صراع الذاكرة

مجدولين`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-08-02ضع على الرف
  • 67K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

حسناً كيف سأبدأ الكتابة هذه المرة ؟ هل أبدأها
بمشهد الولادة ..كلا. كلا. ..كثير من الروايات بدأت
هكذا .. وانا لا اريدها ان تكون عادية ..اذا ماذا ..امم ..
اريده مشهداً مبهراً يخطف القلوب ..يجذب القراء. ..
تنفس عميق سحبت به الهواء ..مدركة بأن كل ذرة
منه ستندمج مع مكونات ذاتها .. اشفقت عليه مما
سيصادفه فيها ..
روحها المنطفئة وعقلها المجنون وجسدها المليء بالشحوم والدهون ..
فيال قدرك الاسود يا هواء ..
لو كنت محلك لهربت مئات الاميال عني ..

ارجعت رأسها للوراء وهي تغلق عينيها تحاول ترتيب
الافكار المزدحمة الان برأسها ..
علها تجد طرف الخيط لتبدأ ..

زفرت انفاسها بهدوء وحملت جهاز الهاتف
ذو الشاشة الذكية لتبدأ بالضغط بأصابع ماهرة على
لوحة المفاتيح
فكتبت .

((بينما هو يسير بين الممرات قاصدا مكتب صديقه
استوقفه مشهد غير معهود في ذلك المكان
فجذبه ..مجموعة من الفتيات يّحمنَ حول فتاه
ضعيفة تنكس رأسها فلا تظهر له .. يبدو وكأنهن
يتنمرن عليها ،
علا صوت احدى الفتيات تلك ذات الشعر الاشقر
اللامع وهي تتكلم بنبرة تظهر سخرية واضحة ..
ورغم انه لم يفهم ما يقال لكن ما يحدث امامه
لم يحتاج للتفسير ..هم بالسير حتى تسللت تلك
الكلمة لاذنه بسرعه واخترقته كلمه يفهمها جيدا ، فتأهب انتباها لما سيحدث .. فوجد الفتاه الضعيفة
تدفع ذات الشعر الاشقر وتركض مبتعدة وصوت
شهقاتها يتبعها ..

وهنا قرر التدخل والكشف عن نفسه ليصدر صوت ينبه على وجوده فتقدم خطوة واخرى نحوهن .

ساد الارتباك على محيا الفتاتين المتنمرتين المرافقات لذات الشعر الاشقر والتي فهم بانها زعيمتهن ..
وقف امامهن وحدج بنظرة مرعبة من تقف بثقة
واهيه امامه ..نظرة مفادها انه يعلم بفعلتها مع تلك الصغيرة


تزعزعت وقفتها الصامدة بوجه قليلا فقط ..
كمن امسك متلبسا .. وهو فعلا امسكها متلبسه
بتهجمها على الفتاة المسكينة ..ولكنها سرعان ما شمخت براسها واستدارت تلحق رفيقاتها اللواتي
تركنها وهربن وهي تتوعدهن بسرها على جبنهن ..



زفر هواء رئتيه اسفا وانطلق لوجهته وهو مصمم ان يقول لصاحبه على ما حدث حتى يأخذ القرارات الصحيحة اتجاه اولئك الفتيات



وهنا توقف من جديد ليرى تلك الصبية تجلس ارضا
بجانب نبته كبيرة وضعت بأحدى الممرات للزينة
ظنا منها انها مختبئة عن الاعين ..وهي تحتضن
قدميها وتدفن رأسها بين ساقيها بجلسة بائسة جدا ..غار لها صدره بألم ..فقرفص امامها وبدأ بحديثه معها يقول لها بلهجه مغلفة بحنان


( لا تبتأسي ياصغيرة اعلم ان الفتيات اولئك يغرن منك لذلك قلن لك ذلك الكلام )


واستمر بكلامه معها بصوته الحنين وهو يحاول ان يضع فيها ثقة لتنهض .. بينما هي مازالت منكمشة
امامه بتلك الوضعية الجارحة لكل انسانيته ..
تنهد بتعب وهو لا يرى تجاوبها معه ..فألتفت يمينا
ويسارا فوجد براداً للماء على مقربة منه فنهض
قاصدا اياه ليجلب لها قدح من الماء عسى ان ينعشها ..
ملأ الكوب بالماء البارد وحمله وعاد لها ..ليجد
مكانها فارغا. هز رأسه بلا معنى واعاد الكوب

لموضعه وسار وفي قلبه غصة وجع ..

خرج بعد برهه من مكتب صديقه والذي لم يكن
موجودا تاركا له رساله تخبره انه قد مر عليه
ورجع من طريق اخر فعسى ان يلمحها او يراها تلك
الضعيفة التي سكنت شهقاتها في زوايا عقله ..



ومرة اخرى تقابل مع تلك المتنمرة ورفيقاتها ..
فأشرست تعابير وجهه تلقائيا ..
وضيق عيناه بتوجس وسأل بلغة مهددة




- ما الذي تفعلنه هنا؟ هل عدتن للتصرفات المشينة ؟



بدت تلك الفتاة غير مبالية له ..ولكن احدى الفتاتين
المرافقتين لها تقدمت لتقول بارتباك



-لا ابدا ..نحن لم نفعل اي تصرف غير صحيح ..



رمقتها ذات الشعر الاشقر بنظرة جليدية ارجعتها لمكانها واخرستها

ليرد هو بانفعال


- وما تسمين ما فعلتنه بتلك المسكينة .. الرب وحده يعلم كيف حالها الان


تحركن من امامه بغرض الرحيل وعندما مرت زعيمتهن من جانبه قالت له باستهزاء


-لا تخف عليها ، فتلك (.....) تختبئ في الحمام
رفع رأسه بصدمه فقد كررت الكلمة ذاتها على
مسمعه من جديد وهي تصر ان تصمها بها ..فراها
تشير براسها الى باب خلفها عرف انه حمام السيدات

بعد رحيلهن تقرب من الحمام وشيء غريب يسيطر
عليه ..راح يطرق على الباب وهو ينادي على الفتاة ..


(مرحبا يا فتاة ، هل انت في الداخل ؟)


فلم يسمع رد ، فساورته الظنون ان تلك اللئيمة قد
كذبت عليه
ولكنه رضخ لهاجس يلح عليه ان يدخل
فدفع الباب ودخل يجوب المكان بنظراته ..وبدا يبحث عنها خلف ابواب الحجيرات لدورات المياه ، باب بعد باب
الى ان وقف امام اخر باب واستمع لصوت نهنهات وشهقات خفيفة .. فعلم انها خلفه ..
دفع الباب لينفتح امامه ووجدها ..
فتاه ضئيلة جدا تجلس فوق كرسي الحمام

( مقعد التواليت) ترفع رجليها وتحتضنهما ..تتكور
كلها على بعضها بطريقة غريبة ..

لترفع رأسها له ..
فيتوه ..



وجه مستدير ببشره سمراء ..عيون سوداء كبيرة تغرق بها وكأنها حفرتي بئر بلا قرار . شعر اسود اشعث
متشابك كشوارع مدن اليابان
ملامحها اسرته بكل ما للكلمة من معنى ..
هزت رأسها بلا وكأنها ترفض شيء ما .او تبعده ..لكنه تقدم نحوها .. تقدم وهو لا يعلم ما الذي جعله يتقدم
قدماه كانت تسيران برغبتهما الخالصة نحوها
راها تقف على قدميها فيكتشف قصر قامتها ونحافة قدها فطالعها ببطء من حذاء قدمها الابيض الى
ملابسها التي تغطي كل جسدها وصولا الى راسها
ليتمعن بتفاصيله الناعمة ..
لتفلت من فمها احدى شهقاتها التي لم تنقطع ..
فلم يستطع ان يبتعد اراد ان يحتضنها ..
ان يخفف عنها الالم الذي يستشعره يخرج منها ..
ويا ليته ابتعد ولم يغرق ببئر روحها ..



تقدم وهو مأخوذا بكل ما فيها ..تقدم وهو
كمنوم مغناطيسيا لها .. رفع يده ليمسح دموعها
المنهمرة على وجنتها فازدادت دموعها انهمارا
فتقرب اكثر ليمد يده الاخرى لخدها الاخر وهو
يزيل تلك القطرات اللاهبة ..
عيناها مفتوحتان بضياع ودموعها تجري بلا توقف
باستمرار
بينما هو يحتوي رأسها بين يديه يزيل بأبهامه
كل دمعه تنزل ، تاركاً الحرية لأصابعه الباقية ان
تلامس شعيراتها المتناثرة المتشاكسة في الخلف ..فتخدرت كل حواس العقل وتنبهت حواس
القلب ، لتبحر برحلة من رحلات الاكتشاف اللذيذ ..

كانت عيناه تجولان حول ملامحها برهبة ، كمن يرى جوهرة ثمينة فيفحصها بانبهار..
من حبر عينيها الاسود اللامع الى انفها ذي الفتحات
الكبيرة الى وجنتيها الناعمتان الطريتان اللتان
تحت اصابعه بمخملهما اللين ..الى شفتيها الصغيرتين ففمها يشبه بطلات الرسوم المتحركة منمنم جداً.. ففكر كيف تأكل مع فم صغير كهذا ..يا ترى
كم حجم لقمتها اكيد انها بحجم لقمة عصفور صغير ..

وكيف ستكون وهي تقبل احدهم بتلك الشفاه ؟؟
هل ستذوب ام ستحتوي ..
هل ستطيع ام تتملك...
تأوه عقله من أفكاره ، ليسمع شهقة ناعمة تخرج من فمها ،
فلم يفكر ومال نحوها يسحب شهقتها بفمه ..
شفتاه تلامس شفتاها باكتشاف ..جعله يترجف بشده ...قلبه يخفق بقوة ارعبته .. وفورة الدماء صعدت الى
دماغه لتفجر عنده كل مراكز الحواس ..
يديه تحفظ خريطة ملامحها ..
انفه يختزن رائحتها .
عيناه تسجل كل ما يحدث
اذناه تحبس بداخلها اناتها
ولسانه ااه من لسانه يتذوق رحيق شفتيها العذب ..
فيكاد يقسم انه ما ذاق يوما بحلاوة فمها الشهي ..))

توقفت عن الكتابة تناظر الصفحات امامها ..
ما هذا الهراء الذي قامت بكتابته الان ..
مجرد كلمات متراصة باهته الطعم واللون ..
اي رجل هذا الذي يرى فتاه تبكي لا يعرفها .. يقبلها ..
اين يعيش في امريكا .. حتى في امريكا لا يحدث
مثل ذلك ..

يجب ان تبلور الشخصية بشكل جيد جدا .. حتى
تستطيع ان تبرر تصرفاته ..

لا حل امامها الا ..جنتها .. فردوس صديقتها الرائعة
جنتها مثلما تحب ان تناديها دوما ومرآة الحق ..
من تعطيها الرأي السديد ..بدون اي مراوغات ..


راجعت المشهد مرة اخرى قبل ان تحوله الي صيغة
ملف وترسله عبر احد التطبيقات ..

رأت اشارة الاستلام .. زفرت نَفَسُها بضجر ..
واغلقت الهاتف ..
تنتظر رد فردوس عليها ..
والذي تعلم انه لن يتأخر ..

****






صوت رنة منخفضة على هاتفها ..رسم على فمها
ابتسامة صغيرة .. تعرف هذه الرنة جيدا ..
انها تعود لصديقتها الكاتبة .. فهذا البرنامج نزلته خصيصا لأجل استقبال الملفات من ذوات صيغة ال bdf
(وتلك الحروف الثلاث هي اختصار للوصف Portable Document Format أو ما يسمى تنسيق المستندات
المحمولة، حيث يتميز الملف من هذا التنسيق بأنه
يجمع جميع العناصر الداخلة في تركيب الملف مثل
الخطوط والصور والأجسام الرسومية داخل ملف واحد، وبهذا يكون الملف دوماً متشابهاً عند فتحه على
أي جهاز كمبيوتر.)


لؤلؤة السماء .. هكذا اسمها والجميع يناديها
بلقب لولو او لول وه .. كل حسب رغبته ..
ولكن هي الوحيدة التي استأمنتها على اسمها
الحقيقي .. وعلى هويتها الاصلية ..
هي من كانت الاستثناء الوحيد عن كل المتابعات ..



رفعت رأسها تطالع الساعة .. ما زال لديها الوقت
لتقرا ما ارسلته لها لول وه ..
ضغطت على تحميل الملف ..
ليفتح امامها المشهد ..
جالت عليه نظراتها بسرعة .. تقرأه بنهم كبير
فهي مغرمة بكل ما تكتبه لول وه ..
انهت المشهد وهي تستعد لخوض حوار طويل
مع صديقتها ..لغرض المناقشة ..
فكما يبدو انها قد قررت ان تبدأ برواية جديدة ..
وهذه هي اول مسوداتها ..
..
ارسلت لها اشارة القلب ..لتفهمها انها قرأته ولكن
الحوار سيتأخر ..
فهما قد اتفقتا فيما بينهما على رموز كثيرة لتسهيل الحديث بينهما ..
فبعد صداقة خمس سنوات ..
استطاعتا ان ينشأن رابطا سحريا بينهما ..
وجسرا متينا ..
عبرتا كلتاهما من خلاله للأخرى .. لتجتمعا على محبة خالصة ..
مع انهما لا ينتميان للبلد نفسه ولا حتى للقارة ذاتها ..
ومع انهما لن تريان بعضهما بعضا مطلقا بهذه
الحياة ..
مع انهما لا تعرفان اشكال بعض ..

الا ان القلوب قد التقت ..وان الارواح قد اجتمعت ..
برباط وثيق ..
لا يمكن قطعه ابدا ..

..
دقت الساعة تمام الثامنة صباحا .. شهيق تلاه زفير كررته لعده مرات مع استمرارها بذكر الاستغفار ..
جعلها تهدأ ..
وتتشجع لتفتح باب غرفتها وتخرج ..

دخلت المطبخ وهي تبتسم .. القت تحية الصباح بصوت هادئ ..
فلم تجد ردا سوى ايماءه رأس فقط ..
فلم تتأثر فهذا هو المعتاد ..
اتجهت للثلاجة تخرج مكونات الافطار وبعدها للطباخ لتحضره ..
وهي مدركة انها تحت المراقبة ..
حتى عندما تستدير تعلم بأن نظرات عمتها مسلطة عليها تكاد ان تخرق ظهرها ..

انهت الاعداد وحملت الصحون لترصصها على المائدة امام عمتها ..
فلم يقابلها الا الصمت وبعض مصمصة الشفتين دليل امتعاض ..

وبسيطرة عالية تمارسها على نفسها .. رفعت رأسها وهي تبتسم .. تتكلم بأي شيء حتى تجعل عمتها تلين وتفك تلك التكشيرة المظلمة على وجهها ..
تكشيرة تذكرها بوجه البوم .. كلا ، حرام عليها ان تظلم البوم .. فعمتها ذي طلة اسوء من ذلك ..
هي كما يقال بذلك المثل الشعبي ..
( وجه يقطع الخميرة من البيت)
وهو مثل يطلق على الاشخاص الذين يتصفون بالنكد وعبوس الوجه، وهو كناية عن عدم وجود الخبز في البيت، فالخبز هو دلاله الخير قديما وانقطاع الخميرة التي تصنعه دليل عدم الرخاء والراحة ..

واه كم صدق ذلك المثل بتفسيره ..

شاهدت كيف بدأت تتفاعل معها عمتها بالكلام
. لتبدأ سلسلتها العتيدة .. بالشكاوى ..
فلا يهرب من تحت لسانها شيء الا وشكت منه ..

رأسها اسنانها عظامها شعرها عينها ..
كل شيء يدخل حاجز الجسد تشكو منه ..
وما على المقابل سوى ان يقابلها بالبكاء على حالها ..

وما أن تنتهي من وصله الرثاء والبكاء على الذات ..
تبدأ الفقرة رقم اثنان وهي الاتعس في تاريخ البشرية
.
فقرة التذمر ..
ما هذا الطعام .. ما هذا الترتيب .. ما هذه الفوضى ..

المنزل متسخ .. الملابس غير نظيفة .. السطح يحتاج للترتيب ..

سلسلة لا تنتهي من الاشياء التي لا تعجبها ..
واوامر كثيرة تلقيها ..

مصحوب بألفاظ نابية وكلمات سيئة تسمعها لها ..

واليوم يبدو انه مشابه لغيره .. وستتكرر المأساة اليومية ..مرة اخرى ..

رفعت فردوس رأسها تطلب العون من ربها ..
تناجيه في سرها ..
تستغفره فعسى ان يرحمها ..

من تسلط وجبروت _ ام زوجها _ عمتها ..

***

قلب احمر ..
ارسلت قلبا احمر ..
فاذا هي اشارة الانذار ..
فالأحمر يعني خطر ..
وكما حكت لها فردوس سابقا عن تصرفات ام زوجها معها ..
فاذا هي الان فعلا بخطر ..
فدعت لها سرا بتيسير امرها ..


ولكم هي رائعة تلك القلوب التي تدعو بصدق النوايا .. بتيسير الامور ..حتى ولو لغريب لا تعرفه ..
ما علموا بأن الدعوات في الخير لا ترد ..
ويكون لصاحبها خير مضاعف ..


ولهذا فان أهم درس للدعاء للآخر انه ينسينا انانيتنا، و يحررنا منها، ويقربنا من انسانيتنا
يجعلنا نعيش الأخوة الحقيقية..

وهذه هي علاقتهما الحقيقية ..



****







راقبت الصفحة المفتوحة من برنامج word
والمكتوب بمنتصفها الفصل الاول .. بانزعاج .. فها
هي بعد ساعة كاملة لم تكتب حرفا من حروف
روايتها الجديدة ..

هي للان لم تختر لها اسما

. مجرد افكار عشوائية ..وشخصيات مبهمة تتصارع ..
حالتها النفسية .. من سيء الى اسوء ..

اطفالها الصغار مصابين بالأنفلونزا والكبيرة تستعد
للامتحانات .. والبيت يحتاج للتنظيف ..

تكره عندما تتراكم عليها الامور .. تكره ذلك الشعور
بالعجز عن ابداء رغبتها بالتحرر





كم تود ان يختفي كل شيء ويتركوها لتكتب تكتب فقط ..
نظرة اخرى للصفحة الفارغة اشعرتها بالضيق اكثر
والانزعاج اكثر واكثر ..
فأغلقت الحاسب المحمول ببعض العنف ..
واستدارت بمحاولة بائسة منها لتنهي اعمال المنزل قبل عودة اولادها الكبار .. واستيقاظ الصغار ..


ولم يمضي من الوقت الكثير ..حتى استيقظ تؤامها
( ديمة ويوسف) البالغان من العمر ثلاث سنوات ..
بنداء عالي .. يصرخون باسمها .. ماما ..ماما ..
يصاحبها بكاء من يوسف لأنه استيقظ ولم يجدها
امامه ..

نفضت يدها بسرعة وتوجهت لغرفة نومها فالتؤامان ينامون معها ..
دخلت عليهم تسكتهم وتتكلم معهم لينسوا البكاء ..
حملت يوسف وانزلت ديمة لتسير .. تبدأ طقوس
الصباح اليومية ..
التغسيل والتبديل .. اختيار ملابس جميلة ..تسريح
الشعر ..
ثم الاكل واللعب ..
الى ان يحين موعد النوم من جديد .. لترتاح ..
باستراحة زمنية قصيرة ..
ليتكرر كل يوم نفس الوضع ..المأسوف عليه ..







لا تنكر ان هنا ابنتها الكبيرة باتت تساعدها في اعمال المنزل وتهتم بأخوتها الذين هم اصغر منها ..
ولكنها لا تثقل عليها .. فهي بأول سنين دراستها
المتوسطة ( الاعدادية) وما زالت فتية لم تدخل بعد
مرحلة المراهقة
ضفائرها البنية تشير لطفولة مخبأة تحت طيات
..زيها المدرسي الانيق ..



ومصطفى كذلك مع انه بالثامنة الا انه حبيبها
الواعي ..من ينفذ كل طلباتها ..ويهتم بنفسه
ومظهره ودراسته كثيرا ..
لذلك هي مطمئنة على
هنا ومصطفى .. فوالدهم بانضباطه انشاءهم بطريقة رائعة .
ريحان مصطفى ..زوجها ..
الغائب الحاضر .

***




واخيرا انتهت
. لم تظن انها ستنهي اعمالها الشاقة .. عمتها
فضيلة .. تهوى الجنون ... مهووسة بداء السيطرة
الوهمي ...
لم تتركها منذ الصباح ..
تأمر وتتسلط .. نضفي هذا ..رتبي ذاك ..
مع كل امر تكرر ..انت عديمة الفائدة .. انت لا تصلحين لشيء ..
وهي تكاد تموت من شدة حبسها الكلام بجوفها
..الذي لو القته لتسببت بمقتل تلك الظالمة التي
تعيش معها ..

جلست على سريرها جسدها كله يأن من الوجع ..
القت نظرة على ابنتها الحبيبة ( تسنيم ) فوجدتها
نائمة ..
لقد اهملتها اليوم ..
وكله بسبب جدتها التي لا تخاف الله فيهم ..
..



قبلت ابنتها النائمة وغطتها بغطائها ..
وحملت هاتفها لتجلس .. فأمامها حديث طويل
تجريه ..مع لولو ..

..
قلب اخضر ..
اي ان الطرق سالكة .. وهي جاهزة للكلام ..
ولم يتأخر الرد بوجه مبتسم ..



فبادرت بالسؤال هي
-المشهد جميل ولكني لم افهمه .. اول مرة تكتبين
مشهدا ناقصا ..وباردا ..؟؟!!




-حذفته



ببساطة هكذا ردت عليها لول وه حذفته ..مشهد
يكتب بساعة او اكثر من ذلك .. تقوم بحذفه بإلغائه ويمسي كأنه سراب او هم .. بدون اي مبالاة منها ..كان من الممكن ان يعدل ويضاف عليه ليكون مشهدا
خالبا للقلوب ..



فكتبت بسرعة
-كيف تفعلين ذلك ؟ بأي حق تحذفيه ؟ انه مشهدّ جميل ..يحتاج للتضبيط فيكون رائعا



لترى اشارة جاري الكتابة مرفعة ..
صديقتها ستقتلها بما تفعله ..
كيف هان عليها ان ترمي افكارها بكبسة زر
وتمحيها ..



-انت قلتها بنفسك ..يحتاج للتضبيط وانك احسست
انه ناقص .. وانا لا يرضني ذلك ..
لا يشبع حاجتي للكتابة ..
فردوس الكتابة بالنسبة لي حياتي ..
من تجعلني احيا فعليا .. هدفي وغايتي وكل شيء ..


-حدثيني عنها ؟؟ عن الكتابة؟؟




--(( أتعرفين .. الكتابة ليست بتلك البساطة التي
يصورها البعض...على انها نقل للحقائق والوقائع ..
الكتابة اصعب من ذلك بكثير .. فهي اشبه بالترجمة ..حيث تترجمين نبضات قلبك المحملة بالعاطفة
الجارفة .. سواء كانت بنبضات ألم ام ببسمات فرح ...
لتكتب بها .. وهذا الامر ليس سهلا على الاطلاق ..
الامر متعب ومجهد ..


فأنا حين يأتني الالهام ..يكون الامر مدمرا . .. فبغفلة ، تجتاحني اعاصير من الافكار ..فتحتشد وتتجمع ضاربه
ادراكي بعنفوان حروفها ..و تبدأ بعمل ثورات
وانتفاضات كبيره داخل عقلي المسكين .. تطالب
بأخراجها ..بالسماح لها بممارسه حقها الطبيعي في الظهور للنور .. تجبرني ان أُولدها للحياة ولو قسراً..


وبدون يقين ..



أجدني ممسكه بقلم اخط على اوراق دفاتري .. تلك
الصراعات المحتدة فيها ..وتلك المآسي التي تمزقني بإحساسي بها .. فأكتب واكتب لكي اخرج ما بداخلي من حروف متناحرة

فيرتبط الحاء بالباء بعلاقه عاطفيه تصيبني بنشوة
الافراح .. واحيانا يمزقهما الراء .. فتكون حرب شعواء .. بين الحق الباطل .. بين الماضي والحاضر ..
فهل ينتصر الحب ام تفوز الحرب ..



الكتابة هي حاله من حالات الانصهار والتوغل في
الابتكار ..
انصهار الفكر بخلاصه الحياه .. وتوغل العقل بتفاصيل الروح ..وابتكار الحلول بمتعه للعقول ..




فمسك القلم يوازي مسك السلاح ..
كلاهما مخترق للأرواح ..))))


هكذا هي الكتابة يا عزيزتي




راقبت فردوس شاشة هاتفها مرارا .. تعيد الكلام
تكرارا ..



تلك الكلمات انغمست بداخلها .. اضاءت بروحها
قبس الهام تتمنى ان تمسكه ..




ذلك الحماس الذي كتبت به الكلمات ..
تلك الصيغ التي شعت من ترابط الحروف ..
جعل عيونها تبرق بالسعادة
لترد فورا على لول وه ..



-لو اخبرتك الان اني احبك اكثر هل ستصدقينني ..
لولو ما ارسلته لي منذ قليل ينافس بكلامه وعبقريته كتابات اعظم الكتاب .
لقد خطفتي قلبي وأسرتِ انفاسي ..
انا سأخذه للتصميم .. سأنزله للفتيات كي يصنعون منه مادة للوحاتهم التصميمية ..
افتحي صفحتك بعد ساعه وسترينها مليئة بالرسوم
والتصميمات والتحليلات حول ما كتبته ..



ابتسمت لولو وهي تقرأ ما ترسله لها فردوس ..حقا هذه الفتاه كنز .. بحماسها وطيبة قلبها.
بتشجيعها المستمر والدائم لها ..
بدعمها اللامحدود ..


اه لو تعلم .. بأن الواجهة البراقة للكاتبة الشهيرة
لؤلؤة السماء
هي مجرد قناع وهم وسراب ..
وبأن حروفها مسروقة وافكارها خداعة

اغلقت الهاتف بعدما سمعت صوت دخول ريحان
للبيت ..

تتبعت بأذنها خطوات سيره ..
اغلاقه للباب وقفله جيدا ..
توجهه للحمام وصوت الماء المشير انه يغسل يديه ووجهه ..
دخوله للمطبخ بحثا عن اي طعام يجده ليأكله ..
ومن ثم مروره على غرفه هنا ومصطفى ..
واخيرا دخوله لغرفتهما ..



فتح الباب ليدخل الغرفة يعمها الظلام والكل نيام
فالساعة تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل ..
اطل على تؤاميه الصغيرين وعدل الغطاء فوقهما ..
وعدل الغطاء فوق زوجته النائمة ..
واندس بمكانه ..
يقلب بهاتفه قليلا حتى غفى ..

...

فتحت عيناها بعد سماعها لصوت شخيره الذي دل
على عمق نومه ..فقد كانت تتظاهر بالنوم ..مثلما
تفعل كل مرة ..

فها قد مر احد وعشرين يوما منذ اخر مرة قاربها فيها زوجها ..وهي تدرك ان الايام التسعة الباقية في
الشهر ستمر كذلك ..لينقضي شهر كامل ..
وتتبعه ايام اخر حتى موعد تبادلهم الحسي التالي ..
امرٌ بات يقتلها ..
يرفع عندها الرغبة بحرقه وهو حي ..لتجلس هي
تشاهده وهو يعاني ..كما تعاني هي ..

لكم حاولت وحاولت ان تجذبه اليها وليشهد الله عليها ..انها وعلى مدى سنوات تحاول بكل ما اوتيت من قوه ..
غيرت لون شعرها عشرات المرات ..
لبست كل الالوان ..تزينت تعطرت .. جذبته هي للفراش ..ومارست عليه كل ما تعرفه من حركات ..
فلم يستجيب لها ولم يعطها الا فتات مشاعر ..لاتسمن ولا تغني من جوع ..
متى سيفهم ان الرغبة بداخلها تقتلها ..
ان الحاجة للأحضان تدمرها ..

ذلك الجوع العاطفي ينهش كينونتها ..
يحيلها الى سراب مبعثر ..
لا تكاد تلمسه او حتى تراه ..

انتفض جسدها بتوق لتلك المشاعر ..التي خلقت
بداخلها .. فسارت كالمغيبة .. نحو خطيئتها الكبرى .
وبارتعاش اصابعها ضغطت على شاشة هاتفها
الذكي ..بلمسات تتقن اماكن تواجدها ..
ليظهر لها ما تريده وما تبغاه ..
فيسافر عقلها وكيانها برحلة من الخيبة ..
فتخون بذلك كل العهود ....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي