٤
على الجانب الآخر...
وصل أخيرًا أحمد إلى المنزل ومعه شاهين، فرحت الأم كثيرًا بعودة شاهين وكادت تطير من السعادة من رويته وتشعر بالراحة لوجوده مع أحمد، فهو الوحيد القريب من أحمد ويحكي له كل شيء.
أحمد: اطلع إنت غير، طبعًا عارف أوضتي، الأوضة اللي جنبها بقى بتاعتك إنت.
شاهين: طبعًا عارفها وكل مرة بنزل فيها يا ابني، أنا لسه فاكر كل حاجة على فكرة.
أحمد: طيب يا أخويا، اطلع إنت لحد ما أشوف الهوانم فين.
صعد شاهين بينما التفت أحمد إلى الأم وسألها: فين تالين وروفيدا؟
الأم: تالين فوق نايمة مش هتاكل خلاص عشان بدأت رجيم قاسي شوية.
أحمد: طيب وروفيدا؟
الأم: في مكانها المعتاد في الجنينة، بتقرأ قصة أكيد.
أحمد: طيب هروح أنا أجبها لحد ما الغدا يجهز.
الأم: ماشي يا حبيبي.
وصل أحمد إلى الحديقة وجدها تبكي بحرقة.
اقترب منها أحمد بلهفة وأمسك بكتفيها ونظر لها بخوف حقيقي.
أحمد بلهفة: مالك يا روفيدا؟ في إيه؟ مين زعلك وبتعيطي ليه؟
روفيدا بشهقة: مات يا أحمد.
أحمد بصدمة وخوف: مين اللي مات؟
روفيدا: حسين ابن عشق ويحيي مات.
أحمد بعدم فهم: يحيي مين وعشق مين؟
روفيدا وهي تمسح دموعها وهو ينزل يديه عنها: أبطال قصة صغيرتي الحمقاء بتاعت لولو الصياد دي قصة جميلة، دلوقتي حسين اضرب بالنار مش عارفة مات ولا لا.
وقف أحمد وابتعد عنها وأعطاها ظهره ووضع يديه في جيبه وهو يكز على أسنانه من شدة الغيظ، يقسم أنه شعر وكأن روحه تنسحب منه حين رأى دموعها وحين قالت مات، كان يشعر وكأن الزمن توقف، خاف أن يكون أحد ما أصابه مكروه وبكل بساطة تقول له أنها مجرد رواية مات بطلها.
وجدها تتحدث من خلفه: هو إنت جاي ليه؟
أحمد وقد التفت لها ومازالت العصبية مسيطرة عليه: عشان أقولك إن الغدا جاهز، يلا بينا وعشان شاهين ابن خالتي هنا كمان وعاوز يشوفك.
روفيدا بكل سهولة وسذاجة: لا، روح إنت كُل، أنا مش هاكل غير لما أخلص الرواية دي وشاهين ده هشوفه لما أخلص الرواية، أنا عاوزة أعرف إيه اللي هيحصل لحسين أهم حاجة.
ووجدها أحمد تمسك الرواية مرة ثانية،
حينها لم يستطع أحمد التحكم بنفسه ولا بعصبيته.
اقترب منها بسرعة وأمسك بالرواية ورماها أرضًا وسط نظرات روفيدا المصدومة.
روفيدا بحزن وهي تنظر للرواية تارة ولأحمد تارة أخرى والدموع بعيونها: طول عمرك كدة هتكسر فرحتي وتاخد مني كل حاجة حلوة بحبها مش هسامحك يا أحمد مهما حصل.
تركته وجرت مسرعة إلى الداخل وهي تبكي
بينما هو نادى عليها بقوة ولكنها لم تتوقف.
اقترب أحمد من الرواية وحملها من الأرض ثم بدأ يحدث نفسه قائلًا: غبي وهتفضل طول عمرك كده. ونظر إلى الرواية مكملًا حديثه: بس أنا هفرحك والله، هخليكي تطيري من الفرحة كمان وده وعد مني ليكي ووعد الحر دين.
.......
أحمد: كل ده ملكك لوحدك.
نظرت له روفيدا وإلى هديته ودموعها تنهمر على وجهها، لم تستطع السيطرة على دموعها فانفجرت كسيل جارف، فقد كانت صور بجميع الأحجام لوالدها ووالدتها كل منهم وحده ولكن صور والدتها كثيرة، أما الأب فلم يجد له سوى صورتين فقط.
اقتربت روفيدا من الصور ثم نظرت لها بدموع ورفعت يدها ووضعتها على الصورة لتتحسس وجه أبيها وأمها، ثم تحدثت بصوت مخنوق: من زمان أوي كان نفسي في صور ليهم، بس معنديش.
أحمد: لما مامتك مشيت جدي أخد كل حاجتها من البيت ووداها في شقة في الزمالك وأنا كنت عارف الشقة دي، فلما سمعتك بتقولي لتالين إنك نفسك يكون عندك صور ليهم، يومها افتكرت الشقة، روحت هناك ودورت في حاجة مامتك، لقيت صورها دي وصورتين لباباكي مع ذكرى حبه ليها.
التفتت له روفيدا وقالت بصدق: أنا بجد مش عارفة أشكرك إزاي، أنا حقيقي فرحانة جدًا.
ارتسمت ابتسامة هادئة على وجه أحمد لما يسمعه من حديث روفيدا له، فاقترب منها ومسح دموعها وقال: مش عاوز دموع تاني، أما بالنسبة لكل دول فهو اعتذار مني على اللي حصل بينا، مش عاوزك تزعلي تاني ولا أشوف دموعك، لأن دموعك دي غالية عندي جدًا، مفهوم!
روفيدا بابتسامة: مستبد.
انفجر أحمد بالضحك على إثر كلمتها: نفسي تحكمي لسانك ده شوية، دايمًا بتتكلمي قبل ما تفكري.
روفيدا بمشاكسة: وده حلو ولا وحش بقى؟
أحمد: ساعات بتجننيني وساعات بتضحكيني زي دلوقتي، مبقتش عارف أقولك إيه.
روفيدا وهي تنظر له بجدية: بص إنت تسيبني بقى أفصص الخلوة دي براحتي وأشوفها كويس، عشان أنا عمري ما دخلت هنا أبدًا وكان فضولي كبير إني أشوفها وأعرف هي فيها إيه بالظبط.
أحمد بحب: مفيش حد دخلها غيرك أصلًا.
نظرت روفيدا حولها فوجدت تخت في آخر الغرفة، كما يوجد جميع وسائل الراحة من تلفاز وتكيف ولاب توب، كل شيء تتوقعه حتى الهاتف موجود ويوجد مطبخ صغير الحجم ولديه مكتبة تمتلئ بالكتب وأيضًا لديه عدد كبير من الإسطوانات لأغاني عربية وغربية،
لكن الأغرب تلك الرموز الموضوعة على الحائط ومكتوبة باللغة الفرعونية.
روفيدا بتعجب: إيه ده اللي مكتوب على الحيط!
أحمد بجدية: ده سر.
روفيدا: لا، بجد قول إيه الحروف دي ومعناها إيه!
أحمد: صدقيني دلوقتي مينفعش أقولك على حاجة، بعدين هقولك وهفهمك كل ده معناه إيه.
روفيدا: إشمعنا أنا؟
أحمد وهو يعقد حاجبيه بعدم فهم: أنا مش فاهم إشمعنا إنتي إيه؟!
روفيدا: إشمعنا أنا الوحيدة اللي دخلتني خلوتك، ومتقولش عشان تصالحني بالصور؛ لأني مش هصدقك، كان ممكن تحطها في أي مكان في البيت ومتورنيش الخلوة دي خالص.
أحمد وهو ينظر بعيونها بقوة: لأنك غير الكل وكمان عاوزك تشوفي وتحسي بكل حاجة بحبها.
روفيدا بتعجب: ليه
أحمد: بعدين هتعرفي، كل شيء في وقته.
روفيدا: طيب تيجي نشيل بقى الصور ونوريها لهم وأخدهم أوضتي بعد كده.
أحمد: ماشي يا ستي هكون شيال لحضرة جنابك، اتفضلي يا هانم.
روفيدا بمداعبة: عندك اعتراض يا بيه!
أحمد وهو يضحك: لا طبعًا معنديش.
انفجروا الاثنان بالضحك،
كان أحمد يشعر بسعادة رهيبة، لأول مرة تكون روفيدا معه على طبيعتها هكذا، تبتسم له وتتحدث دون أن يشعر أنها تنفر منه، كاد يحلق في السماء من شدة الفرحة،
بينما روفيدا كانت تتعجب نفسها لا تشعر بالخوف منه لأول مرة تشعر بالراحة وكأنها تتحدث إلى شخص قريب منها وهذا الشخص أحمد الذي تبغضه، لا تعلم ماذا حدث اليوم هل هو تأثير هديته عليها أم ماذا.
..............
في صباح اليوم التالي، كانت بسمة تجلس بجانب حمام السباحة، واضعة قدميها به، كانت تبكي من حديث والدتها لها، كانت تصرخ بالهاتف وتشتكي لها من والدها ولم تعير نفسها حتى أن تسأل ابنتها كيف حالك وهي تبعد عنها آلاف الأميال، تشعر أنها إن ماتت لن يحزن أي منهم عليها وسينشغلوا بأنفسهم كالعادة وكأنه لم يحدث شيء.
كم مرة مرت ولم يهتموا لها، كم مرة بكت ولم تجد سوى المربية التي تحتضنها، كم من المرات وضعت يدها بأذنها حتى لا تسمع صوت الخناق بينهم، كم من المرات استيقظت من نومها العميق وهي تبكي، كم من المرات شعرت بالوحدة حين ترى أهالي زملائها في المدرسة وأهلهم يفيضون عليهم بالحب ويأتي كل أب أو أم لتأخذ طفلها بينما هي لا يأتي أحد لها سوى السائق، كم من المرات انتظرت أن يهتم بها أحدهم ولكن هي ليست بالحسبان وإن كانت ليست بالحسبان فلماذا أنجبوها من البداية إن كانت لا تهمهم، لماذا أنجبوها، هل كانت غلطة بالفعل كما تقول والدتها كل شجار مع والدها أنها ظلت معه فقط لأنها حملت بالخطأ ولم تعرف بالحمل سوى متأخر وهذا الحمل سبب عذابها واستمرارها معه، هي لا تعلم مَنْ المخطيء، هل هو والدها لأنه يعرف نساء غير والدتها أم العيب من أمها.
فاقت بسمة من أفكارها على صوت شاهين.
شاهين: صباح الخير.
مسحت بسمة دموعها ولم تنظر له وردت بصوت متحشرج من إثر البكاء: مساء النور.
شاهين وهو يجلس جانبها ويتحدث بجدية وطريقة حنونة: كنتي بتعيطي ليه بقى؟
بسمة بصوت مخنوق وهي تفرك يدها بتوتر: مفيش حاجة.
شاهين: على فكرة أنا مستمع جيد جدًا وممكن أفيدك ده لو حابة تحكي وصدقيني أنا نفسي تعتبريني صديق ليكي، إنتي زي تالين وروفيدا وأختي.
بسمة بابتسامة حزينة: ربنا يخليك.
شاهين: ها مين مزعلك؟ أنا بسمعك أهو.
حكت له بسمة حكايتها باختصار.
شاهين: إنتي ليه حاسة بضعف كده؟ هو كل الأطفال بيعيشوا بأهلهم! ما في أطفال أيتام وبيعيشوا من غير أهل ويكونوا أحسن الناس عادي، إنتي اتولدتي في بيئة غلط بس ده مش معناه إنك تحسي بالنقص وتحسسي نفسك إنك مختلفة لا إنتي لازم تبقي قوية، ليه متحاوليش تغيري منهم، تتكلمي معاهم يمكن يحسوا بيكي.
بسمة بشك: تفتكر ممكن يحصل كده؟
شاهين: والله جربي مش هتخسري حاجة.
بسمة وهي تنظر أمامها: عندك حق، أنا هجرب.
............
على الجانب الآخر..
وصلت تالين إلى عيادة ماجد، وجدته بانتظارها كما قال لها.
ماجد وهو ينظر لساعته وينظر لها بابتسامة:
في ميعادك بالظبط.
تالين: أنا بحب الدقة خصوصًا في مواعيدي.
ولكن بالطبع كانت تكذب عليه فهي كانت تعد الثواني والدقائق حتى تراه مرة ثانية.
ماجد: جاهزة؟
تالين: أه تمام، أنا جاهزة أكيد.
ماجد وهو يشير إلى إحدى الغرف: تمام، غيري في الأوضة دي والبسي لبس التمارين وأنا....
ولكن قطع حديثه صوت هاتفه ورنة والدته.
ماجد: معلش هرد بس على المكالمة، دي والدتي.
تالين بابتسامة: اتفضل براحتك.
ماجد: الو، أيوه يا أمي.
الأم: الحقني يا ماجد....
وصل أخيرًا أحمد إلى المنزل ومعه شاهين، فرحت الأم كثيرًا بعودة شاهين وكادت تطير من السعادة من رويته وتشعر بالراحة لوجوده مع أحمد، فهو الوحيد القريب من أحمد ويحكي له كل شيء.
أحمد: اطلع إنت غير، طبعًا عارف أوضتي، الأوضة اللي جنبها بقى بتاعتك إنت.
شاهين: طبعًا عارفها وكل مرة بنزل فيها يا ابني، أنا لسه فاكر كل حاجة على فكرة.
أحمد: طيب يا أخويا، اطلع إنت لحد ما أشوف الهوانم فين.
صعد شاهين بينما التفت أحمد إلى الأم وسألها: فين تالين وروفيدا؟
الأم: تالين فوق نايمة مش هتاكل خلاص عشان بدأت رجيم قاسي شوية.
أحمد: طيب وروفيدا؟
الأم: في مكانها المعتاد في الجنينة، بتقرأ قصة أكيد.
أحمد: طيب هروح أنا أجبها لحد ما الغدا يجهز.
الأم: ماشي يا حبيبي.
وصل أحمد إلى الحديقة وجدها تبكي بحرقة.
اقترب منها أحمد بلهفة وأمسك بكتفيها ونظر لها بخوف حقيقي.
أحمد بلهفة: مالك يا روفيدا؟ في إيه؟ مين زعلك وبتعيطي ليه؟
روفيدا بشهقة: مات يا أحمد.
أحمد بصدمة وخوف: مين اللي مات؟
روفيدا: حسين ابن عشق ويحيي مات.
أحمد بعدم فهم: يحيي مين وعشق مين؟
روفيدا وهي تمسح دموعها وهو ينزل يديه عنها: أبطال قصة صغيرتي الحمقاء بتاعت لولو الصياد دي قصة جميلة، دلوقتي حسين اضرب بالنار مش عارفة مات ولا لا.
وقف أحمد وابتعد عنها وأعطاها ظهره ووضع يديه في جيبه وهو يكز على أسنانه من شدة الغيظ، يقسم أنه شعر وكأن روحه تنسحب منه حين رأى دموعها وحين قالت مات، كان يشعر وكأن الزمن توقف، خاف أن يكون أحد ما أصابه مكروه وبكل بساطة تقول له أنها مجرد رواية مات بطلها.
وجدها تتحدث من خلفه: هو إنت جاي ليه؟
أحمد وقد التفت لها ومازالت العصبية مسيطرة عليه: عشان أقولك إن الغدا جاهز، يلا بينا وعشان شاهين ابن خالتي هنا كمان وعاوز يشوفك.
روفيدا بكل سهولة وسذاجة: لا، روح إنت كُل، أنا مش هاكل غير لما أخلص الرواية دي وشاهين ده هشوفه لما أخلص الرواية، أنا عاوزة أعرف إيه اللي هيحصل لحسين أهم حاجة.
ووجدها أحمد تمسك الرواية مرة ثانية،
حينها لم يستطع أحمد التحكم بنفسه ولا بعصبيته.
اقترب منها بسرعة وأمسك بالرواية ورماها أرضًا وسط نظرات روفيدا المصدومة.
روفيدا بحزن وهي تنظر للرواية تارة ولأحمد تارة أخرى والدموع بعيونها: طول عمرك كدة هتكسر فرحتي وتاخد مني كل حاجة حلوة بحبها مش هسامحك يا أحمد مهما حصل.
تركته وجرت مسرعة إلى الداخل وهي تبكي
بينما هو نادى عليها بقوة ولكنها لم تتوقف.
اقترب أحمد من الرواية وحملها من الأرض ثم بدأ يحدث نفسه قائلًا: غبي وهتفضل طول عمرك كده. ونظر إلى الرواية مكملًا حديثه: بس أنا هفرحك والله، هخليكي تطيري من الفرحة كمان وده وعد مني ليكي ووعد الحر دين.
.......
أحمد: كل ده ملكك لوحدك.
نظرت له روفيدا وإلى هديته ودموعها تنهمر على وجهها، لم تستطع السيطرة على دموعها فانفجرت كسيل جارف، فقد كانت صور بجميع الأحجام لوالدها ووالدتها كل منهم وحده ولكن صور والدتها كثيرة، أما الأب فلم يجد له سوى صورتين فقط.
اقتربت روفيدا من الصور ثم نظرت لها بدموع ورفعت يدها ووضعتها على الصورة لتتحسس وجه أبيها وأمها، ثم تحدثت بصوت مخنوق: من زمان أوي كان نفسي في صور ليهم، بس معنديش.
أحمد: لما مامتك مشيت جدي أخد كل حاجتها من البيت ووداها في شقة في الزمالك وأنا كنت عارف الشقة دي، فلما سمعتك بتقولي لتالين إنك نفسك يكون عندك صور ليهم، يومها افتكرت الشقة، روحت هناك ودورت في حاجة مامتك، لقيت صورها دي وصورتين لباباكي مع ذكرى حبه ليها.
التفتت له روفيدا وقالت بصدق: أنا بجد مش عارفة أشكرك إزاي، أنا حقيقي فرحانة جدًا.
ارتسمت ابتسامة هادئة على وجه أحمد لما يسمعه من حديث روفيدا له، فاقترب منها ومسح دموعها وقال: مش عاوز دموع تاني، أما بالنسبة لكل دول فهو اعتذار مني على اللي حصل بينا، مش عاوزك تزعلي تاني ولا أشوف دموعك، لأن دموعك دي غالية عندي جدًا، مفهوم!
روفيدا بابتسامة: مستبد.
انفجر أحمد بالضحك على إثر كلمتها: نفسي تحكمي لسانك ده شوية، دايمًا بتتكلمي قبل ما تفكري.
روفيدا بمشاكسة: وده حلو ولا وحش بقى؟
أحمد: ساعات بتجننيني وساعات بتضحكيني زي دلوقتي، مبقتش عارف أقولك إيه.
روفيدا وهي تنظر له بجدية: بص إنت تسيبني بقى أفصص الخلوة دي براحتي وأشوفها كويس، عشان أنا عمري ما دخلت هنا أبدًا وكان فضولي كبير إني أشوفها وأعرف هي فيها إيه بالظبط.
أحمد بحب: مفيش حد دخلها غيرك أصلًا.
نظرت روفيدا حولها فوجدت تخت في آخر الغرفة، كما يوجد جميع وسائل الراحة من تلفاز وتكيف ولاب توب، كل شيء تتوقعه حتى الهاتف موجود ويوجد مطبخ صغير الحجم ولديه مكتبة تمتلئ بالكتب وأيضًا لديه عدد كبير من الإسطوانات لأغاني عربية وغربية،
لكن الأغرب تلك الرموز الموضوعة على الحائط ومكتوبة باللغة الفرعونية.
روفيدا بتعجب: إيه ده اللي مكتوب على الحيط!
أحمد بجدية: ده سر.
روفيدا: لا، بجد قول إيه الحروف دي ومعناها إيه!
أحمد: صدقيني دلوقتي مينفعش أقولك على حاجة، بعدين هقولك وهفهمك كل ده معناه إيه.
روفيدا: إشمعنا أنا؟
أحمد وهو يعقد حاجبيه بعدم فهم: أنا مش فاهم إشمعنا إنتي إيه؟!
روفيدا: إشمعنا أنا الوحيدة اللي دخلتني خلوتك، ومتقولش عشان تصالحني بالصور؛ لأني مش هصدقك، كان ممكن تحطها في أي مكان في البيت ومتورنيش الخلوة دي خالص.
أحمد وهو ينظر بعيونها بقوة: لأنك غير الكل وكمان عاوزك تشوفي وتحسي بكل حاجة بحبها.
روفيدا بتعجب: ليه
أحمد: بعدين هتعرفي، كل شيء في وقته.
روفيدا: طيب تيجي نشيل بقى الصور ونوريها لهم وأخدهم أوضتي بعد كده.
أحمد: ماشي يا ستي هكون شيال لحضرة جنابك، اتفضلي يا هانم.
روفيدا بمداعبة: عندك اعتراض يا بيه!
أحمد وهو يضحك: لا طبعًا معنديش.
انفجروا الاثنان بالضحك،
كان أحمد يشعر بسعادة رهيبة، لأول مرة تكون روفيدا معه على طبيعتها هكذا، تبتسم له وتتحدث دون أن يشعر أنها تنفر منه، كاد يحلق في السماء من شدة الفرحة،
بينما روفيدا كانت تتعجب نفسها لا تشعر بالخوف منه لأول مرة تشعر بالراحة وكأنها تتحدث إلى شخص قريب منها وهذا الشخص أحمد الذي تبغضه، لا تعلم ماذا حدث اليوم هل هو تأثير هديته عليها أم ماذا.
..............
في صباح اليوم التالي، كانت بسمة تجلس بجانب حمام السباحة، واضعة قدميها به، كانت تبكي من حديث والدتها لها، كانت تصرخ بالهاتف وتشتكي لها من والدها ولم تعير نفسها حتى أن تسأل ابنتها كيف حالك وهي تبعد عنها آلاف الأميال، تشعر أنها إن ماتت لن يحزن أي منهم عليها وسينشغلوا بأنفسهم كالعادة وكأنه لم يحدث شيء.
كم مرة مرت ولم يهتموا لها، كم مرة بكت ولم تجد سوى المربية التي تحتضنها، كم من المرات وضعت يدها بأذنها حتى لا تسمع صوت الخناق بينهم، كم من المرات استيقظت من نومها العميق وهي تبكي، كم من المرات شعرت بالوحدة حين ترى أهالي زملائها في المدرسة وأهلهم يفيضون عليهم بالحب ويأتي كل أب أو أم لتأخذ طفلها بينما هي لا يأتي أحد لها سوى السائق، كم من المرات انتظرت أن يهتم بها أحدهم ولكن هي ليست بالحسبان وإن كانت ليست بالحسبان فلماذا أنجبوها من البداية إن كانت لا تهمهم، لماذا أنجبوها، هل كانت غلطة بالفعل كما تقول والدتها كل شجار مع والدها أنها ظلت معه فقط لأنها حملت بالخطأ ولم تعرف بالحمل سوى متأخر وهذا الحمل سبب عذابها واستمرارها معه، هي لا تعلم مَنْ المخطيء، هل هو والدها لأنه يعرف نساء غير والدتها أم العيب من أمها.
فاقت بسمة من أفكارها على صوت شاهين.
شاهين: صباح الخير.
مسحت بسمة دموعها ولم تنظر له وردت بصوت متحشرج من إثر البكاء: مساء النور.
شاهين وهو يجلس جانبها ويتحدث بجدية وطريقة حنونة: كنتي بتعيطي ليه بقى؟
بسمة بصوت مخنوق وهي تفرك يدها بتوتر: مفيش حاجة.
شاهين: على فكرة أنا مستمع جيد جدًا وممكن أفيدك ده لو حابة تحكي وصدقيني أنا نفسي تعتبريني صديق ليكي، إنتي زي تالين وروفيدا وأختي.
بسمة بابتسامة حزينة: ربنا يخليك.
شاهين: ها مين مزعلك؟ أنا بسمعك أهو.
حكت له بسمة حكايتها باختصار.
شاهين: إنتي ليه حاسة بضعف كده؟ هو كل الأطفال بيعيشوا بأهلهم! ما في أطفال أيتام وبيعيشوا من غير أهل ويكونوا أحسن الناس عادي، إنتي اتولدتي في بيئة غلط بس ده مش معناه إنك تحسي بالنقص وتحسسي نفسك إنك مختلفة لا إنتي لازم تبقي قوية، ليه متحاوليش تغيري منهم، تتكلمي معاهم يمكن يحسوا بيكي.
بسمة بشك: تفتكر ممكن يحصل كده؟
شاهين: والله جربي مش هتخسري حاجة.
بسمة وهي تنظر أمامها: عندك حق، أنا هجرب.
............
على الجانب الآخر..
وصلت تالين إلى عيادة ماجد، وجدته بانتظارها كما قال لها.
ماجد وهو ينظر لساعته وينظر لها بابتسامة:
في ميعادك بالظبط.
تالين: أنا بحب الدقة خصوصًا في مواعيدي.
ولكن بالطبع كانت تكذب عليه فهي كانت تعد الثواني والدقائق حتى تراه مرة ثانية.
ماجد: جاهزة؟
تالين: أه تمام، أنا جاهزة أكيد.
ماجد وهو يشير إلى إحدى الغرف: تمام، غيري في الأوضة دي والبسي لبس التمارين وأنا....
ولكن قطع حديثه صوت هاتفه ورنة والدته.
ماجد: معلش هرد بس على المكالمة، دي والدتي.
تالين بابتسامة: اتفضل براحتك.
ماجد: الو، أيوه يا أمي.
الأم: الحقني يا ماجد....