أقدار وقدور

Doaa123`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-08-12ضع على الرف
  • 60.3K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل ١

كانت تنظر من شباك غرفتها علي الصبية الصغار وهم يلعبون مع بعضهم ويضحكون، تبتسم ثم تشير لهم، لكن لا أحدا يلتفت اليها، حتي تنادي عليهم أو تصيح فهي تود في قرارة نفسها أن تلعب معهم كما يلعبون لكن الصغار يشيرون عليها وهم يصرخون قائلين : البنت العبيطة اهي ، بنت الباشا العبيطة اهي، ثم يفرون من أمامها ، تحزن هي رغم عدم فهمها لكلمة عبيطة الا أنها كانت تشعر بنبذها بفرارهم منها وبتعبيرات وجههم، تتجهم واحيانا تدب قدميها في الأرض باكية، تنهرها خدماتها عن تكف عن فعل ذلك ، فالطبيب أكد أن قدميها تؤلمها من فعل ذلك الحركة، لكنها صرخت في الخادمة بان تتركها، ثم جلست علي فراشها مستاءة تحتضن قطها وتحدثه كأنه يفهم ما تقول، جاءتها الخادمة تحمل الأدوية الخاصة بها، رفضت تناولها، استاءت الخادمة حاولت أن تعطيه لها بالقوة مما أثار حفيظتها، فعدتت بالضرب على الخادمة التى صرخت من تحتها ، جاءوا باقي الخدم مسرعين وخرجت الست هانم من غرفتها لتعرف ما الذي حدث مع ورد لتجدها فوق الخادمة توسعها ضربا وهى تهمهم بكلمات غير مفهومة ، خلصوا الخادمة من يدها بعد مشقة، جلست بجوارها الست هانم تحاول أن تهديها فتربت علي ظهرها وتمسح علي يدها، لكن ورد لم تهدأ الا بعد وقت طويل ، فكان قلبها ينبض بشدة وانفها ينتفخ من شدة الغضب ، سالتها الست هانم امها قائلة : مالك بس يا ورد ايه اللي مزعلك، قوليلي عملت لك ايه البنت دي وانا اموتهالك خالص.
لم ترد ورد بل انكمشت علي نفسها وكأن امها لا تكلمها، كانت ورد تفعل ذلك كلما شعرت بعدم الأمان ، رغم طيبتها المفرطة و حنيتها الزائدة الا انها كلما شعرت بالخطر تعاملت بعدوانية شديدة، وبعدها تنكمش هكذا علي نفسها، أكد الطبيب لامها أكثر من مرة بأن ورد حالة فريدة وسط أقرانها، فأصحاب متلازمة داون ملائكيين جدا وغير مؤذيين علي الاطلاق ، بل هم من أصحاب القلوب النقية البيضاء التي لا تعرف سوي الخير ، أما ما تفعله ورد في الخدم وفي كل من يقترب منها أمر غريب ، هي عصبية جدا تشعر بأنها منبوذة وغير محبوبة ، اطفال القرية الذين نحبهم وتحب أن تراهم ينفرون منها ويفرون من أمامها كلما رأوها ، غير السباب الذي ينعتونها به، كذلك الخدم الذين يعاملونها بقسوة وبعنف في غياب امها علي اعتبار أنها لا تفهم ولا تميز ، لكنها كانت تخزن لهم تصرفاتهم هذه وفي اقرب فرصة تنقض عليهم وتنتقم منهم ، وفي وسط حيرة امها وطبيبها، بعدها نصح الطبيب الام أن تضع ورد أمام عينيها طوال الوقت ، ولا تبعد عنها، لتراقب تصرفاتها ولتعرف لماذا تتصرف هكذا، لكن الست هانم للأسف مشغولة طوال الوقت، طوال اليوم في استقبال ناس مهمين من هنا وهناك، وتسافر من بلد الي أخري لتتابع تجارتها ومصالحها في القاهرة، وأخذ ورد معها أمر صعب جدا فورد رغم كبر سنها الا انها تحتاج إلى معاملة اطفال ، بل ولا تكف عن افتعال المشاكل والمواقف المحرجة التي تسببها للست هانم التى كانت تري من الأفضل أن تخفي ورد عن العيون حتى تتخلص من شفقة المشفقين وتتخلص من كيد الحاقدين ، فهي الست هانم القوية التي تدهس رجالا طول بعرض فكيف لها أن تسمع من أحدهم كلمة ربنا يصبرك، أو ربنا يشفيها، أو كلمة الحاقدين التي تصيبها في مقتل حينما يذكرونها بما فعله زوجها فيها وفي طفلته أو حتي بما قاله، حينما يقولون: صدق البيه عبد الحافظ المدبولي لما قال إنه ابتلي ببنت عبيطة ، كل ذلك كان يؤثر في الست هانم ويزيد من عذابها من أجل ذلك كانت تخفي ورد عن العيون كخطيئة ، في هذه الأيام زادت مشاكل ورد وتهورها مع الكبير والصغير دون سبب واضح الأمر الذي كان يحزن الست هانم ويكئبها ، فكرت ان تأت لها بخدم من القاهرة بدلا من البنات الريفيات اللاتي لا يجدن التعامل معها ويتسببوا في عصبيتها، لكن ورد كانت لا تقبل أحدا ببساطة، وستضطر أن تبقي معها لوقت طويل حتي تعتاد علي الوجه الغريب ، لذلك أجلت الست هذه الفكرة الي ان تفضي من مشغولياتها الكثير، وذات صباحا نادي كانت وردت تستيقظ وكعادتها تنظر من نافذة غرفتها تختبئ من الخادمة التى تمنعها خوفا عليها لأن الست هانم تعطي لها تعليمات شديدة لو أن وردت خدشت خدش صغير ستقبض روحها إذن ، وكثيرا من الخادمات تعرضن لغضب الست هانم بسبب أهمالهن في ورد او لعدم سيطرتهن عليها فتتسبب في أذية نفسها لكن الست هانم لا تعترف الا وإن الخادمة لم تكن علي قدر المسؤولية فتبطش بها أشد بطشا ، المهم أن ورد اختبئت ووقفت في شرفتها تتأمل ما حولها من خضرة وجمال أو ربما احساسها قادها الي هناك في هذه الساعة المبكرة فقط لترأه ، هو ذاك الطفل البائس الذي يرتدي جلبابا تاكل من حرارة الشمس، ولا يرتدي شيئا في قدميه يمشي حافيا وسط الزرع وعلي الطريق، بل كان لا يمشي بشكل طبيعيا ابدا فغالبا ما يجري بأمر من الرجل الكبير الذي يمسك له عصا رفيعه يلسعه بها كما يلسع الماشية التي يقودها ، فيجري هذا الطفل البائس ممسكا باكثر من حبل من حبال الماشية واحيانا يكون ممسكا برجل من ارجل الأغنام أو الماعيز ، وفي كل الأحيان يجري هذا الطفل المسكين حتي تكاد ورد تسمع تقطع أنفاسه من شرفتنا العالية بالطابق الثاني في السرايا الكبيرة ، لا يقف هذا الطفل الا حينما يفتح البواب البوابة الكبيرة للرجل الذي يلسع الماشية والطفل معا ، يتحدث معه وبعدها يسمح له بالدخول من البوابة الخلفية للسرايا ليقدم الماشية أو الأغنام كذبائح تشتريها منه الست هانم وتذبحها سواء كانت تطعم بها أهل القرية لتشتري إيمانهم به أو تذبحها في مناسبات تقيمها هي ويحضرها أشخاصا مهمين فتقدم لهم الولائم ، لم تكن هذه المرة هي المرة الأولي التي ترأه فيها ورد بل كل المرات التي كان يأتي فيها هذا الطفل بصحبة هذا الرجل الذي يمشي علي قدم ونصف لأن أحدي أقدامه بها عرجا ما ، مما يصعب المشي عليه لذلك يستعين بهذا الطفل البائس الذي ينتهز انشغال معلمه وهو الرجل الأعرج مع احد الحرس أو الخدم الخاصين بالست أو حينما يدخل جنينة السرايا الكبيرة ليلتقي بالست هانم ليتفق معها علي الحساب حينها فقط يقف هذا الطفل في مواجهة ورد ويبتسم لها فتبتسم هي الأخري وتكن في قمة السعادة، هذا الطفل بالنسبة لورد كان غير كل الاطفال الذين كانت ترأهم من شرفتها فهو لا يفر مثلها ولا يضايقها بنظراته أو كلماته بل علي العكس كان يقف سعيدا مسرورا بل ويزيد علي ذلك حينما يفعل لها حركات ويستعرض مرونة عظامه امامها ، لتتفرح هي وتبتسم بل وأحيانا تصفق بيدها وتحدث ضوضاءا مما يجعله يجري من أمامها مسرعا لأن معلمه أوصاه بأن يكن مثله مثل الصنم حينما يقترب من السرايا فهو لا يريد اي مشاكل من اي نوع مع الست هانم التي لا ترحم خصوصا في أمر ورد ، لذلك يجري هذا الطفل واحيانا يشير لها بأن تسكت أو تصمت كانت ورد احيانا تفهم وتستجيب واحيانا كثيرة يأخذها الانبهار بحركاته البهلوانية تلك التي كان يفعلها أمامها فتفتح فمها دهشة واحيانا خوف حتي يعتدل في جلسته فتضحك ملء فمها وتصفق بيديها حتي يطير من أمامها هذا الولد الذي كان يضع رأسه علي الارض وقدميه الي اعلي ويسير كذلك بمنتهي الثبات لعدة خطوات دون أن يسقط ، ثم يغير هذه الحركة بحركة أخري ثانية وهو أن يمشي علي يد واحدة رافعا جسده كله الي اعلي دون أن يسقط ايضا، أو يقلب نفسه مرات تلو المرات لعدة خطوات دون أن ترتطم رأسه بالأرض ،كل هذه الحركات بالنسبة لورد التي لم تراها من قبل كانت تبهرها بل وتسلب عقلها غير أن ابتسامة هذا الولد له كانت تشعرها بأن أحدا يحبها ويتمني وصالها وودها، وكانت تريد أن تنزل لتلعب معه لكن لا تعرف تعبر عن ذلك ، خصوصا أنه يأت ولا يدخل مع معلمه الي جنينة السرايا نفسها بل يقف خلف السور الكبير الذي يحاوطها وكل مراته التي يأت فيها تكن في الصباح الباكر وقبل أن يستيقظ عصفورا من عشه ، فلا تعرف كيف تجتمع به ورد او كيف تتواجد معه في مكانا واحد لتلعب معه أو لتقترب منه أو حتي لتحضره يعش معها في غرفتها بدلا من هؤلاء الخادمات اللاتي تكرههن لثقل دمهم وغباوتهن كما تردد ورد علي كلا منهن قائلة : يا غبية انتي وهي ، مما كان يجعل الست هانم امها تضحك حتي تدمع عينيها ، المهم انشغلت ورد بهذا الطفل وكانت تتمني أن تنزل له أو يصعد هو لها لكن في كل مرة كانت لا تعرف كيف يحدث هذا ففي إحدى المرات بعد أن وقف هذا الولد أمامها وعمل حركاته التي تحبها تلك وحينما سمع صوت معلمه ينادي عليه من بعيد طار طير بالمعني الحرفي وكأنه لا يلمس الأرض من سرعته، الأمر الذي أغضب ورد فهي لم تكتفي من وجوده بعد، ففتحت باب شرفتها علي مصرعيه، واخذت تنادي عليه باعلي صوتها وهي تقول بكلمات مبعثرة: خد يا رجل يا صغير ، يا رجل يا طاير ، يا طاير يا اللي بتطير .
ولان هذا الطفل كان قد غادر المكان سريعا بسرعة البرق فلم يسمعها ولم يلتفت لنداؤها ، فتهورت ورد حيث حاولت النزول إليه هي ولكن من شرفة غرفتها، حيث رفعت أحدي قدمها ووضعتها علي حافة الشرفة وهمت برفع الأخري ولكن لأن جسدها ثقيل وبدين لم تستطع ، فوقفت مشبحه ، لا هي تستطيع النزول ولا تستطيع الخروج ، وأخيرا قادها عقلها بأن تمسك بيديها حافة الحديد الملفوف حول شرفتها وتصرخ قائلة : استناني يا ولد يا طاير.
سمعها احد الحرس الذي كان ممسكا بكوب من الشاي ورغيف خبز ويتناول افطاره ، علي الفور رماه وجري مسرعا مناديا علي باقي الحرس وعلي الست هانم ، حتي صعدوا جميعهم بسرعة البرق لإنقاذ ورد ، كل ذلك والخادمة الخاصة بها ملقية علي الارض مستغرقة في نوم عميق وكأنها لم تنم منذ قرن ، فهي طوال النهار تجري وراء ورد وتلم مشاكلها ، لذلك ارتمت لا تشعر بشيء وكانها من الأموات ، حتي جاءت الست هانم ضربتها بقدمها كي تفيق ، بعد أن انقذوا ورد ، أقسمت الست هانم أن لا تترك هذه الخادمة الغبية، واتت بها وسط الجميع أمرت بحلق شعرها لتبدو صلعاء تماما، ثم شرمت لها أذنيها الاثنين وأخذت القرطاج الذهب الذي أحضرته هي لها من قبل مكافأة لها عن إنقاذها لورد في أحدي المرات ، لكنها الست تجازي في الخير وفي الشر معا ، فيا سعد ويا هناء من نال رضاها ويا ويل كل الويل من ناله غضبها، صرخت الخادمه التي ظلت تنزف دما كثيرا من أذنيها وهي تتالم أشد الالم وتصرخ بشدة، لكن الست هانم نبهتها أن عادت الي صراخها ثانية ستقطع رقبتها من جسدها وتعلقه علي شرفة ورد كي تصبح عبرة لكل من تسول له نفسه ويقصر في حق ورد او يتواخي عن رعايتها وحمايتها، كان الجميع يرق لحال الخادمة التي ارتمت تحت قدم الست هانم وهي تئن وتكتم أنينها ودموعها بل والمها خاصة بعد ما امرتها الست بألا تخرج نفسا واحدا، جلست ورد التي كانت لا تعرف لماذا تحدث هذه الضجة من حولها وهي تشير لامها علي الشرفة مرددة: الطاير ، عايزه الطاير العب معه، لكن الام لم تفهم و ظنت أن ورد تحدثها عن عصفورا مثلا او حمامة فهي تعرف أن بنتها عاشقة للطيور والحيوانات ، لذلك أمرت أحد الخدم بأن يحضر لها حمامة في الحال لتلعب بها وتكف عن الصراخ ، لكن ورد اعترضت وأخذت تضرب بقدميها علي الارض ، الأمر الذي يغضب الست، فبعد فعل ورد لتلك الحركة ، تؤلمها قدمها ولا تستطيع المشي بسهولة بل وتبكي من الالم ، لأن وزن ورد ثقيل فجسدها من الاعلي بدين جدا في حين أن قدميها رافعتين جدا وكأن غذاء جسدها لا يصلهما ، فالوزن الثقيل علي القدم الرفيعه يسبب لها الما وصعوبة، وحركة دبها علي الارض هكذا تزد من الالم خصوصا أن أصابعها بها تجمعات دموية لا تتحمل كل هذه الضربات والخبطات، والحقيقة أن ورد كانت مشاكلها الصحية كثيرة جدا، ليست فقط أنها فتاة من فتيات مرضي متلازمة داون اللاتي يشتاركن في ملامح واحدة وكأنهن جميعا أسرة واحدة ، ورد كانت تعاني من ضعف في عضلات القلب ومن ضعف في البصر ومشاكل في العظام ، كان لها اكثر من طبيب مختص يأت الي السرايا مخصوص ويقم فيها من أجلها ، كانت الست هانم تتحمل نفقات كثيرة من أجل شفاءها ولا تهتم كثيرا لأمر الفلوس ، فهي الست هانم بنت البيه الكبير التي تمتد أملاكها من شرق البلد الي غربها بل وتمتد الي القري الأخري المجاورة بل وتصل الي القاهرة، وفكانت علي اتم استعداد أن تدفع كل ما تملكه من أجل ان تري بنتها بخير أو علي الأقل تمارس أمورها بشكل طبيعي، لكنها الدنيا التي تفننت في إذلال الست هانم حتي تنكسر شوكتها لكنها كانت علي العكس فكلما تعرضت لانتكاسات ولضربات من الدنيا كانت تردها أضعاف أضعاف لاهل البلد والفلاحين الغلابه علي الاخص الذين يمدون قدورهم طالبين الطعام ليسدوا جوعهم، فكانت الست هانم تنتقم في الغلابة لا تعطي شيئا قط الا قبل أن تأخذ من صاحبه أضعاف اضعافه مما جعل الفلاحين يكرهونها ويتمنون لها الموت ، ويفرحون في مصائبها وان كانوا لا يستطيعون أن يعلنوا ذلك
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي