الفصل الرابع
-لا تقل هذا يا صديقي .. فلديك قلب أبيض يود الوقوع في الحب .. فقط أعطي له المجال
ابتسم جوزيف وهو يحرك رأسه ثم تحدث في حيرة :
-ما هذا الحديث الرائع يا صديقي .. أنا لا استطيع الرد عليك يا شاعري الخاص .. فقد احترت بكلماتك الرائعة
ابتسم ارنو ثم اعتدل في جلسته قائلًا :
-المدير المسؤول عن إعلانات الشركة في انتظار آذن الدخول
أومأ برأسه مشيرًا له أن يجعله يدخل فنهض عن المقعد وخرج ليعود و معه فيليب .. جلس الثلاثة حول طاولة الاجتماع و بدأ فيليب يعرض بعض صور المشاهير على جوزيف كي يختار من بينهم بطلة إعلان عطره الجديد .. كان يتطلع إلى صور المشاهير وهو لم يعرف أي منهم و فيليب هو من قام بإخباره عن أسمائهم واعمالهم السينمائية ..
من كثرة تركيز جوزيف بعمله فقط ليس لديه وقت لأخبار المشاهير ومشاهدة الأفلام .. أخذ يتطلع إلى الصور حتى أختار لاعب كورة معروف ليكون بطل إعلان العطر الرجالي و اختار ممثلة لتكون بطلة العطر النسائي .. وافق الاثنان على اختياره وأخذ فيليب يشرح له فكرة الإعلان ..
كان يستمع جوزيف إليه باهتمام واضح ولم يشعر بالحماس من تلك الفكرة .. انتظر حتى انهى حديثه و قال بجدية :
-أريد فكرة إعلان جديده .. لم أراها من قبل
-حسنا جوزيف بك .. سأعرض عليك الفكرة التي لم تراها من قبل
قال كلماته الأخيرة ببعض من السخرية لينتبه جوزيف من حديثه الساخر ثم لملم فيليب أغراضه وغادر غرفة المكتب .. ابتسم جوزيف بخفة وقال :
-اللعين يسخر من حديثي
***
-علمت بكل شيء يا عمي
هتف بتلك الكلمات توماس وهو يقتحم غرفة المعيشة على والده وعمه دانييل دون استئذان .. لينظر عمه إليه بعدم فهم فيما جلس توماس على الاريكة المقابلة لهم تتبادل نظراته بينهم ثم تساءل مبتسما :
-لما تحدقون بي هكذا ؟!
رد دانييل بك على سؤاله بسؤال :
-بماذا علمت يا توماس ؟!
ليجيب على عمه بكل برود و وقاحة :
-علمت بان جوزيف هرب من المنزل .. لم تقدر على تربية جوزيف يا العم
-توقف عن الحديث توماس .. وهذا ليس من شأنك
قذف والده تلك الكلمات من فمه بحده بالغة فنظر توماس إليه بتذمر واضح ثم تحدث بحنق :
-جوزيف عصى أوامر والده ولم يتزوج من الفتاة .. وأنا مستعد أن اتزوجها بدلا من جوزيف
ابتسم دانييل بك ساخرا على ابن شقيقه الذي يأخذ القرارات من نفسه وقال بنبرة ساخرة :
-أنت تأتي كل ليلة من البار سكران يا توماس .. ولم تستطيع أن تتحمل مسؤولية زواج
حاول توماس إقناع والده وعمه لكن بلا جدوى والذي كانت تقف جوار باب الغرفة تستمع إلى حديثهم شعرت بالغضب الشديد من عدم موافقتهم .. فهي والدة توماس و هي من أخبرته أن يقرر الزواج من هذه الفتاة من أجل ملها فقط وليس للحفاظ عليها كما يريد دانييل بك .. عندما استمعت إلى حديث دانييل الحاسم وهو أن جوزيف هو الذي سيتزوج من الفتاة زفرت بسأم ثم دخلت لتجد دانييل يقابلها وخرج من الغرفة دون أن يتفوه بكلمه .. تابعت السير وجلست إلى جوار زوجها وقالت بتذمر :
-توماس تطوع وقرر أن يتزوج الفتاة بدلا من جوزيف .. ما المانع اذا ؟!
ليرد زوجها بكل عقلانية :
-دانييل طلب يد الفتاة لجوزيف .. فكيف سيزوجها إلى توماس ؟!
قالت بتأكيد :
-بيرنارد انصت لي .. جوزيف لم يتزوج من الفتاة .. فلما نضيع هذه الفرصة على توماس !
ليرد عليها بتأكيد ممزوج بالتذمر :
-جوزيف سيأتي وسيتزوج من الفتاة
***
الحب يجعل الحياة متفتحة مثل الورود الجميلة بألوانها المختلة .. فدع قلبك يدخل إلى بستان الحب ليتمتع بالحياة لكن حب بصدق واعطي قلبك لمن يستحق ..
وقفت تقلب الطعام ولا زالت شاردة في حديث جان معها اليوم .. فالحب الذي قدمه لها ليس حبا عاديا بل حب بمائة ألف عام من الحب .. جعلها تشعر بكونها فتاة ورفع من قيمتها نسيت انها مجرد خادمة تعمل في منزلهم الكبير فلتفرحي اذا يا أديل فقد فتح لكِ الحب بابه .. فأرجوك يا القدر اجعلها تسير علي درب الحب مدى الحياة ولا تفرق بينهم ..
نظرت إليها الخادمة مكفي التي تبلغ من العمر ثلاثة وأربعون عام وقالت :
-ابنتي أديل .. أحضري خضار غداء اليوم
لم تنتبه أديل من حديثها بفضل شرودها و وجدت نفسها تبتسم عندما تذكرت وضع سبابتها على شفتيه ليتذوق العصير .. بينما نظرت مكفي إليها في تعجب ثم تقدمت نحوها لتضربها بخفة على كتفها من الخلف .. لتفيق أديل وتلتفت إليها بارتباك قائلة :
-عفوا خالة مكفي .. لقد شردت للحظات
-حسنا أحضري الخضار من فضلك
حركت رأسها بالإيجاب واتجهت نحو مخزن الثلاجة الصغير .. فيما تذوقت السيدة مكفي شوربة الطعام لتعجب بها كثيرا و أحضرت أديل الخضار و وقفت تغسله بالماء جيدا ثم بدأت في التقطيع .. بعد لحظات دخلت لويز تطلع إلى أديل بغيظ ثم قالت بحده جعلت أديل تشعر بالخوف منها :
-أديل اتركي ما في يدك واذهبي إلى غرفتك في الحال .. وأنا سأساعد السيدة مكفي في إعداد غداء اليوم
نظرت كلا من أديل ومكفي إلى بعضهما البعض في تعجب .. فهذه المرة الاولى للسيدة لويز أن تعد الطعام بدلا من أديل ثم غسلت أديل يديها وخرجت من المطبخ تطلع إلى الأرض متجه نحو غرفتها الصغيرة التي تقع في نهاية القصر الكبير .. رآها جان وهي تسير فعلم انها لم تعد طعام غداء اليوم وشعر بالغضب .. فلم يعد يتقبل الطعام إلى من يد حبيبة قلبه الجميلة ولهذا قرر أن يترك المنزل ويتناول الغداء في أحد المطاعم الكبيرة ..
دلفت إلى غرفتها و وقفت تنظر حولها بسعادة بالغة وترى غرفتها الصغيرة البسيطة سعيدة بالحب كما لم تراها من قبل .. وكأنها داخل بستان ورود والفراشات تتطاير من حولها بأجنحتها الملونة التي تعطي مظهرا خلاب يرد الروح إلى البدن .. ثم رفعت يديها وأخذت تدور حول نفسها بسعادة وتبتسم خجلا .. بعد ذلك جلست على مقعد المرآة وتذكرت كلمات جان الجريئة وكأن أذنيها تستمع إلى نبرة صوته الأن :
-دعيني انتِ اتذوق تلك الشفاه وامتص رحيقهما لأشعر انني على قيد الحياة
لتشعر بقشعريرة في بدنها بأكمله ثم دفنت وجهها في كفيها بابتسامة واسعة .. وفاقت من تلك المشاعر على صوت دقات الباب .. نهضت على الفور متجه إلى الباب وفتحت إياه تفاجأت بأوجين لأول مرة تأتي إلى غرفتها ولهذا تعجبت وتساءلت :
-تريدن شيء سيدتي ؟!
دفعت أديل بخفة لتتراجع عدة خطوات وكادت أن تسقط لكن لحقت بنفسها و وقفت تحدق بها في دهشة .. دخلت أوجيني وأغلقت الباب بظهرها ثم تطلعت إليها باشمئزاز وقالت بحنق :
-أنتِ مجرد فتاة مزرعة وتعملين هنا خادمة .. فلا تبعثي مع أسيادك يا فتاة ..
انكمش وجهها وتحول إلى اللون الأحمر بسبب حديث أوجيني الجارح معها بينما تابعت أوجيني باستحقار واضح :
-ابتعدي عن جان .. فمن المستحيل أن يتزوج من خادمة
ثم خرجت تاركة كلماتها تبعث حول تلك الفتاة التي تلطخ وجهها بإهانة أوجيني إليها .. وكتمت دموعها حتى شعرت بألم داخل عنقها و صدرها ثم خرجت من الغرفة راكضة إلى الخارج متجه نحو مزرعة الكائنات الصغيرة .. ودخلت لتجلس على مقعد صغير تنظر إليهم وتركت المجال لدموعها لتنهمر من عيناها بقوة وشعرت بألم حاد داخل صدرها
***
عاد جوزيف من العمل الشاق في الثانية عشر بعد منتصف الليل .. فقد قضى اليوم بأكمله في العمل ولم يستريح سوى وقت الطعام فقط .. القى نظرة على الهول ليجده منظم للغاية وايضا المطبخ ولم يرى جين فعلم انها قد ذهبت إلى النوم .. فصعد إلى غرفته ودخل ليجد الغرفة مظلمه ثم خلع معطفه والقى به على الاريكة .. بعد ذلك خلع حذائه ثم حمله ودلف إلى غرفة خزانة ثيابه ليضعها جانب الأحذية بنظام .. تناول ثياب أخرى وخرج ليدخل المرحاض ليضع بدنه المرهق أسفل الماء البارد ..
لم ينتبه حتى الأن إلى تلك الفتاة النائمة على فراشة فقد اختارت تلك الغرفة المنظمة من بين الكثير من غرف هذا المنزل .. غارقة في نوم عميق وبكل اريحية كأنها على فراشها ومنزلها .. خرج هو بعد دقائق قليلة يجفف صدره العاري بالمنشفة ثم اضأ المصباح الكبير .. لفت نظرة شيء يتحرك على فراشه من أسفل الغطاء وضحت العلامات الدهشة على وجهه وعلى وجه السرعة اقترب من الفراش وازاح الغطاء عنها .. أخذ يجز أسنانه بشدة يلتفت حوله حتى وجد كوب ماء أعلى المنضدة الصغيرة حمل إياه و قذف بالمياه على وجهها بعنف ..
استيقظت جين بفزع ثم رفعت بدنها عن الفراش تطلع إليه في دهشة و يبدو عليها النعاس الشديد .. بدأت بفرك عيناها بيديها ونظرت إليه لتتأكد من وجوده أمامها حقا ثم تحدثت بتذمر :
-كيف تدخل الغرفة دون استئذان ؟!
جز على أسنانه قابضا قبضته بقوة وهو يقول بحده :
-أنتِ تنامين في غرفتي يا فتاة
-أخبرتني في السابق .. الغرف هنا كثيرة نامي حيث شئتِ
حرك رأسه يزفر بسأم بينما اتسعت عيناها عيناها عقب رؤيتها إلى صدره العاري وعضلاته البارزة وعلى الفور ادارت وجهها خجلا فيما تحدث جوزيف بعصبية :
-وبالرغم من أن الغرف كثيرة هنا وقع اختيارك على غرفتي يا فتاة
لوحت بيدها وهي تقول بخجل :
-ارتدي شيئا أولا .. ثم تحدث معي
جز أضراسه عنوة حتى استمع إلى صريرهما ثم جلس على حافة الفراش مواليها ظهره قائلا بهدوء :
-أنا لا استطيع العيش بهذه الطريقة .. سأعطي لكِ الكثير من المال وتدعيني وشأني
نظرت إليه بكبرياء واضح وقالت بثقة :
-أنا لا احتاج إلى المال جوزيف بك .. أنا امتلك مالي الخاص ..
ثم ضيقت عيناها قليلا وتابعت بلؤم :
-واذا ذهبت من هنا سأخبر الشرطة انك صدمتني بسيارتك وكسرت قدمي
ضرب المصباح الصغير المجاور إلى الفراش بغيظ ليسقط على الأرض .. فزعت هي واضعة رأسها بين يديها كما شعرت بالخوف .. نهض جوزيف يتطلع إليها بحده وهو يمسح على ذقنه و قال بهدوء رغم ما يشعر به من غضب :
-اذهبي الأن إلى غرفة ثانية
نظرت إلى أكياس الثياب الجديدة التي قامت بشرائها ثم عادت بالنظر إليه وقالت بتحدي :
-لقد وضعت أغراضي هنا .. فلتذهب أنت إلى غرفة ثانية
لم يرد عليها فقط اطفأ مصباح الغرفة و وضع بدنه المرهق على الفراش جاذبا الغطاء إليه .. فاتسع فاها في دهشة وأخذت تزفر بحنق وعاندت معه ايضِا و مددت إلى جواره ولم تستلم أبدا ولم تذهب إلى غرفة ثانية .. بعد دقائق قليلة التفت جوزيف ليجد جين قد ذهبت إلى النوم على الفور .. فكر كثيرا في تلك الفتاة المجهولة التي اقتحمت حياته فجأة والتي نعست إلى جواره دون قلق أو خوف منه لكونه رجل غريب عليها .. تعجب من نفسه كثيرا فهذه المرة الأولى أن يتعاطف مع أحد ويضعف أمامها ولم يستطيع السيطرة عليها ..
نهض عن الفراش وخرج من الغرفة مغلقا الباب خلفه وأخذ يفتح باب غرفة تليها غرفة ولم يشعر بالراحة .. فلم يشعر بالراحة سوى في غرفته وفراشة .. هبط إلى الطابق السفلي وحول الاريكة إلى فراش والقى بـ بدنه المرهق عليها
***
في الصباح الباكر دخلت الخادمة مكفي الكوخ حاملة صينية فنجان القهوة الصباحي .. وضعته أعلى سطح المكتب ليرفع جان عيناه عن الأوراق ناظرًا إليها ثم تبادلت نظراته بينها وبين فنجان القهوة وهي تقول :
-فنجان القهوة الخاص بك
تنحنح بخفة ثم تساءل متعجبا :
-أين أديل ؟! .. لقد طلبت منها أن تعده بنفسها
لتبتسم قائلة :
-هي من أعدت القهوة بنفسها .. ولكن طلبت مني أن اقدمها لك
ثم استأذنت منه و غادرت .. شرد جان في الفراغ دون أن يفهم شيئًا فـ لم ترفض أديل طلب خاص به من قبل .. حقا هي غريبة اليوم حتى وقت الفطار لم تنظر إليه كعادتها .. نهض عن المقعد وخرج متجه نحو المزرعة الصغيرة بخطوات واسعة .. عيناه مشتاقة لرؤية فتاته وشفاه مشتاقة للحديث معها وأذنيه مشتاقة لسماع صوتها الهادئ ..
عقب وصوله وقف يتطلع إليها وهي تضع الماء أمام الطيور ثم استقامت ظهرها و وقفت تطلع إليهم و يبدو عليها الحزن الشديد .. بعد لحظات تنهدت بصوت مسموع مؤلم رافعه شعرها على هيئة كعكة .. لتظهر ملامح وجهها له بوضوح و تبادلت نظراته بين شفاها و وجنتها التي في اتجاهه .. و عيناه تتغزل بها بحب قبل شفاه المشتاقة لتقبيلها .. نظرت أديل اتجاه اليمين وتفاجأت بوجود جان شعرت بالارتباك وتلاشت النظر إليه مسرعة تحملق في الفراغ .. دخل وأغلق الباب جيدا وعندما شعرت بخطواته تقترب ارتبكت أكثر وتشبثت في ثيابها ..
وقف إلى جوارها فاستنشقت رائحة عطره الرجولي الذي يخطف قلبها دائمًا كما أنها تشعر بضعفها أمامه .. تساءل بنبرة توحي للحزن :
-لماذا لم تقدمي القهوة بنفسك ؟!
لترد عليه بنبرة ألم واضحة ولا زال وجهها ملطخ بإهانة أوجيني لها :
-ابتعد عني جان بك أرجوك .. فقد تعرضت للإهانة بسببك
-عاقبيني اذا يا فتاتي .. افعلي بي حيث شئتِ
ثم وقف أمامها فرفعت رأسها لتنظر إليه بعينين تلألأت داخلهما الدموع لتصبح عيناها حمراء مختلطة بلون عيناها الأخضر الذي جعلت القلب يذوب داخلهما حبا وعشقا .. أخذ جان يتفحص ملامح وجهها بتمعن شديد و بنظرات حب واضحه..
***
ابتسم جوزيف وهو يحرك رأسه ثم تحدث في حيرة :
-ما هذا الحديث الرائع يا صديقي .. أنا لا استطيع الرد عليك يا شاعري الخاص .. فقد احترت بكلماتك الرائعة
ابتسم ارنو ثم اعتدل في جلسته قائلًا :
-المدير المسؤول عن إعلانات الشركة في انتظار آذن الدخول
أومأ برأسه مشيرًا له أن يجعله يدخل فنهض عن المقعد وخرج ليعود و معه فيليب .. جلس الثلاثة حول طاولة الاجتماع و بدأ فيليب يعرض بعض صور المشاهير على جوزيف كي يختار من بينهم بطلة إعلان عطره الجديد .. كان يتطلع إلى صور المشاهير وهو لم يعرف أي منهم و فيليب هو من قام بإخباره عن أسمائهم واعمالهم السينمائية ..
من كثرة تركيز جوزيف بعمله فقط ليس لديه وقت لأخبار المشاهير ومشاهدة الأفلام .. أخذ يتطلع إلى الصور حتى أختار لاعب كورة معروف ليكون بطل إعلان العطر الرجالي و اختار ممثلة لتكون بطلة العطر النسائي .. وافق الاثنان على اختياره وأخذ فيليب يشرح له فكرة الإعلان ..
كان يستمع جوزيف إليه باهتمام واضح ولم يشعر بالحماس من تلك الفكرة .. انتظر حتى انهى حديثه و قال بجدية :
-أريد فكرة إعلان جديده .. لم أراها من قبل
-حسنا جوزيف بك .. سأعرض عليك الفكرة التي لم تراها من قبل
قال كلماته الأخيرة ببعض من السخرية لينتبه جوزيف من حديثه الساخر ثم لملم فيليب أغراضه وغادر غرفة المكتب .. ابتسم جوزيف بخفة وقال :
-اللعين يسخر من حديثي
***
-علمت بكل شيء يا عمي
هتف بتلك الكلمات توماس وهو يقتحم غرفة المعيشة على والده وعمه دانييل دون استئذان .. لينظر عمه إليه بعدم فهم فيما جلس توماس على الاريكة المقابلة لهم تتبادل نظراته بينهم ثم تساءل مبتسما :
-لما تحدقون بي هكذا ؟!
رد دانييل بك على سؤاله بسؤال :
-بماذا علمت يا توماس ؟!
ليجيب على عمه بكل برود و وقاحة :
-علمت بان جوزيف هرب من المنزل .. لم تقدر على تربية جوزيف يا العم
-توقف عن الحديث توماس .. وهذا ليس من شأنك
قذف والده تلك الكلمات من فمه بحده بالغة فنظر توماس إليه بتذمر واضح ثم تحدث بحنق :
-جوزيف عصى أوامر والده ولم يتزوج من الفتاة .. وأنا مستعد أن اتزوجها بدلا من جوزيف
ابتسم دانييل بك ساخرا على ابن شقيقه الذي يأخذ القرارات من نفسه وقال بنبرة ساخرة :
-أنت تأتي كل ليلة من البار سكران يا توماس .. ولم تستطيع أن تتحمل مسؤولية زواج
حاول توماس إقناع والده وعمه لكن بلا جدوى والذي كانت تقف جوار باب الغرفة تستمع إلى حديثهم شعرت بالغضب الشديد من عدم موافقتهم .. فهي والدة توماس و هي من أخبرته أن يقرر الزواج من هذه الفتاة من أجل ملها فقط وليس للحفاظ عليها كما يريد دانييل بك .. عندما استمعت إلى حديث دانييل الحاسم وهو أن جوزيف هو الذي سيتزوج من الفتاة زفرت بسأم ثم دخلت لتجد دانييل يقابلها وخرج من الغرفة دون أن يتفوه بكلمه .. تابعت السير وجلست إلى جوار زوجها وقالت بتذمر :
-توماس تطوع وقرر أن يتزوج الفتاة بدلا من جوزيف .. ما المانع اذا ؟!
ليرد زوجها بكل عقلانية :
-دانييل طلب يد الفتاة لجوزيف .. فكيف سيزوجها إلى توماس ؟!
قالت بتأكيد :
-بيرنارد انصت لي .. جوزيف لم يتزوج من الفتاة .. فلما نضيع هذه الفرصة على توماس !
ليرد عليها بتأكيد ممزوج بالتذمر :
-جوزيف سيأتي وسيتزوج من الفتاة
***
الحب يجعل الحياة متفتحة مثل الورود الجميلة بألوانها المختلة .. فدع قلبك يدخل إلى بستان الحب ليتمتع بالحياة لكن حب بصدق واعطي قلبك لمن يستحق ..
وقفت تقلب الطعام ولا زالت شاردة في حديث جان معها اليوم .. فالحب الذي قدمه لها ليس حبا عاديا بل حب بمائة ألف عام من الحب .. جعلها تشعر بكونها فتاة ورفع من قيمتها نسيت انها مجرد خادمة تعمل في منزلهم الكبير فلتفرحي اذا يا أديل فقد فتح لكِ الحب بابه .. فأرجوك يا القدر اجعلها تسير علي درب الحب مدى الحياة ولا تفرق بينهم ..
نظرت إليها الخادمة مكفي التي تبلغ من العمر ثلاثة وأربعون عام وقالت :
-ابنتي أديل .. أحضري خضار غداء اليوم
لم تنتبه أديل من حديثها بفضل شرودها و وجدت نفسها تبتسم عندما تذكرت وضع سبابتها على شفتيه ليتذوق العصير .. بينما نظرت مكفي إليها في تعجب ثم تقدمت نحوها لتضربها بخفة على كتفها من الخلف .. لتفيق أديل وتلتفت إليها بارتباك قائلة :
-عفوا خالة مكفي .. لقد شردت للحظات
-حسنا أحضري الخضار من فضلك
حركت رأسها بالإيجاب واتجهت نحو مخزن الثلاجة الصغير .. فيما تذوقت السيدة مكفي شوربة الطعام لتعجب بها كثيرا و أحضرت أديل الخضار و وقفت تغسله بالماء جيدا ثم بدأت في التقطيع .. بعد لحظات دخلت لويز تطلع إلى أديل بغيظ ثم قالت بحده جعلت أديل تشعر بالخوف منها :
-أديل اتركي ما في يدك واذهبي إلى غرفتك في الحال .. وأنا سأساعد السيدة مكفي في إعداد غداء اليوم
نظرت كلا من أديل ومكفي إلى بعضهما البعض في تعجب .. فهذه المرة الاولى للسيدة لويز أن تعد الطعام بدلا من أديل ثم غسلت أديل يديها وخرجت من المطبخ تطلع إلى الأرض متجه نحو غرفتها الصغيرة التي تقع في نهاية القصر الكبير .. رآها جان وهي تسير فعلم انها لم تعد طعام غداء اليوم وشعر بالغضب .. فلم يعد يتقبل الطعام إلى من يد حبيبة قلبه الجميلة ولهذا قرر أن يترك المنزل ويتناول الغداء في أحد المطاعم الكبيرة ..
دلفت إلى غرفتها و وقفت تنظر حولها بسعادة بالغة وترى غرفتها الصغيرة البسيطة سعيدة بالحب كما لم تراها من قبل .. وكأنها داخل بستان ورود والفراشات تتطاير من حولها بأجنحتها الملونة التي تعطي مظهرا خلاب يرد الروح إلى البدن .. ثم رفعت يديها وأخذت تدور حول نفسها بسعادة وتبتسم خجلا .. بعد ذلك جلست على مقعد المرآة وتذكرت كلمات جان الجريئة وكأن أذنيها تستمع إلى نبرة صوته الأن :
-دعيني انتِ اتذوق تلك الشفاه وامتص رحيقهما لأشعر انني على قيد الحياة
لتشعر بقشعريرة في بدنها بأكمله ثم دفنت وجهها في كفيها بابتسامة واسعة .. وفاقت من تلك المشاعر على صوت دقات الباب .. نهضت على الفور متجه إلى الباب وفتحت إياه تفاجأت بأوجين لأول مرة تأتي إلى غرفتها ولهذا تعجبت وتساءلت :
-تريدن شيء سيدتي ؟!
دفعت أديل بخفة لتتراجع عدة خطوات وكادت أن تسقط لكن لحقت بنفسها و وقفت تحدق بها في دهشة .. دخلت أوجيني وأغلقت الباب بظهرها ثم تطلعت إليها باشمئزاز وقالت بحنق :
-أنتِ مجرد فتاة مزرعة وتعملين هنا خادمة .. فلا تبعثي مع أسيادك يا فتاة ..
انكمش وجهها وتحول إلى اللون الأحمر بسبب حديث أوجيني الجارح معها بينما تابعت أوجيني باستحقار واضح :
-ابتعدي عن جان .. فمن المستحيل أن يتزوج من خادمة
ثم خرجت تاركة كلماتها تبعث حول تلك الفتاة التي تلطخ وجهها بإهانة أوجيني إليها .. وكتمت دموعها حتى شعرت بألم داخل عنقها و صدرها ثم خرجت من الغرفة راكضة إلى الخارج متجه نحو مزرعة الكائنات الصغيرة .. ودخلت لتجلس على مقعد صغير تنظر إليهم وتركت المجال لدموعها لتنهمر من عيناها بقوة وشعرت بألم حاد داخل صدرها
***
عاد جوزيف من العمل الشاق في الثانية عشر بعد منتصف الليل .. فقد قضى اليوم بأكمله في العمل ولم يستريح سوى وقت الطعام فقط .. القى نظرة على الهول ليجده منظم للغاية وايضا المطبخ ولم يرى جين فعلم انها قد ذهبت إلى النوم .. فصعد إلى غرفته ودخل ليجد الغرفة مظلمه ثم خلع معطفه والقى به على الاريكة .. بعد ذلك خلع حذائه ثم حمله ودلف إلى غرفة خزانة ثيابه ليضعها جانب الأحذية بنظام .. تناول ثياب أخرى وخرج ليدخل المرحاض ليضع بدنه المرهق أسفل الماء البارد ..
لم ينتبه حتى الأن إلى تلك الفتاة النائمة على فراشة فقد اختارت تلك الغرفة المنظمة من بين الكثير من غرف هذا المنزل .. غارقة في نوم عميق وبكل اريحية كأنها على فراشها ومنزلها .. خرج هو بعد دقائق قليلة يجفف صدره العاري بالمنشفة ثم اضأ المصباح الكبير .. لفت نظرة شيء يتحرك على فراشه من أسفل الغطاء وضحت العلامات الدهشة على وجهه وعلى وجه السرعة اقترب من الفراش وازاح الغطاء عنها .. أخذ يجز أسنانه بشدة يلتفت حوله حتى وجد كوب ماء أعلى المنضدة الصغيرة حمل إياه و قذف بالمياه على وجهها بعنف ..
استيقظت جين بفزع ثم رفعت بدنها عن الفراش تطلع إليه في دهشة و يبدو عليها النعاس الشديد .. بدأت بفرك عيناها بيديها ونظرت إليه لتتأكد من وجوده أمامها حقا ثم تحدثت بتذمر :
-كيف تدخل الغرفة دون استئذان ؟!
جز على أسنانه قابضا قبضته بقوة وهو يقول بحده :
-أنتِ تنامين في غرفتي يا فتاة
-أخبرتني في السابق .. الغرف هنا كثيرة نامي حيث شئتِ
حرك رأسه يزفر بسأم بينما اتسعت عيناها عيناها عقب رؤيتها إلى صدره العاري وعضلاته البارزة وعلى الفور ادارت وجهها خجلا فيما تحدث جوزيف بعصبية :
-وبالرغم من أن الغرف كثيرة هنا وقع اختيارك على غرفتي يا فتاة
لوحت بيدها وهي تقول بخجل :
-ارتدي شيئا أولا .. ثم تحدث معي
جز أضراسه عنوة حتى استمع إلى صريرهما ثم جلس على حافة الفراش مواليها ظهره قائلا بهدوء :
-أنا لا استطيع العيش بهذه الطريقة .. سأعطي لكِ الكثير من المال وتدعيني وشأني
نظرت إليه بكبرياء واضح وقالت بثقة :
-أنا لا احتاج إلى المال جوزيف بك .. أنا امتلك مالي الخاص ..
ثم ضيقت عيناها قليلا وتابعت بلؤم :
-واذا ذهبت من هنا سأخبر الشرطة انك صدمتني بسيارتك وكسرت قدمي
ضرب المصباح الصغير المجاور إلى الفراش بغيظ ليسقط على الأرض .. فزعت هي واضعة رأسها بين يديها كما شعرت بالخوف .. نهض جوزيف يتطلع إليها بحده وهو يمسح على ذقنه و قال بهدوء رغم ما يشعر به من غضب :
-اذهبي الأن إلى غرفة ثانية
نظرت إلى أكياس الثياب الجديدة التي قامت بشرائها ثم عادت بالنظر إليه وقالت بتحدي :
-لقد وضعت أغراضي هنا .. فلتذهب أنت إلى غرفة ثانية
لم يرد عليها فقط اطفأ مصباح الغرفة و وضع بدنه المرهق على الفراش جاذبا الغطاء إليه .. فاتسع فاها في دهشة وأخذت تزفر بحنق وعاندت معه ايضِا و مددت إلى جواره ولم تستلم أبدا ولم تذهب إلى غرفة ثانية .. بعد دقائق قليلة التفت جوزيف ليجد جين قد ذهبت إلى النوم على الفور .. فكر كثيرا في تلك الفتاة المجهولة التي اقتحمت حياته فجأة والتي نعست إلى جواره دون قلق أو خوف منه لكونه رجل غريب عليها .. تعجب من نفسه كثيرا فهذه المرة الأولى أن يتعاطف مع أحد ويضعف أمامها ولم يستطيع السيطرة عليها ..
نهض عن الفراش وخرج من الغرفة مغلقا الباب خلفه وأخذ يفتح باب غرفة تليها غرفة ولم يشعر بالراحة .. فلم يشعر بالراحة سوى في غرفته وفراشة .. هبط إلى الطابق السفلي وحول الاريكة إلى فراش والقى بـ بدنه المرهق عليها
***
في الصباح الباكر دخلت الخادمة مكفي الكوخ حاملة صينية فنجان القهوة الصباحي .. وضعته أعلى سطح المكتب ليرفع جان عيناه عن الأوراق ناظرًا إليها ثم تبادلت نظراته بينها وبين فنجان القهوة وهي تقول :
-فنجان القهوة الخاص بك
تنحنح بخفة ثم تساءل متعجبا :
-أين أديل ؟! .. لقد طلبت منها أن تعده بنفسها
لتبتسم قائلة :
-هي من أعدت القهوة بنفسها .. ولكن طلبت مني أن اقدمها لك
ثم استأذنت منه و غادرت .. شرد جان في الفراغ دون أن يفهم شيئًا فـ لم ترفض أديل طلب خاص به من قبل .. حقا هي غريبة اليوم حتى وقت الفطار لم تنظر إليه كعادتها .. نهض عن المقعد وخرج متجه نحو المزرعة الصغيرة بخطوات واسعة .. عيناه مشتاقة لرؤية فتاته وشفاه مشتاقة للحديث معها وأذنيه مشتاقة لسماع صوتها الهادئ ..
عقب وصوله وقف يتطلع إليها وهي تضع الماء أمام الطيور ثم استقامت ظهرها و وقفت تطلع إليهم و يبدو عليها الحزن الشديد .. بعد لحظات تنهدت بصوت مسموع مؤلم رافعه شعرها على هيئة كعكة .. لتظهر ملامح وجهها له بوضوح و تبادلت نظراته بين شفاها و وجنتها التي في اتجاهه .. و عيناه تتغزل بها بحب قبل شفاه المشتاقة لتقبيلها .. نظرت أديل اتجاه اليمين وتفاجأت بوجود جان شعرت بالارتباك وتلاشت النظر إليه مسرعة تحملق في الفراغ .. دخل وأغلق الباب جيدا وعندما شعرت بخطواته تقترب ارتبكت أكثر وتشبثت في ثيابها ..
وقف إلى جوارها فاستنشقت رائحة عطره الرجولي الذي يخطف قلبها دائمًا كما أنها تشعر بضعفها أمامه .. تساءل بنبرة توحي للحزن :
-لماذا لم تقدمي القهوة بنفسك ؟!
لترد عليه بنبرة ألم واضحة ولا زال وجهها ملطخ بإهانة أوجيني لها :
-ابتعد عني جان بك أرجوك .. فقد تعرضت للإهانة بسببك
-عاقبيني اذا يا فتاتي .. افعلي بي حيث شئتِ
ثم وقف أمامها فرفعت رأسها لتنظر إليه بعينين تلألأت داخلهما الدموع لتصبح عيناها حمراء مختلطة بلون عيناها الأخضر الذي جعلت القلب يذوب داخلهما حبا وعشقا .. أخذ جان يتفحص ملامح وجهها بتمعن شديد و بنظرات حب واضحه..
***