الفصل الرابع و الخمسون

الفصل الرابع والخمسون ..
_________________
قالت له بحزن :
-  لا تحاول آريستيد ، لا يستحق ذلك العناء ..
وطالما نحن نتحدث عن الوقت ، أريد أن أشكرك علي كل شيء ، لأنك جعلت ستيف تضحك ،
وعلي الهدايا ، لكن الآن عليك أن تتوقف عن ذلك آريستيد ،
حان الوقت لأنهاء كل هذا للمرة الأخيرة وقبل أن يشعر أحدنا
بالأسي ..
ارتدي آريستيد معطفه وسار نحو الباب الذي كانت تمسك به وقال لها :
-   ما رأيك بأغنيتنا ؟!
قالت له بصرامة :
-  انها ليست أغنيتنا وسيكون من الأفضل ألا ترسل لي أي أغنية أخري آريستيد ،
و من الأفضل أن ينتهي كل شيء ..
قال لها بتحدِ واضح :
-  كان يجب أن تعرفيني جيدا ، لتعلمي أنني لا أستسلم بسهولة ،
هذه طريق أخري نحن عائلة آرنستو نتناولها من جيل الي جيل ، لدينا عناد شديد .. نتوارثه كل واحد منا ..
تراجعت جينيفر خطوة للوراء واستدارت ..
حدق آريستيد بتعابير وجهها الغامضة ،
قبل أن يتجه نحو الباب ، ثم غادر المنزل وتمكن من
القيادة الي كريت ،
لم يتمكن من ابعاد نظرة جينيفر عن مخيلته ،
لم يعلم سبب تلك النظرة ،
لكنه سبب لها الألم ، ومقابل حياته كلها لن يعلم ما الذي قاله لتبدو بكل هذا الحزن ...
لم يعجبه أن يرى الألم في عينيها ، و كان مصمما علي أن يكتشف ما الذي سببه وما الذي قاله وذكرها به ،
حتي يجد طريقة ليخفف من ذلك الألم في قلبها ...
لن يكون الأمر سهلا خاصة أنها قالت لها وداعا ،
و أقفلت الباب وراؤه ، وهي تقصد ذلك فعلا ،
لن تجعل الأمر سهلا عليه ، ليتمكن من القضاء علي كل مخاوفها ..لأنها لن تجعل من السهل عليه أن يتمكن من رؤيتها ثانية ...
*******
-  انني سعيد لتمكني من مقابلتك قبل أن
تغادر ، يا آريستيد ..
نظر آريستيد الي رئيسه الذي دخل للتو غرفة الصوت ،
فسأله :
-   ما الأمر ، ويل ؟!
جيمس وليم مكنزي مدير المحطة ، ابتسم
وضرب الملف الذي وضعه علي المكتب بيده وربت علي كتف آريستيد باليد الأخرى وهو يقول له :
-  معدلاتك ، هذا هو الأمر ..
واذا كانت معدلات السمع لديك مرتفعة ،
فهكذا هي معدلات المحطة أيضا ،
انظر الي تلك الاحصاءات ..
وأشار بيده الي الملف قرب يد آريستيد اليسرى
استدار آريستيد وأمسك الملف :
-   هذا رائع ، ويل ..
هز الرجل الآخر رأسه و قال :
-   أنت تعلم يا آريستيد ، أنني أكره أن تناديني ويل ولكن
احتفظ بمعدلاتك عالية هكذا ،
ويمكنك مناداتي بأي اسم مزعج تريده ..
قال له بمرح :
-  هيا ويل ، حقيقة أن الاسم هذا لا يعجبك
يعطيني المرح ..
قال له رئيسه في العمل :
-  سأخبرك ما هو المرح ، المرح أن تتلقي اتصالا من صاحب المحطة كأول عمل لديك في الصباح ،
مادحا بي بسبب جهودي الخلاقة باجتذاب المستمعين ،
قلت له أن تلك المبادرة كانت منك ،
كلها من مجهودك أنت وأقول لك تقديم الأغنيات القديمة عند الساعة العاشرة وثماني وأربعين دقيقة فكرة رائعة ،
لكن في المرة القادمة عندما تريد القيام
بفكرة رائعة ، هل يمكنك أن تتحدث معي
بشأنها ..
أخيرا فتح آريستيد الملف ،
ونظر الي الصورة البيانية علي الصفحة الأمامية ،
من المؤكد أن محطتهم تنتشر في كل مكان ،
مع ازدياد عدد مستمعيهم عند الصباح أكثر من أي وقت
مضي ، ومن ثم يأتي برنامجه المسائي في المرتبة
الثانية ..
قال له رئيسه :
-  استجابة المستمعون بصورة غير معقولة طوال الأسبوع ، وعلي أن أفتح خطا جديدا للهاتف من أجل تعليقاتهم فقط ، هم جميعا يميزون صوتك المسجل ،
ويريدون أن يعرفوا من هي المرأة الخاصة ، وهذا هو الحماس الذي أريده ..
هل تذكر تلك اللوحات الاعلانية التي طلبتها العام الماضي ؟!
آريستيد والذي كان يعاني من ايجاد جزء من هذا الحماس ،
لم يزعج نفسه بالإجابة فالأمر غير مهم ،
لكن تابع وليم مكنزي وكأن آريستيد أجابه :
-   المعتمدون الاقتصاديون للمحطة وافقوا عليها أخيرا ، وستوضع تلك الاعلانات في كل مكان هذا الأسبوع ،
وهناك ارتفاع في مدخولك أيضا .. هيا ..
ان انتهيت من العمل هنا ، الغداء سيكون علي حسابي ..
جلس بصورة مستقيمة علي كرسيه ومرر يده في شعره وقال له :
-   سآخذ العلاوة ويل ، لكن
سأؤجل موعد الغداء لأنني متفق مع دريك
علي مباراة في كرة السلة ..
تعجب ويل قائلًا :
-  مباراة في كرة السلة في شهر كانون الثاني ؟!
هز آريستيد كتفيه بإهمال قائلًا :
-  انه عمل يبعد التوتر ..
ردد ويل :
-  اذا كنت تقول ذلك ..
ثم سار باتجاه الباب الزجاجي واستدار وهو يتابع :
-  اذهب اذا .. لكن اعمل علي تصفيف شعرك في ذات الوقت ..
قال له آريستيد :
-  اقص شعري ؟!
التفت وهو يقول له :
-  نعم ، ان كنت ستظهر في برنامج صباح الخير يا كريت ، فيجب أن تبدو في أفضل حالاتك ..
قال له آريستيد بتعجب :
-  أنت تقصد أنك عملت علي الاتفاق
معهم ؟
هز رأسه نفيًا وهو يقول :
-  لا .. لقد اتصل بي أحدهم هذا الأسبوع وقال أن الضيف الذي سيظهر الأسبوع المقبل قد تعرض لألم حاد في معدته ،
ونقلوه الي المستشفى ولن يتمكن من الحضور ،
ولذلك اتصل صاحب المحطة التلفزيونية ، وبكل الأحوال
... برنامج صباح الخير يا كريت هو لك ..
خرج ويل من الغرفة لكنه توقف متابعا :
-   آه آريستيد ؟ حظا سعيدا مع تلك المرأة ..
ضحك آريستيد متسائلا :
-  و ما الذي جعلك تعتقد أنني بحاجة للحظ ؟!
اجابه ببساطة :
-  لأنك تلقيت علاوة علي الراتب للتو ، و معدل مستمعيك في ارتفاع دائم ، و ها أنت تجلس وكأنك مريض بالخدر ،
فلابد أن السبب هي تلك المرأة ومن خلال النظر اليك يبدو أنها لا تجعل الأمور سهلة عليك ..
وما أن انتهي من كلامه حتي وضع يده علي
ربطة عنقه الغالية الثمن ، واستدار تاركا الباب مفتوحا وسار عبر الممر الطويل ..
حدق آريستيد بالهدوء والفراغ أمامه ،
لقد كانت هناك أوقات حيث زيادة الأجر في العمل ،
وزيادة عدد مستمعيه تجعله يطير في الهواء ،
أما اليوم فبالكاد شعر بالحماس ، لأنه أدرك أنها ليست حقا مهمة ..
فهو لم يقدم أغنية ليزيد عدد مستمعيه لقد قام بذلك ليذكر جينيفر به كل ليلة ...
وعلي ما يبدو أن نصف سكان كريت يتعمدون سماعه ،
لقد كان يشعر أن تلك الأغنية هي الصلة الوحيدة له مع جينيفر ،
وهو غير متأكد ان كانت تصغي اليه بعد أول مرة ،
فهي لم تتصل به في البيت أو المحطة او حتى على هاتفه النقال ،
وبعد عدة أيام من الصمت اتصل بها لكنها لم ترد ،
ترك لها رسالة علي المجيب الآلي لكنها لم ترد اتصاله ،
وتصور آريستيد أنها لا تريد القيام بذلك ،
وكل هذا لأنه قال لها أنه يحبها ..
منذ أن التقي بها في المرة الأولي وهي ترفض
أن ترقص معه ،
ترفض أن تخرج برفقته ، ترفض حتي أن تراه ،
كان يعلم أنها عنيدة ومنذ البداية ، عنيدة أم لا فهو يريد رؤيتها
بالتأكيد ،
ويريد أن يكون معها ولو لم تكن عنيدة هكذا لكانت أدركت أنها تحبه أيضا ،
كانت جينيفر عنيدة صحيح لكنه يحترم قرارها ، ففي النهاية هو واحد من عائلة آرنستو وكل واحد منهم لديه عناد شديد ،
وعلي ما يبدو عناده لا يقاوم ،
أمسك بالملف الذي تركه ويل وأخذ يقلب صفحاته حتي
وصل الي موعد لقائه علي التلفزيون ،
نظر الي الخط الصغير ثم أغلق الملف وعاد لتحريك كتفيه ،
لديه عرض عليه القيام به ،
وامرأة يجب أن يقنعها بحبه ، و هناك الكثير ليحققه للقيام بذلك اذا أراد أن ينجح بالعملين معا ..
راقبت جينيفر وستيفاني من مقعدهما رجال الكاميرا وهم يتأكدون مما يفعلونه ،
تأكدوا من صلاحية المذياع وتحدث المخرج مع أماندا مقدمة البرنامج وحتي الآن لم يكن هناك أي حضور ل آريستيد .
لم تقرر جينيفر أن تخبر ابنتها عن دعوة آريستيد لحضور العرض في التلفزيون ،
لكنها سمعت لورين تتحدث عن ذلك وشعرت بإحساس كثيرا كونها من المتفرجين ،
وببساطة لم تستطع أن تقول لا ، فالعملية الجراحية ل ستيفاني تلوح في الأفق ورؤية آريستيد علي التلفزيون سيجعلها تتخلص من مخاوفها ولو لفترة ..
صفقت ستيفاني مع الجميع عندما تم التعريف عن صاحب الصوت المثير آريستيد آرنستو ومنسق الأغاني الأول في اليونان ،
والرجل الذي ترغب كل النساء في الاستيقاظ علي صوته ،
وصل آريستيد الي المسرح والتقطت الكاميرا شعره الأشقر وعينيه الزرقاوين وكتفيه العريضين ،
نظر الي الكاميرا وكأنه يفعل ذلك طول عمره ،
وكل ما استطاعت جينيفر التفكير فيه كيف كان يبدو عندما قال لها أنه يحبها ..
تمكنت أماندا من التعامل مع حماس الجمهور وسألت آريستيد الأسئلة المطلوبة ، و مرت خمس دقائق من برنامج الساعة الكاملة ..
همست لها ستيفاني :
-  ألست سعيدة اننا أتينا ، ماما ؟!
نظرت الي السعادة الواضحة علي وجه ابنتها ،
ثم ابتسمت جينيفر وهي تهز رأسها ، لأول مرة منذ أيام تري عيني ابنتها تلمعان من السعادة ،
و يبدو أنها نسيت أمر الجراحة وهي متوترة بسبب الأنوار المشرقة وكل ما يجري من أعمال وراء المسرح ..
أصغت جينيفر بينما كان يجيب عن سؤال
ماكر عن حب حياته وعن المرأة المميزة التي يرسل لها الأغاني كل ليلة ، ابتسامته الهادئة
أظهرت بعض التوتر علي وجهه ....
فعلمت جينيفر أن ستيفاني ليست الوحيدة المتوترة اليوم ..
لقد قال لها أنه يحبها ،
وهي لا تريد أن تسبب له الأذى لكنه لم يقبل الرفض كجواب نهائي ،
و هي لم تقابل يوما رجلا مثله عنيد جدا ، ومثير جدا ،
ولطيف جدا ..
خلال استراحة اعلانية في نصف البرنامج
لاحظ آريستيد جينيفر تأخذ ابنتها نحو غرفة الاستراحة ،
تبعها بنظراته عبر القاعة ،
و كان هناك عدد من الرجال ينظرون اليها ومع كل
ما لديها من دقة في الملاحظة يشك آريستيد أنها كانت تعي النظرات من الاعجاب ،
هي ببساطة وبطريقة لا شعورية لا تعيرها أي اهتمام ...
أخذ كوبا من الماء من أحد العمال وأخذ يراقب جينيفر ،
و بدون شك هي امرأة جميلة جدا ،
لكن بطريقة ما تمكنت جينيفر من
جعل شخصيتها قوية لدرجة أن جمالها أصبح ثانويا لديها ..
تركت شعرها متدليا علي كتفها اليوم ،
شعرها لامس وجهها ويتموج علي ظهرها ،
كل ما فيها يتحدث عن النعومة والتميز ،
بدلتها البنية ، مكياجها الهادئ ، وحتي المجوهرات التي ترتديها والتي تتألف من ثلاثة خطوط من اللؤلؤ علي عنقها وخط واحد حول رسغها ، كلها اشياء تخطف قلبه ، ولكنها لا تعي ذلك ..
الاعلان عن انتهاء الاستراحة أتي في اللحظة التي انكشفت فيه من أمامه ،
جلس آريستيد براحة علي مقعد المسرح ،
وهو سعيد كيف مضي هذا الصباح ..
بدأت الكاميرا تعمل ثانية ،
و مرة ثانية وجد آريستيد نفسه يرد علي أسئلة أماندا بشأن امرأة حياته ،
نظر الي الجمهور ورأي جينيفر وستيفاني تعودان الي مقعديهما ...
رفع حاجبه ونظر الي أماندا بنظرة مشاكسة وقال :
-   حسنا ، هناك حقا امرأة مميزة في حياتي ..
جواب آريستيد جمد حركة جينيفر ،
فشعرت بالدماء تتدفق الي رأسها ،
و الشيء الثاني الذي علمته ، أن آريستيد يسير نحوها !
و فجأة تبعته الكاميرا ، و هذا ما جعل جينيفر تشعر وكأنها غزال وقف مكانه بسبب الأضواء المتسلطة عليه .
سألها آريستيد بهدوء :
-  هل تمانعين اذا جلست ستيف
معي لعدة دقائق ؟!
لابد أنها هزت رأسها موافقة ،
لأن آريستيد وضع يديه حول خصر ستيفاني ،
و رفعها بين ذراعيه القويتين وحملها الي المسرح ،
للحظة كانت تشعر بالرعب أن آريستيد سيعلن حبه لها علي التلفزيون لكنه أكثر تعقلا من ذلك ...
شعرت بالراحة وبقيت مكانها تراقب من
خلال المكان المحدد للمشاهدين ،
وضع آريستيد ستيفاني علي ركبته وكأنه حملها هكذا مئات المرات ،
لكن جينيفر لم يفتها ملاحظة يده
التي أبقاها علي كتف ابنتها كي يحميها ،
تمتم وهو يبتسم :
-   هذه هي المرأة المميزة التي كنت أخبرك عنها ..
تأملت أماندا الضيفة الجديدة ونظرت
ستيفاني الي الكاميرا ، وكأنها ولدت وهي تفعل
ذلك وقالت بخجل :
-   آريستيد أنت تبدو كنجم سينمائي ..
هزت جينيفر رأسها عندما حرك آريستيد رأسه بسبب المديح ،
ثم نظر الي جهتها ولمعت عيناه كضوء القمر ، أعاد انتباهه الي أسئلة أماندا
لكنه مر وقت طويل قبل أن تعود أنفاس جينيفر الي طبيعتها ..
كانت تدرك تماما مدي قوته ، وكذلك معظم النساء في كريت ،
من المؤكد أن صوته عميق و مثير ،
لكن ليست بدلته ولا صوته هما سبب خفقان قلبها ،
انها ابتسامته ونظرة عينيه ،
انه الكلام الذي قاله والذي لم يقله ،
انها طريقته كيف بدا أمام الكاميرا وكيف نظر
الي ستيف ،
حتي هي أصبحت تنادي ابنتها باسمها المصغر ..
أخبرت ستيفاني أماندا عن أخو ايمي جو
باركر وأن آريستيد ساعدها في صنع رجل الثلج ،
و بعد لحظات قالت بصوت منخفض :
-  أريد أن أعود الي ماما الآن ..
وأمام ملايين المشاهدين أعطت آريستيد حضن وقبلة ...
مع أن جينيفر ليست من النساء اللاتي
تبكين بسهولة ،
لكنها وجدت من الصعوبة أن تري من خلال الدموع التي ترقرقت في عينيها في هذه اللحظة ،
أخذت ابنتها الي مقعدها وهي تفكر أن لديها أجمل طفلة في العالم ..
قالت أماندا الي الجمهور :
-  أعلم أن عددا كبيرا من النساء يرغبن أن تري صاحب الصوت المثير كيف يبدو بدون قميص ،
والشكر يعود ال أخيه ، فقد حدث أنهما قدما لي شريطا مصورا ، ضعه يا راندي ..
ضحكت جينيفر مثل كل المشاهدين عندما وضع الشريط الذي استغرق خمسة عشرة ثانية ،
قالت أماندا أن آريستيد بدون قميص وكانت علي حق لكن في الشريط كان آريستيد في العاشرة من عمره ..
كانت لا تزال تضحك وهي تنظر الي شاشة العرض وللحظة النظرة التي في عيني آريستيد أبعدت الضحكة عن وجهها ،
كان يراقب الفيلم وأصبحت عيناه مظلمتين بسبب عاطفة قوية سيطرت عليه ،
تمكن من التخلص من تلك الأحاسيس بسرعة لكن
جينيفر وجدت نفسها تنظر الي الفيلم ثانية باحثة عن سبب لمعان الحزن في عينيه ...
سألت أماندا :
-   هل تريد أن تخبرنا من هؤلاء الشباب الأربعة المثيرين ؟!
أجاب آريستيد بهدوء :
-   هذا أنا علي لوح الغطس ..
تساءلت جينيفر ان كانت هي الوحيدة التي سمعت الحزن العميق في صوته ؟!
ثم تابع بنفس النبرة :
-  وهذان الاثنان الي يميني هما اولاد عمي وشقيقاي واللذان هما الآن في مشكلة كبيرة ..
سألته بإصرار :
-  والولد الآخر ؟!
ساد لحظة من الصمت ، لحظة ثقيلة وتعجبت جينيفر كيف لا يلاحظ أحد غيرها ذلك ،
حتى قال لها :
-  ابن عمي الآخر ، جاسون ..
غيرت أماندا الموضوع وعاد آريستيد الي طبيعته مجيبا علي الأسئلة بهدوء ،
كان آريستيد سيد في اخفاء مشاعره ،
لكن جينيفر تشك ان كانت تستطيع أن تنسي تلك النظرة في عينيه ،
والتي رأتها وهو يراقب الفيلم ، ورأتها من قبل وهم يصنعون رجل الثلج ،وحين سألته ستيف عن جاسون ..
وهذا ما جعلها تفكر أنه لم يعش حياة مرحة مستهترة في النهاية كما كانت تعتقد ..
انتهت أخيرا الساعة الطويلة للبرنامج ،
فتنفس آريستيد بعمق وهو يشعر بتعب شديد ،
العمل في التلفزيون مرهق ،
ومن الآن فصاعدا سيعتمد علي البقاء في الاذاعة ...
صفق الجمهور كثيرا وبالكاد سمع آريستيد ذلك ،
كل الذي كان يريده أن يجد جينيفر
وستيفاني والذهاب الي المنزل ،
وقبل أن يتقدم قاطعه مديره ويل :
-  آريستيد لقد كنت أتحدث مع السوق ، الاقبال علي برنامج الصباح كان مذهلا ،
وأعتقد أن صورتك طبعت في كل منزل في البلاد ،
كما وأن الفتاة الصغيرة مع القضبان المعدنية كانت مذهلة ،
واحد من المعلمين لدينا يريد أن يرسلها هي وأسرتها الي ديزني ..
اعتبر آريستيد أن رد فعله البطيئة تعود لسبب أو اثنين ،
اما الارهاق أو ربما الصدمة التي شعر بها ورغبته في السيطرة علي أعصابه بعد رؤيته لذلك الفيلم ،
مما ترك رأس آريستيد يدوي كالرعد ،
كذلك اللم في معدته جعله يشعر بفقدان السيطرة علي نفسه ، تقبل آريستيد تهنئة ويل وسلامه ،
و أخيرا أبعد نفسه عن مديره ،
و في الوقت الذي وصل فيه الي المكان كان قد فقد جينيفر و ستيف ،
فلم تكونا في أي مكان يستطيع ايجادهما فيه ..
سأل حوله فأجابه أحد المصورين :
-   لقد غادرتا للتو ، كانت الفتاة الصغيرة مرهقة وأخذتها الأم الي البيت ،
المرأة جميلة جدا أليس كذلك ؟ والطفلة تبدو تماما مثلها ،
أمر مؤسف أنها معاقة ، كان من الممكن أن تصبح
غاية الجمال في يوم ما ..
شد علي يديه حتي أصبحتا قبضتين وحدق بالرجل غاضبا والذي كان يشرب القهوة وكأنه لم يقل شيئا مهينا ،
احتاج لكل قوة ارادته ليتمكن من الاستدارة والمغادرة بينما كان يرغب أن يغير ملامح ذلك الرجل ..
كان بإمكانها أن تصبح غاية الجمال ،
تلك الفتاة الصغيرة هي حقا جميلة ،
كما وأن لديها قوة شخصية وذكاء في اصبعها الصغير أكثر من جسم ذلك الرجل الأحمق كله ..
وصل آريستيد الي منتصف الغرفة حين بدأ يهدأ ولأول مرة يفهم حقا نوع المصاعب التي
واجهتها كل من جينيفر وستيفاني في كل يوم طوال الخمس سنوات ،
لا عجب أن العملية مهمة جدا ل جينيفر ولا عجب أن ستيفاني خائفة جدا منها ..
لم تذكر جينيفر مخاوف ستيفاني مرة ثانية ،
و لكن من الواضح أن ستيفاني لا تسهل أمر العملية علي أمها فالتوتر واضح في عيني جينيفر ..
كان آريستيد يعلم دائما أن عواطف جينيفر عميقة جدا ،
لقد اعتقد أن بعض المرح و الكثير من سحر آرنستو قد يزيل كل تلك المخاوف ،
وحتي الأطباء قالوا لها كم هو مهم التفكير الايجابي لنجاح العملية والتمارين اللاحقة ،
تمني آريستيد لو أن هناك ما يستطيع القيام به ليساعدهما ،
ولكن لسوء الحظ شعر بأن سحره قليل جدا فالذي يحتاجانه أيام مليئة بالفرح والمرح ..
عالم ديزني .. ويل قال أن أحد المعلنين قدم
لعائلة ستيفاني بطاقات للذهاب الي ديوني ،
أيام مليئة بالفرح وعالم ديزني متطابقان ..
وسع آريستيد خطواته واقترب من مديره ،
كانت الأفكار تتسارع في رأسه وهو يقول له :
-  ويل ، بشأن تلك البطاقات الي عالم ديزني
هل تعتقد أنه بإمكانك الحصول عليها لنقل في ..
غضون ساعات ؟!
كان علي آريستيد أن يتحمل بضع التعليقات السمجة من ويل ونقاش طويل عمن هو المدير هنا ، لكن بعد مرور ساعتين ...
وليم جيمس مكنزي وضع مغلفا بين يدي آريستيد الممدودتين .
قام آريستيد آرنستو تماما بما أمر به الطبيب .
كانت تشعر بدوار في رأسها ،
فمدت جينيفر يدها لتحضر كوبا آخر وأمسكت بإبريق العصير ..
مر السيد أبراثي في وقت سابق ،
وقد اتصلت لورين لتسأل ستيفاني كيف تشعر الآن كونها أصبحت نجمة ،
ولا أحد منهما جعلها تشعر بدوار مثلما فعل آريستيد الذي كان قد
وصل الي منزلها منذ بضع دقائق ،
وسيم جدا في بدلته السوداء مما جعل أنفاسها تحبس في حلقها ، وفي لحظة بدا مرتاحا جدا في غرفة الجلوس ،
بينما كانت تحاول جاهدة أن تفكر بمنطق ..
سكبت العصير فوق الثلج في كوبين و سارت بهدوء عبر الباب ..
توقفت ما أن أصبحت في غرفة الجلوس ،
حيث كان آريستيد يقلب اسطوانات الأغاني
بانزعاج واضح ،
و بدلا من أن يضع أغنية ما ،
أدار جهاز الراديو وأخيرا وقف مستقيما بينما سمع صوت أغنية قديمة .. فالتقت عيونهما ..
ابتسم لها وقال :
-   أتعلمين ما هو سبب أهمية
تلك الأغاني القديمة ؟!
سألته :
-  ماذا ؟!
قال لها وهو يقترب منها :
-  ليس عليك أن تفكري ،
كل ما عليك القيام به هو الاحساس ..
________________
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي