الفصل الثالثالوظيفة الجديدة

الفصل الثالث
(الوظيفة الجديدة )

_لا يا عم لا لذلك ولا دياولو بس خلى بالك كويس من نفسك وابقى طمني عليك وعرفني عملت ايه في الشغل اوعى تنسى.
_حاضر يا أحمد مجرد ما أرسى على حل اجيلك على طول وابلغك ما تخافش، سلام بقا قبل ما مراتك ترجع والتحلي انا كمان المحضر معاك.
ابتسم أحمد: سلام يا فالح.
ما إن خرج مسعود من الغرفة حتى انسلّ أحمد تحت الغطاء وراح في سبات عميق لم يستيقظ منه إلا على صوت زوجته وهي توقظه.
خرج مسعود من منزل صديقه ومعه الجريدة، عاد إلى منزله فوجد والدته تنتظره وهي حزينة وما إن رأت وجهه حتى أسرعت إليه وهي تقول: انت كنت فين ده كله ده يا مسعود ده انا كنت هتجنن عليك ومش عارفة اعمل إيه.
جلس على مقعد المائدة ووضع الجريدة أمامه على المائدة وهو يقول: يعني هكون فين كنت مع أحمد صاحبي كنا بنتمشى شوية، مالك قلقانة عليا كدة ليه ما تخافيش انا كويس اطمني.
مصمصت شفتيها وهي تقول: اطمن ازاي بس والنحس راكبنا كدة.
_حتى انتي بتقولي زيهم.

جلست على المقعد المحاور له وهي تقول وللأسف يبدو على وجهها: انت زعلت والله ما أقصد حاجة يا ابني وانت عارف هي بس زلة لسان ما متزعلش مني.
ابتسم وهو يقول: انا مش زعلان منك ماتخافيش.
أشارت بيدها في الهواء وهي تقول: بس لو تسمع كلامي و تيجي معايا الشيخة برقوقة، دي شيخة مبروكة وكل اللي راحوا عندها رجعوا وهما مجبورين الخاطر وربنا رازقهم من وسع.
قال وهو يهز رأسه بتململ: رجعنا الشيخة برقوقة تاني، ما انا ياما قولتلك ان دي كلها خرافات وجهل الست دي بتضحك على الناس بيه علشان تاخد فلوسهم.
قالت وهي تضحك ونظرة التحدي تبدو من خلال عينيها: طيب ايه قولك بقا لو عرفت انها ما بتاخدش مليم واحد من إي حد.
_إيه يعني بتشتغل كدة لله في لله.
_أيوة والله يا ابني ده انا سألت عليها واطقست وعرفت كل حاجة عنها، هي ست مبروكة بتحب تخدم الناس وتكسب ثواب.
_مبروكة لنفسها خلينا بعيد عن السكة دي أحسن انا مش ناقص سيبنا من السيرة زي فيه حاجة كدة عايز افاتحك فيها.
نظرت إليه باهتمام وهي تقول: فيه ايه يا ابني كفالله الشر عايز تخطب تاني ولا ايه الحكاية.
ابتسم وهو يقول: أخطب ايه بس هو انا ما حرمتش؟.
_وماله يا حبيبي ما تخطب وتفرح تاني وثالث فيها ايه يعني هو انت مش شاب زي باقي الشباب ومن حقك تفرح زيك زيهم ولا إيه.
_انا عايزك في حاجة أهم دلوقتي انا بفكر اسيب الشغل اللي انا فيه.
_ليه كدة يا ابني فيه حد عاقل في الزمن اللي احنا فيه ده يسيب شغلانته ويقعد كدة.
_أما مش هقعد ولا حاجة انا بدور  على شغلانة جديدة في مكان تاني بعيد.
_بقا بعد ما انت في الشغلانة دي بقالك سنين وسنين وشربتها شرب وعرفت كل أسرارها عايز دلوقتي تسببها وتبدأ من جديد بقا ده اسمه كلام!.
_انا زهقت من كل حاجة في الدنيا دي، زهقت من زمايلي ونظراتهم ليا، زهقت من همسهم وأمرهم وتريقتهم عليا في الطالع والنازل سبيني براحتي مين عارف مش يمكن الاقي نفسي زي ما أحمد قالي.
_طيب ولحد ما تلاقي شغلانة جديدة هتعمل ايه هتقعد كدة في البيت زيك دي الولايا.
_لاء ما تخافيش انا بكرة ان شاء الله رايح أقدم على وظيفة جديدة وأن شاء الله تطلع كويسة.
_طيب اوعدني الأول.
_أوعدك بايه.
_اوعدني أنك ما تسيبش الشغل بتاعك لحد ما تلاقي الشغل الجديد اللي بتقول عليه.
قال وهو يهز رأسه: حاضر ليكي عليا اخد منهم إجازة لحد ما الاقي الشغل الجديد.
نهضت من مكانها، ربتت على ظهره وهي تقول: ربنا يكرمك ويخليكي ليا يا مسعود يا ابني وما يحرمنيش منك ابدا يارب زي ما انت مريح قلبي وبتراضيني يارب.
قبل يدها وهو يقول: ويخليكي ليا وما يحرمنيش منك ابدا يارب.
انطلقت والدته تعد الطعام وهو ما زال يجلس في مكانه، أخذ الجريدة، أخذ يقرأ فيها الإعلان ثانية حتى أحضرت له والدته الطعام، نحت الجريدة جانبًا وهي تقول: شيل الجنرال ده من هنا يا مسعود وبعد ما تخلصه ابقى اديهولي انضف بيه المرايات.
قال والدهشة تعلو ملامحه: لا يا أمي الجورنال ده انا عايزها ضروري ده فيه الوظيفة اللي تروح بكرة ان شاء الله أقدم فيها.
ابتسمت وهي تقول: ربنا يفتحها في وشك يارب، يلا بقى كل اي حاجة ده انت على لحم بطنك من الصبح.
تسللت رائحة الطعام الشهي إلى أنفه فاندلع في بطنه بركان من الجوع، شعر كأنه لم يأكل منذ دهر بأكمله، قال وهو يضع الجريدة بعيدًا: ريحة الأكل حلوة اوى انتي طابخالنا ايه.
ابتسمت والدته، قربت الأطباق منه وهي تقول: المسقعة اللي نفسك فيها وعمال تطلبها مني بقالك فترة.
تناول قطعة من الخبز وضع عليها بعضا من الطعام، وضعها في فمه وهو يقول: ده انا كنت هموت عليها ربنا يخليكي ليا يارب بس اشمعنا دلوقتي عملتيها ده انا كنت كل شوية اطلبها منك بقالي يجي أربع شهور وانتي مش راضية تعمليها.قالت وهي تبتسم: انت ناداني ولا إيه بصراحة عملتها علشان اخليك تاكل تكمن انت زعلان على نجلاء وكدة فقولت اعملهالك علشان تفتح نفسك وتأكل.
قال وهو يطحن الطعام بأسنانه: ده انا على كدة المفروض اشكرهم أنهم رفضوني علشان خلوكي تعمليلي الأكلة اللي انا بحبها.
قالت وهي تبتسم: كل كل سيبك منهم بكرة تتجوز ست ستها.
قال وهو يتناول قطعة أخرى: على رأيك الأكل أحسن.
ضحكت والدته وهي تقول: انا عارفة انك بتحب المسقعة اوى بس ما كنتش اعرف انك بتحبها أكثر من نجلاء، من هنا واربح اعملك المسقعة على طول مش هحرمك منها تاني.
_ربنا ما يحرمنيش منك ولا من المسقعة الحلوة دى ابدا يارب.
_امين يارب العالمين، بس انت ما قولتليش هي الشغلانة اللي انت رايح تقدم فيها دي نظامها إيه.
ابتلع الطعام، مد يده يأخذ لقمة أخرى وهو يقول: انا هقولك يا ستي، الشغلتمة دي زي ما اهو مكتوب هنا أنها حارس لمزرعة وكاتبها مكتوب كويس جدا وفيها كمان سكن في المزرعة يعني ممكن لو اتوفقت فيها وقبلوني إن شاء الله آخدك ونروح نعيش هناك.
وهي تتناول قطعة من الطعام: يعني انا ممكن اسيب بيتي واروح أعيش هناك.
توقف الطعام في حلقه، تناولته كوب الماء بسرعة، جرع منه جرعة كبيرة جعلت الطعام ينزلق، تناول قطعة اخري من الخبز وهو يقول: طيب وفيها ايه ده انتي لديكي شايفة الناس في الحارة هنا بيعاملونا ازاي ده حتى الوظيفة دي هتبقى مناسبة جدا لظروفنا اهو نخرج من هنا ونروح مكان جديد نشوف فيه الناس ونتعرف على ناس جديدة لا يعرفونا ولا نعرفهم وما يعرفوش عنا غير المعاملة المؤسسة اللي بنتعامل معاهم بيها واهو على الأقل نحس أن فيه ناس عائشة معانا بدل ما احنا لوحدينا خالص كدة وتتصاحبيلك على جارة جديدة تقعد معاكى تتسايري معاها وتسليها وتسليكي وكدة.
وهي تتناول الطعام: عندك حق يا ابني ده انا ساعات ببقى قربت اتكلم مع الحيطان من الوحدة اللي انا فيها، خلاص اعمل على الله ربنا يسهلك أمورك يارب ويرزقك يا ابني من حيث لا تدري يمكن تكون دي هي اللي فيها الحل والخلاص من النحس ده.
من هنا ورياح بلاش نجيب سيرة النحس دي تاني كفاية اوى اللي اخدناه منها، خلينا نحاول ننسى اللي احنا عيشناه هنا وادعيلي كتير كتير اوى انى أقبل في الشغلانة دي.
ابتلعت الطعام ورفعت يدها إلى الأعلى وهي تدعو وتقول: ربنا يا ابني يفتح في وشك أبواب الرزق ويرزقك ويفرحك ويراضيك زي ما انت بتراضيني يارب وما يحرمنيش منك ابدا ويسهلك أمورك يارب.
ابتسم وقال: يارب يا أمي يارب يسمع منك ربنا.
أكمل طعامه وبعد أن انتهى منه، أمسك الأطباق وحملها إلى المطبخ كما اعتاد أن يفعل مع والدته ثم جلس معها يتسامران حتى شعر بالنعاس ينهض وبهو يتثاءب ويقول: انا مش قادر خلاص انا داخل انام بس اوعى تسبيني نايم لأن انا عندي بحرة سفر اروح اشوف الوظيفة دي نظامها إيه.
_وهي تتثءب هي الأخرى: حاضر يا ابني ربنا يسهلك أمورك يارب.
اوى إلى الفراش ومعه الجريدة، أخذ يقرأ الإعلان مرارًا وتكرارًا حتى غلبه النعاس، رأى خلال نومه نفسه وهو يجلس في صحراء شاسعة تحت وهج الشمس الحارقة، تكاد اشعتها تذهب بعقله وتصيبه بضربة من ضرباتها الموجعة، يفتح عينيه بصعوبة لشدة وهجها، يبحث بناظريه عن مأوى، عن ملجأ يعصمه من لهيبها الحارق، ظل يركض ويركض يبحث عن الملجأ، عن الظل لكنه لم يجد، شعر بعيش شديد يكاد يودي به، نقبّ عن جرعة ماء تطفئ ظمأنه، عن ظل يحميه من النار التي تشتعل حوله لكنه لم يجد، هوى على الأرض وهو حائر القوى، حاول أن يصرخ لكن ظمأه ذهب بصوته، لم يعد يستطيع أن يفتح عينيه، انهار على الرمال الملتهبة فلفحت جسده بلهيبها هي الأخرى، استسلم وترك نفسه للصحراء تفعل به ما تريد ثم شعر بيد باردة تقدم إليه الماء، حاول أن ينهض لكنه لم يستطع، حاول أن يفتح عينيه لكنها خانته وتخلت عنه ثم شعر بماء بارد ينسب من بين شفتيه ومن ثم بالحياة تدب بجسده من جديد، شعر كأنه انتقل إلى عالم آخر فتح عينيه ببطء فوجد نفسه داخل غرفة زجاجية تكشف عما يحيط حوله من صحراء جرداء لكنها وعلى الرغم من شفافيته إلا أنها تمنع عنه قيظ الصحراء ولهيب رمالها، نظر بجانبه فوجد إناء يمتلئ بالماء أمسكه ورفعه على فمه وأخذ يشرب منه ويشرب ويشرب حتى استيقظ من نومه والعرق يغرق جسده كله، وجد نفسه مازال يمسك الجريدة في يده، نظر إلى الساعة فوجدها السادسة صباحًا، نهض من مكانه وضع رأسه تحت الصنبور وهو ينظر إلى تلك المياه التي تتدفق منه وتجري معها كل الأوساخ يتمنى لو تجرف معها آلامه واحزانه، ثم سار إلى الغرفة، أرتدى ملابسه، جاءت والدته كي توقظه فوجدته قد أرتدي ملابسه، أسرعت تعد له الطعام بسرعة، عادت إليه وهي تقول: تعالى يا ابني انا خضرتلك الفطار اهو تعالى أفطر قبل ما تمشي.
حاول أن يعتذر منها، قال: حاسس انى ماليش نفس خليني اروح كدة خفيف.
ضربت صدرها: لا والله ما يحصل ابدا ده انت بتقول انك رايح في مكان بعيد سفر يعني يبقى ازاي اسيبك كدة من غير فطار خد.
وضعت الاطباق أمامه وهي تقول: كل على ما احضرلك ساندوتشات تأخذها معاك تأكلها هناك وما تنساش تبقى تكلمني تطمني علشان ما اقلقش عليك.
أعدت الطعام ثم جلست بجانبه، نظرت إليه وقالت: مالك يا مسعود فيه ايه ده انت امبارح كنت كويس وراحت نمت وانت مبسوط وفرحان.
_مش عارف مالي حلمت حلم غريب مش فاهم منه حاجة.
_طيب احكيهولي كدة يمكن اعرف افسرهولك.
روى لها الحلم الذي رآه فقالت: ده يبقى خير كثير جايلك وابقى قول أمى قالت.
ابتسم وهو يقول: أن شاء الله يلا انا تمشي بقا علشان ما اتاخرش بس اعملي حسابك اني ممكن ارجع متأخر ابقى كلي انتي ما تستنانيش.
تناول الجريدة وغادر، اتجه إلى محطة القطار، استقل القطار، ظل طوال الطريق ينظر إلى وجوه الركاب يسلي نفسه، وإلى عجلات القطار وهي تطحن القضبان الحديدية وشعر بالنعاس، حاول قدر الأماكن أن يطرده بعيدا لكنه ظل يحاصره حتى تغلب عليه وجذبه معه إلى هوة سحيقة، كان يستيقظ منها كل فترة ليعود إليها من جديد والقطار يسير من محطة إلى أخرى والركاب تنزل ويركب بدلا منهم آخرون وهو مازال على حاله، يجلس مكانه ينتظر تلك المحطة التي شعر أنه يبتعد عنها حتى شعر بالضجر، حاول أن يسري عن نفسه بالحديث مع الراكب الذي يجلس بجواره بعض الوقت حتى أعلن القطار أنه قد وصل الي محطته الأخيرة، نزل منه واتجه إلى ناظر المحطة وقف أمامه وقال: لو عايز اروح مزرعة حين اروح ازاي لو سمحت.
ظهرت علامات الدهشة على وجه الرجل وقال: مزرعة حين مرة واحدة ليه كدة يا ابني ده انت لسة شباب.
ارتسمت علامات العجب على وجه مسعود وقال: ليه هو فيه ايه هناك.
_ولا فيه حاجة ولا دياولو بس المنطقة دي بعيدة محدش بيرضى يروح هناك خالص، عموما يا ابني انت حر اطلع برة المحطة وشاور لأي عربية أجرة وهي هتوديك مكان ما انت عايز.
انطلق إلى خارج المحطة والدهشة تملأ نفسه واتجه إلى أول سيارة أجرة قابلها، ركب فيها، وهو يقول للسائق: "مزرعة حين" لو سمحت.
ظهرت علامات الدهشة والاضطراب على وجه السائق وانتفض من مكانه كمن لسعه عقرب وهو يقول: انت ايه اللي وداك الحتة دي.
_النصيب بس ليه هي مالها.
_كاد الرجل أن ينطق ولكنه تراجع وقال: أصل دي منطقة بعيدة وأنا ما اقدرش اروح هناك من فضلك خد أي عربية تاني غير دي.
نظر مسعود حوله فلم يجد أي سيارة اخرى فقال: من فضلك انا غريب عن المكان ده وما إعرفش فيه حد انت وصلنى لهناك وأنا اديك الفلوس اللي انت عايزها.
رد عليه السائق بحدة: اللي ممكن افقده أغلى من الفلوس.
_تقصد إيه.
صرخ السائق فيه وهو يقول: أقصد اللي اقصده بقا انزل بقولك.
ترك مسعود السيارة وجلس على الطريق ينتظر سيارة أخرى، ظل لأكثر من ساعة  ينتظر سيارة أخرى حتى شعر بالضجر والجوع الشديد فأخرج الطعام الذي قد أعدته له والدته وأخذ يتناوله وهو يدندن ببعض الأغنيات ليسلي نفسه وبعد أن انتهى من الطعام إذ رأى سيارة أجرى تقترب منه، اسرع نحوها فأوقفها وهو يقول للسائق: مزرعة حين، ظل في مكانه كي يرى هل سيقبل السائق أن يقله إلى هناك أم لا، اندهش عندما أشار له السائق بالموافقة، ركب وهو لا يكاد يصدق نفسه ويقول: يا بركة دعواتك يا أمي.

ابتسم السائق وقال: وانت لا مؤاخذة رايح البلد  البعيدة دي ليه ده مكان بعيد جدا ومفيش حد بيروح هناك خالص غير قليل اوي.
_هي بلد ولا مزرعة.
_بلد صغيرة كدة  وفيه مزرعة جنبها فالناس سماها بالمزرعة وكدة.
_أخبار الناس هناك ايه.
_ناس عادية زيهم زي بقية الخلق فيهم الحلو وفيهم الوحش بس الأمانة لله انا عمري ما شوفت منهم حاجة وحشة هما اي نعم ليهم عوايد غريبة شوية بس برضه ناس طيبين.
ظهرت علامات الدهشة على وجه مسعود وقال: غريبة ازاي تقصد إيه؟.
_ولا أقصد أي حاجة اهو كلام بنسلي بيه وقتنا لحد ما نوصل.
عرف مسعود أنه لن يظفر من ذلك الرجل بأي شيء فآثر الصمت وأخذ ينظر إلى الطريق ويفكر ويقر في نفسه: يا ترى يا مسعود حظك المرة دي واخدك لحد فين، تكون زي ما تكون بقا يعني بعد ما ضربت المشوار ده كله اجي للآخر وارجع والله ما يحصل ابدًا.
فاق مسعود في هواجسه حتى أخرجه منها صوت السائق وهو يقول: وصلنا يا باشا أدى مزرعة حين اللي انت عايزها أهي.
نظر مسعود أمامه فوجد سورًا عظيمًا، هبط من السيارة وسار بمحاذاته قرابة النصف ساعة حتى وصل إلى البوابة بعدما بلغ منه التعب مبلغه، وقف إمام البوابة الحديدية الضخمة، أخذ نفسًا عميقًا ثم طرق الباب وانتظر فلم يفتح له أحد، طرقه مرة أخرى ولم يتلق أي جوابًا ثم طرقه ثانية فانفتح الباب، نظر إلى من فتحه له لكنه لم يجد أحد فاندهش، نظر إلى الداخل فوجد ممر شاسع سار فيهرقرابة الساعة حتى وصل إلى بوابة ضخمة، وقف أمامها وطرق الباب فانفتح من أول مرة نظر ليرى من فتح له فلم يجد أحد سرت الريبة في نفسه لكنه تقدم حتى أصبح في الردهة، نظر حوله فلم يجد أحد، ثم سمع صوتًا من خلف باب فسار نحوه حتى وصل إليه، طرقه فانفتح الباب ليكشف عن غرفة شاسعة في آخرها مكتب يجلس من خلفه رجل عجوز يشتعل رأسه شيبًا ينظر إليه من خلف النظارة ويبتسم ابتسامة هادئة، شعر بالراحة واتجه نحوه حتى أصبح أمامه، أشار له الرجل أن يجلس ففعل.
ظل الرجل ينظر إليه من خلف عويناته دون أن يتحدث، طال الصمت، شعر مسعود أنه عليه أن يبدأ هو بالحديث، ازدرد ريقه ثم قدم الجريدة ووضعها أمام الرجل وهو ينظر إليه ويقول: انا جاي هنا بخصوص الشغلانة دي.
ثم صمت.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي