الفصل الثاني
كل موقف بينهما،كل إيماءة، كل نظرة تثبت لها انه لا و لن يراها بيوم.. و مع ذلك تمالكت مشاعرها المتخبطة و قالت بغضب :
- صغيرتك مجددا ألن تكتفى من تلك الكلمة بعد لقد مللت و ربي مللت إرحمني من تلك الكلمة و لو ليوم واحد .
هز رأسه نافيا و قال بتأكيد :
- لا لم و لن أكتفى .. فأنتى مهما كبرتى ستظلين صغيرتى الجميلة و سأظل أذكرك بها دائماً.
طافت بعينيها على ملامحه التى طبعتها بداخلها آلاف المرات.. فمه المرسوم.. أنفه المعقوف قليلاً عينيه العسلية الساحرة بشرته البيضاء الرائقة ذات الذقن الحليق دائماً.. عطره الذى لم يغيره منذ سنوات و التي كلما صعدت لشقة خالتها حملت زجاجته و تنفست رذاذها بإدمان....
قالت له الجدة بلوم :
- إتركها بحالها يا مروان .. فهى ليست بمزاج لتقبل مزاحك اليومى .
إقترب مروان من الجدة و هو يقول بحب :
- روح مروان وقلب مروان صباح الزهور على عينيكى يا ساحرتى .
أجابته الجدة بحدة و هى تهز رأسها بيأس :
- ألن تتعقل أبداً .. ستظل على حالتك تلك من المزاح الدائم .. أخبرنى هل إستيقظت والدتك؟!
أومأ برأسه مؤكدا و هو يقترب منها و تلك العينان تلاحقانه بهيام زائد قائلا بهدوء :
- نعم .. ستبقى مع أبى قليلا حتى يذهب لعمله وستأتى بعدها .
إلتفتت سارة لآية و زمت شفتيها بشفقة على حالها و نظراتها الملتاعة على أخيها تعلم جيداً أنها تحبه بجنون منذ طفولتهما و هو يعاملها دائماً على أنها طفلة صغيرة و عند بقائه في هذه النقطة لن يترجم شرارات عشقها بيوم.. فقالت لتفيقها من حالة هيامها تلك :
- أسرعى يا آية و إرتدى ملابسك بسرعة لو سمحتى فأنا هذه المرة من تنتظر و انتي تعرفيني جيداً لا أطيق الإنتظار.
إنتفضت آية مذعورة و أجابتها بخجل مرتبك :
_ نعم .. سا .. سأبدل ملابسي حالا لا تقلقي.
فإلتفت مروان برأسه ناحيتهما و قال متعجبا و هو يطالعهما بنظرات ذات مغزى :
- إلى أين فالوقت ما زال مبكرا؟!
أجابته آية بقلق و هى تعدل من حجابها بحركتها المعتادة كلما وصلها صوته الذى يربكها كليا :
- سنذهب لنرى نتيجة إختبارنا .. و أتمنى أن يكون تقديرنا كما نتوقع فنحن الإثنان لم ندخر جهد و أنت تعلم.
ضحك مروان ضحكة عالية و صفق كفيه بتعجب و هو يقول ساخرا :
- ليتنى أعلم كيف لطفلة مثلك أن تكون قد أنهت مرحلتها الثانوية .. و الأكثر إعجازا أنها تنتظر نتيجتها لتتقدم للجامعة .. عجبا !!!
عقدت آية ذراعيها أمام صدرها و قطبت حاجيها وقالت بعصبية :
- و لم العجب يا أستاذ مروان .. فهل ترانى صغيرة لهذا الحد؟!
وقف أمامها يطالع برائتها المحببة إليه و حمرة وجنتيها و هو يقول بمداعبة :
- نعم .. فأنتى ستظلى صغيرتى حتى و لو أصبحتى عجوزا تتكأ على عصا .
إبتلعت آية ريقها تجلي به حلقها الذى جف فجأة إثر كلماته المداعبة لقلبها المتيم به و يعشقه بجنون بينما ضحكت الجدة على شجارهما اليومى و قالت بسخرية :
- من يوم ميلادها و حين حملتها بين يديك و أنت أطلقت عليها صغيرتى .. و منذ ذلك اليوم و نحن نحاول إقناعك أن إسمها آية و لكن دون فائدة .. لقد أصبح عمرها سبعة عشر عاما .. و أنت لم تمل .
عاد بعينيه لجدته و قال بتصميم :
- لا لن أمل .. و رغم ذلك لم الملل فالحقيقة أنها ستظل طفلة صغيرة للأبد .
تنهدت آية بصوت مكتوم دون أن تفتح عيناها..
دلفت عليهم سهام والدة مروان و سارة وخالة آية تطلعت إليهم وقالت بإبتسامتها المعهودة :
- صباح الخير .. هل تأخرت عليكم؟!
أجابتها الجدة مسرعة :
- لا حبيبتى لم تتأخرى .. صباح الخير إبنتى .
ربتت سهام على كتف آية و قالت بحب :
_ صباح الخير حبيبتى .
أجابتها قائلة بإبتسامة رائقة :
_ صباح الخير خالتى .
اقتربت من فراش الجدة و سألتها سهام و هى تجلس بجوارها بحنو و تربت على كفيها المجعدتين :
- كيف حالك أمى هل أنتي بخير اليوم فبالأمس ضغطك كان مرتفع قليلاً ؟!
هزت الجدة رأسها و قالت برضا :
- بخير حال و الحمد لله بنيتى لا تقلقي.
طالعتها سهام بنظرات شاملة و قالت براحة:
_ تبدين أفضل اليوم فشحوب وجهك قد قل و أصبح وجهك طبيعي الحمد لله.
أجابتها آية مسرعة و هي تقول بأسف:
_ أنا اعطيتها شطيرة جبن و كان الملح به زائد فأثرت عليها لكنني من الآن سآخذ حرصي اكثر.
أومات سهام برأسها متفهمة و تطلعت بمروان و قالت له بجدية :
- هيا يا مروان أسرع .
إتجه مروان ناحية الجدة و دنا منها فلفت ذراعيها حول عنقه و تمسكت به .. فحملها بين يديه بحرص و وضعها على مقعداً متحركاً به مكان لقضاء حاجتها لأنها لا تتحرك .. منذ وفاة والدة آية و الصدمة جعلتها طريحة الفراش...
بالحقيقة الخبر نزل كالصاعقة على الجميع حينها و تأثروا بموتها المفاجئ..
و لكن أمها هي من تجرعت كأس الحسرة و الألم قطرة قطرة و كان ألمها بإزدياد كلما وقعت عيناها على آية..
فهي تشبه أمها كثيراً بكل شئ.. ربما مرت السنوات و ذبل الجرح لكنه سيظل نازفاً و مؤلماً حتي وقت اللقاء بعالم آخر لا يعلم ميعاده إلا الله...
إطمأن مروان على جلستها و سألها قائلا بقلق :
- هل أنتى مرتاحة حبيبة قلبى؟!
ربتت على وجنته بكفها المجعد و قالت بحنو :
- نعم حبيبى .. سلمت يداك وعافيتك ..
تنهدت بأسي و قالت و هى مطأطأة رأسها بخجل:
_ أعلم أننى صرت عبئا ثقيلا عليك .
عدلت سارة قميص جدتها و قالت بمزاح :
- عن أى تعب تتحدثين يا جدتي .. ألا تطالعين عضلاته تلك .. أم تظنينها خُدعاً بصرية .
رفع مروان حاجبه بتحفز و قال ساخرا :
- هدأى من توتر أعصابك قليلا أيتها السمجة .. و أخرجيني من رأسك هل فهمتي.
أخرجت له لسانها بحركة طفولية .. فحملت آية صينية الإفطار وذهبت بها إلى المطبخ وهى تزفر بغضب من تجاهله الدائم لها .. القت الصينية بإهمال على الحوض وقالت بضيق :
- صغيرته .. يرانى دائما صغيرته أعمى القلب و النظر .. ليتنى أعلم ما الذى جذبنى به لأحبه بهذا الشكل ذلك البوابة الضخمة .. بارد .
دخلت عليها سارة المطبخ و تابعت همهمتها الغاضبة .. فقالت بتوجس :
- ما هذا تتحدثين مع نفسك .. لا أنتى الإختلاط بك أصبح خطراً .
دفعتها آية بغضب لخارج المطبخ و هى تقول بحدة :
- إخرجي من المطبخ حالا و إلا سأفرغ شحنات غضبى بك .
ضحكت سارة ضحكة عالية و قالت بتشفى :
- تستطعين مهاجمتى بسهولة و أمامه تقفين كالتمثال .. عامة .. أسرعى قليلا لأننى لم أعد أمتلك صبراً .
أومأت آية برأسها و قالت بحنق و هى تجلى الأطباق :
- دقائق قليلة فقط و أنهى مهامى و نذهب مباشرة .
ربتت سارة على ذراعها بحب و تركتها و خرجت .. فعادت لشرودها مجددا بذلك التمثال الحجرى التى تعشقه بجنون لترتسم على شفتيها إبتسامة شغوفة متذكرة كلمة صغيرتى منه .. حتى و لو رآها صغيرة .. تكفى ياء الملكية بها و التى تصاحب إسمها دوما بين شفتيه ...
إرتدت آية ملابسها وخرجت مسرعة ودلفت غرفة جدتها و وجهت حديثها لسارة وقالت بتوتر :
- سارة .. هيا حبيبتى .
ثم تطلعت بسهام و قالت بتهذيب :
- بعد إذنك يا خالتى طبعا .
أجابتها سهام بإبتسامة هادئة :
- إذهبوا حبيباتى .. وفقكم الله .. و ثقتى بكما ليس لها حدود .
فسألهما مروان بتعجب :
- إلى أين أنتما الإثنتين؟!
أجابته آية بتلقائية :
- سنذهب لمقهى الانترنت القابع بأول طريقنا .
فقال لها مروان بتعجب ساخرا و هو يسير نحوها مطأطأ رأسه و مقربأً أذنه منها ربما ما سمعه خطأً :
- ستذهبان إلى أين ؟!! و منذ متى إن شاء الله .. هل ستلعبان ألعاب الفيديو هناك .. و حتي لو مازال الوقت مبكراً للعب.
فقالت له سارة بتجهم :
- لا .. سنحضر النتيجة من موقع مدرستنا على الإنترنت .. لأنه أسرع من هواتفنا.. و شبكة الإنترنت به سريعة جدا.
هز مروان رأسه متفهما و قال بجدية :
- حسنا فهمت .. إبقيا أنتما بالمنزل و أنا سأحضرها لكما .
جذبت سارة آية من ذراعها و قالت له بإمتنان :
- شكرا لك .. سنذهب نحن و نحضرها .. هيا يا آية .
وقفت آية مكانها و لم تتحرك .. كأنها كبلت بالأرضية .. التفتت إليها سارة و طالعتها بتعجب قائلة بضيق :
- فلتتحركى قبل أن يزدحم المكان .
لكنها لم تتحرك.. و قد تعلقت عيونها به.. أما هو فعلى علم مسبقاً بأنها ستنصاع لكلماته كما تفعل دائماً...
كم تمني أن تكون هي أخته و ليست تلك المتمردة.. رغم أنه لا يفضل شخصية ضعيفة كشخصية آية.. يحب الشخصيات العنيدة التي تجهده حتي يصل إليها..
إرتسمت على ملامحه ضحكة خبيثة ووضع يديه بجيبي بنطاله و قال لسارة بتشفى و بنبرته كل التسلط :
- لن تذهب معكِ.
وضعت سارة ذراعيها بجانبي جسدها و سألته بتعجب:
_ لماذا؟!
طالعها مطولاً و قال أخيرا ببطء شديد:
_ ﻷننى قلت أننى من سيحضرها .. هكذا الأمر ببساطة .. سارة .
ضيقت سارة عينيها وطالعتها بسخط و هى تقول بضيق :
- يا إلهى .. لن تتغيرى منذ كنا أطفال و أنتى تتبعى كلامه دون مناقشة .. يا حبيبتى أنتى الآن كبرتى و مقبلة على الجامعة .. إنضجى فهو يتحكم بكِ يا غبية.
طأطأت آية رأسها بخجل وهي لا تمتلك شيئاً لتقوله .. بينما قال لها مروان بصرامة حازمة :
- لا تتدخلى فيما لايعنيكى مجددا .. و أعطونى أرقام جلوسكن .. هيا .
أعطته آية رقمها وهى تتطلع إليه بهيام فهي لن تغضبه منها مهما كلفها الآمر ... لاحظ نظراتها المحدقة به فقال لها ساخرا :
- هل أعطيكى صورة لى .. سيكون أفضل أليس كذلك .
قطبت آية حاجبيها بحزن من تعامله الساخر دائما معها و قالت فى نفسها :
- بَلاك الله على حلاوتك تلك .. لماذا أنت من دون كل الذين اعرفهم اراك بهذا الجمال رغم انه هناك من هو أجمل منك .. هذا هو نصيبي و أحمد الله عليه .
زفر مروان بضيق و هو يقول ساخراً بتشنج غريب:
_ يا الله ستظلين على تلك الحالة من الشرود كثيراً .. أسرعي.
أفاقت من شرودها على صوته المداعب لقلبها المسكين وقالت بتذمر :
_ نعم!!!.... لا لست شاردة و لا شئ.. تفضل.
ناولته ورقتها.. وأعطته سارة ورقة أخرى و قالت و هى تدفعه أمامها بفقدان صبر :
_ هذا هو رقمى التسلسلي و أسرع لا تتأخر هيا .
اجابها و هو منهار من الضحك :
- يكفى .... لن أتأخر إن شاء الله .
لم تكن تعي سبباً لتلك الضوضاء و لا لحالة الهرج و المرج السائدة ببهو بيتهم.. هبطت الدرج و هي تتطلع حولها بتعجب..
فبيتهم دائم الهدوء و السكون.. و لكن تلك الجلبة أصابتها بالقلق و الكثير من الفضول.. أوقفت إحدى عاملات المنزل و سألتها بهمس حذر:
_ إنتظرى قليلاً يا رمزية.. ماذا يحدث بمكتب أبي و ما كل هذه الضجة؟!
مالت عليها رمزية برأسها و قالت بخفوت:
_ لا أعلم شيئاً حبيبتي راما و لكن هناك خطب جلل يحدث.
إتسعت عيني راما و قالت بنبرة باهتة:
_ حدث جلل؟!!
أومأت رمزية برأسها مؤكدة و تابعت هامسة:
_ أظن ان هناك شيئاً خطير يحدث.. لعله خير بإذن الله.
تركتها وسارت خطوتين ثم عادت لها قائلة بعدما تذكرت:
_ هل أحضر الفطور لكِ حبيبتي راما.. فوالدك يبدو أنه سيتأخر بإجتماعه ذاك.
مررت راما أناملها بشعراتها الصفراء الطويلة و قالت بملل و هر تهبط باقي الدرجات وتطالع مكتب والدها أكثر:
_ لا يهم سأنتظره حتي ينتهي و نتناول فطورنا سويا.
اجابتها رمزية مسرعة:
_ كما تريدين حبيبتي.
إستأذنت منها رمزية و إنصرفت.. جلست راما على أحد المقاعد واضعة ساقاً فوق الأخرى و هي تطالع هاتفها بشرود..
إطلعت علي بريدها الإليكتروني و قامت بالرد على رسائلها و هى تشعر بجوع شديد يمزق أمعائها.. شعرت بحركة غريبة بغرفة المكتب فرفعت رأسها مجدداً ناحيته.. حتي خرج من مكتب والدها رجالاً كثُر يتهامسون و قد إرتسم على وجوههم التوتر و بعضهم طالعها بإشفاق لم تفهمه..
و كان من بينهم ضباط شرطة ذات رتب عالية.. إبتلعت ريقها بتوتر من نظراتهم تجاهها.. مالت بجذعها تطالع الغرفة لتتأكد من خلوها..
وقفت بعدما تأكدت من خلو مكتب والدها و دلفت إليه قائلة بإبتسامة خافتة و هي تتطلع خلفها لآثرهم :
_ صباح الخير يا أبي.
وقف مبتسما و لف حول مكتبه حتى أصبح قبالتها و قبل مقدمة رأسها و هو يقول بحنو :
_ ما احلى الصباح منك حبيبتي.
قبلت وجنته و سألته بفضول:
_ من هؤلاء و لما من ضمنهم رجال الشرطة؟!!
إبتلع ريقه بتوتر و أجابها قائلا:
_ هناك منافساً لي على إحدى التوكيلات العالمية و قد هددني بطريقة مخفية أن يحرق مصنعي إن أتممت الصفقة على حسابه لذلك جمعت كل المدراء لدي بشركتي و مصانعي و قدمت بلاغاً للشرطة.
أومأت راما برأسها بتفهم رغم أنها تستشعر شيئاً آخر يخفيه عليها والدها فقالت بقلق مستسلم :
_ هل أنت متأكد أنه هو كذلك و فقط؟!
حاول التماسك حتي لا تلحظ توتره و كذبه و قال بثبات مصطنع:
_ نعم لا تقلقي.
زمت شفتيها و حركت كتفيها و هي تقول بملاح شاردة:
_ كن حريصاً على نفسك يا أبي فأنا لا أملك بالدنيا سواك.
إحتضن وجهها بين كفيه و قال بحنو:
_ و أنا لايهمني بالدنيا سوى أن تكوني سعيدة و بخير حبيبتي.
تركها و دار حول مكتبه مجدداً و هو يخفي قلقه عليها.. فذلك الحيوان لم يهدده بخسارة بأعماله أو به هو شخصياً و لكنه يعلم نقطة ضعفه.. إبنته.. راما!!!
فقرر اللعب على وتره الحساس كي يضغط عليه.. جل ما يشغله هو حمايتها و فقط.. و هذا ما خطط له منذ الأمس سواء مع رجاله أو مع الشرطة و قرر إبعادها بمكان لا يعرفها فيه أحد..
جلس على مكتبه بترفع قائلا بنبرة قاطعة و هو لا يطالعها :
_ إحزمي أغراضك كي تغادرى بعد أيام إلي الإسماعيلية.
فغرت فمها بدهشة و قد إتسعت عيناها و هي تطالعه قائلة بتعجب:
_ الإسماعيلية؟!
اجابها بهدوء و هو يلملم أوراقه و وضعها بحقيبته كي لا تلحظ موته من القلق عليها :
_ نعم الإسماعيلية.
إقتربت منه و إستندت علي سطح مكتبه و قالت ببديهية:
_ انا لم أزرها من قبل و لا أعلم بها شيئا من المؤكد أنك ستأتي معي.
حمل حقيبته و قال ببساطة جمدتها مكانها:
_ لا ستذهبين بمفردك يا راما.
تعلم والدها جيداً فهو رغم حنانه المفرط و دلاله الزائد لها إلا انه يمتلك عقل صلب كالصخر و إذا قال شيئاً سينفذه.. خرجت من سباتها و إلتفت إليه توقفه على باب مكتبه و هي تقول بعدم فهم:
_ و لكن لمَ؟!!
توقف مكانه و إستدار إليها بحركة واحدة و طالعها قليلاً قبل أن يقول بقلق طغي على نظراته و كسي وجهه و لم يتحكم به:
_ لأنني لا أملك من الدنيا سواكِ.
و تركها و خرج بهدوء... لملمت راما شعراتها الصفراء في عقدة و هي تفكر بما قاله، و بما أنه أمر مغادرتها حتمي فلتحاول التأثير عليه عند عودته ليلاً ربما تراجع عن قراره...
دلفت عليها رمزية المكتب و هي مازالت تحتفظ بنبرتها الهامسة من قلقها قائلة:
_ ماذا حدث؟! و لماذا لم يتناول فطوره فهو لم يتناول شئ منذ الأمس سوى الكثير و الكثير من القهوة.
وقفت راما بنافذة غرفة المكتب تطالع إنصراف والدها و وجدته يقف مع بعض الرجال و يعطيهم تعليمات و هم يقفون بصرامة و يستمعون إليه بجدية...
إنتبه على وقفتها فإبتسم و ودعها بإشارة من يديه ملوحاً و صعد سيارته التي إنطلقت به.. و إنتشر الرجال كلاً بمكانه ليزداد شعور الريبة و القلق بداخلها...
صاحت بها رمزية قائلة بنبرة عالية:
_ راما.
إلتفتت إليها و قالت بنبرة هادئة:
_ نعم.
أشارت لها رمزية بالخروج و هي تقول:
_ تعالي معي لتتناولي فطورك كي اعطيكِ دوائك يا حبيبتي.
- صغيرتك مجددا ألن تكتفى من تلك الكلمة بعد لقد مللت و ربي مللت إرحمني من تلك الكلمة و لو ليوم واحد .
هز رأسه نافيا و قال بتأكيد :
- لا لم و لن أكتفى .. فأنتى مهما كبرتى ستظلين صغيرتى الجميلة و سأظل أذكرك بها دائماً.
طافت بعينيها على ملامحه التى طبعتها بداخلها آلاف المرات.. فمه المرسوم.. أنفه المعقوف قليلاً عينيه العسلية الساحرة بشرته البيضاء الرائقة ذات الذقن الحليق دائماً.. عطره الذى لم يغيره منذ سنوات و التي كلما صعدت لشقة خالتها حملت زجاجته و تنفست رذاذها بإدمان....
قالت له الجدة بلوم :
- إتركها بحالها يا مروان .. فهى ليست بمزاج لتقبل مزاحك اليومى .
إقترب مروان من الجدة و هو يقول بحب :
- روح مروان وقلب مروان صباح الزهور على عينيكى يا ساحرتى .
أجابته الجدة بحدة و هى تهز رأسها بيأس :
- ألن تتعقل أبداً .. ستظل على حالتك تلك من المزاح الدائم .. أخبرنى هل إستيقظت والدتك؟!
أومأ برأسه مؤكدا و هو يقترب منها و تلك العينان تلاحقانه بهيام زائد قائلا بهدوء :
- نعم .. ستبقى مع أبى قليلا حتى يذهب لعمله وستأتى بعدها .
إلتفتت سارة لآية و زمت شفتيها بشفقة على حالها و نظراتها الملتاعة على أخيها تعلم جيداً أنها تحبه بجنون منذ طفولتهما و هو يعاملها دائماً على أنها طفلة صغيرة و عند بقائه في هذه النقطة لن يترجم شرارات عشقها بيوم.. فقالت لتفيقها من حالة هيامها تلك :
- أسرعى يا آية و إرتدى ملابسك بسرعة لو سمحتى فأنا هذه المرة من تنتظر و انتي تعرفيني جيداً لا أطيق الإنتظار.
إنتفضت آية مذعورة و أجابتها بخجل مرتبك :
_ نعم .. سا .. سأبدل ملابسي حالا لا تقلقي.
فإلتفت مروان برأسه ناحيتهما و قال متعجبا و هو يطالعهما بنظرات ذات مغزى :
- إلى أين فالوقت ما زال مبكرا؟!
أجابته آية بقلق و هى تعدل من حجابها بحركتها المعتادة كلما وصلها صوته الذى يربكها كليا :
- سنذهب لنرى نتيجة إختبارنا .. و أتمنى أن يكون تقديرنا كما نتوقع فنحن الإثنان لم ندخر جهد و أنت تعلم.
ضحك مروان ضحكة عالية و صفق كفيه بتعجب و هو يقول ساخرا :
- ليتنى أعلم كيف لطفلة مثلك أن تكون قد أنهت مرحلتها الثانوية .. و الأكثر إعجازا أنها تنتظر نتيجتها لتتقدم للجامعة .. عجبا !!!
عقدت آية ذراعيها أمام صدرها و قطبت حاجيها وقالت بعصبية :
- و لم العجب يا أستاذ مروان .. فهل ترانى صغيرة لهذا الحد؟!
وقف أمامها يطالع برائتها المحببة إليه و حمرة وجنتيها و هو يقول بمداعبة :
- نعم .. فأنتى ستظلى صغيرتى حتى و لو أصبحتى عجوزا تتكأ على عصا .
إبتلعت آية ريقها تجلي به حلقها الذى جف فجأة إثر كلماته المداعبة لقلبها المتيم به و يعشقه بجنون بينما ضحكت الجدة على شجارهما اليومى و قالت بسخرية :
- من يوم ميلادها و حين حملتها بين يديك و أنت أطلقت عليها صغيرتى .. و منذ ذلك اليوم و نحن نحاول إقناعك أن إسمها آية و لكن دون فائدة .. لقد أصبح عمرها سبعة عشر عاما .. و أنت لم تمل .
عاد بعينيه لجدته و قال بتصميم :
- لا لن أمل .. و رغم ذلك لم الملل فالحقيقة أنها ستظل طفلة صغيرة للأبد .
تنهدت آية بصوت مكتوم دون أن تفتح عيناها..
دلفت عليهم سهام والدة مروان و سارة وخالة آية تطلعت إليهم وقالت بإبتسامتها المعهودة :
- صباح الخير .. هل تأخرت عليكم؟!
أجابتها الجدة مسرعة :
- لا حبيبتى لم تتأخرى .. صباح الخير إبنتى .
ربتت سهام على كتف آية و قالت بحب :
_ صباح الخير حبيبتى .
أجابتها قائلة بإبتسامة رائقة :
_ صباح الخير خالتى .
اقتربت من فراش الجدة و سألتها سهام و هى تجلس بجوارها بحنو و تربت على كفيها المجعدتين :
- كيف حالك أمى هل أنتي بخير اليوم فبالأمس ضغطك كان مرتفع قليلاً ؟!
هزت الجدة رأسها و قالت برضا :
- بخير حال و الحمد لله بنيتى لا تقلقي.
طالعتها سهام بنظرات شاملة و قالت براحة:
_ تبدين أفضل اليوم فشحوب وجهك قد قل و أصبح وجهك طبيعي الحمد لله.
أجابتها آية مسرعة و هي تقول بأسف:
_ أنا اعطيتها شطيرة جبن و كان الملح به زائد فأثرت عليها لكنني من الآن سآخذ حرصي اكثر.
أومات سهام برأسها متفهمة و تطلعت بمروان و قالت له بجدية :
- هيا يا مروان أسرع .
إتجه مروان ناحية الجدة و دنا منها فلفت ذراعيها حول عنقه و تمسكت به .. فحملها بين يديه بحرص و وضعها على مقعداً متحركاً به مكان لقضاء حاجتها لأنها لا تتحرك .. منذ وفاة والدة آية و الصدمة جعلتها طريحة الفراش...
بالحقيقة الخبر نزل كالصاعقة على الجميع حينها و تأثروا بموتها المفاجئ..
و لكن أمها هي من تجرعت كأس الحسرة و الألم قطرة قطرة و كان ألمها بإزدياد كلما وقعت عيناها على آية..
فهي تشبه أمها كثيراً بكل شئ.. ربما مرت السنوات و ذبل الجرح لكنه سيظل نازفاً و مؤلماً حتي وقت اللقاء بعالم آخر لا يعلم ميعاده إلا الله...
إطمأن مروان على جلستها و سألها قائلا بقلق :
- هل أنتى مرتاحة حبيبة قلبى؟!
ربتت على وجنته بكفها المجعد و قالت بحنو :
- نعم حبيبى .. سلمت يداك وعافيتك ..
تنهدت بأسي و قالت و هى مطأطأة رأسها بخجل:
_ أعلم أننى صرت عبئا ثقيلا عليك .
عدلت سارة قميص جدتها و قالت بمزاح :
- عن أى تعب تتحدثين يا جدتي .. ألا تطالعين عضلاته تلك .. أم تظنينها خُدعاً بصرية .
رفع مروان حاجبه بتحفز و قال ساخرا :
- هدأى من توتر أعصابك قليلا أيتها السمجة .. و أخرجيني من رأسك هل فهمتي.
أخرجت له لسانها بحركة طفولية .. فحملت آية صينية الإفطار وذهبت بها إلى المطبخ وهى تزفر بغضب من تجاهله الدائم لها .. القت الصينية بإهمال على الحوض وقالت بضيق :
- صغيرته .. يرانى دائما صغيرته أعمى القلب و النظر .. ليتنى أعلم ما الذى جذبنى به لأحبه بهذا الشكل ذلك البوابة الضخمة .. بارد .
دخلت عليها سارة المطبخ و تابعت همهمتها الغاضبة .. فقالت بتوجس :
- ما هذا تتحدثين مع نفسك .. لا أنتى الإختلاط بك أصبح خطراً .
دفعتها آية بغضب لخارج المطبخ و هى تقول بحدة :
- إخرجي من المطبخ حالا و إلا سأفرغ شحنات غضبى بك .
ضحكت سارة ضحكة عالية و قالت بتشفى :
- تستطعين مهاجمتى بسهولة و أمامه تقفين كالتمثال .. عامة .. أسرعى قليلا لأننى لم أعد أمتلك صبراً .
أومأت آية برأسها و قالت بحنق و هى تجلى الأطباق :
- دقائق قليلة فقط و أنهى مهامى و نذهب مباشرة .
ربتت سارة على ذراعها بحب و تركتها و خرجت .. فعادت لشرودها مجددا بذلك التمثال الحجرى التى تعشقه بجنون لترتسم على شفتيها إبتسامة شغوفة متذكرة كلمة صغيرتى منه .. حتى و لو رآها صغيرة .. تكفى ياء الملكية بها و التى تصاحب إسمها دوما بين شفتيه ...
إرتدت آية ملابسها وخرجت مسرعة ودلفت غرفة جدتها و وجهت حديثها لسارة وقالت بتوتر :
- سارة .. هيا حبيبتى .
ثم تطلعت بسهام و قالت بتهذيب :
- بعد إذنك يا خالتى طبعا .
أجابتها سهام بإبتسامة هادئة :
- إذهبوا حبيباتى .. وفقكم الله .. و ثقتى بكما ليس لها حدود .
فسألهما مروان بتعجب :
- إلى أين أنتما الإثنتين؟!
أجابته آية بتلقائية :
- سنذهب لمقهى الانترنت القابع بأول طريقنا .
فقال لها مروان بتعجب ساخرا و هو يسير نحوها مطأطأ رأسه و مقربأً أذنه منها ربما ما سمعه خطأً :
- ستذهبان إلى أين ؟!! و منذ متى إن شاء الله .. هل ستلعبان ألعاب الفيديو هناك .. و حتي لو مازال الوقت مبكراً للعب.
فقالت له سارة بتجهم :
- لا .. سنحضر النتيجة من موقع مدرستنا على الإنترنت .. لأنه أسرع من هواتفنا.. و شبكة الإنترنت به سريعة جدا.
هز مروان رأسه متفهما و قال بجدية :
- حسنا فهمت .. إبقيا أنتما بالمنزل و أنا سأحضرها لكما .
جذبت سارة آية من ذراعها و قالت له بإمتنان :
- شكرا لك .. سنذهب نحن و نحضرها .. هيا يا آية .
وقفت آية مكانها و لم تتحرك .. كأنها كبلت بالأرضية .. التفتت إليها سارة و طالعتها بتعجب قائلة بضيق :
- فلتتحركى قبل أن يزدحم المكان .
لكنها لم تتحرك.. و قد تعلقت عيونها به.. أما هو فعلى علم مسبقاً بأنها ستنصاع لكلماته كما تفعل دائماً...
كم تمني أن تكون هي أخته و ليست تلك المتمردة.. رغم أنه لا يفضل شخصية ضعيفة كشخصية آية.. يحب الشخصيات العنيدة التي تجهده حتي يصل إليها..
إرتسمت على ملامحه ضحكة خبيثة ووضع يديه بجيبي بنطاله و قال لسارة بتشفى و بنبرته كل التسلط :
- لن تذهب معكِ.
وضعت سارة ذراعيها بجانبي جسدها و سألته بتعجب:
_ لماذا؟!
طالعها مطولاً و قال أخيرا ببطء شديد:
_ ﻷننى قلت أننى من سيحضرها .. هكذا الأمر ببساطة .. سارة .
ضيقت سارة عينيها وطالعتها بسخط و هى تقول بضيق :
- يا إلهى .. لن تتغيرى منذ كنا أطفال و أنتى تتبعى كلامه دون مناقشة .. يا حبيبتى أنتى الآن كبرتى و مقبلة على الجامعة .. إنضجى فهو يتحكم بكِ يا غبية.
طأطأت آية رأسها بخجل وهي لا تمتلك شيئاً لتقوله .. بينما قال لها مروان بصرامة حازمة :
- لا تتدخلى فيما لايعنيكى مجددا .. و أعطونى أرقام جلوسكن .. هيا .
أعطته آية رقمها وهى تتطلع إليه بهيام فهي لن تغضبه منها مهما كلفها الآمر ... لاحظ نظراتها المحدقة به فقال لها ساخرا :
- هل أعطيكى صورة لى .. سيكون أفضل أليس كذلك .
قطبت آية حاجبيها بحزن من تعامله الساخر دائما معها و قالت فى نفسها :
- بَلاك الله على حلاوتك تلك .. لماذا أنت من دون كل الذين اعرفهم اراك بهذا الجمال رغم انه هناك من هو أجمل منك .. هذا هو نصيبي و أحمد الله عليه .
زفر مروان بضيق و هو يقول ساخراً بتشنج غريب:
_ يا الله ستظلين على تلك الحالة من الشرود كثيراً .. أسرعي.
أفاقت من شرودها على صوته المداعب لقلبها المسكين وقالت بتذمر :
_ نعم!!!.... لا لست شاردة و لا شئ.. تفضل.
ناولته ورقتها.. وأعطته سارة ورقة أخرى و قالت و هى تدفعه أمامها بفقدان صبر :
_ هذا هو رقمى التسلسلي و أسرع لا تتأخر هيا .
اجابها و هو منهار من الضحك :
- يكفى .... لن أتأخر إن شاء الله .
لم تكن تعي سبباً لتلك الضوضاء و لا لحالة الهرج و المرج السائدة ببهو بيتهم.. هبطت الدرج و هي تتطلع حولها بتعجب..
فبيتهم دائم الهدوء و السكون.. و لكن تلك الجلبة أصابتها بالقلق و الكثير من الفضول.. أوقفت إحدى عاملات المنزل و سألتها بهمس حذر:
_ إنتظرى قليلاً يا رمزية.. ماذا يحدث بمكتب أبي و ما كل هذه الضجة؟!
مالت عليها رمزية برأسها و قالت بخفوت:
_ لا أعلم شيئاً حبيبتي راما و لكن هناك خطب جلل يحدث.
إتسعت عيني راما و قالت بنبرة باهتة:
_ حدث جلل؟!!
أومأت رمزية برأسها مؤكدة و تابعت هامسة:
_ أظن ان هناك شيئاً خطير يحدث.. لعله خير بإذن الله.
تركتها وسارت خطوتين ثم عادت لها قائلة بعدما تذكرت:
_ هل أحضر الفطور لكِ حبيبتي راما.. فوالدك يبدو أنه سيتأخر بإجتماعه ذاك.
مررت راما أناملها بشعراتها الصفراء الطويلة و قالت بملل و هر تهبط باقي الدرجات وتطالع مكتب والدها أكثر:
_ لا يهم سأنتظره حتي ينتهي و نتناول فطورنا سويا.
اجابتها رمزية مسرعة:
_ كما تريدين حبيبتي.
إستأذنت منها رمزية و إنصرفت.. جلست راما على أحد المقاعد واضعة ساقاً فوق الأخرى و هي تطالع هاتفها بشرود..
إطلعت علي بريدها الإليكتروني و قامت بالرد على رسائلها و هى تشعر بجوع شديد يمزق أمعائها.. شعرت بحركة غريبة بغرفة المكتب فرفعت رأسها مجدداً ناحيته.. حتي خرج من مكتب والدها رجالاً كثُر يتهامسون و قد إرتسم على وجوههم التوتر و بعضهم طالعها بإشفاق لم تفهمه..
و كان من بينهم ضباط شرطة ذات رتب عالية.. إبتلعت ريقها بتوتر من نظراتهم تجاهها.. مالت بجذعها تطالع الغرفة لتتأكد من خلوها..
وقفت بعدما تأكدت من خلو مكتب والدها و دلفت إليه قائلة بإبتسامة خافتة و هي تتطلع خلفها لآثرهم :
_ صباح الخير يا أبي.
وقف مبتسما و لف حول مكتبه حتى أصبح قبالتها و قبل مقدمة رأسها و هو يقول بحنو :
_ ما احلى الصباح منك حبيبتي.
قبلت وجنته و سألته بفضول:
_ من هؤلاء و لما من ضمنهم رجال الشرطة؟!!
إبتلع ريقه بتوتر و أجابها قائلا:
_ هناك منافساً لي على إحدى التوكيلات العالمية و قد هددني بطريقة مخفية أن يحرق مصنعي إن أتممت الصفقة على حسابه لذلك جمعت كل المدراء لدي بشركتي و مصانعي و قدمت بلاغاً للشرطة.
أومأت راما برأسها بتفهم رغم أنها تستشعر شيئاً آخر يخفيه عليها والدها فقالت بقلق مستسلم :
_ هل أنت متأكد أنه هو كذلك و فقط؟!
حاول التماسك حتي لا تلحظ توتره و كذبه و قال بثبات مصطنع:
_ نعم لا تقلقي.
زمت شفتيها و حركت كتفيها و هي تقول بملاح شاردة:
_ كن حريصاً على نفسك يا أبي فأنا لا أملك بالدنيا سواك.
إحتضن وجهها بين كفيه و قال بحنو:
_ و أنا لايهمني بالدنيا سوى أن تكوني سعيدة و بخير حبيبتي.
تركها و دار حول مكتبه مجدداً و هو يخفي قلقه عليها.. فذلك الحيوان لم يهدده بخسارة بأعماله أو به هو شخصياً و لكنه يعلم نقطة ضعفه.. إبنته.. راما!!!
فقرر اللعب على وتره الحساس كي يضغط عليه.. جل ما يشغله هو حمايتها و فقط.. و هذا ما خطط له منذ الأمس سواء مع رجاله أو مع الشرطة و قرر إبعادها بمكان لا يعرفها فيه أحد..
جلس على مكتبه بترفع قائلا بنبرة قاطعة و هو لا يطالعها :
_ إحزمي أغراضك كي تغادرى بعد أيام إلي الإسماعيلية.
فغرت فمها بدهشة و قد إتسعت عيناها و هي تطالعه قائلة بتعجب:
_ الإسماعيلية؟!
اجابها بهدوء و هو يلملم أوراقه و وضعها بحقيبته كي لا تلحظ موته من القلق عليها :
_ نعم الإسماعيلية.
إقتربت منه و إستندت علي سطح مكتبه و قالت ببديهية:
_ انا لم أزرها من قبل و لا أعلم بها شيئا من المؤكد أنك ستأتي معي.
حمل حقيبته و قال ببساطة جمدتها مكانها:
_ لا ستذهبين بمفردك يا راما.
تعلم والدها جيداً فهو رغم حنانه المفرط و دلاله الزائد لها إلا انه يمتلك عقل صلب كالصخر و إذا قال شيئاً سينفذه.. خرجت من سباتها و إلتفت إليه توقفه على باب مكتبه و هي تقول بعدم فهم:
_ و لكن لمَ؟!!
توقف مكانه و إستدار إليها بحركة واحدة و طالعها قليلاً قبل أن يقول بقلق طغي على نظراته و كسي وجهه و لم يتحكم به:
_ لأنني لا أملك من الدنيا سواكِ.
و تركها و خرج بهدوء... لملمت راما شعراتها الصفراء في عقدة و هي تفكر بما قاله، و بما أنه أمر مغادرتها حتمي فلتحاول التأثير عليه عند عودته ليلاً ربما تراجع عن قراره...
دلفت عليها رمزية المكتب و هي مازالت تحتفظ بنبرتها الهامسة من قلقها قائلة:
_ ماذا حدث؟! و لماذا لم يتناول فطوره فهو لم يتناول شئ منذ الأمس سوى الكثير و الكثير من القهوة.
وقفت راما بنافذة غرفة المكتب تطالع إنصراف والدها و وجدته يقف مع بعض الرجال و يعطيهم تعليمات و هم يقفون بصرامة و يستمعون إليه بجدية...
إنتبه على وقفتها فإبتسم و ودعها بإشارة من يديه ملوحاً و صعد سيارته التي إنطلقت به.. و إنتشر الرجال كلاً بمكانه ليزداد شعور الريبة و القلق بداخلها...
صاحت بها رمزية قائلة بنبرة عالية:
_ راما.
إلتفتت إليها و قالت بنبرة هادئة:
_ نعم.
أشارت لها رمزية بالخروج و هي تقول:
_ تعالي معي لتتناولي فطورك كي اعطيكِ دوائك يا حبيبتي.