الفصل الرابع

بعد مرور بعض الوقت كانت تقبع فوق تختها المُخصص لها داخل غرفة المَشفي بعد أن تلقت أولي جُرعاتها الكميائية ، مُمددة بجسدٍ مُرهق وروحٍ مُتعبه تردد داخلها أذكارها طالبة العون والقوة من الله عز وجل بمنتهي الثبات واليقين
تُجاورها رانيا الجالسة بمقعدٍ مُمسكة بكف يدها بمؤازرة


علي الجانب الأخر تجلس أيضاً والدتها مُمسكة بكتاب الله العزيز وتتلو أياته بثبات وكُلها أمل ويقين برحمة الله


إقترب منها أمير وتسائل بملامح وجه حزينه لأجلها  : 
_عاملة ايه يا حبيبتي ؟

أومأت لهُ دون صوت وذلك لشدة تعبِها جراء الجلسة

إستأذن مصطفي طارقً الباب ودلف بعدما سمح له أمير بالدخول


نظر إلي أمل بعيون حانية كحنان الأب وتسائل بنبرة هادئة  : 
_ عاملة اية يا بنتي  ؟


أومأت له بعيون شاكرة فتحدث هو مُجدداً  : 
_ خلي يقينك بربنا كبير وخليكي واثقة إن عطايا ربنا لينا كُلها خير،  وإن ممكن جداً ربنا يكون شايل لك خير كبير هتطلعي بيه من المحنه دي

واكمل بيقين : 
_أهم حاجة الصبر علي الإبتلاء والرضا بالمقسوم
وإن شاءلله ربنا هيخرجك من المحنة دي مجبورة الخاطر


نظرت لهُ بإمتنان وإبتسمت له شاكرة علي كلماتهِ الداعمة التي كانت تحتاجُها وبشدة


بعد قليل دلف إلي الطبيب وتحدث وهو يتطلع إليها بإهتمام : 
_ أخبار بطلتنا الهُمام إية يا تري  ؟ 


اجابته بنبرة صوت ضعيفه بالكَاد تُسمع :
_تعبانة جداً يا دكتور، وحاسة إن نفسي مموعة وعاوزة أرجع


إقترب من نومتِها ووضع يده فوق جبينها يتحسس حرارة جسدها وتحدث بعملية  :
_كل ده طبيعي من تأثير الجُرعة يا أمل


ثم حول بصرهِ إلي تلك المُمرضة التي تُلازمهُ وتحدث إليها بإهتمام :
_  قيسي لي حرارتها وخليكي جنبها من فضلك يا عزة ولو لقتيها محتاجة للقئ ساعديها و دخليها التواليت فوراً


وعاود النظر إلي أمل من جديد وتحدث بنبرة مُطمأنة  :  مش عاوزك تقلقي،  أي حاجة بتحصل لك رد فعل طبيعي جداً و وارد ،  وزي ما قولت لك،  الحالة النفسية ثم الحالة النفسية،  مفهوم يا أمل


أومأت له بوهن وضعف


نظر للجميع وتحدث بهدوء  : 
_ألف سلامة عليها
ثم تحرك إلي الخارج من جديد 

__________________


بعد إنتهاء اليوم
تحرك دكتور أحمد عائداً بسيارته الفارهه إلي محل إقامتة بمنزل والده رجل الأعمال الشهير عزت سلام

صف سيارته داخل الجراچ الخاص بالفيلا،  وتحرك لداخل ذاك المنزل الفخم ببنيانهِ العريق وأثاثهِ الوثير تحركت إلية تلك العاملة الخمسينية ذات الوجه البشوش والملامح التي تشعُ طيبة والتي تحدثت بنبرة مُهتمة  :
_حمدالله علي السلامه يا دكتور


أجابها بإبتسامة هادئة : 
_ الله يسلمك يا هنية

تساءلت بإهتمام ونبرة حنون :
_ أجهز لحضرتك الغدا يا أبني


نظر لها وتحدث بإحترام : 
_ متشكر يا هنية،  أنا أكلت سندوتش في المركز قبل ما أجي ومش جعان، هطلع اوضتي أرتاح شوية وبعدها هبقا أنزل وأكل 


شكرها وتحرك مُتجهً إلي بهو المنزل حيث التجمع المعتاد للعائلة، وجد أباهُ و والدته السيدة إنتصار وشقيقهُ حمزة ويجاورهُ طفلهِ الصغير يجلسون في جو عائلي هادئ يحتسون مشروب الشاي مع تناول بعض الحلوي


تحدث بوجهٍ بشوشٍ ضاحك علي غير العادة  : 
_ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ردوا عليه السلام وتحرك هو إلي والدته وقبل رأسها بإحترام ثم إلي المقعد المُفضل لديه وجلس وتحدث إلي أبية بإبتسامة جانبية : 
_ إزي صحة حضرتك يا باشا

تحدث عزت بنبرة جادة  : 
_الحمدلله يا دكتور،  أخبار المركز عندك إية ؟

أجابهُ بإختصار  :
_  كله تمام يا باشا


تساءلت إنتصار بإبتسامة حنون : 
_شيفاك راجع مبسوط و وشك منور وبيضحك إنهاردة يا دكتور،  يا تري فيه حاجه جديدة حصلت أنا ما أعرفهاش  ؟ 

واكملت بتمني وعيون راجية : 
_ ياريت بقا يا أبني تطمن قلبي وتقول لي إن اللي عايشة عمري كله بتمناه حصل ؟


ضحك بهدوء وأجابها  : 
_ هو حضرتك كل ما تشوفيني مبسوط شوية خيالك يصور لك إني خلاص لقيت نصي التاني وخلاص عايش معاها قصة حب أفلطونية ،

وأكمل بنبرة هادئة ليُطمأنها كي لا تحزن  : 
_ وبعدين يا ست الكُل أنا قولت لحضرتك قبل كده،  كل شئ بأوان، وأوان حكايتي لسه مجاش


قطبت جبينها وظهر الحُزن فوق ملامح وجهها التي إقشعرت بعبوس

حين أردف عزت قائلاً بنبرة مُستاءة يائسة : 
_أوان إيه بس يا أحمد اللي بتتكلم عنه، يا أبني كل أصحابك اللي من سنك بقا عندهم أولاد طولهم وإنتَ مش عاوز تريح قلبي أنا والمسكينة أمك دي ليه  ؟

واسترسل حديثهُ مُشيراً بكف يده إلي حمزة  : 
_ وأهو أخوك الصُغير أكبر مثال قدامك،  أصغر منك بأربع سنين ومتجوز وعنده ولدين ومستقر في حياته


تحدث شقيقهُ حمزة مؤازراً شقيقه الأكبر  :
_ إن شاءالله كل اللي بتتمناه هيحصل يا باشا،  وقريب جداً هتشوف أولاد الدكتور وهما بيتنططوا حواليك زي القرود، ما تقلقش حضرتك

وأكمل وهو يلاطف شقيقهُ بدُعابة : 
_وبعدين ده اللي بيشوفني جنب أحمد بيفتكرني أبوة مش أخوة الصغير


ضحك أحمد ثم نهض وتحدث مستأذنً  :
_  بعد إذنكم أنا طالع أخد شاور وأرتاح شوية


تساءلت إنتصار مستفسرة  :
_مش هتتغدي يا حبيبي  ؟

أجابها بإختصار :
_لا يا حبيبتي أكلت في المركز  



وصعد إلي جناحهُ ليستحِم ويقوم بتبديل ثيابهُ بآخري مُعقمة ونظيفة وذلك كي يُنهي حديث الصباح والمساء الذي ملَ من كثرة الإستماع إليه، فدائماً والديه يلحان عليه من أجل الإستقرار والزواج الذي يرفضه بتاتً بحجة أنه لم يعثر حتي الآن علي فتاة أحلامه


بعد مرور ما يُقارب الساعة

كان يقف أمام مرأتهِ يُهندم من منامته المُنمقة كمعظم أشيائة المُرتبة،  أمسك فرشاة شعرة وبدأ يُمشيط شعرهِ الفحمي اللون ذو المظهر الحريري، لقد كان وسيمً وجذابً للغاية مما جعل الفتيات يُلاحقنهُ إينما ذهب وظهر أمامهم ولكن، إين هو من تلك الجميلات الساحرات اللواتي تتمنين ولو نظرة من أعين ذاك الوسيم


أما بالنسبةِ له فبالرغم من سنواته الست وثلاثون إلا أنهُ وإلي الآن لم يشعر بالإنجذاب إلي أي أنثي مهما بلغ جمالها وسِحرُها  ،كان دائم الإنتظار بظهور فتاة أحلامة التي ستأسِر عيناه وتسحبهُ من وحدته إلي عالمُها الحَالم الذي ينتظرهُ كي يحيا معها حياة العاشقين الأبدية ويُذيقها عِشقهِ الهائل الذي إكتنزهُ لها وفقط



إستمع إلي بعض الطُرقات الخفيفة فوق باب جناحهِ فتحدث بصوتهِ الجهوري  :  أدخل


فُتح الباب ودلف من فتحته شقيقهُ حمزة قائلاً بدُعابه  : 
_ممكن ادخل ولا الدوك هيهرب مني أنا كمان


إبتسم لشقيقهُ بجانب فمهِ وتحدث بهدوء  : 
_وليه بتسميه هروب،  ده إسمة الإنسحاب الهادئ من المناقشات الحادة التي لا تُجدي ولا تعود بنفع علي متناقشيها


إبتسم لشقيقهُ وأردف قائلاً بدعابة  : 
_أاااه،  دخلنا بقا في الكلام العميق بتاع الدكاترة اللي مبفهمش منه حاجة


تحرك للداخل وجلس علي طرف الفراش ثم تحدث بنبرة جادة  :
_ تسمح لي أتكلم معاك بصراحة يا أحمد


أمسك زُجاجة عِطرة المُميز ونثر منها علي جسده ووضعها من جديد بمكانها المخصص كعادته في ترتيب جميع أشياءة وتحرك إلي تختهِ وجاور شقيقه الجلوس وتحدث بإبتسامة :
_عارف كل اللي هتقوله يا حمزة


تساءل حمزة مُستفسراً : 
_طب وبعدين يا أحمد،  هتفضل واقف تتفرج علي سنين عُمرك كده كتير وهي بتضيع سنه ورا سنة قدام عنيك؟ 
لحد أمتي يا حبيبي ؟ 


أخذ نفسً عميقً ثم زفرهُ بهدوء وأردف قائلاً بنبرة واثقة  : 
_ لحد ما ألاقيها يا حمزة،  لحد ما ألاقي نصي الحلو اللي هيكملني ويجمل الدنيا في عيوني


أردف حمزة مُستفسراً بنظرة ألم  : 
_وأبوك وأمك ذنبهم إيه في خيالك الحالم ده يا أحمد، يا إبني اللي بتفكر فيه ده مستحيل يحصل،  مفيش بنت لما بتشوفها تخطفك وقلبك يصرخ زي ما آنتَ متخيل،

وأكمل بدعابة كعادته  :
_يا حبيبي البنات  لما بنشوفهم عيونا هي اللي بتصرخ من جمالهم مش قلبنا خالص،  ونظرة تجُر بسمة وهوب ناخد رقم تليفونهم، وكلمة تجر كلمة وتلاقي نفسك عازمها علي عشوة لطيفة ورقصة هادية وكلمتين حلوين، و واحدة واحدة الموضوع يقلب بحب وجواز،  إنما اللي إنتَ بتفكر فيه ده مش موجود غير في خيالك يا حبيبي



ضحك بشدة علي حديث شقيقهُ الساخر ثم وبدون سابق إنذار تذكر تلك الأمل وعيناها وأبتسم تلقائياً،

تحدث لشقيقهُ بنبرة حماسية :
_بتأمن بلُغة العيون يا حمزة  ؟ 

ضيق حمزة عيناه مستغربً سؤاله ثم تساءل مُستفسراً  :
_  إحكي لي وعلي أساس الكلام هقول لك إن كنت بصدق ولا لاء


تنفس عالياً وظهرت بوادر الفرحة علي ملامح وجههِ الهادئة وتحدث بإرتياح  : 
_ جت لي محاربة جديدة إنهاردة، أول لما عيوني جت في عنيها حسيت روحها بتصرخ وبتستنجد بيا وبتقولي أنا محتاجة لك، ما تسبنيش


ثم إلتفت إلي شقيقهُ وجدهُ يضع يدهُ فوق وجنته ويستمع له ببوادر أمل ثم تسائل حمزة متلهفً  :
_أفهم من كدة إن المراد قرب يتحقق ؟


ضيق عيناه بإستغراب ثم أنفجر ضاحكً وتحدث نافياً بشدة  :
_  هو آنتَ هتعمل زي ماما وكل كلمة تنسبها للموضوع ده

قطب حمزة جبينهُ ثم تسائل مُستفسراً  :
_  مش إنتَ يا دوك اللي لسه قايل لغة العيون،  عاوزني أفسر كلامك إزاي بقا


وتسائل متلهفً  :
_  طب قولي،  هي حلوة  ؟


هز رأسهُ بإستسلام من حديث شقيقه ثم تحدث مفسراً  :  يا إبني إفهمني،  أنا مقصدش المعني اللي جة في دماغك خالص،  أنا أقصد إن البنت فعلا بتثتغيث بيا

وأكمل مُتسرعً  : 
_ وقبل ما تسأل أسئلتك العقيمة دي أحب أقول لك إنها متجوزة وتقريباً كدة عندها أطفال 


وأكمل ناظراً أمامه  : 
_ معرفش ليه حسيتها ضعيفة ومحتاجة لي أوي

تنهد شقيقهُ وأكملا حديثهما سوياً


____________________


توالت الأسابيع وبدأت أمل تتأقلم بعض الشئ مع مرضها،، فقدت الكثير من وزنها ونضارة وجهها حتي أنها باتت هزيلة متعبة طيلة الوقت ، فقدت أيضاً خُصلات شعرها الحريري الذي بدأ بالتساقط أمام أعيُنها وأصاب قلبها بمنتهي المرارة

وكلما خارت قواها وشعرت بالهزيمة والإستسلام بثت والدتها وشقيقتها وأيضاً شقيقها إيهاب الذي يُتابعها من دبي عبر تطبيق الفيديو كول روح الأمل بداخِلُها

وأيضاً طبيبها المُعالج أحمد الذي لم يترك فرصة إلا وبث الأمل والعزيمة داخل كيانها ليحثها علي الصمود وعدم التخلي


علي النقيض، بدأ أمير بالتملُل والنفور شيئً فشئ وخصوصاً بعدما رأي سقوط شعرها وهزلان جسدها ، حتي أنهُ بات يُبيت بمنزل والدتهُ بين الحين والآخر بحِجة جلوسهُ مع صغيرته الذي أخذها لوالدتهُ للإهتمام بها جيداً، وذلك بعدما ألقي بكل الحِمل فوق ظهر سحر ورانيا وأنسحب هو تدريجياً من المسؤلية،

فهكذا هي الشِدة تُظهر لنا معادن البشر وسقوط الأقنعة المزيفة وظهور الوجوة الحقيقية


كانت تتمدد فوق أريكتِها المتواجدة داخل بهو منزلها والحُزن يسيطر علي ملامِحُها


تحدثت إليها والدتها بهدوء  :
_  بقول لك إية يا أمل، إية رأيك أحط لك كام فستان خروج ليكي وشوية حاجات كدة في شنطة وتيجي تقعدي معايا أنا وأختك في شقتنا،  وأهو منه نكون مع بعض طول الوقت وكمان شقتنا أقرب لمركز العلاج بتاعك ومش هتتعبي زي هنا


خرجت رانيا من المطبخ علي صوت والدتها وتحدثت بتأكيد  :
_  ياريت يا ماما،  بصراحة المكان هنا بعيد أوي عن مقر شغلي وللأسف كل يوم بتأخر علي ميعاد شغلي بسبب زحمة وطول الطريق، ده غير إن طارق خطيبي ما بيعرفش يزورنا هنا علشان يطمن علي أمل في غياب أمير


نظرت إليها أمل بحُزن وتحدثت بنبرة بائسة بفعل حالتها النفسية التي ساءت جراء شعورها بنفور زوجها منها مؤخراً  :
_  إتفضلي يا ماما خدي رانيا وأرجعوا علي شقتكم وبلاش تلغبطوا نظام حياتكم علشاني  ، أنا كفيلة أخدم نفسي بنفسي ومش محتاجة لحد معايا


إتسعت أعين سحر وهتفت سريعً بإعتراض : 
_كلام إية يا بنتي اللي بتقوليه ده  ،  نسيبك إزاي لوحدك وإنتِ بالحالة دي؟ 


أجابتها بنبرة مهمومة  : 
_ هي يعني جت عليكم ، ما كل الدنيا سابتني ،  ده حتي جوزي اللي كنت فكراه سندي اللي طلعت بيه من الدنيا سابني وبِعد عني في عز ما أنا محتاجة له


تنهدت والدتها بيأس لصحة حديثها  ، حين تحركت رانيا وجلست بجانبها وأحتضنت كف يدها برعاية وتحدثت مفسرة  : 
_ بلاش الحساسية الزيادة اللي بقيتي فيها دي يا أمل، ماما كل اللي تقصده هي راحتك اولاً وأخيراً ، لما تبقي أقرب من المركز مش هتتعبي في الطريق وكمان الجو عندنا أهدي واروق من المنطقة هنا كتير،   نفسياً هترتاحي هناك أكتر صدقيني



إعتدلت من جلستها و وقفت قائلة بنبرة إستسلامية  :
_  إعملوا اللي تعملوة،  أنا داخله اوضتي ارتاح شوية ، بعد إذنكم


نظرت رانيا بألم إلي والدتها التي إنهمرت دموعها حُزنً علي حال صغيرتها التي تبدلت وكأنها اصبحت شخصية جديدة عليهم وذلك بفضل التغيرات التي صابت نفسيتها جراء الأدوية التي تتناولها


دلفت إلي غرفتها واغلقت بابها عليها تناولت الهاتف من فوق الكومود بعدما قررت مهاتفة زوجها كي تُخبرهُ أن يجلب لها صغيرتها التي إشتاقتها حد الجنون، وأيضاً كي تستمع إلي صوته فهي إلي الآن مازالت تعشقه رغم إنسحابهِ التدريجي من مُحيطها


ضغطت زر الإتصال وانتظرت الإجابة، علي الجهه الآخري كان يجلس بصحبة عائلته بالكامل يُشاهد شاشة التلفاز بجانب صغيرته إستمع لرنين هاتفهُ فنظر بساشته وابتلع لعابهُ حين رأي نقش إسم زوجته ، تحرك منسحبً لداخل الغرفة المخصصة له ولصغيرته وأغلق بابها وأجاب بصوتٍ مهزوز خجل  :
_  ألو


اغمضت عيناها بمرارة حين إستمعت إلي صوته واجابته بنبرة بائسة مُحبطة  : 
_ ايوة يا أمير 


تحدث خجلاً  :
_  أزيك يا أمل ، عاملة اية وصحتك أخبارها إية ؟


أجابته ساخرة  : 
_ ما تشغلش بالك يا أمير  ،، أنا مش بكلمك علشان تسألني عن حالي وصحتي، أنا بكلمك علشان كارما وحشتني وعاوزة أشوفها ،  ده طبعاً لو مفيش عند سيادتك مانع


تحمحم وأردف بنبرة خجلة بعدما إستشف حُزنِها وسُخريتها منه :
_   ليه بتقولي كده يا أمل، أنا باعد كارما علشان تأثير الإشعاع عليها مش أكتر

أجابته بقوة  :
_  أنا واخده الجلسة من إسبوع فات ،  وعلي فكرة تأثير الإشعاع ده ملوش وجود غير في دماغك إنتَ وأهلك ومامتك اللي ما سألتش عني من وقت ما تعبت غير مرتين في التيلفون


وأكملت مُفسرة  : 
_ وعلي فكرة بقا ، أنا سألت دكتور أحمد وقال لي إن مفيش اي ضرر علي البنت مني، بس ما علينا


ثم تساءلت ساخرة  : 
_ عاوزة أسألك سؤال يا أمير، يا تري إنتَ كمان بعدت عني علشان خايف علي جسمك من تأثير الإشعاع بردوا   ؟ 


توتر من سؤالها ثم تحدث بنبرة مُرتبكة  : 
_ أنا بعدت علشان أسيب لطنط ورانيا مجال للحرية ويتحركوا براحتهم في الشقة يا أمل


إختنقت بالدموع وشعرت بالأسف علي شبابها التي أمضتهُ في حب رجُل تركها بأشد أوقاتها الصعيبه


تمالكت حالها وأردفت بقوة  : 
_ أنا مش مكلماك علشان أسمع منك مبررات لبعدك عني في أشد وقت بحتاج لك فيه يا أمير، أنا كل اللي طلباه منك هو إنك تخلي بالك من بنتي كويس وتراعيها وما تخليش حد يزعلها لحد ما،


وهُنا صمتت وأخذت نفسً عميقً كي تتمالك من تماسُك دموعها الماثلة لكرامتها ، واكملت  : 
_لحد ما ربنا ياخد بإيدي وأقوم لها بالسلامة ،  أو، أو ربنا يسترد أمانته،

وأكملت بتوصية :
_ وقتها بنتي هتبقا أمانه في رقبتك هسألك عليها قدام ربنا يوم ما تتلاقي الوشوش


إبتلع غصة مرة بحلقة وتحدث مُتأثراً بحديثها  : 
_ما تقوليش كده يا أمل، إن شاء الله  هتخفي وهتبقي كويسه


تنهدت بهدوء وتحدثت بنبرة جادة متلاشية حديثهُ  : 
_أنا هستناك تجيب لي البنت إنهاردة،  ياريت ما تتأخرش عليا


اغلقت معهُ وتحركت داخل المرحاض لتغتسل وترتدي ثيابً جميلة حتي تظهر في أبهي صورها أمام إبنتِها الجميلة ، غطت رأسها بحجابٍ كي لا تُزعج عيناي صغيرتها وتجعل قلبها البرئ يحزن لأجل والدتها الغالية 


بعد قليل دقت والدتها باب الغرفة وطلت بإبتسامة سعيدة وتحدثت  :
_  معايا مفاجأة حلوة علشانك


قطبت جبينها وبلحظة إتسعت عيناها وانتفضت من جلستها واسرعت علي صغيرتها التي إرتمت داخل أحضانها واردفت بنبرة طفولية سعيدة  : 
_ وحشتيني يا مامي،  وحشتيني أوي 


إبتسمت لها وباتت تُفرق القُبلات فوق وجنتيها ورأسها وكفي يداها

ضمتها لصدرها وتحدثت  :
_  وإنتِ كمان وحشتيني أوي يا قلب ماما


تحدثت الصغيرة بشفاه ممدودة حزينة  : 
_أنا كل يوم اعيط لبابي وأقول له يرجعني البيت هنا تاني عند حضرتك، بس نانا دايماً تقول لي إن حضرتك تعبانه بمرض وحش أوي وهتعديني وتموتيني


إنفطر قلبها حين إستمعت لحديث صغيرتها وحزنت علي من كانت تعاملهم كأهلها ولكن كم أثبتوا لها خِستهم وندالتهم وأنكشفت حقيقة وجوههم البشعة أمامها


مسحت سحر علي ظهر إبنتِها كنوعٍ من المؤازرة، وتحدثت إلي حفيدتها بإبتسامة  :
_  ما تسمعيش كلام حد يا كوكي،  مامي كويسه ولا يمكن تعديكي ولا تتسبب لك في أي ضرر ، هي بس تعبانه شوية وهتخف إن شاء الله وهترجعي هنا تاني وتعيشي في حُضنها


صمتن حين إستمعن إلي طُرقات فوق الباب وبعدها دلفت رانيا وتحدثت  : 
_أمير بيستأذن علشان يدخل يطمن عليكِ يا أمل


هزت رأسها بنفيٍ سريع وأردفت بنبرة حادة  : 
_ مش عاوزة اشوف حد يا رانيا 


دققت النظر لها وتساءلت بحيرة  : 
_ يعني أقول له إية  ؟ 

رفعت رأسها بعناد وتحدثت بكبرياء أنثي  : 
_قولي له إني تعبانه ومش قادرة أشوف حد


خرجت له من جديد وأبلغته،، شعر بدونيته وكم أوصل زوجته للنفور منه بتلك الصورة


هَم للوقوف وتحدث بنبرة خجلة إلي رانيا  : 
_ أنا ماشي يا رانيا وبما إن بكرة الجمعة فأنا هسيب البنت تبات معاكم وهعدي اخدها بكرة أخر اليوم علشان المدرسة


وتحرك بالفعل عائداً إلي مسكن والدهُ في حين خرجت أمل وسحر بصحبة الصغيرة وجلسن جميعاً ببهو الشقة  وبدأتا سحر ورانيا بصُنع الحلوي والاطعمة المُحببه إلي الصغيرة وجلسن في جو مبهج


تحدثت أمل إلي والدتها بهدوء بعدما حسمت قرارها : 
_ من فضلك يا ماما، ياريت تجهزي نفسك من بكرة علشان هنقل في بيتك وأسيب هنا


تنهدت سحر بيأس وقالت : 
_ حاضر يا بنتي، جهزي شنطة هدومك وحاجتك المهمه وهنرجع شقتنا بكرة


أومأت برأسها ونظرت رانيا إلي والدتها وتبادلا نظرات الحُزن بينهما لأجل عزيزة أعيُنهم

يُتب
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي