الفصل الثالث
فتح ياسر باب شقته فضغط على انفه عندما اشتم رائحة سمك مخلوطٍ مع رائحةٍ اخرى لتصبح كريهة، تقدم للداخل بقدم تعرج ثم اغلق الباب فوجد عائلة زوجته تجلس على الارائك وشاشة التلفاز تم فتحها ويبدو انهم يقومون بمشاهدة احدى المسلسلات التركية، ابتسم لهم بهدوء مستأذنًا منهم يريد اخذ حمامٍ بسبب مجيئه من العمل،
دلف غرفة نومه ليبدأ بإخراج له بعض الثياب فالتفت ببعض التعجب عندما فتح الباب، نظر الى زوجته التي تقدمت منه وعلامات الغضب تتجسد على ملامحها:
- ما قلة الذوق هذه ياسر؟! ، كيف لم تسلم على والداي؟؟ هل هم انجاس ام ماذا؟.
ابتعدت عنه تنفخ بقرف وهي تجلب الهواء لنفسها ثم خاطبته بضيق:
- ما هذه الرائحة الكريهة التي تصدر منك؟ ألا يوجد حمامًا في عملك او بالخارج تغتسل به بدلًا من ان تأتيني برائحتك الكريهة؟.
ضغط ياسر على اسنانه بغضب لا يريد ان يتشاجر معها الان، هل تقول عنه رائحة كريهة ماذا عن المنزل الذي تعبّق بالرائحة التي تقودك الى الغثيان، اخذ ملابسه الداخلية ثم تركها تتحدث مع نفسها متوجهًا للمرحاض كي يغتسل.
بعد مدةٍ قصيرة خرج ياسر مرتديًا مئزره فوجد زوجته سهر مازالت داخل الغرفة ويبدو انها تنتظره، خاطبه بهدوء:
- قومي بتحضير حقيبتي فلدي سفرية مهمة خاصة بالعمل.
هنا لم تستطع سهر ان تكبت غضبها اكثر من ذلك فهبّت صارخة في وجهه:
- هل كل حياتك عمل، عمل، عمل!! ماذا هل استطعت الجلوس قليلًا حتى ترحل؟ هل انا متزوجة برجل ام بالبيت؟!.
اثارت كلماتها غضبه فحاول الحفاظ على هدوءه، حاول التحدث لكنها منعته من ذلك وهي تنادي والديها اللذان جاءا على اثر صراخهم، هنا جن جنون ياسر كيف تفعل ذلك وكيف يقومون بالولوج الى الغرفة وهو ما زال بمئزر الحمام، خرج صوته غاضبًا بأن يخرجا للخارج، فانصاعا لكلامه على مضض، فخاطبها وهو على وشك الانفجار:
-كيف تقومين بمناداتهم وما زلت بمئزر الحمام لا ارتدي ثيابي؟.
رفعت سهر حاجبيها بغضب كبير:
- كيف تطردهم من الغرفة؟؟!.
ثم اكملت باستخفاف واضح:
- هذا لو انك كنت رجلًا بحقٍ وتحترم نفسك لما وقفت امامهم دون ثياب.
لم يستطع ياسر اكثر من ذلك فقد ضغطت على الزناد بنفسها فرفع يده ثم هوى بها على وجنتها بقوةٍ ليتحدث بغضب عارم:
- اخرجي للخارج سهر لا اريد رؤية وجهك.
جلس على سريره بعدما خرجت تبكي يمسح وجهه بكفيه كيف قام بضربها وهو الذي لم يقم بمد يده على فتاة قط، لكنها استفزته بتصرفاتها يعلم الان انه سيدخل في نوبةٍ من الشجار مع عائلتها بسبب فعلته، فاعتدل يرتدي ثيابه يجهز نفسه لشجارٍ معهم.
*************
ترجل معاذ من سيارته ثم سار داخل ممر حديقة منزله ، ابتسم لانتشار رائحة نبات النعناع الذي ينتشر في المكان ليسير نحو الداخل، فتح باب المنزل واول شيء قام بفعله انزال حقيبة ظهره يفتحها مخرجًا علبةً من الكحول يعقم يديه فيها، خلع حذائه ثم وضعه في خزانة الاحذية المتواجدة في مدخل المنزل بانتظام وترتيب،
دلف المرحاض المتواجد في الرواق يغسل يديه ووجه ثم خرج بعدما انتهي صاعدًا اول درجتين ليجد والدته تجلس في صالة المنزل ويبدو انها تقرأ شيئًا ما، اقترب منها باسمًا وقد اشرق وجهه ليخاطبها بعدما ابتسمت له:
- كيف حال مالكة قلبي التي اشتقت اليها.
انفجرت ضاحكة تنزل نظارتها الطبية عن عينيها ليستمعا الى حمحمة احدهم بضيق، مما زاد ذلك من نوبة ضحكاتهم، احتضن معاذ والدته مقبلًا يديها وجبينها باحترام وحب ليخاطبه والده بغيرةٍ واضحة مغلقًا الكتاب الذي بيده:
- ابتعد عنها معاذ كفاك سماجةً يا ولد.
اقترب منه معاذ كاتمًا ضحكته لينحني يقبل يده باحترام متحدثًا بمشاكسة:
-كما تشاء يا ابا معاذ، لا نريد ان نخرج الوحش الذي بداخلك، لكن ليكن بعلمك انني تركتها بإرادتي وليس حبًا بك.
زم ايهاب فمه بضيق كالأطفال، انه يغار من ابنه عليها، فانفجر معاذ ضاحكًا ولم يستطع ان يكتمها اكثر من ذلك:
-حسنًا، حسنًا انني امزح لا تعبس ايها الطبيب الجراح،
ثم غمز بعينه بمشاكسة اكثر من ذي قبل:
- كنت اتمنى ان اوقع سالي في حبي لكنها وقعت في حبك يا طبيب القلوب اخبرني كيف استطعت ايقاعها في حبك؟ اجبني هل سرقت قلبها ام انك سرقت عقلها حينما كنت تدرسها الطب.
ركله ايهاب بمزاح استطاع معاذ ان يفلت منها، ثم اقترب منه مرةً اخرى يقبل رأسه باحترام:
- حسنًا لا تغضب انها لك، سالي وقلب سالي.
نظرت اليه سالي بقلق ويبدو انها انتبهت للتو اليه:
- ما به انفك معاذ.
وضع معاذ يده على انفه يفركه قليلًا ثم خاطبها متذكرًا:
- لا تقلقي هذه بسبب المهمة التي كنت بها اليوم، دعوني اذهب كي اغتسل واحضر حقيبتي للسفر وسأدعكم الان تكملون ما تقومون بدراسته.
صعد معاذ نحو غرفته، كانت منظمة ومهتم بها بأدق تفاصيلها، كل شيء في مكانه وكأنها غرفة فتاة تهوى الترتيب والنظافة، اجل ان معاذ مهووس النظافة واغلب اصدقائه يطلقون عليه وسواس النظافة، انه لا يهتم بما يقولون حقًا، طالما انه لا يؤذي شخص فلا احد له شأن به.
اخذ ثيابه ثم دلف المرحاض يغتسل من اثار اليوم، لم يحتج لوقت طويل في الداخل فخرج مرتديًا ثيابه متوجهًا نحو خزانته بعدما اخرج حقيبة السفر خاصته،
استمع لطرقات على باب غرفته يليه صوت والدته تستأذنه بالدخول فسمح لها بذلك، تقدمت سالي منه بتردد فلاحظت حقيبة سفره فسألته بتعجب:
- لما تقوم بتحضير حقيبة سفرك الان بني؟؟.
تنهد بقوةٍ كبيرة قبل ان يجيبها محاول رسم ابتسامةٍ على شفتيه:
- لدينا مهمة في مدينة اخرى امي، ويتوجب علينا السفر الليلة.
اغمضت عينيها وقد اعترى الخوف قلبها، امسك معاذ كفها بهدوء متسائلًا:
- ما الأمر امي؟، انتِ لستِ على ما يرام؟!.
نفت برأسها محاولة ان تبتسم له لكن معاذ يعرفها جيدًا، انها تخفي شيئًا ما، قبل يديها بمشاكسة كطفل صغير يتحايل عل والدته كي تعطيه لعبته:
- هيّا اخبرني يا ام معاذ، يا نبص القلب وروح الفؤاد،
تابع بدراما مصطنعة يقبل يديها اكثر من ذلك قبل متتالية:
- هيّا قبل ان يأتي ايهاب ويزجني بالسجن بتهمة التحرش بكِ، او انه سيضعني في القبر بسبب غيرته الشديدة عليكِ، هيّا اخبرني ما الامر،
ابتعد واضعًا ظهر كفه على جبينه مستمرًا في درامته:
-يا الهي هل تقبلين ان اكون ضحية لإيهاب صدقيني سيقوم بتشريحي متلذذًا ويخبرني هذا بسبب تعدي لحدود ملكيته.
لم تتوقف سالي عن الضحك ولو لثانية واحد فابتسم معاذ بحب متوقفًا عما يفعله، امسك بيدها يجلسها على السرير ثم احتضن كفيها بين يديه:
- والان اخبريني ما الامر امي؟.
اخذت سالي نفسًا عميقًا ثم اخرجته بتقطع قبل ان تجيبه بخوف ينهش قلبها:
- حسنًا لا اريد اخافتك لكن؛ منذ عدة ايام وهناك رسائل تهديد تصل الى هاتفي.
نظر اليها بصدمة حاول مداراتها هل هناك رسائل تهديد لوالدته؟؟ من يفعل ذلك! حسنًا ان والدته طبيبة قلبٍ مشهورةٍ وماهرةٍ فيه، لديها عيادة خاصة مع والده ايهاب والذي احبها اثناء تدريسه لها لإحدى مواد الطب في الجامعة، لم تقم بإيذاء احد، اذًا من يقوم بتهديدها سوى شخصٌ واحد ذلك الشخص الذي يعتبره الجحيم بأم عينه.
فهمت سالي ما يفكر به معاذ فتحدثت بتردد وقد اوشكت على البكاء:
- ان التهديد باسمك وليس باسمي معاذ.
نظر اليها متسائلًا يعقد بين حاجبيه:
- ولماذا لم تخبريني بذلك امي؟.
اجابته بغصة آلمته:
- لقد اخبرت جدك وخالك عن الرسائل وهم من يقومون بحمايتك لم ارد ان اشغل بالك بها.
تنهد بضيق حقيقي متحدثًا:
- ارني الرسائل امي.
ناولته هاتفها بعدما فتحت الرسائل التي تصلها ليتأكد معاذ من شكه، ضغط على الهاتف بغضب كبيرٍ ثم اعتدل بنارٍ اشتعلت في قلبه يسير متحدثًا بصوت مرتفع بعض الشيء:
- اجل هو لقد عاد من جديد،
ابتسم بسخريةٍ كبيرة ٍمستنكرًا ما قرأه لتوه:
- انه يقول بني؟! ، بني بعد ماذا؟؟ هل تذكر ان له ابنٌ الان؟ انا والدي ذاك الرجل الذي يجلس بالأسفل، الرجل الذي احتضني ورعاني وعاملني كأنني ابنه بل اكثر، الرجل الذي ذهب معي الى المدرسة وشجعني في كل اموري وقام بمساندتي دومًا، الذي سهر من اجل راحتي كان معي في مرضي وتعبي كان معي في حزني قبل فرحي.
اعتدلت سالي تتمسك بذراعه متوسلةً برجاء وقد بدأت دموعها تنساب على وجنتيها:
- لا اريدك ان تسافر بني انت هنا تحت حماية جدك وخالك وان سافرت ستكون بمفردك، ارجوك ابقى هنا ولا تذهب.
مسح معاذ دموعها باطمئنان ثم ربت على يدها بهدوء يحاول ان يظهر عدم مبالاته بأمره :
- لا تقلقي امي سأكون بخير، اعدك.
**********
في نفس الوقت لكن في منزلٍ آخر والاشبه بالقصور الفرعونية لكن بطرازها الحديث وكأنه قصر حاكمٍ او رئيس لإحدى البلاد حيث التماثيل الفرعونية التي ملأت المكان برتابة تامة وقد انتشرت الحراسة المشددة على اتساعه،
من يسير من جانبه يبصم انه تم حمايته من اي هجوم يحدث، ابتسامةٌ ساخرةٌ خرجت من بين شفتي مشاري فها قد وصل منزله للتو بعد ان اغتسل وتناولت طعامه عند عمه محمد، كان المنزل هادئٌ و نظيف يتخلله الكآبة كما اعتاد دومًا،
اتجه نحو غرفته والتي ما ان فتحها حتى استقبلته برائحة الدخان التي تعبق بها يلقي حقيبة ظهره بإهمال شديد كحال غرفته الفوضوية، الثياب ملقاة في كل مكان، زجاجات العصير والكؤوس الموضوعين في غير مكانهم اعواد السجائر التي تناثرت هنا وهناك حتى انه لم يكلف نفسه بترتيب سريره،
انحنى على ركبتيه يخرج حقيبة السفر من اسفل سريره ثم اعتدل متوجهًا نحو الثياب الملقاة يأخذ منها بشكل عشوائي ، اجفل على صوت والده والذي ما ان دلف حتى صرخ بضيق:
- الى متى ستكون مهملًا وغير مرتبٍ يا هذا.
ضغط مشاري اسنانه بغضب ناظرًا الى والده لثواني ثم ولاه ظهره يكمل تحضير ثيابه، لاحظ والده عينه المتورمة والتي بدأت تأخذ لونًا ازرق فتحدث بصرامة كبيرة دون الاكتراث بسؤاله عن حاله والاطمئنان عليه:
-انت مهملٌ وغير مؤهلٍ للمسؤولية، اعتذر عن مهمتك فلن تنفع لها.
تجاهله مشاري وهو يجمع ثيابه ببرود كبير لكن قطرات العرق التي تكونت على وجهه اثبتت غضبه المكبوت فاخرج صوته باردًا جاف:
-لن افعل.
اثار اعتراضه غضب والده عصام فتحدث وهو يتقدم منه اكثر متحدثًا بلذاعةٍ:
- هل تتذكر آخر مهمةٍ استكشافيةٍ لك عندما عدت لي بفضيحة مجلجلة وكنت ستتسببُ بفشلها لولا ابني الذي ذهب من بين يدي ومات وهو ينقذك وكل هذا من اجل من؟؟ من أجل فتاة؟!.
هنا لم يستطع مشاري ان يكبت مشاعرة فانفجر في والده وعروق يديه ووجهه ظاهرة:
- حسنًا ابي لقد علمت انني فاشل في كل شيءٍ تدخل يداي فيه، اعلم انني لا انفع في شيء من وجهة نظرك، لكن هذه هي فرصتي الوحيدة كي اثبت انني لست كذلك.
اكمل بحرقةٍ وقد علت الغصة في حلقه يكبت دموعه:
-ثم ان اخي لم يمت بسببي والمهمة لم تفشل بسببي ايضًا اقسم لك، يكفي مذلةً لي، يكفي اتهاماتك الباطلة لي ابي، يكفي ليس في كل مرة تشعرني انني فاشل وغير حملٍ للمسؤولية.
اغلق حقيبته ثم حملها بيده متوجهًا للخارج وكل ما يشغل تفكيره انه هل كان حقًا السبب الحقيقي في موت شقيق سامر؟! ، حقًا الألم الذي يأتي من العائلة لا ينتهي.
دلف عصام احدى الغرف بعد مغادرة مشاري المنزل ثم أضاءها بهدوء فانتشرت بضوءٍ ذهبي بسبب الحوائط العاجية التي تعكس عليها وقف عصام امام صورة كبيرة لامرأةٍ غطت الحائط بأكمله يتحدث اليها بحزنٍ دفين:
- انني خائف ان يضيع هو الاخر، هو من بقي لي لكن في نفس الوقت لا استطيع مسامحته لقد تسبب في وفاة سامر حتى انكِ لم تتحملي ذلك ووافتكِ المنية من شدة الحزن عليه.
*********
داخل مركز الحياة الطبي اخذت عنود تجمع الملفات وتقوم بترتيبها حسب الأبجدية على استعجال وهي تستعد للرحيل مع تارا التي تنتظرها داخل سيارتها، اجفلت للحظةٍ عندما تفاجئت بدخول رجلٍ وزوجته يحملون ابنهم الصغير الذي يبدوا انه فاقدٌ الوعي بين ذراعيهم ووالدته تنتحب برعب على طفلها،
اقتربت منهم عنود مسرعةً عندها صرخ بها الرجل بقوة:
-نريد الطبيب بسرعة ابني سوف يموت ببن يداي.
لم تمهله عنود وقت كما لم تقم بانتظار اذن الطبيب وهي تفسح الطريق للرجل حتى يلحقها، فتحت الباب دون استئذان حتى ان الطبيب اجفل وهي تقول باستعجال:
-طبيب مصطفى لدينا حالة طوارئ لطفل.
زفر الطبيب مصطفى بضيق وهو يشير لها ان يضعه على الفراش ليستجيب له بسرعة فسأله الطبيب بطريقةٍ روتينية:
-اذا ما هو خطبه؟.
تردد الرجل وزوجته للحظة قبل ان يحسم امره بناءً على طلب عيون زوجته المستنجدة وهو يقول بصوت منخفض:
-لقد التهم قطعة من مخدر الافيون.
هنا انتفض الطبيب مصطفى بسرعةٍ وهو يخبر عنود ان تحضر ادوات غسيل المعدة بينما فحص هو نبضات قلبه وتنفسه وما هي الا لحظات وبدأت عملية طويلة ومتعبة حتى افاق الطفل اخيرًا لتأخذ عنود نفسها براحة الان وهي تشتم وتسب في سرها كل من له علاقة بالمخدرات او اي شيء يؤذي الاطفال.
اتجهت عنود الى طبيب الاطفال مصطفى تسأله باهتمامٍ كبير:
-ألن نقوم بإبلاغ الشرطة؟.
انتفض مصطفى فزعًا على اثر كلماته وهو يقول بتلعثم:
-وما دخل الشرطة بالأمر ألم ننقذ حياة الطفل بالفعل عنود؟.
استنكرت عنود كلام الطبيب لتقول بصوتٍ به بعض العصبية:
-ولكن القانون واضح يجب ان يتم تبليغ الشرطة بحالة مثل هذه ايها الطبيب.
حاول مصطفى ان يقنعها ان تنسى الامر وتعدل عن كلامها وقد تدخل الرجل وزوجته وهم يتوسلون لها ألا تفعل لأنه هكذا سيقبض على الرجل ويشرد الطفل ويضيع مستقبله ويصبح بلا معيل، كانت تشعر بالضيق الشديد فهذا يخالف ضميرها ومبادئها،
هناك صوتٌ قوي بداخلها يخبرها انها يجب ان تتصرف وتفعل الصواب ولكن ما ذنب الطفل ان سجن والده واصبح بلا مستقبل! زفرت بهدوء عكس ما يلوج بداخلها، ثم استأذنتهم وهي تقول بكلمات مقتضبة:
-حسنًا اسمح لي انا بالرحيل فلقد تأخرت عن المنزل بالفعل.
عندما عادت كانت الساعة قد تعدت الثانية عشر بالطبع لم تذهب مع تارا لتناول المثلجات كما اتفقتا وارسلت اليها رسالة ان تتوجه لمنزلها لأنه استجدت حالة وعليها البقاء، بالتأكيد لم تستمع اليها الاخرى وانتظرتها حتى انتهت وقامت بإيصالها ثم غادرت بعدما وودعتا بعضهم البعض،
كالمعتاد كان والدها يجلس في الصالة ينتظر الاطمئنان على اولاده ابتسمت له وهي تتجه اليه تقبل يديه وجبهته، اطمأنت على صحته وانه اخذ علاجه ليخبرها ان تطمئن فلقد اخذهم بالفعل فذهبت حتى ترتاح قليلًا.
ما ان دلفت الى غرفتها حتى لاحظت ان شقيقتها مازالت مستيقظة تطالع شاشة الهاتف باهتمامٍ شديد فما كان من عنود الا ان نظرت الى ما تشاهده شقيقتها لتقول بضيق بعدها:
-ألم اخبرك ان تمتنعي عن الفيس بوك المجموعات التي به؟.
نظرت لها وجد بضيقٍ شديد وهي تقول ببعض العصبية لكن كان صوتها منخفض كي لا يستمع اليهم والدهم:
-عنود انتِ لست ولية امري ولا المسؤولة عن تصرفاتي لهذا من فضلكِ توقفي عن التحكم في.
نظرت لها عنود بصدمة فهي من المؤكد لم تفكر هكذا للحظة ولكنها تعلم كم يمكن لتوأمتها ان تكون ساذجةً وتثق في اي شخص بسهولة،
فحاولت ان توصل لها وجه نظرها ولكن من الواضح ان وجد لم يكن لديها اي استعداد للاستماع اليها بل على العكس انفجرت فيها تخبرها انها تريد ان تغلق متنفسها الوحيد للعالم وما يؤنس وحدتها.
اخبرتها عنود بكل هدوء انه يمكنها هي الاخرى الخروج والعمل مثلها لا داعي لان تبقى بمفردها طوال اليوم في المنزل تحضر الطعام وترتب المنزل ولكن انتهى الامر بشجار اخر واكبر ووجد تتهمها بالأنانية وانها لا تفكر الا في نفسها ومصلحتها فقط ،
بعد كل ما عاصرته عنود في يومها وجدت انه لا طاقة لها للحديث على الاطلاق وربما تؤجل الامر لما بعد ولكن ان كان هناك امر ادركته عنود هو ان وجد تعاني من اكتئاب بسبب فراغها ووحدتها.
دلف غرفة نومه ليبدأ بإخراج له بعض الثياب فالتفت ببعض التعجب عندما فتح الباب، نظر الى زوجته التي تقدمت منه وعلامات الغضب تتجسد على ملامحها:
- ما قلة الذوق هذه ياسر؟! ، كيف لم تسلم على والداي؟؟ هل هم انجاس ام ماذا؟.
ابتعدت عنه تنفخ بقرف وهي تجلب الهواء لنفسها ثم خاطبته بضيق:
- ما هذه الرائحة الكريهة التي تصدر منك؟ ألا يوجد حمامًا في عملك او بالخارج تغتسل به بدلًا من ان تأتيني برائحتك الكريهة؟.
ضغط ياسر على اسنانه بغضب لا يريد ان يتشاجر معها الان، هل تقول عنه رائحة كريهة ماذا عن المنزل الذي تعبّق بالرائحة التي تقودك الى الغثيان، اخذ ملابسه الداخلية ثم تركها تتحدث مع نفسها متوجهًا للمرحاض كي يغتسل.
بعد مدةٍ قصيرة خرج ياسر مرتديًا مئزره فوجد زوجته سهر مازالت داخل الغرفة ويبدو انها تنتظره، خاطبه بهدوء:
- قومي بتحضير حقيبتي فلدي سفرية مهمة خاصة بالعمل.
هنا لم تستطع سهر ان تكبت غضبها اكثر من ذلك فهبّت صارخة في وجهه:
- هل كل حياتك عمل، عمل، عمل!! ماذا هل استطعت الجلوس قليلًا حتى ترحل؟ هل انا متزوجة برجل ام بالبيت؟!.
اثارت كلماتها غضبه فحاول الحفاظ على هدوءه، حاول التحدث لكنها منعته من ذلك وهي تنادي والديها اللذان جاءا على اثر صراخهم، هنا جن جنون ياسر كيف تفعل ذلك وكيف يقومون بالولوج الى الغرفة وهو ما زال بمئزر الحمام، خرج صوته غاضبًا بأن يخرجا للخارج، فانصاعا لكلامه على مضض، فخاطبها وهو على وشك الانفجار:
-كيف تقومين بمناداتهم وما زلت بمئزر الحمام لا ارتدي ثيابي؟.
رفعت سهر حاجبيها بغضب كبير:
- كيف تطردهم من الغرفة؟؟!.
ثم اكملت باستخفاف واضح:
- هذا لو انك كنت رجلًا بحقٍ وتحترم نفسك لما وقفت امامهم دون ثياب.
لم يستطع ياسر اكثر من ذلك فقد ضغطت على الزناد بنفسها فرفع يده ثم هوى بها على وجنتها بقوةٍ ليتحدث بغضب عارم:
- اخرجي للخارج سهر لا اريد رؤية وجهك.
جلس على سريره بعدما خرجت تبكي يمسح وجهه بكفيه كيف قام بضربها وهو الذي لم يقم بمد يده على فتاة قط، لكنها استفزته بتصرفاتها يعلم الان انه سيدخل في نوبةٍ من الشجار مع عائلتها بسبب فعلته، فاعتدل يرتدي ثيابه يجهز نفسه لشجارٍ معهم.
*************
ترجل معاذ من سيارته ثم سار داخل ممر حديقة منزله ، ابتسم لانتشار رائحة نبات النعناع الذي ينتشر في المكان ليسير نحو الداخل، فتح باب المنزل واول شيء قام بفعله انزال حقيبة ظهره يفتحها مخرجًا علبةً من الكحول يعقم يديه فيها، خلع حذائه ثم وضعه في خزانة الاحذية المتواجدة في مدخل المنزل بانتظام وترتيب،
دلف المرحاض المتواجد في الرواق يغسل يديه ووجه ثم خرج بعدما انتهي صاعدًا اول درجتين ليجد والدته تجلس في صالة المنزل ويبدو انها تقرأ شيئًا ما، اقترب منها باسمًا وقد اشرق وجهه ليخاطبها بعدما ابتسمت له:
- كيف حال مالكة قلبي التي اشتقت اليها.
انفجرت ضاحكة تنزل نظارتها الطبية عن عينيها ليستمعا الى حمحمة احدهم بضيق، مما زاد ذلك من نوبة ضحكاتهم، احتضن معاذ والدته مقبلًا يديها وجبينها باحترام وحب ليخاطبه والده بغيرةٍ واضحة مغلقًا الكتاب الذي بيده:
- ابتعد عنها معاذ كفاك سماجةً يا ولد.
اقترب منه معاذ كاتمًا ضحكته لينحني يقبل يده باحترام متحدثًا بمشاكسة:
-كما تشاء يا ابا معاذ، لا نريد ان نخرج الوحش الذي بداخلك، لكن ليكن بعلمك انني تركتها بإرادتي وليس حبًا بك.
زم ايهاب فمه بضيق كالأطفال، انه يغار من ابنه عليها، فانفجر معاذ ضاحكًا ولم يستطع ان يكتمها اكثر من ذلك:
-حسنًا، حسنًا انني امزح لا تعبس ايها الطبيب الجراح،
ثم غمز بعينه بمشاكسة اكثر من ذي قبل:
- كنت اتمنى ان اوقع سالي في حبي لكنها وقعت في حبك يا طبيب القلوب اخبرني كيف استطعت ايقاعها في حبك؟ اجبني هل سرقت قلبها ام انك سرقت عقلها حينما كنت تدرسها الطب.
ركله ايهاب بمزاح استطاع معاذ ان يفلت منها، ثم اقترب منه مرةً اخرى يقبل رأسه باحترام:
- حسنًا لا تغضب انها لك، سالي وقلب سالي.
نظرت اليه سالي بقلق ويبدو انها انتبهت للتو اليه:
- ما به انفك معاذ.
وضع معاذ يده على انفه يفركه قليلًا ثم خاطبها متذكرًا:
- لا تقلقي هذه بسبب المهمة التي كنت بها اليوم، دعوني اذهب كي اغتسل واحضر حقيبتي للسفر وسأدعكم الان تكملون ما تقومون بدراسته.
صعد معاذ نحو غرفته، كانت منظمة ومهتم بها بأدق تفاصيلها، كل شيء في مكانه وكأنها غرفة فتاة تهوى الترتيب والنظافة، اجل ان معاذ مهووس النظافة واغلب اصدقائه يطلقون عليه وسواس النظافة، انه لا يهتم بما يقولون حقًا، طالما انه لا يؤذي شخص فلا احد له شأن به.
اخذ ثيابه ثم دلف المرحاض يغتسل من اثار اليوم، لم يحتج لوقت طويل في الداخل فخرج مرتديًا ثيابه متوجهًا نحو خزانته بعدما اخرج حقيبة السفر خاصته،
استمع لطرقات على باب غرفته يليه صوت والدته تستأذنه بالدخول فسمح لها بذلك، تقدمت سالي منه بتردد فلاحظت حقيبة سفره فسألته بتعجب:
- لما تقوم بتحضير حقيبة سفرك الان بني؟؟.
تنهد بقوةٍ كبيرة قبل ان يجيبها محاول رسم ابتسامةٍ على شفتيه:
- لدينا مهمة في مدينة اخرى امي، ويتوجب علينا السفر الليلة.
اغمضت عينيها وقد اعترى الخوف قلبها، امسك معاذ كفها بهدوء متسائلًا:
- ما الأمر امي؟، انتِ لستِ على ما يرام؟!.
نفت برأسها محاولة ان تبتسم له لكن معاذ يعرفها جيدًا، انها تخفي شيئًا ما، قبل يديها بمشاكسة كطفل صغير يتحايل عل والدته كي تعطيه لعبته:
- هيّا اخبرني يا ام معاذ، يا نبص القلب وروح الفؤاد،
تابع بدراما مصطنعة يقبل يديها اكثر من ذلك قبل متتالية:
- هيّا قبل ان يأتي ايهاب ويزجني بالسجن بتهمة التحرش بكِ، او انه سيضعني في القبر بسبب غيرته الشديدة عليكِ، هيّا اخبرني ما الامر،
ابتعد واضعًا ظهر كفه على جبينه مستمرًا في درامته:
-يا الهي هل تقبلين ان اكون ضحية لإيهاب صدقيني سيقوم بتشريحي متلذذًا ويخبرني هذا بسبب تعدي لحدود ملكيته.
لم تتوقف سالي عن الضحك ولو لثانية واحد فابتسم معاذ بحب متوقفًا عما يفعله، امسك بيدها يجلسها على السرير ثم احتضن كفيها بين يديه:
- والان اخبريني ما الامر امي؟.
اخذت سالي نفسًا عميقًا ثم اخرجته بتقطع قبل ان تجيبه بخوف ينهش قلبها:
- حسنًا لا اريد اخافتك لكن؛ منذ عدة ايام وهناك رسائل تهديد تصل الى هاتفي.
نظر اليها بصدمة حاول مداراتها هل هناك رسائل تهديد لوالدته؟؟ من يفعل ذلك! حسنًا ان والدته طبيبة قلبٍ مشهورةٍ وماهرةٍ فيه، لديها عيادة خاصة مع والده ايهاب والذي احبها اثناء تدريسه لها لإحدى مواد الطب في الجامعة، لم تقم بإيذاء احد، اذًا من يقوم بتهديدها سوى شخصٌ واحد ذلك الشخص الذي يعتبره الجحيم بأم عينه.
فهمت سالي ما يفكر به معاذ فتحدثت بتردد وقد اوشكت على البكاء:
- ان التهديد باسمك وليس باسمي معاذ.
نظر اليها متسائلًا يعقد بين حاجبيه:
- ولماذا لم تخبريني بذلك امي؟.
اجابته بغصة آلمته:
- لقد اخبرت جدك وخالك عن الرسائل وهم من يقومون بحمايتك لم ارد ان اشغل بالك بها.
تنهد بضيق حقيقي متحدثًا:
- ارني الرسائل امي.
ناولته هاتفها بعدما فتحت الرسائل التي تصلها ليتأكد معاذ من شكه، ضغط على الهاتف بغضب كبيرٍ ثم اعتدل بنارٍ اشتعلت في قلبه يسير متحدثًا بصوت مرتفع بعض الشيء:
- اجل هو لقد عاد من جديد،
ابتسم بسخريةٍ كبيرة ٍمستنكرًا ما قرأه لتوه:
- انه يقول بني؟! ، بني بعد ماذا؟؟ هل تذكر ان له ابنٌ الان؟ انا والدي ذاك الرجل الذي يجلس بالأسفل، الرجل الذي احتضني ورعاني وعاملني كأنني ابنه بل اكثر، الرجل الذي ذهب معي الى المدرسة وشجعني في كل اموري وقام بمساندتي دومًا، الذي سهر من اجل راحتي كان معي في مرضي وتعبي كان معي في حزني قبل فرحي.
اعتدلت سالي تتمسك بذراعه متوسلةً برجاء وقد بدأت دموعها تنساب على وجنتيها:
- لا اريدك ان تسافر بني انت هنا تحت حماية جدك وخالك وان سافرت ستكون بمفردك، ارجوك ابقى هنا ولا تذهب.
مسح معاذ دموعها باطمئنان ثم ربت على يدها بهدوء يحاول ان يظهر عدم مبالاته بأمره :
- لا تقلقي امي سأكون بخير، اعدك.
**********
في نفس الوقت لكن في منزلٍ آخر والاشبه بالقصور الفرعونية لكن بطرازها الحديث وكأنه قصر حاكمٍ او رئيس لإحدى البلاد حيث التماثيل الفرعونية التي ملأت المكان برتابة تامة وقد انتشرت الحراسة المشددة على اتساعه،
من يسير من جانبه يبصم انه تم حمايته من اي هجوم يحدث، ابتسامةٌ ساخرةٌ خرجت من بين شفتي مشاري فها قد وصل منزله للتو بعد ان اغتسل وتناولت طعامه عند عمه محمد، كان المنزل هادئٌ و نظيف يتخلله الكآبة كما اعتاد دومًا،
اتجه نحو غرفته والتي ما ان فتحها حتى استقبلته برائحة الدخان التي تعبق بها يلقي حقيبة ظهره بإهمال شديد كحال غرفته الفوضوية، الثياب ملقاة في كل مكان، زجاجات العصير والكؤوس الموضوعين في غير مكانهم اعواد السجائر التي تناثرت هنا وهناك حتى انه لم يكلف نفسه بترتيب سريره،
انحنى على ركبتيه يخرج حقيبة السفر من اسفل سريره ثم اعتدل متوجهًا نحو الثياب الملقاة يأخذ منها بشكل عشوائي ، اجفل على صوت والده والذي ما ان دلف حتى صرخ بضيق:
- الى متى ستكون مهملًا وغير مرتبٍ يا هذا.
ضغط مشاري اسنانه بغضب ناظرًا الى والده لثواني ثم ولاه ظهره يكمل تحضير ثيابه، لاحظ والده عينه المتورمة والتي بدأت تأخذ لونًا ازرق فتحدث بصرامة كبيرة دون الاكتراث بسؤاله عن حاله والاطمئنان عليه:
-انت مهملٌ وغير مؤهلٍ للمسؤولية، اعتذر عن مهمتك فلن تنفع لها.
تجاهله مشاري وهو يجمع ثيابه ببرود كبير لكن قطرات العرق التي تكونت على وجهه اثبتت غضبه المكبوت فاخرج صوته باردًا جاف:
-لن افعل.
اثار اعتراضه غضب والده عصام فتحدث وهو يتقدم منه اكثر متحدثًا بلذاعةٍ:
- هل تتذكر آخر مهمةٍ استكشافيةٍ لك عندما عدت لي بفضيحة مجلجلة وكنت ستتسببُ بفشلها لولا ابني الذي ذهب من بين يدي ومات وهو ينقذك وكل هذا من اجل من؟؟ من أجل فتاة؟!.
هنا لم يستطع مشاري ان يكبت مشاعرة فانفجر في والده وعروق يديه ووجهه ظاهرة:
- حسنًا ابي لقد علمت انني فاشل في كل شيءٍ تدخل يداي فيه، اعلم انني لا انفع في شيء من وجهة نظرك، لكن هذه هي فرصتي الوحيدة كي اثبت انني لست كذلك.
اكمل بحرقةٍ وقد علت الغصة في حلقه يكبت دموعه:
-ثم ان اخي لم يمت بسببي والمهمة لم تفشل بسببي ايضًا اقسم لك، يكفي مذلةً لي، يكفي اتهاماتك الباطلة لي ابي، يكفي ليس في كل مرة تشعرني انني فاشل وغير حملٍ للمسؤولية.
اغلق حقيبته ثم حملها بيده متوجهًا للخارج وكل ما يشغل تفكيره انه هل كان حقًا السبب الحقيقي في موت شقيق سامر؟! ، حقًا الألم الذي يأتي من العائلة لا ينتهي.
دلف عصام احدى الغرف بعد مغادرة مشاري المنزل ثم أضاءها بهدوء فانتشرت بضوءٍ ذهبي بسبب الحوائط العاجية التي تعكس عليها وقف عصام امام صورة كبيرة لامرأةٍ غطت الحائط بأكمله يتحدث اليها بحزنٍ دفين:
- انني خائف ان يضيع هو الاخر، هو من بقي لي لكن في نفس الوقت لا استطيع مسامحته لقد تسبب في وفاة سامر حتى انكِ لم تتحملي ذلك ووافتكِ المنية من شدة الحزن عليه.
*********
داخل مركز الحياة الطبي اخذت عنود تجمع الملفات وتقوم بترتيبها حسب الأبجدية على استعجال وهي تستعد للرحيل مع تارا التي تنتظرها داخل سيارتها، اجفلت للحظةٍ عندما تفاجئت بدخول رجلٍ وزوجته يحملون ابنهم الصغير الذي يبدوا انه فاقدٌ الوعي بين ذراعيهم ووالدته تنتحب برعب على طفلها،
اقتربت منهم عنود مسرعةً عندها صرخ بها الرجل بقوة:
-نريد الطبيب بسرعة ابني سوف يموت ببن يداي.
لم تمهله عنود وقت كما لم تقم بانتظار اذن الطبيب وهي تفسح الطريق للرجل حتى يلحقها، فتحت الباب دون استئذان حتى ان الطبيب اجفل وهي تقول باستعجال:
-طبيب مصطفى لدينا حالة طوارئ لطفل.
زفر الطبيب مصطفى بضيق وهو يشير لها ان يضعه على الفراش ليستجيب له بسرعة فسأله الطبيب بطريقةٍ روتينية:
-اذا ما هو خطبه؟.
تردد الرجل وزوجته للحظة قبل ان يحسم امره بناءً على طلب عيون زوجته المستنجدة وهو يقول بصوت منخفض:
-لقد التهم قطعة من مخدر الافيون.
هنا انتفض الطبيب مصطفى بسرعةٍ وهو يخبر عنود ان تحضر ادوات غسيل المعدة بينما فحص هو نبضات قلبه وتنفسه وما هي الا لحظات وبدأت عملية طويلة ومتعبة حتى افاق الطفل اخيرًا لتأخذ عنود نفسها براحة الان وهي تشتم وتسب في سرها كل من له علاقة بالمخدرات او اي شيء يؤذي الاطفال.
اتجهت عنود الى طبيب الاطفال مصطفى تسأله باهتمامٍ كبير:
-ألن نقوم بإبلاغ الشرطة؟.
انتفض مصطفى فزعًا على اثر كلماته وهو يقول بتلعثم:
-وما دخل الشرطة بالأمر ألم ننقذ حياة الطفل بالفعل عنود؟.
استنكرت عنود كلام الطبيب لتقول بصوتٍ به بعض العصبية:
-ولكن القانون واضح يجب ان يتم تبليغ الشرطة بحالة مثل هذه ايها الطبيب.
حاول مصطفى ان يقنعها ان تنسى الامر وتعدل عن كلامها وقد تدخل الرجل وزوجته وهم يتوسلون لها ألا تفعل لأنه هكذا سيقبض على الرجل ويشرد الطفل ويضيع مستقبله ويصبح بلا معيل، كانت تشعر بالضيق الشديد فهذا يخالف ضميرها ومبادئها،
هناك صوتٌ قوي بداخلها يخبرها انها يجب ان تتصرف وتفعل الصواب ولكن ما ذنب الطفل ان سجن والده واصبح بلا مستقبل! زفرت بهدوء عكس ما يلوج بداخلها، ثم استأذنتهم وهي تقول بكلمات مقتضبة:
-حسنًا اسمح لي انا بالرحيل فلقد تأخرت عن المنزل بالفعل.
عندما عادت كانت الساعة قد تعدت الثانية عشر بالطبع لم تذهب مع تارا لتناول المثلجات كما اتفقتا وارسلت اليها رسالة ان تتوجه لمنزلها لأنه استجدت حالة وعليها البقاء، بالتأكيد لم تستمع اليها الاخرى وانتظرتها حتى انتهت وقامت بإيصالها ثم غادرت بعدما وودعتا بعضهم البعض،
كالمعتاد كان والدها يجلس في الصالة ينتظر الاطمئنان على اولاده ابتسمت له وهي تتجه اليه تقبل يديه وجبهته، اطمأنت على صحته وانه اخذ علاجه ليخبرها ان تطمئن فلقد اخذهم بالفعل فذهبت حتى ترتاح قليلًا.
ما ان دلفت الى غرفتها حتى لاحظت ان شقيقتها مازالت مستيقظة تطالع شاشة الهاتف باهتمامٍ شديد فما كان من عنود الا ان نظرت الى ما تشاهده شقيقتها لتقول بضيق بعدها:
-ألم اخبرك ان تمتنعي عن الفيس بوك المجموعات التي به؟.
نظرت لها وجد بضيقٍ شديد وهي تقول ببعض العصبية لكن كان صوتها منخفض كي لا يستمع اليهم والدهم:
-عنود انتِ لست ولية امري ولا المسؤولة عن تصرفاتي لهذا من فضلكِ توقفي عن التحكم في.
نظرت لها عنود بصدمة فهي من المؤكد لم تفكر هكذا للحظة ولكنها تعلم كم يمكن لتوأمتها ان تكون ساذجةً وتثق في اي شخص بسهولة،
فحاولت ان توصل لها وجه نظرها ولكن من الواضح ان وجد لم يكن لديها اي استعداد للاستماع اليها بل على العكس انفجرت فيها تخبرها انها تريد ان تغلق متنفسها الوحيد للعالم وما يؤنس وحدتها.
اخبرتها عنود بكل هدوء انه يمكنها هي الاخرى الخروج والعمل مثلها لا داعي لان تبقى بمفردها طوال اليوم في المنزل تحضر الطعام وترتب المنزل ولكن انتهى الامر بشجار اخر واكبر ووجد تتهمها بالأنانية وانها لا تفكر الا في نفسها ومصلحتها فقط ،
بعد كل ما عاصرته عنود في يومها وجدت انه لا طاقة لها للحديث على الاطلاق وربما تؤجل الامر لما بعد ولكن ان كان هناك امر ادركته عنود هو ان وجد تعاني من اكتئاب بسبب فراغها ووحدتها.