قدر

Omnia`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-08-25ضع على الرف
  • 67.2K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول ذكريات

قدر Omnia 3039كلمة
كانت تجلس على احد الطاولات الجانبية بعيدا عن الاعين كما اعتادت ان تفعل مؤخرا ، منذ وصلت الى ذلك البلد منذ ما يقرب من الخمسة اشهر ، تاتى كل صباح الى ذلك المقهى القريب من الشقة السكنية التى استأجرت لكى تقطن بها ، طلبت فنجان من القهوة دون سكر ، منذ وصلت الى تلك المحافظة الساحلية و القهوة المرة هى الصديق الوحيد لها ، لم تشعر بمرارة القهوة يوما فا مرارة ايامها فى البعد كانت اشد و اقوى ، تنظر الى هاتفه بين كل حين واخر كانها فى انتظار مكالمة هامة ، ولكن فى الحقيقة هى لا تنتظر اتصال من احد لم تعد تملك احد فى حياتها كما كانت دوما قبل دخوله اليها .

الى جانب ان هاتفه لا يحمل اى شريحة اتصال من الاساس ، بل هى تنظر الى صورة يظهر بها شخص ما يحمل بين يديه طفلين فى نفس العمر ، يحملون الكثير من ملامحه ، و يبدو عليه السعادة كانت ابتسامته مثل الشمس تضيء .

اغلقت عينيها تسترجع ذكريات ذلك اليوم الذى التقط فيه الصورة و كيف تم التقط له و المناسبة التى كانت بها .


قبل ثلاثة اعوام و تحديد فى يوم مولد طفليه التوأم ملك و مالك فى عيد ميلادهم الاول ، وقبل حضور المدعوين لحفل الميلاد ، اصرت عليه ان تلتقط له صورة مع الطفلين بالهاتف الخاص بها قبل قدوم الحضور او حتى المصور الذى احضره لكى يوثق احداث اليوم .

- عشان خاطري يا عاصم اقف عايزة صورك مع الولاد بالموبايل .
- يا حبيبتى كلها ربع ساعة و يجى الفوتوغرافر و و صورنا سوا كلنا حتى تكون معانا فى الصورة

- لاء انا عايزة انتا و الولاد بس و كمان صورة طبيعية كده

- حاضر يا عاصي انا تحت امر الجميل اللى جنن بفستان الاحمر .

حمل عاصم طفليه ملك و مالك كل واحد منهم على ذراع ، ليكون مالك على ذراعه اليمين ، و ملك على ذراع الايسر بالقرب من قلبه ، فهى نسخة عن حبيبته و زوجته عاصي تلك التى اذابة صقيع قلبه و تمرد عليه ، بعد طول انعزال ليعلن فى النهاية انه سقط فى هواها .

صبغ وجه عاصي باللون الاحمر كعادته من غزل زوجها له ، على الرغم من ان زواجهم قارب على العامين و النصف إلا انها مازالت تخجل من كلماته ، و تذوب من مجرد لمسة يديه ، تلك التى يراها الجميع قوية تذوب مثل قطعة الثلج .

اما عنه بمجرد رؤيته الى تحول وجه للون الاحمر ، اشرقت ابتسامته ، استغلت هى الفرصة و التقط له تلك الصورة ، ليتها لم تكتفى بصورة واحدة ليتها استطاعت الاحتفاظ به هو ايضا .

تناولت فنجان القهوة يليه الاخر و هى سارح فى عالم بعيد ، لا يوجد به سوى عاصم و طفليها ليتها استطاعت الهرب بهم جميعا ، لكن يبدو ان القدر فى حياته له رأى اخر يتلاعب بها .

ولدت يتيمة الابوين و عانت مرارة اليتم تربت فى بيت جدها و جدتها من ناحية الام ، حتى وصلت الى عامه السابع وقتها توفي الجد و لحقت به الجدة بعد عام ، لتنتقل للعيش فى منزل عمها الاكبر الذى اصر ان تربي ابنة اخيه فى وسط ابنائه لكن كان لزوجته رأى مخالف لها .
عاشت هناك اسوء عام فى عمرها ، لكن تعلمت كيف يكون الصبر على البلاء ، حتى ذلك اليوم حينما حاولت زوجة عمها ، الاعتداء عليها بالضرب وقفت شامخة امامها ، لازال هذا اليوم محفور داخل وجدناها

كانت فى العاشرة من عمرها عادت للتو من المدرسة لتدخل الغرفة التى تتشارك مع ابناء عمها ( رانيا و سمر ) .

رانيا تكبرها بخمس سنوات فى الخامسة عشر من عمرها تشبه والدته تكن لها الكره ولا تعرف السبب لتلك العداوة منها كما هو الحال مع والدته التى دائما ما تذكره انها ابنة حياة تلك المرأة التى لم تكره احد طوال حياتها مثلها ، فهى لم تتعرف عليها الا عندما انتقلت للعيش معاهم ، اما سمر فهي تصغره بعامين فى الثامنة من عمرها طيبة القلب تشبه والدها كثيرا تحبها و تهون عليها ما تلاقى على يد والدته من قسوة و غلظة .

بدلت ملابسه و ارتدت بيجامة وردية اللون مطبوع عليها صور كارتونية ، كانت تلك المنامة هدية من خالتها ( حنان ) تلك المراة التى تحمل من اسمها الكثير ، فهى حنونة طيبة القلب تحبها كثيرا و دائما ما تخبرها ان والديها لو كانوا على قيد الحياة كانا فخورين بها كثيرا ، نتيجة تفوقه فى دراستها و ما تتمتع به من قبول و محبة من الاخرين ، كانت اخر زيارة جمعتها معه منذ اقل من شهر عندما حصلت على اجازة سريعة هى و زوجها العم عادل تعتبره بمثابة اب لها يشبه زوجته كثيرا حضرا خصيصا لزيارتها لكى يهنئ بمناسبة عيد مولدها العاشر ،


ليتها تستطيع العيش معاهم فهم احن الاشخاص عليها بعد وفاة جدها و جدتها ، لكن مع الاسف طبيعة عمل العم عادل وهو ملحق دبلوماسي تتطلب منهم السفر و الانتقال من بلد الى اخر وهى حياة تخشي خالته ان تكون مرهقة لها نتيجة صغر سنها الى جانب ان دراستها سوف تتاثر بذلك .

هى مكتفية بتلك المحادثات بينهم من حين الى اخر و ما ترسله لها من هدايا من كل بلد تزورها ، وما تدس فى يديها من مال بعيدا عن اعين زوجة عمها التى لا تترك لحنان المجال للجلوس معاها بمفردها .


خرجت من الغرفة اتجهت الى المطبخ تعد لنفسها شطيرة من الجبن فهى تضور جوعا خصوصا مع حرص زوجة عمها ( نجاة ) على وضع شطيرة واحدة لها لتكون تلك هى وجبته فى المدرسة ، على الرغم من انها تضع الكثير من شطائر لابنائها .

اعدت شطيرة و وقفت داخل المطبخ ، كادت ان تقضم منها لقمة لتجد من يسحبها منها و تصرخ فى وجه

تفاجأ عاصي فى البداية من الموقف و عادت خطوة للخلف ، لتجد رانيا تصرخ فى وجهه و تتهمه انها قامت بكسر الكوب الخاص بها عمدا .

تهمة باطلة جديدة لفقت لها على يد ابنة عمها كما الحال دائما لتنضم باقي التهم الاخرى التى اتهمت بها على مدار هذا العام ، تركتها تقف وخرجت من المطبخ باتجاه الغرفة ، لكى تنهى فروض الدراسية لكن يد غليظة امتدت تمنعها ، رفعت راسها وجدت نجاة تقف امامها و شرار يتطاير من عينيها .

_ انتى فاكرة نفسك قاعدة فى بيت ابوك و لا امك انتى هنا عالة علينا يعنى تقعد بأدب والا ترمى بره
البيت ده زى الكلبة للشارع .


لم يكن الامر يستدعى كل هذا الصراخ او تلك الكلمات اللاذعة ، لكن على ما يبدو انها حصلت على الفرصة اخيرا للتخلص منها .

عادت نجاة تكمل حديثها الذى تغيرت بعده نظرة عاصي للحياة عموما ، و كانت بداية ظهور شخصيته المحاربة القوية ، بعد ان تخلت عن الصمت الذى لازمه طوال السنين الماضية .

_ مش كفاية بقالى سنة بحاول فيها انسي انك بنتها ، نسخة منها موجودة قدامي كل يوم اشوفها لأكثر واحدة تمنيت لها الموت ، بعد ما سرقت منى حبيب عمرى و اتجوزت ، و اجبرت انا اتجوز اخوه اللى عمرى ما حسيت ناحية بأى مشاعر غير النفور ، راجل ضعيف ساذج ، وهى عاشت مع راجل الناس كلها بتحبه و تحترمه .

لم يعجبها صمت عاصي ، يبدو انها نست انها مازالت طفلة صغيرة ، يصعب عليها فهم بعض تلك الكلمات .

و كأن الصمت بالنسبة لها اهانة ، و كيف لا وهى ترى نفس نظرة حياة والدة عاصي عدوة اللدود ، تطل من عين عاصي ، لتحول الى وحش كاسر تطلق حمم من الجحيم من فمها .

اقتربت نجاة من عاصي سحبتها من يدها بقوة باتجاه احد الغرف بعد ان غرست اظافرها فى ذراعه بقصد اشعار بالالم ، دخلت الغرفة و حكمت اغلاق الباب خلفها ، دفعت عاصي حتى سقطت ارضا ، و فتحت احد الإدراج و اخرجت منها مقص و شفرة حلاقة حادة و شهرته فى وجه الاخيرة ، من اجل اثارة الرعب فى نفسها ، ورغبة فى الانتقام منها بقص شعرها

تلك الجدائل الناعمة شديدة السواد الشبيه بخاصة والدتها الراحلة كانت دائما مصدر غيرة نجاة ، لذا حان الان وقت الانتقام من حياة حتى ولو فى صورة ابنتها ، حافظت عاصي على هدوء ، كانت اقوى من ان تهتز و ترضي غرور تلك المرأة و خاصة بعد الكلمات التى خرجت من فمها فهمت من خلاله ان تلك المرأة كانت تكره والدته الراحلة بل ت تحقد عليها

لذا قررت التصدى لها بل و ردع عنها حتى ولو كان التمن ان تخرج من ذلك المنزل ، حتى ولو الى الشارع لكن لن تسمح لها بمزيد من الاهانات خاصة فى حق غالية الراحلة ، نهضت عاصي بسرعة و دارت عينيها فى الغرفة تبحث عن شئ تحمى نفسه به ، حتى وقعت عينيها على عصا غليظة يحتفظ بها عمها على سبيل الذكرى فهى كانت عصا والده الراحل

رفعت العصا عاليا تحمى بها نفسها خصوصا مع اقتراب الاخرى منها ، و قد اتخذت قرارها فى التخلص من تلك الفتاة و اخراج من منزله ، لكن قبلها لابد ان تلقن تلك المتمردة درسا لن تنساه طوال حياتها .

- انهارده راح احزانك على شعرك اللى دايرة تتباهى بيه زى امك ، و بعدها وشك ده كله يشوه ، محدش يصدق ان انا اللى عملت كده ، و هقول يا حرام البت اتجننت مبقاش ينفع تفضل هنا دى خطر على ولادى .

تغيرات ملامحه لتظهر امام عاصي فى صورة وحش مفترس ، لا سبيل لها سوى الدفاع عن نفسها لاخر ثانية ، والا سيكون مصيرها الموت .

لم تهددها عاصي حتى لا تفكر الاخرى انها تخاف منها بل على العكس ، قفزت بسرعة الى اعلى احد المقاعد الموجودة بالغرفة ، و انهالت على راس نجاة بالعصا ، على الرغم من غلظة العصا و ثقل وزنها ، الا انها حتى الان لا تعلم كيف حملتها ، لقد منحه الله القوة للتصدى لهجوم تلك سول لها الشيطان اعمالها ، حتى تنتقم من طفلة يتيمة امنت عليها و على رعايتها لم تراعى الله فيها .

كانت الضربة من القوة حتى سقطت نجاة ارضا ، استغلت عاصي الفرصة ، خرجت مسرعة و اغلقت الباب خلفها من الخارج بمفتاح ، و اتجهت الى هاتف المنزل حتى تتصل على عمه حسن ذلك الرجل الحنون ، سوف تفتقده كثيرا ، لكن ان بقيت هنا اكثر ستكون فى المرة القادمة اما قاتلة او مقتولة ، و الاخرى ما عاد هناك شئ يمكن ان يوقفه عن تحقيق ما تحلم .

رد حسن على المتصل

- الو ايوه يا نجاة فى حاجه .

- ايوه يا عمو انا عاصي ، تعالى بسرعة ماما نجاة اتجننت عايزة تموت الحقني بسرعة .

اغلقت عاصي الهاتف

ودخلت الى الغرفة التى تتشارك فيها مع ابناء عمها و سحبت شنطة السفر التى دخلت بها الى منزل عمه قبل عام
و اخرجت جميع ملابسه و جمعتهم بها حتى كتب الدراسة الخاصة بها ايضا .

انتهت من جمع جميع متعلقاته فهى لن تعود الى هنا بشكل نهائي ، حتي و ان اضطرت ان تعيش فى الشارع ، سيكون احن عليها و ارحم من هنا .

وصل عمه الى المنزل ليجد خالى فى الخارج ، دخل ليبحث عن احدهم حتى وجد زوجته تصرخ من داخل احد الغرف ، و تتوعد لعاصي ان تقتلها ان خرجت لها ، و الاخرى تختفى داخل الغرفة خوفا من ان تخرج لتحقق مرادها فيها .

طرق حسن الغرفة و انتظر ان تفتح له عاصي الباب

- افتح يا عاصي انا عمك يا بنتى افتح متخافيش يا حبيبتى .

خرجت له عاصي و قد شاحبة الوجه تتجمع حبات العرق اعلى جبينه من التوتر ترتجف من الخوف ، سحبها عمه الى احضان و ظل يمسح على ظهرها حتى هدأت .

و عيناه التمعن بالدموع حزن على ما يحدث مع تلك الصغيرة ، مع شعوره بالغضب من نفسه على ثقته فى زوجته و الذى اتضح اخيرا انها تكن الكره لتلك اليتيمة .

- حقك عليه يا عاصي ، حقك عليه يا بنتى ، كنت فاكر انها كانت تراعى ربنا فيك ، لكن اتضح اني كنت غلطان .

- عمو من فضلك انا عايزة امشي من هنا

- حاضر يا عاصي ، سامحيني يا بنتى .

سكت عاصي و كل ما استطاعت ان تتحدث به هو نظرة عينيه و دمعه واحدة هبطت منها ، وعدت نفسها ان تكون الاخيرة


قطع عليها رحلة الذكريات صوت النادل الذى وجه حديثه لها .
- مش كفاية قهوة ده الفنجان الخامس
رفعت رأسه تنظر الى محدث و امارات التعجب مرسومة على ملامحه من حديثه معاه بتلك الطريقة .


طوال الشهور الماضية تراه يتبعها لكن فى صمت ،فهو جار لها فى نفس العقار ، دائما تراه يراقبها مرة من خلف النافذة و التى لسوء الحظ هى المقابلة لغرفتها .

لكن يبدو انه قرر اليوم التخلى عن صمته ، لقد اختار التوقيت السئ ، هى اليوم ليست فى حالة تسمح لها بالحديث مع اى شخص ، لقد فتحت صندوق الذكريات منذ النشأة و حتى النهاية ، فى محاولة منها لجلد الذات .

- اسفة هو انتا قولت ايه
- حضرتك ده خامس فنجان قهوة تشربي فى اقل من ساعة مينفعش كده .

- ولو ميه فنجان انتا مالك دخلك ايه فيه .


- انا خايف على حضرتك يجرى لك حاجه واحنا دبس فيكى ، مش ناقصة مشاكل هى فى المكان .

كان لحديث اللاذع اثر بالغ فى نفسها فهى اليوم تشعر بالوحدة اكثر من اى مرة فى حياتها من قبل .


شهقة استنكار هى كل ما صدر عنها قبل ان تلقى حفنة من النقود على الطاولة امامه ، اكثر من ثمن القهوة التى تناولته ، وانصرفت من امامه الى خارج المقهى .


ولو كانت النظرات تقتل لكان صريع شرارات عينيها ، واه من عينيها سهام تقتل .

اما عنه ظلت عيناه تتبعها حتى خرجت من المقهى وعبرت الطريق للشاطئ المقابل ، وتسير على الرمال سمح له موقعه المرتفع نسبيا رؤيتها وهى تجلس امام البحر ، تطوق جسدها بيديها ترتجف من شدة برودة الطقس

انها حمقاء كيف لها ان تجلس فى ذلك المكان فى هذا التوقيت ، الا تعلم انها سوف تمرض ان بقيت فى الخارج اكثر من ذلك ، لقد بدأ شتاء ديسمبر وما اشد سوء الطقس فيه برد قارص ينخر العظام .


وقف ينظر اليها طويلا سوف تتجمد تلك الحمقاء لو ظلت لبضع دقائق اخرى ، كان هذا صوت القلب

اما العقل ما شأنك بها ان كانت تتجمد او حتى تموت ، انها سليطة اللسان لتذهب الى الجحيم حتى .

اما القلب الا تمتلك اى ذرة رحمة تبدو حزينة و وحيدة مكسورة تحتاج من يشفق عليها. ثم انها جارته الى جانب انها زبونة دائمة فى المحل .

سخر منه عقله
احمق تخشى عليها لانها زبونة المحل هل سيعلن المحل افلاس ان ماتت تلك الاميرة

ولكن ما جعله يتخذ قراره بالتدخل عندما راها تلقى معطف على الرمال يليه حذائه ذو الرقبة المرتفعة وتسير باتجاه البحر

هل تسبح الان تلك المجنونة !؟

لم ينتظر طويلا بل حسم امره خرج من المقهى مسرعا ، و بمجرد خروج ارتفعت اصوات الرعد عالية تسير الرعب فى النفوس ، و هطل المطر على راسه بغزارة ولكن لما يتراجع عن قراره لن يتركه يبدو انها مقدمة على الانتحار .

فلقد قاربت تلك الحمقاء على الغرق، و البحر اليوم فى اشد حالات هياج و الامواج مرتفعه للغاية ، حتى ولو كانت ماهرة فى السباحة لن تنجو ابدااا

كانت تحدث نفسها

تعبت اقولها حقا وانا اقصد كل حرف بها اشعر ان طاقة احتمالي قد نفذت
اريد ان القى بتلك الأثقال التى احملها على عاتق داخل البحر لعلي اخيرا احصل على بعض من الراحة .
اريد ان يغمرني الماء
كلما شعرت ببرودة الميه كلما هدأت نار قلبى
حتى توقفت اطراف عن الحركة من التجمد ومازلت اتقدم الى الداخل بحث عن راحة ابدية

خلع معطفه يليه حذائه وضعه تحت احد المظلات المنتشرة على طول الشاطئ حتى لا يبتل ، ولكى يحميه من البرد عند خروج من الميه .



لم تخرج من حالة الانعزال عن العالم التى دخلت بها إلا على صوت نداء احدهم لها مختلط بأصوات الرعد و مياه المطر

كان صوت من بعيد

اقتربت من الميه وضعت قدمى شعرت برعشة قوية المياه باردة للغاية كيف تتحملها تلك الحمقاء !
ولكن لما مفر امامه سوى التقدم


وصل إليها حتى اصبحت بجانبها سحبها باتجاه وهى تقاوم ولكن مقاومتها بدءت تختفي حتى شعر تراخي جسدها بين يديه اسرع فى الامساك بها و سحبها

كاد ان يصل الشط حملها و ساعدته الامواج فى طرح للخارج بسرعة

وضعها على الرمال و نظر الى وجهه انه شاحب للغاية مع شفاه زرقاء اما عن وجه كان يحكى الموتى انسحب منه لون الحياة .

اسرع باتجاه معطفه وضعه عليها و حملها مرة اخرى باتجاه المقهى عبر الطريق بسلاسة ففى تلك الاجواء تقل حركة السيارة وعدد المارة فى الشارع

فزع صديقه حينما وجده يقف امامه يقطر الماء من كل قطعه من ملابسه و ارتجفت جسده الى جانب حمل لفتاة لم تتبين ملامحها المعطف يغطيها بالكامل .


اتجه الى احد الطاولات الخاصة ب الجلسات العائلية لما تحتويه من صوفا صغيرة وضعه عليها بحرص و طلب من صديقه اغلاق ابواب المقهى وان يلحق به الى الداخل

اتجه الى احد الغرف خلع ملابس و ابدل بملابس اخرى نظيفة و هو على يقين من انه سوف يصاب بنوبة حادة من بالزكام اذا لم يصل الامر الى نزلة شعبية حادة .


اقترب صديقى منى يستفسر عن الامر

- محمود ايه اللى حصل ومين دى وايه اللى عمل فيك كده خرجت تجرى زى المجنون .


افهمك كل حاجه يا اسلام ، دى الزبونة اللى كانت بتشرب القهوة من شوية لحقتها كانت تنتحر

قاطعه اسلام بأحد تعليقاته التى تجعله يكاد يصاب بنوبة قلبية

_ تنتحر فى الجو ده .



تمالك محمود نفسه حتى لا يوجه له لكمة تحطم وجه

_ لاء ملهاش حق كانت استنت الصيف ، انتا بتستهبل يا اسلام هو اللى ينتحر ينقى وقت

طأطأ اسلام راسه من الخجل

_ عندك حق طب هى مغمى عليها و لا ماتت
شعر محمود انه على وشك قتل اسلام

_ فالله ولا فالك نقي ألفاظك يا اسلام بصراحة انا مش عارف اقولك ايه ، روح اعملها حاجه دافئة وهات اى اكل بسرعة

انصرف محمود واسلام كل باتجاه
اقترب محمود منها نزع عنها معطفه الذى تشرب المياه من ملابسها ، غض بصره عنها ملابسها قد التصقت عليها بفعل المياه ، الى جانب تراجع حجابها للوراء و انكشاف خصلات شعرها الفاحمة ، لم يرى فى حياته شعر بذلك السواء كأنه ليل طويل بلا نهاية .

استغفر الله و نحى افكاره جانبا ، دثره بالغطاء من راسها الى قدمها لم يظهر منها سوا وجه ، و قد بدت ملامحها لاول مرة يتأملها بشرة حنطية فاتحه وجه دائرى صغير عيون واسعه رموش ليلية تماثل لون شعرها و حواجب سوداء منمقة باتقان
وانف صغير شامخ وفم صغير بشفاه ممتلئة بإغراء

فى نفس التوقيت كان يجلس خلف مكتبه يستمع الى جهاز الراديو الموجود فى غرفته .

( أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُأما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ؟
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ!إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ)

كان يستمع للقصيدة بصوت ام كلثوم سابح فى عالمه
لم يخرجه من تلك النشوة سوا ذلك الالم الذى اجتاح صدره و زاد معه وخز فى قلبه ، يبدو ان مكروه اصابه و هو يجلس هنا مكبل اليدين لا حول له و لا قوة ، يهرب من نظرات اولاده التى لا يجد لها اجابة .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي