الفصل الثاني

عاد هو ووالده والغيظ يكاد يقتله، كيف لتلك الفتاة أن تفعل ذلك به وتتهمه بالتعرض لها ومحاولة الإعتداء عليها، لقد جعلته في هيئة ذئب بشري هاتك للإعراض وهو الذي لم يتحرش لفظيا يوما بفتاة حتي قصة الحب الفاشلة التي انتهت قبل أن تبدأ مع إحدى زميلاته في الجامعة عندما علم من أحد أصدقائه أنها تقربت منه فقط لأنه ابن عائلة نصار الذائع صيتها في المحافظة وعندما تيقن من صدق صديقه، تركها ولم يبالي بها وبتوسلاته له، هو لديه مبدأ واحد وهو من أخطأ معه مرة لا يتركه يعيده مرة أخرى بل يبتعد عنه في هدوء ذلك هو عقابه له بعد كل تلك الأشياء وتأتي فتاة بلهاء عديمة العقل تتهمه ذلك الإتهام البشع، لقد صدقها جدها وكذلك والده الذي كان ينظر إليه طوال طريق العودة بغضب ولوم شديدان، الحديث لن يفلح الآن سيترك والده حتي يهبط من السيارة ثم يصفها هو بعيدا حتي يمر بعض الوقت ووالده يهدئ قليلا، ولكن وجد ذلك لم يفلح البتة فعند دخوله إلى المنزل سمع والده يهتف بإسمه بصوت عال كالرعد الذي يصم الأذان
-  أدهم!
تسمر مكانه وعلم أن الأسوء قد أتي لا محالة، الآن والده في اسوء حالات غضبه، كبركان نشط تفور نيرانه فورا ، فأقترب منه بخطوات بطيئة وأجابه وهو منكس الرأس
-  نعم يا أبي
لم يكد يكمل الكلمة حتي أتته طعنة القلب علي هيئة صفعة قاسية من يد والده علي صفحة وجهه اليمني
كان جميع من في المنزل قد تجمعوا بعد سماع تلك الصيحة العالية التي زلزلت البيت تزلزلا وأسرت في قلوبهم الرعب، وشاهدوا ما حدث لأدهم مع ذهول كبير وعدم تصديق، أنها المرة الأولى التي يتلقي أدهم فيها صفعة من والده رغم تمرده طوال سنوات عمره، وتسأل الجميع ما ذلك الجرم الكبير الذي أقترفه وأستحق عليه تلك الصفعة القاسية، كانت والدته أول من تدخل في الأمر وأقتربت منه تؤازره وتناشد زوجها بنبرة عاتبة
-  ما الذي فعله ابني أدهم ليستحق تلك الصفعة المهينة علي وجهه، إنك لم تفعلها في حياتك قط رغم شقاوته وتمرده في صغره، والآن وقد أصبح رجلا يافع تصفعه بتلك الطريقة؟!
ألتفت إليها وغضبه يكاد يبتلعها وأخبرها بنبرة متهكمة
-  لما لا تسألين ابنك هذا الذي تدافعين عنه ؟!
وأشار بسبابته إلي أدهم وينظر إليه في غيظ يتحداه أن يخبر والدته بما حدث ورآه بعينه، يكاد يقسم أنه لولا أن رآه لكان صدق أنه برئ ولم يفعل ذلك الشئ المشين لحفيدة العامري


رفع رأسه ونظر إلى والده نظرة إستجداء يستحلفه بكل خاطر له لديه، بكل ذرة حب يمتلكها نحوه أن يصدقه هو ولكن والده لم يقابل نظراته تلك ألا بالرفض حتي أنه أشاح بوجهه للناحية الأخري بعيدا عنه، فكانت الكلمات تخرج من فمه حزينه عاجزة
-  والدي أنت تعلم أخلاقي جيدا، فأنت من علمتني معني الرجولة والشهامة، كيف تشك بي وتصدق تلك الفتاة الخبيثة؟!

قاطعه والده وأمره بالتوقف عن الحديث وأخبره بنبرة غاضبة
-  لا تأت بذكر تلك الفتاة علي لسانك مرة أخرى، يكفيها ما قد حدث لها في منزلها الذي تعتبره حصنها الآمن، والذي جئت أنت وكنت سوف تنتهكها فيه ،،،
شهقة عالية خرجت من الجميع، والدته أخذت تضرب علي صدرها وتصيح وتولول بصوت عال
-  يا ويلتي يا مصيبتي!! العار سوف يلحق بنا وبعائلتنا! يا ويلتي!

أنزعج صالح من صياح زوجته ونواحها فأقترب منها وأخذ ينهرها بصوت عال قائلا
-  أخرصي يا إمرأة وكفي عن النواح وإلا صفعتك أنت الأخري

رفع يده عاليا وكاد يهبط بها علي وجهها لولا تدخل ابنه الأصغر الذي عاد مسرعا من عمله بعد إتصال شقيقته حلا به وأخبرته عن الكارثة التي تحدث في المنزل فهرع علي الفور ليري ما يجري في منزله وعندما وصل وجد والده علي وشك صفع والدته فأقترب بسرعة كبيرة وأمسك بيده قبل أن تصل إليها

نظر إليه والده بغضب شديد وأخبره بصوت حازم

-  أتتصدي لأبيك وتتحداه يا عصام؟!

هز عصام رأسه نافيا وأخبره مبررا ما فعل

-  حاشا لله يا والدي، ولكني لم أستطع أن أتحمل رؤية والدتي تهان وإن كنت تريد صفعي بدلا منها هيا تفضل هذا هو وجهي!

تقدم عصام نحوه وأدار وجهه ثم أشار إلى والده أن يقوم بصفعه عليه إن كان ذلك سوف يهدئ من غضبه
لم يجبه والده ولكنه صرخ فيه بصوت عال مخبرا أياه

-  أخيك الأكبر قد جلب لنا مصيبة كبري ،واللواء العامري أخبرنا قبل أن يطردنا من منزله أن له حق عرب لدينا وسوف يأخذه بكل تأكيد، بعد أن تكون سمعة عائلتنا قد وصلت إلى الحضيض وأصبحنا علكة تلوكها الأفواه ويقولون عنا أننا بلا شرف وبلا حياء، لا أحد بعد ذلك سوف يحترمنا في البلدة وسيقولون عنا ناهشي الأعراض، لا أحد سوف يوافق أن يزوجك ابنته أو أن يتزوج من فتيات العائلة، وكل ذلك بسبب من؟!! بسبب أخيك الأكبر الذي غلبته شهوته وأفتتن بتلك الفتاة فغرته نفسه وحاول التهجم عليها ولما حاولت أن تقاومه وتفضح أمره نفي ذلك بكل بجاحة ممكنة مخبرا إيانا أنا وجدها أنها من تهجمت عليه!!

صمت صالح لبرهة وعاود الحديث بنبرة متهكمة محدثا أدهم
-  هل سال لعابك لتلك الدرجة عند رؤيتك للفتاة ؟!

نظر أدهم لوالده في ألم، شئ ما تصدع في قلبه وفي كبريائه كذلك

عاود والده الحديث وأخبره بنبرة مهددة
-  إن حدث شئ للعائلة قسما بالله لن أرحمك يا أدهم ،سمعت لن أرحمك ابدا!

ثم نظر إليه نظرة إزدراء والجميع وتركهم بعدها صاعدا الدرجات وهو يسب ويلعن بكل لفظ جارح ممكن
لم يستطع التحمل بعد ما حدث له أمام جميع أفراد العائلة،ذلك الذل والقهر الذي تذوقه بسبب تلك الفتاة لم يعرفه يوما، هو لم يخطئ بشئ لم يفكر في مسها بسوء حينها فقط هو وبخها وطلب منها الصمت، وبعدها وجدها تهجم عليه تحاول الوصول إلي عينيه يا الله تلك الفتاة كانت كالصقر فعلا الذي ينشب مخالبه في أعدائه ويقتلع لهم أعينهم، ولكن ليس له صلة بها حتي يكون من ضمن أعدائها فلماذا أتهمته بتلك الكذبة لماذا
حاول أن يعتصر عقله لعله يأتي منه بفكرة تستطيع إنقاذه من تلك الورطة التي وقع فيها بالرغم عنه

ذهب إلي حيث حظيرة الخيل، أنتقي الفرس خاصته وإمتطاطه وهرول به مبتعدا لعل ذهنه يصفي ويجد الحل الملائم، يستطيع أن يجد كذبة ما يبرر به ذلك المشهد المروع الذي حدث، يمكن أن يقول أن السبب في أنه قد تناول سابقا دواء من سوء أثره ألا يشعر الشخص بالقدرة في التحكم أفعاله حسنا هذا عذر جيد ومن الممكن أن يقبل به، والآن عليه أن يحصل علي ذالك الدواء الذي من الممكن أن يتسبب فى تلك الأشياء ويقدمه لوالده ويبرر به ما حدث في الجلسة التي سوف تقام بين العائلات والتي سيطالب بعقدها السيد العامري بالتأكيد

الهواء الطلق وركوب الخيل ساعده في تجلية عقله وإيجاد حلا مقنع ومناسب للجميع خاصة وأن تلك هي المرة الأولى التي يقع فيها في ذلك الخطأ وأن لديه سمعة جيدة بالفعل والجميع يشهد له علي ذلك، أعاد الفرس إلي الحظيرة وربطه جيدا ثم عاد إلى المنزل ليأخذ حماما دافئا ويجري مكالمة هامة لمساعده، تلك المكالمة التي كان وعده بإجراءها منذ وقت طويل لولا تلك البلهاء وما فعلته به
كان يستقل الدرج صاعدا إلي غرفته الخاصة عندما أتاه صوت والده الغاضب وهو يخبره
-  اللواء العامري لم ينتظر حتي للغد ووجه الدعوة لجميع العائلات من أجل أجراء جلسة طارئة للمجلس بسبب حدوث أمر هام، وأنت تعلم بالتأكيد ما هو ذلك الأمر الذي حدث وتسبب في عقد تلك الجلسة
زفر أدهم بغضب ولعن في سره ثم نزل الدرج ووصل حيث والده وأخبره بنبرة هادئة
-  حسنا أبي، بشأن ذلك الحدث الذي كان في مزرعة العامري أريد أن أخبرك شيئاً هام

نظر إليه بإزدراء وسأله بنبرة متهكمة
-  وما هو ذالك الشئ الهام أدهم؟! هل ستعيد الكرة وتقول أن تلك الفتاة هي من هاجمتك وأوقعتك أرضا
هز رأسه نافيا وأخبره بنبرة هادئة

-لا أبي، لن أقول ذلك بل سأخبرك السبب الذي دفعني إلي فعل ذلك
نظر إليه والده بضيق وإشمئزاز كبير
-  أنت تعترف أنك قمت بذلك بالفعل يا وقح؟!
قاطعه أدهم مخبرا أياه
-أنتظر أبي سوف أشرح لك الأمر، أقسم لك أنه رغما عني، ولا ليس بسبب شهوة أو شئ من ذلك كما قلت سابقا، بل بسبب الدواء الذي كنت تناولته في الصباح قبل مرافقتك لمزرعة اللواء العامري، الدواء هو من فعل ذلك
رفع والده حاجبه متعجباً وتسأل قائلا
-  أي دواء يجعلك تتهجم علي الفتيات ويجعلك تحاول تقبيلهن عنوة يا أدهم ؟!
وضع أدهم يده علي جبهته يحاول أن يعتصر عقله ويتذكر أسم ذالك الدواء الذي سأل عصام عنه وطلب منه إحضاره بسرعة كبيرة ولكنه لم يتذكر فأخبر والده مبررا
-  لا أتذكر اسم ذالك الدواء الآن ولكني سوف أريك إياه وأجعلك تري آثاره الجانبية التي تجعلك مشوش الذهن بعض الشيء

أجابه والده ممتعضا
-  حسنا أدهم سوف أنتظر رؤية ذالك الدواء لعله يشفع لك أمام السيد العامري وأمامي أنا أيضاً
أومأ إليه موافقا وأخبره
-  حسنا أبي سوف أفعل بالتأكيد
أدار والده ظهره متوجها نحو المكتب الخاص به، بينما أدهم يزفر بحدة ويدعو الله أن يعود عصام بسرعة كبيرة وهو يحمل ذالك الدواء بين يديه
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي