الفصل 3

قال نديم لجده بهدوء:
-على فكرة مش عيب إنك تظهر ضعفك لعيلتك، أنا فاهمك وعارف أنت حاسس بإيه، بس عمو بقى كويس وإن شاء الله يزيد هيقوم منها هو كمان.
ربت سليمان علي كتف نديم قائلًا له وهو مازال يتصنع القوة والجبروت:
-روح شوف مراتك يا ابني واقفة على رجليها من الصبح وهي عروسة خليك جنبها.
تيقن نديم من عدم إرادة جده بإظهار ضعفه حتى أمامه، فنهض مقبلًا يده قائلًا:
-حاضر هروح أشوفها وأنت خلي بالك من نفسك.


لمح نديم طيفها وهي تقف بفستان زفافها والوجوم يعلو وجهها، تنظر بأعين دامعة إلى غرفة العمليات وكأنها تنتظر شخصًا تعرفه منذ سنوات فقال لها نديم باستغراب:
-هو أنتِ تعرفي يزيد قبل كده؟!
فنظرت له باستغراب، ثم أردفت:
-لأ بس ليه السؤال ده؟
-مش عارف بس قاعدة تعيطي على واحد ما تعرفيهوش أصلًا وواقفة مستنياه عند أوضة العمليات فاستغربت.
قالت له وهي تصارع نزول دمعاتها؛ فهي لا تظهر ضعفها أمام أي شخص وبالأخص هو:
-عشان أنا شوفت نظرة الحزن اللي في عين كل واحد فيكوا وحسيت قد إيه أنتو بتحبوه وأن هو شخص مهم عندكم فمش عايزة أكون أنا السبب أن أنتو تخسروه ومش هستحمل أن حاجة زي دي تحصل بسببي.
نظر لها نديم بإعجاب؛ فكم هي نقية المشاعر رقيقة القلب وكأن قلبها مازال يحتفظ بطهارته منذ ولادتها:
-أنتِ مش السبب في حاجة يا روجين وهو إن شاء الله هيقوم ويبقى كويس، أنا هشوف زياد وأرجعلك لو احتاجتِ حاجة قولي لي.
أومأت برأسها بالإيجاب وأردف هو قبل ذهابه:
-وما تعيطيش هو هيبقى كويس.

ذهب نديم منسحبًا بهدوء من جانبها وكأنه يترك لها مجال لتبكي وتظهر ضعفها، فتوجه صوب زياد وجلس بجانبه قائلًا له:
-على فكرة يزيد قوي وإن شاء الله ربنا هيقومه منها بالسلامة.
بكي زياد بين أحضانه بانهيار وكأنه أعاد فتح جراحه مرة أخرى، قائلًا له من بين شهقاته:
-أنا خايف أوي يحصله زي نورهان يا نديم، أنا من ساعة ما إياد سافر وهو بقى أقرب حد ليا، مش عايز أخسر أخويا يا نديم.
قال نديم وهو يمسد بيده على ظهره في محاولة لتهدئته:
-يزيد هيبقى كويس إن شاء الله خلي إيمانك بربنا كبير يا زياد، مش هتخسر أخونا


خرج الطبيب من غرفة العمليات ويبدو على وجهه علامات الإنهاك، تبعته أسيل؛ التي أصرت على حضورها للعملية.
نهض الجميع من مقاعدهم سريعًا حينما رأوا خروج الطبيب ينتظرون حديثه، فبدأ هو حديثه بنبرة عملية هادئة:
-الحمد لله قدرنا نطلع الرصاصة من جسمه، هو بس محتاج دم؛ لأن هو نزف كتير وهيفضل تحت المراقبة لمدة 48 ساعة لأن الخطر ما راحش، ياريت لو تعرفوا حد فصيلة دمه AB negative ييجي يتبرع بسرعة.
أردفت صبا مسرعة فور انتهاء الطبيب من حديثه:
-أنا نفس فصيلة الدم وممكن أتبرعله.
نظر لها وِقَّاص بنظرات امتنان، ثم ذهبت هي مع الممرضة بهدوء، وبعدما انتهت من تبرعها بالدماء احتضنها وِقَّاص بضعف لا يظهره أمام أي شخص سواها، ولأول مرة يبكي وِقَّاص المنزلاوي أمام أحد، هتف قائلًا من وسط بكاءه:
-بجد شكرا أوي يا صبا أنا مش عارف من غيرك كان ممكن يحصل إيه، لو يزيد حصله حاجة يا عالم عمي كان ممكن يحصل فيه إيه أنتِ مش عارفة أنتِ عملتي حاجة كبيرة إزاي.
قالت هي بدورها بحنو وهي تزيل دمعاته بأناملها الرقيقة:
-أنا مش عيزاك تشكرني أنا ما عملتش حاجة أنا بس عايزاك توعدني انك هتفضل جنبي طول العمر ومهما حصل اوعى تسبني.
-مش هسيبك أبدا أوعدك... تعالي أوصلك أنتِ ونور الوقت اتأخر أوى.
-تمام بس لو حصل أي حاجة اتصل بيا وابقى طمني.
أوصل وِقَّاص نور وصبا إلى المنزل.
عاد إلى المشفى مرة أخرى وهو يقود سيارته بسرعة عالية وكأنه يدهس الدقائق والثواني تحت إطارات سيارته.


وقف نديم منهكًا من كثرة محاولاته لإقناع جده بالذهاب إلى المنزل لأخذ قسط من الراحة مع عمه حسين، بينما ذهبت روجين إلى يوسف وجلست بجواره تنظر له بأسى قائلة باعتذار:
-أنا آسفة.. أنا عارفة انها كلمة ما لهاش لازمة بس لو في إيدي حاجة أعملها قولي عليها و...
نظر لها يوسف باستنكار مقاطعا حديثها بحدة:
-آسفة! آسفة على إيه! هو أنتِ وقعتِ عليا عصير ولا خبتطيني؟ أنتِ كان ممكن تبقي السبب في موت أخويا، وأبويا كان هيموت بحسرته على ابنه.
امتلأت عيناها بالدموع؛ فهي ليس لها ذنب في كل ما يحدث، ثم حاولت استجماع قواها قائلة:
-بس أنا والله ما كنتش أعرف أن في حاجة ممكن تحصل و...
قاطع هو حديثها بحدة مرة أخرى قائلًا:
-لو سمحتِ ممكن تمشي من هنا، اطلعي من حياتنا إحنا مش حمل خسارة حد تاني.
فنهضت روجين وهي تبكي.. تبكي حزنًا على اتهامه لها، وتبكي ألمًا على شعورها بالذنب الذي سيخنقها.. تبكي حسرة بسبب خوفها من أن تتفكك هذه العائلة بسببها، تبكي خوفا من فكرة أنها وضعت ثغرة مؤلمة بداخل قلب أحدهم.


وأخيرًا استطاع نديم إقناع الجميع بالرحيل ولم يبقى بالمشفى غير يوسف ووِقَّاص وروجين.
قال لهم نديم قاطعًا أفكار كل منهم:
-طب يا جماعة أنا هاخد روجين أوصلها البيت وورايا مشوار كده هعمله وأرجع تاني .
تبادل يوسف ووِقَّاص نظرات التعجب؛ فأي مشوار هذا الذي سيذهب إليه بعد منتصف الليل وبمثل هذا اليوم؟ لم يستطع يوسف كبت فضوله أكثر من ذلك فهتف متسائلًا:
-مشوار إيه؟
أجابه نديم بنبرة غامضة لم يستطع أحد فك شفراتها:
-اوعى تكون فاكر إن أنا هسيب حق يزيد يروح في الأرض يا يوسف، ده أخويا.
ذهب صوب روجين ممسكًا يدها وخرجا من المشفى دون انتظار سماع حديث أي منهم.
قالت له روجين متسائلة بفضول:
-نديم أنت هتعمل إيه؟
أجابها هو بجمود:
-ما لكيش دعوة أنا هروحك دلوقتي هتلاقي ناردين مستنياكِ في البيت هتوريكِ الأوضة.
أردفت بنبرة خائفة استطاع هو أن يستشفها من صوتها:
-اوعى تكون هتموته.
لم يجبها متعمدًا ولم يظهر أي شيء على ملامح وجهه الجامدة الباردة يدل ما يريد فعله، ثم أوصلها إلى المنزل وقبل أن تنزل من السيارة أمسك يدها وهو يجذبها نحوه قائلا:
-روجين ما تزعليش من الكلام اللي يوسف قاله هو بس كان متعصب وأعصابه بايظة عشان اللي حصل.
قالت له بنفس الهدوء والجمود بصوته:
-لا أبدًا أنا ما زعلتش وبعدين مفيش حاجة تضايق وما تخافش أنا فاكرة كويس أوى إحنا اتجوزنا ليه يعني ما ليش حق اضايق أصلًا ولغاية ما لعبة الجواز دي تخلص أنا مش هعمل أي حاجة تضر العيلة دي يا.. يا نديم المنزلاوي.
هتفت بآخر كلمة من حديثها بتهكم، ثم ترجلت من السيارة سريعًا دون انتظار لسماع حديثه، وكأنها لا تعبأ لما يقول وأخذ هو يتابع ذهابها بأعين متعجبة من كل هذه القوة التي تكنها بداخلها ومن هذه الحصون التي تقيمها من حولها وكأنها تخاف من تقربه إليها.
ولم يكن يعلم كل منهم أن الآخر سيصبح ملاذه الآمن الذي يختبئ بداخله من الدنيا بمن فيها.

قبل خمسة أشهر:
يجلس نديم مع عمه فاروق في غرفة المكتب، غرفة كبيرة بها شباك يشغل مساحة نصف الجدار يطل على الحديقة، أثاثها كلاسيكي يشبه أثاث القصور التاريخية القديمة، يمتاز باللون البني المطعم ببعض الألوان الذهبية التي زادت من فخامته ورونقه، يوجد بها بعض التحف الأثرية النحاسية الموضوعة فوق المكتب وبداخل المكتبة، على الحائط يوجد صورة سليمان المنزلاوي وزوجته فاطمة المنزلاوي في إطار كبير يشغل نصف مساحة الجدار تقريبًا.
نظر فاروق لنديم بحزن، والتوتر بادٍ عليه، يكاد يكون يتسبب عرقًا، قائلًا له:
-بص أنا عارف أن اللي أنا هقوله ده صعب بس اسمع الحكاية بتاعتي للآخر.
-اتفضل يا عمي.
-أنا هحكي لك قصة الحادثة بتاعة أبوك وأمك كلها، أنا عارف إن أنا حكتها لك قبل كده، بس كان في حاجات مخبيها عليك وجه الوقت تعرفها دلوقتي.
صوب نديم نظراته نحوه وبدأت حواسه تتأهب لما سيستمع له.
بدأ الآخر حديثه بهدوء قائلًا:
-طبعًا أنت عارف أن الحادثة اللي هما اتوفوا فيها دي حادثة مدبرة.
المهم كنت أنا وأبوك وأحمد الهاشمي بنشتغل مع بعض من زمان أوي، كنا عاملين مشروع لينا بعيد عن شغل العيلة، كنا عايزين نعتمد على نفسنا وما يتقالش اشتغلوا بالواسطة عشان ولاد سليمان المنزلاوي.
أكمل فاروق ولمحة أسى تظهر بصوته:
-أحمد ده بقى كان عايز يكبر الشغل بسرعة ومش فارق معاه الطريقة أيًا كانت هي إيه، وفى يوم اتعرض عليه أن احنا نشتغل في صفقات مشبوهة وغسيل أموال، وهو وافق بس لما جه عرض علينا أنا وأبوك عارضنا ووقفنا له، بس أبوك خد منه موقف جامد وفسخ الشراكة معاه، فهو قرر ينتقم منه عشان لما الشراكة اتفسخت الشركة وقعت واتقفلت، وهو بقى مضطر يبدأ من الصفر تاني.
صمت بضع لحظات وهو يشعر بغصة في حلقه، فحثه نديم على الحديث، وعلامات الجمود تعتلي محياه قائلًا:
-كمل حصل إيه بعد كده؟
أكمل فاروق بحزن من تذكره هذه الليلة المشؤمة قائلا:
-لعب في فرامل العربية وحصلت الحادثة واتوفى أبوك وأمك.. من وقتها وأنا بحاول أمسك عليه أي حاجة، بس مش عارف؛ لأنه كان واخد احتياطه كويس ومش سايب وراه أي أثر، بس أنت دلوقتي بقيت شغال في المخابرات وفي مهمات سرية وأكيد تقدر توقعه وتحاسبه على اللي هو عمله زمان.
نظر له نديم نظرة لم يعرف لها تفسير، وقال له بصوت هادئ:
-وأنت بقى قررت تقول لي النهاردة بالذات فجأة من غير مبررات، وكنت مخبي عليا كل السنين دي وأنا بقالي عشر سنين شغال في المخابرات، أقدر أعرف السبب؟
-قررت أقول لك لما حسيتك جاهز لده، وبعدين أنا عرفت ان الراجل ده عنده بنت تقدر تقرب منها وتعرف كل حاجة عن أبوها.
قال له نديم بنبرة غضب ظهرت جليًا بصوته:
-أنت عارف أن أنا مش بالحقارة دي ومستحيل أستغل بنته عشان هو غلط غلطة زي دي.
ياريت تعرفني لو في حاجة تاني مخبيها عليا يا.. عمي.
قال آخر كلمة باستنكار، فنظر له عمه بأسى قائلًا له:
-لأ مفيش بس أقدر أعرف هتتصرف إزاي.
قال له بغموض وهو ينهض من على الكرسي:
-نديم المنزلاوي ما تعلمش يثق في حد؛ عشان كده أنت مش هتعرف أنا هعمل إيه غير وقت ما أنا أحب.. مش ده اللي حضرتك علمتهولي من صغري يا عمي.
أنهى جملته وهو يرميه بنظرات لم يفهمها الآخر، وخرج من المكتب متوجهًا صوب غرفة الطعام، فوجد الجميع يتناولون طعام الإفطار باستثناء وِقَّاص.. وكريم بالطبع فهو أغلب الوقت لا يتواجد بالمنزل، قبل ناردين من وجنتها قائلًا:
-صباح الخير يا جماعة.
-صباح النور.
أردف نديم متسائلًا:
-وِقَّاص فين يعني مش شايفه؟
أجابه زياد مازحًا كعادته:
-راح يقابل الجو بتاعه.
نظر له يزيد نظرة محذرة وهو يردف بتوضيح:
-راح يفطر مع صبا برا وهيقابلنا في الشركة.
قال نديم بهدوئه المعتاد:
-تمام خلاص يلا افطروا بسرعة عشان نطلع على الشركة عشان ورايا شغل تاني النهاردة.
سرعان ما هتفت ناردين بنزق:
-أكيد رايح تعمل بطولة جديدة بقى وتقبض علي راجل شرير صح؟
ضحك الجميع علي طريقتها الطفولية وأردف هو في نبرة غامضة:
-لأ مش صح يا لمضة أنا رايح أمهد الطريق للقبض عليه.. أقولك خليكِ في حالك.
استطرد وهو ينهض قائلًا:
-أنا رايح الشركة أقل من 10 دقايق تكونوا خلصتوا وحصلتوني وما حدش يتصل بوِقَّاص، هو لما يخلص هيجي لوحده، اه وما علش يا يوسف وصل ناردين الجامعة وأنت رايح المستشفي، وأنت يا زياد روح الجامعة يلا هتتأخر على المحاضرة الأولى.
فور أن انتهى من إملاء أوامره عليهم ذهب بخطى هادئة متزنة.
قال زياد متذمرًا:
-هي تفرقة عنصرية.. والله تفرقة يقومنا من على الفطار واحنا بطننا بتصوصو عشان اللي يروح الجامعة واللي يروح الشركة، وسايب الاستاذ وِقَّاص مع حبيبة القلب يفطروا برا.
استطرد وهو يغمز ليوسف:
-وبيطري الجو على ابن عمه اللي بيحبه.
أردف يوسف بدوره:
-يا ابني اتلم بقى دي خطيبته ده أنت حشري أوى.
قالت له ناردين بنظرات فهمها يوسف جيدًا:
-لأ أنا موافقاك يا زياد ما تزعلش نفسك ماعلش بقى ما هي ناس ليها حب وناس ليها دكاترة تسد النفس، يلا بقى لازم نستحمل يا ابني.
هتف يوسف بسخرية:
-إيه يا بنتي ده جدتي بتتكلم، يلا قومي عشان هنتأخر ورايا عملية، قال دكاترة تسد النفس قال.
هتف زياد مسرعًا:
-والنبي توصلوني معاكوا ده أنا ابن عمك الغلبان الكحيان اللي حتى عربيته اتاخدت منه.
قال له يوسف بشماتة:
-ما أنت تستاهل عشان تبقى تترفد حلو من الجامعة ومش هنوصلك يلا امشي بقى.
جذب ناردين برفق فور أن أنهى حديثه وخرجا سريعًا، وبعد وقت قليل من قيادته للسيارة.
قالت له ناردين متسائلة:
-يوسف بقولك إيه صحيح هو أنت هتعمل إيه في العملية دي يعني؟
نظر لها متعجبًا فهي عادة لا تسأل عن العمليات ولا عن تفاصيل عمله ولكنه تجاهل تعجبه قائلًا:
-هعمل عملية نقل كبد بس بتسألي ليه يعني؟!
أردفت برهبة ظهرت جليًا بصوتها:
-يعني أنت هتفتح بطنه وتطلع منها الكبدة بتاعته وترجع تقفلها تاني وتفتح بطن الراجل التاني وتحطها جواه وتقفله.
فضحك هو على حديثها قائلًا من بين ضحكاته:
-حاجة زي كده مش بالظبط يعني.
-لأ طب بص بقى أنت كدة تنزلني هنا وحلو أوي كده يا ابن عمي أنت من طريق وأنا من طريق، ما أنا مش هقعد مع سفاح بيقطع بطن البني آدمين.
فضحك يوسف بشدة على سذاجتها، ثم أردف قائلًا:
-يا بنتي بقطع إيه وسفاح إيه بس، أنا بنقذ حياتهم وبعدين إحنا وصلنا الجامعة أصلا.
نزلت مسرعة من السيارة قائلة له:
-طب سلام بقي.. لأ ويقولي بنقذهم ده بيقطع بطنهم.
أخذت تتمتم ببضع كلمات لم تصل إلى أسماعه، بينما أخذ هو ينظر إلى طيفها وهي تذهب والبسمة تعلو وجهه، فكم يحب نقاءها وسذاجتها التي تنسيه العالم بأجمعه، وتلك البسمة التي تعلو محياها طوال الوقت.
في منزل أحمد الهاشمي الذي يتسم بمساحته الشاسعة، ومع ذلك يتسم بالبساطة من الداخل، فهو يتميز بألوانه الهادئة وأثاثه البسيط الذي يعطي انطباع بالراحة النفسية والهدوء.
استيقظت روجين من نومها وبدأت ترتدي ملابسها لتذهب إلى عملها، فارتدت بذلة رسمية نسائية باللون الأبيض، وقميصًا بلون السماء، وارتدت الحذاء بنفس لون القميص، وقررت تصفيف شعرها البني على هيئة ذيل حصان وأنزلت منه بعض الخصلات البنية على وجهها، ثم أخذت الحاسوب المحمول الخاص بها ونزلت إلى الأسفل، فوجدت والدها يجلس على الطاولة يتناول وجبة الإفطار بهدوء.
ذهبت إليه والبسمة تعلو ثغرها، ثم قبلته من وجنته قائلة:
-صباح الخير يا أحلى أب في الدنيا.
فابتسم لها والدها قائلًا:
صباح النور يا حبيبة قلبي.
-أنا رايحة الشغل بقي عشان متأخرش على الاجتماع.
-روحي يا حبيبتي وربنا يوفقك بس خلي بالك من نفسك.



في مطعم يتميز بالرقي والهدوء يجلس وِقَّاص مع صبا وهو يحاول إقناعها بإتمام الزواج قائلًا لها:
-ما توافقي بقى يا بنتي أنتِ خايفة من إيه طيب، هو انا بعض؟
أردفت هي بتردد وحيرة:
-مش عارفة يا وِقَّاص خايفة ناخد القرار بسرعة ونندم بعدين.
هتف هو بمشاعر عشق صادقة أفصح عنها كثيرًا بلا كلل أو ملل:
-أنا عمري ما هندم في أي يوم على قرار خدته بخصوص علاقتنا، بالعكس أنا هندم على كل لحظة بنضيعها دلوقتي.
قالت هي بعد تفكير دام لحظات:
-طب إيه رأيك نخليها كتب كتاب بس؟
-ماشي يا ستي مع إني مش شايف سبب للتأجيل ده بس حاضر.. بقولك صحيح هو أنا قولت لك قبل كده أن عينيكِ حلوة.
أردفت هي بمزاح في محاولة منها لإخفاء خجلها:
- وِقَّاص أنت بتقول لي كده كل يوم تقريبًا.
فقال لها بحنق:
-يمكن تحسي بيا وتخلينا نتجوز بقى يا ظالمة.
ضحكت هي تلك الضحكة التي تأسر قلبه وعقله في كل مرة يراها، قائلة له:
-ما إحنا خلاص هنكتب الكتاب أهو، هتفق مع بابا بس وتعالى أقعد معاه وهو إن شاء الله هيوافق.
-لأ ما هو كده كده هيوافق عشان لو موافقش أنا ممكن أخطفك ونهرب ونعملها دخلة وكتب كتاب بقى.
ضحكت هي بشدة على حديثه قائلة له بمزاح:
-هوأنا قولت لك قبل كده انك مجنون.
قال لها وهو يشرد داخل خضراوتيها:
-بِحُبك.


كانت روجين تجلس بمكتبها شاردة الفكر تتذكر ما حدث منذ أكثر من سنة وستة أشهر، عندما تركها آدم وذهب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي