الفصل الخامس والثلاثون

سكتت هنا ريحان ما عساها ترد إنه جرحها بكلماته تلك التي لا ترحم مرة أخرى وهاهي نبرة صوته تتغير وتعلو شيء فشيء وسيصدر من تلك الشفاه ما لا يحمد عقباه لاحقا.
تنظر بعيونها المتسعة له فهو لا يزال يريد أن يجادلها في ذات الموضوع الذي تهرب منه لكن بالأخير لن تبقى صامتة وهنا تحدثت رغم عيونها التي أظهرت حزنها وصدمتها لتقول:
ما الذي تهذي به انت تقسو علي بشدة أنا لم افكر بك يوما بهذه الطريقة
رد أمير غاضبا :
ليس بقدرك أنت أنا حقا مصدوم بك وبما قلته فرغم خطئك تأتين و بكل برود وتقارنينني بذلك الشخص عديم الاخلاق وأنت تنظرين بعيني فقط أجيبيني كيف أمكنك ذلك؟
أنت ما فعلته شيء بالكاد أستوعبه وتدركين جيدا أنك مذنبة لكن بدل أن تعتذري تأتين و
ردت ريحان:
و ماذا أمير ها؟ و ماذا لم سكت؟
ليرد أمير:
يكفي رجاء انتهينا
وضعت يدها على جبينها لتنزل بها تمسح على وججهها تحاول التماسك أمامه كي لا تنفجر بوجهه تكتم غضبها ما استطاعت ثم تحدثت قائلة:
من الأحسن أن تتحدث أمير
عاد للخلف قليلا وتحرك يمينا وشمالا وهو يشد على لحيته غاضبا ولم ينطق ببنت كلمة أخرى بينما هي لا تزال تنظر فقط وتتحدث لكن بداخلها فقط لكن فاض بها الكأس ولم يعد بمقدورها كبت دمعها أمامه والمقاومة أكثر لتطلقه من مقلتيها جاريا ينهمر كالمطر في سيلانه فحاولت أن تلتفت للخلف تهرب منه كي لا ينتبه لكنه انتبه فكيف لا ينتبه وهي تجري مجرى الدم ثم إنه يحسها ولو لم تنطق بكلمة لكنه لا يزال غاضبا.
نظر إليها قليلا ثم عاود الاقتراب منها قليلا ليتحدث بصوت يغلب عليه الحزن:
يبدو أن هناك ندبة بقلبك لن تمحوها سنين العمر كلها مهما حاولنا أو بالأحرى مهما حاولت أنا لأنك على ما يبدو لا تحاولين نهائيا والدليل هاهو مع الأسف قارنتني به ثم خرج منسحبا الى الخارج تاركا إيها هناك واقفة تبكي بصمت.
وسالت دموعها الصامتة والتي جرت علي وجنتيها تشقهم بعنفوان يضاد حزنها الهادئ ووجعها المدفون ذلك الوجع الذي أبى أن يحررها يوما ويذهب عنها ليتركها تعيش مع حبيب روحها بهناء.
مرت مدة على خروج أمير من الغرفة،استجمعت فيها ريحان نفسها المكسورة وتوجهت لغرفة اوزجي كعادتها لكن قبل دخولها تصادفت بجافيدان قادمة في الرواق،نظرت إليها ريحان بطرف عينها لكن لم تتلفظ بشيء بل أكملت دربها لكن الأخرى أمسكتها من ذراعها وهي تنظر إليها بغضب.
نظرت ريحان لموضع يدها لتسحب ذراعها بقوة قائلة بحدة:
يكفي لحد هذه النقطة ما عدت أستطيع أن أتحملك أكثر لقد تجاوزت حدودك معي.
اقتربت جافيدان منها لتتحدث بكل ثقة وقوة كعادتها دائما لا تأبى الإنكسار ولا تظهر ضعفها أو استسلامها لبشر مهما كانت شدة قربه منها لتقول:
انظري نتيجة افعالك يا من تتفاخرين بأنك كنة العائلة أهكذا حقا يكون رد الجميل وأنك أصبحت واحدة من العائلة أهكذا تثبتين أنك الكنة التي تستحق لقب تارهون؟ ههههه أنت على العكس تماما وهذا أول درس لك وقد فشلت به،لا بأس سيأتي يوم وتكشفين للكل على حقيقتك وحينها ستخرجين من هنا بثيابك العفنة كما دخلت إلى هنا أول مرة منزلة رأسك للأرض لأن أمثالك في أحلامهم أن يندمجوا في هذا المجتمع الراقي.
نظرت إليها ريحان مطولا نظرات ملؤها الغضب تود أن تصرخ في وجهها وتطردها من الغرفة فهي تدرك أن لها كل الحق في ذلك ولها الحق في رد كرامتها ثم اقتربت منها وانحنت عند أذنها قليلا لتقول بهدوء قائلة بصوت خافت:
هنا بيتي وسأبني عشي هنا وأنجب أطفالا لامير هنا وسيركضون حولنا بجنون وايضا سيكونون نسخة من والدهم الذي هو ابنك وستنمو عاىلتنا وتكبر وتكبر انا زوجة أمير الذي هو ابنك ايضا وعشقه وسكينته أنا ريحان تارهون شئت أم أبيت حماتي ثم رفعت راسها وابتسمت لتبدأ بالانسحاب إلى غرفة الصغيرة بينما الأخرى تنظر صعقة بفيه مفتوح.
دخلت ريحان الغرفة ثم وقفت وأخذت نفسا عميقا كي تتدارك توترها أمام اوزجي لتقترب منها بعدها مبتسمة بحب وتقول:
صغيرتي تأخرت عليك
ردت اوزجي:
لقد أنجزت امتحاني وأتممت الحفظ فسرت ريحان لسماع ذلك لتقول ببهجة:
اها يعني ستسمعينني؟
أجابت الصغيرة بحماس:
أجل أنا جاهزة ومتحمسة جدا جدا جدا.
قبلت ريحان رأسها بقوة وأخذت تستنشق من رائحة شعرها الذكية فاطالما أراحتها تلك الرائحة وهدأت شيء من النيران التي تحترق داخلها ثم جلستا مقابلتين لبعضهما البعض لتشرع اوزجي بترديد سور من القرآن كانت قد طلبت منها ريحان حفظها كامتحان.
كانت اوزجي تردد وريحان تسمعها وكلما أخطأت صححت لها وهكذا حتى مر وقت طويل وهما كذلك لتقرر بعدها ريحان التوقف فقد حان موعد نوم الصغيرة.
وضعتها بفراشها وجلست بجانبها تمسح على شعرها شاردة.
نظرت اليها اوزجي قليلا لتفصلها عن شرودها:
لم أنت حزينة؟
ابتسمت ريحان وردت:
أنا؟ لا لست حزينة حبيبتي
اعتدلت اوزجي قائلة:
لا انت كذلك هل بابا اغضبك؟
ردت ريحان:
لا حبيبتي لم يفعل حلوتي لكن كيف خطر على بالك؟ لتقول الأخرى:
مممم ها تذكرت شيء اوه كيف نسيت أنا؟
قاطعتها ريحان قائلة:
ماذا تذكرت لا تتحججي بشيء ستنامين يعني ستنامين.
وقفت اوزجي من مكانها سريعا واتجهت لمكتبها لتفتح درجها والأخرى تنظر باستفهام.
سحبت اوزجي ورقة مرسومة وذهبت لريحان لتقول:
هذه لك لقد رسمتك.
ابتسمت إليها ريحان بحب ثم أخذت الورقة وتأملتها لتقوم باحتضان الصغيرة سريعا وبقوة وهي تقول:
حبيبتي انها جميلة جدا شكرا لك
ردت اوزجي:
أي اعجبتك؟
اوومأت ريحان برأسها والسعادة تغمرها قائلة:
كثيرا حبيبتي شكرا
اوزجي بحب:
سأرسم بابا أيضا لانريد أن يغير.
ردت ريحان ضاحكة:
صح كله إلا غيرة السيد الوالد والآن تعالي للنوم لقد تأخر الوقت فتذمرت أوزجي قائلة:
حسنا تتينا استغفر الله العظيم وأتوب إليه
مر وقت بعدها نامت خلاله الصغيرة بحضن ريحان بينما هي فقط تمسح شعرها وهي بمكان بعيييد تفكر فقط به و بنقاشهم لا بل شجارهم وتلك الكلمات التي تلفظت بها هي وتلفظ بها هو لكن لحظتها لم تكن تحمل أي غل بقلبها له بل على عكس ذلك فكلماتها التي قالتها له جعلتها تجلد نفسها بسوط الندم فهي سامحته لكن ماقالته قد جعله لا يصدق انها فعلت ذلك فعلا.
قامت وعدلت الصغيرة لتتوجه الى شرفة الغرفة وأخذت تراقب الخارج عله  قد عاد إلى القصر فقد تاخر الوقت حينها لكن هو لم يفعل فقد كان وقتها بسيارته عند شاطئ البحر جالسا،تلك الحسرة التي بقلبه على ما حدث عزلته عن من حوله كليا لم يكن هناك غيره هو والبحر وتلك الكلمات.
فكر وفكر وشرد وعاد ثم تنفس بعمق يخرح حرقة فؤاده في تلك الزفرة قائلا:
فعلا هناك أخطاء مهما سعيت فلن تغتفر امير،فعين الشمس لا تغطى بغربال انت أخذت أثمن ما تمتلكه أي فتاة بالكون وبالأخص من مثلها فلا تنتظر منها أن تمحوا تلك الذكرى لانها لن تستطيع فلو استطعت انت محوها ووضعها في ذكريات النسيان لفعلت هي ثم رفع رأسه للسماء ليردد بألم داعيا ربه:
ساعدني يالله
بقيت هي واقفة مدة تراقب عودته لكنه ما فعل وقد تاخر الوقت إلى ما بعد منتصف الليل لتتاكد أنه لن يعود.
انسحبت من غرفة اوزجي حزينة وهي تردد:
بأول خلاف لنا نام بالخارج اي مسؤولية هذه أمير تارهون؟ ألن تفهم أن الحياة هكذا يوم لك ويوم عليك؟ماذا تركت لخلافاتنا المقبلة إذا؟ والله وا أسفاه حقا.
توجهت لغرفتها ووضعت هاتفها جانبا  ثم توضأت وقررت الصلاة لترتاح فلا نوم زارها حينها.
مر وقت على ذلك.
أنهت ريحان صلاتها وقرأت شيء من القرآن ثم وضعت مصحفها جانبا لتتحرك وتجلس عند سرير الغرفة،كانت تنظر لموضع نومه وهي تبكي بصمت.
مسكت حينها هاتفها ونظرت به حزينة مرددة:
حتى أنه لم يكلف خاطره ويتصل وهو الذي كان يتصل في الساعة 10مرات نعم صحيح قسوت عليه لكن لم يكن قصدي كما فهم هو من الحديث  وكلماته ايضا كانت موجعة جدا فهو يعتبرني دخيلة بينهم لقد قالها واقر بها فهو لا يعتبر سونا اختي،اف اف أكاد أختنق ثم انحنت إلى وسادته وشرعت بالبكاء بصمت.
كان أمير لا يزال بمكانه جالسا بصمت فحمل بعدها هاتفه وأظهر قمها أمامه يفكر أيتصل بها أم لا لكنه تراجع ولم يفعل ثم قام بتشغيل القرآن من هاتفه ووضعه جانبا وأخذ يستمع بتدبر إلى القرآن ويشاهد البحر بنفس الوقت ليرتاح ويخف عنه التوتر.
اقترب وقت الفجر ولم يعد هو بعد.
كانت لاتزال تنتظر عودته دون نوم لكنه لم يفعل ما جعلها تحزن اكثر لغيابه وهو الذي وعدها قبلا بأن لا يفترقا عن السرير مهما كان الخلاف لكنه باول مطب خالف وعده.
قامت من موضعها ذاك وذهبت الى سونا تتفقدها لتجدها نائمة  بهدوء  ثم عادت لغرفة الصغيرة لتنام بعد أن صلت فرضها وهي تحتضن اوزجي.
عاد أمير اخيرا إلى القصر مع نسمات الصباح التي بدأت تنبعث في أرجاء المدينة وتوجه لغرفتهم مباشرة وحين دخل للداخل لم يجدها هناك فقط هاتفها الذي كان مرميا فوق السرير فاقترب قليلا لينتبه بأن وسادته مبللة فانحنى وحملها بين يديه وقد أدرك انها بكت وكثيرا ليضم الوسادة ثم قبل موضع دمعها ليخرج زفرة قوية ويقول:
ماكنت أريد أن أبكيك ما كنت أريد
توجه بعدها لغرفة الصغيرة وفتح الباب برفق ونظر بالداخل ليجدها هناك بجانب الصغيرة نائمة ثم قام باغلاق الباب والعودة للغرفة لينام بعد مدة لكن لفترة قصيرة فقط فقد حل الصباح حينها وبدأت حركة المدينة تزداد أكثر وأكثر.
استفاق أمير فجأة على صوت هاتفها الذي وضعه هناك ثم قام بحمله ورؤية المتصل بذلك الوقت وللحظة ظن أنه كنان لكن تفاجأ بأن المتصل هو الدكتور اوزجان نظر للهاتف مطولا ليقول متذمرا:
الله الله وما سبب اتصاله بهذا الوقت ولم يتصل بزوجتي؟
بقي كذلك حتى انقطع الخط ثم رن الهاتف ثانية ليقوم هو من موضعه متجها إلى غرفة أوزجي كي يسلمها الهاتف لكن ما إن قام من موضعه حتى تفاجأ بها تدخل الغرفة.
نظرا لبعضهما لحظات باستفهام ثم انتبهت لهاتفها الذي يرن بيده فمد يده ليسلمها الهاتف قائلا:
الدكتور اوزجان يتصل ردي
أمسكت ريحان الهاتف تنظر لأمير مستفهمة ثم ردت ليقول دكتور اوزجان:
صباح الخير سيدة ريحان آسف لاتصالي بهذا الوقت المبكر آمل فقط أن لا أكون قد أزعجتك
ردت هي:
صباح الخير دكتور لا لا مشكلة اصلا كنت مستيقظة تفضل اسمعك بينما كان أمير ينظر إليها باستفهام ويفكر ليخاطب نفسه قائلا:
لقد تمادى هذا الرجل وكثيرا أيضا ليس بهذا الوقت ألا يفكر أنها نائمة بحضن زوجها؟
تحدث الدكتور عبر الهاتف قائلا:
لقد اتصلت سونا منذ قليل وأخبرتني أنها تريد مقابلة كنان ولن تهرب هذه المرة
ردت ريحان فرحة:
بهذه السرعة دكتور؟
ابتسم دكتور اوزجان وتحدث قائلا:
حتى أنا استغربت لكن ردة فعلها طبيعية ومن حماسها لم تتمكن من الإنتظار لموعد الجلسة
ردت ريحان بسعادة:
الحمد لله المهم أن تتجاوز محنتها بينما أمير ينظر من هناك يعقد حاجبيه ليقول:
ماذا هناك عشق فردت ريحان عليه سريعا قائلة:
لحظة فقط أمير ثم أكملت التحدث مع الدكتور:
ما رأيك انت دكتور؟
أجابها الدكتور أوزجان قائلا:
سنزيد من ساعات الجلسات اكثر خلال هذا الأسبوع أولا ثم نقدم على الخطوة الأهم لكن يجب أن تتابعي معي حالتها من عندك. أجابته سريعا قائلة:
أنا في خدمتك دكتور.
بينما كان أمير يردد في نفسه:
لا حول ولا قوه الا بالله وكأنني شفاف لا أرى.
تحدث الدكتور:
حسنا سيكون لنا لقاء اليوم إن شاء الله وارجو أن تحضري معها إلى العيادة أيضا.
نظرت ريحان لأمير بحزن ثم تحدثت قائلة:
آسفة دكتور بهذه النقطة سيأتي أمير عوضا عني فهو شقيقها ولست أنا أنا بالنهاية كنة فقط يعني دخيلة.
كان أمير ينظر مندهشا لما تلفظت به ثم فجأة سلمته هاتفها لتقول:
يريد التحدث إليك.
تحدث أمير مع الدكتور قليلا واتفقا على موعد الجلسات ليقفل الخط بعدها ويسلم الهاتف لريحان متذمرا.
نظرت إليه قليلا ثم أردفت قائلة:
متى عدت؟
رد أميربحنق:
ماسبب قول تلك الكلمات للدكتور؟
فهمت قصده مباشرة لترد:
أليست تلك هي الحقيقة ألست الدخيلة وسطكم؟
نظر إليها مندهشا مرددا بين شفتيه:
أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم تريد فقط سببا للشجار يبدو أن النقاش معك أصبح عقيما سأنصرف قبل أن ثم سكت.
هنا لم تتحمل ريحان أكثر ولم تقوى على الصمت بعد بل صرخت به لتقول:
قبل أن ماذا؟
أكمل لا تخف فهو مهما كان فلن يكون بقدر ما قلته أمس وبقدر اختفائك طوال الليل.
ناظرها هو بعتب ثمردف قائلا:
هناك شيء اسمه هاتف كنت تستطيعين الإتصال للاطمئنان على من يسمى زوجك لكنك طبعا لن تفعليها فهذا بالنسبة لك إهانة لكرامتك.
ردت سريعا:
لا تتهمني من جديد لكنه لم يجبها بل انسحب مباشرة ولم يعقب وخرج من القصر وركب سيارته وانطلق مسرعا غاضبا دون وجهة مححدة فقط يريد أن يهرب من ذلك النقاش الذي لا حل له.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي