الفصل الثامن

بعد مرور يومان داخل منزل سحر

حضر أمير بصحبة والدهُ والمأذون الشرعي كي يتمموا إجراءات الطلاق بحضور امل مثلما طلبت هي، رفض أمير في بداية الأمر لعدم إستطاعته النظر داخل عيناها وهو يُثبت لها مدي خِسته وتخليه عنها ولكنهُ إضطُر مرغمً تحت إصرارها

واحضر معهُ كارما بجميع إحتياجاتها الخاصة لتمكث مع والدتها تحت سعادة الطفلة وأيضاً أمل


دلفت لغرفة الجلوس بجانب والدتها وجدت الجميع يجلس،  مصطفي وأمير والمأذون ويُقابلهم إيهاب الذي يجلس ناظراً بغضبٍ تام علي ذاك الوغد

ألقت السلام ثم تحركت بكل شموخ وجلست واضعة ساق فوق الأخري بقوة

ثم نظرت بخيبة أمل وحسرة علي من كان ذات يومً أمانُها وسندها التي تختبئ داخل أحضانهُ من العالم أجمع،  أصبحَ بين ليلةً وضُحاها خِنجرها المسمُوم التي طُعنت به غدراً وتسممت حياتها بفضلهْ

أما هو فلم يستطع رفع بصرهِ والنظر لداخل عيناها المحتقرة لشخصة


تحدث المأذون كعادته بنفس تلك الكلمات التي تُقال في مثل هذة الظروف كي يحثهم علي التراجُع  : 
_  ياريت يا جماعة تاخدوا فرصة تتكلموا فيها لوحدكم وتراجعوا نفسكم في القرار،  إن أبغض الحلال عِند الله الطلاق .

إبتسمت ساخرة وتحدثت بحديث ذات مغزي  : 
_ ما طلعش بغيض ولا حاجه يا شيخنا،  بالعكس، فيه اللي أبغض منه ألاف المّرات،

وأكملت وهي تُثبت مِقلتيها بعيناه بعدما رفعهما ليقابل عيناها التي إشتاقها، فبرغم كل ما بدر منه من خسه وتخلي إلا أنه مازال يوجد لها محبة كبيرة داخل قلبه   :
_ الندالة والخسة والتخلي.

نزلت تلك الكلمات علي قلب أمير أحرقته وأشعرته كم هو أصبحَ ندلً وصغير في أعيُنها وأعيُن الآخرين

أردف إيهاب بنبرة جادة وهو ينظر لذاك الذي يجلس كالفرخ المبلول من شدة خجلهِ  : 
_ ملوش لزوم الكلام ده يا أمل، مهما كان الناس في بيتنا وإحنا ولاد أصول ومش إحنا اللي نهين ضيوفنا، ده غير إن الكلام أصبح ملوش قيمة وزي عدمه .

هزت رأسها بموافقة وتحدثت بقوة إلي المأذون : 
_ عندك حق يا إيهاب،  الكلام فعلا أصبح ملوش قيمة،
ونظرت للمأذون وتحدثت :
_  إتفضل شوف شغلك يا سيدنا الشيخ وخلصني

كانت تجلس بجانب والدتها تتابع كلام المأذون وهو يُنهي إجراءات الطلاق بقلبٍ يتمزقُ ألماً، مّرَت حياتها معهُ كشريط السينما، بلحظات رأت جميع أوقاتها التي أمضتها بجانبه،  سعادتها، عشقها وشقائِها وتحمُلها معهُ لأسوء الظروف التي مرت عليها طيلة حياتها

أخرجها من شرودها توجيه المأذون حديثه إليها مُتساءلاً  : 
_موافقة علي الطلاق يا مدام أمل ؟


نظر لها أمير بإنكسار فأجابته بإبتسامة جانبية ساخرة  :
_طبعاً موافقة
ونظرت بقوة لداخل عيناه وتحدثت  :
_  ده تصحيح لقرار كان غلط من البداية .

قدم لها المأذون القلم وتحدث  :
_إتفضلي إمضي علي قسيمة الطلاق .

تناولت منه القلم وبكل قوة وضعت توقيعها

أما أمير فوضع أيضاً إمضتة بقلبٍ مُشتت وكيان ضعيف، يشعر بأنهُ خسر جوهرتهُ الثمينة-ولكن- لابد من المُضي قدمً في النظر للمستقبل، هكذا كان حديثهُ النفسي الدائر بينه وبين حاله

إنتهت مراسم الطلاق وهبت واقفة من جلستِها ورمقت ذاك الجالس يشعر بخجل العالم أجمع بنظرة إشمئزاز وأنسحبت لداخل غُرفتها، وتحرك مصطفي ساحبً نجله بخيبة أمله

أوقفهما صوت إيهاب الهادر الذي تحدث إليه بقوة  : 
_ أنا كان ممكن أدمرك وأدفعك ثمن ندالتك وخِستك مع أختي غالي أوي، وكان ممكن ألففك علي محاكم مصر كُلها كعب داير، بس عملت حساب لكارما وللأستاذ مصطفي اللي إتدخل وطلب مني إننا ننهي الموضوع بهدوء.

وأكمل مشيراً بسبابته مُهدداً إياه  :   بس قسماً بالله ما تحاول تقرب لأختي أو تضايقها بأي شكل من الأشكال لأنسي كل شئ وأوريك اللي عمرك ما تتخيله.


سحب مصطفي أمير الذي بدا علي وجههِ الغضب وكاد أن يرُد عليه وتحركوا سريعً للخارج منعاً لإثارة المشاكل

وتفرق الجَمع، ودلف إيهاب وسحر ورانيا إلي أمل غرفتها وتحدثوا معها وتفهمت هي الموقف وعادت إلي طبيعتها الأولى معهم 



ساءت حالة أمل بفعل حدوث الطلاق ودخلت بنوبة إكتئاب وعدم رغبه في الحياة حتي أن الأمر وصل بها أنها قررت عدم إستكمال جُرعاتها الكيماوية، فتحركت إلي المركز بعدما إنتوت العزم أن تُبلغ أحمد بما قررته وتُنهي معهُ موضوع علاجها بشكلٍ نهائي


وقفت أمام عامل الإستعلام الذي بالطبع يعرفُها جيداً وسألت إن كان بمقدارها مقابلة دكتور أحمد

فتحدث لها العامل بإحترام وهو يُمسك بكف يده سماعة الهاتف الموضوعة أمامهُ فوق المكتب إستعداداً للمهاتفة  : 
_ثواني يا أفندم هتصل بالدكتور وأشوف إذا كان عنده وقت يقابل فيه حضرتك ولا لا.

وأكمل مُفسراً  : 
_ حضرتك عارفة النظام وإنتِ جاية من غير ميعاد سابق.

هزت رأسها بتفهم وأجابته بملامح وجة مُبهمة :
_ مفهوم مفهوم.

إتصل العامل بأحمد الذي شعر بحالهُ يطيرُ من شدة سعادته لخبر رؤياها، وسمح لها بالدلوف الفوري

إستمع لطرقات خفيفة فوق الباب أجاب بلهفة لم يستطع السيطرة عليها  :
_  إدخل.

دلفت ونظرت له بملامح وجة حادة ونظرات ثاقبه ثم تحدثت بنبرة حادة  :
_  أنا أسفة يا دكتور علشان جيت لك في غير ميعادي المُحدد،  بس أنا جاية أبلغ حضرتك بقرار مُهم وهمشي علي طول،  يعني ما تقلقش،  مش هاخد من وقت حضرتك كتير.

قطب جبينهُ وضيق عيناه مُستغربً حالتها التي تتحدث بها وأردف مُشيراً لها بكف يده  : 
_ إتفضلي إقعدي وقولي كُل اللي إنتِ عوزاه وكُلي أذانٍ صاغية. 

تحدثت بجمود وما زالت متسمرة بوقفتِها  :
_  الموضوع مش مستاهل قُعاد،  قُلت لحضرتك هما كلمتين هقول لهم وهمشي بسرعة.

إبتسم لها بخفة ثم هب واقفً من جلسته وتحرك ليقف قُبالتِها وأردف بإبتسامة بنبرة رقيقة وعيون هائمة  : 
_طب ومالك مقموصة مني أوي كده لية وإنتِ بتتكلمي،  هو أنا زعلتك فى حاجه يا أمل  ؟ 

أجابته بنبرة حادة مُتلاشية رقته ورُقي تعاملة معها  :
_  أنا جاية أبلغ حضرتك إني خلاص مش هكمل جلسات العلاج،قررت أوقف الجلسات.


إستشاط داخلهُ من طريقة تعاملها معه وتفكيرها الكارثي لكنه تماسك من غضبهِ وقرر التلاعب بها واللعب علي وتر الكرامة لديها كي يُثير غضبها ويخلق بداخلها روح التحدي كي تتراجع عن قرارها الكارثي بالنسبة لها والمُميت بالنسبة له


رمقها بنظرة مُقلله من شخصها ثم أجابها بنبرة باردة إستفزتها  :
_  تمام، إتفضلي من غير مطرود ومش عاوز أشوف وشك مرة تانية هنا في المركز تحت أي ظروف.


إتسعت عيناها ونظرت إلية بذهول وهتفت بحده  :  إنتَ إزاي تسمح لنفسك تكلمني بالشكل المُهين ده؟
ثم إنك الدكتور المعالج لحالتي والمفروض إن ضميرك المهني يُحتم عليك إنك تحاول تقنعني اتراجع عن قراري ده لأنه أكيد هيضُرني!

إبتسم بجانب فمهِ بطريقة ساخرة منها ثم أجابها بإستخفاف :
_  والله حضرتك مش صغيرة وأنا مش هعرف مصلحتك ولا هخاف علي حياتك أكتر من جنابك

وأكمل بإهانه لإستفزازها  :
_  ثم أنا قُلت لك قبل كده إن المكان ده مخصص للمُحاربات القويات .
وأكمل وهو يشملها بنظرة إشمئزاز مُصطنعة بالتأكيد  :
_  أما الضعيفة المُنسحبة من قلب المعركة ملهاش مكان عندي.

خطت بساقيها عدة خطوات حتي إقتربت من وقفته وهتفت بنبرة غاضبة : 
_ تعرفني منين إنتَ علشان تتهمني بالضعف والهوان  ؟
، تعرف إية عن اللي عِشته خلال فترة مرضى غير التقارير اللي بتجيلك عن حالتي كل شهر يا حضرة الطبيب المحترم  ؟

وأكملت حديثها بنبرة مُتألمة ولمعة دمعة سكنت مقلتيها  :
_أنا جوزي سابني في عز ألمي وراح يتجوز ويعيش حياته، إنتَ عارف يعني إيه واحده حبت بكل ما فيها وسلمت قلبها لراجل أقل منها في المستوي الإجتماعي والمادي والفكري بإسم الحُب ، أنا حاربت الدُنيا كُلها علشانه، أقنعت أمي وإخواتي بيه وبأهله بالعافية ومع أول إختبار بينا رماني وباعني وباع عشرتي في أقرب باسكت زبالة قابلة.

وأكملت بدموع حارقة تهتز لها القلوب  : 
_ الراجل اللي سلمته قلبي بدل ما ييجي ياخدني في حضنه ويطمني علي نفسي سابني بموت وراح رمي نفسه في حضن واحدة غيري  ، إنت متخيل  ؟
 
وهتفت بصياح  : 
_عاوزني أحارب ليه ولمين، وأجيب قُدرة المُحارب وإيمانة منين بعد كل اللي حكيتهُ لك ده؟

كان يستمع لها بقلبٍ يتمزق لأجلها، ود لو أن لهُ الأحقية لضمِها لداخل أحضانه وبث شعور الإطمئنان كي تشعُر روحِها الضائعة بالسلام الداخلي

نعم كان علي عِلم بكل قِصتها مُنذُ البداية عِندما أخبرته والدتها حين سألها عن أسباب حُزنها وعدم حضور زوجها معها، وقصت لهُ سحر بُعد زوجها التدريجي عنها وذلك ليتوخي الحذر ويكون بإستقبال الإنتكاسة التي ستُصيبها بالتأكيد إذا حدث التخلي الكُلي، وبعدها أتت إليه سحر وقصت لهُ رواية إنتواء أمير الزواج بآخري، لكنه لم يعلم إلي الآن بخبر طلاقِها 

أجابها بقوة ليُجبرها علي إخراج كل غضبها وإفراغ تلك الشُحنة كي يرتاح قلبها ويهدئ : 
_ المفروض إن اللي قولتيه ده كله يكون حافز ليكي مش سبب تعجيزي،  المفروض تظهِري كل قوتك وتُصري علي العلاج وفرصة الحياة أكتر علشان تثبتي له إن هو اللي خسرك مش إنتِ،  إثبتي له إن هو اللي ضعيف وخسر مُحاربة ما تتعوضش بستات الدُنيا كُلها

ثم تنفس عالياً ونظر لها بحنان وتحدث بنبرة هادئة  : 
_كل اللي إنتِ مريتي بيه ده عادي بالنسبة للتغيرات الكبيرة اللي حصلت لك من المرض 
 
وأسترسل حديثهُ بيقين  : 
_مش يمكن ربنا إبتلاكي بالمحنة دي علشان يكشف لك النفوس الضعيفة اللي حواليكي ويزيل عن عيونك غمامِة البريق القشرة اللي طول الوقت كنتي مخدوعة فيه وفكراه دهب خالص؟

وأكمل بنبرة حماسية :
_الحياة حلوة أوي يا أمل ومازال فيها اللي يستاهل إنك تحاربي علشانة.

ونظر داخل عيناها بهيام ومشاعر كان يحتجزها طيلة الشهور المُنصرمة مُنذ أن تعامل معها ولمح فيها فتاة أحلامة التي كان يبحث عنها في وجوة المارة،  نعم لقد وجد بها فتاتهُ المُنتظرة ،  لكن منعتهُ أخلاقهُ من البوح بما يكنهُ داخل قلبه لتلك الجميلة وذلك لزواجها المقدس من رجُلً أخر، ولكنهُ لم يعد بقدرتهِ الإستطاع علي التحمل وخصوصاً أنه بات متأكداً أن الطلاق حتماً سيقع


اكمل حديثهُ بعيون تنطقُ عشقً  : 
_ مازال فيها اللي بيتمني رضاكي ويتمني إنك تشاركية حياته الجاية.
مازال فيها كارما، مامتك، إيهاب ورانيا ، أظن دول يستاهلوا المحاربة يا أمل

إستغربت نظراته لكنها فسرتها علي أنها مؤازرة منه كطبيبها فقط لا غير

إبتسمت له بمرارة وتحدثت بيأس  : 
_ أنا هتعالج يا دكتور، هتعالج علشان ما أوجعش قلوب إتعشمت في شفائي.

إتعالجي علشان أمل لأنها تستحق الحياة والفرصة التانية اللي مستنياها .
كانت تلك كلمات ذات مغزي قالها لها بنبرة هائمة
  
أومأت له بإبتسامة وأمل وحماس جديد لا تدري من أين حصلت عليهما
________________

تزوج أمير سريعً ومكث مع عروسهُ بمسكنه الذي شهد علي قصة عشقهُ المزيف بتلك الأمل تحت سعادة راوية وشيرين وحُزن مصطفي

وبعد مرور أكثر من أربعة أشهر وأنقضاء عِدتها الشرعية، إنتكست حالة أمل بفضل فِعل الطلاق التي مهما حاولت أن تُظهر أنهُ لم يؤثر بها وأن أمير أصبح صفحة طُيت بين طيات النسيان، وما زاد سوء حالتها هو عِلمها بخبر زواج أمير بعد طلاقهما بشهرٍ واحد،  كانت كُل تلك الصَفعات التي تلقتها أمل دافع كبير لإنهيارها وعدم قدرتها علي التحمُل


إقترح أحمد علي سحر أن تمكُث أمل داخل المركز الفترة المُقبله كي يستطيع هو الإعتناء الجيد بها واللعب علي حالتِها النفسية بما درسهُ من تنمية بشرية لكي يرتقي بمعنوياتها ،  وبالفعل إنتقلت أمل بالبقاء في المَشفي

كانت الساعة قد تخطت منتصف الليل، وهي تقبع فوق تختها وتُقابِلُها بالتخت المقابل ممرضة مرافقة لها قد عينها لها أحمد خصيصاً لمرافقتها والمبيت معها كي تشعُرها بالأمان والحماية


كانت تشعر بملل لإنشغال تلك الممرضة عنها حيثُ كانت المُمرضة تتصفح هاتفها بإهتمام، إستمعت إلي خبطات خفيفة فوق الباب،  إعتدلت بجلستِها وأرتدت غطاء الرأس خشيةً من أن يكون الطارق رجُلاً وبالفعل وجدت ذاك الفارس يطلُ عليها من فتحت الباب بطولهِ الفارع ووجههِ البشوش

وتساءل بإبتسامة سعيدة  : 
_ تسمحي لي أدخل  ؟ 

إبتسمت له وأومأت بموافقة قائلة  :
_  إتفضل.
أشار للمرضة بالخروج والمكوث مع صديقاتها وبالفعل خرجت

ثم تحرك للداخل وتساءلت هي بإستغراب  :
_  هو حضرتك موجود ليه في المستشفي لحد الوقتِ ؟
_ مش المفروض إنك بتخلص جلسات الإشعاع وبتطمن علي الحالات وبتمشي الساعة عشرة  ؟ 

سحب المقعد المُلتصق بتختها وأبعدهُ كثيراً إتباعً للشرع وأيضاً ليترك لها المجال كي لا تخجل هي كعادتها من أي تقارب مما يسعد قلبه ويجعلهُ يشعر آن قلبه آُختير صح.

جلس وتحدث بنبرة حنون مُداعبً إياها : 
_ للدرجة دي زهقانة مني ومش حابة تشوفيني قدامك؟

إبتسمت خجلاً وتحدثت مُبررة : 
_ ما أقصدش طبعاً يا دكتور، أنا بس إستغربت وجودك مش أكتر.

تساءل هو بإهتمام  :
_  عاملة اية؟

أومأت له وأردفت قائلة : الحمدلله أحسن كتير من إمبارح، بس زهقانة موت وكمان جعانة.

إنخلع قلبهُ لأجلِها وتسائل بلهفة  : 
_ إنتِ ما اتعشتيش  ؟ 

هزت رأسها بنفي وأردفت قائلة بتفسير  : 
_ مكُنتش جعانة لما هدي جابت لي العشا

وأكملت بملامح وجه مُكشعرة  : 
_ وبعدين بصراحة كده أكل المستشفي وحش أوي،  تحس إن اللي طابخ ملوش أي نَفس في الأكل.

ضحك بخفة وأردف بإستحسان  :
_  مش كل من دخل المطبخ بقا سحر عبدالسلام  يا أستاذة.

أخرج الهاتف من جيب سترته ثم تسائل بإهتمام  :
_  تحبي تاكلي إية  ؟ 

قطبت جبينها وتسائلت بترقُب  :
_ ببساطة كده هتكسر قوانينك وهتطلب لي أكل من برة  ؟!

أجابها مُشيراً بسبابته بدُعابه  : 
_ إنهاردة بس هديكي يوم فِري،  بس متاخديش علي كده
يلا قولي حابه تاكلي إية؟

زمت شفتاها لتُفكر وتختار وما أن رأها بتلك الحالة حتي إهتز قلبهُ وأبتلع لُعابه من شدة جاذبيتها وجمالها الأخاد الذي يرها عليه دائماً، فبرُغم ما صنعهُ المرض بها إلا أنه دائما ما كان يراها إلا ساحرة مُبهرة، جمالُها مُنفرد كشخصيتها

تحدثت هي إليه  :
_  أنا جاي علي بالي أكل بيرجر بصوص الرانش.


إتسعت عيناه ومسح بلسانهِ فوق شفتاه بطريقة مُهلكة مما جعلها تخجل وتسحب بصرها بعيداً عنه فتحدث هو بتشهي  : 
_تعرفي إن البرجر بصوص الرانش من أكلاتي المفضلة،  وورق العنب المستوي في طاجن وتحته شرايح موزة، يااااه.

نظرت إليه سريعً وهتفت بلهفة  :
_  وأنا كمان بعشق ورق العنب بالموزة وعليه بقا شرايح لمون من فوق كده، وااااو.

شعر بسعادة عالية علي أنهُ إستطاع جذبِها من قاع عُزلتها التي أقحمت حالها بها
تحدثت بنبرة حماسية  :
_ علي فكره، أنا بعمل ورق العنب حلو أوي وكل اللي أكله من إيدي شكر جداً فيه.

إبتسم بجانب فمهِ وأردفَ بحديثٍ ذات مغزي  :
_ والله بكرة ندوق ونُحكم  ، ويكون في عِلمك، أنا ما بعرفش أجامل في الأكل بالذات.


ضيقت عيناها مستغربة حديثهُ فتحدث مُتسائلاً  :
_  مالك إزبهليتي أوي كده ليه؟
_ كِل ده علشان قُلت لك بالتلميح إني عاوز أدوق ورق العنب من إيدك علشان أحكم بنفسي

وأكمل مُداعبً إياها  :
_  إنتِ بخيلة ولا إيه يا مولي؟

نظرت إليه مُضيقة العينان وكررت كلمتهِ مستغربة حاله  :
_ مولي  ؟ 

ضحك بخفة وأجابها  : 
_ مالك مستغربة كده ليه؟
بدلع المريضة بتاعتي، عادي جداً.

وتحدث سريعً وهو يضغط علي أرقام هاتفهُ ليُهاتف المطعم  : 
_ شفتي إزاي الكلام أخدنا ونسيت أكلم المطعم علشان يلحق يجهز الأوردر .

بعد مرور حوالي الساعة،  تركها خلالها هو وذهب إلي مكتبة وجلس يسترجع بخيالهِ حديثهُ الشيق معها، وأبتسم بسعادة حين تذكر نبراتها الحماسية وحركات ملامح وجهها البرئ وهي تتحدث

إستمع إلي طرقات فوق الباب وطلت الممرضة لتُخبرهُ : 
_ عامل الدليفري وصل وطالب تمن الفاتورة يا دكتور

هب واقفً وتحرك إلي العامل وأخذ منهُ الأكياس، وذهب من جديد إلي أمل وجلسا يتناولان الطعام سوياً،  قضمت قطعة من الشطيرة وبدأت بمضغِها بإستمتاع وتحدثت بإستحسان:
_ البرجر طعمهُ يجنن.

أجابها بشرح :
_ده برجر بيتي علي فكرة، المحل ده بيفرم اللحمة البلدي وبيعمله طازة يومياً
وأكمل مُفسراً :
_ ولولا كده عُمري ما كُنت هسمح لنفسي إني أأكلك حاجة تأذيكي

إبتسمت وسعد داخلها من إهتمامه الواضح بها وقضمت الشطيرة من جديد
نظر لها وأبتسم حين وجد بعضً من معجون الجُبن المطبوخ بجانب شفتاها،  وبدون أن يشعُر وجد حاله يُبسط إليها يده ويلتقط بإحدي أصبع يده الجُبن ثم قربهُ من فمه وأمتصهُ بفمهِ مُستمتعً وهو ينظر لها بعيون تصرخُ وتأنُ عِشقً

كانت تتابع حركاتهُ بعيون متسعه مذهولة مما حدث،  وبلحظة توقفت عن الطعام ثم وضعت شطيرتِها داخل طبقِها بهدوء

فتحدث هو إليها بنبرة حنون جراء حالة العشق التي سيطرت علية  :
_  كملي أكلك.

إرتبكت بجلستها وأجابتهُ بعدما سحبت عنه بصرها  :
_  أنا شبعت وعاوزة أنام 

وأكملت بهدوء  :
_  من فضلك يا دكتور تنده لي هدي علشان عاوزة أنام حالاً.

تنفس عالياً وأردف قائلاً بحديث ذات مغزي : 
_ كملي أكلك الأول وبلاش تهربي مني أكتر من كده.

نظرت إلية بحده لرفضِها أية مشاعر من تجاهه أو أي شخص أخر، فيكفيها ما حدث لها من الغرام وأهله

نعم بدأت تشعُر مُنذ إسبوع وبالتحديد بعد إنتهاء عِدتها الشرعيه بمشاعرهُ التي أطلق لها العنان بعدما كانت حبيسة لما يتخطي العام مُنذُ أن رأها هُنا بالمركز أول مرة ووقعت عليها عيناه وذابت داخل بحر عيناها الغميق


هتفت بنبرة حادة  :
_ من فضلك يا دكتور قُلت لحضرتك أنا عاوزة أنام.

أغمض عيناه كي يُهدي ويخمد من ثورة مشاعرة التي ما عادت تتحمل كتمانها والضغط عليها أكثر من ذلك، لكنهُ مُرغمً علي التحلي بالصبر لتحمل الحالة المزاجية لتلك الساحرة التي تضع صَداً منيعاً بينها وبينه بالتعامل وذلك لعدم رغبتها ورفضها القاطع لخوض تجربة الغرام من جديد

تحامل علي حالهِ ووقف وتحدث بنبرة متمالكة وكأن شئً لم يكن مما جعلها تستغرب حالهُ وبروده  :
_  تمام،  هبعت لك هدي علشان تشيل باقي الأكل ده وتنضف المكان،  وهبعت لك معاها برشامة هتريح معدتك من الأكل علشان ما تتعبيش وحاولي تسترخي وتنامي كويس علشان الجلسة بكرة.

وتحدث وهو يُعطيها ظهرة متقدمً إلي الباب : 
_ تصبحي علي خير.

كانت تطالعهُ بحيرة من أمرهِ العجيب حتي إختفي من أمام ناظريها بشكلٍ نهائي
  
دلف إلي مكتبهُ من جديد وبلحظة وضع كف يدهُ فوق شعرة وسحبهُ للخلف بضيق حتي أنهُ بات أن يقتلع جذورهُ من شدة غضبه وكظم غيظة،
وهُنا دار حديثُ النفس
_ لما لا تشعُرين بقلبي المُلتاعِ ساحرتي
أولم يحن الأوانُ بأن تُفسحي لي المجالُ وتدعيني أخطو بساقاي لقصركِ العالي 
لقد سأمتُ البعد والهجران يا أمرأة،  أريد أن أقطف أولي ثمراتي بعشقكِ المُزلزلُ لكياني،  فقط فلتسمحي لي بالتقرب وسأزين حياتنا بعقد قراننا المُقدس وسأسحبكِ معي لداخل عالم أحلاميّ العظيم،
وبعدها سنذوب عِشقً وأقسم أني سآُذيقُك من شراب العسلِ ألوانً،  فقط فلتمسحي

يُتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي