الفصل الخامس و الخمسون

الفصل الخامس والخمسون ..
__________________
سكبت العصير فوق الثلج في كوبين و سارت بهدوء عبر الباب ..
توقفت ما أن أصبحت في غرفة الجلوس ،
حيث كان آريستيد يقلب اسطوانات الأغاني
بانزعاج واضح ،
و بدلا من أن يضع أغنية ما ،
أدار جهاز الراديو وأخيرا وقف مستقيما بينما سمع صوت أغنية قديمة .. فالتقت عيونهما ..
ابتسم لها وقال :
-   أتعلمين ما هو سبب أهمية
تلك الأغاني القديمة ؟!
سألته :
-  ماذا ؟!
قال لها وهو يقترب منها :
-  ليس عليك أن تفكري ،
كل ما عليك القيام به هو الاحساس ..
كان قد عمل حتي وقت متأخر وقد أتي
مباشرة من المحطة ،
كان شعره أشعث ومع أنه كان لا يزال يرتدي بدلته ،
الا أنه بدا متعبا وأكثر تعبا مما قد رأته سابقا ..
ثم أردف :
-  أنتِ حتى لا تفكري باقتراحي ، أليس كذلك ؟!
وبينما كانت الموسيقي الحالمة تنتشر في الغرفة بهدوء ،
حاولت جينيفر التفكير بطريقة
لتتمكن من رفض دعوته بلطف :
-   انها فكرة رائعة ، آريستيد ، لكنني لا أستطيع ..
لقد رفضت عرضه للعطلة الصغيرة الي عالم ديزني ..
توقعت أن يجادلها بالأمر علي الأقل ،
توقعت أن يذكرها أنها أخبرته أن أفلامها المفضلة هي من أعمال ديزني ،
والذهاب هناك سيكون مغامرة للتعرف علي شخصيات ديزني ، وكالعادة فعل عكس ما توقعت ،
لم يجادلها ولم يحاول التحدث عن الرحلة ...
بقي هادئا ومع أنه لم يكن غاضبا ، فلقد
كانت متأكدة أن ابتسامته لم تصل الي عينيه منذ أن أخبرته أن لديها زفاف تعمل علي
اتمامه ولا تستطيع السفر الي فلوريدا بدون سابق انذار ..
كانت قد خلعت حذائها عندما وضعت ستيفاني في الفراش ولكنها كانت مازالت
ترتدي البدلة التي ارتدتها طوال النهار ،
هي أيضا كانت تشعر بالإرهاق في كل عضلة في جسمها ..
وضعت الكوبين علي الطاولة الصغيرة ،
قرب بطاقات السفر التي أحضرها وسارت مقتربة منه وهي تقول له :
-   أنت حقا لطيف جدا ..
ذم شفتيه قائلًا :
-  رائع ، لطيف هي الطريقة الأمثل التي أرغب في أن تصفيني بها ..
ابتسمت جينيفر من تعابير وجهه :
-   أنت تعلم ما أقصد ..
وضع يده علي كتفها وشدها اليه ببطء :
-  لما لا تخبريني ماذا تقصدين ؟!
لم تستطع أن تنسي كيف حمل ستيفاني خلال عرض التلفزيون ،
ولم تنس كيف بدا عندما أخبرتها أنها لا تستطيع الذهاب معه الي ديزني ..
قالت له :
-  لابد أنك مرهق جدا بعد كل هذا النهار الطويل ..
خلع آريستيد الجاكيت وجلس براحة علي الصوفا ،
فأخفضت جينيفر صوت الموسيقي وشغلت أسطوانة مدمجة ،
و قالت :
-  لقد سجل السيد أبراثي العرض اليوم ، ولقد راقبت ستيفاني نفسها عشرات المرات ..
قبل ذهابها للنوم أوقفت ستيفاني الشريط في منتصفه ،
ومن هناك عمدت جينيفر علي البدء به ،
لم تجلس علي الكرسي المقابل
لآريستيد بل جلست علي الصوفا علي بعد خطوات منه وابتسمت كيف أجاب علي أسئلة أماندا ..
ثم قالت له :
-  لقد تمكنت من السيطرة علي الجمهور
بقوة ..
صمتا معا عندما وصلت الكاميرا اليها
وتذكرت كم كانت قلقة ،
أن يضعها آريستيد في موقف محرج ،
و أمام كل هؤلاء الناس ، لكنه لم يفعل ..
والآن تدرك أنها أساءت تقديره ..
تمكنت الكاميرا من تصوير ستيفاني بصورة رائعة ،
و وجدت جينيفر نفسها تضحك
بصوت عالي علي طريقة ابنتها بالتحدث الي الجمهور ،
أخيرا آريستيد من تحدث :
-  انها حقا فتاة ذكية ، حتي لو لاحظ ذلك هذا النهار ..
لم تعطي جينيفر انتباهها ل آريستيد لكنها
استمرت بمتابعة الشريط الذي يظهر آريستيد واخوته وابن عمهم يسبحون ،
وقبل أن ينتهي الشريط أخذ آريستيد الريموت من يدها و أوقف الفيديو ..
مد ساقيه وحرك عنقه وقال :
-   لقد رأيت ما فيه الكفاية ، ماذا عنك ؟!
بحثت جينيفر في وجهه لتري أي نوعا من
السخرية ،
لكنها لم تجد شيئا من ذلك ..
لقد كان جادا جدا ، لم يكن هناك أي مكان للابتسام ولا حتي في عينيه ،
لم يكن هذا آريستيد أبدا !
لقد تعرفت عليه لأقل من شهرين لكنها تتذكر مناسبات قليلة عندما يكون جادا ،
عندما يلوح أمامه ذكري لا يستطيع نسيانها ..
وبذات الصوت الذي تستعمله مع ستيفاني عندما تكون حزينة سألته :
-   ماذا حدث ل جاسون ، يا آريستيد ؟!
أبعد نظراته عنها الي مكان ما في الفراغ ،
أو أنه عاد الي الماضي ..
لم تكن جينيفر متأكدة ولوقت طويل لم يجب ،
وعندما فعل أخيرا كان صوته هادئا جدا مما جعلها تشعر بالتوتر
وهي تسمعه يقول :
-   لقد مات ..
لعدة لحظات كانت الموسيقي الخافتة هي الصوت الوحيد في الغرفة ، خائفة أن أي حركة قد تبعده عن أفكاره الخاصة ،
جلست صامتة منتظرة منه أن يكمل ..
في مخيلته كان لا يزال آريستيد يستطيع رؤية
النمش علي أنف جاسون آرنستو ، و ابتسامته ذات الأسنان الكبيرة ،
ولا يزال يسمع ضحكته العالية ، ما زال يسمع صوت لوح
الغطس وكيف ارتطم رأس جاسون باللوح الخشبي ،
وكيف انتشر الدم عندما سقط جسمه بالماء .
شعر آريستيد وكأنه يتجمد من جديد ،
وكأنه لا يزال يستطيع رؤية الدماء تنتشر بكل مكان وكأنه لا يزال يشعر بجسم جاسون ينزلق من بين يديه ،
والأهم من كل ذلك مازال يشعر
بالرعب في حلقه والخوف الثقيل الذي جمده علي جانب الحوض ..
لم يكن آريستيد متأكدا لماذا يخبر جينيفر أي شيء من هذا ،
ربما لأنها حتي الآن لم تسأله عدة أسئلة ،
ربما رؤيته لذلك الفيلم عن جاسون جعله يدرك أن جينيفر ليست الوحيدة التي هي بحاجة ان تتخلص من مخاوفها ،
و مهما كان السبب وجد نفسه يتحدث بصوت هو نفسه لم يعرفه :
-  كان جاسون ابن عمي ،
لكنه كان أيضا أعز صديق لدي ،
كانت عائلته تعيش علي بعد مبني واحد من منزلنا ،
وكنا نمضي معا كل أوقات فراغنا ،
كان لديهم حوض سباحة في باحة منزلهم ونحن لدينا منزل الشجرة و الجيران بين منازلنا كانوا يتذمرون دائما ،
بأننا نقضي علي الأعشاب من خلال ذهابنا وعودتنا ..
شعر آريستيد وكأنه يبتسم لتلك الذكري وشعر بابتسامته تختفي وهو يتابع :
حدث ذلك في صيف حار وملئ بالرطوبة ،
كنا جميعا نسبح ، دريك و لوكاس و جاس وأنا ،
كان العم مارتن يراقبنا وهو جالس تحت ظل الشجرة عندما نادته العمة كاتي الي الداخل ،
ومع أننا كان يمكننا السباحة كالسمك قال لي :
-   أنت الأكبر يا آريستيد ، ابق يقظا علي الآخرين من
أجلي ..
احساس من الخوف سيطر على جينيفر
وأصبح أقوي وأكبر في كل لحظة تمر بينما
كانت تنتظر كلماته التالية ..
التي قالها على الفور بألم واضح :
-  كنا نلعب بالماء كالعادة ،
صعد دريك علي لوح الغطس وأخذ ينثر الماء في كل مكان
،
جيس وأنا خرجنا من الحوض لنفعل ذلك الشيء ،
صعدت أولا ولسبب ما لم ينتظر
جاسون لأبتعد عن طريقه ،
رأيته من زاوية عيني وحاولت أن أسبح وقبل أن أنطلق
مبتعدا نظرت الي الوراء ، انزلق جاسون عن
اللوح الرطب ،
فضربت يداه بالهواء ولمحت نظرة الرعب علي وجهه وأتي رأسه علي حافة اللوح الخشبي ،
بعد مرور لحظة اختفت نظرة الرعب ولكن جزءا من وجهه امتلئ بالدماء ..
لم تعرف جينيفر متي أصبحت يداها علي
وجهها ،
و متي انهمرت الدموع علي خديها ، كل الذي كانت تعرفه أن آريستيد يتألم وليس هناك ما تستطيع القيام به لتساعده ..
-  لابد أن فمي كان مفتوحا ، عندما وقع فوقي كان عاجزا تماما ،
وانزلق من بين يدي صعدت من الماء ، و أنا أكاد أختنق ولم ينهض جاسون أبدا ..
للحظات عدة كان ذلك كل ما قاله آريستيد ،
انتظرت جينيفر وهي بالكاد تتنفس ،
أخيرا همست :
-   كم كان عمرك يا آريستيد ؟!
اجابها وهو يتجنب النظر لعينيها :
-  كنت قد بلغت الثالثة عشر عاما ..
سألته :
-  و كم كان عمر جاسون ؟!
قال :
-  كان أصغر مني بأربعة أشهر ، أربعة أشهر وأسبوع ويوم واحد ..
قالت له بحزن :
-  هل مات جاسون في الماء ؟!
نفى الأمر :
-  لا .. لابد أنني أصبت بصدمة ،
لأنني تمسكت بحافة الحوض وأصبت بالتشنج ،
لكن لو بدأ بالصراخ وجري دريك طلبا للمساعدة ،
رمي عمي مارتن نفسه في الماء ورفع جيس ،
و سمع والداي صراخ لو وقدما علي الفور ، أبعدا
أصابعي عن الحافة ،
و وصلت سيارة الاسعاف
وأخذت جيس الي المستشفى و في تلك الليلة
,أخذ والداي دريك وأنا أيضا الي المستشفى ،
لم يكن يسمح للأطفال الدخول الي غرفة
العناية الفائقة ،
لكنني تمكنت من الدخول الي غرفة جيس سرا ،
كان رأسه مضمدا وكان العم مارتن والعمة كاثي يبكيان وكل واحد منهما يمسك الآخر ..
مرر آريستيد يده في شعره وأخيرا فهمت
جينيفر لماذا تغير هكذا عندما ذكرت العملية الجراحية لستيفاني ،
هو يذكر المستشفيات مع موت صديقه الأعز ، صديق عزيز مات وهو مجرد طفل ..
عندما تكلم ثانية تفاجأت من الحدة التي
ظهرت في صوته المنخفض :
-  كان جيس أطول مني بإنش واحد ،
و كان دائما يتفاخر بذلك لكنني لن أنسي أبدا كم بدا صغيرا في سرير المستشفي ،
كل شيء في تلك الغرفة كان أبيض أو من المواد المعدنية ،
بقيت قريبا من الباب وراقبت جاسون وهو يقاوم ليأخذ
أنفاسه الأخيرة ،
سمعت صوت الآلات والي هذا اليوم لا أستطيع نسيان صراخ عمتي كاثي ..
شعرت جينيفر برجفة في جسمها ، أصبح
جسد آريستيد هادئا لكن ذكريات الماضي تثقل عليه من الناحية العاطفية والجسدية ،
لم يقل أي كلمة عن تعبه وبدلا من ذلك أتي الي
منزلها ومعه ثلاث بطاقات الي عالم ديزني ،
وما الذي فعلته ؟ لقد رفضت دعوته ببرود ...
زيادة عن ابتسامته الجذابة وعناده الهادف ،
كان آريستيد أكثر الرجال حنانا من بين كل
الذين قابلتهم ،
فهو لا يضع عليها أي قيود ،
فقط يريد أن يراها وأن يمضي معها بعض الوقت ،
لقد ذكر الحب باختصار ،
لكنها لا تصدق أنه كان جاد بكلامه ،
انه يريدها .. لكن ليس هناك أي جريمة بذلك ...
الليلة هي المرة الأولي طوال الأسبوع الذي لم تبكي فيه ستيفاني حتي تنام لأنها خائفة من العملية ،
فرحت جينيفر بهذا التغيير ،
لكنها تخشي أنه قصير الأمد ..
نظرت الي الأوراق علي الطاولة وأخذت تفكر بقرارها ،
قدم آريستيد لها تلك البطاقات وهي لا تزال تسمع صوت لورين وهي تحذرها بشأن هدايا رجال عائلة آرنستو .
حدقت بالخطوط الواضحة علي وجهه ،
و بالتعب علي كتفيه ، الآن بدأت جينيفر تفهم السبب ،
كان آريستيد تعبا وقلقا حتى العظام ..
أمسكت بالأوراق وببطء قرأت ما كتب عليها عبر الضوء الخافت
و سألت ببساطة :
-   متي تفكر بالسفر ؟!
ردد بتساؤل:
-  ماذا ؟!
ابتسمت و قالت :
تاريخ السفر لهذه البطاقات يوم بعد غد ، لنرى ..
ثم بدأت تفكر بصوت عالي , وقفت وسارت نحو المطبخ ثم عادت :
-  علي أن أراجع تفاصيل زفاف عائلة كونور مع لورين ،
لكنني متأكدة أنها تستطيع القيام به بمفردها ،
انها تهتم بتفاصيل زفاف أخت سيلا وحفلة عمك بمفردها ، بكل الأحوال .. لا أرغب في الاهتمام بالمناسبتين ،
علي التحدث مع معلمة ستيف وطبيبها وعلي أن أحضر ثياب الصيف ...
أخيرا توقفت أمام طاولة القهوة وقالت :
-  أتعلم آريستيد لست متأكدة أن ثيابها للصيف الماضي تناسبها ..
سأل آريستيد ببطء وهو ينهض علي قدميه :
-  أنت تقصدين أنك ذاهبة ؟!
ابتسمت له قائلة :
-  اعتقد هذا ما أقصده ، فشهر كانون الثاني ليس شهرا مناسبا للزفاف ،
وأنا متأكدة أن بإمكان لورين ،
تولي أمر العمل بالمكتب لعدة أيام ، قال لي أطباء ستيف أن الضحك هو أفضل دواء لها كما أننا بحاجة الي عطلة قصيرة أليس كذلك ؟!
قد يكون آريستيد متعبا ولكنه ليس بأحمق ،
علم ما الذي تفعله ، لقد رأي الدموع في عينيها
عندما أخبرها عن موت جاسون ،
و لأول مرة منذ أن تعرف عليها رأي الدموع علي وجهها ،
لقد ادعت انها لا تبكي أبدا ... أما الليلة فقد بكت من أجله ..
لقد رفضت عرضه منذ نصف ساعة لكن ما أن أخبرها عن جاسون حتي بدلت رأيها ،
لم يحضر آريستيد هذه البطاقات له ، بل أحضرها لأجل جينيفر و ستيف لأنه يريد أن
يعطيهما قليل من السعادة وكثيرا من المرح ،
حدق بعينيها وسار ببطء نحوها ، راقبت اقترابه بعينين ضيقتين وبسرعة رفعت ذقنها لأعلي وأعادت كتفيها للوراء ، وقالت :
-   لا أريدك أن تأخذ أي انطباع خاطئ ، هذا لن يغير أي شيء بيننا ..
أمسك رأس جينيفر براحة يده وآماله قليلا ، و همس :
-   بعد غد سنسافر معا أنا وأنت و ستيف ، وهذا ما سيجمعنا ..
شعر آريستيد أن تعب النهار قد زال عنه ، سار نحو سيارته وهو يشعر بالحماسة وتصور أن لديه سببا لذلك ،
قد تقول انها لا تحبه لكنها تريده وتحتاج اليه ،
والي الآن .. هذا كافي ليقوي آماله ،
وكاف ليبني ما سيجمعهما في المستقبل .
***************
سأل آريستيد ستيفاني :
-  حسنا ، صغيرتي ، ما أفضل لعبة لديك حتي الآن ؟!
كان الجو حولهم ملئ بالفرح ،
وضعت جينيفر عكازي ستيفاني قرب كرسي الطفلة ،
و أخذت مقعدا تحت المظلة ، وراقبت آريستيد وهو يجلس علي الكرسي .
وضعت ستيفاني يدها علي جبينها مفكرة ،
ابتسمت جينيفر عندما أمسك آريستيد أنف ابنتها ،
و أدركت أنها تبتسم طوال النهار ، وقد يرجع ذلك الي الأعمال المختلفة في المطار صباحا ،
أو ربما اختلاف درجة الحرارة ..
لكن جينيفر كانت تعلم أن السبب الحقيقي
أنها مفعمة بالحيوية كما هم أشخاص في الموقف ،
السبب الحقيقي هو الشخص
الجالس قبالتها علي الطاولة الصغيرة ،
السبب هو آريستيد ..
وابتسامته ونظراته الدافئة التي
تخبرها أنه يستمتع بكل لحظة يمضيانها معا تماما كما هي ستيفاني ...
أصغت جينيفر الي آريستيد وستيفاني يتحدثان
وهي تفكر كم مضي وقت طويل منذ أن كان هناك رجل في حياتهما ،
كانت تفكر دائما أن الرجال لديهم طريقة للرحيل عندما تسوء الأمور ،
و لأول مرة منذ أكثر من خمس
سنوات ، فكرت انه ربما هناك بعض الرجال الذين لا يرغبون بالرحيل ...
قالت ستيفاني بحماس :
-   أحب مغامرات الغابة لكن أحب أكثر أرض الخيال ..
تمتم آريستيد :
-   وأنا أيضا أحب الخيال كثيرا ، ستيف ..
نظرت نحو جينيفر قائلة :
-  ماما ، ماذا تحبين أكثر ؟!
قالت لها جينيفر بتفكر والابتسامة لا تفارق شفتيها :
-  أحب مغامرات بيتر بان ، و أحب كثيرا واحة ديزني ،
لكن أعتقد المكان المفضل لدي العالم الصغير ..
سأل آريستيد بصوت عميق :
-   ولماذا ذلك المكان ؟!
نزعت الغلاف عن قطعة البيتزا ونظرت حولها كل ما حولها يشع من الاشراق همست :
-   اسمعا ....
نظر آريستيد وستيف اليها وببطء نظرا حولهما فسألت :
-   سمعتما ذلك ؟ هؤلاء الناس من اليابان ،
وهؤلاء من الأرجنتين ، و الي اليسار هناك من يتحدث الفرنسية والي اليمين الإسبانية ،
لا أعرف لغة العائلة التي تجلس وراءنا ،
وها نحن نتحدث الانجليزية ، وكأن المكان هنا هو عالمنا الصغير ..
قالت ستيف :
-   بالطبع ، ماما ، انها مملكة ..
بعد مرور عدة ساعات وبعد أن بدأت الشمس بالمغيب والاختفاء وراء الأفق وبعد أن شاهدوا الألعاب النارية الرائعة ،
قالت ستيفاني :
-  انني متعبة ، آريستيد ، هل تحملني ؟
فكر آريستيد بأخبارها أنها متعبة لأنها عنيدة
ورفضت الكرسي الدولاب الذي آمنه لها
المنتزه ،
أراد أن يقول لها أيضا أنه ليس من
داع لتعتمد علي العكازتين لأيام قليلة ، لكنه لا يريد ازعاجها ... ليس اليوم ،
حتي أن فكر أن يقول لها أنها عنيدة مثل والدتها ،
لكنه لا يريد ازعاج جينيفر أيضا ،
و بدلا من أن يقول ذلك ، انحني حتي أصبح علي مستوي ستيف وغمز لها :
-  ما رأيك في أن أحملك علي ظهري ؟!
رأي ستيفاني تعطي عكازتيها لأمها وشعر
بذراعيها النحيلتين تطوقان عنقه ،
كان دائما قلقا مع الأطفال ،
لكنه بسهولة أمسك ساقي الفتاة المعدنيتين ووقف ، بدون أي مجهود حملها من المكتب الأمامي ،
الي احدي الغرف الثلاثة المتصلة في الطابق الثالث .
فتحت جينيفر الباب بالمفتاح ، فتبعها آريستيد الي الداخل وسار ووضع ستيفاني علي السرير بضحكة تراجعت الفتاة للوراء ..
قالت جينيفر بنعومة :
-  أيتها الشابة الصغيرة ،
ما زال هناك آثار لكل ما أكلت منه اليوم علي ثيابك ، هيا عزيزتي .. سأساعدك علي الاستحمام .
سار آريستيد الي طاولة الماكياج حيث وضعت جينيفر المفتاح ،
و فتح الباب الآخر ، وقال :
-   سأذهب لأستحم في الغرفة الأخري ، الا اذا أردت مساعدتي أنا أيضا ..
قالت ستيفاني :
-   أنت كبير ، ولا تحتاج لأي مساعدة ..
ضحكت ستيفاني فنظرت جينيفر من ابنتها الي الطفل الكبير الذي ابتسم الي ستيفاني وتمتم :
-   آه .. لا أعرف .. سآخذ كل ما يقدم لي ..
راقبت جينيفر وهو يغمز لابنتها ويبتسم
وكيف أصبحت عيناه مليئة بالجدية عندما نظر اليها ،
لقد رأت تلك التعابير مرات عدة ، فالصبي الصغير يظهر عندما يبتسم لكن يعود الرجل ما أن تغيب الضحكة .
علم أنها لن تهتم له فخرج من الغرفة ،
بدأت جينيفر بإعداد الماء وأخذت بيجاما الطفلة من الحقيبة وهي تفكر بلمعان عيني آريستيد طوال الوقت ..
نزعت القضبان المعدنية عن ساقي ستيفاني
ولم تستطع القول أنه في غضون أيام لن تحتاج ستيفاني لها بعد الآن ،
حملتها الي الغرفة الداخلية بعد أن أنهت استحمامها ،
نظرتا لتجدا آريستيد متكئا يراقبهما وكأن لديه كل الوقت في العالم ..
شعرت جينيفر بقلبها يخفق بقوة ،
و عمدت علي مساعدة ابنتها علي ارتداء ثوب النوم ...
-  يمكنني القيام بذلك بنفسي ..
اقترب آريستيد منهما وعرض أن يضع ستيفاني في الفراش ويجلس قربها حتي تنام ،
وهكذا ستتمكن جينيفر من الاستحمام .
أخذت ما تحتاج اليه من حقيبتها ودخلت عبر الباب المتصل الي الغرفة الأخرى ..
راقبها آريستيد تخرج مع أنه كان يولي اهتمامه لستيفاني ...
سألت ستيفاني وهي تكاد تنام :
-   هل تعتقد أنك تستطيع تعليمي كيف ألعب كرة السلة ،
يا آريستيد ..
جلس آريستيد بجانبها علي السرير :
-  هذا أول أمر سنقوم به عند الصباح ..
نظرت ستيفاني الي ساعتها وكأنها في الخمسين من عمرها وليست الخامسة ،
ثم قالت نفس جملة امها :
-   أصبح الوقت متأخرا ، لا أعتقد أنني بقيت مستيقظة الي هذا الوقت من قبل ..
وبصوت أكثر جدية قالت :
-   أني سعيدة أنك أتيت معي ومع والدتي الي عالم ديزني ، آريستيد ..
انحنى يقبل جبهتها قائلا :
-  وأنا كذلك ، يا صغيرتي ..
أطفأ النور وشد الغطاء حتى أذنيها ..
نادته :
-  آريستيد ؟
اجابها بلطف :
-  نعم ..
قالت له ببراءة :
-  هل حقا ستبقي بقربي حتي أنام ؟!
تنهد مجيبًا :
-  نعم .. سأفعل .. أعدك ...
ثم جلس علي الكرسي المقابل للسرير براحة منتظرا .
سألت ستيفاني بعد وقت قصير :
-   آريستيد ؟
ردد :
-  مممم ؟
قالت له بصوت ناعس :
-   أحبك ..
تلك الكلمة جعلته يشعر بغصة في حلقه
وبألم في صدره وبصوت عميق همس :
-   أحبك أيضا ، يا صغيرتي ..
بعد مرور لحظات سمع أنفاس ستيفاني
المنتظمة ،
لقد احتاج لوقت أطول لتعود
أنفاسه الي طبيعته ، لم يشعر آريستيد يوما أنه قوي و ضعيف هكذا ...
لقد كانت حقا طفلة رائعة ، جميلة وذكية أيضا ..
كم عدد الأطفال في الخامسة الذين يستطيعون العد ومعرفة الوقت ؟!
لقد كان دائما لا يشعر بالراحة قرب الأطفال ،
و علي الأقل منذ أن أصبح عمره ثلاثة عشر ،
لكن ستيفاني لم تلاحظ ذلك ..
لقد أمسكت يده و بقلبه ، ودعته يسير عبر قلقه وهي التي لا
تستطيع السير بمفردها ،
تلك الطفلة تمكنت من الدخول الي قلبه لكن ليس مثل والدتها .. ستيفاني تحبه ،
وقد بدأ آريستيد يقتنع أن والدتها ستحبه أيضا .
ظل يصغي الي أنفاس ستيف العميقة ،
ثم سمع أصواتا في القاعة فنظر ورأي جينيفر تقف بلا حراك عند الباب ...
همست :
-   يجب أن نتحدث بصوت منخفض ..
أمسك بيدها وتمتم :
-   لن يكون ذلك سهلا يا جيني ..
ثم ضمها اليه وعانقها ....
صوت في الغرفة المجاورة شد انتباهها ، شعرت بقلبها يضطرب ..
فأصغت لتسمع ذلك
الصوت ثانية متمنية أن تكون ابنتها بخير ...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي