الفصل الرابع

جلست نور أمام يوسف لتقول بفضول - ماذا وجدت؟ فقال - أنها عصابة كما أخبرتيني تمامًا.

فقالت - حسنًا وماذا ستفعل؟ فقال بنفاذ صبر - سأضعكِ في زنزانة كما أخبرتكِ سابقًا.

نظرت له بملامح عابسة فزفر الهواء وقال - اليوم يجب أن أذهب إلى عائلتي وبالطبع لن أترككِ هنا فكما تعلمين أنتِ في خطر لذلك ستأتين معي. فقالت - حسنًا لا مانع لدي.

فقال بنبرة ساخرة - وهل لديكِ مجالٌ للرفض؟ على كل حال سأرسل أحد لاختيار فستان لكِ. فقالت - هل تعرف مَقاس ما ارتديه؟

فقال باستخفاف - يمكنني تخمين هذا. نظرت له بغرابة حقًا أنه الشخص الأكثر غرابة في حياتها فقالت - أريد رؤية أخي.

فقال - لا. فأجابت بضيق - لا يمكنك أن ترى عائلتك
وتمنعني من رؤية أخي، هذا ليس عدلًا.

فقال - إن كُنت أفعل شيء فأنا أفعله لأجل سلامتكِ وأظن أنك تريدين هذا أكثر من كل شيء. فقالت ساخرة - حقًا؟ كم مكثتُ معي لتعرف ما أريده؟

فقال - فترة تكفيني لتحليل شخصيتكِ. فأومأت له وقالت - آسفة، نسيت أنك تُسيطر على الذي أمامك لترى ما بداخله وفي الحقيقة أنتَ مُخطئ جدًا بشأني فأنتَ لا تعرف عني أي شيء كل ما تعرفه أنتَ من استنتاج عقلك لا أكثر هل تفهم ما أريد قوله؟

زادت حدة الحديث بينهم حتى ابتسم وقال - هذا ما كنتُ أطمح إليه. فقالت بعدم فهم - ماذا تقصد؟

فأجاب - نجحت في تبديل مزاجكِ في ثانية، يجب عليكِ التعلم إذًا ليس كل نقاشٍ حاد ستنتصري به، إن حالفك الحظ وانتصرتِ إذًا هذا جيد وإن لم يحالفك الحظ ولم تنتصري، ابتسمي وأفقدي المنتصر لذة الأنتصار. فقالت بغضب - أنتَ لم تنتصر !

فقال ضاحكًا - إذًا لماذا تبدين غاضبة إلى هذا الحد؟ تركته وذهبت إلى غرفتها لقد نجح في استفزازها حقًا، كانت تريد أي شيء لتُخرج به ما أحدثه هو

بعد فترة دَقَ يوسف الباب بخفة وأخبرها أن فستانها
بالخارج فأخذته دون أن تنظر له وقامت بالإستحمام قبل أن ترتديه.

كان فستانًا باللون الأحمر مُشابه لشعرها الذي يصل طوله إلى منتصف ظهرها، لم يُحضر مساحيق تجميل وهذا جيد لأنها لا تضعهم من الأساس لأنها لطالما عشقت الطبيعة فاختارت أن تكون هي أنثى الطبيعة ذو النمش والشعر البرتقالي المائل إلى الأحمر وكأنه امتص أشعة الشمس في وقت الغروب.

كانت جالسة أمام والدتهُ، ووالدهُ ينظر لها على الطرف الأخر فقالت أثير - أنتِ نور إذًا. فابتسمت لها قائلة - نعم سعدتُ بلقائكِ.

نظرت إلى يوسف وجدته يبتسم لها لم تعرف ماذا تفعل، هل تبادله تلك الإبتسامة التي لا تعرف المغزى منها؟ لا ستنظر أمامها تلك هي أفضل الحلول.

فقال أسر - لم أراك تبتسم هكذا من قبل، ماذا حَلَّ بالوكيل يوسف رشيد. ذكرى سوداء أُخرى ضربت ذاكرتها ولكن تلك المرة كان الألم لا يُحتمل برأسها، دون أن تنتبه أمسكت بيد من بجانبها ولسوء حظها كان يجلس بجانبها يوسف ووضعت اليد الأُخرى على رأسها وهي تفركها بخفة لتُخفف هذا الألم فقال هو عندما لاحظ الذي يحدث - هل أنتِ بخير؟

فهمست - لا، لست بخير إطلاقًا. تفحص وجهها كانت تُغمض عينيها وتخبأ ما تبقى من وجهها بيديها ولكنه استطاع رسم ملامحها جيدًا رغم أنه للآن لم يراها إلا لمراتٍ قليلة، أفاق من هذا الحديث الذي لا نفع منه وقال - هل تحتاجين إلى طبيبة؟

فقالت وهي تزفر الهواء - لا لقد أصبحتُ بخير. فأومأ لها، كان كل شيء جيد حتى نظر إلي والديه فقال مُفسرًا لهم - تعلمون الذي حدث، لقد أخبرتكم.

فقالت أسير - لا، نحن لا نتحدث عن هذا. فقال عندما فهم ما يُلمحان له - توقفوا، أنه ليس الوقت المناسب لهذا الهراء حقًا.

فقال والده - غريب أنك وجدت أحد يبحث معك في تلك العصابة. وكأن صاعقة هبطت عليه من السماء نظر لهم بغضب لم يستطع التحكم به، ترك طعامه ووقف قائلًا لها - لنذهب. أخذها من يدها وذهب بها إلى الخارج تحت نظراتها المنصدمة، ما الذي حدث الآن؟ فقالت - ماذا بك وماذا يقصد والدك؟

فقال - اذهبي إلى السيارة يا نور. وقفت أمامه بتحدٍ وقالت - لن أذهب قبل أن تبرر لي. كل شيء من الممكن ذكره إلا ذلك الحديث الذي يتغاضى عن ذِكره منذ زمنٌ بعيد، كل شيء مسموح إلا هذا

فقال - أنا لن أُعيد ما أخبرتكِ إياه. فقالت - وأنا لن أذهب قبل أن تخبرني الذي حدث يا يوسف، وإلا أقسم سأذهب ولن ترى وجهي مجددًا. فقال غير عابئ بشيء - فلتذهبي، فما أهمية وجودك؟

ذهبت فلم يتحمل كبريائها الذي حدث، أخبرته كثيرًا أنها تريد العودة ولكنه كان رافض، لم تجبرهُ على هذا هي لم تكن تريد شيء من الأساس فهو من أجبرها على البقاء، هو السبب ويخبرها الآن بهذا.

ذهبت إلى منزلها وعندما هَمت بدق الباب وجدت رجل غريب أمامها فقالت - أين أدهم؟ فقال - يبدو أنكِ في عنوانٌ خاطئ.

فقالت - كيف؟ لم تقول ما تبقى من جملتها لأنه أغلق الباب فورًا فعادت إلى الخلف، أنه منزل والديهما بحق السماء ما الذي يحدث؟ كانت هناك فكرة تخطر على بالها ولكنها أنكرتها فبالتأكيد لم يتخلوا عن منزل والديهما في تلك السنة التي لا تتذكرها.

بينما في مكان أخر جلس يوسف، للمرة الأولى يشعر بذلك الندم أدرك أن هناك الكثير من الأشياء أصبحت للمرة الأولي معها هي، كان هذا الشيء الذي فعله من أكثر الأشياء أنانية في حياته، وفي النهاية لم يكن عليه فعل هذا.

ولكنه فقد أعصابه، كان كل شيء في هذا المنزل يُثير جنونه، بداية من عائلته إلى أخيه لم يعد يريد الذهاب هُناك رغم أنه كان يُحب والديه كثيرًا وما زال ولكن هذا المنزل يُذكره بأشياء يكره تذكرها، ورغم أن الماضي به الكثير من المصاعب وأنه تسبب له في الكثير من المتاعب ولكن رغم كل شيء فتلك كانت أفضل أيامه.

ذلك النقاء والحب اللذان كانا يُحيطان به افتقده، افتقد للأشخاص الذين تعهدوا له بالبقاء، افتقد إلى ذلك العناق الدافئ في الصباح، افتقد إلى احتساء القهوة مع مَنْ يُحب، افتقد لذكرياته التي تملؤها الحُب.

يراوده ذلك الشعور منذ مدة كبيرة، أنه ليس بخير وأن التظاهر بعكس ذلك يُتعبه أكثر، التفكير في أن لا شيء يدفعه إلى الاستمرار، لا يوجد شيء يعيش لأجله كان مُهلك لقلبه، نحن نتظاهر بأن كل شيء بخير بينما داخلنا مُحطم، مُحطم من أقرب الناس لنا ومن الذكريات والماضي والقلوب التي ظنناها دافئة.

هل يمكننا التوقف عن التظاهر؟ هل يمكننا إخبار شخص ما بأننا مُتعبين وأن الدنيا كانت ظالمة لهذا الحد القاسي على قلوبنا؟ هل هناك مَنْ لا يستهين بما حدث لنا؟ ربما فقط حينها سُنفَصح عن كل شيء.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي