الفصل الرابع/ شِجار
- قومي منك لها، بتسمعوا إيه؟! ادخلوا أوضتكم.
اسرعتا تختبئان من واقعهما المرير، تنظر كلتاهما للأخرى بخوف وفزع تذرف الأعين الدموع وتفيض من هول ما يُلقي على مسامعهم، انحدر الشجار الدائر بين والديهما إلى أدنى مستوياته وعلا صوتهما بشدة، لم يقتصر التراشق على الكلمات فقط بل وصل بهما الحال إلى استخدام الأيدي أيضاً وصل صوت الشجار إلى مسامع الجيران أيضاً فذهبوا إليهم وبدأوا يتجمعون أمام منزلهم يطرقون الباب بقوة عسى أن يخترق صوت الطرقات صوت صراخهم وشتائمهما المتبادلة، لم تعلم الفتاتان ماذا عليهما فعله؛ فمع إصرار الجيران واستمرارهم بطرق الباب، تحركت نادية خلفهما أختها لتفتح الباب، فاسرع الجيران يحولون بين والديهما وطلبت إحدى الجارات من الابنتان جلب غطاء رأس لوالدتهما.
حاول الجيران جاهدين تسوية الخلاف وحل المشكلة دون فائدة، لم يستمع كلاهما لأحد واستمرا بتراشق الكلمات والاتهامات، بعد قليل انسحبت الأم لغرفتها فظن الجميع إنها امتثلت لهم وتحاول تهدئت الأمر، ولكن العكس هو الصحيح، هي قررت الذهاب إلى والدها لعله يثأر لها ويطلقها منه، وبعد قليل وجدوها قد بدلت ملابسها لأخرى، فاستمعت أثناء خروجها من الغرفة لأحد الجيران وكان كبير السن شاب رأسه بالكامل يحمل من الوقار والحكمة الكثير يحدث زوجها سامح
الجار: يا أبني زوجتك الحمد لله ربنا هداها أهو ودخلت جوة عشان الأمور تهدى وسكتت إنت كمان اهدى كدة والبيوت ياما بيحصل فيها من مشاكل، وكلنا الدنيا بتضيق علينا أوقات لازم نستحمل بعض ودى مراتك نصك التاني، ورفيقة عمرك، والرسول عليه افضل الصلاة والسلام قال "استوصوا بالنساء خيرًا" ارجع لعقلك يا ابني واهدى كده ربنا يكرمك.
انهى الرجل كلمته وفوجئ بها الجميع تقف أمامهم وقد بدلت ملابسها لأخرى مناسبة للخروج، فابتسم سامح متهكماً، وسألها الجار متعجباً.
- على فين يا بنتي؟!
- على بيت أبويا يا حاج هستني إيه تاني بعد ما مد ايده عليَّا وضربني؟
- يا بنتي اهدي وما تكبريش الموضوع أنا كنت لسه بقوله إنك عاقلة وبعدتي عشان تهدوا إرحموا بناتكم شوفيهم مرعوبين إزاي، وبعدين إنتم الاتنين غلطوا في بعض للأسف.
- لا أنا إستحالة اقعد بعد ما مد إيده عليَّا.
-لا حول ولا قوة إلا بالله.
رد سامح مغتاظاً لا لما تفعل ولكن لن يتحمل هو عبء ابنتيه.
-الباب يفوت جمل، إوعي تفتكري إني هاتحايل عليكِ تبقي، في ألف سلامة، المركب اللي تودي، بس خدي عيالك في إيدك وإنت ماشية.
- أخدهم ليه مش إنت ابوهم شيلهم وشوف هتستحملهم إزاي يوم لوحدك.
-ماهو يا تاخديهم ومع ألف سلامة إنتم التلاتة، يإما تترزعي بيهم هنا، وإلا وربنا ارنّك علقة محترمة زي اللي برِنَّها لعيالك وقدام الناس اللى قاعدة دي ولا يهمني.
الجار: يا إبني ما ينفعش كلامك ده على الأقل إحترم شيبة شعري ولا الناس اللى قاعدة.
نظر سامح إليها بتحد وهى بادلته نفس النظرة بغيظ وغل وتحدثت إلى ابنتيها وهي مازالت مسلطة عينها عليه بنفس النظرة التي تزداد حدة.
-قوموا البسوا بسرعة وإخلصوا.
بدلت شمياء ونادية ملابسهما ولازال الخوف متملك منهما تأملان ان يتغير حالهما يومًا، أخذتهم والدتهما متجهة لبيت والدها، بينما انصرف الجيران متعجبين لما حدث ومن طريقتهم الدونية في الحديث والتعامل بينهما واسلوبهم في تربية الفتاتان.
وصلت سهام وابنتيها نادية وشيماء إلى بيت والدها وصعدت إليه قصت عليه ما تريد وسط دهشت الطفلتان لما روَت فهي لم تبرز دورها في اشتعال الأمور فقد شعرتا مما قصت إنها مثلهم مغلوب على أمرها، صدقتها شيماء بينما ضحكت نادية بداخلها تظن انها يجب ان تعمل كممثلة ستبرع وقتها وتتألق، استمع والدها إليها بهدوء تعجبت منه شيماء وايقنت نادية انه يفهم إبنته جيداً لذا لم يثور.
كان الجد جالس على كرسيه يسمع سهام بإصغاء ينظر بداخل عينها اثناء حديثها يتفرسها وهي جالسه على الكنبة المقابلة له بجانبها نادية بينهما مسافة فاصلة صغيرة وعلى الكنبة المجاورة شيماء، فاستطاع الجد بخبرة اعوام دراسة ما تحمله انفعالات ثلاثتهم اثناء قص سهام ما حدث عليه. وبعد ان انهت سهام حديثها بكت وانتحبت، تنتظر كلمات والدها تعقيبا على حديثها.
الجد: يعني هو زعق وقلب الدنيا عشان الغدا ما فيهوش لحمة وانت فهمتيه ان الفلوس خلصت وهو راح ضربك.
اجابت وهي تحاول اخفاء وجهها
- أيوة يعني هكدب عليك يا بابا.
- لا طبعًا بنتي إستحالة تكدب هي بس ساعات بتجمل الحقايق، خصوصا لما تكون غلطانة مثلاً.
قاطعته: يا بابا ...
أكمل حديثه كأنه لم يسمعها من الأساس: أنا عارفك كويس زي ما أنا عارف جوزك كويس، هو أكيد مد ايده عليكِ بس أكيد بعد خناقة مسحتي فيها بكرامته الأرض، إنت مش ملاك، واكيد فرَسْتيه لحد ما وصل لكدة، جوزك مش بيستقوي غير على الضعيف والأضعف منه كمان، قولى لى جوزك بيمد ايده على بناته.
إلتفت إليه الفتاتان بسعادة فجدهما يمكن أن يهتم بهما، بينما تلعثمت والدتهما، فأكمل هو
- وانت طبعا مش بتمنعيه عنهم، بس لما مد ايده عليكي قلبتِ الدنيا، السؤال ليه ما عملتيش كدة لما اذى بنتاتك؟
رمى الكرة بملعبها ازداد تلعثمها وحولت البنتان نظراتهما إليها مهتمتان لسماع إجابتها، همهمت تبحث عن كلمات ولا تجد، ابتسم بسخرية منها وأكمل.
-أنا حاوات افكر كتير إيه اللي عملته أو قصرت فيه في تربيتك؟ صدقيني لحد دلوقتي مش عارف، طلعتي أنانية مش بتهتمي غير بنفسك وطلباتك، لما جوزك اتقدم لك شوفت الطمع في عنيه، شوفت أنانيته الواضحة، رفضته عشان لو اتنين زيكوا اتجوزوا هيظلموا ولادهم، اللي ما استشفتهوش منه يومها، وشوفته فيه للاسف بعد كده، إنه عدواني عنيف جداً مع الاضعف منه، وانهزامي جدا مع الأقوي منه، لا إنت ولا جوزك فارقين معايا، انت تستاهلي واحد زيه، بس يا ريته يربيكِ انت ويسيب ولادك في حالهم، عيالكم هيطلعوا معقدين بسببكم انتم الاتنين، أنا عارف ان كلامي معاكِ لا هيقدم ولا هيأخر بس هتكلم معاكِ إنت وجوزك بلغتكم والطريقة اللى هتفهموها، ادخلي دلوقتي أوضتك القديمة والبنتين سيبهم معايا، هتكلم معاهم شوية وبعدين ادخلهم اوضة أختك الله يرحمها، روحى.
لم تتحدث ونظرت إلى ابنتيها محذرة. لاحظ والدها ورأى الخوف بأعين الطفلتان صمت وتابع ابنته بعينه حتى ابتعدت وكذلك فعلت الابنتين، بعد أن اطمأن انها ابتعدت واغلقت الغرفة حدثهم وعلى وجهه ابتسامة فتح ذراعيه لهما.
- تعالوا يا بنات.
تحركتا بحذر وترقب ووقفتا على جانبيه فضمهما إليه بحنان.
- إيه رأيكم تدخلوا مع جدوا الاوضة بتاعته نتكلم شوية قولوا لى الأول أكلتم قبل الخناقة؟
تبادلت كل منهما النظرات واخفضتا رأسهما بخجل فأكمل حديثه بود
- تحبوا نجيب اكل جاهز ولا نشوف في إيه في التلاجة؟ اقول لكم نجيب جاهز بدل ما نسخن وكمان نتكلم على ما الأكل يجي واجيب لكم هدوم من هدوم امكم وخالتكم الله يرحمها، انا كنت شايل حاجات من هدومهم عشان وقت زي ده، بس انا كان في بالي وقتها تيجوا في الفَرْح، المهم انكم جيتوا وجدا شافكم، انتم بتبصوا لجدوا كده ليه مش عاجبكم كلامي.
أجابت نادية مبتسمة: لا يا جدوا بس مستغربين
شيماء: هو إنت كده على طول ولا عشان خناقة ماما وبابا؟
ضحك الجد من حديثهما واردف
- لا يا ست البنات كده على طول، ومستغربين ليه يا نادية؟ عشان مختلف عن أمكم وأبوكم.
أماءت مؤكدة واخفضت رأسها، فابتسم الجد بحزن على حاليهما.
- اللي بيعملوه هو الغلط بعينه تعالوا ندخل جوة ونطلب الأكل ونكمل كلامنا.
بالفعل أخذهما الجد وطلب الطعام وبحث لهما عن ملابس مناسبة حتي وجد، وبعد ان بدلتا ملابسهما عادتا إليه ابتسم لكلتاهما وفتح ذراعيه لهما واحتضنهما بحنانا بالغ.
- بصوا انا هاسألكم على حاجة وجابوا من غير ما تخافوا وتأكدوا ان كلامنا ده سر مش هيطلع برانا إحنا الثلاثة ماشي.
أماءتا له واجابوا بنفس اللحظة
- ماشي.
- أبوكوا يضربكم كتير ولا لو غلطوا بس.
صمتت نادية وأجابت شيماء بتلقائية
- الغلط بالنسبة لبابا أي حاجة مش عاجباه أو إننا ما نفهمش قصده أي حاجة صغيرة أو كبيرة، ساعات مش بعرف انضربت ليه، ساعات كتير يرجع متضايق من الشغل فيجي يزعق ويقوم يضرب حد فينا.
- مفيش فايدة فيكِ دايما لسانك سابقك.
- مش دي الحقيقة؟
- سبيها يا نادية أنا والله مش هقول له وهمنع عنكم اذاه وضربه عنكم إن شاء الله.
صمتت نادية تحدث نفسها: أصدق إزاي وأنا حاسة إنه بيحب ضربنا وبيستمتع واحنا بتوجع شكلنا المرعوب بالنسبة له هدف وغاية.
قطعت شرودها شيماء التي تتحدث مع جدها بتلقائية وتصديق.
- يعني يا جدوا مش هتخليه يضربنا بالعصاية تاني أنا أيدي بتورم والله ومش بعرف أمسك القلم كويس حتي لما أنزل عليها مية باردة زي ما نادية بتقولي، هو إنت هتاخد العصاية ولا هتكسرها؟ طاب ماهو ممكن يشتري واحدة تانية.
غضب الجد بشدة: هو شاري عصاية عشان يضربكم بها.
-هتترني علقة جامدة من بابا بهبلك ده، لو عرف اللي قولتيه دلوقتي، وإنت مجربة كتير.
بكت شيماء وارتجفت: جدوا إنت قولت مش هتقوله، هو أنت بتكذب علينا، طاب بلاش والنبي تقوله المرة دي، هيضربني جامد ويكتفني ويرميني في الاوضة الضلمة زي ما عمل قبل كدة.
جذبها إليه بحنان وحماية يربت على ظهرها يهدئ من روعها وهي ترتجف بين يديه.
-ما تخافيش صدقيني مش هيضربك تاني وأنا مش هقوله، جدوا مش كذاب.
أجابت نادية بخجل: أنا اسفة يا جدوا مش قصدي بس قبل كدة شيماء اتكلمت في المدرسة مع ميس هناك عملوا لها إستدعاء ولى أمر وبابا راح ولما عرف إنها قالت للميس ضربها لحد ما ايدها واكتافها وكل مكان طالته العصاية ورم حتي انا ضربني عشان أخاف وما اعملش زيها.
ربت على كتفها بود: لا مش زعلان وما تخافوش أولا جدوا وعد إن ده سر ثانياً بقي أنا هكلم أبوكم بالطريقة اللي هايفهمها ويحبها، ومش هيمد ايده عليهم تاني عشان مصلحته كمان.-استمعوا لجرس الباب - جرس الباب بيرن أكيد ده الأكل عارفين طلبت إيه؟
أماءت كلتاهما نافية، فأكمل: يبقي تعالوا نفتح ونشوف.
خرجوا من الغرفة أخذ الجد الطعام بعد أن انصرف العامل ووضعه على المنضدة داعبت انفهم رائحة الطعام؛ فابتسمت كلتاهما بسعادة كبيرة، وتحدثت شيماء بفرحة وتسائلت نادية.
- ريحته حلوة قوي يا جدوا.
- ده كباب وكفته يا جدوا؟
- بالظبط يا حبيبة جدوا، انا هروح انده ماما تاكل معانا وانتم هاتوا أطباق وعيش من المطبخ.
ذهب الجد إلى ابنته سهام الجالسة بالداخل تشاهد التلفاز، ولكنها بعالم أخر مبتسمة بانتصار، نظر إليها والدها وهي غير منتبهة يعلم بما تحدث نفسها الأن، أخذ نفس عميق واغلق عينيه بيأس من إبنته، حاول ان يبعد غضبه منها ومقته لما يحدث منها ومن زوجها لحفيدتيه، ثم قطع شرودها متحدثاً.
الجد: انا جبت أكل، تعالى اتعشي معانا.
سهام: بجد! جبت إيه؟
اجابها بابتسامة تعجب منها: كباب تعالي.
تحرك لمكان الطعام وهي لحقته مسرعة.
سهام: يااه بقالي كتير ما اكلتش كباب، براحة منك لها عشان نعرف ناكل معاكم.
قطع والدها حديثها ولم يمهلها ان تكمل بينما نظرت إليها ابنتيها بتعجب منها.
والدها: سبيهم براحتهم لو خلص هبعت اجيب تاني، وزي ما انت شايفة جايب اكل يقضي عشرة مش اربعة منهم طفلتين.
ردت تحاول تبرير كلماتهما: أنا مش قصدي أنا...
قاطعها مرة اخري: حصل خير يلا يا بنات باسم الله كلوا براحتكم.
أكلوا جميعا سعدت الطفلتان من معاملة جدهم ومن الطعام الذي تذوقاه أخيرا، ثم ادخلهما الجد غرفة خالتهم المتوفاة ليخلدا للنوم، ولأول مرة تنام كلتاهما بهدوء دون خوف.
اسرعتا تختبئان من واقعهما المرير، تنظر كلتاهما للأخرى بخوف وفزع تذرف الأعين الدموع وتفيض من هول ما يُلقي على مسامعهم، انحدر الشجار الدائر بين والديهما إلى أدنى مستوياته وعلا صوتهما بشدة، لم يقتصر التراشق على الكلمات فقط بل وصل بهما الحال إلى استخدام الأيدي أيضاً وصل صوت الشجار إلى مسامع الجيران أيضاً فذهبوا إليهم وبدأوا يتجمعون أمام منزلهم يطرقون الباب بقوة عسى أن يخترق صوت الطرقات صوت صراخهم وشتائمهما المتبادلة، لم تعلم الفتاتان ماذا عليهما فعله؛ فمع إصرار الجيران واستمرارهم بطرق الباب، تحركت نادية خلفهما أختها لتفتح الباب، فاسرع الجيران يحولون بين والديهما وطلبت إحدى الجارات من الابنتان جلب غطاء رأس لوالدتهما.
حاول الجيران جاهدين تسوية الخلاف وحل المشكلة دون فائدة، لم يستمع كلاهما لأحد واستمرا بتراشق الكلمات والاتهامات، بعد قليل انسحبت الأم لغرفتها فظن الجميع إنها امتثلت لهم وتحاول تهدئت الأمر، ولكن العكس هو الصحيح، هي قررت الذهاب إلى والدها لعله يثأر لها ويطلقها منه، وبعد قليل وجدوها قد بدلت ملابسها لأخرى، فاستمعت أثناء خروجها من الغرفة لأحد الجيران وكان كبير السن شاب رأسه بالكامل يحمل من الوقار والحكمة الكثير يحدث زوجها سامح
الجار: يا أبني زوجتك الحمد لله ربنا هداها أهو ودخلت جوة عشان الأمور تهدى وسكتت إنت كمان اهدى كدة والبيوت ياما بيحصل فيها من مشاكل، وكلنا الدنيا بتضيق علينا أوقات لازم نستحمل بعض ودى مراتك نصك التاني، ورفيقة عمرك، والرسول عليه افضل الصلاة والسلام قال "استوصوا بالنساء خيرًا" ارجع لعقلك يا ابني واهدى كده ربنا يكرمك.
انهى الرجل كلمته وفوجئ بها الجميع تقف أمامهم وقد بدلت ملابسها لأخرى مناسبة للخروج، فابتسم سامح متهكماً، وسألها الجار متعجباً.
- على فين يا بنتي؟!
- على بيت أبويا يا حاج هستني إيه تاني بعد ما مد ايده عليَّا وضربني؟
- يا بنتي اهدي وما تكبريش الموضوع أنا كنت لسه بقوله إنك عاقلة وبعدتي عشان تهدوا إرحموا بناتكم شوفيهم مرعوبين إزاي، وبعدين إنتم الاتنين غلطوا في بعض للأسف.
- لا أنا إستحالة اقعد بعد ما مد إيده عليَّا.
-لا حول ولا قوة إلا بالله.
رد سامح مغتاظاً لا لما تفعل ولكن لن يتحمل هو عبء ابنتيه.
-الباب يفوت جمل، إوعي تفتكري إني هاتحايل عليكِ تبقي، في ألف سلامة، المركب اللي تودي، بس خدي عيالك في إيدك وإنت ماشية.
- أخدهم ليه مش إنت ابوهم شيلهم وشوف هتستحملهم إزاي يوم لوحدك.
-ماهو يا تاخديهم ومع ألف سلامة إنتم التلاتة، يإما تترزعي بيهم هنا، وإلا وربنا ارنّك علقة محترمة زي اللي برِنَّها لعيالك وقدام الناس اللى قاعدة دي ولا يهمني.
الجار: يا إبني ما ينفعش كلامك ده على الأقل إحترم شيبة شعري ولا الناس اللى قاعدة.
نظر سامح إليها بتحد وهى بادلته نفس النظرة بغيظ وغل وتحدثت إلى ابنتيها وهي مازالت مسلطة عينها عليه بنفس النظرة التي تزداد حدة.
-قوموا البسوا بسرعة وإخلصوا.
بدلت شمياء ونادية ملابسهما ولازال الخوف متملك منهما تأملان ان يتغير حالهما يومًا، أخذتهم والدتهما متجهة لبيت والدها، بينما انصرف الجيران متعجبين لما حدث ومن طريقتهم الدونية في الحديث والتعامل بينهما واسلوبهم في تربية الفتاتان.
وصلت سهام وابنتيها نادية وشيماء إلى بيت والدها وصعدت إليه قصت عليه ما تريد وسط دهشت الطفلتان لما روَت فهي لم تبرز دورها في اشتعال الأمور فقد شعرتا مما قصت إنها مثلهم مغلوب على أمرها، صدقتها شيماء بينما ضحكت نادية بداخلها تظن انها يجب ان تعمل كممثلة ستبرع وقتها وتتألق، استمع والدها إليها بهدوء تعجبت منه شيماء وايقنت نادية انه يفهم إبنته جيداً لذا لم يثور.
كان الجد جالس على كرسيه يسمع سهام بإصغاء ينظر بداخل عينها اثناء حديثها يتفرسها وهي جالسه على الكنبة المقابلة له بجانبها نادية بينهما مسافة فاصلة صغيرة وعلى الكنبة المجاورة شيماء، فاستطاع الجد بخبرة اعوام دراسة ما تحمله انفعالات ثلاثتهم اثناء قص سهام ما حدث عليه. وبعد ان انهت سهام حديثها بكت وانتحبت، تنتظر كلمات والدها تعقيبا على حديثها.
الجد: يعني هو زعق وقلب الدنيا عشان الغدا ما فيهوش لحمة وانت فهمتيه ان الفلوس خلصت وهو راح ضربك.
اجابت وهي تحاول اخفاء وجهها
- أيوة يعني هكدب عليك يا بابا.
- لا طبعًا بنتي إستحالة تكدب هي بس ساعات بتجمل الحقايق، خصوصا لما تكون غلطانة مثلاً.
قاطعته: يا بابا ...
أكمل حديثه كأنه لم يسمعها من الأساس: أنا عارفك كويس زي ما أنا عارف جوزك كويس، هو أكيد مد ايده عليكِ بس أكيد بعد خناقة مسحتي فيها بكرامته الأرض، إنت مش ملاك، واكيد فرَسْتيه لحد ما وصل لكدة، جوزك مش بيستقوي غير على الضعيف والأضعف منه كمان، قولى لى جوزك بيمد ايده على بناته.
إلتفت إليه الفتاتان بسعادة فجدهما يمكن أن يهتم بهما، بينما تلعثمت والدتهما، فأكمل هو
- وانت طبعا مش بتمنعيه عنهم، بس لما مد ايده عليكي قلبتِ الدنيا، السؤال ليه ما عملتيش كدة لما اذى بنتاتك؟
رمى الكرة بملعبها ازداد تلعثمها وحولت البنتان نظراتهما إليها مهتمتان لسماع إجابتها، همهمت تبحث عن كلمات ولا تجد، ابتسم بسخرية منها وأكمل.
-أنا حاوات افكر كتير إيه اللي عملته أو قصرت فيه في تربيتك؟ صدقيني لحد دلوقتي مش عارف، طلعتي أنانية مش بتهتمي غير بنفسك وطلباتك، لما جوزك اتقدم لك شوفت الطمع في عنيه، شوفت أنانيته الواضحة، رفضته عشان لو اتنين زيكوا اتجوزوا هيظلموا ولادهم، اللي ما استشفتهوش منه يومها، وشوفته فيه للاسف بعد كده، إنه عدواني عنيف جداً مع الاضعف منه، وانهزامي جدا مع الأقوي منه، لا إنت ولا جوزك فارقين معايا، انت تستاهلي واحد زيه، بس يا ريته يربيكِ انت ويسيب ولادك في حالهم، عيالكم هيطلعوا معقدين بسببكم انتم الاتنين، أنا عارف ان كلامي معاكِ لا هيقدم ولا هيأخر بس هتكلم معاكِ إنت وجوزك بلغتكم والطريقة اللى هتفهموها، ادخلي دلوقتي أوضتك القديمة والبنتين سيبهم معايا، هتكلم معاهم شوية وبعدين ادخلهم اوضة أختك الله يرحمها، روحى.
لم تتحدث ونظرت إلى ابنتيها محذرة. لاحظ والدها ورأى الخوف بأعين الطفلتان صمت وتابع ابنته بعينه حتى ابتعدت وكذلك فعلت الابنتين، بعد أن اطمأن انها ابتعدت واغلقت الغرفة حدثهم وعلى وجهه ابتسامة فتح ذراعيه لهما.
- تعالوا يا بنات.
تحركتا بحذر وترقب ووقفتا على جانبيه فضمهما إليه بحنان.
- إيه رأيكم تدخلوا مع جدوا الاوضة بتاعته نتكلم شوية قولوا لى الأول أكلتم قبل الخناقة؟
تبادلت كل منهما النظرات واخفضتا رأسهما بخجل فأكمل حديثه بود
- تحبوا نجيب اكل جاهز ولا نشوف في إيه في التلاجة؟ اقول لكم نجيب جاهز بدل ما نسخن وكمان نتكلم على ما الأكل يجي واجيب لكم هدوم من هدوم امكم وخالتكم الله يرحمها، انا كنت شايل حاجات من هدومهم عشان وقت زي ده، بس انا كان في بالي وقتها تيجوا في الفَرْح، المهم انكم جيتوا وجدا شافكم، انتم بتبصوا لجدوا كده ليه مش عاجبكم كلامي.
أجابت نادية مبتسمة: لا يا جدوا بس مستغربين
شيماء: هو إنت كده على طول ولا عشان خناقة ماما وبابا؟
ضحك الجد من حديثهما واردف
- لا يا ست البنات كده على طول، ومستغربين ليه يا نادية؟ عشان مختلف عن أمكم وأبوكم.
أماءت مؤكدة واخفضت رأسها، فابتسم الجد بحزن على حاليهما.
- اللي بيعملوه هو الغلط بعينه تعالوا ندخل جوة ونطلب الأكل ونكمل كلامنا.
بالفعل أخذهما الجد وطلب الطعام وبحث لهما عن ملابس مناسبة حتي وجد، وبعد ان بدلتا ملابسهما عادتا إليه ابتسم لكلتاهما وفتح ذراعيه لهما واحتضنهما بحنانا بالغ.
- بصوا انا هاسألكم على حاجة وجابوا من غير ما تخافوا وتأكدوا ان كلامنا ده سر مش هيطلع برانا إحنا الثلاثة ماشي.
أماءتا له واجابوا بنفس اللحظة
- ماشي.
- أبوكوا يضربكم كتير ولا لو غلطوا بس.
صمتت نادية وأجابت شيماء بتلقائية
- الغلط بالنسبة لبابا أي حاجة مش عاجباه أو إننا ما نفهمش قصده أي حاجة صغيرة أو كبيرة، ساعات مش بعرف انضربت ليه، ساعات كتير يرجع متضايق من الشغل فيجي يزعق ويقوم يضرب حد فينا.
- مفيش فايدة فيكِ دايما لسانك سابقك.
- مش دي الحقيقة؟
- سبيها يا نادية أنا والله مش هقول له وهمنع عنكم اذاه وضربه عنكم إن شاء الله.
صمتت نادية تحدث نفسها: أصدق إزاي وأنا حاسة إنه بيحب ضربنا وبيستمتع واحنا بتوجع شكلنا المرعوب بالنسبة له هدف وغاية.
قطعت شرودها شيماء التي تتحدث مع جدها بتلقائية وتصديق.
- يعني يا جدوا مش هتخليه يضربنا بالعصاية تاني أنا أيدي بتورم والله ومش بعرف أمسك القلم كويس حتي لما أنزل عليها مية باردة زي ما نادية بتقولي، هو إنت هتاخد العصاية ولا هتكسرها؟ طاب ماهو ممكن يشتري واحدة تانية.
غضب الجد بشدة: هو شاري عصاية عشان يضربكم بها.
-هتترني علقة جامدة من بابا بهبلك ده، لو عرف اللي قولتيه دلوقتي، وإنت مجربة كتير.
بكت شيماء وارتجفت: جدوا إنت قولت مش هتقوله، هو أنت بتكذب علينا، طاب بلاش والنبي تقوله المرة دي، هيضربني جامد ويكتفني ويرميني في الاوضة الضلمة زي ما عمل قبل كدة.
جذبها إليه بحنان وحماية يربت على ظهرها يهدئ من روعها وهي ترتجف بين يديه.
-ما تخافيش صدقيني مش هيضربك تاني وأنا مش هقوله، جدوا مش كذاب.
أجابت نادية بخجل: أنا اسفة يا جدوا مش قصدي بس قبل كدة شيماء اتكلمت في المدرسة مع ميس هناك عملوا لها إستدعاء ولى أمر وبابا راح ولما عرف إنها قالت للميس ضربها لحد ما ايدها واكتافها وكل مكان طالته العصاية ورم حتي انا ضربني عشان أخاف وما اعملش زيها.
ربت على كتفها بود: لا مش زعلان وما تخافوش أولا جدوا وعد إن ده سر ثانياً بقي أنا هكلم أبوكم بالطريقة اللي هايفهمها ويحبها، ومش هيمد ايده عليهم تاني عشان مصلحته كمان.-استمعوا لجرس الباب - جرس الباب بيرن أكيد ده الأكل عارفين طلبت إيه؟
أماءت كلتاهما نافية، فأكمل: يبقي تعالوا نفتح ونشوف.
خرجوا من الغرفة أخذ الجد الطعام بعد أن انصرف العامل ووضعه على المنضدة داعبت انفهم رائحة الطعام؛ فابتسمت كلتاهما بسعادة كبيرة، وتحدثت شيماء بفرحة وتسائلت نادية.
- ريحته حلوة قوي يا جدوا.
- ده كباب وكفته يا جدوا؟
- بالظبط يا حبيبة جدوا، انا هروح انده ماما تاكل معانا وانتم هاتوا أطباق وعيش من المطبخ.
ذهب الجد إلى ابنته سهام الجالسة بالداخل تشاهد التلفاز، ولكنها بعالم أخر مبتسمة بانتصار، نظر إليها والدها وهي غير منتبهة يعلم بما تحدث نفسها الأن، أخذ نفس عميق واغلق عينيه بيأس من إبنته، حاول ان يبعد غضبه منها ومقته لما يحدث منها ومن زوجها لحفيدتيه، ثم قطع شرودها متحدثاً.
الجد: انا جبت أكل، تعالى اتعشي معانا.
سهام: بجد! جبت إيه؟
اجابها بابتسامة تعجب منها: كباب تعالي.
تحرك لمكان الطعام وهي لحقته مسرعة.
سهام: يااه بقالي كتير ما اكلتش كباب، براحة منك لها عشان نعرف ناكل معاكم.
قطع والدها حديثها ولم يمهلها ان تكمل بينما نظرت إليها ابنتيها بتعجب منها.
والدها: سبيهم براحتهم لو خلص هبعت اجيب تاني، وزي ما انت شايفة جايب اكل يقضي عشرة مش اربعة منهم طفلتين.
ردت تحاول تبرير كلماتهما: أنا مش قصدي أنا...
قاطعها مرة اخري: حصل خير يلا يا بنات باسم الله كلوا براحتكم.
أكلوا جميعا سعدت الطفلتان من معاملة جدهم ومن الطعام الذي تذوقاه أخيرا، ثم ادخلهما الجد غرفة خالتهم المتوفاة ليخلدا للنوم، ولأول مرة تنام كلتاهما بهدوء دون خوف.