الفصل السابع

استمر البحث عن باري لأكثر من شهرين ولم تحدث أي نتيجة إيجابية وهذا بدأ يخيف الجميع، وقد أخبرهم أحد أصدقائه أنه سافر لكن لا يعلم أين فقد بحثوا عن اسمه في كل المطارات والرحلات داخل وخارج البلاد ولكن لا يوجد اسمه، وسيارته مفقودة معه هو اخذها معه كما أخبرتهم روبي أنها صرخت له ولكن كان شارد البال ولم يرد عليها وعلموا وقتها أنه لم يخرج من حدود البلاد ولكن إلى اين ذهب لم يعلموا، كان الجميع خائف ويلومون وليام وقاطعوه تماما وبيري تخبره أنها لن تسامحه اذا حدث شئ لوالدها فقرر البحث بنفسه داخل وخارج كندا ولن يرتاح له بال حتى يعثر على والده المسكين كلما تذكر كلماته الجارحة والقاتلة له كره نفسه جدا بحث في كل أنحاء المدينة ركن وشبر بشبر في كل زوايا المدينة حتى في الجبال وأماكن التخييم والسفاري وكل مكان لم يجده اقتنع أن والده خارج المدينة لذا خرج وبدأ في البحث عنه و ينقطع لعدة أشهر عن المنزل ويعود فقط من أجل أسباب العمل كي يستمر ثم يعود لرحلة بحثه حتى أنه أصبح نحيف جدا وبائس الطلة ويبدو عليه الحزن واليأس ويشعر بعذاب الضمير أصبح انطوائي هدفه في الحياة فقط هو إيجاد والده العزيز لا يخرج مع أحد و لا يتحدث إلا في حدود العمل إن نطق ينطق  بضع كلمات وهو شارد البال طوال الوقت، خافت عليه شقيقته كثيرا فأصبحت تتحدث معه بين الحين والآخر و تدريجيا بدأ الجميع بالخوف عليه بعد رؤية حالته هذه وغريتل بقلبها الرقيق الذي لا يتحمل رؤية طفلها هكذا كانت تتحدث معه بود وتواسيه وهي أول من علمت بعودة نوبات الربو له وهذا عندما اختنق أمامها ذات مرة بالصدفة جائت لتلقي عليه التحية بعد غيابه لعدة أشهر، أخبرته أنه غير مهم فهي لم تفارقه منذ مدة و لكن ما يهمه هو إيجاد باري، حالة وليام كانت يرثى لها حقا لم يكن يضحك إلا مع لويزا التي هي قطعة من روحه لأنها ابنة الغالي لا يبتسم إلا لها ولا يكلف نفسه بعناء ذلك الملاك الوحيد الذي ينير له عتمة وسواد ايامه وحياته، كانت تدخل الفرح ولو لثواني لقلبه، أما هو كان يشعر بالضياع وصراعات عنيفة مع نفسه، كره نفسه أكثر مما كره سينتيا على الأقل هي ماتت وارتاحت من كل هذا العذاب الذي يصرعه في كل ثانية من حياتهء، تمنى لو تقتله إحدى نوبات الربو التي يتعرض لها، حتى دموعه خذلته ولم تعد تخرج، يأبى قلبه التعبير فهو قد أغلق في دوامة من القهر و كبت الألم لأن لا أحد سوف يقف معه الجميع يكرهه حتى أن من يتحدث معه يشعر أن ذلك بدافع الشفقة وهو لا يريد شفقة من أحد، هو رجل وسوف يجد والده ويترجاه كي يغفر له حتى لو كلفه هذا آخر أنفاس في حياته اللعينة التي يتعذب فيها بكل ثانية، الوحيدة التي تبهجه هي لويزا، يشعر فقط بأن مشاعرها صادقة لا أحد غيرها، الجميع يلومه وهم على حق، هو وحده من كان السبب فى ذهاب باري وحده هو من فرط بوالده الحبيب، تمنى الموت في كل ثانية. 
  
وليام كان يجلس في غرفته بعد أن عادت به الذكريات إلى الماضي، كان يقص على مايدا كل ما حدث، لم تعلم هي ماذا تقول أو كيف تعبر عما تشعر به، إن كانت قبلها طبيبة وليام النفسية حكى لها عن ألمه وان السبب خلاف مع باري ولكن للاسف لم يحكي لها كل هذه القصة المأساوية ، كأنه فلم بالسينما وكانت تشاهده، لا تعلم ماذا تقول حقا، فقد شعرت بغرابة كبيرة من كلمات زوجها وحكايته المليئة بالحزن، كيف يمكن للحزن أن يأتي مثل إعصار قوي يدمر كل الذي أمامه من حدائق السعادة المزدهرة بالضحك والفرح الغناء ؟ كيف يمكن لأسباب تافهة أن تدمر حياة كاملة كانت مبنية على أسس من الثقة والحب والاحترام بين أفراد أسرة جميلة عكر صفو عيشتها إمرأة كالحية، خانها هنا التعبير لزوجها عن اي كلم، فهي لا تعلم هل تلومه ام تقف معه أو ماذا ؟
ما فعله لا يغتفر حقا ولكن ألا يكفي عشرة أعوام من المعاناة والبحث والألم، حتى الحزن تمحوه الايام و المواقف تحكمها ظروف والحياة تستمر ولكن في وسط كل هذا نحتاج لبعضنا البعض ونحتاج أن نعود كما كنا ولو بعد حين خصوصا علاقة يربطها دم واسم عائلة واهل مثل عائلة دي وايت التي كانت مثالا للترابط والحب المتبادل بين أفراد العائلة جميعا، هي لم تكن تصدق ذلك لولا إذ رأت بعينها حب العمات الثلاث لأبنائهم وأبناء شقيقهم وشقيقهم المتخفي أيضا، رأت هذا في حبهم لأطفالها الصغار والحنان الذي يغمرونهم به بريندا، غريتل، سامانثا  حتى لويزا الصغيرة تحبها هي وأطفالها كان هذا الدليل القاطع لها بأن قصة وليام ليست محض خيال من شخص متعب نفسيا من الضغوط التي تعرض لها خلال هذه العشرة أعوام  لكن يا ترى بعد كل هذا البعد والحرمان لسنوات هل ستعود حبال الوصال منعقدة مرة أخرى بينهم ؟ام سوف يطول الجفاء الكاذب بين اب يتوق إلى عناق ابنه وإبن يقتل نفسه ليحصل على المغفرة من والده ويعود تحت كنفه ؟

   بالنسبة لواكين كل هذا ارهق تفكيره بالتفكير بالطفولة التي عاشها وبالحرمان الأسري الذي تعرض له يرى أن صديقه يجب أن يسامحه طفله ،فالابناء يخطئون وعلينا مسامحتهم  وقد حصلوا جميعا على حظ وافر من السعادة لوقت طويل وهناك كفة الميزان يجب أن يتعادل الحزن والفرح وهذه العشرة أعوام كانت عقاب كافي جدا لوليام فالمسكين يعاني أكثر مما يفعل أحد غيره صحيح أنه لا أحد يستحق أن يتعرض لكل هذا الكم من القهر وصحيح أنه هذا ضريبة أفعاله ولكن هو كان صغير وطلب الغفران الذي لم يحصل عليه الآن وكل شخص يستحق فرصة أخرى في الحياة خصوصا من يتعلم من خطأه، لكن هذا ليس فقط ما كان يشغل عقل واكين العجوز فالفتى الذي ظهر فجأة بحياته مدعيا أنه إبن شقيقه الذي لم يراه منذ أكثر من خمسين عاما هذا أحدث ضجة كبرى بعقله وأفكاره هو يشبه إدوارد لكن هل هو حقا يشبهه فقد غابت ذاكرته كثيرا عن رؤية إخوته الذين اتجه كل منهم في طريق مختلف في هذه الحياة منذ نعومة أظفارهم ولا يعلم احد شئ عن الآخر منذ سنين طالت جدا الفتى لا يريد منه شئ  هو فتى مهذب وهادئ وأيضا محترم ويملك وظيفة محترمة براتب كبير و ليس محتاج ليرث شئ منه لكن ماذا يريد منه فقط أراد أن يعلم ولكن كيف سيعلم إن كان يرفض مقابلته؟
إذن هل يحكم عقله ويرى ماذا يريد منه الرجل ام يتركه يتخبط هكذا أم ماذا، فكر كثيرا وفي نهاية الأمر عقد الأمر على مقابلته إن كان طامعا بشئ أو يريد شئ مستحيل وغير منطقي سوف يكون كما عاش حياته قاضي فاصل لكل أمر كاذب وان كان شئ آخر ليكون ما يكتبه الله ولكن لينتهي من هذا الأمر حتى لا يشغل باله بالتفكير فيمرض أكثر هو رجل عجوز ليس له أحد ومصاب بالضغط ويريد أن يعيش بقية أيامه في سلام تام.

باري كان يقهر روحه بالتفكير هل يغفر ام يقوي رأسه ويقسي قلبه، ما فات قد مضى وانتهى ويكفي كل هذا البعد لعشرة أعوام، هو لم يكن يعاقب في وليام وللصدق، هو يعاقب في نفسه إن جاء للحق ، حرم نفسه دفء العائلة وحب أخواته لوقت طويل جدا، حدث خلاف بينه هو و وليام هذا لا يعني أن أيضا الجميع لديهم ذنب، ما ذنب اخواته، ما ذنب ابنته التي اشتاق لها كثيرا وما ذنب الذين يحبونه مع هذا كله، لمدة عشرة أعوام جعلهم يشعرون بقلق وخوف، لقد كان اناني جدا فقد كرست أخواته حياتهن كلها من أجله، لكن هو ماذا فعل هجرهن بقسوة حتى أنه لم يفكر يوما بالاطمئنان عليهم، لقد كان حقا اناني ويحب نفسه فقط شعر بحزن نفسه ولم يرى الحزن الذي سببه لاخواته، بيري التي ربته مثل الأم وغريتل رقيقة القلب التي هي مريضة وفوق فقدانها للاحباب زادها هو عليه، سام التي تحترمه بشدة، لقد قسى على نفسه وعلى الجميع والآن كل هذا يكفي.

   واكين قابل الفتي الذي لو رأيته لأقسمت أنه ابنه هو وليس ابن شقيقه تحدث معه وعلم من الفتى لا يريد شئ سوى أن يلتقيه كل فترة و يطمئن عليه أحضر الفتى أوراق تثبت صحة قوله، أراد منه أن يعرفه على أبنائه الصغارء قال أن ابنته الكبيرة تدعي ماري وهي بالمرحلة الثانوية وتتمنى أن يكون لها جد تحبه وقد توفي والده سئ السمعة منذ أعوام، أخبره أن والده كانت أعماله مشبوهة بمنظمات المافيا وغيرها وقد ترك لهم ثروة كبيرة ولا أحد يعلم أن له ابناء لانه كان بإسم مستعار، والفتى كان محامي وفنان يرسم لوحات المزازيكا حتى أن ابنته أخذت هذه الموهبة منه، طلب منه فقط أن يتعرف على أحفاده وأن يزوره ويطمئن عليه، أخبره أن والده كان يعرف بكل شئ حول إخوته و كان يراقبهم ويبعد عنهم كل من يحاول أن يؤذيهم، أعطاه مذكرات والده قال له أن والده قال له ذات مرة " صحيح انني لم أكن لإخوتي السند والأب الآخر ولكن سأحاول أن أكون لهم الملاك الحارس، تأثر واكين كثيرا إذن اخوه لم ينساه هو منذ البداية لم يلوم اي من إخوته لأنهم جميعهم ضحايا لأم غير مسؤولة ولكن أثره كثيرا أنه علم أن اخاه لم ينساهم أبدا يوما وكان لهم الحارس الخفي، هو نسي إخوته الذين باعدت بينهم الايام وللحق لم يبحث عن اي منهم لانه لا يعرف من أين يبدأ، فهو قد كان صغير جدا حينما افترقوا وكان قد نسي أشكالهم ويتذكر فقط خيال مشوه، أما عن هذا الفتى فهو يشبهه كثيرا كأنه ينظر لنفسه في المرأة ويرى صورته عندما كان شاب لو لم يرى هذه الأدلة لأقسم أنه ابنه من إحدى النساء اللائي عاشرهن ولم تخبره بحملها، ولكن فتى صغيرا مثله في بداية الثلاثينيات كيف تكون له ابنة في الثانوية  ،عندما سأله أخبره عن قصة الحب التي عاشها مع فتاة بالمدرسة وحملت منه وقتها والده لم يوافق على أن يزوجه لها لانه كان صغير جدا وهي كانت لا تريد أن تتزوج وتتحمل المسؤولية لذا تركت له الطفلة وذهبت فكان يدرس ويربي ابنته الاي يتركها عند مدبرة المنزل التي ربته منذ الصغر عندما دخل الجامعة كان قد التقى بزوجته اكساندرا التي أحبت ابنته قبل التعرف عليه و بعدها تعرف عليها وأحبوا بعضهم وحينما أكتشفت أن الطفلة التي تحبها هي نفسها ابنة حبيبها الذي حدثها عنها تزوجته بسرعة وأصبحت أكثر من ام لماري التي لم ترى امها لليوم ولا تحاول البحث عنها وتعلم أن امها فقط هي اكساندرا التي ربتها و لا ترى اما غيرها، تأثر واكين بالقصة وتمنى التعرف على هذه الطفلة المسكينة التي عانت مثله من نكران الام وحمد الله انها مقتنعة بأن والدتها ليست امرأة طيبة لتبحث عنها والآن هي شاكرة للتي ربتها و تحبها أكثر مما لو كانت امها الحقيقية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي