الفصل الرابع رفيق الدرب

قدر Omnia 2285كلمة
عاد من عمله بعد طول غياب ، لم يكن ينوى العودة الان إلا ان حديث والدته عن تعب اولاده هو ما جعله يحضر فى اجازة سريعة ليطمئن عليهم ، يعرف انه مقصر فى حقهم ، لكنه مازال غاضب من نفسه، يحمل نفسه مسؤلية غياب والدتهم ، و التى تأكد انها تعرضت للخطف ، نتيجة عمله على يد احد الجماعات الارهابية بغرض الضغط عليه بعد القاء القبض على احد القيادات الهامة لديهم ، و بعد حملات التطهير التى يقودها ، و التى اودت بحياة العديد منهم .

يقع الان حائر بين عمله و بين زوجته و ام اطفال ، على الرغم من ما يقوم به رؤسائه ، و القيادات فى الجيش من البحث و التحري الا انه يشعر بالعجز كيف تخطف زوجته من منزله و فى وسط عائلته ، عقله لازال لم يستوعب ما حدث .

طرقت سعاد غرفة شقيقها التى انتقال إليها منذ غياب زوجته اى منذ ما يقارب الثلاثة اشهر ، وهو يعيش فى تلك الغرفة بعيدا عن ذكرياته معاها .

_ ادخل يا سعاد ، ادخل يا قلب اخوك

اقتربت منه سعاد والقت بنفسها بين ذراعي شقيقه ، فهو ليس مجرد شقيق لها بل هو الاب و الصاحب و الصديق ، على الرغم من صغر سنه وقت وفاة والدهم الا انه عين نفسه اب لها

لم يتحمل عليها نسمة الهواء دائما ما كان سند لها ، حتى فى مواجهة والدتهم الحاجة بخيته ، و التى رفضت بشدة ان تكمل سعاد تعليمه ، لكن هو اصر عليها حتى دخلت شقيقته الى الجامعة ، و تخرجت منذ عامين من كلية الهندسة ، و تم تعينه فى الجامعة معيدة نتيجة تفوقها ، يشعر بالفخر بها حينما يراها تتقدم فى عملها فا هى على وشك مناقشة رسالة الدكتوراة الخاصة بها .

ام عن والدته ترى انه هو السبب فى عنوسة، و صرف تفكيرها عن الزواج ، ، لذا تحاول الان بشتي الطرق اقناعه بالزواج من تميم ، ابن عمه البالغ من العمر ثلاثة و ثلاثين عاما ، اي يصغر ببضع سنوات ، هو رجل لا يعيبه شئ يمتلك من المال الكثير و لديه السلطة و النفوذ فى البلدة الجميع يخشاه

لكنه يفتقد اهم صفة و هى التوافق بينه و بين شقيقته ، و التى على وشك ان تحصل على درجة الدكتورة ، و هو لم يحصل على شهادة علمية ، حتى ولو متدنية ، فلقد ترك التعليم منذ المرحلة الابتدائية ، رغم غضب والده و اصرار عليه حتى يحصل على شهادة ، و رغم مقارنة بهم الا انه خيب امال والده ، حتى يأس الاخر فى النهاية منه ، و قرر ان يعمل مع فى الارض و التجارة ، ففي النهاية هو الوريث الوحيد له هو و شقيقته سندس ، و التى تصغره بعشرة اعوام ، و رغم تفوقه الا انه منعه من استكمال دراسته و هو الامر الذى حاول التدخل فيه اكثر من مرة ، حتى تفاجأ وقتها بردت فعل والدته حينما اخبرت

_ رايد ان سندس تكمل علامه يا عاصم يا ولدى يبجي تتجاوزها ، و تبقى مرتك على سنة الله و رسوله و انتا الوحيد اللى ليك الحق و الحكم عليها ، تأمر و تشرط كمان براحتك ، و محدش يرد لك كلمة .

_ ايه الكلام ده يا حاجه اني اتجوز سندس انا اكبر منها بكتير يا امه ، و غير كده انا باعتبارها اختى كانها سعاد يمه ، و لو على العلم انا هتكلم مع تميم تانى ، وربنا يصلح الحال و يفتح مخه معايا .

_ واه واه واه سن ايه اللى عتتكلم عنيه ، ده انا الفرق بيني و بين ابوك كان عشرين سنة ، و بسم الله ماشاء الله على سندس بت كيف فلجة القمر ، وست بيت شاطرة تفتح دار و تدورها لوحدها ، وهى مش سعاد يا عاصم ، و لا عمرها كانت خيتك .

_ يا اما افهمني انا مش شايفه مراتي و لا عمري اشوفه ، غير اختى الصغيرة .

_ لازم تشوفها يا عاصم عشان مالك و مال اخواتك و املاك العيلة ، اللى تركتهم فى يد اخوها يديرها ، و عشان نصيبها اللى بكره يبقى ملكك لما تتزوجه

_ يمه تميم يتعامل معايا بما يرض الله و لو لحظت انه فى حاجه غلط الغي التوكيل و كل حاجه ، وعموما عشان تطمن كلها كام شهر و يرجع احمد من السفر و يمسك كل حاجه

_ الكلام معاك ما منوش عازة ،

خرجت يومها والدته غاضبة منه ، لانه لم يسير وفق هواها .
سكتت والدته عن الحديث فى ذلك الامر حتى التقي عاصم ب عاصي ، حينها قامت الدنيا فوق رأسه و اشتدت ثورة والدته ضده يشاركه تميم الرأى ، اما عن سعاد و احمد شقيقه كانوا داعمين له فى موقفه خصوصا بعد ، ما تعرض له عاصم من ازمة نفسية اثرت عليه لفترة تصل الى عامين


نتيجة استشهاد صديقه المقرب امام عينيه من رصاص احد التكفيريين ، وقتها لم يستوعب ما حدث معه خصوصا و انهم كانوا يتحدثون سويا و يخبره صديقه ، عن اعجاب بأحد الفتيات فى القرية و عن رغبته فى التقدم لها للزواج منها .

وقتها هنئه عاصم و فرح من اجله كثيرا و تمني له السعادة فى حياته القادمة ، خصوصا مع معرفته ان تلك الفتاة هي الاخرى معجبة به .


لم يكن عبد الرحمن مجرد صديق فقط بل كان رفيق الطفولة و الصبا و الشباب فهم ابناء نفس القرية ، كانت تجمع العائلتين صلة قرابة بعيدة ، لكن الصداقة كانت الرابط الاقوي ، نشأ معانا منذ الطفولة و حتى الجامعة لم يفترق احدهم الاخر ، حتى عندما تم نقلهم للخدمة فى سيناء حرص الاثنين على التواجد سويا حتى ذلك اليوم يوم الاستشهاد .

لم يغمض لهم جفن ظلوا يتسامروا

_ قول اللى عندك يا عبده و مطير النوم من عينك

_ دايما فاهمني يا صاحبي ، شكل العشق دق على بابي و انى مش واخد بالى .

_ واه واه واه واه كانك و وقعت يا ابن زيدان ، ومحدش سمي عليك .

_ شكلها كده يا عاصم ،بقيت استنى الاچازة بفارغ الصبر ، عشان املي عنيه من طلته و تكحل العين برؤيتها ، فيروز و الاسم لايق عليها كانه تخلق عشناها هى دون عن بنات حوا .

_ واه واه راح تقول الشعر فيها كمان ، ده انتا حالتك صعبة جوووى ، بس بردك اتحشم يا ولد عندينا زيها خوات .

_ رايد يدها فى الحلال يا صاحبي ، كلمت امى تروح تتحدت ويا اهلها ، واول يوم لينا فى الاچازة الجاية ، هاخدك من يدك معايا و اروح دارهم رمح تطلب لى يدها و تبجي مراتي على سنة الله و رسوله .

_ مستعجل جوى كده ليه ، هى راح تهرب اياك .

_ خايف تروح منى يا صاحبي بعد ما القلب مال و تعلق ، و مبجاش رايد وصال غيرها .

_ ربنا يقرب ما بينكم فى الاحلال و يكتب لكم الخير دايما ، و افرح بيك احلى عريس ، وليك عليه ارجص فى فرحك للصبح و على الفرس كمان .

ضحك عبد الرحمن من شدة الفرحة ، فهو يعرف ان صديق توقف عن الرقص بالفرس منذ توفي فرسه الادهم .


_ كانه العيد والله يا عاصم ربنا يباركلى فيك يا اخويا و عزوتي و ناسي

_ و يباركلى فيك يا صاحبي و اخويا و سند .

_ كان وقت الفجر وجب ، هم بينا نلبي ندا ربك .

_ يلا بينا بس بشرط ام بينا الصلاة يا عبد الرحمن وحشتني الصلاة وراك .

_ والله كانت على بالي و كنت ناويه انهارده ، قلبى فرحان و صدرى مشرح كان انهارده العيد .

_ ربنا يفرح قلبك كمان و كمان .




صدح صوت الاذان بعد ان رفعه احد الزملاء ، استعداد للوقوف بين يد الخالق ، خرج من الغرفة حتى يتوضأ انتهى من الوضوء ، و خرج عبد الرحمن يام المصلين للصلاة اجتمع الكتيبة المتواجدة فى تلك النقطة ، و بقى بعض الزملاء من الإخوة المسيحين فى موضع الحراسة ، لحماية ظهورهم من اى اعتداء ، فلقد اصبح الامر معتاد عليه ، فعادة ما يتم الاقتحام فى ساعات الليل المتأخرة او فى الساعات الاولى من النهار ،

هؤلاء المعتدين غير معتاد سوى على التخفي و الغدر ، دايما ما يختبئون خلف الأقنعة و ظلمة الليل ، و كان النهار يعري ارواحهم

دائما ما كان قلبه يبصر بالغيب ، و كان الله منحه تلك الهبة رضا منه عليه فهو بار بأمه رؤوف فى تعامله مع شقيقته ، يصل الارحام ، لين فى تعامله بين الجميع سواء فى عمله او خارجه
و قلبه ان هناك مكروه سوف يحدث اليوم استغفر الله من الشيطان و همزة .

ما كاد ينتهي عبد الرحمن من الصلاة و فى التشهد الاخير انطلق الرصاص من كل حدب وصوب
تحولت الكتل الخرسانية و الحوائط الى حطام و مازال القذف مستمر ، كانت من اشد و اقوى المرات التى تعرضوا فيها لهجوم بتلك الوحشية .

مهما ادعوا انهم جيش الله و جيش هدفه الاول نصرة الاسلام و المسلمين و رفع كلمة و راية الاسلام عاليا ، لكن يبقي الاسلام منهم براء ، حرمة قتل النفس بغير حق عند الله اشد من هدم الكعبة .

وهؤلاء المدعين قتلوا النفس التى حرمها الله و هتك الاعراض و لم يكتفوا بذلك كذبوا متعمد على الله و رسوله ، حرفوا ايات الله و فسروا و فصلوا فيها وفق أهوائهم و مصالحهم الشخصية ، خربوا البيوت و حرقوا الزرع .

لقد جمعوا كل المعاصي التى اتي بها او مالم يأتي بها من قبلهم من العصاة .

سلم من الصلاة من نجا من الرصاص و سحب سلاحه الموجود امامه اثناء الصلاة ، لا يفارقه كما تعلم فهو فى حرب و قد امر الرسول صلى الله عليه و سلم من قبل اربعة ألاف سنة و اكثر بذلك حتى لا يستغل العدو الامر .

تفرقوا كل يحتمي خلف بقايا جدار كده تحول الكمين فى لحظات الى حطام ، نتيجة القصف المستمر .

حاول عبد الرحمن و عاصم و من بقى على قيد الحياة من زملائهم ما بين ظابط و مجند ، التصدى لذلك الهجوم الشرس و لكن الكثرة تغلبت فى النهاية .

لم يتبقى سوى هو و عبد الرحمن الذى انهال عليه ما تبقى من الجدار ، زحف عاصم حتى وصل الى صديقه و ابعد عنه الحطام ، لتكن المفاجئة ان صديقه اصيب بطلق نار فى منتصف صدره و الدماء تخرج من صدره بغزارة ، حاول عاصم ايقاف النزيف ، لكن دون جدوى الاصابة بالغة ، لم تكن المرة الاولي التى يصاب فيها احدهم ، لكن تلك المرة يبدو انها الاخيرة .

توقف اطلاق النار و القذف و بدا اصوات هؤلاء التكفيريين فى الارتفاع بالتكبير ، دليل على فرحتهم بما حققوا ، لقد وضعوا الالف من الجنيهات مكافاة لمن يستطيع الحصول على رقبته هو او عبد الرحمن نتيجة ما تكبدوا من خسائر فى الارواح و الاماكن التى شن عليها كل من عاصم و عبد الرحمن هجوم

اقتربت اصوات الرجال ، امسك سلاح بذراع الايمن و بالاخر يضغط على جرح صديقه ، بعد ان استنجد بالقيادة اكثر من مرة منذ بداية القصف ، و الإجابة واحدة
( الدعم فى الطريق إليك )
جاهد عبد الرحمن ليخرج صوته بعد ان علم المصير المحتوم له ، لم يعد هناك مجال للنجاة بعد قضي الامر .

حاول الاعتدال بعض الشئ

_ خلاص يا صاحبي دى النهاية

_ اوعي تقول كده يا عبد الرحمن ده جرح بسيط و شوية و الدعم يوصل ، و هعيش و تفرح و تتجوز انتا بس ارتاح شوية .
ابتسم له عبد الرحمن ابتسامة هادئة يخبره بها ان النهاية قد حانت و انتهي الاجل الى هنا .

_ انا مش خايف ده الموت طلع حلو جوووى جوووى ، حاسس انى خفيف كيف الفراشة

بكي عاصم لاول مرة من يوم وفاة والده تسقط دموعه ، و كيف لا تسقط و هو يودع شقيقه حتى ولو من غير الدم لكن هو رفيق الدرب و الرحلة ، تعاهد على البقاء بجانب بعضهم و على الموت سويا ولكن يبدو ان احدهم قد اخلف وعده للاخر دون إرادة منه .

_ انتا هعيش يا عبده احنا مش اتفقنا أما نعيش سوا يا اما ربك يكتب لنا الشهادة سوا ، ليه بتخلف وعدك يا صاحبى دلوقتى و عايز تسيبني .

_ معاد لسه مجاش اوان فى ناس كتير متعلقين فى رقبتك ، و زود انا كمان الحمل عليك ابويا و امى و اخويا حسن امانة فى رقبتك يا عاصم و انا عارف انك قدها .

_ فى رقبة لغاية ما اقابلك

_ ريحت قلبي ، بلغ سلامي لكل للحبايب و قوله القلب حبك بس العمر كان قصير ، جوله تعيش و تتزوج و تنساني ،و لو خطرت على البال تدعي لى بالرحمة ، جول امى هتوحشيني جوى يا غالية و جول لابويا خلفت راجل فضل صامد اوعي تبكى عليه ، واخويا جوله بحب يا واد كانك ابني
جولهم معانا فى الجنة دى حلوة جوووى جوووى

و بلسان ثقيل و انفاس تخبو نطق عبد الرحمن الشهادة .

- اشهددددوا ان لا اله الا الله و اشهدوااا ان محمد رسووووول الله .

صعدت الروح الى بارئها فى ثوان

سحب عاصم جسد عبد الرحمن يضعه على قدميه مثل الطفل ، اغلق عينيه بيده و ظل بعدها يصرخ

_ اااااااااااااااااااااه ه ه ه يا عبد الرحمن ، خلفت وعدك ليه يا صاحبي و سبتني ، ياااااااااااااارب خدني معاه .

على الطرف الاخر يستمع زملائهم الذين صاروا على بعد امتار قليلة منهم الى صوت صراخ عاصم بسم صديقه ، و الكلمات التى يتحدث بها إليه .

حتى سقطت دموع الجميع علي فراق عبد الرحمن من يعرفه و من لا يعرفه .

_ قربوا يا ولاد *** خلاص تعالوا انا لوحدى ، قتلتووووه بس حقه راجع اللى بيني و بينكم بقى تاااار .

ظل يطلق الرصاص من خلال الفتحة القريبة منه بشكل عشوائي على عدد من هؤلاء الرجل الذين كانوا فى طريقهم إليه للتاكد من القضاء على جميع الطواغيت كما يسمونهم .

قتل عدد كبير منهم حتى نفذ ذخيرة سلاحه و سحب سلاح عبد الرحمن الذى توفى و هو ممسك به ، حتى نفذت ذخيرة هو الاخر .، ولم يتبقي معه سوى قنبلة يدوية وحيدة قرر ان يستخدمه لهدم ما تبقي من الكمين فوق رأسه قبل ان يصلوا إليه .

لكن صوت تبادل لاطلاق النار فى الخارج هو ما اوقف عن قراره بقي عاصم ينظر الى عبد الرحمن و يمسح الدماء التى خرجت من فمه و عاد يتحدث معه

_ نام و ارتاح يا صاحبي حجك راجع لو اخر يوم فى عمرى

حتى اخترق صدره هو الاخر رصاصة ليسقط فوق صدر صديقه .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي