الفصل الثامن
في هذه الأثناء كانت لمياء تتدوش لتفيق من حرارة الجو وتستعيد نشاطها، ثم جلست برفقة والداها بعدما تناولوا الغذاء ليرتشفوا الشاي، كادت الكلمات تنساب من بين شفتيها لكن أوقفتها مروه متسائله
-ملقولتليش يالولو عملتي ايه في الامتحان النهارده؟ طمنيني ياضنايا حليتي كويس؟
حدقتها لمياء بهدوء ثم أشاحت بنظرها بعيدا عنها وحنت رأسها للأسف ثم أجابتها بصوت منخفض
-كان حلو ياماما، اه الحمد لله حليت كويس.
وجهها الخالي من الأنفعال زاد من توجس مروه، جعلها تمد يدها لترفع رأس طفلتها مسائله بدهشه
-ومالك بتقوليها كده، في حاجه حصلت ولا ايه؟ اوعي تكوني محبيه عني حاجه؟!
هزت لمياء رأسها وشعرت وكأنها تريد أن تزيح عنه حملاً مجهولاً، واضطربت خلجاتها وخفق قلبها على نحو عجيب، وأحست بخفقاته ترتجف بداخلها، فامعنت النظر إلى والدتها وتنفست عدة مرات بقوة
-بصي ياماما هو حصل حاجه كدا بعد ما طلعنا من الامتحان، حصل موقف سخيف من بيسان وده مخليني زعلانه ومش على بعضي بس مش هينفع اقوله لاحد لأنها صاحبتي و ماينفعش افتن عليها، ادعيلها ياماما ربنا يهديها، بعد اذنك انا داخله اوضتي اريح شويه عشان اعرف اذاكر الماده الجايه.
امتعضت ملامح مروه، فكلمات لمياء جعلتها تُدرك أنه يوجد موضوع خطير ولا تصدق ما أخبرتها به، عقدت حاجبيها وحدقت بها بعيناها ثم صاحت عليها بصوت مرتفع بعض الشيئ
-خدي يابنتي فهميني في ايه، اخص عليكي يالمياء لما تسبيني كده وتمشي، بس انا مش هسيب الموضوع غير لما اعرفه من طأطأ لسلام عليكو.
لوهلة ظنت لمياء أنها قد تكون كادت ان تفشي سر صديقتها، لكنها نفضت الأمر عنها وزفرت أنفاسها بسخط، ألقت بنفسها فوق الفراش شارده حزينه لأجل صديقتها.
إن لم تكن بيسان تدرك ما تفعله بقلبها لكانت الأن صريعةً حتماً، بسبب استخفافها بالأمر، بذلت لمياء مجهوداً خرافياً لتتمالك أعصابها، وتسيطر على غضبها فهي تدفعها للتهور، وهي لا تريد خسارتها ولا البطش بها، طال صمت لمياء طوال فترة الإمتحانات وتركتها تفعل ما يحلو لها، وركزت هي في مذاكرتها وامتحاناتها ومستقبلها المشرق الذي يرتقبها، لكن عيناها كانت تلاحق وجوم بيسان، فعلمت أن عليها أخبارها بما يمليه عليها ضميرها، فهي الأن تقف بين مفترق الطرق، وبيدها فقط تقرير مصير مستقبلها التعليمي وعلاقتها بالمدعو مازن الذي من وجهة نظر لمياء بأنه يتسلى بها، أغمضت بيسان عينيها هرباً من نظراتها المهاجمه الرافضة لأفعالها وتملكها الخوف للمرة الأولى في حياتها، تخشى أن يبتعد عنها مازن وان ترسب في التعليم، فتحت عينيها واصطدمت بمازن يقف مع فتاه أخرى على بعد متر ونصف، ابتسامتهم تعلو شفتاهم، فزفرت أنفاسها بغضب وكادت ان تذهب باتجاههم لتعرف ما الأمر، لكن امسكتها لمياء من زراعتها وهي تلتفت يمينا ويسارا
-إيه رايحه فين انتي! عايزه تفرجي عليكي الناس، اتظبطي كده وماتتهوريش عشان ماتدوديش نفسك في داهيه، انا ياما قولتلك ده بيتسلي بيكي ومش بيحبك، وانتي ما سمعتيش كلامي، احمدي ربنا انه ظهر على حقيقته في البدايه، يلا كده من غير شوشره خلينا نتزفت نرجع البيت..
راقبت بيسان ملامحه لوهله بغضب شديد وهو يبتسم ويرمق الفتاه الأخرى باعجاب وما أن اومأ والتفت ليراها أمامه فجأة، إرتبك ولم يعرف الي أين يذهب ليختبئ منها، حتى زفرت هي للمياء بأرتياح وأردفت
-انتي عندك حق يا لمياء وانا ال غلطانه ومشيت ورا قلبي وفرحت بأول كل حاجه بتحصل لأي بنت وافتكرت انه صادق وان هو ده الحب، يلا بينا نروح
علت وتيرة أنفاس مازن وازداد اضطرابه منها، لا بل ثار فضوله أكثر عندما رآها تسير من أمامه دون أن تنظر إليه او تعاتبه بما رأت،
فزم شفتيه وعقد ذراعيه أمامه وتطلع إليها بإستياء، ثم تحدث بينه وبين نفسه
- يعني إيه تمشي وماتتكلمش كده، ممكن ماتكونش شافتني! ولا ايه ال حصل، انا هتجنن، ضاعت الحته من ايدك يامعلم قبل ما تعلم عليها.. ياخساره، يلا خيرها في غيرها.
ومع صمت مازن واهماله الفتاه الماثلة أمامه، إحتد صوتها وبدت قاسيه نوعاً ما وهي تردف
-أنا لسه واقفه معاك على فكره، روحت فين؟ هاي.. انا بكلمك يامازن،معقول البت ال ماشيه هناك دي خطفتلك عقلك بسرعه كده، ياخساره على الرجاله
أجفلته كلماتها وثباتها أمامه وذبذبت ثقته بنفسه، ورغم حنقه لتسرعها في أطلاق أحكامها إلا أنه أستطاع أن يستحوذ على أهتمامها كلياً وأخذ يفكر ويحلل حديثها، أغمض عيناه يبغي أن يوصد أبوابه بوجهها لينفرد بنفسه، فهو على يقين أنه لم بخضع لأي فتاه بسهوله كانت، بل كان أعتماده الكامل على وسامته ورشاقته
حينما وصلت بيسان الي منزلها، ولجت الي غرفتها واوصدت الباب من الداخل بإحكام، ألقت بنفسها على الفراش وأغمضت عينيها و إنفردت بنفسها وانهارت بالبكاء الشديد، فهي على يقين أنها لم تخطئ عندما فتحت قلبها وأحبت بصدق، بل كان أعتمادها الكامل على مشاعرها ونقاء قلبها، ودت لو تلجأ لوالدها لترتمي بحضنه لانه أحن عليها من والدتها، ولكنها تعلم جيداً أن والدها سيستغل ذلك ليعرف ما بها ويغضب منها، وسيلزمها بالأنصياع لنصايحه التي تحفظها عن ظهر غيب، بات صراع بداخلها كاد ان يكون مهلكاً؛
تبينتها هايدي وهي تراقب ملامحها التي أحتقنت بوميض ملتهب، ولاحظت شرراً متأجج بعيناها يكاد يتطاير منها ويصيبها، فردد لسانها تلقائياً بعض آيات القرآن ودعت الله أن يحفظها من شر ما هي فيه، وأن يرد إليها عقلها ورزانتها وضحكتها التي كانت معبأه المكان، تسلل دعائها إليها ازداد توهج بيسان، خرجت من غرفتها وأقتربت منها وكادت تلتصق بها ولكنها تراجعت خوفاً من أن تسيل دموعها وتسألها هايدي عن سبب ذلك، تبادلت مع النظرات بتوسل تارة وبيأس تارة أخرى، لتنخرط في موجة عنيفة من البكاء، وأمام دموعها وقفت هايدي تحدق بها وهي مكبله بالعجز، لا تدري كيف السبيل لها لتخفف عنها، وفجأة بدت صورة بيسان تهتز أمام بصرها، فركت عيناها بقوة وأمعنت النظر إليها، لتتسع عيناها لا بل كادت تخرج عن محجرها من هول ما رآت فهي تكاد تجزم أنها رآت ابنتها تنسلخ عن نفسها وتنقسم و..
في هذه الأثناء دق جرس الباب فذهبت بيسان كي تفتح هي الباب وهي تمسح دموعها وتلتقط أنفاسها، رأت بأن لمياء ومروه هن الآتيات، رحبت بهم بحفاوه ثم ولجوا وإستأنسوا بجلوسهم معا، جلست لمياء ترمف بيسان خفية لتعرف هل هي عادت لصوابها ان هي حزينه، بينما كانت مروه وهايدي يتناقشون في أمور جانبيه، حينما رأتهم لمياء منهمكين في الحديث قامت عن مقعدها وقبضت على يد بيسان واتجهوا نحو غرفتها، ثم جلسوا على مقعدين منفردين ثم أشارت لها لمياء وهي ترمي بنظرها تجاه باب الغرفه لتطمئن بأنه لم يوجد أحد بالخارج، تحدثت إليها بصوت خافت
-إيه بقى ياست سوسو، هتفضلي في مود النكد ده كتير لحد ماحد منهم يكتشف الموضوع وتدخلي نفسك في مشاكل، مش قولنا ننسى بقى الحيوان ده، آه صحيح مسحتي رقم تليفونه من عندك ولا لسه محتفظه به!؟
رمقتها بيسان بحزن وبأس دون أن تجيبها على أسألتها، وبالخارج وقفت مروه بعيدا عن مرأي الفتاتان بعد أن أوصدت الباب برفق دون أن ينتبهوا لها، إستسرقت السمع لهن
أخبرته بيسان وهي تبكي باستفزاز، فأثارت غضب لمياء التي لم تتقبل أن تظل صديقة عمرها تتحدث بهذا اليأس عن شخص حقير لم يقدرها، انساقت بيسان في تكملة حديثها بسذاجة لتسقط بفخ مروه بلا وعي، اندفعت مروه لتهاجم بيسان ظناً منها أنها تستطيع البطش بها واعادتها لصوابها، ومن مكانها ترقبت لمياء ردة فعل والدتها وابتسمت بفخر فهي تنتظر المساعده من احد كي تشفي صديقتها،
على حين غُرة انحرفت بيسان بجسدها بعيداً عن اتجاه مروه، غيب الغضب مروه عن وعيها بعدما فجرت ذكرياتها المريرة كراهيتها الكامنة بداخلها نحو عائلتها عندما أحبت في صغرها قبل أن تلتقي بمحمد،
وبعد مُضي نصف ساعة أبتعدت مروه عن الغرفه دون أن تستجدي اي نفع من نصحها وارشادها لبيسان، بعدما أيقنت من فقدان الفتاه الثقه والأمان، جلست لمياء بأنفاس متهدجة تحدق ببيسان برضى وأبتسمت وقالت باستخفاف
- أما نشوف يا استاذه هتفضلي كده لإمته، اعملي حسابك الامتحان الأخير بعد يومين فعايزين نركز يابنتي في المذاكره الله يرضى عليكي... وصدقيني والله الحب الحقيقي لسه ماجاش وقته، ان شاء الله ربنا هيعوضك بواحد ينسيكي نفسك كمان،وساعتها هتقعدي تضحكي على اللحظات الحزينه ال ضيعتها من وقتك عشان حد مايستاهلش حتى انك تفكري فيه.
لم يكن حال أيمن مختلف عن حال بيسان كثيراً، فما حدث مع ابنته وصل صداه إلى الجميع في المصنع لم يفهم كيف ولماذا حصل ذاك لانه لم يكن على علم بشيئ، فما أن وضع قدمه بمقر عمله حتى تفاجأ بمدير المكتب خالد يعترض طريقه فتطلع إليه بحدة
- أنت واقف لي كدا ليه ياخالد وسايب شغلك؟
خفض خالد رأسه وأجابه بحرج:
- أنا بعتذر من حضرتك ياأستاذ أيمن، بس انا مستنيك من بدري لان من واجبي عليك اني اقولك ايه ال بيحصل من وراء ضهرك.
بردوة غريبة تسللت إلى قلبه فازدرد لعابه وردد بصوت مهتز يسأله
-هو إيه ال بيتقال عني من وراء ضهري؟!
ارتبك خالد كلياً حرجاً فأيمن لم يكن أبداً بالشخص الهين، ولكن عليه أن ينفذ كافة ما يمليه عليه ضميره رغماً عنه وإلا تعرض هو للمسئولية ونال منه المدير، وهو الأمر الذي لن يستطع خالد تحمله فلديه إبنة أيضا ويخاف عليها، حينها تسلح خالد بقوة الأب المسئول والصديق المخلص
-المدير أتصل من ربع ساعة وأدى أمر، ومن خمس دقايق جه واحد من طرفه وهو كان معايا على التليفون، وقال إن بنت حضرتك كانت على علاقه ببنت المدير
شحب وجه الرويني وشخصت عيناه بخوف نحو مكتبه وقال بصوت مهتز
-طيب لو ممكن بس تساعدني اقعد لاني حاسس انه هيغمي عليا.
ثم مد يده ليفتح ازرار القميص محاولا التقاط انفاسه
-بنت مين وابن مدير مين ال علاقه ببعض! بنتي أنا؟ طب ازاي واتأكدتوا من اتهامكوا ده، عيب الكلام ده انا بنتي عمرها ماتعمل علاقه مع شاب دي لسه طفله في اعدادي، اتهبلتوا في مخكوا ولا ايه!؟ هاتلى الحيوان ال جاب سيرة بنتي اقطعله لسانه قدام الكل.
لم يستطع خالد رفض طلب أيمن وتابعه بعيناه حتى ولج إلى داخل مكتبه وأغلق الباب خلفه، فأسرع بألتقاط الهاتف وأبلاغ المدير بما حدث حتى يُخلي مسئوليته أمامه.
وبداخل المكتب عكف على البحث بين أرقامه المدونه بيداه ترتجفان داخل الهاتف ليأتي برقم هايدي كي يتصل بها كي يتحدث مع ابنته، بعد مرور أكثر من نصف ساعة ازداد اضطرابه ورجيفه، وارتمى فوق الأريكة بتخاذل بعدما أدرك أن التحدث عبر الهاتف لايجوز، القى الهاتف من يده، دفن ايمن رأسه بين كفيه وبداخله تيه يبتلعه فالقادم أصبح قاتم وبلا ملامح أمامه، وقف خالد يكتنفه الدوار بسبب خسارته الفادحة لسمعته بين زملائه في المصنع لمجرد ان تحدث شاب مع ابنته والتي ستعيده إلى وضع يمقته كثيراً، ووقف يتأمل مكتبه بحسرة
عاد يجر أذيال الخيبة يحتله شعور بالضألة بسبب الأنظار المسددة نحوه، وولج إلى منزله يحتمي بين جدرانه، لتباغته هايدي بأعتراضها طريقه بوجه مضطرب شاحب وهي تتلفت بين الحين والآخر، ظنها أيمن على علم بما حدث معه فخفض رأسه بخزي لمذلته تلك، لتُسرع هايدي وتبدد ظنه وهي تهتف بقلق
- في في حاجة حصلت و و
رفع عيناه ونظر إليها بحدة، فنبرات الخوف والقلق بصوتها وتعرق جبينها زادوا من ريبته فسألها بحذر
- مالك ياهايدي في ايه حصل، قوليلي هي بيسان فين؟
هزت رأسها تنفي وأجابته
-مفيش حاجه حصلت، بس انا شيفاك مش على بعضك كده، بنتك نايمه بقالها اكتر من ساعتين، حتى دخلت اصحيها عشان تذاكرلها كلمتين عشان عندها امتحان بكرا، مارضيتش أبدا تقوم، ال عليها سيبوني محدش يكلمني.
ثار غضبه من ابنته وزجرها بحدة، ليزيد من توترها وخوفها فدمعت عيناها وقالت بصوت مهتز
-لمياء دخلت عند بيسان بنتك وقفلت الباب عليهم وبعد شوية سمعت صوت صريخ وشتايم، ولما روحت علشان اشوف ايه اللي بيحصل معرفتش الباب كان مقفول من جوا وبعدها الصوت راح ومعدتش لا سامعة صوت بيسان ولا لمياء، بعدها بشويه خرجت لمياء ورجعت شقتهم ودي نامت من ساعتها.
عقد ايمن حاجبيه وتجاوز هايدي وأسرع نحو الغرفة وطرق على بابها بعنف وصوت صياحه يدوي
-بيسان افتحي الباب يا بيسان
انتفضت بيسان من الفراش ولم تقوى على الوقوف على قدمها، استندت إلى الحائط، واتجهت صوب باب الغرفة وفتحته، وابتعدت عن مرمى بصر والدها، الذي اندفع للداخل وتوقف بمكانه وهو يحدق بها بلوم وعتاب وحزن، وأستدار لتصدمه نظرات ابنته البائسه فازداد غضبه منها وتذكر ما ناله بسبب فعلتها، هاجمها صافعاً إياها وقبل أن تلتف أصابعه حول عنقها ولجت هايدي وصرخت به قائلة
-سيبها ياأيمن انت بتعمل ايه، اتجننت ولا ايه، عايز تموت بنتك الوحيده ليه وعشان ايه
تركها رغماً عنه واتجه إلى المقعد ووضع يده على رأسه وهو يهز رأسه يمينا ويسارا
-بنتك المحترمه على علاقه بمازن ابن مدير المصنع، والواد دلوع ابوه راح حكي لزميلنا في الشغل، انا ماكنتش عارف اودي وشي فيم من الكسوف والخزي، بنتنا ال ما طلعتش من البيضه بتعمل علاقات وبتحب، واحنا آخر من نعلم
صعقت هايدي وطرقت بيداها على وجنتيها صدمة وحسره، ثم جحظت عيناها لإبنتها وصاحت فيها بحده
-صحيح الكلام ال بيقولوا أبوكي ده يابت! تعرفي حد اسمه مازن وعلى علاقه بيه! يامصيبتي لايكون هو ده السبب ال مخليك بقالك يومين منكده على نفسك وعلينا، انطقي وقولي ايه حقيقة الموضوع ده، ده انتي لسه في ثالثه اعدادي حب ايه ونيله ايه!؟ يالهوي عليا
انهارت بيسان تماما لانها لأول مره بحياتها يصفعها والدها، وايضا تراه مهزوم منكسر بهذا الشكل وبسببها فكانت تتمنى الموت ولا ترى والداها بهذا الشكل السيئ، إزدردت لعابها وتغاضت عما شعرت به من ألم بسبب الصفعه التي نالتها، ثم حاول استجماع شجاعتها لتبرئ نفسها لما نسب إليها كي تصلح ما اهتز في علاقتها بعائلتها
-ملقولتليش يالولو عملتي ايه في الامتحان النهارده؟ طمنيني ياضنايا حليتي كويس؟
حدقتها لمياء بهدوء ثم أشاحت بنظرها بعيدا عنها وحنت رأسها للأسف ثم أجابتها بصوت منخفض
-كان حلو ياماما، اه الحمد لله حليت كويس.
وجهها الخالي من الأنفعال زاد من توجس مروه، جعلها تمد يدها لترفع رأس طفلتها مسائله بدهشه
-ومالك بتقوليها كده، في حاجه حصلت ولا ايه؟ اوعي تكوني محبيه عني حاجه؟!
هزت لمياء رأسها وشعرت وكأنها تريد أن تزيح عنه حملاً مجهولاً، واضطربت خلجاتها وخفق قلبها على نحو عجيب، وأحست بخفقاته ترتجف بداخلها، فامعنت النظر إلى والدتها وتنفست عدة مرات بقوة
-بصي ياماما هو حصل حاجه كدا بعد ما طلعنا من الامتحان، حصل موقف سخيف من بيسان وده مخليني زعلانه ومش على بعضي بس مش هينفع اقوله لاحد لأنها صاحبتي و ماينفعش افتن عليها، ادعيلها ياماما ربنا يهديها، بعد اذنك انا داخله اوضتي اريح شويه عشان اعرف اذاكر الماده الجايه.
امتعضت ملامح مروه، فكلمات لمياء جعلتها تُدرك أنه يوجد موضوع خطير ولا تصدق ما أخبرتها به، عقدت حاجبيها وحدقت بها بعيناها ثم صاحت عليها بصوت مرتفع بعض الشيئ
-خدي يابنتي فهميني في ايه، اخص عليكي يالمياء لما تسبيني كده وتمشي، بس انا مش هسيب الموضوع غير لما اعرفه من طأطأ لسلام عليكو.
لوهلة ظنت لمياء أنها قد تكون كادت ان تفشي سر صديقتها، لكنها نفضت الأمر عنها وزفرت أنفاسها بسخط، ألقت بنفسها فوق الفراش شارده حزينه لأجل صديقتها.
إن لم تكن بيسان تدرك ما تفعله بقلبها لكانت الأن صريعةً حتماً، بسبب استخفافها بالأمر، بذلت لمياء مجهوداً خرافياً لتتمالك أعصابها، وتسيطر على غضبها فهي تدفعها للتهور، وهي لا تريد خسارتها ولا البطش بها، طال صمت لمياء طوال فترة الإمتحانات وتركتها تفعل ما يحلو لها، وركزت هي في مذاكرتها وامتحاناتها ومستقبلها المشرق الذي يرتقبها، لكن عيناها كانت تلاحق وجوم بيسان، فعلمت أن عليها أخبارها بما يمليه عليها ضميرها، فهي الأن تقف بين مفترق الطرق، وبيدها فقط تقرير مصير مستقبلها التعليمي وعلاقتها بالمدعو مازن الذي من وجهة نظر لمياء بأنه يتسلى بها، أغمضت بيسان عينيها هرباً من نظراتها المهاجمه الرافضة لأفعالها وتملكها الخوف للمرة الأولى في حياتها، تخشى أن يبتعد عنها مازن وان ترسب في التعليم، فتحت عينيها واصطدمت بمازن يقف مع فتاه أخرى على بعد متر ونصف، ابتسامتهم تعلو شفتاهم، فزفرت أنفاسها بغضب وكادت ان تذهب باتجاههم لتعرف ما الأمر، لكن امسكتها لمياء من زراعتها وهي تلتفت يمينا ويسارا
-إيه رايحه فين انتي! عايزه تفرجي عليكي الناس، اتظبطي كده وماتتهوريش عشان ماتدوديش نفسك في داهيه، انا ياما قولتلك ده بيتسلي بيكي ومش بيحبك، وانتي ما سمعتيش كلامي، احمدي ربنا انه ظهر على حقيقته في البدايه، يلا كده من غير شوشره خلينا نتزفت نرجع البيت..
راقبت بيسان ملامحه لوهله بغضب شديد وهو يبتسم ويرمق الفتاه الأخرى باعجاب وما أن اومأ والتفت ليراها أمامه فجأة، إرتبك ولم يعرف الي أين يذهب ليختبئ منها، حتى زفرت هي للمياء بأرتياح وأردفت
-انتي عندك حق يا لمياء وانا ال غلطانه ومشيت ورا قلبي وفرحت بأول كل حاجه بتحصل لأي بنت وافتكرت انه صادق وان هو ده الحب، يلا بينا نروح
علت وتيرة أنفاس مازن وازداد اضطرابه منها، لا بل ثار فضوله أكثر عندما رآها تسير من أمامه دون أن تنظر إليه او تعاتبه بما رأت،
فزم شفتيه وعقد ذراعيه أمامه وتطلع إليها بإستياء، ثم تحدث بينه وبين نفسه
- يعني إيه تمشي وماتتكلمش كده، ممكن ماتكونش شافتني! ولا ايه ال حصل، انا هتجنن، ضاعت الحته من ايدك يامعلم قبل ما تعلم عليها.. ياخساره، يلا خيرها في غيرها.
ومع صمت مازن واهماله الفتاه الماثلة أمامه، إحتد صوتها وبدت قاسيه نوعاً ما وهي تردف
-أنا لسه واقفه معاك على فكره، روحت فين؟ هاي.. انا بكلمك يامازن،معقول البت ال ماشيه هناك دي خطفتلك عقلك بسرعه كده، ياخساره على الرجاله
أجفلته كلماتها وثباتها أمامه وذبذبت ثقته بنفسه، ورغم حنقه لتسرعها في أطلاق أحكامها إلا أنه أستطاع أن يستحوذ على أهتمامها كلياً وأخذ يفكر ويحلل حديثها، أغمض عيناه يبغي أن يوصد أبوابه بوجهها لينفرد بنفسه، فهو على يقين أنه لم بخضع لأي فتاه بسهوله كانت، بل كان أعتماده الكامل على وسامته ورشاقته
حينما وصلت بيسان الي منزلها، ولجت الي غرفتها واوصدت الباب من الداخل بإحكام، ألقت بنفسها على الفراش وأغمضت عينيها و إنفردت بنفسها وانهارت بالبكاء الشديد، فهي على يقين أنها لم تخطئ عندما فتحت قلبها وأحبت بصدق، بل كان أعتمادها الكامل على مشاعرها ونقاء قلبها، ودت لو تلجأ لوالدها لترتمي بحضنه لانه أحن عليها من والدتها، ولكنها تعلم جيداً أن والدها سيستغل ذلك ليعرف ما بها ويغضب منها، وسيلزمها بالأنصياع لنصايحه التي تحفظها عن ظهر غيب، بات صراع بداخلها كاد ان يكون مهلكاً؛
تبينتها هايدي وهي تراقب ملامحها التي أحتقنت بوميض ملتهب، ولاحظت شرراً متأجج بعيناها يكاد يتطاير منها ويصيبها، فردد لسانها تلقائياً بعض آيات القرآن ودعت الله أن يحفظها من شر ما هي فيه، وأن يرد إليها عقلها ورزانتها وضحكتها التي كانت معبأه المكان، تسلل دعائها إليها ازداد توهج بيسان، خرجت من غرفتها وأقتربت منها وكادت تلتصق بها ولكنها تراجعت خوفاً من أن تسيل دموعها وتسألها هايدي عن سبب ذلك، تبادلت مع النظرات بتوسل تارة وبيأس تارة أخرى، لتنخرط في موجة عنيفة من البكاء، وأمام دموعها وقفت هايدي تحدق بها وهي مكبله بالعجز، لا تدري كيف السبيل لها لتخفف عنها، وفجأة بدت صورة بيسان تهتز أمام بصرها، فركت عيناها بقوة وأمعنت النظر إليها، لتتسع عيناها لا بل كادت تخرج عن محجرها من هول ما رآت فهي تكاد تجزم أنها رآت ابنتها تنسلخ عن نفسها وتنقسم و..
في هذه الأثناء دق جرس الباب فذهبت بيسان كي تفتح هي الباب وهي تمسح دموعها وتلتقط أنفاسها، رأت بأن لمياء ومروه هن الآتيات، رحبت بهم بحفاوه ثم ولجوا وإستأنسوا بجلوسهم معا، جلست لمياء ترمف بيسان خفية لتعرف هل هي عادت لصوابها ان هي حزينه، بينما كانت مروه وهايدي يتناقشون في أمور جانبيه، حينما رأتهم لمياء منهمكين في الحديث قامت عن مقعدها وقبضت على يد بيسان واتجهوا نحو غرفتها، ثم جلسوا على مقعدين منفردين ثم أشارت لها لمياء وهي ترمي بنظرها تجاه باب الغرفه لتطمئن بأنه لم يوجد أحد بالخارج، تحدثت إليها بصوت خافت
-إيه بقى ياست سوسو، هتفضلي في مود النكد ده كتير لحد ماحد منهم يكتشف الموضوع وتدخلي نفسك في مشاكل، مش قولنا ننسى بقى الحيوان ده، آه صحيح مسحتي رقم تليفونه من عندك ولا لسه محتفظه به!؟
رمقتها بيسان بحزن وبأس دون أن تجيبها على أسألتها، وبالخارج وقفت مروه بعيدا عن مرأي الفتاتان بعد أن أوصدت الباب برفق دون أن ينتبهوا لها، إستسرقت السمع لهن
أخبرته بيسان وهي تبكي باستفزاز، فأثارت غضب لمياء التي لم تتقبل أن تظل صديقة عمرها تتحدث بهذا اليأس عن شخص حقير لم يقدرها، انساقت بيسان في تكملة حديثها بسذاجة لتسقط بفخ مروه بلا وعي، اندفعت مروه لتهاجم بيسان ظناً منها أنها تستطيع البطش بها واعادتها لصوابها، ومن مكانها ترقبت لمياء ردة فعل والدتها وابتسمت بفخر فهي تنتظر المساعده من احد كي تشفي صديقتها،
على حين غُرة انحرفت بيسان بجسدها بعيداً عن اتجاه مروه، غيب الغضب مروه عن وعيها بعدما فجرت ذكرياتها المريرة كراهيتها الكامنة بداخلها نحو عائلتها عندما أحبت في صغرها قبل أن تلتقي بمحمد،
وبعد مُضي نصف ساعة أبتعدت مروه عن الغرفه دون أن تستجدي اي نفع من نصحها وارشادها لبيسان، بعدما أيقنت من فقدان الفتاه الثقه والأمان، جلست لمياء بأنفاس متهدجة تحدق ببيسان برضى وأبتسمت وقالت باستخفاف
- أما نشوف يا استاذه هتفضلي كده لإمته، اعملي حسابك الامتحان الأخير بعد يومين فعايزين نركز يابنتي في المذاكره الله يرضى عليكي... وصدقيني والله الحب الحقيقي لسه ماجاش وقته، ان شاء الله ربنا هيعوضك بواحد ينسيكي نفسك كمان،وساعتها هتقعدي تضحكي على اللحظات الحزينه ال ضيعتها من وقتك عشان حد مايستاهلش حتى انك تفكري فيه.
لم يكن حال أيمن مختلف عن حال بيسان كثيراً، فما حدث مع ابنته وصل صداه إلى الجميع في المصنع لم يفهم كيف ولماذا حصل ذاك لانه لم يكن على علم بشيئ، فما أن وضع قدمه بمقر عمله حتى تفاجأ بمدير المكتب خالد يعترض طريقه فتطلع إليه بحدة
- أنت واقف لي كدا ليه ياخالد وسايب شغلك؟
خفض خالد رأسه وأجابه بحرج:
- أنا بعتذر من حضرتك ياأستاذ أيمن، بس انا مستنيك من بدري لان من واجبي عليك اني اقولك ايه ال بيحصل من وراء ضهرك.
بردوة غريبة تسللت إلى قلبه فازدرد لعابه وردد بصوت مهتز يسأله
-هو إيه ال بيتقال عني من وراء ضهري؟!
ارتبك خالد كلياً حرجاً فأيمن لم يكن أبداً بالشخص الهين، ولكن عليه أن ينفذ كافة ما يمليه عليه ضميره رغماً عنه وإلا تعرض هو للمسئولية ونال منه المدير، وهو الأمر الذي لن يستطع خالد تحمله فلديه إبنة أيضا ويخاف عليها، حينها تسلح خالد بقوة الأب المسئول والصديق المخلص
-المدير أتصل من ربع ساعة وأدى أمر، ومن خمس دقايق جه واحد من طرفه وهو كان معايا على التليفون، وقال إن بنت حضرتك كانت على علاقه ببنت المدير
شحب وجه الرويني وشخصت عيناه بخوف نحو مكتبه وقال بصوت مهتز
-طيب لو ممكن بس تساعدني اقعد لاني حاسس انه هيغمي عليا.
ثم مد يده ليفتح ازرار القميص محاولا التقاط انفاسه
-بنت مين وابن مدير مين ال علاقه ببعض! بنتي أنا؟ طب ازاي واتأكدتوا من اتهامكوا ده، عيب الكلام ده انا بنتي عمرها ماتعمل علاقه مع شاب دي لسه طفله في اعدادي، اتهبلتوا في مخكوا ولا ايه!؟ هاتلى الحيوان ال جاب سيرة بنتي اقطعله لسانه قدام الكل.
لم يستطع خالد رفض طلب أيمن وتابعه بعيناه حتى ولج إلى داخل مكتبه وأغلق الباب خلفه، فأسرع بألتقاط الهاتف وأبلاغ المدير بما حدث حتى يُخلي مسئوليته أمامه.
وبداخل المكتب عكف على البحث بين أرقامه المدونه بيداه ترتجفان داخل الهاتف ليأتي برقم هايدي كي يتصل بها كي يتحدث مع ابنته، بعد مرور أكثر من نصف ساعة ازداد اضطرابه ورجيفه، وارتمى فوق الأريكة بتخاذل بعدما أدرك أن التحدث عبر الهاتف لايجوز، القى الهاتف من يده، دفن ايمن رأسه بين كفيه وبداخله تيه يبتلعه فالقادم أصبح قاتم وبلا ملامح أمامه، وقف خالد يكتنفه الدوار بسبب خسارته الفادحة لسمعته بين زملائه في المصنع لمجرد ان تحدث شاب مع ابنته والتي ستعيده إلى وضع يمقته كثيراً، ووقف يتأمل مكتبه بحسرة
عاد يجر أذيال الخيبة يحتله شعور بالضألة بسبب الأنظار المسددة نحوه، وولج إلى منزله يحتمي بين جدرانه، لتباغته هايدي بأعتراضها طريقه بوجه مضطرب شاحب وهي تتلفت بين الحين والآخر، ظنها أيمن على علم بما حدث معه فخفض رأسه بخزي لمذلته تلك، لتُسرع هايدي وتبدد ظنه وهي تهتف بقلق
- في في حاجة حصلت و و
رفع عيناه ونظر إليها بحدة، فنبرات الخوف والقلق بصوتها وتعرق جبينها زادوا من ريبته فسألها بحذر
- مالك ياهايدي في ايه حصل، قوليلي هي بيسان فين؟
هزت رأسها تنفي وأجابته
-مفيش حاجه حصلت، بس انا شيفاك مش على بعضك كده، بنتك نايمه بقالها اكتر من ساعتين، حتى دخلت اصحيها عشان تذاكرلها كلمتين عشان عندها امتحان بكرا، مارضيتش أبدا تقوم، ال عليها سيبوني محدش يكلمني.
ثار غضبه من ابنته وزجرها بحدة، ليزيد من توترها وخوفها فدمعت عيناها وقالت بصوت مهتز
-لمياء دخلت عند بيسان بنتك وقفلت الباب عليهم وبعد شوية سمعت صوت صريخ وشتايم، ولما روحت علشان اشوف ايه اللي بيحصل معرفتش الباب كان مقفول من جوا وبعدها الصوت راح ومعدتش لا سامعة صوت بيسان ولا لمياء، بعدها بشويه خرجت لمياء ورجعت شقتهم ودي نامت من ساعتها.
عقد ايمن حاجبيه وتجاوز هايدي وأسرع نحو الغرفة وطرق على بابها بعنف وصوت صياحه يدوي
-بيسان افتحي الباب يا بيسان
انتفضت بيسان من الفراش ولم تقوى على الوقوف على قدمها، استندت إلى الحائط، واتجهت صوب باب الغرفة وفتحته، وابتعدت عن مرمى بصر والدها، الذي اندفع للداخل وتوقف بمكانه وهو يحدق بها بلوم وعتاب وحزن، وأستدار لتصدمه نظرات ابنته البائسه فازداد غضبه منها وتذكر ما ناله بسبب فعلتها، هاجمها صافعاً إياها وقبل أن تلتف أصابعه حول عنقها ولجت هايدي وصرخت به قائلة
-سيبها ياأيمن انت بتعمل ايه، اتجننت ولا ايه، عايز تموت بنتك الوحيده ليه وعشان ايه
تركها رغماً عنه واتجه إلى المقعد ووضع يده على رأسه وهو يهز رأسه يمينا ويسارا
-بنتك المحترمه على علاقه بمازن ابن مدير المصنع، والواد دلوع ابوه راح حكي لزميلنا في الشغل، انا ماكنتش عارف اودي وشي فيم من الكسوف والخزي، بنتنا ال ما طلعتش من البيضه بتعمل علاقات وبتحب، واحنا آخر من نعلم
صعقت هايدي وطرقت بيداها على وجنتيها صدمة وحسره، ثم جحظت عيناها لإبنتها وصاحت فيها بحده
-صحيح الكلام ال بيقولوا أبوكي ده يابت! تعرفي حد اسمه مازن وعلى علاقه بيه! يامصيبتي لايكون هو ده السبب ال مخليك بقالك يومين منكده على نفسك وعلينا، انطقي وقولي ايه حقيقة الموضوع ده، ده انتي لسه في ثالثه اعدادي حب ايه ونيله ايه!؟ يالهوي عليا
انهارت بيسان تماما لانها لأول مره بحياتها يصفعها والدها، وايضا تراه مهزوم منكسر بهذا الشكل وبسببها فكانت تتمنى الموت ولا ترى والداها بهذا الشكل السيئ، إزدردت لعابها وتغاضت عما شعرت به من ألم بسبب الصفعه التي نالتها، ثم حاول استجماع شجاعتها لتبرئ نفسها لما نسب إليها كي تصلح ما اهتز في علاقتها بعائلتها