجميع ضحكاتهم، بينما كانت هايدي وبيسان يرمقوا السعاده والتفاؤل الذي ظهر فجأة على ملامح أيمن، ثم نظروا لبعضهما غامزين مبتسمين سعداء لأجل أيمن كثيرا، وأخيرا التقي بالمتبقي من عائلته؛
بادرت هايدي بالتحدث بصوت خافض
-يلا قدامي على المطبخ بسرعه قدامنا شغل كتير جوا، خلينا نسيبهم يقعدوا ويشبعوا من بعض عبال مانجهز ليهم الغداء.
انتبهت لهم عفاف فنهضت من مكانها مشيرة بيدها لهايدي
-إستني خديني معاكي أساعدك، الايام جايه كتير وهنقعد مع بعض لحد مانشبع، انا جايه اساعدك واعلمك شوية اكلات سعودي بقى هتاكلي صوابعك وراها.
تمدد أيمن فوق الشيزلونج تبعه ليريح قدمه من وقوف طوال اليوم في المصنع، وأشار لأيسل ان تجلس بجانبه، وضعه زراعه على كتفها وجلس يسألها ويطئن على احوالها، بينما جلس براء بجانبهم مبتسماً فتح جواله ليرسل لأصدقائه بالخارج يطمأنهم بأنه وصل مصر بالسلامه، ثم اغلقه والتفت الي أيمن متحدثا في أمور الحياه وكيف يقضون حياتهم بمصر، تحدثا أيضا عن غلاء الأسعار لبعض السلع، وانه موضوع منتشر في العالم بأكمله، أشار براء على أيمن باستثمار بعض المال في مشروع السلع الغذائيه ويكون أيمن بمثابة شريك له بالإدارة لمحاربة الغلاء، اعتدل أيمن في جلسته محدقا به.