الفصل ٧

دخلت سلوان الى الغرفة بسرعة مغلقة الباب خلفها وهي تلهث بشدة مما جعل عامر يستدير عن المرآة ناظرا إاليها بدهشة مقطبا جبينه ثم سألها بقلق
ماذا حدث ؟! هل أصاب مكروه روان ؟!
هتفت لاهثة
بعيد الشر روان بخير , لكن حين نزلت وجدت رجلا عند الباب
اتسعت عينا عامر وهو يهدر قائلا بغضب
رأى شعرك ؟!
ودون أن ينتظر منها جوابا كان قد اندفع للباب وهو يدفعها ليخرج صارخا فيها
الا عينين لديكِ كي تلمحينه من أعلى السلم ؟!
ثم خرج تاركا إياها ترتعش مكانها بينما نزل السلالم كل درجتين معا الى أن أبصر شغف فصرخ فيها بعنف
من أحضرتِ معكِ للبيت , وكيف تدخلينه بهذا الشكل دون استئذان !
كتفت شغف ذراعيها وهي تواجه عامر قائلة ببرود
وهل أحتاج لإذن كي أحضر زوجي معي الى بيتٍ يخصني كما يخصكم ! ثم أنك لم تذكر أنك تحضر نساءًا الى البيت وتخفيهن في غرفة نومك ! ترى لماذا ارتعبت الى هذا الحد ؟! هل هي متزوجة ؟!
هدر فيها عامر صارخا بوحشية
اخرسي يا شغف وكفي عن سفالتك من تتكلمين عنها هي زوجتي
ارتفع حاجباها بدهشة بينما اقترب منه خاطر ليقول بحدة
لا أسمح لك أن تصرخ فيها بهذا الشكل
راقبه عامر مليا بعينين ناريتين ثم أدرك أنه يتذكر هذه الملامح من لوحة سبق ورسمتها شغف ورآها
فنقل عينيه الغاضبتين إليها وقال ببطء
اذن هذا هو !
رفعت ذقنها أكثر وبادلته النظر بصلف قائلة
هل لديك مانع ؟!
صرخ عامر فيها بغضب
لدي ألف مانع أريد هذا الرجل خارج بيتي و بيت زوجتي الآن
مالت شغف بوجهها إليه وسألت ببرود
وإن لم يخرج ؟!
صرخ عامر وهو يدفع خاطر للخارج
اذن سأخرجه بنفسي
الا أن خاطر هدر فيه وهو يمسك بقميصه
أنا تحملت من هذه العائلة العفنة أكثر مما تحملت في حياتي كلها , فلا تجعلني أشفي حقدي من جميع أفرادها في شخصك الكريم
صرخت سلوان من أعلى السلم وقد وضعت حجابها
عامر لا تفعل أرجوك
التفت عامر ناظرا إليها صارخا بجنون
اصعدي لأعلى لا أريد أن أراكِ هنا
لكنها لم تمتثل لأمره , بل نزلت السلم جريا و أمسكت به تترجاه بتوسل
أرجوك يا عامر الخطأ خطأي , أنا من كنت شاردة الذهن عند نزولي

ما الذي يحدث هنا ؟!
صوت ذاهل قاطع ارتج في المكان فالتفتوا جميعا لباب البيت حيث يقف علام داشاي ينظر إليهم بصدمة محاولا استيعاب ما يراه بينما سارع السائق بوضع حقيبته الخاصة الصغيرة على إحدى الطاولات ثم غادر مسرعا مغلقا الباب خلفه بكل تهذيب
دفع خاطر قبضتي عامر عنه بغضب بينما تكلم علام داشاي بصوتٍ لا يزال يحمل الذهول
لثالث مرة أراك تتشابك بالأيدي كالرعاع ! لكن هذه المرة تفوقت على السابقات , هنا في بيتي و مع من ؟! هذا الحثالة ؟!
ثم التفت الى شغف سائلا وهو يشير الى خاطر بنبرة غريبة خطير
ما الذي أتى به الى هنا مجددا ؟! ألم أطردك من هذا البيت نهائيا ؟!
أمام عيني خاطر رأى عينيها تبرقان تماما كالمرة السابقة وقالت بهدوء بارد
لا أحد يُطرد من بيته يا خالي
صرخ علام بعنف و جنون
إن أردتِ البقاء هنا , فلتبقين بمفردك أما هذا الوضيع فليخرج حالا
وبينما كان يصرخ استقرت عيناه على سلوان فجأة وهي تنظر إليه شاحبة الوجه ممسكة بذراع عامر فأشار إليها قائلا بصرامة وهو ينظر الى ساعة معصمه
أنتِ ماذا تفعلين هنا حتى هذه الساعة ؟! ألم ينتهي عملك في المطبخ منذ وقت طويل ؟!
تذكرت شغف كلام عامر عن سيدة ستأتي لتطبخ منذ فترة فقالت مبتسمة
الطباخة ! هذا جديد
رمقها عامر بنظرةٍ قاتلة قبل أن ينظر الى والده ممسكا بكف سلوان مشددا على كل حرف
لقد تزوجت سلوان بالأمس
فغر علام فمه بدهشةٍ مذهولا ذهولا أكبر وأعظم فاختارت شغف في هذه اللحظة أن تضرب على الحديد وهو ساخن فقالت بهدوء
أما عن خاطر فأردت أن أوضح لك شيئا يا خالي حين قلت أن لا أحد يُطرد من بيته فقد كنت أقصده هو , فقد قمت بتسجيل الجزء الذي ورثته عن أمي لخاطر أي أنه الآن مالك من ملاك هذا البيت
لم يرد علام عليها بل اتسعت عيناه أكثر وأكثر حتى بدت نظراته مرعبة وهو ينقلها بين أربعتهم
ودون كلمة واحدة اتجه الى غرفة مكتبه
فتنهدت شغف مبتسمة ببرود و هي تقول ببساطة تهز كتفها
أعتذر لإفسادنا ليلة زفافكما بهذا الشكل مؤكد أردتما الانفراد
همس عامر من بين أسنانه
اخرسي يا شغف إن كنتِ تعرفين مصلحتك
لم يحاول خاطر التدخل هذه المرة , فهي تستحق أن تؤمر بالخرس فعلا مما جعله يغمض عينيه وهو يعض على أسنانه بغيظ من هذا الموقف الذي يقفه في تلك اللحظة
لكن صوت صرخة من المدعوة سلوان جعله يستدير بسرعة ليفاجأ بعلام داشاي يخرج رافعا مسدسا بقبضته وهو يهدر عاليا
اخرجوا من بيتي يا حثالة البشر
دون تفكير منهما كان خاطر قد اندفع ليجذب شغف خلف ظهره ليخفيها تماما بينما انقض عامر على ذراع والده ممسكا بها يرفعها لأعلى مما جعل طلقة تنطلق في الهواء لتخترق السقف العالي .
صرخت سلوان عاليا و هي تضع كفيها على أذنيها بينما صرخت لوسي التي دخلت في هذه اللحظة حاملة روان بين ذراعيها
مما جعل سلوان تصرخ بذعرٍ أكبر أما عامر فهدر قائلا
( ادخلي بروان الى غرفتها مجددا
جرت لوسي بالصغيرة , بينما جذب عامر المسدس من كف والده و صرخ في وجهه هادرا
كفى كنت سترتكب جريمة للتو , تمالك نفسك .
نظر علام الى كلا من عامر و شغف لاهثا ومر وقت طويل قبل أن يقول بنفس ٍ مضطرب مجهد
أنتما الاثنان الحقا بي الى غرفة المكتب حالا
ثم دخل الى غرفة المكتب مندفعا بينما سلوان لا تزال واضعة يديها على أذنيها بذعر أما شغف فكانت ممسكة بكتفي خاطر بأظافرها وهي تنظر الى جانب وجهه وهو لا يزال يغطيها بجسده ولم يكن قد استعاد أنفاسه بعد و حين طال صمتها قال عامر آمرا
تعالي يا شغف
اضطرت في تلك اللحظة لتركه مرغمة ثم تجاوزته لتلحق بعامر الا أن خاطر قبض على معصمها صارخا
لن أدعك تدخلين الى هذا المجنون قد يتهور و يصيبك بمكروه
امسكت شغف بقبضته بإحكام ثم قالت بهدوء
لا تقلق كان يهددنا فحسب , سرعان ما ستعتاد على جنون هذه العائلة في لحظات تقسيم الفرائس
نظرت الى عينيه طويلا ثم أبعدت كفها عنه ولحقت بعامر الذي كان لا يزال واقفا ناظرا لرعب سلوان بملامح متجهمة ثم قال أخيرا آمرا
ادخلي الى روان ولا تخرجي الا حين أخرجك بنفسي
لم ترد سلوان لأنها ببساطة لم تستوعب حرفا واحدا مما نطق به , ونظرت الى ظهره وهو يدخل الى غرفة المكتب بينما وقفت مكانها ترتعش ناظرة حولها و الدموع منسابة على وجهها الشاحب
ثم نظرت حولها وهي تهمس مكلمة نفسها بهلع
هل أدخل لأبنتي ؟ أم أنتظر عامر ؟! هل أدخل لأبنتي ؟! أم أنتظر عامر ؟!
نظر خاطر إليها بتعاطف ثم أشار بكفه الى الأريكة قائلا
أرى أنه الأفضل أن تجلسي قليلا لتستعيدي توازنك فقد تسقطين أرضا قبل الوصول إليها , أظنها ستكون بخير لفترة
نظرت إليه سلوان بغباء ثم جلست على الأريكة بالفعل وهي تشعر بأن ساقيها غير قادرتين على حملها
أما خاطر فقد بدأ يتحرك بقلق وعيناه على باب غرفة المكتب شاعرا بالتحفز مستعدا لاقتحامها في أي لحظة
بينما رفعت سلوان كفيها و هي تهمس ذاهلة مكلمة نفسها
يا ويلتي ! هل هذا هو حماي الذي يفترض بي أن أسكن معه أنا وبناتي ؟!
توقف خاطر ناظرا إليها رافعا حاجبا متوجسا وهو يتساءل إن كانت متواجدة معهم في اللحظات السابقة !
لذا تطوع قائلا بهدوء
هدئي نفسك قليلا , فهو مجرد رجلا سيكوباتي مصاب بجنون العظمة
رفعت سلوان وجهها الشاحب المبلل ناظرة إليه بذهول وهي تهمس
هل يفترض أن يشعرني كلامك بالراحة ؟!
أجابها خاطر قائلا ببطء
اطمئني لا أظنك مطيلة البقاء هنا , ألم تكوني حاضرة معنا وسمعتِ ما حدث يا سيدة ؟!
قبل أن تجيبه سمعت صوت صراخ علام من داخل غرفة المكتب يهدر بجنون
أريد هؤلاء الرعاع أن يخرجوا من بيتي حالا
فأشار خاطر باتجاه غرفة المكتب موضحا وجهة نظره دون الحاجة للكلام فصمتت سلوان ترهف السمع , وبالفعل صرخ مجددا
تتزوج طباخة ! تتزوج طباخة يا حضرة الطبيب المحترم , ليس هذا فحسب بل مطلقة و لديها أطفال ولم تكمل تعليمها ! من تتحدى ؟! تتحداني أم تتحدى نفسك أيها الغبي !
ارتبكت سلوان وشعرت بالحرج و الخزي فأخفضت وجهها بصمت مما جعل خاطر ينظر إليها بشفقة , بينما وصلهما صوت عامر يصرخ قائلا
دعنا لا نتحدث في الأمر لأنك تدرك جيدا أنني لو بدأت المقارنة فسأفضح كل شيء
نظرت سلوان الى باب غرفة المكتب بصمت حزين ثم قالت بخفوت مرتبكة
أظنني سأحمل طفلتي وأغادر هذا البيت حالا , فكرامتي لا تسمح
سألها خاطر بتردد
هل تودين أن أوصلك لمكان ؟! انتظري قليلا حتى أطمئن على شغف ثم أوصلك الى حيث تريدين
رفعت يدها تمسح وجهها و هي تقول بصوتٍ خفيض
ابقى أنت مع زوجتك سأذهب أنا , وشكرا لك
وهي تسمع والده يصرخ
غبي غبي و نتِ أكثر غباءًا منه لتسلمي نفسك لوضيع حيوان يبيع نفسه الى من تدفع أكثر
شهقت سلوان رافعة كفها الى فمها و هي تنظر الى خاطر بصدمة من هول الإهانة فأظلمت ملامحه وزم شفتيه وهو يشير لها قائلا بعد لحظات
ابقي مكانك . فأنتِ تجلسين في الجزء الذي يخصني من البيت لذا تصرفي بأريحية
فتحت سلوان فمها لتبتسم بسخرية مريرة استجابة مع مزحته الا أن صوت علام هدر مجددا
ماذا سيكون رأي زملائك حين يعرفون بتلك الزيجة وهذه الفضيحة الجالسة في الخارج وافقت أن تكون نزوة لك لا أن تعتبرها زوجة حقيقية و تحضرها الى هنا هي و أطفالها المتسولين !
نظرت سلوان الى خاطر نظرة سوداء , ثم زفرت نفسا بطيئا غاضبا و بشدة
.....
ماذا سيكون رأي زملائك حين يعرفون بتلك الزيجة وهذه الفضيحة الجالسة في الخارج وافقت أن تكون نزوة لك لا أن تعتبرها زوجة حقيقية وتحضرها الى هنا هي وأطفالها المتسولين !
نظرت سلوان الى خاطر نظرة سوداء , ثم زفرت نفسا بطيئا غاضبا و بشدة
ثم أبعدت عينيها القاسيتين بعيدا عنه زامة شفتيها بملامحٍ مخيفة ملامح أم تمت إهانة أطفالها للتو
رمقها خاطر للحظات شاعرا بالتعاطف معها على الرغم من أن حاله لم يكن أفضل من حالها , فسألها رافعا حاجبه واضعا كفيه في جيبي بنطاله يريد كسر جو التوتر المحرج المحيط
أنتِ الفضيحة الجالسة في الخارج المقصودة , أليس كذلك
لم تنظر إليه بل أجابت بملامح جامدة وصوتٍ باهت
نعم
ثم صمتت مما جعله يدور بعينيه في المكان متأملا الفخامة المحيطة قبل أن يسألها مجددا بنبرة عابرة
لديكِ اذن أطفال آخرين بخلاف الطفلة الصغيرة ؟!
أومأت برأسها بصمت ثم أجابت بنفس الصوت الخافت دون حماس
طفلة أخرى أكبر من روان
أومأ خاطر بدوره وهو ينظر الى باب غرفة المكتب حيث اختفوا ولم يسمع كلاما واضحا تماما , بل همهماتٍ غاضبة , على الأرجح من ذلك المدعو عامر زوج الفضيحة الجالسة ... يقصد تلك السيدة الجالسة
وحين يئس من سماع ما يقال في الداخل نظر إليها وسألها بفضول
واضح من صدمته أنكما تزوجتما حديثا
رفعت سلوان عينيها الشاردتين إليه , ثم أجابت بخفوت
ليلة أمس
ارتفع حاجبا خاطر بدهشة ,الا أنه قال بلطف و حرج
مبارك أعتذر لاقتحامنا أول أيام زواجكما بمثل هذه السماجة , لكن هكذا هي زوجتي سمجة في كثير من الأحيان إن لم يكن جميعها
وجد نفسه يتكلم من بين أسنانه بغضب وكبت فصمت ثم قال متابعا مجددا
مبارك , بالرفاء و بالبنين
قاطعه صوت علام يصرخ من الداخل بجنون
أريدها في الخارج حالا تلك الحافية الجائعة
صمت خاطر رافعا حاجبيه ماطا شفتيه ثم قال ببطء
رجل كبير في السن لدي خبرة في تحمل الإهانات من كبار السن , فلا تأبهي بما يقول كثيرا صحيح أنه مختل وغير محترم و لديه من جنون العظمة و بعض العته ما يجعلني أتوق لسحق وجهه المتغطرس لكن في النهاية علينا تحمله لفارق العمر ,كما أن علينا منحه بعض العذر , بمعرفتي بزوجتي فهي قادرة على رفع ضغط قنديل البحر , لا أعلم عن زوجك لكن لا أظنه يختلف كثيرا نظرا لأنه من نفس العائلة
صمت أخيرا بينما ازدادت ملامح سلوان شحوبا وخزيا فهناك مثلا عظيما يقول
من خرج من داره , قَلً مقداره
وها هي نتيجة عدم التزامها به إهانة منذ اليوم الأول و على مسمع من الأغراب لكن من هم الأغراب ؟! حسب ما فهمته أنهم عائلة مع بعضهم و هي الغريبة بينهم لذا تستحق ما ينالها الآن , فقد سرقها الحلم و سارعت بالقبول دون تفكير متأنٍ فالحياة لا تمنح أمثالها حلم كهذا ليحيوه دون ثمنٍ باهظ مؤلم وجارح
رفعت عينيها لخاطر و أجابته بخفوت أكبر
أشكرك على التهنئة , و بالنسبة للاعتذار فكما ترى لا حاجة له
صمتت مخفضة وجهها و قد تقطع صوتها وتاهت كلماتها فآثرت عدم المتابعة , مما جعله يرمقها بغضبٍ مكتوم ثم سألها بجدية
ما الذي أقحمكِ مع عائلة كهذه ؟!
ردت متنهدة بعد فترة قصيرة وبنبرةٍ بائسة ممتعضة
النصيب
كانت ملامحها شديدة الأسى و الإحراج مما جعله يقول بلطفٍ بمحاولة واهية
لا تحزني بهذا الشكل فأنا مثلا
قاطعه صوت علام يصرخ من الداخل هادرا
وأنتِ إن لم تطردي هذا النصاب من البيت فأقسم أن أتصل بالشرطة ليسحبوه من مؤخرة عنقه حتى يتعلم الا يحاول الحصول على بضعة قروشٍ من أسياده وتلك الكذبة السخيفة من أكثر ما نطقتِ غباءًا
صمت خاطر تماما وهو ينظر تجاه الباب المفتوح عن بعد , بينما سلوان تنظر إليه شاعرة بالحرج لأجله مما جعلها تعض على جانب شفتها , ثم نظر إليها أخيرا و ابتسم دون مرح مشيرا تجاه الباب قائلا متابعا كلامه السابق
حالي ليس أفضل من حالك
ظلت سلوان صامتة محمرة الوجنتين لأجله ثم سألته بصوتٍ خفيض
ماذا عنك ؟! ما الذي أقحمك مع هذه العائلة ؟!
زم خاطر شفتيه وهو ينظر تجاه الباب بعينين مظلمتين وملامح قاسية قبل أن يجيب باقتضاب
الظروف
أومأت برأسها متفهمة و كأن النصيب والظروف ما هما الا إجابتين شافيتين لوجود كلا منهما في مكانٍ ليس بمكانه حياة ليست بحياته مع أناسٍ لن يتقبلوه و لن يتنازلوا حتى بمجرد التظاهر بأنه انسان مساوٍ لهم ربما انسان من الدرجة الثانية وهذا على أفضل تقدير
وجدا أن الكلام في تلك اللحظة لن يساعد أي منهما فآثرا الصمت بينما بدت همهمات عامر العنيفة مسموعة بعض الشيء أما شغف فقد ضحكت بصوتٍ مستفز قطعت فجأة بصوتٍ غريب أشبه بضربةٍ قوية ربما صفعة !
تصلبت ملامح خاطر وهو يعقد حاجبيه للحظة , ثم بدأ التحرك باتجاه غرفة المكتب فنهضت سلوان من مكانها تتبعه قائلة بخفوت وقلق
ليس من العقل التدخل بينهم في تلك اللحظة
نظر إليها خاطر متجهما وهو يسألها بصوتٍ مخيف رغم خفوته
أظنه ضربها !هل سمعتِ هذا ؟!
عقدت سلوان حاجبيها و هي تنظر إلى باب المكتب وردت بحيرة
لم أسمع شيئ ربما كنت تتوهم فقط
ظل خاطر واقفا مكانه و عينيه على باب المكتب بينما أخرج كفيه من جيبي بنطاله وقبضهما بتحفز غير مريح بكل عصب في جسده
فقالت بخفوت محاولة منعه من الإقدام على أي تصرف في تلك اللحظة يزيد من وضعهما سوءا
سأقترب أنا لأرى إن كان الوضع مطمئنا

أما في الداخل فكانت شغف تضع يدها على وجنتها المحمرة ناظرة الى خالها بعينين لاهبتين حاقدتين بينما وقف عامر بينهما وهمس من بين أسنانه
لقد تماديت أهنتني وأهنتها و أهنت زوجتي و زوجها والآن تضربها لطالما كنت تحسن تقدير الموقف يا دكتور علام وتدرك جيدا حدود سلطتك أما الآن فأراك تتهور دون تفكير وكونك والدي فلن يجعلني هذا أصمد أمام إهاناتك لفترة طويلة خاصة وأنك سبق و قضيت على كل رصيد لك عندي , لذا رجاءًا استسلم
نقل علام عينيه الجاحظتين بينهما للحظات وكانت نظراتٍ مرعبة تجمع بين الغضب والجنون والخوف
الخوف من تصديق ما يحدث لطالما نظر إليهما كأدواتٍ لتنفيذ ما يريد
خطة و يجب على الجميع اتباعها خطة مستقبل مشفى داشاي جيل بعد جيل دون الاهتمام بأمورٍ ثانوية كالمشاعر و آدمية الشخص وكرامته ورغباته
لقد سبق و سار على نفس الخطة و لم يوقفه أي عائق , وكان طريق ابنه مرسوما بسهولةٍ ويسر خاصة مع تفوقه و مهارته فكيف تدهورت خططه من بين يديه بهذه السرعة وبهذا الشكل المرعب ولأجل ماذا ؟!
مجموعة من العواطف مهما كانت قاسية أو مرعبة لكن تصنيفها في النهاية ما هو الا مجموعة من العواطف والتي تهدد بهدم كل ما بناه ومن قبله والده
لكن نصف الكارثة تقع على عاتق والده فلولاه لما وجدت شغف من الأساس
لطالما كانت دخيلة على هذه العائلة وتقبلها بينهم كان تضحية , وتنازلا لا يرقى بمستوى اسم داشاي وهذه هي النتيجة !
استدار علام عن رؤية وجهيهما وشعر بالحاجة للاستناد الى المكتب وبالفعل انحنى ليمسك حافته بقبضتيه , وللمرة الأولى أحنى رأسه مرهقا
ساد الصمت بينهم طويلا حتى قال عامر أخيرا بجفاءٍ لا يحمل التعاطف
اجلس يا دكتور عليك أن ترتاح
لم يرد عليه علام على الفور , بل ظل صامتا مطرقا خشن الملامح وقد بان العمر عليه خلال الدقائق الماضية أضعافا
ثم حين تكلم أخيرا قال بصوتٍ خشن صارم , شديد الكره
متى تنتهي تلك النزوة ؟
ارتسمت ابتسامة على شفتي عامر ببطء ثم كتف ذراعيه قائلا بهدوء
لن تنتهي فهي ليست نزوة
مال علام بوجهه ينظر جانبا وكأنه يحدق في ابنه , فقال بصوتٍ يرتجف من شدة الغضب
أنت تمر بوعكة نفسية , افهم يا غبي سرعان ما ستتجاوزها لكن بعد فوات الأوان , بعد أن تكون قد دمرت حياتك ومستقبلك المهني وأضعت المشفى الذي بناه والدك و جدك أستطيع أن أعطيك المبرر لكنني لن أعذرك مهما كان ما تمر به مهما كان لما لا تفهم ؟!
التصقت سلوان بالجدار المقابل لباب المكتب وهي تسمع ما يقال عاقدة حاجبيها بملامح ازدادت خوفا وقلقا
سمعت الكلام الأخير لكنها لم تفهم عما يتكلمان وما سبب الوعكة النفسية التي يمر بها عامر ؟!
لكن أي كان السبب , مجرد عبارة وعكة نفسية جعلتها تشعر بالصدمة فرفعت يدها الى وجنتها وهمست الى نفسها بقنوط
يا للخيبة ! هل كان ينقصني وعكات نفسية ! أنا بالكاد أتدبر حياتي بالبنتين
رفعت عينيها لأعلى وقلبها يخفق بعنف مرهفة السمع أكثر حتى وصلها صوت عامر يقول بجفاء
أنا خير من يدرك ما أمر به , فإياك رجاءًا إياك أنت بالذات أن تحاول ارشادي فيما يخص الأمر , لأنك أفشل من حاول لكنك أصبت في شيء واحد فقط , أنني أمر بوعكة , ولن يخرجني منها سوى سلوان أنا أحتاجها , بل لم أكن في حاجةٍ لمخلوق من قبل كما أنا في حاجةٍ إليها الآن
اهتزت حدقتاها و ارتعشت شفتاها قليلا وهي تستمع الى نبرته في عبارته الأخيرة كم كانت صادقة !
وكم مست قلبها !
حتى ساعة مضت كان زواجها بعامر يتمحور حول ما تحتاجه هي والبنتين و مستقبلهما فقط ما ستربحه وما سيريحها لكن للمرة الأولى تصدق أن عامر تزوجها لأنه يحتاجها بالفعل , لسببٍ لا تعرفه حتى الآن
نعم خافت , بل ذعرت من المجهول لكن قلبها المرهف مال تجاهه وشعرت بالرغبة في أن تدخل إليه و تضمها إلى صدرها بحنان كما تفعل مع ابنتيها و تهمس له بأنها ستكون الى جواره مهما حدث
ارتسمت على شفتيها الحنونتين ابتسامة صغيرة قلقة لكنها جميلة ويا للخسارة , لم تدم طويلا , فقد قتلت في مهدها حين سمعت علام يهتف بحنق
ما الذي تملكه تلك الجاهلة التي لم ترى بك سوى فرصة عمرها والتي لم تكن لتحلم بها , لتساعدك به في محنتك !
أغمضت عينيها بشدة و هي تعض شفتها بينما سمعت عامر يرد ببرود
دعنا لا نبدأ في المقارنة حول ما تملكه وما لا تملكه لأنها ستكون الرابحة مقارنة بكم دون شك
هدر علام وهو يضرب سطح المكتب بعنفٍ جعل سلوان تنتفض في وقفتها بذعر
لا تنسى من تخاطب يا ولد لقد تحملتك كثيرا لكن الفترة طالت وباتت أسخف مما أحتمل
الا أن عامر لم يتابع بهدوء بارد وكأنه لم يسمعه
لما لا نعقد صفقة ؟ اخسر شيئا واربح الآخر قم بوزن الأمور يا دكتور بمنطق ولا تصلب رغبتك أمام قراري و أنت تعلم أنه المستحيل
استدار علام اليه ببطء حتى واجهه , وساد الصمت بينهما طويلا حتى سأله في النهاية بصوتٍ غريب
هات ما عندك
أجابه عامر ببساطة مبتسما
سأعود للمشفى بجوارك كتفا بكتف
اتسعت عينا سلوان لكن ليس بنفس اتساع عيني علام بدهشة حقيقية أقرب للهفة حتى أن وجهه ارتفع و بدت الحياة على ملامحه قليلا , لكنه كتم فرحته بذكاء وهو يسأل باقتضاب دون مقدمات
والمقابل ؟
كان رد عامر مباشرا , فوريا و صارما
لا دخل لك بسلوان وابنتيها سلوان ستظل زوجتي و عليك أن تتقبلها وإن لم تستطع فهذا شأنك , لكن أكرر ولآخر مرة لا دخل لك بهن
رفعت سلوان كفها الى فمها المرتعش وهي تميل بوجهها فوق الجدار و صدرها يرتفع و ينخفض بسرعة شديدة بعينين متسعتين وحين وصلها صوت علام , قال بخشونة و غضب
خذها وابنتيها و اسكنوا خارج بيتي
هز عامر رأسه نفيا ببطء دون أن يفقد ابتسامته الباردة قائلا
بل سنبقى هنا أمامك كل يوم , هذا يسعدني ويرضيني
عقدت سلوان حاجبيها قليلا , ومالت بوجهها أكثر شاعرة بكسر الخاطر بعضا منه .
مما جعلها تسبل جفنيها بحزن
الصمت في الداخل كان خانقا , لكن حزنها في تلك اللحظة تغلب على كل شيء آخر حتى سمعت علام يسأل بازدراء
ما الذي ستجنيه من اثارة حقدي ؟!
مط عامر شفتيه وهو يجيب ببرود ساخر
لا شيء أكثر من إثارة حقدك كما أخبرتك هذا يرضيني
سالت دمعة على وجنة سلوان لم تستطع كبتها أكثر من هذا , بينما تابع عامر قائلا هازئا
هيا يا أبي لا تكن غاضبا الى هذه الدرجة , انظر الى التطور الذي أمر به كنت قد أقسمت الا تهنأ بعودتي الى جوارك في المشفى لآخر العمر , أما الآن أنا أعرض عليك ما تترجاه في الحياة , لما لا تكن ممتنا وتترك لي انتصارا صغيرا يرضيني
صدر عن شفتيها نفسا مرتعشا بطيئا بينما سأل علام مجددا بصوتٍ أكثر غضبا و كبتا
وماذا عن نيجار ؟! هل تعقلت أخيرا وستستطيع الفصل بين مشاعرك الخاصة و مهنتك؟ ستعملان سويا دون فضائح ؟
ضاقت عينا عامر للحظات ثم أجابه بصوتٍ مبهم
دع الأمر لي طالما وعدتك بالعودة للعمل , فهذا يعني أنني سأفعل وحين أفعل فأنا أجيد ما أفعله دائما
ابتلعت سلوان ريقها بصعوبة وتوتر بينما ارتفع صوت علام صادما بنبرة قوية آمرة
تردها الى عصمتك
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي