الفصل الثاني عشر
انتفضت بخوف حين وصل القطار بصوته المزعج، هموا جميع الركاب بالهبوط، إستعدوا جميع المرتقبين للصعود على متن القطار، ثم غادر القطار بهم سريعاً متجها صوب الصعيد،
بعد مرور ثماني ساعات من السفر المرهق لثلاثتهم، ارتجلوا بالمحطه فتفاجأ محمد بأشقائه في إرتقابه، نادى علاء على الساعي ليحمل الحقائب ويضعها في عربة الحنطور ثم اقتربوا من بعضهم مرحبين ببعضهم، بينما عادت مروه ادراجها للخلف حاضنة ابنتها وهي محدقة فيهم خلسةً من الأسفل الي الأعلى، انتابها الهلع من حضورهم بربطة المعلم وكأنهم يستقبلون عمدة البلد؛ بعدما انهي محمد إلقاء التحيه على الجميع ومصافحتهم، التفت خلفه باحثا عن زوجته وابنته، صدم بهما واقفين يرتجفون، إقترب منهم وامسك ساعد زوجته بيد وبيده الأخرى وضعها على كتف ابنته كي يذهبوا سويا، حاولت مروه إفلات يدها منه كي تنبهه لما قالته لها بمصر، لكنه حدق بها لتكف عن المعافره وانه يفهم ماتريده هي،
عندما اقترب من العربات لاحظت لمياء بأن جميع العربات هي بحنطور وليست سيارات بموتور، رغم غناهم الفاحش لكن ظلوا على تقاليدهم وعاداتهم القديمه، لم يحبذوا فكرة إلغاء العربه بالحنطور ويشتروا سيارات جيب، خشت لمياء ان تستقلها معهم خوفا من الا تسقط، لكن اومأت لها مروه بأن تتشبث بها وتغمض عيناها لحين يصلوا، وصلوا بهم الي منزل عائلة مروه فأشار لهم محمد بالوقوف كي ينزل زوجته وابنته ثم اكمل هو طريقه بعدما تنهد لها بصوت خافض
-ادخلوا انتوا وسلمولي على الكل، وانا بعد ما اطمن على ابويا هجيب بعضي واجيلكوا.
هرولت مروه الي مدخل المنزل وأطرقت بقوة فوق الباب، ليجيبها والدها بصوت خشن
-مين، مين ال عايخبط زي الطور إكده، ياك خابط في نفوخك يالي بتخبط كيف الحمار.
حينما فتح الباب ورأي ابنته أمامه لم يصدق عيناه، قفز من الفرحه - مين مروه بتي!؟ ياحلاوه يا ولاه، اعبطي ابوكي يابت، اتوحشتك جوي ياروح جلب ابوكي، والبنته ال معاكي دي بتك ال مابعرفش انطج اسمها واصل دي؟ ادلي ادخلي دي مفاجأه مليحه جوي! طب كنتو جولوا كنا ذبحنا الذبايح وعلقنا الزينه عشان نرحب بيكو صُح.
استسرقوا أهل الدار السمع وسمعوا ما قال الحاج عبد الكريم، لكن لم يصدقوا آذانهم فهرولوا الي مدخل البيت ليتأكدوا، حينما رمقوهم واقفين أمامهم صاحوا وتعالت أصوات البهجه والسرور ثم إرتموا بحضنها واحده تلو الأخرى ويقبلونها بحفاوه، بينما كانت تحدقهم لمياء بذهول شديد وكلما كانو يقتربون منها كانت تختبئ خلف مروه اضطرابا وخجلا.
في هذه الأثناء كان قد وصل محمد والبقيه الي دوار والده، زفر بضيق فهو لم يغفر لهم خطأهم بحقه، هدأته والدته عندما هرولت اليه لترتمي في حضنه باكيه أمام المنزل
-يامراحب ياولدي اتوحشتك جوي جوي يانضري، ده ابوك هيفرح جوي لما يشوفك داخل عليه، خش.. خش ياضنايا ماتقفش بره إكده، دا بيتك ومطرحك اتفضل
جعلته امه ان يدرك أن فراره من قبل قد تناسوه تماما، ولكن كان لخوفه مبرر، أنتبه علاء ليده وهي ترتجف رهبه وخوف، ربت فوق ظهره بحنو، وأبعدها ليحدق بوجهه متنهدا وهو ممسك بكتفه وتشبث به وهمس
-يلا يا ابو حميد خلينا نخش عشان تطمَّن على ابوك، ده مستنيك من عشيه، شد ضهرك إكده ومتخافِش
وافقه الرأي محمد وهو يمسح دموعه، ثم ولج بقدمه اليمني الي الدار وتذكر معها كل دقيقه عاشها داخل المنزل، وقف شاردا للحظه فجذبته والدته بديعه وولجت به إلى غرفة نوم والده وأجلسته فوق فراشه، واتجهت صوب النافذه وفتحتها على مصرعيها لتضيئ الغرفه وتدخل عليهم هواء الصعيد العليل؛
ثم التفتت إليه وابتسمت واتجهت لتجلس بجواره، فتفاجأت به يقوم من جانب والده وهو يرمقه بحزن ولوم وعتاب وشفقة أيضا، ثم القى بنفسه باكيا على صدره وهو يعقد زراعه حول خصره، يلهث أنفاسه بصعوبه
-اتوحشتك جوي جوي يابوي، على عيني اشوفك راجد إكده، انشالله انا بدالك يا أعز الناس، ان شاء الله هتعمل العمليه وتجوم كيف الفرس، انا مش ههملك واصل لحد ما أطمن عليك
تركتهم بديعه ليتحدتوا على رواج، هبطت هي للأسفل بات الوضع كيف العرس حداهم، هنيدة تطرق على غطاء حله وتغني، بينما حريم الدار انتشروا في المكان، التي كانت تذبح الفروج، والتي تخبز البتاو، والتي ترتب له الجاعه ال هيجعدو فيها ويستريح، بعد مرور ساعة من ترك محمد مع والده عادت بديعه وبرفقتها علاء ليجلسوا برفقتهم، ربتت على ذراعه لتواسيه ودموعها محتبسة في عيناها، ثم ضمته إليها وهي واضعة يدها على رأسه من الخلف مغمضة عيناها
-يااااه ياضنايا لو تعرف جد ايه كنت بعد الليالي ال فارجتنا فيها، وعيوني على باب الدوار، اجول في عقل بالي إكده انك اكيد راجع وهتدلي عليا، نفسي تضل معانا وماتفاقنا تاني ابدا، صحيح ياولدي، امال فينها مرتك وبتك عاد، ماجوش وياك ولا إيه!؟
احتدت ملامح علاء، وحدقها بغضب
-إيه يامه سؤالك ده عاد؟ ال ياجي على رأسنا وال ما يجاشي انشالله عن ابوه ماجه، غيري السيره دي وماتعكريش مزاجنا على الصبح أمال، ده دي!
أحتضنت بديعه ولدها الذي أنهار باكياً، وتطلعت إلى علاء بملامحها المعذبه، بعدما تفاقم ألمها ولم تعد تتحمله من قسوة ولدها الصغير، جزعت بديعه وتناست تمزق قلبها، وأرتمت بجوار محمد متشبثه بيده، ويداها الآخرى تجول فوق وجهه، تربت فوق وجنته حيناً وتمسح جبينه، وعبراتها تنهمر بينما همساتها الملتاعة عليه تخبره
-محمد ياولدي ماتشتغلش راسك بحديت اخوك الصغير، انت خابره زين لسانه طويل بس قلبه ابيض كيف الحليب، ماتزعلش منه عشان خاطر امك، جولي بقى مرتك وبتك ادلوا معاك على الصعيد ولا لساتهم ببلاد البندر؟
وضع محمد رأسه فوق صدرها يبكي، ويناشدها أن تستمع له دون أن تغضب منه
-فاكره يامه ال حُصل مع مرتي زمان، هي بقى مش جادره تنساه لحديت النهارده، طلبت مني اوديها عند اهلها هي وبتنا وانا وافقت، عشان مش عاوز وجع راس، المهم دلوقيت نطمن على أبوي ونحدد مع الدكتور ميعاد العمليه، عشان هو يرتاح وكمان عشان ماتأخرش على شغلي كتير لهيروح مني وابقى خسرت كل حاجه، وانا ما صدقت وقفت على رجلي وبقي ليا وظيفه محترمه.
تلاشى صوت بديعه وأستنفذ نحيبه قواها، ومن مكانها رأت حالة همام، فجثت بجواره ومررت كفهت برفق فوق رأسه، حينها رفع همام رأسه وحدق بها وكافح ليخبرها
-ماتقلقيش ياام محمد انا منيح، قومي خدي ولدك وحطيله وكل الا تلاقيه على لحم بطنه من امبارح، وهملوني لحالي لجل ارتاح شويه لحد الدكتور ماياجي في العصريه.
بات أنهياره يهدد بتجدد أزمته الصحية، فأنتشله محمد بعيداً عن الفراش، وسط صرخات رفضه ونحيبه، وسارع علاء وبديعه يحملان جسد همام الذي سكن تماماً، إلى خارج الغرفه ليتستنشق بعض الهواء
وأمام عيناه ولج محمد الي الغرفه مرة ثانيه وقام بنزع الغطاء عن الفراش وقام بتبديله بآخر نظيف، أعاد ترتيب الغرفه وقام بتعطيرها، حينما ولجت زوجة أخيه لتساعده رفع يده في وجهها كي تترك ما بيدها زافرا وأجفل
-بعد اذنك سيبي من يدك واطلعي بره اجعدي جار جوزك، انا هنظف أوضة ابوي بنفسي ومستغني عن مساعدة اي حد.
باتت القلوب تأن جزعاً، والدموع تذرف فرحا، على صوت محمد الذي دب في الدوار من جديد وكأنه أعاد له الحياه، فالنسيان جمعهما كأغراب،
لا يمحو الزمان ذكرى، ولا يُنسي الفراق حباً، فالمقدر بين القلوب يدوم، وستبقى الألفه والمحبة بينهم رغم كل الصعاب التي واجهوها
لم تبرح بديعه مكانها بجواره، رافقته كظله وتدعو الله أن يتذكر بعض الذكريات المُفرحه وأن يحيوا مع بعضهم من جديد، فهي لن تتحمل أن يتركها ويغادر مرة أخرى، وهو يراهم غرباء عنه، بينما أضحت علاقته بهمام مثالية، فاقترح ان ينام بجانبه لليلة واحده على الأقل، هز همام رأسه بالموافقه.
بعد أن تأكد محمد من نوم والده، جلس يحدق بملامحه، ويتسائل كيف كانت ستكون حياتي لو لم أرى أبي مرة أخرى قبل وفاته، هل سيستعيد محمد ذكرياته المُفرحه ويعود إليهم ليقطن برفقتهم من جديد، ، أم كُتب عليه الحرمان والغربه؟، حتى وهي قاب قوسين أو أدنى منه!.
ثم نهض من جانبه بهدوء وعاد إلى غرفته القديمه وولجت معه بديعه، فظل يرمق الحوائط باشتياق وفتح دولاب ملابسه وظل يرمق كل عباءه منهم وقميص بابتسامه هادئه لكل زي منهم له معه ذكرى، فالتفتت إلى والدته وقال وهو يحدق بوجهها بسعادة ودهشه
-ياه أنا مش مصدق إني رجعت لداري واوضتي يامه، كل حاجه زي ماهيا، حاسس اكني لسه مهملها امبارح
أقتربت بديعه منه وأحاطته وهمست بصوت حنون
- نورت بيتك يانضري، ونورت قلبي وحياتي، بس عارف أنا بفكر أبعت اجيب مرتك وبتك يقعدوا معانا، لأن مايصُحش تبقى انت هنا وهم جاهدين هناك لحالهم، تبقى عيبه في وشنا ياابني.
وضع محمد كفيه على اكتافها
- يعني أفهم من كلامك إنك عايزانا نرجع ونعيش معاكوا تاني يامه؟ ومش عايزانى اسافر وافارقكوا من اول وجديد!
قرضت أذنه وعاتبته بعيناها وقالت
- أنا مش هرد على كلامك ده دلوقتي، بس هخليك تشوف بعينك احنا كلنا في الدار دي عايزين ايه مش انا بس.
تهرب منها فلاحقته وسط ضحكاته لتقبض عليه في النهايه فمسح وجهه بكفيه وتطلع إليها قائلاً
-طيب يامه نشوف الموضوع ده بعدين، أنا هاوصل كده لحديت بيت حمايا، هطل على مرتي وبتي واجعد معاهم جد ساعتين أكده لحد ميعاد الدكتور ماياجي ولو عرفت اجيب لمياء معايا نجيبها
ضحكت بديعه لتوصل اليه بأنها تتمنى جلوسه معهم على الرحب والسعه وعقبت
-طيب ياضنايا وصل سلامي لمرتك وأهلها، وجولها اننا في انتظارها تيجي تشقر علينا ده انا امها بردك.
زم محمد شفتيه فأقتربت منه ولمست وجهه وقالت
- لو تحب أنا هنادم علي اخوك ياجي معاك بالكارته ويوصلك لهناك بدل ماتمشي على رجليك، او تأخذها انت وتعاود بيها ولا ما بقيتش بتعرف تسوجها!؟
قبلها سريعاً قبل أن يغادر بعدما عطاها اجابته بصوت منخفض
-معلاهش يامه سبيني على راحتي، عايز اتمشى في البلد وحشَتني وناسها وحشوني، عايز اشوف جد إييه اتبدلت.
مررت أناملها فوق وجنته وأبتسمت بحنان وقالت
-طيب ياضنايا ال يريحك، بس ماتعوأش عشان لما نحط الوكل، نجعدوا كلنا زي زمان ناكل مع بعضينا.
أسرع محمد في مشيته مغادرا المنزل لان حكيات امه ليس لها نهايه، ثم ظل يرمق بعيناه أحوال البلد ولاحظ بأنه تغيرت كثيرا وظهر فيها أشخاص لم يراهم من قبل او كانو صغارا في الماضي وكبروا فلم يتعرف عليهم، لحين وصل إلى منزل حماه، طرق الباب وولج بعدما رحبوا به أهل الدار، ثم القى التحيه على الجميع، هرولت اليه لمياء وألقت بنفسها بحضنه وهي تشرع رأسها ترمقه باشتياق ومالت نحوه وغمزت بدورها وقالت
-حبيبي يابابا وحشتني، امبارح ماعرفتش انام خالص من الناموس الكتير ال هنا، وكمان لأنك مش موجود معانا، طمني عليك صحتك عامله ايه وجدو عامل ايه الوقتي؟
أدرك محمد أنه كاد ان يخسرهم لو وافق والدته على رأيها، رمقها مرة أخرى بنظراته الهادئة تلك وهز رأسه باستسلام وقال
-ياحبيبتي مااقدرش ابعد عنكوا بس انتو ال ماحبيتوش تيجوا معايا، بس لو حابه اخدك معايا وانا ماشي، لأن جدك تعبان والدكتور جاي يشوفه بعد العصر عشان يحدد له ميعاد العمليه.
أبتلعت مروه لعابها، وهي تستمع لزوجها مع البقيه، وبعد دقيقة فصمت قبلتها له وتنفست بقوة لاوية شفاهها قائلةً
-ربنا يشفيه ويعافيه يامحمد يارب، اتغديت ولا اقوم احط لك تاكل؟
كاد محمد ان يجيبها بالرفض فقاطعه الحاج عبد الكريم، ووقف سريعاً و وأجلسه مكانه وهو ملتفت لابنته بسخط وتحدث إليها ساخرا
-إيه يابتي! هو حد بيسأل حد كده، على رأي المثل.. جعان أفتلك، جومي فزي من مكانك حضري لجوزك الوكل واجعدي كلي معاه، لأجل تفتحي نفسَّه.
دمعت عينا لمياء رغماً عنها حينما تذكرت صديقتها بيسان، وحاولت أن تخفي تلك الدموع، ولكن إحداها غافلتها ولامست وجنة محمد، فأبعدها عنه ونظر لها بدهشة، وسألها وهو يمسح تلك الدمعة
-حبيبتي أنتِ ليه بتبكي دلوقتي!؟
قبلت لمياء يده وأحتضنته وقالت
-دي دموع الفرح وخوف في نفس الوقت يابابا، فرحان إني موجوده مع عيلتي، بس خايفه نفضل هنا وما ارجعش لحياتي وصاحبتي في القاهره لاني اتعودت على الحياه هناك، فمش هعرف بأي شكل اتأقلم على المعيشه هنا.
وضع يده فوق شفتيها وهزت رأسها بالنفي وقال
-ماتقلقيش ياحبيبتي مفيش اي حاجه هتتغير، احنا بس نطمن على جدك وبعدها هنرجع كلنا لحياتنا هناك.
شردت عنه بحياتها التي أستمرت قرابة الثمان سنوات! شهقت أنفاسها نادمةً على أنها لم يجول بخاطرها على الإطلاق التواصل مع أي من أقاربها لتقترب منهم، فرت دموعها رغما عنها لأنها أحست بالفعل انها اجنبية بالنسبة لهم، أسفةً على سنواتها الماضية، التي ضاعت هُباء، ليتها كانت لها شقيقه او شقيق كي تندمج معه وسط العائله، أو ابنة خاله او عمه تحتويها بحنو وتحثها على صلة الرحم ليتها وليتها ولكنها باتت تدرك أنها لن تستطيع تغيير ماضيها، أما حاضرها ومستقبلها فهي نعلم كيف ستحياهم، ستبقى بجوار الله وتتمسك بحبل العائله من جديد حتى لا تُضل سبيلها أبداً
في هذه الأثناء كان شقيقة أيمن هي وأسرتها بين رحاب مكة مكثا، أدوا مناسك الحج، وها هم يقفوا أمام الكعبة، جنباً إلى جنب، يحدقون بها بعيون باكية، ولسانهم يلهج بذكر الله، تارة مستغفراً وتارة حامداً، وتارة مصلياً على رسول الله، بعدما أنهى علياء ومصطفى صلاتهما الأخيرة في ساحة الكعبة، تطلعت إليه وقالت
-ممكن تليفونك ياحبيبي، عايز اتصل بأيمن اخويا عشان كان موصيني اتصل به وانا قدام الكعبه عشان يدعي بال بيتمناه.
أومأ إليها مصطفى بمحبة وأجابها
- أكيد يا ام أيسل، استنى انا هاتصل ليكي به،
تفاجأ ايمن بالكعبه أمام ناظره، اغرورقت عيناه بالدموع وهو يلقى التحيه على شقيقته وزوجها ثم توجه بنظره لأعلى الكعبه داعيا متزللا مناجيا لانه لم يصدق انه موجود بقلبه في أطهر مكان فالأرض، قلبه كان ينتفض ويقفز من السعاده، كان أول دعاء له بأن يرحم والداه ويجمعهم ببعض في الجنه، ثم دعي لإبنته بيسان بالزوج الصالح الذي يسعد قلبها وحياتها..
بعد مرور ثماني ساعات من السفر المرهق لثلاثتهم، ارتجلوا بالمحطه فتفاجأ محمد بأشقائه في إرتقابه، نادى علاء على الساعي ليحمل الحقائب ويضعها في عربة الحنطور ثم اقتربوا من بعضهم مرحبين ببعضهم، بينما عادت مروه ادراجها للخلف حاضنة ابنتها وهي محدقة فيهم خلسةً من الأسفل الي الأعلى، انتابها الهلع من حضورهم بربطة المعلم وكأنهم يستقبلون عمدة البلد؛ بعدما انهي محمد إلقاء التحيه على الجميع ومصافحتهم، التفت خلفه باحثا عن زوجته وابنته، صدم بهما واقفين يرتجفون، إقترب منهم وامسك ساعد زوجته بيد وبيده الأخرى وضعها على كتف ابنته كي يذهبوا سويا، حاولت مروه إفلات يدها منه كي تنبهه لما قالته لها بمصر، لكنه حدق بها لتكف عن المعافره وانه يفهم ماتريده هي،
عندما اقترب من العربات لاحظت لمياء بأن جميع العربات هي بحنطور وليست سيارات بموتور، رغم غناهم الفاحش لكن ظلوا على تقاليدهم وعاداتهم القديمه، لم يحبذوا فكرة إلغاء العربه بالحنطور ويشتروا سيارات جيب، خشت لمياء ان تستقلها معهم خوفا من الا تسقط، لكن اومأت لها مروه بأن تتشبث بها وتغمض عيناها لحين يصلوا، وصلوا بهم الي منزل عائلة مروه فأشار لهم محمد بالوقوف كي ينزل زوجته وابنته ثم اكمل هو طريقه بعدما تنهد لها بصوت خافض
-ادخلوا انتوا وسلمولي على الكل، وانا بعد ما اطمن على ابويا هجيب بعضي واجيلكوا.
هرولت مروه الي مدخل المنزل وأطرقت بقوة فوق الباب، ليجيبها والدها بصوت خشن
-مين، مين ال عايخبط زي الطور إكده، ياك خابط في نفوخك يالي بتخبط كيف الحمار.
حينما فتح الباب ورأي ابنته أمامه لم يصدق عيناه، قفز من الفرحه - مين مروه بتي!؟ ياحلاوه يا ولاه، اعبطي ابوكي يابت، اتوحشتك جوي ياروح جلب ابوكي، والبنته ال معاكي دي بتك ال مابعرفش انطج اسمها واصل دي؟ ادلي ادخلي دي مفاجأه مليحه جوي! طب كنتو جولوا كنا ذبحنا الذبايح وعلقنا الزينه عشان نرحب بيكو صُح.
استسرقوا أهل الدار السمع وسمعوا ما قال الحاج عبد الكريم، لكن لم يصدقوا آذانهم فهرولوا الي مدخل البيت ليتأكدوا، حينما رمقوهم واقفين أمامهم صاحوا وتعالت أصوات البهجه والسرور ثم إرتموا بحضنها واحده تلو الأخرى ويقبلونها بحفاوه، بينما كانت تحدقهم لمياء بذهول شديد وكلما كانو يقتربون منها كانت تختبئ خلف مروه اضطرابا وخجلا.
في هذه الأثناء كان قد وصل محمد والبقيه الي دوار والده، زفر بضيق فهو لم يغفر لهم خطأهم بحقه، هدأته والدته عندما هرولت اليه لترتمي في حضنه باكيه أمام المنزل
-يامراحب ياولدي اتوحشتك جوي جوي يانضري، ده ابوك هيفرح جوي لما يشوفك داخل عليه، خش.. خش ياضنايا ماتقفش بره إكده، دا بيتك ومطرحك اتفضل
جعلته امه ان يدرك أن فراره من قبل قد تناسوه تماما، ولكن كان لخوفه مبرر، أنتبه علاء ليده وهي ترتجف رهبه وخوف، ربت فوق ظهره بحنو، وأبعدها ليحدق بوجهه متنهدا وهو ممسك بكتفه وتشبث به وهمس
-يلا يا ابو حميد خلينا نخش عشان تطمَّن على ابوك، ده مستنيك من عشيه، شد ضهرك إكده ومتخافِش
وافقه الرأي محمد وهو يمسح دموعه، ثم ولج بقدمه اليمني الي الدار وتذكر معها كل دقيقه عاشها داخل المنزل، وقف شاردا للحظه فجذبته والدته بديعه وولجت به إلى غرفة نوم والده وأجلسته فوق فراشه، واتجهت صوب النافذه وفتحتها على مصرعيها لتضيئ الغرفه وتدخل عليهم هواء الصعيد العليل؛
ثم التفتت إليه وابتسمت واتجهت لتجلس بجواره، فتفاجأت به يقوم من جانب والده وهو يرمقه بحزن ولوم وعتاب وشفقة أيضا، ثم القى بنفسه باكيا على صدره وهو يعقد زراعه حول خصره، يلهث أنفاسه بصعوبه
-اتوحشتك جوي جوي يابوي، على عيني اشوفك راجد إكده، انشالله انا بدالك يا أعز الناس، ان شاء الله هتعمل العمليه وتجوم كيف الفرس، انا مش ههملك واصل لحد ما أطمن عليك
تركتهم بديعه ليتحدتوا على رواج، هبطت هي للأسفل بات الوضع كيف العرس حداهم، هنيدة تطرق على غطاء حله وتغني، بينما حريم الدار انتشروا في المكان، التي كانت تذبح الفروج، والتي تخبز البتاو، والتي ترتب له الجاعه ال هيجعدو فيها ويستريح، بعد مرور ساعة من ترك محمد مع والده عادت بديعه وبرفقتها علاء ليجلسوا برفقتهم، ربتت على ذراعه لتواسيه ودموعها محتبسة في عيناها، ثم ضمته إليها وهي واضعة يدها على رأسه من الخلف مغمضة عيناها
-يااااه ياضنايا لو تعرف جد ايه كنت بعد الليالي ال فارجتنا فيها، وعيوني على باب الدوار، اجول في عقل بالي إكده انك اكيد راجع وهتدلي عليا، نفسي تضل معانا وماتفاقنا تاني ابدا، صحيح ياولدي، امال فينها مرتك وبتك عاد، ماجوش وياك ولا إيه!؟
احتدت ملامح علاء، وحدقها بغضب
-إيه يامه سؤالك ده عاد؟ ال ياجي على رأسنا وال ما يجاشي انشالله عن ابوه ماجه، غيري السيره دي وماتعكريش مزاجنا على الصبح أمال، ده دي!
أحتضنت بديعه ولدها الذي أنهار باكياً، وتطلعت إلى علاء بملامحها المعذبه، بعدما تفاقم ألمها ولم تعد تتحمله من قسوة ولدها الصغير، جزعت بديعه وتناست تمزق قلبها، وأرتمت بجوار محمد متشبثه بيده، ويداها الآخرى تجول فوق وجهه، تربت فوق وجنته حيناً وتمسح جبينه، وعبراتها تنهمر بينما همساتها الملتاعة عليه تخبره
-محمد ياولدي ماتشتغلش راسك بحديت اخوك الصغير، انت خابره زين لسانه طويل بس قلبه ابيض كيف الحليب، ماتزعلش منه عشان خاطر امك، جولي بقى مرتك وبتك ادلوا معاك على الصعيد ولا لساتهم ببلاد البندر؟
وضع محمد رأسه فوق صدرها يبكي، ويناشدها أن تستمع له دون أن تغضب منه
-فاكره يامه ال حُصل مع مرتي زمان، هي بقى مش جادره تنساه لحديت النهارده، طلبت مني اوديها عند اهلها هي وبتنا وانا وافقت، عشان مش عاوز وجع راس، المهم دلوقيت نطمن على أبوي ونحدد مع الدكتور ميعاد العمليه، عشان هو يرتاح وكمان عشان ماتأخرش على شغلي كتير لهيروح مني وابقى خسرت كل حاجه، وانا ما صدقت وقفت على رجلي وبقي ليا وظيفه محترمه.
تلاشى صوت بديعه وأستنفذ نحيبه قواها، ومن مكانها رأت حالة همام، فجثت بجواره ومررت كفهت برفق فوق رأسه، حينها رفع همام رأسه وحدق بها وكافح ليخبرها
-ماتقلقيش ياام محمد انا منيح، قومي خدي ولدك وحطيله وكل الا تلاقيه على لحم بطنه من امبارح، وهملوني لحالي لجل ارتاح شويه لحد الدكتور ماياجي في العصريه.
بات أنهياره يهدد بتجدد أزمته الصحية، فأنتشله محمد بعيداً عن الفراش، وسط صرخات رفضه ونحيبه، وسارع علاء وبديعه يحملان جسد همام الذي سكن تماماً، إلى خارج الغرفه ليتستنشق بعض الهواء
وأمام عيناه ولج محمد الي الغرفه مرة ثانيه وقام بنزع الغطاء عن الفراش وقام بتبديله بآخر نظيف، أعاد ترتيب الغرفه وقام بتعطيرها، حينما ولجت زوجة أخيه لتساعده رفع يده في وجهها كي تترك ما بيدها زافرا وأجفل
-بعد اذنك سيبي من يدك واطلعي بره اجعدي جار جوزك، انا هنظف أوضة ابوي بنفسي ومستغني عن مساعدة اي حد.
باتت القلوب تأن جزعاً، والدموع تذرف فرحا، على صوت محمد الذي دب في الدوار من جديد وكأنه أعاد له الحياه، فالنسيان جمعهما كأغراب،
لا يمحو الزمان ذكرى، ولا يُنسي الفراق حباً، فالمقدر بين القلوب يدوم، وستبقى الألفه والمحبة بينهم رغم كل الصعاب التي واجهوها
لم تبرح بديعه مكانها بجواره، رافقته كظله وتدعو الله أن يتذكر بعض الذكريات المُفرحه وأن يحيوا مع بعضهم من جديد، فهي لن تتحمل أن يتركها ويغادر مرة أخرى، وهو يراهم غرباء عنه، بينما أضحت علاقته بهمام مثالية، فاقترح ان ينام بجانبه لليلة واحده على الأقل، هز همام رأسه بالموافقه.
بعد أن تأكد محمد من نوم والده، جلس يحدق بملامحه، ويتسائل كيف كانت ستكون حياتي لو لم أرى أبي مرة أخرى قبل وفاته، هل سيستعيد محمد ذكرياته المُفرحه ويعود إليهم ليقطن برفقتهم من جديد، ، أم كُتب عليه الحرمان والغربه؟، حتى وهي قاب قوسين أو أدنى منه!.
ثم نهض من جانبه بهدوء وعاد إلى غرفته القديمه وولجت معه بديعه، فظل يرمق الحوائط باشتياق وفتح دولاب ملابسه وظل يرمق كل عباءه منهم وقميص بابتسامه هادئه لكل زي منهم له معه ذكرى، فالتفتت إلى والدته وقال وهو يحدق بوجهها بسعادة ودهشه
-ياه أنا مش مصدق إني رجعت لداري واوضتي يامه، كل حاجه زي ماهيا، حاسس اكني لسه مهملها امبارح
أقتربت بديعه منه وأحاطته وهمست بصوت حنون
- نورت بيتك يانضري، ونورت قلبي وحياتي، بس عارف أنا بفكر أبعت اجيب مرتك وبتك يقعدوا معانا، لأن مايصُحش تبقى انت هنا وهم جاهدين هناك لحالهم، تبقى عيبه في وشنا ياابني.
وضع محمد كفيه على اكتافها
- يعني أفهم من كلامك إنك عايزانا نرجع ونعيش معاكوا تاني يامه؟ ومش عايزانى اسافر وافارقكوا من اول وجديد!
قرضت أذنه وعاتبته بعيناها وقالت
- أنا مش هرد على كلامك ده دلوقتي، بس هخليك تشوف بعينك احنا كلنا في الدار دي عايزين ايه مش انا بس.
تهرب منها فلاحقته وسط ضحكاته لتقبض عليه في النهايه فمسح وجهه بكفيه وتطلع إليها قائلاً
-طيب يامه نشوف الموضوع ده بعدين، أنا هاوصل كده لحديت بيت حمايا، هطل على مرتي وبتي واجعد معاهم جد ساعتين أكده لحد ميعاد الدكتور ماياجي ولو عرفت اجيب لمياء معايا نجيبها
ضحكت بديعه لتوصل اليه بأنها تتمنى جلوسه معهم على الرحب والسعه وعقبت
-طيب ياضنايا وصل سلامي لمرتك وأهلها، وجولها اننا في انتظارها تيجي تشقر علينا ده انا امها بردك.
زم محمد شفتيه فأقتربت منه ولمست وجهه وقالت
- لو تحب أنا هنادم علي اخوك ياجي معاك بالكارته ويوصلك لهناك بدل ماتمشي على رجليك، او تأخذها انت وتعاود بيها ولا ما بقيتش بتعرف تسوجها!؟
قبلها سريعاً قبل أن يغادر بعدما عطاها اجابته بصوت منخفض
-معلاهش يامه سبيني على راحتي، عايز اتمشى في البلد وحشَتني وناسها وحشوني، عايز اشوف جد إييه اتبدلت.
مررت أناملها فوق وجنته وأبتسمت بحنان وقالت
-طيب ياضنايا ال يريحك، بس ماتعوأش عشان لما نحط الوكل، نجعدوا كلنا زي زمان ناكل مع بعضينا.
أسرع محمد في مشيته مغادرا المنزل لان حكيات امه ليس لها نهايه، ثم ظل يرمق بعيناه أحوال البلد ولاحظ بأنه تغيرت كثيرا وظهر فيها أشخاص لم يراهم من قبل او كانو صغارا في الماضي وكبروا فلم يتعرف عليهم، لحين وصل إلى منزل حماه، طرق الباب وولج بعدما رحبوا به أهل الدار، ثم القى التحيه على الجميع، هرولت اليه لمياء وألقت بنفسها بحضنه وهي تشرع رأسها ترمقه باشتياق ومالت نحوه وغمزت بدورها وقالت
-حبيبي يابابا وحشتني، امبارح ماعرفتش انام خالص من الناموس الكتير ال هنا، وكمان لأنك مش موجود معانا، طمني عليك صحتك عامله ايه وجدو عامل ايه الوقتي؟
أدرك محمد أنه كاد ان يخسرهم لو وافق والدته على رأيها، رمقها مرة أخرى بنظراته الهادئة تلك وهز رأسه باستسلام وقال
-ياحبيبتي مااقدرش ابعد عنكوا بس انتو ال ماحبيتوش تيجوا معايا، بس لو حابه اخدك معايا وانا ماشي، لأن جدك تعبان والدكتور جاي يشوفه بعد العصر عشان يحدد له ميعاد العمليه.
أبتلعت مروه لعابها، وهي تستمع لزوجها مع البقيه، وبعد دقيقة فصمت قبلتها له وتنفست بقوة لاوية شفاهها قائلةً
-ربنا يشفيه ويعافيه يامحمد يارب، اتغديت ولا اقوم احط لك تاكل؟
كاد محمد ان يجيبها بالرفض فقاطعه الحاج عبد الكريم، ووقف سريعاً و وأجلسه مكانه وهو ملتفت لابنته بسخط وتحدث إليها ساخرا
-إيه يابتي! هو حد بيسأل حد كده، على رأي المثل.. جعان أفتلك، جومي فزي من مكانك حضري لجوزك الوكل واجعدي كلي معاه، لأجل تفتحي نفسَّه.
دمعت عينا لمياء رغماً عنها حينما تذكرت صديقتها بيسان، وحاولت أن تخفي تلك الدموع، ولكن إحداها غافلتها ولامست وجنة محمد، فأبعدها عنه ونظر لها بدهشة، وسألها وهو يمسح تلك الدمعة
-حبيبتي أنتِ ليه بتبكي دلوقتي!؟
قبلت لمياء يده وأحتضنته وقالت
-دي دموع الفرح وخوف في نفس الوقت يابابا، فرحان إني موجوده مع عيلتي، بس خايفه نفضل هنا وما ارجعش لحياتي وصاحبتي في القاهره لاني اتعودت على الحياه هناك، فمش هعرف بأي شكل اتأقلم على المعيشه هنا.
وضع يده فوق شفتيها وهزت رأسها بالنفي وقال
-ماتقلقيش ياحبيبتي مفيش اي حاجه هتتغير، احنا بس نطمن على جدك وبعدها هنرجع كلنا لحياتنا هناك.
شردت عنه بحياتها التي أستمرت قرابة الثمان سنوات! شهقت أنفاسها نادمةً على أنها لم يجول بخاطرها على الإطلاق التواصل مع أي من أقاربها لتقترب منهم، فرت دموعها رغما عنها لأنها أحست بالفعل انها اجنبية بالنسبة لهم، أسفةً على سنواتها الماضية، التي ضاعت هُباء، ليتها كانت لها شقيقه او شقيق كي تندمج معه وسط العائله، أو ابنة خاله او عمه تحتويها بحنو وتحثها على صلة الرحم ليتها وليتها ولكنها باتت تدرك أنها لن تستطيع تغيير ماضيها، أما حاضرها ومستقبلها فهي نعلم كيف ستحياهم، ستبقى بجوار الله وتتمسك بحبل العائله من جديد حتى لا تُضل سبيلها أبداً
في هذه الأثناء كان شقيقة أيمن هي وأسرتها بين رحاب مكة مكثا، أدوا مناسك الحج، وها هم يقفوا أمام الكعبة، جنباً إلى جنب، يحدقون بها بعيون باكية، ولسانهم يلهج بذكر الله، تارة مستغفراً وتارة حامداً، وتارة مصلياً على رسول الله، بعدما أنهى علياء ومصطفى صلاتهما الأخيرة في ساحة الكعبة، تطلعت إليه وقالت
-ممكن تليفونك ياحبيبي، عايز اتصل بأيمن اخويا عشان كان موصيني اتصل به وانا قدام الكعبه عشان يدعي بال بيتمناه.
أومأ إليها مصطفى بمحبة وأجابها
- أكيد يا ام أيسل، استنى انا هاتصل ليكي به،
تفاجأ ايمن بالكعبه أمام ناظره، اغرورقت عيناه بالدموع وهو يلقى التحيه على شقيقته وزوجها ثم توجه بنظره لأعلى الكعبه داعيا متزللا مناجيا لانه لم يصدق انه موجود بقلبه في أطهر مكان فالأرض، قلبه كان ينتفض ويقفز من السعاده، كان أول دعاء له بأن يرحم والداه ويجمعهم ببعض في الجنه، ثم دعي لإبنته بيسان بالزوج الصالح الذي يسعد قلبها وحياتها..