الفصل الثالث ذكريات

قدر Omnia 2443كلمة
اما عن عاصي لازالت اسيره عقلها الباطن ، الذى انفصل بها عن الواقع ليعود بها الى بعيد الى حيث طفولته التى لم تشعر بها او تعيشها ،

حينما خرجت من منزل عمها الى منزل الخال ، و لم يكن هناك فرق كبير ، فكيف يكون الامتياز بين معامله زوج الام و زوجة الاب كلاهما مر ، و هى ذاقت ما هو اشد مرارة


انتقلت الى منزل الخال خالد شقيق والدتها الاصغر و الوحيد ، كان رجل محب للحياة بشدة لا يهتم سوي بنفسه و فقط ، لم يكن مهتم حتى بزوجته و اولاده و كأنه اتي بهم للحياة لاستكمال المظهر الاجتماعى فقط ، ذكرى له فى الحياة بعد موته تخلد اسمه

كان الجميع على نفس الشاكلة بداية من زوجته جيهان ، كانت هى الاخرى لا تهتم سوى بمظهرها و جمالها و احدث صيحات الموضة ، كان المنزل بالنسبة لهم يشبه الفندق يحضرون إليه للمبيت فقط .
و هو امر يقتصر على جيهان فقط و لو كان الامر بيدها ما حضرت الى المنزل مطلقا ، و اكتفت بالسهر و الخروج مع رفقته على الرغم من عمرها الذى اقترب من الخامسة و الاربعين ، الا انه من ينظر إليها لا يرى سور شابة فى بداية عقدها الثالث لازالت تمتلك جمال مميز يخطف الابصار لها ، حتى ولو كان ابنائها قد اصبح اطول منها قامة و حجم تقف بينهم تشبه الدمية .

كانت اليوم الاول لها كافي لطفلة فى عمرها ان تحب ذلك المنزل ، لما يوجد به الكثير من الحرية لا قيود ، خطواتها ستكون اكثر راحة ، لكن على العكس لم تشعر بالفرح بل شعرت بالضياع مع مزيد من الوحدة .

اقترب منها يومها زين ابن خالها يعرفها بنفسه و هو الشقيق الاصغر بين اخوته ، يبلغ من العمر عشرين عاما فى عامه الثالث فى كلية التجارة ،

كانت عيناه تطوف عليها من منبت شعرها حتى اظافر قدمها فى محاولة تقيمه ، لم تكن تفهم تلك النظرات وقتها لكن الان كبرت و فهمت معنى تلك النظرة .

لكن ليتها لم تكبر او تعرف ليتها بقيت صغيرة بريئة !!

وبعدها اقترب منها التوام ياسين و يحيي
فى الخامسة و العشرين من عمرهم تخرج احدهم من كلية الهندسة منذ عامين و يعمل الان فى احد الشركات الخاصة بتكنولوجيا المعلومات و هو ياسين ، اما الاخر تخرج من كلية الصيدلة قبل عام و يعمل الان فى احد شركات الادوية و هو يحيي

كانت بالنسبة لهم طفلة اتت كي يهتموا بها، و هو امر لم يعتاد عليه من قبل كل واحد منهم تعود على ان يهتم لامر نفسه و فقط دون ان يهتم حتى اخوته ، تعودوا على الانانية و حب الذات فقدوا اهم مشاعر مشاعر الحب و الإخوة بينهم ، لكن هناك راى اخر لأحدهم انه اخيرا حصل على لعبة جديدة ، سوف يستمتع كثيرا معاها الى ان تتحطم الى اشلاء هكذا ظن لكن يبدو ان تلك اللعبة تخفى خلفها روح شرسة لن يمر الامر عليها مرور الكرام ،بل سوف تلقن الاخر درسا لن ينساه طوال حياته .

اقترب وقتها منها خالد و طبع قبلة مجاملة على خدها

_ نورت بيت خالوا يا عاصي ، انا مضطر اسيبك عندى شغل طنط جيهان تعرفك على الولاد و كل حاجه فى البيت و الاوضة اللى هتكون خاصة بيك هنا ، خلى بالك على نفسك سلام يا حبيبتى .

طبع قبلة خاطفة على مقدمة راسها و خرج مسرعا بعدها لم ينتظر منها حتى رد ، القي عليها كلماته و هرب من ان تلقي على عتقه اية مسئولية ، بعدها اقتربت منها جيهان لتكون الاسرع من زوجها

جيهان : نورت الفيلا يا عاصي ، دلوقتي يزن هيكون معاك يوريكا الاوضة بتاعتك و يساعدك ، معلش حبيبتى مضطرة انزل ضرورى بااااى .


و خرجت الاخري بعدها اقترب منها يحيي و عرفها بنفسها بعدها حضر ياسين و فعل مثل اخاه ، لم يكن الشبه بينهم كبير يصعب معه التفرقة بينهم على العكس كان الامر سهل

_ انا يحيى ابن خالك الكبير نورت البيت
قاطعه ياسين فى غضب

_ الكبير ازاى و احنا تؤام بلاش تعيش الدور

_ انا اكبر منك غصب عنك ب خمس دقايق تقدر تنكر

_ لاء مش هقدر بس ده مش عمر و لا مبرر انك تقول انك الكبير .

كان اصغر من ان تستوعب سبب الشجار بينهم ، و لا تفهم كيف يكون احدهم اكبر من الاخر ب خمسة دقايق ، لذا خرج منها السؤال تلقائي يخفى وراءه براءة تفكيرها .

كانت علامات التعجب ظاهرة علي ملامحها وجهت سؤالها الى يحيى
_ انتا ازاى اكبر منه ب خمس دقايق !!؟

ضحك يحيي و شاركه ياسين على سذاجة الصغيرة

_ عشان احنا تؤام يعنى ولدنا مع بعض

_ بس انتوا مش شبه بعض ، و التوأم لازم يكونوا شبه بعض الميس قالت كده

تحدث يحيي بشكل جاد
_ المدرسة بتاعتك غلطانة التوأم نوعين نوع بيبقى شبه بعض و نوع تانى مش شبه بعض خالص زينا كده انا و ياسين .

_ يا ابنى خف عليها دى لسه طفلة مش تفهم الكلام ده
غضبت من كلمات ياسين و احتجت عليها بشدة

_ انا مش طفلة انا فهمت كلامه كويس شكرا يا يحيى على التوضيح .

تحركت عاصي عدت خطوات بعد ان تبادلت النظرات مع الشقيقين ، كانت خطواته لا تتناسب مع سنين عمرها بل كانت تمتاز بالعزة و الكبرياء لا تليق بطفلة بل امرأة ناضجة ، خدش احدهم كرامتها ، لذا هى تثأر منه بتلك النظرات .

ظل تجلس على احد المقاعد بعد رحيل كل من يحيي و ياسين ، دون ان يتكفل احدهم و يرشده الى غرفتها ، التى خبرتها عنها جيهان زوجة خالها قبل رحيلها اى منذ اكثر من ساعتين ، بدا الملل و التعب يتسلل إليها ، و شعور الوحدة و مرارة الفقد كان يفتك بها ، اصبحت حمل ثقيل على الجميع تتنقل من منزل الى اخر ، لم يكترث الجميع بها او بمشاعرها و ما تشعر به خلال رحلة تنقلها بداية من منزل الجد ثم الى منزل العم و بعدها الخال ، و الى اين ايضا سوف يحملها مصيرها ، لكن الجميع اكتفي فقط بأنها تحصل على منزل تأوي إليه .

اقترب زين منها بعد ان اخبرت الخادمة بالامر فور وصوله الى المنزل ، توقع ان يجد امامه طفلة لم يتعدى طولها بعض سنتيمترات ، لكى يرشد ابنة عمته الى غرفته التى تمكث فيها خلال الايام القادمة و يبدو انها سوف تطول اكثر من توقعه ، و قد تصبح إقامة دائمة

سحب يدها من جانبها و امسك بها ببعض من القوة سحبها خلفه

كان الخدم قد وضعوا الحقائب الخاصة بها التى تضم ملابسه و متعلقاته الشخصية حتى الكتب الدراسية الخاصة بها ، فى الغرفة التى اختيرت لها قبل حضورها ، بعد ان تحدث عمها حسن مع خالد و اخبره بخطورة الوضع فى منزله ، لو بقيت عاصي لديه هناك كيف سيكون مصيرها ، ليوافق خالد فى النهاية مضطر ، فهو لم يمتلك خيار اخر ، الى جانب بعض من الضمير قد حثه على المحافظة على امانة شقيقته الراحلة و التى كانت تمثل بالنسبة له الام و الاب .



بدأ يعرف نفسه لها فى محاولة منه لخلق حديث بينهم ، فيبدو انها شخصية انطوائية لا تميل الى الحديث الكثير و تفضل الوحدة

لكن تفاجأ من حديثها معه انها على عكس ذلك ، تبادله الكلمات و الحديث ، لا يعرف لما يود الحديث معه لما يريد ان يعرف كل التفاصيل الخاصة بها ، تجذبه بشدة و اول ما جذبه خصلات شديدة السواد الكثيفة ، مميزة للغاية خصوصا مع تلك العينين ، ليست طفلة هى فتنة متنقله بتلك الملامح ، لكن فى جسد طفلة ، لكن هو على يقين ان خلف تلك الملابس الطفولية يكمن جسد انثي كاما كبرت كلما ازداد انوثة اكثر من قبل .

اقترب و نزل بطوله الفارع لها حتى صار مقارب لها فى الطول و بدا بتعريف نفسه .

_ انا زين ابن خالك عندى عشرين سنة اولى كلية تجارة و انتى عاصي فى سنة كام

_ رايحة اولى اعدادي .

_ ده انتى لسه صغيرة اووووى
_ انا مش صغيرة انا عندى عشر سنين
_ انتى عارفه انا اكبر منك بقد ايه عشر سنين !
_ انتا فى سنة كام
_ انا فى الكلية فى سنة ثالثة

_ كلية ايه
_ كلية التجارة يا غلبوية ، خلصت تحقيق و لا لسه

وصل يزن بها امام باب غرفتها بعد ان اشار لها و هما فى الطريق على غرفة كل واحد فى المنزل ، كانت الفيلا كبيرة بعض الشئ و اهم ما يميزها هو الحديقة التى توجد فيها .

دخلت الى الغرفة و تركت الاخر يقف على الباب يتابع ردت فعلها كانت الغرفة جميلة جدااا مطلية بالكامل باللون الوردى تحتوى على اثاث باللون الابيض ، غزت السعادة ملامحها بعد رؤيته لركن يحتوى على عدد من الالعاب و الكثير من الدمي مختلفة الاشكال و الالوان ، شعرت بالفرحة لاهتمام الخال بها لتعرف ان خلف ذلك الرجل الذى رات ، شخصية اخرى حنونة لا يعرف عنها احدهم الكثير .

كان ما زال يقف يشاهد ما تقوم به حتى ظلت تلتف حول نفسها و فستانها الزهرى يتطاير معاها
كانت مثل الفراشة ساحرة
تركها و اتجه الى غرفته .

مرت الايام سريعا بدءت عاصي تعتاد على المكان و من حولها من اشخاص ، حتى ولو بدت تصرفاتهم غريبة عليها ، لكن فى النهاية هى هنا فى امان لا تتعرض لإهانة من احدهم و لم يحاول احدهم التقليل من قدر والديها .

اما عن اهتمام زين بها كان يفوق الوصف ، لم يترك لها مجال للشعور بالوحدة فمن وقت انتهاء العام الدراسي و بداية فترة الاجازة ، و هو ملازم لها مثل ظلها يشاركها كل ما تحب

اعتقدت عاصي انها اخيرا حصلت على شقيق لم تلده لها امها ، لكن كانت النوايا كانت مخفية لا يعلمها سوى الله


لم تكتمل رحلة الذكريات فهناك صوت اخترق اذنيه مع احساس بيد امسكت بيدها

انتفضت عاصي تصرخ و يديها تلتف حول رقبة الاخر

كان الذهول هو سيد الموقف اسلام صديق محمود يكاد يلفظ انفاسه الاخيرة و قبضة يديها تشتد حول عنقه .

و محمود يقف على بعد عدة خطوات لا يصدق ما يرى !!

ولكنه عقله اخيرا استعاد ادراك و بخطوات سريعة وصل إليها يحاول فك وثاق صديقه الذى تحول وجه الى اللون الازرق و على وشك ان يموت بين يديها ، كانت قبضته قوية حول عنق الاخر و يبدو انها مصممة على التخلص منه .

لكن ماذا فعل حتى تتصرف معه بتلك الطريقة ، و ايضا متى استعادت وعيه !!؟

اخيرا نجح فى تلك المهمة الشاقة ، سقط اسلام ارضا بعد ان خارت قواه و ما عاد قادر على التقاط انفاسه ، و بعد عدت دقائق استطاع الهرب من امامها فهى لم تتركه كلية بل بقيت نظراتها مسلطة عليه

خرج اسلام و هو لازال لا يعرف حتى الان ما الخطأ الذى اقترفه ، لقد اعد الحساء كما طلب منه صديقه ، و اقترب منها فى محاولة منه للتأكد ان كانت على قيد الحياة ام فارقته ، خوفا منه ان يتورط فيها هو او صديقه ، و بمجرد ان امسك يديها للتاكد من ان هناك نبض ، مع صوته ينادي عليها بعد ان تاكد انها على قيد الحياة .

حتى استعادت و عيها و تحركت بتلك السرعة تلف يديها حول عنقه بقوة ، يبدو ان لمسته لها اخرجت ذلك الوحش الكامن بداخلها و كان تصرفه اثار غضبه .
لكن بقي السؤال متى حدث ذلك و بتلك السرعة و كيف لا يعرف ؟

كل ما يعرف ان قبضة يديها على عنقه كانت من القوة ان تركت اثر عليها ، يراه الان بوضوح و هو يقف امام المرآة ، فى غرفته التى يحتمي بها خوفا من بطش تلك المراة ، بعد ان كتب له عمر جديد على يد صديقه .

اما بالداخل هدأت ثورة عاصي و اخذت عينيها تدور فى كل مكان كما تعلمت من عاصم ، لتعرف اين طريق الخروج من ذلك المكان الذى تعرفت عليه بسهولة ، فهو الكافية الذى تناولت فيه قهوه الصباحية ، قبل ان يزعجه ذلك النادل الجالس امامها الان ، و بعدها خرجت تجلس على الشاطئ حتي قررت السباحة ، لعلها تتخلص من بعض ما تحمله من اوجاع ، ولكن يبدو انها اساءت تقدير الوضع ، فالبحر اليوم ثائر للغاية نتيجة الطقس البارد و تساقط الامطار .

و اخر شئ تذكره هو محاولة ذلك الشاب فى انقاذها من الغرق ، استقامت عاصي فى جلستها و حاولت التحرك ، بعد ان اطمأنت انها مازالت بكامل ملابسها ، و انها جفت بالكامل و ما عادت تلتصق بها بفعل المياه .

كان الاخر يجلس امامها يحاول معرفة فيما تفكر تلك ، و حينما تحركت و وقفت على اقدامها نهض هو الاخر يقف امامها

قررت عاصي شكره على ما فعله معاها و لو انها فى قرارة نفسها تود تعنيف ، فهى كانت على بعد لحظة واحدة من الراحة الأبدية ، التى ينشدها الجميع و هى واحدة منهم ، منذ زمن تسعى لها و لكن القدر كان بخيل بها عليها ، فلم تحصل عليها حتى الان حتى برغم كل ما حدث معاها ، اثقلت عليها الحياة كثيرا و ما عادت قادرة على تحمل المزيد ، نفذت طاقتها و قدرتها على الاحتمال اصبحت هى الاخرى صفر .

مرت من جانبه و بصوت خرج قوى به لمحة من الغضب ، نطقت كلمة واحدة

_ شكرا .

كادت ان تصل الى الباب حتى اوقف صوته الساخر منها .

_ يا ترى الهانم قررت تشكرني على ايه بالظبط .

تدرك انه يسحبها نحو جدال هى لا طاقة لها به ، خصوصا مع شخص مثله يبدو لها فضولي ، اعطى لنفسه الحق فى ان يقتحم حياته و خصوصياتها دون وجه حق ، ولو على انقاذ لها هى لم تكن يوما من هؤلاء الاشخاص الذين ينكرون لجميل احدهم عليهم او فضله ، لذا هى تشكر على صنيعه معاها ، لكن اكثر من ذلك لن تدخل معه فى نقاش لا طائل منه ، هى تفادي التعامل مع الناس لقد سئمت منهم جميعا و قررت العيش بمفردها كما كانت دائما .

لذا قررت ان تتحدث معه بطريقة فظة حتى تجبره على التوقف عن الحديث معاها ، و ايضا ملاحقتها لها فى كل مكان حتى ولو كانت عن بعد ،

_ اختار الحاجه اللى تعجبك و اعتبر الشكر ليها

خرجت دون ان تمنحه الفرصة للرد عليها ، توقع ثورتها عليه ولها كل الحق حتى و لو ساعدها هو امر لا يعطيه الحق فى طلب شكر او تقدير لموقفه ، هو فى النهاية قام بعمل انساني لم يبغي منه سوى انقاذ شخص ضعف امام اغراء الشيطان له ، و قرر انهاء حياته .

لكن يبدو له الان ان تلك الفتاة لم تكن تنوى انهاء حياتها ، كما توقع فهى اقوى من ان تستسلم كيد شيطان وسوس لها .

خرجت من المقهى شعرت بالبرودة فى جسدها ، خصوصا بعد ان لفحتها نسمة هواء قوية و شديدة البرودة ، جعلتها تسرع الخطي باتجاه شقتها حتى تحتمي فيها ، و صوت كعب حذائها يدق فى الارض مع صوت الهواء ، و الرعد الذى عاد من جديد فى الظهور دليل على اقتراب هطول المطر ، كل تلك الاصوات ذكرتها بماضي أبي ان يتركها و يرحل ، دخلت شقتها تلهث لا تعرف ان كان من العدو او من الذكريات التى داهمت ام من الالم الذى ينخر كل شبر فى جسدها ، اسرعت نحو الغرفة الوحيدة بشقته الصغيرة ، تدس نفسها داخل الاغطية من شدة البرد الذى تشعر به ، و لاول مرة منذ زمن فارقت احضانه يسحبها سلطان النوم الى عالمه ، و تغوص معه فى رحلة طويلة .

كم كان بحاجه لها لتعود مرة اخرى تواجه الواقع المفروض عليها .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي