الفصل الثالث

لؤلؤة السماء

انزلت ذلك الاعلان على صفحتها واغلقت الهاتف.. فلا مزاج رائق لها لتكتب وتتفاعل ..فقد أصابها الجمود في الاحساس .. فأوقفت كل ما تفعله. شيء من الاكتئاب تملكها فباتت غير قادرة على التحدث مع احد فما بالك بالأخذ والرد ..
حالة من التبلد اكتسحتها .. فبعد تنزيل خمس من الفصول على مدى شهر كامل .. خبأ شعور التلذذ وساد الارهاق والتعب على روحها .. بالإضافة الا انها تحتاج لطاقة من الامداد لتستعيد بها حيويتها المعروفة ..
ولكن من اين تأتي بالراحة لتعيد لنفسها الحماس ...؟؟
من اين؟؟
ولهذا فقد قررت الابتعاد قليلا والهروب من كل شيء.. والتنحي بذاتها ..
لتعود لواقعها المهمل .. الذي تهجرهُ برغبتها ..
لتجده مبهما لها .. غير واضح ..

الواقع الذي تكون به فردا عاديا .. غير مهم .. فلا احد يعطيها ذلك الامتياز المذهل ..كالذي تعيشه هناك ..
فتكون مجرد ربة منزل حالها كحال ملايين غيرها ..
فما هو المبهر بسيدة منزل لها منزل مملوء بالأطفال وزوج وحياة ..محسوبة عليها ..؟؟
لا شيء ..حقا لا شيء مبهر بذلك ..

وهي لا تريد ذلك ..

تريد تلك الحياة التي تحياها بعالمها الافتراضي ..
حيث تكون النجمة الكبيرة ..لؤلؤة السماء المشرقة اللامعة ..
من بإشارة منها يقف مئات من الالاف ..
و مئات من الالاف
ترغب بودها وبصداقتها .. او حتى بكلمة بسيطة منها
بصفحةٍ افتراضية عدد مشتركيها سيصل للمليون قريبا. ..
كلهم ملكها ..

ولكن ¡
بحياتها العادية لا يوجد ايٌّ من ذلك ..
لا يوجد لها عرش كذاك الذي تترأسه في مكانها اللا افتراضي
لا توجد متابعات يمجدّن كل حروفها وكأن ما تقوله هو الذروة القصوى
لا يوجد لها عشاق او قصص حب تحيا بها ..

بحياتها العادية تنزل من عرشها لتكون من العدم ..
فلا يسمع صدى لكلماتها حتى وان كانت في العلن .
لا احد يهتم بها ليعطيها مقدار الحب والامن ..

هي امرأة تعيش في عالمين منفصلين .. تكون السيدة الحاكمة هناك
والجارية الخادمة هنا ..
هكذا هي فصلت حياتها .. واقع باهت وخيال صاخب
..
الساعة عندها قاربت على منتصف الليل وريحان سيعود قريبا .. وهي بأمس الحاجة للشعور بأهميتها وبكينونتها الانثوية .. لتجدد طاقتها المكتومة ..
اختارت احد قمصانها التي تنام بها تلك القصيرة التي تبرز جمالها ..وتعطرت قليلا .. وجلست بسريرها تنتظره ..
ولم يخب ظنها ..فبعد ربع ساعة كان ريحان يدخل المنزل ..
ويمر على غرف الاطفال .. يتفقدهم كعادته
ليصل لغرفة نومهم التي يشاركهم فيها تؤامهم (ديمة ويوسف)

فتح الباب ..ومن الاضاءة الخفيفة في الغرفة رأته يدخل فلم يتطلع لها ، غير مهتما بكونها ما زالت مستيقظة ..
انشغلت بهاتفها عله يبدي انفعالا ما ..ولكن لا شيء .. رفعت عيناها لتنظر له .. تراقب حركاته ..اه كم تود لو تراه ينظر لها بشغف او بحب .. تلك النظرات التي تكتب عنها اسطرٌ مسطرة من الكلمات اللاهبة ..
تريد ان تراها مرة لتعرفها ..
شاهدته يخلع كل ملابسه ويرميها ويبقى بملابسه الداخلية لينام ..
جاورها على السرير صامتا .. ممسكا بهاتفه مقلبا صفحاته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي .. تلك المواقع التي من الحق ان تسمى التباعد الاسري .. وليس باسم تواصل ..
فهي احد اهم اسباب الهجر والاهمال للأسرة .. وكأن صداقاتهم الخارجية اهم من علاقاتهم الداخلية .

استغفرت ربها بداخلها .. وتقربت هي منه تحتضنه .. وتمرر يديها على ظهره وصدره .. ولكنه لم يبدي اي رده فعل او يتحرك وكأنه غير مكترث ..متشاغلا بهاتفه ..
شدت على فانيلته التي يرتديها تخبره انها هنا .. انها اهم ..
لكنه رد بإهماله المعهود
-انتظري قليلا انا اكلم احدهم ..
قبضة أليمة قبضت على قلبها وروحها ومزقتها .. مع انها تعرف كل ردوده ولا تستغربها ولكنها كلما تسمعها منه من جديد يصاب قلبه بغصة وجع كبيرة .. ذلك البرود الذي يلفه يصيبها بصقيع مؤلم ..
ارتخت قبضتها التي كانت تمسكه بها بقوة وحاولت الالتفاف ..فخيبتها منه تتسع مرة بعد مرة ..كفجوة كبيرة عميقة تبتلعها ..فلا تعرف كيف تطفو وتنجو من ما تسقط فيه ..
ليمسكها هو ..مبقيا اياها بنفس الوضع .. بدون ان يغير من وضعيته او يتحدث حتى ..
هكذا هو صامت بارد شحيح العاطفة والدفء ..
وهي ورغم تفهمها لطبيعته الا انها ترغب بشعلة بسيطة ..لتكون وقودها في الايام الباردة ..
.. فبدأت بابتسامه منها له . تحاول فيها ان تجذبه لدائرتها .. فعسى ان يبادلها شغفها شغفا ..
ولكن وبالرغم من ذلك ..الا انه لم يتحرك ..باقيا على وضعه مستمرا بالتقليب بهاتفه ..
والذي لم يتركه الا بعد فترة ..
وعندها فقط، بدأت عندهم ما يسمى بالعلاقة الزوجية
.والتي لا تمت لذلك الاسم باي صله ..
دقائق لا غير ..
واستدار غارقا بالنوم ..
تاركا خلفه زوجته جائعة .. و فارغة .. لم يملأها ذلك التقارب باي انوثة ولم يشعرها بأي حب ..
كل ما شعرت به انها خاوية ، خالية ....
تشتت رهيب سكن كل اجزاء جسدها ..
فاين المتعة التي تتغنى بها دوما بين ابطالها
. اين الحرارة والحفاوة بلقاءات الابطال العاطفية ..
..اين الراحة ..

أيحسب عليها ذلك زوجا ..وهو مقصر بأهم بنود الزوج .. ان يكون لها دفئا وحضنا ..

لا والف لا .. ما حصل للتو بينهما لا يدخل تحت مسمى العلاقات الحميمية ابدا ..

يا اللهي ..انه لم يقبلها حتى .. ولم يكن ينظر اليها لأنه كان مغلق العينين .. فبدى وكأنه يعد الثواني لينتهي ..
تنفست بعمق تطرد بها دمعاتها المتحجرة على طرف عيناها .. وبانهزام وكردة فعل ..

امسكت هاتفها ..
وبدون اي تردد كتبت .. (قصص .... )،فتلك القصص التي تعرفها تغنيها وتلهب مشاعرها وتكفيها كما تظن هي..
ففتحت امامها المواقع التي تحفظ ما فيها ..
بدأت تقرا ..قصة بعد قصة . ،، و عيونها معلقة بتلك الاسطر التي تنقل لها بأسلوب رخيص كل تفاصيل العلاقة مفصلة لها بالحروف والكلمات ما يجب ان يحدث بين الازواج .. .. ..مخدرة بها عقلها بنشوة لطالما حلمت ان تشعر بها معه .. .. شعور كاذب كسراب واهي بالسعادة يمسها ..عقب انتهاءها من القراءة. . تخبر فيه عقلها انها تنفع نفسها بها .. فتخرس فيه ضميرها الذي ينخزها قليلا بان ما تفعله خاطئ

تركت الهاتف من يدها ..
متنعمة بتلك الدقائق من الراحة المخادعة ..
حانت منها نظرة لريحان الذي لا يبعد عنها شبر من الاصابع ولكن ما ابعده عنها ..
من كان جوارها وهي تمارس خيانتها ولم تهتز بها شعرة ..وكأن وجوده او عدمه سواء ..

اعطت له ظهرها هي الاخرى . واغلقت الهاتف بعدما قامت بحذف سجل الدخول لتلك القصص ..
. وغطت بنوم عميق هادئ بعد ان افرغت طاقتها السلبية وانعشت ذاتها بذاتها ..

حالمة بما قرأته توها ..

*******
-تعالي يا جنتي ،
تقربت منه فردوس وهي تضحك ..
ففريد يحب ان يناديها جنة .. واحيانا يلقبها باسم النعيم ..
مخبرا اياها ان كلهن لهن نفس الدلالة ..
وانها له جنته ونعيمه وفردوسه الارضي..
مالت عليه تحتضن وجهه بين يديها بينما هو يتمسك بها فوقه مطبقا ذراعيه حولها .. لتهمس برقة ..
-فريد اخفض صوتك، عمتي ما زالت مستيقظة ..
انتظر سأغلق الباب بالمفتاح واعود
فيرد بصوته الخشن المثير لطبلة اذنها
-اتركيه لن يأتي احد هنا .. وامي نامت انا مررت عليها عندما رجعت ..
رفع يديه ممررا اياها على طول ظهرها ..
لتتحرك من بين يديه قافزة .. وهي تضحك ..
لاهثة من شدة انفعالها .. ذهبت للباب واغلقته بالمفتاح .. فهي اعلم بحركات عمتها وتجسسها البغيض احيانا على اوقاتها الخاصة مع زوجها .. تلك التصرفات التي تصدمها فيها كل مرة وهي تخبرها او تسألها .. هل نمتِ مع ولدي البارحة .. او سمعت صوتكم العالي وانتم ... وغيرها وغيرها من الامور المنفرة
وقبل ان تستدار احاط بها فريد من الخلف مجفلا اياها .. ساحبا لها ليعيدها للفراش ..
ببنما هي تضع يدها على فمها تكتم ضحكتها من ان تفلت ..فيعلو صوتها خارج حدود غرفتها ..
تدعو لله بسرها ان تكون عمتها فعلا نائمة .. فلا تربها تلك النظرات المزعجة صباحا او تلاحقها بكلماتها المستفسرة .

دغدغات كثيرة اجتاحتها منه تعيد لها عقلها له .. لترد له حركاته فيهرب بجسده من تأثير يديها ..
ليحتجزها تحته وهو يمرر يديه فوقها .. يناغشها بقبلاته العطوفة
لتتغير لمساته من مشاغبة
لرقيقة وهادئة .. ومن ثم لمغازلة شغوفه ..
لتنتهي حارة حارقة ..
لتندمج هي معه بحاله من حالات الحب الصافي ..

غفت على صدره وهو يضمها بين ذراعيه .. بعد فترة من التواصل اللذيذ الذي يتبادلانه ..ليقول وهو يشير لمكان في ساقها.
-فردوس هناك كدمه على فخذك الايمن لونها احمر ..
تنفست ببطء وردت
-ضربت ساقي بحافة الاريكة الخشبية فتأذيت ..

وهي هنا لم تكذب بذلك ففعلا ضُربت ساقها بحافة الاريكة ..ولكن اغفلت ذكر السبب .. فعمتها .. واه من عمتها .. دفعتها بقوة لتُضرب ساقها فتتأذى .. والسبب تافه كالعادة .. فهي ارادت ان تجلب شيئا من الرف العلوي فلم تقدر .. فسحبت الاريكة لتصعد عليها ..
وقبل ان تفعل ذلك ..
جاءت عمتها فضيلة كقضاء مستعجل وهي تشهق وترغي وتزبد وتتكلم بألفاظ نابية تدين فعلتها النكراء على حد قولها ..
فكيف تسحب الاريكة من مكانها لتصعد عليها ..
وبهذه الاثناء دفعتها عمتها مزيحة اياها من امامها حتى تجلب لها ما تريد .. لتضرب ساقها بالحافة المطرزة للأريكة الخشبية ..

ارتفع فريد من مكانه يتفحص بيديه ساقها خائفا ان تكون قد تأذت كثيرا وتألمت ..
ولما سمع تأوهها مال ناحية الكدمة ليقبلها ..
ونهض بسرعة جالبا لها من البراد الصغير الموجود بغرفتهم ..
قنينة ماء باردة ...
ليضعها على مكان الالم ..

شهقت فردوس من برودة القنينة .. لتجد فريد يرفع رأسها يسكت شهقاتها بقبلاته العاشقة ..
لتنسى الوجع وتنسى الالم وتنسى قنينة الماء الباردة ..
والاهم تنسى افعال عمتها ...
فلأجل حبيبها يهون كل شيء ..

*****

استيقظت لواو متأخرة في صباح اليوم التالي .. جسدها كله يؤلمها تشعر بحاله من الكسل والخمول ..
نهضت ببطء مزيحة عنها الغطاء ..تمطت قليلا تفك ذلك التيبس المصاحب لها ..
القت نظرة على تؤامها فوجدتهما نائمين ..
فتركتهما وخرجت .. لتجد كلا من هنا ومصطفى مستيقظين .. وبانهما قد حضرا لنفسيهما الفطور ..
بيض مسلوق مع نوعين من الجبن المعلب وشاي ..
جلست جوارهم تنظر للطعام ولهم ..
تهز راسها بشيء من الرضا المزعوم ..
-رائع لقد حضرتِ الطعام يا هنا .. يا فرحي بالبيض المسلوق والشاي البائت القديم ..

صمتت هنا اثر كلمات امها التي تشير لسخرية مبطنة لعملها ..مخففة من قيمة كل ما تفعله ..
راقب مصطفى كيف سكتت اخته خجلا ليجيب والدته ..
-بيض مسلوق وجبن معلب هكذا انا طلبت منها ..
وهي لم تقصر بذلك ..
ولذلك .. نهض من مكانه يقبل خد هنا مكملا
شكرا هناوي على الفطور
..
ارتسمت ابتسامة هنا بسعادة بسبب كلام مصطفى عنها .. ومساندته لها ..
ورجعت تنظر لامها راغبة بأن تجد عندها مشاعر الام التي تفخر بإنجازات ابنتها حتى وان كان سلقا للبيض ..
ولكن لم تجد سوى عدم الاهتمام ..
راقبت كيف اخرجت امها هاتفها وبدأت تستعمله .. لتكتب به او تقرأ ..
تنهدت بخيبة أمل ..فكم تكره هذا الهاتف اللعين .. الذي يسرق والدتها منها ..
نهضت من الفطور تصاحبها قله حيلتها امام افعال امها .. الغائبة دوما عن عالمهم .. الساكنة ربوع ذلك الهاتف .. الغير مدركة بأن الزمن يجري وبانهم كبروا وبداؤا يفهمون ما يحدث ..
وبأن اهمالها هذا سيؤذيها ويؤذيهم ..

سمعت صوت بكاء اخوتها الصغار ..حانت منها نظرة لوالدتها فوجدتها غير منتبهة اصلا ولا كأنها تسمع صوت البكاء ..
زفرت تعبها من حالة امها .. وذهبت هي لأخوتها لتهتم بهم ..
فعسى ان تستيقظ امهم من غفلتها الكبيرة ..
قبل فوات الاوان ..

**********
لقد سكت صوت البكاء المزعج .. اوف لا يهم الان ..كل ما يهم هو ان تكتب تلك المشاهد التي تصورها عقلها ..
فبعد مشاهدتها لمصطفى وهو يقبل خد هنا ..بسرعة كبيرة رفع عقلها الادرينالين وبدأ ببث صور ومشاهد كثيرة يتخيلها ..

فهيأ لها المكان والزمان وكل الشخصيات التي تتصورها.. وهم بأتم الاستعداد ولم يبقى سوى ان تقول اكشن حتى يباشروا بانتشارهم ..
ففتحت صفحة جديدة من صفحات روايتها لحظة قرار ..
وكتبت ..
الفصل السادس ..
********
لحظة قرار
الفصل السادس
نحن لا نختار مستقبلنا ابدا .. لكننا نعيشه
لؤلؤة السماء ..

-أخي انا خائفة .. قالتها سافانا وهي تمسك بعضد سفيان .. فبعد رؤيتها لمبنى المدرسة الجديدة اصابتها الرهبة ..

فاستدار سفيان لها يمسك يدها بقوة ويشدها بحزم ..
ليقول لها بنبرة صوت بدأت تخشن قليلا ..
-سفانا تخاف هذا لا يمكن ان يحدث فسفانا التي اعرفها لا تخاف ابدا .. انت قوية وذكية وسترين ان الكل هنا سيحبك ويحترمك ويقدرون موهبتك .. لا تنسي بأنك الاولى على محافظتنا القديمة وبأنك من المميزين جدا ..
كلمات سفيان اعطتها دفعة من الثقة ..
لتجده يسألها
-هل انت مستعدة الان؟
لتحرك لها رأسها علامة الايجاب ..
فابتسم لها مشجعا ..
وخطا خطوته الاولى اتجاه ذلك المكان ممسكا يدها بقوة لتلحق بخطوته وهي تناظر ذلك البناء الشاهق امامها ..

خوف فطري تملكها وهاجس كبير يجثم على صدرها يخبرها ان سوءا ما سيصيبها هنا ..
وبأن كل حياتهم ستتغير ولن يعودوا كما كانوا مطلقا ..

عادت بها ذكرياتها لذلك اليوم قبل عام ونصف عندما اخبرهما والدهما بقراره للانتقال ..
كيف رفضت هي وشقيقها الامر فحياتهما التي يعرفانها كلها هناك فلماذا الانتقال لمكان يجهلونه ..
اه كم توسلت والدها ان يصرف نظر عن امر انتقالهم ولكنه أبى الا ان يتم ما يريد ..
فاخذ يشرح لهم اهدافه قائلا ..
-بأن له صديقا يعمل معه في المدرسة الاهلية .. اخبره بان قريب له من ذوي المكانات العليا قد افتتح مشروعا ضخما ..
مدرسة ثانوية على الطراز الامريكي الحديث ...
اسماها ( الاكاديمية العليا للتعليم ) وبأن قريبه قد حاز على موافقة الدولة على انشائها ..
وبأن تلك الاكاديمية ستجمع اعظم المناهج العالمية .. في امريكا بالتحديد .واشهر الاساتذة في مختلف الاختصاصات لتكون بذلك نقلة نوعية في عالم التعليم ..
ولهذا وضعت شروط وضوابط كثيرة لقبول الطلاب ..
..
وهو عندما سمع بذلك .. رأى انهم احق من كل الطلاب بدخولها .. ولذلك .. سافر للعاصمة واخذ الاستمارات التي بها شروط الدخول للأكاديمية.. قرأها فعرف بأن
كل الشروط متوفرة بهم ..
ولكن يبقى فقط شرط واحد وهو ان يكونوا من سكنه العاصمة .

ولذلك قرر قراره بأنهم سينتقلون للعاصمة، ولكن اولا .. يجب عليهم ان ينهوا مرحلة الابتدائية وينجحوا بها متفوقين كما عهدهم ..
وبانه خلال تلك الفترة . سينقل اوراقه لاحد المدارس في العاصمة ليعمل بها ..
وبالفعل ذلك ما حدث .. فقد مرت الايام راكضة .. استطاع والدها فيها ان يجهز لهم شقة جيدة قريبة من مكان عمله الجديد ..
تبعد مسافة نصف ساعة بالسيارة عن مدرستها الجديدة ..
المدرسة التي ما واطئتها قط .. حتى المقابلة لم تحضرها بل جاءها شخص مبعوث منها ليتممها معها بصفتها الاولى على مدرستها ..

وكأنها كانت تؤجل المحتوم .
فها هي تقف امامها .. متوجسة الخيفة .
بناء كبير جدا .. ضخم .. تشعر بأنه سيبتلعها .. بوابة المبنى من الخشب المتين ، جدرانها من الطابوق الاحمر ..
شبابيكها واسعة كبيرة ..
تحيط بها الحدائق الخضراء ..
ولكن لا روح فيها ..ولا دفء يحتويها ..
عبرت عتبة بابها .. لتتسع عيناها اعجابا ..
فبدى وكأنها انتقلت من بلدها الى امريكا ..
ذلك الطراز الذي صمم به المكان ابهرها .. بهو كبير جدا توسطته
نافورة للمياه على شكل تمثال الحرية ..
خزانة زجاجية تحتوي على عدة كؤوس ذهبية وفضية مع ميداليات كثيرة .. وتحت كل منها كتب تاريخ واسم قسم ما ..
جائزة العلوم لعام ...
جائزة المركز الثاني لبطولة المسرح لعام ..
وغيرها وغيرها من الجوائز الكثيرة ..
فمتى حصل ذلك وهذه الاكاديمية لم تفتح ابوابها الا من عامين فقط ..
تابعت النظر وهي تسير مع اخوها الممسك بيدها ..
لترى ان البهو يتشعب الى ممرات كثيرة .. ولطوابق اخرى ..
اشار لها سفيان قائلا ..
-هذه هي خزانتك .. هنا ستضعين كتبك بدل ان تحمليها بحقيبتك وكل درس تأتين لتأخذي مستلزماته ..
ضعي حقيبتك وخذي فقط دفتر ملاحظاتك وقلمك .. الا ان تستقر الامور .. وتتعرفين جيدا على المكان .. احفظي رقم الخزانة ومكانها .. وهذا هو مفتاحها فلا تضيعه منك ..
انا خزانتي في القسم الاخر ..
نادها برفق
-سفانا انظري الي ..
رفعت لها نظراتها التائهة فهذا العالم غريب عليها .بكل تفاصيله الكثيرة ... فهي غير متعودة على المدارس المختلطة فمدرستها القديمة كانت للبنات فقط .. والاهم تلك القوانين التي يتلوها عليها سفيان ..
ليمسكها سفيان من كتفيها مثبتا عينيه بعينيها .. قائلا
-اعلم بانك لا تريدين هذه المدرسة .. ولكن انظري نحن بأهم مكان لتقديم العلم ، الاكاديمية التي لا يدخلها سوى المميزون ، ونحن مميزون ..
فتصرفي على اساس ذلك .. وانا قريب منك .. مع اني بصف اخر لانهم لم يقبلوا ان يجمعوا اخوة بنفس المكان .. الا انني جوارك .. فقط ارفعي صوتك باسمي وسأكون عندك .. اتفقنا ..

هزت رأسها له بنعم وهي تقاوم دموعها من ان تنزل ..

وتركها اخوها ذاهبا لمكانه . بمفردها ،شعور كبير بالاختناق صابها . لا تريد تلك التعقيدات ..تريد مدرستها وصحبتها القديمة .. لكن هذا البرود لا انه سيقتلها.
حملت دفترها وسارت بالممر الذي ذكره لها سفيان .. فتشت عن صفها الجديد الا ان وجدته ..
فدخلت ..
كان صفا كبيرا به ما يقارب العشرين كرسيا منفصلا موزعة بصفوف مرتبة .. جلسوا عليه بعض من الفتيات والاولاد ..
معظمهم يتحدثون مع بعض واخرون جالسون فقط ..
سارت بتمهل مختارة كرسيا جوار النافذة لتجلس عليه ..
وضعت دفترها وقلمها على المسند الموجود امامها ..
تتلو ما تعرفه من آيات القرآن عسى ان تخفف من توترها الكبير ..
ولم يمضي وقت كثير ..
الا ودخل عليهم رجل ما .. عرف عن نفسه بأنه استاذهم .. وشرح لهم عن المادة التي سيدرسونها ..
وكيفية دراستها ..
فاعجبها ما سمعت منه بصراحة فبالرغم من رفضها واستغرابها للمكان الا ان حبها للعلم طغى ..
فبدأت تعتاد قليلا على الجو ..
..
ودرس تلو اخر .. افهمها طبيعة الدراسة فيه .. فهنا يعتمدون على ان يشعر كل طالب بأهميته .. وبأن هدفه مهما كان سيصل له ..
لتسمع نداء ً عبر الاذاعة الداخلية للمدرسة باسمها يطالبونها فيه بالحضور لدى المدير ..
ففزعت من الامر .. فلم يطلبونها بأول يوم لغرفة المدير ..
وكادت ان تسقط ما تحمله آنذاك بيدها ..
ولكن المعلمة التي كانت معهم طمأنتها مخبرة اياها انه امر اعتيادي ان تذهب لمكتب المدير ..
وصلت المكان وهي مرتبكه جدا .. ليقابلها وجه المساعدة وهي تضحك ببشاشة .. تستقبلها بود .. وتجلسها على الاريكة جوار صبيين اخريين ..
وبعد لحظات ادخلتهم المساعدة لمكتب المدير الذي صافحهم بحفاوة .. ليخبرهم بأنهم المتفوقين والاوائل ..
وبأنه سيكون منهم فريقا ينافس به باقي المدارس في مسابقات العلوم والرياضيات والذكاء ..
الامر الذي سيفتح لهم ابواب كثيرة .. وبأنهم سينالون منح خاصة للدراسة في امريكا .. لينهون دراستهم الجامعية فيها ..
اغراهم الكلام فعلا .. فوافقوا ثلاثتهم ..
وعندما رجعت لصفها كان الفرح والنشاط يملأها ..
...
وعلى طاولة العشاء في شقتهم المتواضعة ..جلست سفانا وسفيان وحافظ يتناولون طعامهم .. وسفانا وسفيان يتسابقون فيما بينهم من يخبر والده اولا بما حصل معه ..

لتصرخ سفانا قائلة
-ابي ابي لن تصدق ماذا قال لي المدير .. لقد اخبرني اني اعلى طالباته معدلا ..وبأنه فخور بانضمامي للأكاديمية .. وقال لي اني لو اشتركت بالفريق العلمي سيعطيني منحة خاصة للدراسة الجامعية في امريكا .
قاطعها سفيان بسرعة.
-وانا وانا ايضا استدعاني لمكتبة يخبرني انه اختارني للانضمام لفريق كره السلة .. وبأن لهذا الامر امتيازات كثيرة منها الدراسة الجامعية بأهم الكليات الرياضية ان رغبت بذلك ..
عادت سفانا تقاطعه ..
تدير رأس والدها اليها مكملة حديثها .. فيشاكسها سفيان بأن يقطع كلامها ليستحوذ على والده منها ..

فجلس حافظ بينهما ضاحكا مستمتعا بانفتاح اولاده ورضاهم ..فالحمد لله كان قراره بالانتقال صائبا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي