٣
كانت روفيدا تتابع الحديث حين شعرت بهاتفها يهتز بجيب بيجامتها، أخرجت الهاتف
ونظرت به وشعرت بالصدمة مما رأته.
كانت لأول مرة ترى على هاتفها رسالة من أحمد، يرسل لها رسالة، فتحت الرسالة وفتحت عيونها أكثر من الدهشة مما وجدته مكتوب بها.
أحمد....روفيدا خمس دقايق وتكوني في الخلوة بتاعتي.
وقفت روفيدا بسرعة وكأنها على عجلة من أمرها، فنظر لها الجميع بتعجب.
بسمة: على فين يا روفيدا؟ ومالك مستعجلة كده ليه؟
روفيدا بتوتر: أحمد عاوزني.
تالين بتعجب: ليه في حاجة مهمة يعني؟
روفيدا بتعجل: مش عارفة، هو قالي أروح له بسرعة.
شاهين: لو خايفة اجي معاكي طيب.
روفيدا: لا، شكرًا مفيش داعي، أنا هروح لوحدي، أنا مبخافش من حد.
شاهين بمشاكسة: ماشي يا ست القوية، خلي بالك من نفسك، ويبقى كلمينا لو فيه حاجة.
تركتهم روفيدا وكانت تتجه إلى خلوة أحمد، وهي عبارة عن غرفة كبيرة، مجهزة بكل أنواع الرفاهية، في حديقة الفيلا، حين يشعر أنه يريد الهدوء والاسترخاء والتفكير بشيء ما أو حين يغضب يذهب إليها ويجلس بها وحده يفكر ويفكر ويستمع إلى أغاني أم كلثوم الهادئة حتى يعود إلى طبيعته.
لم يدخل أحد خلوته سواه والآن لأول مرة سيسمح لأحد بالدخول إليها ألا وهي روفيدا وكل هذا برغبته.
لا تنكر روفيدا أنها تشعر بالتوتر والخوف من طلب أحمد أن تأتي إليه وعلى عجلة من أمرها هكذا، لكن هناك أيضًا الفضول وحب المعرفة واكتشاف تلك الخلوة المحرمة على أي شخص من دلوفها والآن ستراها وتعلم ماذا يخبيء أحمد بها ولماذا لا يسمح لأحد بدلوفها، كما أن فضولها لمعرفة سبب مجيئها هنا بالتحديد وطلبه رؤيتها لا يقل شيئًا عن فضولها لمعرفة هذه الخلوة.
...............
علي الجانب الآخر ....
في الخارج،
كانت نغم تجلس مع صديقتها سارة وهي أيضًا من أصول عربية.
سارة: هترجعي امتى؟
نغم بحزن: للأسف مش هرجع تاني، أنا هنزل نهائي ومش هرجع، شاهين رافض إننا نعيش، هنا قال خلاص جه الوقت إننا نرجع بلدنا، كفاية غربة.
نغم فتاه في العشرين من العمر، تتميز بعيونها العسلية ورموش كثيفة ووجهها الجميل الذي حين تنظر له تشعر وكأنك تنظر إلى طفلة بريئة ولكن ما يجعلها تشعر بالغيظ دائمًا هو شعرها الطويل تريد أن تقصه بأي طريقة وتنتظر الفرصة المناسبة وما يميزها عن غيرها أنها تحمل بوجهها غمازتين تجعلها أكثر براءة، قصيرة القامة إلى حد ما، لا تتعدى متر ونصف.
سارة بحزن ودموعها على وشك الانهيار: ولا حتى زيارة يا نغم؟
نغم وهي تمسك بيدها برفق: إنتي تيجي مصر وأنا لو قدرت اجي هاجي إن شاء الله.
سارة: هجيلك دايمًا، اوعي تنسيني، أنا هفضل فكراكي يا حبيبتي.
نغم: مستحيل أنساكي، بس عارفة!
سارة: إيه؟
نغم: حاسة إني راجعة مصر وإني هلاقي هناك نصي التاني هناك.
سارة بتعحب: إنتي تلاقي نصك التاني! ده إنتي عمرك ما فكرتي تحبي حتى!
نغم: لسه مجاش اللي أنا عاوزاه، لسه مش شايفة حد مناسب أقدر ألاقي نفسي معاه، ولو جه وقتها هديله كل حب الدنيا لأنه هيكون حلالي وهكون مراته، هيكون سندي وأبويا وأخويا وجوزي وحبيبي وابني، ما هو الحب ده مش تعويض نقص، ده اكتمال روح.
سارة بمشاكسة: لا واضح إنك طلعتي رومانسية وأنا معرفش.
نغم بضحك: حبة رومانسية بقى وبعدين إحنا مبنتكلمش كتير في الموضوع ده عشان كده متعرفيش إني ممكن أبقى رومانسية ولا إيه!
سارة: المهم لو لقيتي عريس متنسيش أختك بس.
نغم بضحك: عريس يا أماي، من عيوني يا أختي.
سارة بضحك: هو ده بقى.
.....
بينما علي الجانب الآخر ..
في منزل الرجل المجهول،
كان يجلس وحده بغرفة مكتبه يقرأ إحدى الملفات حين دق الباب.
هو: ادخل.
دخلت الخادمة: الضيف وصل يا فندم.
هو: خليه يدخل.
الخادمة: حاضر تحت أمرك.
وما هي إلا دقائق ودخل رجل يبدو عليه الشر.
الرجل: باشا، باشا مصر.
هو بعصبية من طريقته المبالغ فيها: اقعد وبطل الاشتغالات دي، مبتاكلش معايا خالص.
الرجل: عنيا يا باشا، خير كنت عاوزني في إيه؟
هو: عاوزك في مهمة من بتوعنا.
الرجل: قتل!
هو: إنت عارف إني ماليش في الدم.
الرجل: أومال إيه يا باشا ما تفهمني إيه النظام؟
هو: هقولك.
...........
صعدت تالين إلى غرفتها لتأتي بهاتفها وحين أمسكته بيدها وجدت اتصال من دكتور ماجد، فأعادت الاتصال وهي تشعر بالتوتر وتدعي الله ألا يرد عليها وأن تنتهي الرنة دون أن يرد عليها ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فمع ثاني جرس سمعت صوت ماجد يحادثها.
ماجد: مساء الخير.
تالين بصوت متوتر: مساء النور.
ماجد: أخبارك إيه؟ خدتي الدوا ولا إيه؟ وأخبار الأكل النهاردة؟
حكت له تالين ما فعلته لأول مرة تشعر بالإرادة والقوة لتفعلها وتفقد الوزن الذي يجعلها لا تثق بنفسها وتشعر أنها غير باقي البنات وتشعر بالخجل حين تذهب لشراء ملابس مع روفيدا، تشعر بالقهر حين تبحث وتبحث ولا تجد شيئًا على مقاسها بسبب وزنها الزائد ولكن الآن ستفعلها وتتغير وكأن الأمل تسلل بداخلها وتمكَّن منها.
ماجد: كويس أوي اللي سمعته ده، عامة أنا كلمتك عشان أأكد ميعادك بكرة في العيادة الساعه اتنين إن شاء الله، متتأخريش بقى.
تالين: تمام، هكون هناك في الميعاد طبعًا.
ماجد بأمل: ياريت تكوني هناك على طول.
تالين وقد شعرت بالخجل من كلامه: تصبح على خير.
ماجد: وإنتي من أهلي.
أغلقت تالين الهاتف وهي تضع يدها على قلبها هل قال لي حقًا "وإنتي من أهلي"، مستحيل أكيد تتوهم ذلك أو أنه يجاملها من أجل رفع روحها المعنوية، بالطبع هو كذلك فهو طبيب ويعلم أن حالة المريض النفسية أهم عامل لتكوين الإرادة والعزيمة من أجل فقدان الوزن، من الممكن أن يكون يجاملها فقط ويشفق على حالها، حينها شعرت تالين بالحزن واقتربت من المرآة ووقفت أمامها تنظر لنفسها بها كم كانت سمينة وشكلها لا يعجبها، بكت بالطبع منْ سينظر لها وهي بذلك الحجم ولكنها مسحت دموعها وقالت: هتغير وأبقى أحسن بنت في الدنيا، مش هخلي حد يضحك عليا تاني أبدًا، مش هخلي حد يشفق عليا تاني، أنا هكون حد تاني، هتغير عشان نفسي مش عشان حد، يارب قدرني وأقدر أكمل للآخر ومضعفش، هو فعلًا المشوار طويل ومحتاج صبر بس أنا هحاول وهكمل للآخر، كن معايا وقويني يارب.
..............
أخيرًا وصلت روفيدا إلى خلوة أحمد، كانت تهم بطرق الباب حين وجدت أحمد يفتحه على مصرعيه.
أحمد: اتأخرتي ليه؟!
روفيدا بعناد: مكنتش هاجي أصلًا.
أحمد وهو ينظر لها بابتسامة هادئة على جانب فمه: ها وبعدين جيتي ليه بقى؟
روفيدا بصدق: بصراحة عشان أشوف خلوتك عمري ما دخلتها ولا أعرف فيها إيه، عندي فضول أشوفها جدًا.
أحمد وهو ينفجر بالضحك: بس كده! يعني مش عشان تعرفي عاوزك ليه؟
روفيدا ببراءة: لا، أنا عاوزة أعرف، بس كمان الأساس أشوف موجود إيه هنا في خلوتك دي.
أحمد: طيب، أول حاجة لازم نربط ده..
وأخرج من جيبه شريط أسود واقترب منها.
نظرت له بتعجب: إيه ده؟!
أحمد: استني بس وأنا هقولك ده إيه.
روفيدا بعناد وهو يربطه: على فكرة أنا مسامحتكش، أه عشان متفكرش إنه خلاص، أنا زعلانة لسه، يعني لسه مش بكلمك خلي ده في بالك.
أحمد وهو يبتسم لكلامها كم هي بريئة: ماشي يا ستي هنشوف الكلام ده.
وسحبها أحمد خلفه إلى الداخل وأغلق الباب وأخيرًا أزاح الشريط عن عيونها نظرت روفيدا أمامها
ثم أعادت بنظرها له بفرحة حقيقية، لا تستطيع استيعاب ما ترى أمامها.
أحمد: كل ده ملكك لوحدك.
...................
بعد اصطدام روفيدا وأحمد صعدت إلى الأعلى تبكي ولكن تذكرت صديقتها فمسحت دموعها وذهبت إليها وهي تفكر بداخلها لماذا كانت ضعيفة أمامه، لما بكت من أجل قصة، لا لم تبكي من أجل القصة، لا هذا خطأ، فهي بكت من عدم احترامه لما تحبه وأنه بكل سهولة رمى شيء بسيط ملكها يجلب لها السعادة.
هو أحمد دائمًا هكذا يأخذ منها فرحتها ولكن لن تبكي أمامه ثانية ولن تخاف منه مجددًا، لم يعد سوى عام واحد وتنتهي وصايته عليها وترتاح من ذلك المتعجرف.
وأخيرًا وصلت إلى الفيلا المجاورة وهي فيلا بسمة صديقتها.
طرقت الباب وفتحت إحدى الخادمات التي أخبرتها أن بسمة بغرفتها صعدت روفيدا إليها مباشرة وطرقت باب الغرفة.
بسمة من الداخل: ادخل.
دخلت روفيدا وقد رمت حزنها خلف ظهرها، لن تبين الحزن لصديقتها، يكفيها والديها وخناقهم كل يوم وحزنها من أجل ذلك وإحساسها بالحرج مما يفعل والدها وإحساسها بالحرج من مشاكلهم أمام الخدم، يكفيها ذلك فلن تكون من نصيبها بعض السعادة.
روفيدا وهي تمسك الباب وتبتسم: جاهزة؟
وقفت بسمه بسرعه فقد كانت تجلس على التخت وتمسك هاتفها تهم بالاتصال على روفيدا وحين رأتها وقفت بسرعة واقتربت منها وارتمت بحضنها بقوة.
بسمه وهي تحتضن روفيدا: أنا مبسوطة أوي.
روفيدا وهي تحتضنها هي الأخرى وتمشي يدها على شعرها: يارب دايمًا يا حبيبتي يلا بينا بقى عشان عندنا إجازة، لازم منضيعش منها فثفوثة، ونلحق نعمل اللي عاوزينه.
بسمة وهي تبتعد عنها وتنفجر بالضحك: بتقولي إيه فثفوثة!
روفيدا وهي تتصنع الغرور: طبعًا فثفوثة دي أقل من فيمتو ثانية بتاعت زويل، دي اكتشافي أنا بقى.
بسمة بصوت ضاحك: يعني إنتي دلوقتي روفيدا زويل اللي اكتشفت الفيثتو ثانية.
روفيدا وهي تعدل ملابسها بكبرياء وتمثل الجدية: أيوه أنا، قولي بقى عندك مانع!
بسمة وهي تضربها على كتفها: أقسم بالله مجنونة.
روفيدا بضحك: طيب يا أختي يلا بينا عشان نلحق ناكل ولا مش جعانة!
بسمة بلهفة: لا طبعًا جعانة هو فيه أكل زي أكل مراة خالك! يلا يلا أنا جوعت أكتر أصلًا.
روفيدا وهي تحمل إحدى الحقائب: مفجوعة والله.
بسمة وهي تخرج لسانها لها: زيك بالظبط.
وانفجروا الاثنان بالضحك.
...........
على الجانب الآخر...
كان شاهين يجلس مع خالته وأحمد بالصالون حين وصلت روفيدا وبسمة ودخلوا إليهم.
بسمة بخجل: مساء الخير.
الأم: مساء النور يا حبيبتي وقامت تحتضنها بقوة فهي تعشق هذه الفتاه وتعلم ما تمر به وتشعر أنها مثل ابنتها تالين تمامًا.
روفيدا وهي تنظر إلى شاهين: حمدلله بالسلامة.
رد عليها شاهين بابتسامة: الله يسلمك يارب.
بينما هي تجاهلت أحمد نهائيًا بعد ما حدث بينهم من قبل.
شاهين بتساؤل: إنتي روفيدا صح؟
روفيدا بابتسامة: أيوه وإنت شاهين صح كده؟
شاهين بضحك: أيوة جدعة.
روفيدا وهي تشير إلى بسمة الخجولة: ودي بقى بسمة صحبتي.
شاهين: أهلًا يا أنسة بسمة، حمدلله على سلامتك.
نظر إليها شاهين بإعجاب لم يرى الخجل هكذا على فتاه منذ زمن بعيد، هذا إلى جانب جمالها الهاديء.
بسمة بصوت خجول متوتر: الله يسلمك.
أحمد وقد بدا يشعر بالغيرة من حديث روفيدا وشاهين وتلك الابتسامة البلهاء التي توجهها له تجعله يكاد ينفجر من الغيظ، أراد أن يقترب منها ويقفل لها فمها المفتوح بتلك الابتسامة ويخبرها بألا تبتسم لأحد سواه.
أحمد: ما تقعدوا، أنتم هتفضلوا واقفين كده يعني؟
روفيدا وهي تنظر إلى والدته وترد: طنط بعد إذنك إحنا هنطلع نحط الشنط وبعدين ننزل نتغدى مع بعض.
الأم: ماشي يا حبيبتي اطلعوا براحتكم.
بينما شعر أحمد بالحرج والغضب من تجاهلها له عن عمد وعدم ردها عليه أمامهم، جعلته يريد أن تنشق الأرض وتبتلعه.
بعد خروجهم وقف أحمد بسرعة.
شاهين وهو ينظر له بتعجب فقد وقف فجأة بطريقة غريبة: في إيه يا أحمد؟!
أحمد: ولا حاجة، افتكرت حاجة بس لازم أعملها.
الأم: وإيه بقى الحاجة اللي افتكرتها مرة واحدة دي يا ابني؟
أحمد بتنهيدة فهو لا يريد أن يتحدث مع أحد الآن نهائيًا ولا يرد على أسئلة كثيرة، كأنه يحاول بأن يجمع طاقته وهو يتحدث:
حاجة في الشغل يا ماما.
شاهين: خلاص روح إنت شوف وراك إيه وأنا قاعد مع خالتي شوية.
احمد: طيب عن إذنكم.
وخرج أحمد بخطوات سريعة غاضبة وسط نظرات شاهين ووالدته المتعجبة.
في المساء، كانت تالين وروفيدا وبسمة يجلسون بحديقة الفيلا يتحدثون حين اقترب منهم شاهين.
شاهين: مساء الخير يا بنات.
فقد تعرَّف تالين وشاهين على بعضهم حين استيقظت.
رد عليه البنات: مساء النور.
شاهين: أنتم عارفين إنكم بتفكروني بأختي نغم.
تالين: أنا فكراها كانت أمورة أوي وعسولة.
بسمة: هي مجتش معاك ليه؟
شاهين: جاية بس كمان كام يوم وساعتها تشوفوها وتبقوا صحاب كمان.
............
السكرتيرة: في واحد بره عاوز حضرتك.
أحمد بتعجب: مين ده!
رد صوت من خلف السكرتيرة: أنا..
نظر أحمد خلف السكرتيرة ووقف مسرعًا وعلى وجهه ابتسامة عريضة،
ثم اقترب منه وهو يفتح ذراعيه له بقوة.
أحمد: يا ابن الإيه وحشتني جدًا.
وضم كل منهما الآخر بقوة، كانت السكرتيرة تتابعهم بتعجب لأول مرة ترى أحمد العراقي يبتسم وفك تكشيرة وجهه.
الضيف: إنت وحشني أكتر والله.
ابتعد أحمد عنه أخيرًا وأجلسه ونظر إلى السكرتيرة.
أحمد: ده يبقى شاهين ابن خالتي، كان عايش بره ولسه راجع.
السكرتيرة: أهلًا بيك يا فندم، حمدلله على السلامة.
شاهين بأدب: الله يسلمك، شكرًا.
شاهين السعدني ابن خالة أحمد عاش بمصر حتى وصل إلى سن الثانية عشر وبعدها سافروا جميعًا إلى أمريكا وأصبح والده رجل أعمال معروف في مجال الإلكترونيات وبعدها تخصص شاهين بنفس الأمر من شدة عشقه للتكنولوجيا.
شاهين مهندس في حوالي الثلاثين من العمر يتميز بطباعه الهادئة ولكن اتقي شر الحليم إذا غضب، فحين يغضب لا يرى أمامه أحد، يتميز بطول القامة، عريض المنكبين والغريب به هو عيونه سبحان الخالق ولد شاهين بعيون مختلفة، عين باللون العسلي والأخرى باللون الأخضر، دائمًا كان الجميع ينظر له بإعجاب وشهقات من غرابة عيونه؛ لهذا قرر أن يلبس نظارة شمسية طوال الوقت فهو الآن بسن لا يسمح له أن يكون محل دهشة للجميع وكل منْ ينظر له يقول ما هذا، شاب بعيون مختلفة، كأن بشرته خمرية جميلة، يتميز بالرجولة بملامحه الشرقية الأصيلة ولحيته الخفيفة.
أحمد بعد أن جلس أمامه: واحشني يا ابني، أخبارك إيه؟ وجيت إمتى؟
شاهين: أنا الحمدلله بخير، بص يا سيدي أنا وصلت من إمبارح بالليل وحجزت في فندق وارتحت شوية وجيتلك النهاردة لأني محتاجك في موضوع كده.
أحمد بجدية: أولًا الموضوع هيتأجل لأنك قليل الذوق.
شاهين بدهشة: أنا! ليه إيه اللي حصل بس؟
أحمد: يعني بيت خالتك موجود وحضرتك بكل بساطة عاوز تروح تقعد في فندق! وده ليه يعني على أساس إنك مش شايفنا أهلك ولا حاجة؟
شاهين: يا ابني لا والله إنت فهمت غلط، أنا نفسي أشوف خالتي وتالين والله وجدتك وطبعًا عاوز أشوف الست روفيدا اللي زهقتني بالكلام عنها على النت.
أحمد: هتشوفها يا أخويا، هتشوفها.
شاهين بلهفة: وتالين عاملة إيه؟
أحمد:كويسة، بس إنت عارف موضوع وزنها ده مزعلها إزاي.
شاهين: أه فعلًا، بس صدقني هي جميلة من غير حاجة بجد.
أحمد بمشاكسة: ولا إنت بتعاكس أختي خد بالك ماشي.
شاهين وهو يدعي الخوف: لا يا عم مليش دعوه، أنا لا بعاكس ولا حاجة، أنا عاوز آكل من ايد خالتي، وحشني الأكل المصري بتاعها أوي بصراحة.
أحمد: تمام، قبل أي حاجة هجهز نفسي ونروح الفندق تلغي الحجز وندفع الحساب وتيجي معايا البيت.
شاهين بمرح: أمرك يا فندم.
..............
على الجانب الآخر..
في فيلا بمكان بعيد نسبيًا عن القاهرة، دخل هو إلى الفيلا فوجد أمامه إحدى الخدم.
الخادمة: أحضرلك العشا يا بيه؟
هو: لا مش عاوز، أنا هطلع أنام.
الخادمة: براحتك يا بيه، بس والد حضرتك اتصل وقاللي أخليك تكلمه أول ما توصل؛ لأنه عاوزك ضروري.
هو: طيب.
صعد إلى غرفته وأخرج هاتفه وفتحه فقد كان يغلقه طوال اليوم.
هو: السلام عليكم، إزيك يا بابا؟
الأب: الحمد لله بخير، إزيك إنت يا ابني؟ عملت إيه؟
هو: خلاص يا بابا وصلتلها وكل حاجة هتبان.
الأب: أنا عاوزها تجيلي، عاوزها تسمع مني أنا وبس، أنا اللي عارف كل حاجة.
هو: حاضر يا بابا، أنا برتب كل حاجة وصدقني قريب أوي هتسمع أخبار حلوة جدًا.
الأب: نفسي يا ابني، خلاص مبقتش قادر، ضميري مش مرتاح.
هو: يا بابا صدقني هعمل كل اللي طلبته وهجبهالك حتى لو هتوصل إني أخطفها.
الأب: متخوفهاش يا ابني وخد بالك منها دي الغالية بنت الغالي.
هو: حاضر يا بابا، حاضر.
.............
كانت روفيدا تجلس بحديقة الفيلا تقرأ إحدى الكتب حين وجدت هاتفها يرن، فنظرت للهاتف ووجدت المتصل صديقتها الوحيدة بسمة.
بسمة فتاه في نفس عمر روفيدا ولكن جنى عليها الزمن عاشت بين أب وأم كثيري المشاكل، الأب دائم الخيانة والأم دائمة الصراخ والمشاكل والبكاء والشكوى، لم يراعوا طفلتهم حتى أنها في إحدى المرات رأت والدها مع إحدى الخادمات بالتخت فقدت النطق لفترة كبيرة من شدة الصدمة ولكن كل شيء تغير حين دخلت إلى حياتها صديقتها روفيدا وتالين، كانت بريئة جدًا تلك الفتاه، وجهها وديع إلى حد كبير مَنْ ينظر لها لا يمل نهائيًا، كانت نسخة مصغرة من الممثلة هبة مجدي.
روفيدا: الو، إزيك يا قلبي؟ عاملة إيه؟
بسمة بفرحة: أنا مبسوطة أوي يا روفا.
روفيدا: دايمًا يارب أشوفك فرحانة، بس ليه بقى؟ عرفيني.
بسمة: وافقوا.
روفيدا وهي تقف وتنط مكانها عدة مرات من الفرحة: بتهزري صح! وافقوا بجد يسيبوكي معانا هنا شهرين السفر بتوعهم؟
بسمة: طبعًا يا حبيبتي إنتي عارفة صاحبتك مش سهلة، عملت إضراب عن الأكل عشان كده وافقوا وكمان واضح إن أمي عاوزة تستفرد بالسيد الوالد وتراقبه براحتها من غير ما تشيل همي وتتلهي فيا وطبعًا إنتي عارفة بنات ألمانيا عاملين إزاي.
روفيدا: يا خوفي نلاقي أبوكي يرجع بألمانية.
بسمة بضحك: مفيش أحسن من المصرية والراجل المصري.
روفيدا: راجل مصري إيه، أنا عن نفسي لما بقرأ القصص بتمنى يكون جوزي بطل منهم، المهم جهزي حاجتك وأنا ساعة كده وأكون عندك.
بسمة: أوك، فوريرة هكون جهزت كل حاجة، أنا فرحانة أوي أنكم هتكونوا معايا طول الوقت مش هكون لوحدي.
روفيدا بحنية وحب: عمرك ما هتكوني لوحدك طول ما أنا موجودة، إنتي مش صحبتي بس يا بسمة، إنتي أختي بجد.
بسمة: تسلميلي يا أختي.
.........
ونظرت به وشعرت بالصدمة مما رأته.
كانت لأول مرة ترى على هاتفها رسالة من أحمد، يرسل لها رسالة، فتحت الرسالة وفتحت عيونها أكثر من الدهشة مما وجدته مكتوب بها.
أحمد....روفيدا خمس دقايق وتكوني في الخلوة بتاعتي.
وقفت روفيدا بسرعة وكأنها على عجلة من أمرها، فنظر لها الجميع بتعجب.
بسمة: على فين يا روفيدا؟ ومالك مستعجلة كده ليه؟
روفيدا بتوتر: أحمد عاوزني.
تالين بتعجب: ليه في حاجة مهمة يعني؟
روفيدا بتعجل: مش عارفة، هو قالي أروح له بسرعة.
شاهين: لو خايفة اجي معاكي طيب.
روفيدا: لا، شكرًا مفيش داعي، أنا هروح لوحدي، أنا مبخافش من حد.
شاهين بمشاكسة: ماشي يا ست القوية، خلي بالك من نفسك، ويبقى كلمينا لو فيه حاجة.
تركتهم روفيدا وكانت تتجه إلى خلوة أحمد، وهي عبارة عن غرفة كبيرة، مجهزة بكل أنواع الرفاهية، في حديقة الفيلا، حين يشعر أنه يريد الهدوء والاسترخاء والتفكير بشيء ما أو حين يغضب يذهب إليها ويجلس بها وحده يفكر ويفكر ويستمع إلى أغاني أم كلثوم الهادئة حتى يعود إلى طبيعته.
لم يدخل أحد خلوته سواه والآن لأول مرة سيسمح لأحد بالدخول إليها ألا وهي روفيدا وكل هذا برغبته.
لا تنكر روفيدا أنها تشعر بالتوتر والخوف من طلب أحمد أن تأتي إليه وعلى عجلة من أمرها هكذا، لكن هناك أيضًا الفضول وحب المعرفة واكتشاف تلك الخلوة المحرمة على أي شخص من دلوفها والآن ستراها وتعلم ماذا يخبيء أحمد بها ولماذا لا يسمح لأحد بدلوفها، كما أن فضولها لمعرفة سبب مجيئها هنا بالتحديد وطلبه رؤيتها لا يقل شيئًا عن فضولها لمعرفة هذه الخلوة.
...............
علي الجانب الآخر ....
في الخارج،
كانت نغم تجلس مع صديقتها سارة وهي أيضًا من أصول عربية.
سارة: هترجعي امتى؟
نغم بحزن: للأسف مش هرجع تاني، أنا هنزل نهائي ومش هرجع، شاهين رافض إننا نعيش، هنا قال خلاص جه الوقت إننا نرجع بلدنا، كفاية غربة.
نغم فتاه في العشرين من العمر، تتميز بعيونها العسلية ورموش كثيفة ووجهها الجميل الذي حين تنظر له تشعر وكأنك تنظر إلى طفلة بريئة ولكن ما يجعلها تشعر بالغيظ دائمًا هو شعرها الطويل تريد أن تقصه بأي طريقة وتنتظر الفرصة المناسبة وما يميزها عن غيرها أنها تحمل بوجهها غمازتين تجعلها أكثر براءة، قصيرة القامة إلى حد ما، لا تتعدى متر ونصف.
سارة بحزن ودموعها على وشك الانهيار: ولا حتى زيارة يا نغم؟
نغم وهي تمسك بيدها برفق: إنتي تيجي مصر وأنا لو قدرت اجي هاجي إن شاء الله.
سارة: هجيلك دايمًا، اوعي تنسيني، أنا هفضل فكراكي يا حبيبتي.
نغم: مستحيل أنساكي، بس عارفة!
سارة: إيه؟
نغم: حاسة إني راجعة مصر وإني هلاقي هناك نصي التاني هناك.
سارة بتعحب: إنتي تلاقي نصك التاني! ده إنتي عمرك ما فكرتي تحبي حتى!
نغم: لسه مجاش اللي أنا عاوزاه، لسه مش شايفة حد مناسب أقدر ألاقي نفسي معاه، ولو جه وقتها هديله كل حب الدنيا لأنه هيكون حلالي وهكون مراته، هيكون سندي وأبويا وأخويا وجوزي وحبيبي وابني، ما هو الحب ده مش تعويض نقص، ده اكتمال روح.
سارة بمشاكسة: لا واضح إنك طلعتي رومانسية وأنا معرفش.
نغم بضحك: حبة رومانسية بقى وبعدين إحنا مبنتكلمش كتير في الموضوع ده عشان كده متعرفيش إني ممكن أبقى رومانسية ولا إيه!
سارة: المهم لو لقيتي عريس متنسيش أختك بس.
نغم بضحك: عريس يا أماي، من عيوني يا أختي.
سارة بضحك: هو ده بقى.
.....
بينما علي الجانب الآخر ..
في منزل الرجل المجهول،
كان يجلس وحده بغرفة مكتبه يقرأ إحدى الملفات حين دق الباب.
هو: ادخل.
دخلت الخادمة: الضيف وصل يا فندم.
هو: خليه يدخل.
الخادمة: حاضر تحت أمرك.
وما هي إلا دقائق ودخل رجل يبدو عليه الشر.
الرجل: باشا، باشا مصر.
هو بعصبية من طريقته المبالغ فيها: اقعد وبطل الاشتغالات دي، مبتاكلش معايا خالص.
الرجل: عنيا يا باشا، خير كنت عاوزني في إيه؟
هو: عاوزك في مهمة من بتوعنا.
الرجل: قتل!
هو: إنت عارف إني ماليش في الدم.
الرجل: أومال إيه يا باشا ما تفهمني إيه النظام؟
هو: هقولك.
...........
صعدت تالين إلى غرفتها لتأتي بهاتفها وحين أمسكته بيدها وجدت اتصال من دكتور ماجد، فأعادت الاتصال وهي تشعر بالتوتر وتدعي الله ألا يرد عليها وأن تنتهي الرنة دون أن يرد عليها ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فمع ثاني جرس سمعت صوت ماجد يحادثها.
ماجد: مساء الخير.
تالين بصوت متوتر: مساء النور.
ماجد: أخبارك إيه؟ خدتي الدوا ولا إيه؟ وأخبار الأكل النهاردة؟
حكت له تالين ما فعلته لأول مرة تشعر بالإرادة والقوة لتفعلها وتفقد الوزن الذي يجعلها لا تثق بنفسها وتشعر أنها غير باقي البنات وتشعر بالخجل حين تذهب لشراء ملابس مع روفيدا، تشعر بالقهر حين تبحث وتبحث ولا تجد شيئًا على مقاسها بسبب وزنها الزائد ولكن الآن ستفعلها وتتغير وكأن الأمل تسلل بداخلها وتمكَّن منها.
ماجد: كويس أوي اللي سمعته ده، عامة أنا كلمتك عشان أأكد ميعادك بكرة في العيادة الساعه اتنين إن شاء الله، متتأخريش بقى.
تالين: تمام، هكون هناك في الميعاد طبعًا.
ماجد بأمل: ياريت تكوني هناك على طول.
تالين وقد شعرت بالخجل من كلامه: تصبح على خير.
ماجد: وإنتي من أهلي.
أغلقت تالين الهاتف وهي تضع يدها على قلبها هل قال لي حقًا "وإنتي من أهلي"، مستحيل أكيد تتوهم ذلك أو أنه يجاملها من أجل رفع روحها المعنوية، بالطبع هو كذلك فهو طبيب ويعلم أن حالة المريض النفسية أهم عامل لتكوين الإرادة والعزيمة من أجل فقدان الوزن، من الممكن أن يكون يجاملها فقط ويشفق على حالها، حينها شعرت تالين بالحزن واقتربت من المرآة ووقفت أمامها تنظر لنفسها بها كم كانت سمينة وشكلها لا يعجبها، بكت بالطبع منْ سينظر لها وهي بذلك الحجم ولكنها مسحت دموعها وقالت: هتغير وأبقى أحسن بنت في الدنيا، مش هخلي حد يضحك عليا تاني أبدًا، مش هخلي حد يشفق عليا تاني، أنا هكون حد تاني، هتغير عشان نفسي مش عشان حد، يارب قدرني وأقدر أكمل للآخر ومضعفش، هو فعلًا المشوار طويل ومحتاج صبر بس أنا هحاول وهكمل للآخر، كن معايا وقويني يارب.
..............
أخيرًا وصلت روفيدا إلى خلوة أحمد، كانت تهم بطرق الباب حين وجدت أحمد يفتحه على مصرعيه.
أحمد: اتأخرتي ليه؟!
روفيدا بعناد: مكنتش هاجي أصلًا.
أحمد وهو ينظر لها بابتسامة هادئة على جانب فمه: ها وبعدين جيتي ليه بقى؟
روفيدا بصدق: بصراحة عشان أشوف خلوتك عمري ما دخلتها ولا أعرف فيها إيه، عندي فضول أشوفها جدًا.
أحمد وهو ينفجر بالضحك: بس كده! يعني مش عشان تعرفي عاوزك ليه؟
روفيدا ببراءة: لا، أنا عاوزة أعرف، بس كمان الأساس أشوف موجود إيه هنا في خلوتك دي.
أحمد: طيب، أول حاجة لازم نربط ده..
وأخرج من جيبه شريط أسود واقترب منها.
نظرت له بتعجب: إيه ده؟!
أحمد: استني بس وأنا هقولك ده إيه.
روفيدا بعناد وهو يربطه: على فكرة أنا مسامحتكش، أه عشان متفكرش إنه خلاص، أنا زعلانة لسه، يعني لسه مش بكلمك خلي ده في بالك.
أحمد وهو يبتسم لكلامها كم هي بريئة: ماشي يا ستي هنشوف الكلام ده.
وسحبها أحمد خلفه إلى الداخل وأغلق الباب وأخيرًا أزاح الشريط عن عيونها نظرت روفيدا أمامها
ثم أعادت بنظرها له بفرحة حقيقية، لا تستطيع استيعاب ما ترى أمامها.
أحمد: كل ده ملكك لوحدك.
...................
بعد اصطدام روفيدا وأحمد صعدت إلى الأعلى تبكي ولكن تذكرت صديقتها فمسحت دموعها وذهبت إليها وهي تفكر بداخلها لماذا كانت ضعيفة أمامه، لما بكت من أجل قصة، لا لم تبكي من أجل القصة، لا هذا خطأ، فهي بكت من عدم احترامه لما تحبه وأنه بكل سهولة رمى شيء بسيط ملكها يجلب لها السعادة.
هو أحمد دائمًا هكذا يأخذ منها فرحتها ولكن لن تبكي أمامه ثانية ولن تخاف منه مجددًا، لم يعد سوى عام واحد وتنتهي وصايته عليها وترتاح من ذلك المتعجرف.
وأخيرًا وصلت إلى الفيلا المجاورة وهي فيلا بسمة صديقتها.
طرقت الباب وفتحت إحدى الخادمات التي أخبرتها أن بسمة بغرفتها صعدت روفيدا إليها مباشرة وطرقت باب الغرفة.
بسمة من الداخل: ادخل.
دخلت روفيدا وقد رمت حزنها خلف ظهرها، لن تبين الحزن لصديقتها، يكفيها والديها وخناقهم كل يوم وحزنها من أجل ذلك وإحساسها بالحرج مما يفعل والدها وإحساسها بالحرج من مشاكلهم أمام الخدم، يكفيها ذلك فلن تكون من نصيبها بعض السعادة.
روفيدا وهي تمسك الباب وتبتسم: جاهزة؟
وقفت بسمه بسرعه فقد كانت تجلس على التخت وتمسك هاتفها تهم بالاتصال على روفيدا وحين رأتها وقفت بسرعة واقتربت منها وارتمت بحضنها بقوة.
بسمه وهي تحتضن روفيدا: أنا مبسوطة أوي.
روفيدا وهي تحتضنها هي الأخرى وتمشي يدها على شعرها: يارب دايمًا يا حبيبتي يلا بينا بقى عشان عندنا إجازة، لازم منضيعش منها فثفوثة، ونلحق نعمل اللي عاوزينه.
بسمة وهي تبتعد عنها وتنفجر بالضحك: بتقولي إيه فثفوثة!
روفيدا وهي تتصنع الغرور: طبعًا فثفوثة دي أقل من فيمتو ثانية بتاعت زويل، دي اكتشافي أنا بقى.
بسمة بصوت ضاحك: يعني إنتي دلوقتي روفيدا زويل اللي اكتشفت الفيثتو ثانية.
روفيدا وهي تعدل ملابسها بكبرياء وتمثل الجدية: أيوه أنا، قولي بقى عندك مانع!
بسمة وهي تضربها على كتفها: أقسم بالله مجنونة.
روفيدا بضحك: طيب يا أختي يلا بينا عشان نلحق ناكل ولا مش جعانة!
بسمة بلهفة: لا طبعًا جعانة هو فيه أكل زي أكل مراة خالك! يلا يلا أنا جوعت أكتر أصلًا.
روفيدا وهي تحمل إحدى الحقائب: مفجوعة والله.
بسمة وهي تخرج لسانها لها: زيك بالظبط.
وانفجروا الاثنان بالضحك.
...........
على الجانب الآخر...
كان شاهين يجلس مع خالته وأحمد بالصالون حين وصلت روفيدا وبسمة ودخلوا إليهم.
بسمة بخجل: مساء الخير.
الأم: مساء النور يا حبيبتي وقامت تحتضنها بقوة فهي تعشق هذه الفتاه وتعلم ما تمر به وتشعر أنها مثل ابنتها تالين تمامًا.
روفيدا وهي تنظر إلى شاهين: حمدلله بالسلامة.
رد عليها شاهين بابتسامة: الله يسلمك يارب.
بينما هي تجاهلت أحمد نهائيًا بعد ما حدث بينهم من قبل.
شاهين بتساؤل: إنتي روفيدا صح؟
روفيدا بابتسامة: أيوه وإنت شاهين صح كده؟
شاهين بضحك: أيوة جدعة.
روفيدا وهي تشير إلى بسمة الخجولة: ودي بقى بسمة صحبتي.
شاهين: أهلًا يا أنسة بسمة، حمدلله على سلامتك.
نظر إليها شاهين بإعجاب لم يرى الخجل هكذا على فتاه منذ زمن بعيد، هذا إلى جانب جمالها الهاديء.
بسمة بصوت خجول متوتر: الله يسلمك.
أحمد وقد بدا يشعر بالغيرة من حديث روفيدا وشاهين وتلك الابتسامة البلهاء التي توجهها له تجعله يكاد ينفجر من الغيظ، أراد أن يقترب منها ويقفل لها فمها المفتوح بتلك الابتسامة ويخبرها بألا تبتسم لأحد سواه.
أحمد: ما تقعدوا، أنتم هتفضلوا واقفين كده يعني؟
روفيدا وهي تنظر إلى والدته وترد: طنط بعد إذنك إحنا هنطلع نحط الشنط وبعدين ننزل نتغدى مع بعض.
الأم: ماشي يا حبيبتي اطلعوا براحتكم.
بينما شعر أحمد بالحرج والغضب من تجاهلها له عن عمد وعدم ردها عليه أمامهم، جعلته يريد أن تنشق الأرض وتبتلعه.
بعد خروجهم وقف أحمد بسرعة.
شاهين وهو ينظر له بتعجب فقد وقف فجأة بطريقة غريبة: في إيه يا أحمد؟!
أحمد: ولا حاجة، افتكرت حاجة بس لازم أعملها.
الأم: وإيه بقى الحاجة اللي افتكرتها مرة واحدة دي يا ابني؟
أحمد بتنهيدة فهو لا يريد أن يتحدث مع أحد الآن نهائيًا ولا يرد على أسئلة كثيرة، كأنه يحاول بأن يجمع طاقته وهو يتحدث:
حاجة في الشغل يا ماما.
شاهين: خلاص روح إنت شوف وراك إيه وأنا قاعد مع خالتي شوية.
احمد: طيب عن إذنكم.
وخرج أحمد بخطوات سريعة غاضبة وسط نظرات شاهين ووالدته المتعجبة.
في المساء، كانت تالين وروفيدا وبسمة يجلسون بحديقة الفيلا يتحدثون حين اقترب منهم شاهين.
شاهين: مساء الخير يا بنات.
فقد تعرَّف تالين وشاهين على بعضهم حين استيقظت.
رد عليه البنات: مساء النور.
شاهين: أنتم عارفين إنكم بتفكروني بأختي نغم.
تالين: أنا فكراها كانت أمورة أوي وعسولة.
بسمة: هي مجتش معاك ليه؟
شاهين: جاية بس كمان كام يوم وساعتها تشوفوها وتبقوا صحاب كمان.
............
السكرتيرة: في واحد بره عاوز حضرتك.
أحمد بتعجب: مين ده!
رد صوت من خلف السكرتيرة: أنا..
نظر أحمد خلف السكرتيرة ووقف مسرعًا وعلى وجهه ابتسامة عريضة،
ثم اقترب منه وهو يفتح ذراعيه له بقوة.
أحمد: يا ابن الإيه وحشتني جدًا.
وضم كل منهما الآخر بقوة، كانت السكرتيرة تتابعهم بتعجب لأول مرة ترى أحمد العراقي يبتسم وفك تكشيرة وجهه.
الضيف: إنت وحشني أكتر والله.
ابتعد أحمد عنه أخيرًا وأجلسه ونظر إلى السكرتيرة.
أحمد: ده يبقى شاهين ابن خالتي، كان عايش بره ولسه راجع.
السكرتيرة: أهلًا بيك يا فندم، حمدلله على السلامة.
شاهين بأدب: الله يسلمك، شكرًا.
شاهين السعدني ابن خالة أحمد عاش بمصر حتى وصل إلى سن الثانية عشر وبعدها سافروا جميعًا إلى أمريكا وأصبح والده رجل أعمال معروف في مجال الإلكترونيات وبعدها تخصص شاهين بنفس الأمر من شدة عشقه للتكنولوجيا.
شاهين مهندس في حوالي الثلاثين من العمر يتميز بطباعه الهادئة ولكن اتقي شر الحليم إذا غضب، فحين يغضب لا يرى أمامه أحد، يتميز بطول القامة، عريض المنكبين والغريب به هو عيونه سبحان الخالق ولد شاهين بعيون مختلفة، عين باللون العسلي والأخرى باللون الأخضر، دائمًا كان الجميع ينظر له بإعجاب وشهقات من غرابة عيونه؛ لهذا قرر أن يلبس نظارة شمسية طوال الوقت فهو الآن بسن لا يسمح له أن يكون محل دهشة للجميع وكل منْ ينظر له يقول ما هذا، شاب بعيون مختلفة، كأن بشرته خمرية جميلة، يتميز بالرجولة بملامحه الشرقية الأصيلة ولحيته الخفيفة.
أحمد بعد أن جلس أمامه: واحشني يا ابني، أخبارك إيه؟ وجيت إمتى؟
شاهين: أنا الحمدلله بخير، بص يا سيدي أنا وصلت من إمبارح بالليل وحجزت في فندق وارتحت شوية وجيتلك النهاردة لأني محتاجك في موضوع كده.
أحمد بجدية: أولًا الموضوع هيتأجل لأنك قليل الذوق.
شاهين بدهشة: أنا! ليه إيه اللي حصل بس؟
أحمد: يعني بيت خالتك موجود وحضرتك بكل بساطة عاوز تروح تقعد في فندق! وده ليه يعني على أساس إنك مش شايفنا أهلك ولا حاجة؟
شاهين: يا ابني لا والله إنت فهمت غلط، أنا نفسي أشوف خالتي وتالين والله وجدتك وطبعًا عاوز أشوف الست روفيدا اللي زهقتني بالكلام عنها على النت.
أحمد: هتشوفها يا أخويا، هتشوفها.
شاهين بلهفة: وتالين عاملة إيه؟
أحمد:كويسة، بس إنت عارف موضوع وزنها ده مزعلها إزاي.
شاهين: أه فعلًا، بس صدقني هي جميلة من غير حاجة بجد.
أحمد بمشاكسة: ولا إنت بتعاكس أختي خد بالك ماشي.
شاهين وهو يدعي الخوف: لا يا عم مليش دعوه، أنا لا بعاكس ولا حاجة، أنا عاوز آكل من ايد خالتي، وحشني الأكل المصري بتاعها أوي بصراحة.
أحمد: تمام، قبل أي حاجة هجهز نفسي ونروح الفندق تلغي الحجز وندفع الحساب وتيجي معايا البيت.
شاهين بمرح: أمرك يا فندم.
..............
على الجانب الآخر..
في فيلا بمكان بعيد نسبيًا عن القاهرة، دخل هو إلى الفيلا فوجد أمامه إحدى الخدم.
الخادمة: أحضرلك العشا يا بيه؟
هو: لا مش عاوز، أنا هطلع أنام.
الخادمة: براحتك يا بيه، بس والد حضرتك اتصل وقاللي أخليك تكلمه أول ما توصل؛ لأنه عاوزك ضروري.
هو: طيب.
صعد إلى غرفته وأخرج هاتفه وفتحه فقد كان يغلقه طوال اليوم.
هو: السلام عليكم، إزيك يا بابا؟
الأب: الحمد لله بخير، إزيك إنت يا ابني؟ عملت إيه؟
هو: خلاص يا بابا وصلتلها وكل حاجة هتبان.
الأب: أنا عاوزها تجيلي، عاوزها تسمع مني أنا وبس، أنا اللي عارف كل حاجة.
هو: حاضر يا بابا، أنا برتب كل حاجة وصدقني قريب أوي هتسمع أخبار حلوة جدًا.
الأب: نفسي يا ابني، خلاص مبقتش قادر، ضميري مش مرتاح.
هو: يا بابا صدقني هعمل كل اللي طلبته وهجبهالك حتى لو هتوصل إني أخطفها.
الأب: متخوفهاش يا ابني وخد بالك منها دي الغالية بنت الغالي.
هو: حاضر يا بابا، حاضر.
.............
كانت روفيدا تجلس بحديقة الفيلا تقرأ إحدى الكتب حين وجدت هاتفها يرن، فنظرت للهاتف ووجدت المتصل صديقتها الوحيدة بسمة.
بسمة فتاه في نفس عمر روفيدا ولكن جنى عليها الزمن عاشت بين أب وأم كثيري المشاكل، الأب دائم الخيانة والأم دائمة الصراخ والمشاكل والبكاء والشكوى، لم يراعوا طفلتهم حتى أنها في إحدى المرات رأت والدها مع إحدى الخادمات بالتخت فقدت النطق لفترة كبيرة من شدة الصدمة ولكن كل شيء تغير حين دخلت إلى حياتها صديقتها روفيدا وتالين، كانت بريئة جدًا تلك الفتاه، وجهها وديع إلى حد كبير مَنْ ينظر لها لا يمل نهائيًا، كانت نسخة مصغرة من الممثلة هبة مجدي.
روفيدا: الو، إزيك يا قلبي؟ عاملة إيه؟
بسمة بفرحة: أنا مبسوطة أوي يا روفا.
روفيدا: دايمًا يارب أشوفك فرحانة، بس ليه بقى؟ عرفيني.
بسمة: وافقوا.
روفيدا وهي تقف وتنط مكانها عدة مرات من الفرحة: بتهزري صح! وافقوا بجد يسيبوكي معانا هنا شهرين السفر بتوعهم؟
بسمة: طبعًا يا حبيبتي إنتي عارفة صاحبتك مش سهلة، عملت إضراب عن الأكل عشان كده وافقوا وكمان واضح إن أمي عاوزة تستفرد بالسيد الوالد وتراقبه براحتها من غير ما تشيل همي وتتلهي فيا وطبعًا إنتي عارفة بنات ألمانيا عاملين إزاي.
روفيدا: يا خوفي نلاقي أبوكي يرجع بألمانية.
بسمة بضحك: مفيش أحسن من المصرية والراجل المصري.
روفيدا: راجل مصري إيه، أنا عن نفسي لما بقرأ القصص بتمنى يكون جوزي بطل منهم، المهم جهزي حاجتك وأنا ساعة كده وأكون عندك.
بسمة: أوك، فوريرة هكون جهزت كل حاجة، أنا فرحانة أوي أنكم هتكونوا معايا طول الوقت مش هكون لوحدي.
روفيدا بحنية وحب: عمرك ما هتكوني لوحدك طول ما أنا موجودة، إنتي مش صحبتي بس يا بسمة، إنتي أختي بجد.
بسمة: تسلميلي يا أختي.
.........