الفصل الثاني
ظلت فايزة تبكي ليل نهار على مصير ابنتها سلمى قرة عينيها الابنة البارة التي لم تتخلَ يوما عن أسرتها لقد تحملت المسؤولية بعد موت والدها ووقفت بجوار أخواتها حتى أتموا تعليمهم وها هي تواجه مصير مظلم لا تعلم فايزة كيف تنقذها منه.
أخذت تدعو الله دعاءا حارا وهي تقول:
-"يارب المستضعفين أجرني في مصيبتي وأرفع غضبك ومقتك عنا يا الله ونجي ابنتي يا أرحم الراحمين".
نامت ليلتها وهي على هذا الحال رأت في منامها رؤية جميلة لإبنتها حيث رأتها قد تحررت من قيدها وجرت إليها تحتضنها وهي تقول لها:
-"دعواتك استجابت يا أمي أنا خلاص بقيت حرة ورجعتلكم تاني".
استيقظت فايزة على صوت أذان الفجر فقامت تتوضأ ثم صلت فرضها وانتظرت ابنها أحمد حتى عاد من صلاة الفجر فواجهته بوجه مستبشر وأخبرته عن الرؤيا التي رأتها لسلمى وصممت أن تذهب معه لرؤيتها في موعد الزيارة القادمة فوافقها أحمد أمام إلحاحها.
لم تصدق سلمى أنها ترى والدتها أمامها فقالت لها ودموعها تغرق وجنتيها:
-"إيه بس اللي جابك يا ماما؟مكنتش عايزاك تجيبها يا أحمد وتشوفني يالشكل ده".
تنهدت فايزة وأخذتها في أحضانها وأخذت تملس على رأسها وهي تقول:
-"إن شاء الله يا حبيبتي ربنا هيظهر براءتك أنا شوفتلك رؤية حلوة ومن ساعتها وأنا متفائلة".
ردت عليها سلمى وهي تتطلع إليها:
-"بجد يا ماما؟"
-"بجد يا حبيبتي".
كان أحمد يتابعهما وقد انسابت دموعه فلم يستطع تمالك نفسه وهو يرى حال أخته الوحيدة التي تكبره في هذا الوضع لقد شعر أنه مكتف اليدين وليس هناك شيء يستطيع عمله أكثر مما فعل لقد عين لها أكبر محامي في البلد للدفاع عنها ولكن الأدلة والشهود كلها كانت ضدها أنها تحتاج لمعجزة للخروج من هذه الأزمة ليته يستطيع أن يفتديها بروحه.
انتهت الزيارة وعادت سلمى إلى زنزانتها وقد إرتفعت معنوياتها بعد زيارة والدتها.
أنطوت سلمى على نفسها في ركن منعزل ليس معها غير ذكرياتها.
تذكرت اليوم الذي فوجئت به بهشام ينتظرها في نفس مكان لقاءهم الأول بعد مرور شهر من سفره.
فوجئت به يقول لها:
-"وحشتيني".
تخضب وجهها بحمرة الخجل عندما سمعته يقول لها ذلك فأخفضت رأسها للأرض بحياء ولم تعلق على ما قاله فاستأنف حديثه قائلا وهو ينظر إليها بإعجاب:
-"إيه أنا موحشتكيش".
لم تجد سلمى ما تقوله فتمتمت بكلمات مبهمة وأخذت تتلفت يسارا ويمينا خوفا من أن يراهما أحد فقد تذكرت تلميحات فاتن ومضايقاتها لها.
لاحظ هشام ترددها والتفاتها يمينا ويسارا فعلق على ذلك:
-"أنتِ خايفة من إيه يا سلمى قاعدة تتلفتي شمال ويمين؟!"
ردت عليه سلمى قائلة:
-"خايفة حد يشوفنا مع بعض".
-"وافرضي حد شافنا فين المشكلة؟ إحنا واقفين في مكان عام باحترامنا ومحدش له عندنا حاجة".
-"بيتهيألك متنساش إن إحنا في قرية صغيرة ومحبش حد يجيب سيرتي وبعدين أنت عايز مني إيه؟"
-"بصراحة يا سلمى من أول ما شوفتك وصورتك مش بتفارق خيالي".
أنتِ عارفة أن كل بنات البلد يتمنوا يبقوا مكانك دلوقتي وسامحيني إن مخدتش في إعتباري إن ممكن حد يجيب سيرتك".
-"مفكرتش يا هشام أن احنا مش مناسبين لبعض؟
أنا بنت عبد الفتاح الأوجري اللي بيشتغل عندكم وأنت واحد من ولاد أسياد البلد وأكبر عيلة فيها".
-"متقوليش الكلام ده الحب ميعرفش فوارق وأنا حبيتك يا سلمى من أول ما شوفتك والأيام هتثبتلك كلامي".
كانت سلمى سعيدة بكلام هشام فتركته بعد أن وعدته باللقاء مرة أخرى وذهبت إلى مدرستها وهي تمشي حالمة في المستقبل الوردي الذي ينتظرها.
توالت مقابلات سلمى لهشام وكانت حذرة حتى لا يراهم أحد وتعلقت به بجنون فأهملت مذاكرتها وأخذت تعد الأيام عندما يذهب إلى كليته حتى يحضر في أجازته فيلتقوا مرة أخرى وظل الحال على هذا المنوال حتى موعد امتحاناتها.
انتهت أمتحانات الثانوية العامله ونجحت سلمى ولم يكن مجموعها كما حلمت لكنها في النهاية دخلت كلية التجارة جامعة القاهرة فاضطرت أن تسكن في بيت الطالبات وهذا جعلها قريبة من هشام أكثر فقد كان يذهب لرؤيتها في الكلية بانتظام وزادت مقابلاته لها حتى بعد تخرجه من كلية الشرطة.
بدأت سلمى تلح عليه أن يتقدم لخطبتها خاصة بعد تخرجه لكنه كان يتهرب منها وفجأة بدأت تبعد المسافة بين مقابلاتهما حتى كادت أن تنقطع.
كادت سلمى تصاب بالجنون بعد أن رأت هشام يبتعد عنها بحجة العمل فقد تعلقت به بشدة وهو أول من دق قلبها له.
كانت صدمتها شديدة وهي في سنتها الثانية بالكلية فقد ذهبت إلى قريتها لزيارة عائلتها عندما حضرت زميلتها فاتن إلى منزلها.
استغربت سلمى من زيارة فاتن فهي لم تفعل ذلك من قبل ولكنها بررت ذلك بقولها:
-"كويس أنك موجودة في البلد يا سلمى علشان تحضري حفلة خطوبتي اللي كل الدفعة هيحضروها".
رحلت بعد أن أخذت وعدا من سلمى بأن تحضر الحفل ولكن شيئا في نظرات فاتن كان يقلقها فقد شعرت أنها تدبر لشيء ولكنها لم تشغل نفسها بما تدبره بل كان همها أن تجد شيء مناسب ترتديه في حضور الحفل على أمل أن تلتقي بهشام الذي لم تره منذ فترة.
ذهبت سلمى إلى الحفل بعد أن تزينت ببساطة فجمالها الطبيعي يجعلها من أجمل جميلات القرية فلم تكن تحتاج لأي من الزينة.
عندما وصلت إلى الدوار الفسيح الخاص بعمدة القرية وجدت الأنوار قد عُلقت احتفالا بخطبة الابنة الوحيدة له وعندما خطت خطوتها الأولى داخل الدوار التقت بزميلات الدراسة.
أصابتها الدهشة عندما وجدت نظراتهن المصوبة ناحيتها كانت نظرات شماتة وسخرية فظنت أنها تتخيل ذلك لكنها علمت سر هذه النظرات عندما وجدت فاتن تجلس بجوار هشام في كوشة العرس.
كادت الصدمة تطيح بها وشعرت بالانهيار وأنها على وشك أن تسقط مغشيا عليها.
أفاقت من صدمتها عندما سمعت ضحكات الفتيات عليها فنفضت عنها صدمتها ومشيت في تحدي تجاه فاتن ومدت يدها الباردة تبارك لها وتتمنى لها السعادة ثم إستدارت تجاه هشام وسلمت عليه وهي مرفوعة الرأس وتمنت له السعادة وهنأته على حسن إختياره وسط دهشة فاتن وجميع الفتيات التي كن يتوقعن إنهيارها.
لم تكتفي سلمى بذلك بل قالت لفاتن وهشام أنها ستقدم لهما هدية بمناسبة خطبتهما.
وسط دهشتهما خلعت طرحتها لتقوم بوضعها حول وسطها ثم أطلقت شعرها الطويل كخيمة على ظهرها وأختارت إحدى الأغنيات الشهيرة لترقص عليها.
تمايلت سلمى على أنغام الأغنية في وصلة رقص شرقي لا ينافسها به أحد فقد كانت كالدجاجة المذبوحة لكنها نجحت في مضايقة فاتن بعد أن حركت الغيرة داخلها عندما رأت هشام مبهورا بسلمى.
صعق هشام عندما رأى سلمى أمامه لقد توقع أي شيء غير موقفها البارد عندما قدمت يدها تسلم عليه وتهنئه على حسن إختياره وعندما قامت ترقص بهرته حركاتها وشعرها يتطاير من حولها لكنه كاد يصيبه الجنون من غيرته عليها فلا يريد أن يرى أي شخص رقصها فهو ما زال يحبها وقد أرغم على خطبته لفاتن بسبب طمع والده في ثروتها الكبيرةالتي سترثها عن والدها.
خرجت سلمى من الحفل مرفوعة الرأس أمام الجميع كانت نظرات هشام تلاحقها كان يريد أن يلحق بها يشرح لها موقفة لكنه لم يجد لذلك سبيلا.
وصلت سلمى بيتها المتواضع أخذت تقارن بينه وبين دوار والد فاتن فشهدت الفرق الشاسع بينهما.
ذهبت إلى سريرها وتدثرت بغطاء السرير شعرت برعشة تصيب جسدها كالمحمومة إنسابت دموعها الحبيسة لتغرق وجهها لقد أفاقت على الواقع المر الذي تحياه.
غلبها النوم بعد أن أقسمت أن تخرج هشام من قلبها للأبد فلم تكن أبدا بالفتاة الضعيفة وسيأتي اليوم الذي تجعله يقضم أنامله ندما على مافعله معها فقد عرضها للإذلال من مجموعة من الفتيات لطالما كن يغرن منها بسبب جمالها.
عندما استيقظت من النوم قامت بتجهيز حقيبتها إستعدادا للسفر فلم تعد تستطيع المكوث في القرية أكثر من ذلك.
اعترضت والدتها حيث قالت لها:
-"أنتِ مسافرة ليه يا سلمى؟ ملحقناش نشبع منك".
-"معلش يا ماما علشان وراية محاضرات مهمة".
-"بس يا حبيبتي كنتِ تستني أعلمك شوية حاجات تاخديهم معاكِ وأخبزلك عيش تاخديه".
-"في هناك كل حاجة متحمليش هم خلي بالك أنتِ من صحتك ومن أخواتي ومتحمليش همي يا ست الكل".
-"لو محملتش همك هحمل هم مين أنا حاسة أن فيه حاجة مزعلاكِ ومخبية عليا أنا حاسة بيكِ يا سلمى من ساعة مرجعتي من خطوبة صاحبتك وأنتِ مش مضبوطة فيه حد زعلك؟ أنتِ ست البنات متعبريش حد".
-"متقلقيش يا ماما أنا بخير".
قالت سلمى ذلك وهي تحاول منع دموعها التي تهدد بالسقوط فقامت باحتضان والدتها وحملت حقيبتها وطلبت منها أن تسلمها على والدها الذي خرج للعمل باكرا ثم خرجت مسرعة من البيت قبل أن تلاحظ والدتها دموعها التي انسكبت على وجنتيها.
في طريقها توقفت سيارة بجوارها فوجدته هشام الذي لحق بها فتح لها باب السيارة وطلب منها الصعود بجواره.
نظرت له بكبرياء شامخة الأنف ولم توجه له أي كلمة واستأنفت طريقها دون أن تلتفت للوراء.
صدم هشام من موقفها فقد كان يريد أن يعتذر منها فهي حبه الأول والأخير ولكنه لم يستطع أن يعارض والده عندما اختار له فاتن لقد جبن ولم يستطع أن يخبره أنه قد وقع في غرام سلمى ابنة عبد الفتاح الأوجري الذي يعمل لديهم فهو يعلم تفكير والده جيدا وخاصة منذ سفر شقيقه الأكبر وزواجه بفتاة أمريكية.
لقد شعر هشام أن سلمى لن تمكث في القرية لذلك ظل قابعا بجوار منزلها منذ الصباح الباكر حتى يحدثها ويشرح لها موقفه ولكنها صدته بعد أن شعرت أنه أهان كرامتها.
ركبت سلمى السيارة المتجهة إلى القاهرة وقد صممت أن تترك الماضي وراء ظهرها وأن تلتفت لدروسها وتبدأ فصل جديد من حياتها يخلو من الأوهام والأحلام الوردية.
ذهب ممدوح إلى كليته كالمعتاد وعندما ذهب إلى مكتبه في كلية الهندسة لحقت به زميلته المهندسة كاميليا التي تشاركه في المكتب حيث أخذت تثرثر كعاداتها.
أخذت تتحدث إليه في أمور كثيرة وغفلت عن شروده فلم يكن منتبها لها وتمنى أن تفارقه وتتركه وحده مع أفكاره وتنفس الصعداء عندما نهضت من على كرسيها واستأذنته لكي تذهب لإلقاء محاضرتها الذي حان موعدها.
بعد أن غادرته كاميليا ظل قابعا في مكانه شاردا عما حوله يتذكر حياته الماضية ويفكر في مستقبله المظلم بعد أن فقد الإنسانة الوحيدة التي أحبها بصدق وعوضته عن سنوات عمره الضائعة مع كارولين التي أحكمت لعبتها فتزوجته وبعد ذلك ظهرت على حقيقتها فعاش في مأساة حقيقية لا يزال يعيش فصولها ففقد الثقة في كل من حوله حتى الوقت الراهن.
أخذت تدعو الله دعاءا حارا وهي تقول:
-"يارب المستضعفين أجرني في مصيبتي وأرفع غضبك ومقتك عنا يا الله ونجي ابنتي يا أرحم الراحمين".
نامت ليلتها وهي على هذا الحال رأت في منامها رؤية جميلة لإبنتها حيث رأتها قد تحررت من قيدها وجرت إليها تحتضنها وهي تقول لها:
-"دعواتك استجابت يا أمي أنا خلاص بقيت حرة ورجعتلكم تاني".
استيقظت فايزة على صوت أذان الفجر فقامت تتوضأ ثم صلت فرضها وانتظرت ابنها أحمد حتى عاد من صلاة الفجر فواجهته بوجه مستبشر وأخبرته عن الرؤيا التي رأتها لسلمى وصممت أن تذهب معه لرؤيتها في موعد الزيارة القادمة فوافقها أحمد أمام إلحاحها.
لم تصدق سلمى أنها ترى والدتها أمامها فقالت لها ودموعها تغرق وجنتيها:
-"إيه بس اللي جابك يا ماما؟مكنتش عايزاك تجيبها يا أحمد وتشوفني يالشكل ده".
تنهدت فايزة وأخذتها في أحضانها وأخذت تملس على رأسها وهي تقول:
-"إن شاء الله يا حبيبتي ربنا هيظهر براءتك أنا شوفتلك رؤية حلوة ومن ساعتها وأنا متفائلة".
ردت عليها سلمى وهي تتطلع إليها:
-"بجد يا ماما؟"
-"بجد يا حبيبتي".
كان أحمد يتابعهما وقد انسابت دموعه فلم يستطع تمالك نفسه وهو يرى حال أخته الوحيدة التي تكبره في هذا الوضع لقد شعر أنه مكتف اليدين وليس هناك شيء يستطيع عمله أكثر مما فعل لقد عين لها أكبر محامي في البلد للدفاع عنها ولكن الأدلة والشهود كلها كانت ضدها أنها تحتاج لمعجزة للخروج من هذه الأزمة ليته يستطيع أن يفتديها بروحه.
انتهت الزيارة وعادت سلمى إلى زنزانتها وقد إرتفعت معنوياتها بعد زيارة والدتها.
أنطوت سلمى على نفسها في ركن منعزل ليس معها غير ذكرياتها.
تذكرت اليوم الذي فوجئت به بهشام ينتظرها في نفس مكان لقاءهم الأول بعد مرور شهر من سفره.
فوجئت به يقول لها:
-"وحشتيني".
تخضب وجهها بحمرة الخجل عندما سمعته يقول لها ذلك فأخفضت رأسها للأرض بحياء ولم تعلق على ما قاله فاستأنف حديثه قائلا وهو ينظر إليها بإعجاب:
-"إيه أنا موحشتكيش".
لم تجد سلمى ما تقوله فتمتمت بكلمات مبهمة وأخذت تتلفت يسارا ويمينا خوفا من أن يراهما أحد فقد تذكرت تلميحات فاتن ومضايقاتها لها.
لاحظ هشام ترددها والتفاتها يمينا ويسارا فعلق على ذلك:
-"أنتِ خايفة من إيه يا سلمى قاعدة تتلفتي شمال ويمين؟!"
ردت عليه سلمى قائلة:
-"خايفة حد يشوفنا مع بعض".
-"وافرضي حد شافنا فين المشكلة؟ إحنا واقفين في مكان عام باحترامنا ومحدش له عندنا حاجة".
-"بيتهيألك متنساش إن إحنا في قرية صغيرة ومحبش حد يجيب سيرتي وبعدين أنت عايز مني إيه؟"
-"بصراحة يا سلمى من أول ما شوفتك وصورتك مش بتفارق خيالي".
أنتِ عارفة أن كل بنات البلد يتمنوا يبقوا مكانك دلوقتي وسامحيني إن مخدتش في إعتباري إن ممكن حد يجيب سيرتك".
-"مفكرتش يا هشام أن احنا مش مناسبين لبعض؟
أنا بنت عبد الفتاح الأوجري اللي بيشتغل عندكم وأنت واحد من ولاد أسياد البلد وأكبر عيلة فيها".
-"متقوليش الكلام ده الحب ميعرفش فوارق وأنا حبيتك يا سلمى من أول ما شوفتك والأيام هتثبتلك كلامي".
كانت سلمى سعيدة بكلام هشام فتركته بعد أن وعدته باللقاء مرة أخرى وذهبت إلى مدرستها وهي تمشي حالمة في المستقبل الوردي الذي ينتظرها.
توالت مقابلات سلمى لهشام وكانت حذرة حتى لا يراهم أحد وتعلقت به بجنون فأهملت مذاكرتها وأخذت تعد الأيام عندما يذهب إلى كليته حتى يحضر في أجازته فيلتقوا مرة أخرى وظل الحال على هذا المنوال حتى موعد امتحاناتها.
انتهت أمتحانات الثانوية العامله ونجحت سلمى ولم يكن مجموعها كما حلمت لكنها في النهاية دخلت كلية التجارة جامعة القاهرة فاضطرت أن تسكن في بيت الطالبات وهذا جعلها قريبة من هشام أكثر فقد كان يذهب لرؤيتها في الكلية بانتظام وزادت مقابلاته لها حتى بعد تخرجه من كلية الشرطة.
بدأت سلمى تلح عليه أن يتقدم لخطبتها خاصة بعد تخرجه لكنه كان يتهرب منها وفجأة بدأت تبعد المسافة بين مقابلاتهما حتى كادت أن تنقطع.
كادت سلمى تصاب بالجنون بعد أن رأت هشام يبتعد عنها بحجة العمل فقد تعلقت به بشدة وهو أول من دق قلبها له.
كانت صدمتها شديدة وهي في سنتها الثانية بالكلية فقد ذهبت إلى قريتها لزيارة عائلتها عندما حضرت زميلتها فاتن إلى منزلها.
استغربت سلمى من زيارة فاتن فهي لم تفعل ذلك من قبل ولكنها بررت ذلك بقولها:
-"كويس أنك موجودة في البلد يا سلمى علشان تحضري حفلة خطوبتي اللي كل الدفعة هيحضروها".
رحلت بعد أن أخذت وعدا من سلمى بأن تحضر الحفل ولكن شيئا في نظرات فاتن كان يقلقها فقد شعرت أنها تدبر لشيء ولكنها لم تشغل نفسها بما تدبره بل كان همها أن تجد شيء مناسب ترتديه في حضور الحفل على أمل أن تلتقي بهشام الذي لم تره منذ فترة.
ذهبت سلمى إلى الحفل بعد أن تزينت ببساطة فجمالها الطبيعي يجعلها من أجمل جميلات القرية فلم تكن تحتاج لأي من الزينة.
عندما وصلت إلى الدوار الفسيح الخاص بعمدة القرية وجدت الأنوار قد عُلقت احتفالا بخطبة الابنة الوحيدة له وعندما خطت خطوتها الأولى داخل الدوار التقت بزميلات الدراسة.
أصابتها الدهشة عندما وجدت نظراتهن المصوبة ناحيتها كانت نظرات شماتة وسخرية فظنت أنها تتخيل ذلك لكنها علمت سر هذه النظرات عندما وجدت فاتن تجلس بجوار هشام في كوشة العرس.
كادت الصدمة تطيح بها وشعرت بالانهيار وأنها على وشك أن تسقط مغشيا عليها.
أفاقت من صدمتها عندما سمعت ضحكات الفتيات عليها فنفضت عنها صدمتها ومشيت في تحدي تجاه فاتن ومدت يدها الباردة تبارك لها وتتمنى لها السعادة ثم إستدارت تجاه هشام وسلمت عليه وهي مرفوعة الرأس وتمنت له السعادة وهنأته على حسن إختياره وسط دهشة فاتن وجميع الفتيات التي كن يتوقعن إنهيارها.
لم تكتفي سلمى بذلك بل قالت لفاتن وهشام أنها ستقدم لهما هدية بمناسبة خطبتهما.
وسط دهشتهما خلعت طرحتها لتقوم بوضعها حول وسطها ثم أطلقت شعرها الطويل كخيمة على ظهرها وأختارت إحدى الأغنيات الشهيرة لترقص عليها.
تمايلت سلمى على أنغام الأغنية في وصلة رقص شرقي لا ينافسها به أحد فقد كانت كالدجاجة المذبوحة لكنها نجحت في مضايقة فاتن بعد أن حركت الغيرة داخلها عندما رأت هشام مبهورا بسلمى.
صعق هشام عندما رأى سلمى أمامه لقد توقع أي شيء غير موقفها البارد عندما قدمت يدها تسلم عليه وتهنئه على حسن إختياره وعندما قامت ترقص بهرته حركاتها وشعرها يتطاير من حولها لكنه كاد يصيبه الجنون من غيرته عليها فلا يريد أن يرى أي شخص رقصها فهو ما زال يحبها وقد أرغم على خطبته لفاتن بسبب طمع والده في ثروتها الكبيرةالتي سترثها عن والدها.
خرجت سلمى من الحفل مرفوعة الرأس أمام الجميع كانت نظرات هشام تلاحقها كان يريد أن يلحق بها يشرح لها موقفة لكنه لم يجد لذلك سبيلا.
وصلت سلمى بيتها المتواضع أخذت تقارن بينه وبين دوار والد فاتن فشهدت الفرق الشاسع بينهما.
ذهبت إلى سريرها وتدثرت بغطاء السرير شعرت برعشة تصيب جسدها كالمحمومة إنسابت دموعها الحبيسة لتغرق وجهها لقد أفاقت على الواقع المر الذي تحياه.
غلبها النوم بعد أن أقسمت أن تخرج هشام من قلبها للأبد فلم تكن أبدا بالفتاة الضعيفة وسيأتي اليوم الذي تجعله يقضم أنامله ندما على مافعله معها فقد عرضها للإذلال من مجموعة من الفتيات لطالما كن يغرن منها بسبب جمالها.
عندما استيقظت من النوم قامت بتجهيز حقيبتها إستعدادا للسفر فلم تعد تستطيع المكوث في القرية أكثر من ذلك.
اعترضت والدتها حيث قالت لها:
-"أنتِ مسافرة ليه يا سلمى؟ ملحقناش نشبع منك".
-"معلش يا ماما علشان وراية محاضرات مهمة".
-"بس يا حبيبتي كنتِ تستني أعلمك شوية حاجات تاخديهم معاكِ وأخبزلك عيش تاخديه".
-"في هناك كل حاجة متحمليش هم خلي بالك أنتِ من صحتك ومن أخواتي ومتحمليش همي يا ست الكل".
-"لو محملتش همك هحمل هم مين أنا حاسة أن فيه حاجة مزعلاكِ ومخبية عليا أنا حاسة بيكِ يا سلمى من ساعة مرجعتي من خطوبة صاحبتك وأنتِ مش مضبوطة فيه حد زعلك؟ أنتِ ست البنات متعبريش حد".
-"متقلقيش يا ماما أنا بخير".
قالت سلمى ذلك وهي تحاول منع دموعها التي تهدد بالسقوط فقامت باحتضان والدتها وحملت حقيبتها وطلبت منها أن تسلمها على والدها الذي خرج للعمل باكرا ثم خرجت مسرعة من البيت قبل أن تلاحظ والدتها دموعها التي انسكبت على وجنتيها.
في طريقها توقفت سيارة بجوارها فوجدته هشام الذي لحق بها فتح لها باب السيارة وطلب منها الصعود بجواره.
نظرت له بكبرياء شامخة الأنف ولم توجه له أي كلمة واستأنفت طريقها دون أن تلتفت للوراء.
صدم هشام من موقفها فقد كان يريد أن يعتذر منها فهي حبه الأول والأخير ولكنه لم يستطع أن يعارض والده عندما اختار له فاتن لقد جبن ولم يستطع أن يخبره أنه قد وقع في غرام سلمى ابنة عبد الفتاح الأوجري الذي يعمل لديهم فهو يعلم تفكير والده جيدا وخاصة منذ سفر شقيقه الأكبر وزواجه بفتاة أمريكية.
لقد شعر هشام أن سلمى لن تمكث في القرية لذلك ظل قابعا بجوار منزلها منذ الصباح الباكر حتى يحدثها ويشرح لها موقفه ولكنها صدته بعد أن شعرت أنه أهان كرامتها.
ركبت سلمى السيارة المتجهة إلى القاهرة وقد صممت أن تترك الماضي وراء ظهرها وأن تلتفت لدروسها وتبدأ فصل جديد من حياتها يخلو من الأوهام والأحلام الوردية.
ذهب ممدوح إلى كليته كالمعتاد وعندما ذهب إلى مكتبه في كلية الهندسة لحقت به زميلته المهندسة كاميليا التي تشاركه في المكتب حيث أخذت تثرثر كعاداتها.
أخذت تتحدث إليه في أمور كثيرة وغفلت عن شروده فلم يكن منتبها لها وتمنى أن تفارقه وتتركه وحده مع أفكاره وتنفس الصعداء عندما نهضت من على كرسيها واستأذنته لكي تذهب لإلقاء محاضرتها الذي حان موعدها.
بعد أن غادرته كاميليا ظل قابعا في مكانه شاردا عما حوله يتذكر حياته الماضية ويفكر في مستقبله المظلم بعد أن فقد الإنسانة الوحيدة التي أحبها بصدق وعوضته عن سنوات عمره الضائعة مع كارولين التي أحكمت لعبتها فتزوجته وبعد ذلك ظهرت على حقيقتها فعاش في مأساة حقيقية لا يزال يعيش فصولها ففقد الثقة في كل من حوله حتى الوقت الراهن.