الفصل السابع

في اليوم التالي داخل غُرفة سحر،  كانت تجلس فوق تختها ويجاورها الجلوس إيهاب الذي إختار غرفة والدته للتحدث بسرية بعيداً عن مسامع شقيقته كي لا تسمع ما سيُقال
حين تحدث إلي والدته ليُخبرها  : 
_ الأستاذ مصطفي كلمني إنهاردة وطلب مني أسحب قضية الطلاق من المحكمة،  وقال لي إنهم حابين ينهوا الموضوع بهدوء علشان أمل ما تستاهلش منهم كده

تحدثت بنبرة ساخرة  :
_  لا والله كتر خيرهم  ، وهما ناس ولاد أصول فعلاً وصانوا العِشرة

تنهد إيهاب بيأس ثم تحدث مُكملاً حديثهُ  :
_ هو قال لي إنهم جهزوا مؤخر الصداق وهيدونا فرش البيت كله مقابل القايمة، وانا طلبت منه إنه يخلي الندل إبنة يطلق أمل ويبعت لها ورقتها علي شغل حضرتك علشان أمل ما تحسش بحاجه

تنهدت بأسي وأردفت بقلبٍ يتمزقُ ألماً  :
_ حسبنا الله ونعم الوكيل 

فأكمل إيهاب حديثهُ قائلاً  :
_  أنا قُلت له يسلمنا البنت قبل الطلاق ما يحصل علشان ترجع تعيش مع مامتها من تاني ، وهددته إنه لو ما سلمناش البنت بهدوء وبالذوق هرفع قضية حضانة وطبيعي هنكسبها

سألتهُ سحر بإهتمام  : 
_ وكان رده عليك إية  ؟

أجابها بإستفاضة  :
_ وافق طبعاً  ،  هو عارف إن موضوع حضانة كارما محسوم لصالح أمل،  وحتي لو إبنة طلع حيوان وقدم للمحكمة أوراق تثبت إنها مريضة ومش هتقدر تراعي البنت كويس فالحكم وقتها هيكون لصالح حضرتك،  قانون الحضانة بيقول كده،  الحضانة للأم ثم للجدة من الأم


هزت رأسها بموافقة وأطمئِنان وتحدثت بإمتنان وعيون حانية  :
_  ربنا يخليك لينا يا حبيبي ويقدرك وتقدر تجيب لأختك حقها

وأكملت بتردد :
_  كنت عاوزة أطلب منك طلب يا إيهاب
تحدث سريعً  :_  أؤمريني يا أمي

أردفت قائلة بهدوء  :
_ الأمر لله وحده يا أبني، أنا كنت عاوزاك تشتري لأختك شقة بجد وتكتبها بإسمها وأنا اللي هدفع تمنها

وأكملت علي إستحياء  : 
_ مش عاوزة أختك تاخد علي خاطرها لما تعرف موضوع الطلاق وإننا إستغلينا موضوع التوكيل وغشيناها،  هي مش حِمل صدمات جديدة

إتسعت عيناه وتحدث مفسراً  : 
_ هو حضرتك فاكرة إني ممكن أعمل كده في أمل يا ماما ؟

وأكمل مُفسراً :
_ أنا بالفعل الموضوع كان في دماغي من فترة ولما حضرتك إقترحتي عليا موضوع التوكيل ده جه في بالي الموضوع،  مش أنا يا أمي اللي ممكن أكسر بخاطر إخواتي وأسحب كلمتي بعد ما عشمتهم


إبتسمت له وأردفت بعيون تكادُ أن تدمع من تأثُرها بحديث ولدها : 
_ ربنا يبارك لك في رزقك و أولادك ومراتك ويزيدك من فضلة وعدله يا إيهاب

أمسك كف يدها وقبلهُ وأردف قائلاً بحنان  :
_ويبارك لنا في عُمرك وصحتك يا حبيبتي  

وتحدث وهو يهِمُ بالوقوف :
_يلا ببنا نقعد برة مع البنات يا ست الكُل علشان امل ما تحسش بحاجة
هزت رأسها بموافقة واعتدلت وتحركت معهُ للخارج
________________


داخل منزل مصطفي عساف
هبت واقفه وتحدثت بجنون إلي زوجها الجالس يُخبرهم بما دارَ خلال مكالمتة مع إيهاب  : 
_إنتَ بتقول إية يا مصطفي،  بنت مين دي اللي تسيبها لهم،  هي عارفة تخدم نفسها لما هتاخد البنت معاها،  وبعدين أنا خلاص أخدت علي وجود كارما معايا ومش هقدر أبعدها عن حُضني تاني

تحدث مُصطفي إليها مُفسراً  : 
_ القانون في صالحها يا راوية والحضانة من حقها هي وأمها من بعدها  ،  وبعدين أنا عاوز احل الموضوع من غير فضايح ومشاكل، 

ثم حول بصرهِ إلي أمير الجالس يستمع إليهم بصمتٍ تام ناظراً بشرود إلي تحت قدمية  :
_ علي فكره يا أستاذ،  إيهاب بيحظرك من إنك تحاول تتصل بأخته، هي لسه ما تعرفش موضوع جوازك ولا قضية الطلاق لحد الوقت، الدكتور حذرهم من إنها تعرف علشان ما يحصلهاش إنتكاسة 

تحدث إلي والده بتساؤل مُضيقً العينان  : 
_ ولما أمل ما تعرفش القضية إترفعت إزاي  ؟ 

هتف مصطفي قائلاً بنبرة غاضبة  : 
_إترفعت زي ما أترفعت،  ده شئ ما يخصناش،  إحنا كُل اللي يهمنا إننا ما ندخلش أمل وكارما في صراعات في المحاكم،  كارما بِنتنا وأمل ربنا يعلم معزتها في قلبي قد ايه 

ثم رمقهما بنظرات ساخطة وتحدث بنبرة خائبة  :
_  الله يسامحكم قصرتوا رقبتي قدام البنت وأهلها وخلتوني مش عارف حتي أرفع عيني فيهم من كسوفي وخجلي من عمايلكم السودة  ، وبقينا قللات الأصل علي أخر الزمن من ورا أفعالكم

 
ثم وقف بخيبة أمل وتحدث وهو يتحرك في طريقهُ إلي غرفته : 
_ لله الأمر من قبل ومن بعد،  لله الأمر من قبل ومن بعد

______________________


بعد مرور يومان كانت تجلس وحيدة داخل شرفة منزل والدتها تنظر بمقلتيها إلي المناظر الطبيعية والأشجار المحاط بها المنزل،، تتأمل عظمة الخالق في خلقهِ، شعرت بتملل وذلك لتواجدها داخل المنزل بمفردها بعدما ذهبت سحر ورانيا إلي عملهما ككُل يوم

إستمعت إلي رنين هاتفها الموضوع أمامها فوق المنضدة، نظرت بشاشته وقطبت جبينها بإستغراب حين وجدت نقش إسم شيرين شقيقة زوجِها وما زاد إستغرابِها أنها ومنذُ ان آُصيبت بهذا المرض لم تُحادثُها شيرين إلي الآن

إنتهي وقت المكالمة في إستغرابها، وبدأ الهاتف بالرنين مرةً آُخري بنفس الإسم فقررت الإجابة وبالفعل ضغطت الزر وتحدثت بجمود  :  ألو

وما أن إستمعت تلك الشمطاء إلي صوتها حتي تحدثت بنبرة تحمل الغل والكراهية وبدون مقدمات أردفت  :
_ للدرجة دي الغيرة والحقد مولعين قلبك، مش قادرة تتقبلي إن أمير خلاص مبقاش شايفك ست قدامة ورماكي وفضل عليكي واحدة تانية،  معقولة يوصل بيكي الحقد في إنك توصلية يبيع عربيته علشان تخليه يتراجع ويرجع لك

وأكملت  : 
_ بس أحب أقول لك إن لو عندك كرامة تنسحبي بهدوء ومن غير مشاكل وتحترمي رغبته في إنه زهق منك ومش حابب يكمل حياته معاكي، أمير خلاص فاق من كذبة سحرك ولقي البنت اللي حبها بجد وحس معاها برجولته اللي فقدها في سيطرتك إنتِ وأهلك عليه 

كانت تستمع إلي كلماتها بإستغراب وعقلٍ مُتشتت،  لم تستطع فهم كلماتها المسمومة التي تنمُ عن مدي غيرتها وحِقدها من تلك المسكينة حتي بعد كل ما حدث لها من إبتلاء عظيم

تساءلت مستفهمة ببراءة :
_  إية التخاريف اللي بتقوليها دي،  أنا مش فاهمة منك أي حاجة،  واحدة مين وعربية إيه اللي هتتباع، 

واكملت ببراءة ظناً منها ان تلك الشيرين قد أخطأت بالإتصال برغم انها ذكرت إسم أمير أكثر من مرة :
_  أنا أمل يا شيرين،  شكلك غلطانة في الرقم

إبتسمت ساخرة وتحدثت بنيرة شامتة  : 
_ لا يا روحي مش غلطانة،  أنا عارفة ومتأكدة أنا بكلم مين كويس أوي 

وأكملت بنبرة خالية من الإنسانية:
_علي العموم شكلك كده ما تعرفيش حاجه لسه عن الموضوع، وماله خلينا أنا اقول لك علي السبق الصحفي،

واكملت بإبتسامة شامته  :
_ أمير خطب هدير أخت جوزي بعد ما أكتشف إنه بيحبها ومش قادر يبعد عنها،  وعاوزة أقول لك إنهم عايشين حالياً أحلا قصة حب لدرجة إن اللي يشوف أخويا يفتكر إن عنده عشرين سنه من كتر ما هو سعيد وفرحان،

كانت تستمع لها والألم يمزق روحها، هزت رأسها بذهول وتحدثت بعدم تصديق  : 
_ إنتِ واحدة كذابة وبتقولي أي كلام لمجرد إنك تضايقيني،  أنا عارفه إن عمرك ما حبتيني يا شيرين،  بس ده مش دافع في إنك تختلقي قصة ملهاش وجود غير جوة خيالك المريض، وكل ده لمجرد بس إنك تضايقيني

وأكملت بنبرة ضعيفة  :
_إنتِ واحدة مريضة يا شيرين

ضحكت ساخرة وأردفت بجهل وشماته في ما هو من عِند الله : 
_ بعد الشر عليا من المرض يا حبيبتي،  إنتِ اللي مريضة وأيامك في الدنيا دي بقت معدودة،  بس لسه مكتوب لك إنك تنزلي وتشوفي بعنيكي جوزك وهو داخل بواحدة تانية في شقتك وعلي فرشك
بصراحة إنتِ بنت حلال وتستاهلي كل اللي يجرا لك،  طول عمرك متكبرة وعاملة لنا فيها بنت ناس أوي وبتعاملينا من طراطيف مناخيرك

وأكملت بنبرة حاقدة :
_إسمعيني كويس يا أمل، لو لسه باقي عندك حبة كرامة تسيبي أخويا في حالة مع اللي إختارها قلبه علشان تكون شريكة حياته ويكمل معاها عمرة اللي جاي،  واللي أكيد هيكون أحسن من الايام الهم اللي عاشها معاكي


كانت تستمع إليها ودموعها تنساق بغزارة فوق وجنتيها،  تشعر بغصة مريرة تسد حلقها حتي أنها شعرت بالإختناق وأنها لم تعُد تسيطر علي التنفس بشكل طبيعي

أغلقت الهاتف بوجة تلك الحقودة التي ما هاتفتها إلا من أجل أن تبثُ بداخلِها سمُومها القاتلة لتُكمل عليها وكأنها لم تكتفي بما أصابها

ضلت جالسة علي نفس الوضع ناظرة أمامها بشرود فقد شَلت الصدمة حواسها ولم تعد قادرة علي التحرك أو حتي التفكير،  فاقت من صدمتِها علي صوت شقيقتها التي أتت من عملها وتحركت إليها

وتحدثت بإبتسامة هادئة في مداعبة منها :
_ ياااه، للدرجة دي سرحانة يا أستاذة ، قولي لي بقا، مين اللي واخد عقلك لدرجة إنك ما حستيش حتي بدخولي ولا بصوتي اللي إتنبح وأنا بنده عليكِ

دقّقت النظر داخل مقلتيها وتساءلت بملامح وجه جامدة ونظرة مُبهمه : 
_ كنتي عارفة  ؟ 

إبتلعت رانيا لُعابها حين رأت معالم وجهها التي لا تُبشر بخير،  إبتسمت أمل ساخرة حين رأت تعابير وجه شقيقتها الشاحب فتأكدت حينها أن حديث تلك الحقودة علي حق وأن شقيقتها علي عِلم بكل ما يحدث

هزت رأسها بيأس وابتلعت غصة مرّه داخل حلقها وأردفت قائلة بنبرة مُنكسرة  :
_يعني كلكم عارفين إن جوزي وعشرة عمري باعني وخبيتوا عليا، وكمان قررتوا إنكم تطلقوني منه،

ونظرت لها وتحدثت ساخرة : 
_ بس فيه مشكلة،  الهبلة اللي قاعدة في البيت زي العامية دي لازم تروح ترفع قضية الطلاق بنفسها
ونظرت إلي شقيقتها وتسائلت ساخرة  :  يبقا إيه الحل؟

بسيطة، نكلم إيهاب ونخليه يرجع من السفر ويضحك عليها بكلمتين ويوهمها إنه الأخ الحنين اللي فجأة كدة قرر يشتري شقة لأخته الفقيرة اللي متجوزة راجل كحيان، والحِجه دخلت علي أمل الهبلة وبالفعل عملت له توكيل عام

واطلقت ضحكة ساخرة وأكملت  :
_ لا حلوة وملعوبة صح، دخلت عليا وصدقتها

جحظت أعيُن رانيا من إتهام شقيقتها وفِهمها للأمور بشكلٍ غير صحيح فأردفت قائلة بذهول  :
_ يااااه يا أمل، يعني إنتِ سبتي كل الحكاية ومسكتي في إننا خبينا عليكي علشان خُفنا علي حالتك من الإنتكاسة  ؟

ضحكت ساخرة واردفت  : 
_إنتكاسة  ، وهو فيه إنتكاسة أكتر من اللي أنا فيها دي

إقتربت رانيا عليها ومالت بطولها وجلست تحت قدميها وأمسكت يدها بحنان وتحدثت  :
_ يا حبيبتي إحنا خفنا عليكي وخصوصاً لما سألنا دكتور أحمد ونصحنا إننا نخبي عنك الموضوع علشان نفسيتك ما تتأثرش

إتسعت عيناها بذهول وأردفت بنبرة مُستغربة  :
_ كماااان دكتور احمد عارف ، هي حصلت تحكوا اسراري للناس الغُرب؟

أجابتها رانيا في محاولة منها لتهدأتِها  : 
_ممكن تهدي يا حبيبتي،  ثم غُرب مين بس اللي بتتكلمي عنهم  ، ده الدكتور اللي متابع حالتك وكان من الطبيعي جداً إن ماما تحكي له علشان تاخد رأية بما إن الموضوع مرتبط بتخصصه وبشغله

إستمعتا إلي صوت فتح الباب وإغلاقهُ من جديد، تحركت والدتهما إليهما وتحدثت بإبتسامة زائفة  : 
_ إزيكم يا بنات، عاملين إيه

أجابتها رانيا بصوتٍ مُهتز  :  الحمدلله يا ماما

أما أمل فأنتفضت من جلستها غاضبة وتحركت بطريقها إلي غُرفتِها، نظرت سحر إلي إبنتِها وتسائلت بنبرة مُرتعبه  : 
_آختك مالها يا رانيا  ؟

أجابتها رانيا بنبرة حزينة بائسة :
_ أمل عرفت كل حاجه عن موضوع أمير يا ماما

إرتمت سحر بجسدِها فوق المقعد المجاور لها بعدما خارت قواها وتساءلت بألم وعيون بها لمعات لدموع محتبسة تُريد السماح  :
_مين اللي قال لها  ؟

أردفت قائلة وهي ترفع كتفيها بعدم معرفة  :
_  مش عارفه يا ماما، ما قالتش وأنا من صدمتي من الموقف ما سألتهاش  

   
تحركت سحر إلي غرفة إبنتها بعدما لملمت شتات كيانها الذي تبعثر وتحدثت إليها بنبرة متألمة   : 
_ أمل

قاطعتها أمل بنبرة حادة وملامح وجة جامدة  :
_ ياريت حضرتك توفري مبرراتك لأني مش محتاجة أسمع أي حاجة، اللي عرفته كافي جداً بالنسبة لي

وأكملت بنظرة قوية  :
_  أنا بس ليا عند حضرتك طلب
ضيقت سحر عيناها وتسائلت مستفسرة  : طلب إيه ده يا أمل؟ 

أجابتها بنظرة عين قوية بها تحدي وإصرار :
_  عاوزة الطلاق يتم بالشكل الطبيعي، يعني أمير يجيب المأذون وييجي يطلقني هنا، عاوزاة يرمي عليا يمين الطلاق وهو باصص جوة عيني
 
وأكملت بنبرة مُختنقة  : 
_عاوزة أشوف الراجل اللي أنا حبيته وأختارته ووقفت ضد الدُنيا كلها علشانه،  من حقي أشوف حكاية حبي وهي بتنتهي النهاية العظيمة اللي تليق بيها بعد كل السنين دي

هزت سحر رأسها وتحدثت برفض  : 
_ مش هيحصل يا أمل، مش هسمح لك تحطي نفسك في موقف ممكن يدمرك،

وأكملت بدموع  : 
_صدقيني يا بنتي ده ما يستاهلش إنك تشغلي بيه دماغك أو حتي تفكري فيه لحظة واحده،  ده ندل وجبان وعمرة ما كان يستاهل حبك ولا يستاهل قلبك الطيب

أجابتها بقوة وأستماته  : 
_ ده شرطي الوحيد علشان الطلاق يتم ومش هتنازل عنه 

إستسلمت سحر لرغبتِها بعدما تأكدت من عدم تنازل صغيرتها عن شرطها المُميت لها كأم

يُتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي