عشق بلا قيود

روان سلامة`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-08-26ضع على الرف
  • 114.2K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل 1

كانت تجلس صفوة بجانب منعزل قليلًا بحديقة الجامعة كعادتها، تمسك بيدها بضع أوراق تكتب بها، قطع صوت عمار كتابتها وهو يقول:
-هتفضلي قاعدة لوحدك كده كتير؟
كان يجلس بجانبها وهو يقول آخر حرف من حديثه، فابتسمت وهي تمازحه:
-ما أنت قعدت معايا خلاص.
جذب الأوراق من يدها برفق قائلًا:
-وريني بقى بتكتبي إيه؟
جذبتها من يده على غير عادتها وهي تجيب:
-مخلصتش لسه هديك حاجة تانية تقراها على ما أخلص دي.
تعجب من تصرفها وتلبكها ولكنه لم يهتم كثيرًا، ثم أردف:
-هتديني إيه اقراه؟
أخرجت من حقيبتها رواية ذات غلاف باللون الأزرق وهي تقول:
-هديك دي.
وجه أنظاره نحو عينيها وهو يقول:
-مش عايزها.
-أومال عايز إيه؟
-عايز حاجة من اللي بتكتبيها يا صفوة.
-دي احسن من اللي بكتبه بكتير.
-بس اللي بتكتبيه بالنسبة لي أحسن من أي حاجة تانية.
حاولت مداراة خجلها وهي تضع الأوراق بالحقيبة قائلة:
-مش هوصل معاك لحل صح؟
ابتسم هو على خجلها:
-صح.
مدت يدها بدفتر ذو لون أرجواني وهي تقول له:
-خلاص اقرا ده.
استطردت محذرة:
-والورق ده لو حصله حاجة هيبقى فيها عشرين خناقة.
ابتسم وهو يخبرها:
-الورق ده يا ستي هيرجع زي ما هو متخافيش.
ذهب بخطى هادئة ليتركها تكتب كي لا يقاطع أفكارها، لم يكن يعلم أنها تهيم به عشقًا، وأن رؤيتها له تنسيها العالم بأسره، تنسيها ماضيها، حاضرها، ومستقبلها، وتلك الأحرف التي تعشق كتابتها.

جلس هو بزاوية هادئة ليفتح الدفتر وهو يتحسسه برفق، وكأنه يخاف إيذائه، ثم قرأ أولى صفحاته الي كتبت بها العنوان بها الجميل "كفيف القلب".
ثم بدأ يغوص داخل كلماتها التي أصبح يهواها.

"أجلس على الكرسي المتحرك كعادتي كل يوم منذ خمس سنوات، لا أرى ولا أتحرك، فقط أسمع وأتحدث، وكأن القدر حاوطني ببراعة، سلب مني حياتي كاللص البارع الذي يسرق الناس دون أن يثير انتباههم، استمعت إلى صوتها وهي تطرق باب الغرفة كعاتها كل صباح، ألم تمل من تواجدها معي؟!
-صباح الخير يا وابل.
استمعت إلى حديثها؛ فشعرت وكأنها تبتسم لي، لكن لن أتيقن من ذلك طوال حياتي، ولكنني مثل عادتي كل صباح أتجاهل حديثها.
استمعت إلى صوت تحريكها للكرسي بجانبي، وأظن أنها جلست، ثم استمعت إليها تقول:
-أنا الآن أجلس أمامك وأبتسم بسعادة...
قاطعتها بجمود قائلًا:
-تبتسمين بسعادة لماذا؟ أنا لم أطلب منكِ أن تبتسمي، ولم أطلب منكِ أن تظلي بجواري كل يوم.
-ولكنني أريد مساعدتك.
-أنا لا أريد ذلك.
-حسنا، هل تريد الكتابة اليوم؟
ابتسمت بسخرية وأنا أقول:
-تقصدين هل تريد الكلام اليوم، فكما تعلمين أنتِ من تكتب ليس أنا.
-لا يوجد اختلاف، أنا أنتَ، وأنتَ أنا.
لم أجد ما أقوله لها؛ فهي دائمًا ما تغدق عليَّ بالكلمات العذبة التي لا أعرف لها سبب.
قاطعنا أخي الأكبر وهو يدخل إلى الغرفة باندفاع قائلًا:
-أخي لقد وافقت على الزواج بي.
ابتسمت وأنا أقول له:
-مبارك يا أخي.
احتضنني هو قائلًا:
-حان دورك الآن لتتزوج أنتَ أيضا.
ابتسمت بسخرية وأنا أقول:
-من تلك البلهاء التي ستقبل بالزواج من نصف رجل، رجل لا يتحرك ولا يرى.
استمعت إلى صوتها العذب تقول:
-عذرًا على مقاطعتي.. الحب لا يُقاس بقوة الشخص ولا بصحته فالمرأة حين تحب...
قاطعتها كعادتي:
-المرأة لا تحب، لا يوجد مرأة تستطيع أن تحب رجلًا بلا شروط.
-لماذا تدع كل هذا الحزن يكمن بداخل قلبك؟
فاجأتني بسؤالها على حين غرة مني؛ فصمتت بضع لحظات أحاول بها استجماع أفكاري لأقول:
-أنا لا أحوي حزن بداخل قلبي، بل أخبركِ أن جنس حواء لا يمثل سوى الأنانية وفقط.
-لماذا تكتب عن قصص الحب وأنتَ ترى المرأة أنانية، غير قادرة على الحب؟.
-لكي أجعل بطل روايتي يقتلها في نهاية المطاف حين يعرف أن الحب ليس إلا خدعة كبيرة.
يبدو أنني الآن أصبتها بالصدمة؛ فهي صمتت ولم أستمع إلى صوتها، فقط استمعت إلى صوت إغلاق باب غرفتي.
انتظرتها طويلا لتعود، ولكنها لم تعد، أتى شقيقي في الليل ليخلدني إلى النوم؛ فسألته:
-أين ذهبت نجمة؟ هل عادت إلى منزلها؟
-نعم، منذ الصباح الباكر.
تجاهلت رحيلها ولم أفكر بالسبب، ونمت إلى أن حل الصباح الباكر واستمعت إلى طرقاتها كالعادة، وضعت شيء ما بجانبي لقد شعر بأنفاسها تلفح وجنتي، فسألتها:
-ماذا تفعلين؟
-أنا.. لأ شيء.. كنت أضع بعض الماء بجانبك.
علمت أنها تكذب بسبب ارتباكها، ولكنني تغاضيت عن الأمر، لم يعلق ببالي سوى السؤال عن لون شعرها، حين لامس وجنتي شعرت وكأنه يداعبها كراقصة الباليه التي تداعب الأرض بأطراف قدمها؛ فبادرتها بالسؤال قائلًا:
-نجمة ما هو لون شعرك؟
-لماذا تريد أن تعرفه؟
-فضول ليس أكثر.
-حسنا، لونه أسود كالظلام الدامس، وكأن الليل أسدل خيوطه السوداء على رأسي.
سرعان ما قلت لها:
-أنا أكره الشعر الأسود اللون.
كانت هذه أكذوبة لأخفي بها إعجابي بلون خصلاتها؛ فأنا أعلم بأنني أكذب، وهي تعلم أنني كاذب؛ فكيف للمرء أن يبتسم على شيء يبغضه؟!
أتى الليل وهي ماتزال تجلس معي.
-وابل كيف أفصح عن حبي لرجل؟
-لأ تفصحي، إذا أحبكِ ستغدقين عليه بمشاعرك الجياشة، ثم تهجريه؛ ليجلس هو وسط مستنقع من الآلام والأحزان.
-ولكنني لن أفعل ذلك؛ فأنا أحبه حقًا.
-هذا طبع بنات حواء؛ فأنت سترين نفسك كالنجمة العالية التي أنارت حياته؛ فتعجبي بذاتك وفجأة تقرري الابتعاد عنه لأنك وصلت إلى هدفكِ ومبتغاكِ، المرأة دائمًا تعشق ما هو صعب المنال.
استمعت مرة أخرى إلى صوت الصمت يكسو الغرفة، وبعدها صوت إغلاق الباب، لا أعرف كم مرة تكرر هذا الموقف منذ قدومها للعمل كممرضة خاصة بي، إن هذا الموقف يتكرر يوميًا، وأنا لم أسألها حتى لم تفعل ذلك، بل أتجاهل الأمر كعادتي وكأنني أؤكد أن الوابل هو من يطفئ لمعة النجمة الساطعة بالسماء.
جاء أخي ليجلس بجانبي وهو يسألني:
-لما تتصرف مع نجمة بمثل هذه الفظاظة؟
-لأنني فظ.
-لماذا لا تعطها الفرصة للاقتراب منك؟
-لأنني وببساطة لم أعد الطبيب الجراح وابل، بل أضحيت وابل المثير إلى الشفقة، الكفيف الذي يجلس على كرسي متحرك.
-ولكنها لا تراك هكذا.
-ستراني هكذا، إنها صغيرة بالعمر، قليلة الخبرة، لا تراني سوى أعجوبة فقط، ولكنها بعد وقت قليل ستفهم أنني مجرد نصف رجل.
-ولكنها تحبك.
-لأ يوجد ما يسمى بالحب في قلوب النساء؛ فبنات حواء تم نزع فوادهم وشعورهم بالحب.
عم الصمت الأرجاء واستمعت إلى صوت إغلاق الباب مرة أخرى، ولكنني استمعت إلى صوت شهقة مكتومة، تيقنت أنني أتوهم؛ فلا يوجد بالغرفة سوى أنا وأخي من خرج الآن.
تأخرت في قدومها إليَّ اليوم؛ فهي دومًا ما تأتي في السادسة صباحًا، الساعة صارت العاشرة، استمعت إلى صوتها هادئ على خلاف العادة تقول:
-أعتذر على تأخري.
-لأ بأس، لم تأخرت؟
-كنت أزور أحد أقاربي بالمشفى.
صمتت ولم أستكمل حديثي مرة أخرى؛ فهي تجيبني باقتضاب وأنا أكره هذا الإجابات القصيرة.
بدأت أملي عليها ما تكتبه هي في الكتاب الذي سيكتب اسمي فوقه، يا لسخرية القدر هي من تكتب وأنا من يوضع اسمي فوق الكتاب.
قاطعتني وهي تقول مسرعة:
-أرأيت ذلك، لقد ظهرت نجمة ضخمة في السماء!
-أجبت بسخرية متعمدة:
-نعم رأيتها، حتى إنني سأنهض الآن وأذهب للشرفة.
-أعتذر لم أقصد ذلك.
-لأنكِ غبية، من تتفوه بالحديث قبل أن تفكر به لأ تكون سوى بلهاء.
هذه المرة لم يعم الصمت أرجاء الغرفة ليعقبه صوت إغلاق الباب، بل استمعت إلى صوتها المتحشرج تقول:
-قريبًا سوف تعلم سر خطير عن هذه البلهاء، لطالما أخفته وخبأته بين ثنايا فؤادها.
صمتت هي وصمتت أنا أيضًا، ثم أخلدتني للنوم واقتربت مني قليلًا قائلة:
-هل يمكنني مصارحتك بشيء؟
-تحدثي.
-أنا لم أرَ بروعة عيناكَ من قبل، وكأن الله وضع بهما سحر وروعة لتأسرني بداخلها إلى مماتي.
-هل تحبين عين رجل كفيف؟!
-بل أحب عين وابل.
استمعت إلى صوت إغلاق الباب؛ لأتيقن من ذهابها؛ فهمست بصوت منخفض:
-وأنا أحب شعر نجمة.
حل الصباح لأستمع إلى وقع خطوات بداخل غرفتي فتيقنت من وجودها، بادرت بالحديث قائلًا:
-يجب علينا إنهاء الكتاب سريعا.
لم تتحدث او تجيب على حديثي، فقط استمعت إلى صوت تحريك كرسي وبعض الأوراق؛ فتجاهلت الأمر وبدأت حديثي لتكتب هي، سار الأمر على ذات النهج لعدة أيام متتالية إلى أن أنهينا العمل ذات يوم بعد منتصف الليل، وكأنت وهي ماتزال صامتة كعادتها لا تتحدث، قلت أنا:
-نجمة الوقت متأخر سأجعل أخي يوصلك إلى منزلك.
استمعت إلى صوت أخي يقول:
-لقد وصلت إلى منزلها منذ زمن.
تعجبت من وجوده؛ فسألته:
-كيف دخلت إلى هنا؟ أنا لم أستمع إلى صوت إغلاق الباب، ولمَ لم تحب هي على حديثي؟
-لأنها رحلت دون عودة.
-كيف رحلت؟ تحدث هيا.
-لقد خرجت روحها لتصعد إلى رب السماء يا أخي.
تملكت الصدمة مني، فكيف لها أن تذهب وتتركني الآن؟ لقد أقسمت أنها لن تبتعد عني، بالتأكيد هذه مزحة ثقيلة الظل من أخي.
-أين هي نجمة؟
-سوف أقض عليك ما حدث، نجمة أحبتك منذ أن خطت قدمها هذا المنزل، لم تعبأ بكونك كفيف أو غير قادر على الحركة، لم تصارحك بحبها لأنك شخص لا تؤمن بالحب، كاره لبنات حواء، منذ ثلاثة أشهر علمت بمرضها، أخفت عنك ولم تحاول أن تتعافى؛ فتوفيت منذ خمسة أيام وتركت لك هذا التسجيل الصوتي.
تملكتني الصدمة؛ فكيف تغيب عني خمسة أيام دون أن أعرف هذا؟ إذا من كان يجلس معي طيلة الوقت هو أخي! ألهذا الحد أنا كفيف القلب؟!
استمعت إلى صوتها تتحدث وإلى صوت وخروج أخي من الغرفة ليقاطع تفكيري.
-وابل أنا نجمة، أريدكَ أن تعرف أن حبكَ احتل قلبي واستوطنه، وكيف لفؤادي أن يأبى حبكَ وهو يحيا بسبب وجودكَ؟! أعلم أنكَ تقول بداخلكَ أن هذا كلام روايات فقط، ولكن حقًا أنتَ استوليتَ على قلبي كالسارق الماهر؛ فكنتَ أنتَ أفضل سارق عرفته طيلة حياتي، وكنت أنا أكثر شخص سعيد بجانب سارق، سأقص عليك الحكاية.
علمت بمرضي منذ ثلاثة أشهر ورفضت جميع أنوع العلاج؛ فلماذا أحيا وأنتَ لا تحبني؟ هل تذكر صوت الصمت الذي يعقبه إغلاق الباب؟ بالطبع تذكره هذا يحدث يوميا، كنت أبكي كثيرًا بالخارج وكأنك انتزعت مني روحي، كلمة الحبيب تؤلم وبشدة وكأنها خنجر يتم غرزه بداخل قلوبنا بلا رحمة، كنت أعلم أن نهايتي قريبة لا محالة؛ فرجوت من شقيقكَ أن يعطيكَ هذا التسجيل وأن يكمل معكَ الكتاب، لا أعرف هل شعرت بغيابي أم لا، ولكنني سأرجو منكَ رجاء صغير، اكتب لي ولو سطر واحد بداخل كتابك إذا كان قلبكَ يحوي بعض الحب نحوي، لعل فؤادي المتألم يُشفى من مرض حبك؛ فحبك يا وابل تسلل إلى داخلي ليتخلل دمائي، وكأنه مرض خطير أصاب فؤادي ويا ليت جميع الأمراض تشبه حبك، وفي النهاية عيناكَ أوقعتني صريعة حبك؛ لأحيا بسبب حبك وأموت وأنت ساكن بداخل قلبي.
أنهت حديثها وأنا أبكي؛ فهي حقا تحبني، لم تكن تكذب في ما تقوله وتتفوه به، ولكنني ما زلت لا أؤمن بالحب؛ فهذه الفتاة علمتني درسًا قاسيًا أنني كفيف القلب لست فقط كفيف البصر، كيف لا أشعر بحبها الظاهر في أبسط أفعالها إلا إذا كنت كفيف القلب حقا؟!
ناديت على أخي لأضيف بعض كلمات بنهاية كتابي؛ فأمليت عليه حديثي قائلًا:
-كانت هي تشبه النجمة الساطعة في وسط السماء حين يغزوها الوابل ليطفئ لمعتها ويخفيها وسط الظلام الدامس".

أنهي القراءة وهو يغلق الدفتر والبسمة الواسعة تعلو وجهه، لطالما أحب ما تكتبه وأعجب به، أو أنه يحبه فقط لأنها هي من كتبته.

في صباح اليوم التالي توجه نحو ذلك المكان الذي تجلس به دومًا، اقترب وجلس بجانبها وهو يقول:
-وكالعادة حروفك أبهرتني.
ابتسمت بخجل وهي تجيبه:
-حلوة بجد؟
-تحفة.
استطرد متسائلًا:
-خلصتِ اللي كنتِ بتكتبيه امبارح؟
أومأت برأسها، فأردف:
-مش هتخليني اقراه؟
-عايز تقراه بجد ولا مجاملة؟
عايز اقراه بجد يا صفوة.-
مدت له يدها بتلك الأوراق التي كتبتها، ولأول مرة يستشعر ترددها بجعله يقرأ كتابتها.
أخذها وبدأ يقرأ تلك المرة وهو يجلس بجانبها شاعرًا بنظراتها المتوترة المصيبة نحوه، وبدأ هو بالقراءة.

أنهى القراءة وهو يمد يده بالأوراق إليها، انتظرت سماع حديثه بضع لحظات ولكنه لم يتحدث، بادرت هي بقطع الصمت متسائلة:
-وحشة؟

التفت نحوها وهو يجيبها بهدوء:
-مش وحشة بس مش صفوة اللي أعرفها هي اللي كتباها.
-يعني إيه؟!
-يعني ما تحاوليش تداري شخصيتك في كتابة حاجة مش شبهك يا صفوة.
-بس...
-ما بسش انتِ اللي كنتِ دايمًا تقولي الكاتب الشاطر هو اللي يكتب اللي جواه واللي بيعبر عنه صح؟
أومأت برأسها ليستطرد هو حديثه:
-دي حلوة وأوي كمان بس عارفة أوحش حاجة فيها إن وأنا بقراها ملقتش روح صفوة جواها.
أردفت بتردد:
-عايز تلاقي روح صفوة بجد؟
-أيوة.
مدت يدها بدفتر كبير الحجم نسبيًا ذو لون أسود وهي تقول:
-صفوة جوا ده، جوا وكل حرف اتكتب هنا.
تحسس الغلاف الذي كتب عليه بخط كبير نسبيًا "عشق بلا قيود".

بعد وقت ليس بطويل كان يدخل غرفته بالمنزل سريعا وهو يجلس على المكتب كي يبدأ بالقراءة، لتبدأ عيناه بالمرور على كلماتها الرشيقة، ويبدأ قلبه الشعور بها.
(في حديقة فيلا عائلة المنزلاوي أو بالأصح دعونا نقول قصر عائلة المنزلاوي، يقام حفل زفاف أكبر أحفاد سليمان المنزلاوي (نديم) على (روجين الهاشمي)، أقل ما يقال عن هذا الزفاف أنه رائع للغاية، وكأنه لأمير وأميرة من القصص الخيالية، كل شيء تم تنفيذه بعناية فائقة على أكمل وجه، حتى العروس كانت تسحر الأنظار بفستانها الأبيض البسيط وكأنها حورية من القصص الخيالية.
كل شيء منظم ومعد خصيصًا لتلك الليلة التي يتزوج بها أكبر أحفاد المنزلاوي، الذي يشبه أباه كثيرًا، وتلك الفتاة التي أثبتت قوتها بمجال عملها، ابنة رجل الأعمال أحمد الهاشمي.
وهنا لأول مرة لا يعرف الحضور من منهم أكثر حظًا ليحظى بالآخر؛ فهي فتاة جميلة ذات خلق ومنصب، وهو شاب تحلم به كل فتاة.
في جانب ما كان يجلس سليمان وابناه فاروق وحسين.
وجه سليمان أنظاره إلى حفيده بفخر، كم يشبه أباه في ملامح وجهه وفي طباعه الحسنة، ثم وجه أنظاره بعد لحظات إلى ابنه حسين متسائلًا:
-إياد مرضيش ييجي طبعا صح؟ أنا مش فاهم حصل إيه أصلًا عشان علاقتهم تبقى كده!
نظر له حسين بأسى قائلًا:
-مش عارف يا بابا دول كانوا أقرب اتنين لبعض، بس أنا متأكد إن في حاجة كبيرة حصلت لأن لو مش كده كان جه إياد وحضر الفرح ده.
حاول فاروق تغيير مجرى الحديث فأردف قائلًا:
-خلاص بقى يا جماعة خلينا في الفرح دلوقتي وافرحوا وبعدين نبقى نشوف المشكلة دي.

على الطاولة التي بجانبهم كان يجلس شباب وبنات العائلة.
همست ناردين ليوسف قائلة بإصرار:
-يا يوسف أنا عايزة أقوم أرقص شوية، ده فرح أخويا على فكرة.
نظر لها يوسف بنظرات حارقة، قائلًا والغيرة تطغي على صوته الرخيم:
-إنتِ تسكتي خالص وهتفضلي قاعدة هنا لآخر الفرح، مش كفاية اللي إنتِ لبساه!
نظرت للفستان، ثم له قائلة بتعجب:
-على فكرة الفستان طويل زي ما قولت لي وما فيهوش حاجة أصلًا.
نظر لها بغيرة هاتفًا:
-ما هي المشكلة بقى إن هو ما فيهوش حاجة بس إنتِ اللي حلوة.
احمرت وجنتاها من الخجل قائلة له:
-طب بص هقوم أنا بقى ولو ما سبتنيش أقوم هقول لجدو على فكرة.
-طب قومي، بس لو لقيت حد جه يضايقك هطلب إيدك قدام الناس، وأعملها على فكرة.
نهضت ذاهبة بخطى مسرعة نحو أخيها، وهي تلتفت بين الحين والآخر موجهة أنظارها نحوه وهي تضحك.
-بتضحك أنتَ وهي قدامي كده عادي، ماشي ما هو أنا عشان بداري عليكوا بس.
هتف زياد بهذه الجملة فور أن ذهبت ناردين.
فنظر يوسف باشمئزاز قائلًا:
-تصدق فصلتني، في حد يبقى بيبص للقمر وبعدين يلاقيك في وشه، أقولك أنا قايم من هنا خالص لما أشوف يزيد هينزل ولا لأ.
صعد يوسف إلى الدور العلوي الذي به غرفة يزيد؛ فوجد الغرفة مظلمة وهو يجلس بداخلها، نظر له بأسى قائلًا في محاولة لإخفاء حزنه:
-مش هتنزل ولا إيه؟
أجابه يزيد بنبرة جامدة خالية من أي مشاعر:
-مفيش داعي لنظرة الشفقة دي، أنا هنزل ربع ساعة بالكتير أبارك لنديم وأطلع عشان ميزعلش مش أكتر.
-وأنتَ بقى لما تنزله بحالتك دي مش هيزعل صح؟ يا ابني حاول تخرج من الحالة اللي أنتَ فيها دي و...
قاطعه يزيد بنبرة عالية بعض الشيء:
-محدش ليه دعوة بالحالة اللي أنا فيها، أنا كده مبسوط ومش عايز أنساها، سيبوني في حالي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي