الفصل ٥

كتفت ذراعيها أمام الشرفة المفتوحة والستائر البيضاء المتطايرة وهي تتأمل المنظر البديع من أمامها
لم يسبق لها أن رأته من الطابق الثاني , فأقصى ما كانت تنظر خلاله هو نافذة المطبخ وكان المنظر يبهجها ويشعل حماسها في ممارسة أكثر ما تحب وتجيد وهو وضع جزء من روحها في ما تعده من طعام
لكن المنظر من الطابق الثاني لا يقارن به , فبإمكانها الآن أن ترى الجمال واضحا بأشعة شمسٍ براقة وخضارٍ منتشر فوق مساحاتٍ متفرقة تفصل بينها بيوت في نفس جمال البيت الذي تسكنه الآن تحديدا منذ ليلة أمس !
بيت داشاي !
لكن لماذا لا تستشعر روحها كل هذا الجمال على الرغم من ابتهاجها السابق بالجمال الذي تراه من خلف نوافذ المطبخ ! أتراه مكانها الطبيعي والآن اقتحمت مكانا لا تناسبه أو تليق به ؟!
أخفضت سلوان وجهها قليلا , قبل أن تلتفت ببطء لتلقي نظرة على الرجل النائم في السرير الواسع فتورد وجهها وسارعت تبعد عينيها عنه و هي تزيد من تطويق نفسها بذراعيها أكثر و أكثر وكأنها تعتصر خصرها طلبا للاطمئنان
ليلة أمس عاشت ما لم تعشه في حياتها الزوجية مطلقا , وما لم تتخيله حتى ولو في أحلام يقظتها
تشعر باضطراب غريب وهي تشعر بالعجز في تفسير حقيقة شعورها
ليلة أمس كانت ليلة غريبة , أم تراها هي الغريبة عن هذا المجتمع وهذا البيت و ربما هذا العصر بأكمله
عضت شفتها و ازداد تورد وجهها لدرجة أن من يراها لا يتخيل أنها امرأة سبق لها الزواج لسنواتٍ عدة وأم لطفلتين !
لكن ما حدث ليلة أمس كان محرجا مخجلا جريئا بدرجة فاقت قدرتها على استيعاب ما يحدث فعلا
كان عامر معها وكأنه شخص آخر غير الذي عرفته لفترة قصيرة وكم أشعرها هذا بسذاجة حكمها على البشر !
عادت لتستدير ببطء ثم جلست على الكرسي المقابل للشرفة والمواجه للسرير تراقبه في نومه بنظراتٍ مختلسة ووجه محتقن
هذا الرجل ذو الروح الدمثة والضحكة التي قد تسلب العقل والعين و ربما القلب
صاحب النبرة الهادئة والأسلوب الراقي المميز في الكلام كان في غرفة النوم شخص آخر تماما
كان رجل شديد الجرأة شديد الجرأة بدرجة تجعلها تخجل من مجرد استعادة الذكرى
ربما لو سمعتها أحدى النساء و انصتت الى شكواها لضحكت عاليا وهتفت بجملة ساخرة واحدة
زوجك كان جريئا معكِ ! يا له من تسيب يا له من استهتار !! كيف يجرؤ عديم الأدب و الأخلاق !
لكنها لن تستطيع أن تشرح جرأته كانت من نوعٍ غريب لا يناسبها أو ربما هي من لا تناسب ذوق الرجال مطلقا
فمن قبله كان ينعتها حسين دائما بالمملة الرتيبة و التي تجهل فنون ترغيب الزوج بها و خاصة في أكثر أوقاتهما خصوصية
كان حسين ينتظر منها دائما المحاولة أكثر وكانت تحاول بصعوبة مع كل انتقاد منه لها .
تحاول ولا تيأس لكن انتقاداته تتزايد و تهزم أنوثتها وتكسرها فتصبح محاولاتها أصعب وأكثر إثارة للشفقة حتى تنهار باكية في النهاية من شدة اللوم و الملاحظات المهينة
وفي الأخير ألقى بها مرة ثم الثانية وكأن الزواج منها خسارة , والاستمرار فيه لأجل البنتين تضحية !
أما عامر فلم ينتقد و لم ينتظر حتى بل اقتحم حيائها الفطري بسبلٍ أكثر تعقيدا من قدرتها على التعامل معه كزوج .
كان جريئا جدا فحسب
تنهدت و هي تطرق برأسها متلاعبة بأصبعها بشرودٍ مرتبك
ليت هناك من تستطيع أن تستشيره ليت لها صديقة أو أخت أو كانت أمها لا تزال على قيد الحياة على أن أمها رحمها الله لم تكن لتفيدها بشيء مطلقا في هذا الأمر
ليت تستطيع الكلام مع .
رفعت عينيها متفاجئة و هي ترى صورة درة أمامها !
لم يتراءى لها أي وجه آخر !
درة المنافسة الذي اختارها حسين لتقوم بالدور الذي فشلت هي في أداءه !
كيف لها الآن ألا تفكر في غيرها حين تحتاج الى الكلام !!
متى تحولت من عدوة الى صديقة !!
غشي الحزن عينيها وهي تتذكر خروجها من البيت والتفاتها الى باب غرفة درة المغلق و التي لم تخرج لتلقي إليها بنظرة الى أن خرجت وأغلقت باب الشقة خلفها بينما عامر يحمل حقيبة ملابسها يسبقها
كانت تظن أن الظروف الصعبة التي تقاسماها هي ما أجبرتهما على هدنة مؤقتة لكنها الآن اكتشفت أنها بالفعل لم تعد تمتلك في الحياة سوى هذه المرأة
لكنها خذلتها و تصرفت بدناءة شديدة حين فضحتها بهذه الصورة لمجرد أن تضمن عامر في جيبها
و هي لن تستطيع مسامحتها على هذا مطلقا
عادت تتنهد تنهيدة مثقلة حزينة لم تنتبه الى صوتها حتى سمعت صوتا رجوليا يقول بخفوت
ما سر هذه التنهيدة في صباحٍ كهذا ؟!
أجفلت سلوان على صوته ووقفت بسرعة و كأنها تلميذة مذنبة , بينما هو في الفراش مستندا الى مرفقه يراقبها بنظرة غريبة تحمل شيئا لم تفهمه و كأنه كان عابسا , قلقا
شبكت سلوان أصابعها وازداد احمرار وجنتيها بفظاعة ثم همست مرتبكة
صباح الخير آسفة إن كنت قد أيقظتك
لم يكن أيا منهما يبتسم وكان يراقبها عابسا بحدة , بينما هي تتهرب من نظراته متأملة البساط وكأنه سر خلاصها و مهربها من عينيه النافذتين وحين تكلم قال بصوتٍ عميق
باستثناء تنهيدتك الطويلة , فأنتِ صامتة بشكلٍ يجعل الإبرة تصدر ضجيجا إن سقطت بجوارك
لم تدري سلوان بماذا تجيبه فظلت صامتة ناظرة للأرض فسألها بجدية
هل وقع منكِ شيء يا سلوان أم أن نقش البساط يعجبك ؟! لأنكِ حتى الآن تفضلين النظر إليه عن التنازل و التطلع لوجهي ولو بنظرة
ازداد ارتباكها وعرفت أنها تزيد الوضع سوءا بهذا الصمت المريب وتجاهل النظر إليه , فأجبرت نفسها بكل ما تمتلك من قوة على أخذ نفسٍ عميق قبل أن ترفع وجهها إليه وتبتسم ابتسامة قصيرة قلقة وهي تقول مجددا بلطف
آسفة صباح الخير
لم يرد عليها على الفور وظل متجهم الملامح لفترة الى أن قال بصوتٍ أجش
هذا ما سبق وقلتِه
شعرت سلوان بالقنوط فأسبلت جفنيها بهم لقد شعر كم هي مملة وباردة منذ الليلة الأولى !
وحين ساد الصمت بينهما وهي مطرقة رأسها تأبى النظر إليه , سمعته يقول آمرا بهدوء
تعالي
رفعت عينيها إليه بخجل , ورفضت الامتثال لأمره ونبضات قلبها تتقافز كأرنب مما جعله يتنازل و يرفع كفه يمده في الهواء مشيرا لها أن تأتي قبل أن يستقر مفتوحا في الهواء وهو يكرر مجددا
تعالي الى هنا
اقتربت منه على مضض وبخطواتٍ بطيئة الى أن جلست بجواره على حافة السرير تنظر إليه بطرف عينيها خوفا من أن يقدم على أي عمل متهور و على الرغم من تحفزها واستعدادها الكامل , الا أنها صرخت بقوة ما أن انقض عليها مرتفعا ليسحبها من خصرها حتى ارتمت بين ذراعيه وما أن استقر العالم من حولها بعد أن ماد بها , حتى نظرت إليه وهو ينظر إلى وجهها مشرفا عليها بملامح بدت جادة متفحصة ثم سألها فجأة بصوتٍ صارم خفيض
ماذا بكِ ؟!
ابتلعت ريقها و تحرك حلقها بصعوبة وهي تهمس متلعثمة
ماذا بي ؟!
جالت عيناه فوق ملامح وجهها الشاحبة وحدقتيها المهتزتين حتى ضاقت هاتان العينان المتربصتان ثم سألها أخيرا بصوتٍ بدا طبيعي جدا
هل استمتعتِ بليلة عرسك ؟
اتسعت عيناها للحظة ثم سارعت بإبعادهما عن عينيه وهي تعض شفتيها شاعرة بالرغبة في الهرب الى الحمام كي تستعيد توازنها , لكن انتظاره جعلها ترد بصوتٍ مقتضب خافت
نعم شكرا لك
ازداد عبوسه بشدة حتى أن ذراعيه اشتدتا من حولها للحظة دون إرادة منه الا أنه عاد و أرخاهما وهو يجيب ممتعضا بعد فترة طويلة
العفو , أنتِ على الرحب
ثم تركها فجأة ليستقيم جالسا على حافة السرير مطرقا برأسه مما جعلها تنظر إلى ظهره بدهشة و عجز قبل أن تجلس هي أيضا خلفه تراقبه و هي تعض على جانب شفتها بتوتر وبداخلها رغبة في رفع يدها لتلامس ظهره دون أن تعرف السبب
ثم تساءلت بجنون ما الذي يمنعها ؟! لقد أصبح زوجها الآن وإن أرادت أن تفعل ذلك فستفعل وبالفعل رفعت يدها مترددة حتى استقرت على ظهره بحنان
للحظة شعرت بتشنج عضلات , وكادت أن تسحب يدها الا أنها حين شعرت به يسترخي تجرأت و ربتت على ظهره بنعومة ولا تدري كيف واتتها الجرأة لتسأله بخفوت شديد كي تتدارك مستواها المتدني في فن إسعاد الزوج
وماذا عنك ؟!
التفت قليلا عاقدا حاجبيه وكأنه لم يفهم سؤالها لكن بنظرةٍ الى وجهها المنخفض و شعرها المتدلي على وجهها و حول عنقها الغض تأكد أنها بالفعل سألت السؤال الذي سمعه
فمد كفه تحت ذقنها حتى اضطرت الى النظر إليه مرغمة وكانت عيناه عبارة عن مزيج غريب ما بين النظرة الحنونة الشغوفة التي اعتادت رؤيتها بداخلهما وشيء آخر و كأنه حاجزا يرفض السماح لها بتجاوزه وكأنه يخوض صراعا لا تفهمه
ثم قال أخيرا بصوتٍ خفيض أجش
لم يتسنى لي ليلة أمس أن أخبرك عن مدى جمالك ! حين رأيتك دون حجابك للحظة الأولى شعرت و كأن هناك خلل طفيف في ضربات قلبي ولكمة في معدتي , سبق وتخيلتك كثيرا , لكن لم أتوقع أن تكوني بهذا الجمال الصافي الرقيق أبدا
كانت أصابعه تلاحق خصلات شعرها العسلي المتموجة فوق كتفها وهو ينظر إليها مسحورا أما هي فقد أصابها نفس السحر , لكن السحر بكلماته !
ففغرت فمها تستمع إليه متمنية أن يطيل الكلام أكثر وأكثر لم تشعر بهجة في حياتها توازي بهجة سماع تلك الكلمات و بتلك النبرة !
حين صمت تأوهت روحها خسارة وودت لو ترجته كي يتابع لكنها بادرت هامسة بخفوت
أعرف أنني ربما لم أكن ربما تخيلتني بما أنني امرأة سبق لها الزواج من قبل , سأكون أكثر
صمتت و هي تتنهد بحزن مطرقة برأسها شاعرة بالحرج الا أنه قال بصوتٍ خافت باهت
أنتِ تماما كما تخيلتك بل ربما أكثر أنت كطوقٍ من الياسمين
رفعت عينين يلونهما أمل طفيف وهي تسأل بتردد
حقا !
أومأ برأسه ببطء وهو يميل إليها يحيط خصرها بذراعيه ويضمها الى صدره بقوة طابعا شفتيه فوق وجنتها مغمضًا عينيه لفترة طويلة جدا , بينما تنهدت مبتسمة
كم تود لو تخبره أن تلك القبلة فاقت كل قبلات ليلة أمس جمالا ربما لأنها أشعرتها بأنها معه هو حقا
لكن ليلة أمس و كأنها كانت مع رجل غريب تماما
عقدت حاجبيها فجأة شاعرة بانقباض القلب من هذا التفكير الغريب ما الذي جعلها تشعر بذلك ؟!
شعرت بأصابعه تلامس المبذل الحريري المحكم حولها وسألها رافعا حاجبيه
هل تشعرين بالبرد ؟!
انتبهت فجأة الى تغيير لمساته , فابتعدت عنه و هي تزيد من ضم حافتي المبذل الى صدرها قائلة بصرامة
نعم هل هناك مشكلة ؟!
ازداد ارتفاع حاجبيه لكن أصابعه عبثت بربطته قائلا بنبرة متزنة وهو يميل فوق الطاولة الجانبية ليلتقط نظارته و يضعها فوق عينيه
لا مشكلة أبدا لكن نحن في بداية الصيف , لما لا تتخففين من هذا ؟!
رأت ربطة المبذل تفتح بسهولة , فقالت بتوتر
لا شكرا أنا أريده هكذا , لماذا وضعت نظارتك ؟!
أجابها ببساطة مبتسما
لأرى بوضوح أكبر
تورد وجهها أكثر , الا أنها أومأت برأسها قائلة بتحفظ
آه نعم اذن سأتركك لترى بوضوح أكبر وسأخرج لأعد لك الفطور
حاولت النهوض بسرعة , الا أنه كان أسرع منها فأمسكها بقوة ليحملها بين ذراعيه وهو ينهض واقفا فصرخت قائلة بخوفٍ وهي تتشبث بعنقه
أنزلني يا عامر ستوقعني أرضا
ارتفع حاجباه بدهشة حقيقية هو يقف مكانه ليسألها
أوقعك ! ألم يحملك أحد من قبل ؟!
سكنت سلوان بين ذراعيه وهي تهز وجهها لتبعد شعرها عنه هامسة بحرج
مطلقا والله
ابتسم ببطء وهو ينظر الى وجهها طويلا , ثم ضمها الى صدره ليريح وجهها على كتفه هامسا في أذنها بصوتٍ أجش
اذن سأعوضك عن هذا التقصير بلا شك
ابتسمت سلوان و قلبها يخفق بعنف وسعادة لم تشعر بها حين استيقظت من النوم قبله وشعرت في هذه اللحظة أنها بدأت تقع في غرام هذا الرجل , وأن الحياة ستكون جميلة معه بكل تأكيد !
...
تناول آخر قطعة من فطوره الشهي , قبل أن يدس أخرى في فم روان الجالسة على ركبتيه , ثم رفع وجهه ناظرا إليها وهو يراها تعد له الشاي مضيفة له أحد فروع النعناع
فابتسم ببطىء وهو يراها كما لم يراها من قبل في هذا المطبخ حتى الآن لا يصدق أنها نفس المرأة بهذا الشعر الذي استغرقت وقتا في تجفيفه حتى ينسدل على كتفيها بتلك الصورة الساحرة
وليكسر الصمت بينهما سألها بلطف
من أين أحضرتِ النعناع ؟!
ازدادت ابتسامتها دعابة و جمالا وهي تجيبه بنعومة دون أن ترفع وجهها
قمت بزراعة بعض الفروع منه في الحديقة منذ أيام
ارتفع حاجبا عامر يسألها بدهشة متسليا
هكذا دون استئذان !
رفعت وجهها تنظر إليه بملامح جميلة فقدت الكثير من توترها وهي تجيبه مشاغبة
كنت لأعتذر قبل ليلة أمس لكن بعدها , لا أرى للاعتذار ضرورة
ارتفع أحد حاجباه وهو يسألها بخبثٍ مؤرجحا روان بربكته
حقا ! ترى ما الذي اختلف بعد ليلة أمس ؟!
على الرغم من ارتعاشة ابتسامتها الا أنها حافظت عليها وأجابت بخجل
قصدت أننا تزوجنا بالأمس وعليه يمكنني زراعة بعض النعناع في الحديقة بالتأكيد
ازداد عمق ابتسامته دون أن يحيد بعينيه عنها ثم أجاب متشدقا
بالطبع يمكنك
رفعت إليه وجها متألقا و سألته بنبرة شديدة اللهفة
بمناسبة الزراعة , هل يمكنني اذن زراعة بعض مما أحتاج في الجزء الخلفي من الحديقة ؟!
أجابها عامر بثقة و سرور بالغ وهو يراقب بهجتها الطفولية
أما قلتِ أنكِ لا تحتاجين الى اذن بعد ليلة أمس
تجاهلت تلميحاته و ردت بجذل
لا أصدق هذا والله لا أصدق , كان أجمل أحلام اليقظة الخاص بي هو أن يكون لدي بيت بحديقة , أزرع فيها ما أحتاجه للفطور والغذاء أخرج صباحا مع صوت العصافير , لأقطف ما أريد
سألها عامر ببطء
هل هذه هي أقصى أحلام اليقظة الخاصة بكِ ؟!
تألقت عيناها كنجمتين و هي تبادله النظر هامسة
ولم اتخيل يوما أن تتحقق شكرا لك يا دكتور أقصد يا عامر
شعرت بمدى غبائها وهي تخطئ فتناديه بلقبه , لكنه لم يهزأ بها هذه المرة , بل ابتسم لفترة قبل أن يومىء برأسها مجيبا بخفوت
العفو أنتِ على الرحب يا سلوان والحديقة أصبحت ملكك منذ اليوم , أضيفي إليها من جمالك
تلونت ابتسامتها بلون الامتنان و الرقة وهي تختلس النظر لعينيه ثم سألته بخفوت كي تتخلص من ارتباكها
اذن متى سيصل الحاج علام أقصد دكتور علام
ضحك عامر وهو يهز رأسه قائلا بتعجب
مسكين الحاج علام يصعب على لسانك التعطف عليه باللقب , بينما تشجين به آذاني في أوقتٍ شديدة الغرابة !
حاولت كتم ابتسامتها , الا أنها لم تستطع فضحكت ضحكة صغيرة و هي تقول بخفوت
لا أراك سوى طبيبا بينما لا أشعر بالمثل تجاهه
سألها بدهشة وهو يتراجع في مقعده
عجبا , لماذا ؟!
هزت كتفها قائلة ببساطة
لا أعلم حقا ربما لأنك تجيد مداواة الناس , أما هو فلا
صمتت للحظة , ثم ضحكت قائلة بحرج
لو سمع أهل الطب كلماتي العاطفية البلهاء , لرموني بالقباقيب
لم يجبها عامر على الفور , بل ظل يراقبها مبتسما , فازدادت ابتسامتها جمالا وهي تختلس النظر إليه تبادله النظرة بأخرى ولم يقطع لحظة تواصلهما تلك سوى دخول لوسي معتذرة بتهذيب , ثم سألتهما سؤالا
مما جعل سلوان تجيبها بلطف و قد تعودتا التفاهم منذ فترة طويلة
أنا من ستعد غذاء الدكتور عامر يا لوسي , شكرا لكِ يمكنك الاهتمام بباقي البيت
ارتفع حاجبا لوسي و هي تنظر الى عامر متسائلة , الا أنه أومأ لها مبتسما و طلب منها الخروج من المطبخ ببساطة
وما أن خرجت حتى أنزل روان أرضا , ثم وقف خلف سلوان ليحيطها بذراعيه ممسكا بحافة الطاولة بقبضتيه على جانبيها ثم همس في أذنها بنعومة
تريدين الطبخ في أول أيام شهر العسل يا سلوان ؟!
ارتبكت و تلونت و كادت أن تصدم كوب الشاي بيدها المرتعشة , الا أنها أجابت مبتسمة بعفوية
لن تقوم بطلبات زوجي سواي
ارتفع حاجباه الا أنه لم يبتعد بل قبل عنقها قائلا
لا داعي للمبالغة طالما يوجد من يقوم بالمهمة
التفتت بوجهها المتورد إليه و كادت شفتاه أن تلامسا شفتيها من شدة اقتراب وجهيهما الا أنها أجابت بثقة
لو كان هناك من يقوم بالمهمة لما استعنت بي من البداية
ضحك ضحكة رنانة وانقض عليها مختطفا قبلة سريعة منها افقدتها توازنها فاضطربت و رمشت بعينيها وهي تضربه بقوة على ذراعه مشيرة بعينيها الى روان الجالسة أرضا تلعب بهدوء
الا أنه أحاط معدتها بذراعه قائلا بصوتٍ أجش مسرور
أصبحتِ تجيدين الرد كلمة بكلمة
ضحكت بنعومة و هي تحاول التخلص من ذراعه عبثا فقالت متنهدة
الأمر فقط أنني لا أحب أن يأكل زوجي من يدي غيري هذا ما تربيت عليه و مقتنعة به
أدارها إليه بلطف ونظر إلى عينيها طويلا ثم قال أخيرا بهدوء
ما رأيك في حل وسط لما لا أدعوكِ لتناول الغذاء في الخارج
عقدت سلوان حاجبيها و هي تقول متذمرة
أكل من الخارج ! لا أستسيغ أكل شيء لا أعرف كيف أعد أو إن كان من أعده قد غسل يديه قبلا أم لا ! تخيل أحدهم خرج من الحمام و باشر في إعداد الطعام دون غسل يديه !كيف يمكنك المجازفة
ضحك عامر مغمضًا عينيه وهو يقول بيأس
كم أنتِ مقرفة يا سلوان !
ثم فتح عينيه ناظرا الى عينيها قائلا بتحدٍ
ومع ذلك لن يمكنك إثارة قرف طبيب سابق مهما قلتِ سنأكل في الخارج و نأخذ المجازفة
مطت شفتيها قائلة بإمتعاض
أنت تتصرف مثل درة تماما فهي أيضا تهوى طعام الأسواق والوجبات السريعة
صمتت للحظة بعد أن انخفض صوتها وطال الحزن عينيها , بينما عامر يراقبها بدقة ثم سألها بعد فترة
ألازلتِ على خلافٍ معها ؟! لاحظت أنها لم تخرج من غرفتها لتوديعك بالأمس !
زمت سلوان شفتيها وقالت بصوتٍ متجهم لكنه يفتقر الى الثقة
ما حدث لا يطلق عليه خلافا , فمن تفضحني وتتسبب في أذيتي أنا وبناتي لن أثق فيها مجددا أبدا
لاحظ عامر تشنج جسدها وأصابعها التي أخذت تنقبض وهي تبتعد عنه متابعة بخفوت
سيبرد الشاي اجلس واشربه
لكنه لم يرد عليها بل سألها بفضول
أليس لديكِ أي صديقاتٍ سواها ؟!
نظرت إليه متفاجئة , ثم قالت باقتضاب وهي تجمع أطباق الفطور
درة لم تكن يوما صديقتي لقد أجبرتنا الحياة على التعامل سويا , لكن بعد أن آذتني لم يعد هناك ما يجبرني على الوثوق بها مجددا
استند الى حافة الطاولة وهو يراقبها تغسل الأطباق بذهنٍ شارد وحركاتٍ متوترة فسألها مجددا
ألم يكن لديكِ صديقاتٍ من قبل ؟!
وضعت آخر طبق ثم جففت يديها قائلة بابتسامة صغيرة
كان لدي صديقات أيام الدراسة في المدرسة والكلية لكن للأسف لم تستمر أي منها و لا أعرف أي شيء عن أي منهن الآن مرت سنواتٍ طويلة جدا
سألها بدهشة
و لماذا لم تستمر صداقتك بهن ؟! جميعهن قطعن صلتهن بكِ دون سبب ؟!
ارتبكت قليلا و قالت بحرج و بصوتٍ خافت
تعرف السبب تركت الدراسة
عقد حاجبيه بعدم فهم فسألها مكتفا ذراعيه
ما علاقة الدراسة بالصداقة ؟! .
شعرت بحرجٍ أكبر و هي تهمس قائلة
تزوجت فاضطررت للانشغال بحياتي
ضاقت عيناه يراقبها , ثم سأل ببطء
أنتِ من قمتِ بقطع صداقتك معهن , لأنكِ تزوجتِ !
كم أشعرها السؤال باحتقارٍ قديم كانت تكنه لنفسها لم تواتها الفرصة حتى اليوم للإعتراف به فتنهدت قائلة بخفوت معترفة
بعد أن أقنعني حسين بترك الدراسة توالت الممنوعات ومنها الخروج وزيارة صديقاتي ولم يسمح لي الا باستقبالهن في البيت لو أردت الاستمرار في تلك الصداقة وبطبيعة الحال كنت أنا أول من تزوجت بينهن لذا
صمتت قليلا وهي تهز كتفها ناظرة إليه نظرة مستسلمة دون الحاجة للمتابعة , الا أنه أصر سائلا بجدية
ماذا ؟!
تضاعف حرجها وشحبت ملامحها فقالت بتوتر
تعرف لم أشأ وضع البنزين بجوار النار ووجود صديقاتي في البيت بين الحين و الآخر جعلني أخاف من أن ينظر اليهن حسين
صمتت قليلا مخفضة وجهها أمام حاجباه اللذان ارتفعا أكثر باتهامٍ ظاهري متعجب ثم قالت بصوتٍ خفيض يائس
هذا ما تربيت عليه ولم أكن قد تجاوزت السابعة عشر فلا تحاكمني
لاحت شبه ابتسامة على شفتيه وهو يقول بهدوء
لم أحاكمك لكن أتساءل , طالما أخذتِ حذرك بهذا القدر من الاهتمام , فلماذا لم ينجح الأمر وتمكنت من المحافظة عليه ؟!
ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيها و هي تقول بخفوت
مر وقت كافٍ قبل أن أكتشف مكالماته الطويلة الليلية ورسائله مع نساءٍ لا يعرفهن و لم يراهن حتى ثم سرعان ما تحولت الخيانة لواقع وعرفت و اضطررت للصمت حفاظا على بيتي وطفلتي وبنصيحة جدتي رحمها الله أنه لا رجل مخلص تماما ولكل زوج نزواته و الزوجة الذكية هي التي لا تسمح لنزوة أن تخرب بيتها وتشرد أطفالها وبالفعل استمر بي الحال على هذا المنوال الى أن فوجئت به يطلقني بعد كل احتمالي وصبري كي أنقذ بيتي من الخراب
صمتت للحظة مطرقة بوجهها ممسكة بحافتي الحوض ثم تابعت قائلة بسخرية
فوجئت به يقول لي ذات مساء بعد العشاء . أنا لم أعد أريد الاستمرار في هذا الزواج ذهلت و ظننته يمزح وحين تأكدت بأنه جادا بكيت و ترجيته والآن إن حاولت الاتصال بإحدى صديقات الدراسة , فإغلاق الخط في وجههي أكثر ما قد تفعله تهذيبا
صمتت وهي ترفع يدها الى جبهتها تهز رأسها ببطء ثم رفعت وجهها إليه تسأله بغضب
ما سبب كلامنا عن هذا الماضي المرير في صباحٍ كهذا !
راقبها طويلا ثم قال بهدوء
تعجبت فقط من فكرة تقبلك للخيانة ترى هل ستتقبلين نزواتي حفاظا على زواجنا بنفس التفاني ؟!
اتسعت عيناها بذهول غير مصدقة ثم أمسكت بأحد الأكواب تضعه في الحوض بقوة هاتفة بغضب
لا أريد الكلام عن الخيانة مجددا أبدا
انتفضت روان من صيحة أمها فرفعت وجهها تنظر إليها بخوف بينما استقام عامر و اقترب منها
ببطء حتى أحاطها بذراعيه حتى ارتاح وجهها على صدره فلم تستطع منع نفسها من تحرير دموعها الصامتة وهتفت بألم
لماذا أجبرتني على البكاء الآن ؟!
رفع أصابعه ببطء ومسح بها دموعها وهو يهمس في أذنها بخفوت
ربما أردت نفس هذا التمسك منكِ بحياتك الزوجية السابقة ربما طالبتك به يوما
رفعت سلوان وجهها إليه وهمست بضعف
من جهتي أنا , لا أجيد سوى الصبر فلا تخذلني لتختبره
ابتسم عامر ابتسامة حنونة وهو يتأمل ملامحها التي زادتها الدموع الناعمة جمالا ونظرة الإخلاص في عينيها ممتزجة بالحزن جعلا منها قبلة للنظر
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي