الفصل الخامس

ثم غرقوا في النعاس لبضع ساعات، بينما كانت لمياء تجتهد وتجتهد في المذاكره؛
في هذه الأثناء كان يجلس أيمن مع أسرته حول المائده يتناولوا طعامهم، في منتصف جلستهم تنحنح أيمن ثم وضع الملعقه من يده وهو يرمق زوجته وابنته مبتسما
-عندي خبر ليكوا حلو بخصوص محمد جارنا


نظروا السيدتان لبعضهما بفضول ثم اشاحوا بنظرهم بعيدا عن بعضهما رامقين أيمن بدهشه، متسائلين بآن واحد
-خير يابابا، خير ياحبيبي، شوقتنا، قول بقي

أطلق أيمن ضحكته ثم رفع يداه في وجههما مي يهدءا، أومأ لهن
-اصبري ياحنبليه انتي وهي، اعطوني فرصه اتكلم، محمد جاتله فرصة عمره واحتمال يسافر الإمارات، جاله شغل في شركه هو نفس شغل المصنع ال احنا بنشتغل فيه، بس محمد متردد ومش عارف ياخد قراره، بصراحه انا نصحته انه لازم يسافر ومايضيعهاش من إيده.

عقدت هايدي حاجبيها ثم تحدثت من بين أسنانها
-وانت يالي شغال من قبل منه بسنين، ليه ما جاتش ليك الفرصه لما للنهارده، سبحان الله يعطي الحلق لل بلا ودان، وكمان بيتنك ومش عايزها، تلاقي مروه الوقتي الفرحه مش سيعاها! يلا الله يسهله ويوفقه، عقبال يا ميمون

طرق أيمن يداه ببعضهما وتأفأف من حقدها على جيرانها اللذان من المفترض بانهم أصدقاء، لاحظ أيضا بأن بيسان لم يظهر عليها مشاعر السعاده لوالد صديقتها، حدقها متسائلا ساخرا
-ها ياست بيسان، وانتي هتعومي على عوم أمك، اوعي يكون تفكيرك شبهها كدا، هزعل منك بجد

تنهدت بيسان حانية رأسها ثم اجابته بصوت مخنوق
-لا طبعا يابابا انا عمري ما هفكر شبه ماما، بس انا خايفه لمياء تسافر وتسبيني لأنها صديقتي الوحيده ال طلعت بيها من الدنيا، زعلت انك حاولت تقنعه لانه لو سافر هياخدها معاه؛....


قاطعها والدها وهو ممسك أنامل يدها بحنان
-ياحبيبتي لسه بدري على الكلام ده، الموضوع لسه فكره واتعرضت عليه، لو وافق وقرر يسافر فيها على الأقل ثلاث اربع شهور على الاقل عبال مايرتب حاله، بس انا رأيي انه يسافر عشان يحسن من مستواهم المعيشي ويعرف يجوز بنته، كمان ياستي انتي فيكي تكلميها يوميا على النت عشان ماتحسيش انها بعدت عنك، والاكيد انها هتنزل كل سنه في الاجازه وهتبقى تقضيها معاكي كلها.

هزت بيسان رأسها اقتناعا بحديث والدها ثم شرعت رأسها واجابته بابتسامه
-عندك حق يابابا، ربنا يوفق عمو محمد، ممكن بعد إذنك اروح اذاكر مع لمياء شويه لان عندنا امتحان عملي و عايزاها تراجع معايا شوية حاجات كده؟

جحظت هايدي عيناها بوجه ابنتها، صاحت بصوت مرتفع
-إيه يابيبي انتي التانيه! لحقت توحشك دي سيباكي مابقلهاش ساعتين، ولا رايحه تباركيلها على الخبر السعيد؟!

لم يكن أيمن يعرف بأن زوجته حقوده لهذه الدرجه، وأنها لم احب الخير لغيرها، شهق ناظرا لابنته مبتسما غامزا
-قومي ياقلب بابا روحي لصحبتك، ماترديش على ماما.. تلاقيها اعصابها تعبانه من حاجه بس شويه، بس عايزك تتجدعني كده وذاكري كويس.

نهضت بيسان عن المائده وأخذت أدوات مدرستها وذهبت لصديقتها، بينما جلس ايمن يعاتب هايدي في اسلوبها المستفز، غضب منها كثيرا لأنها لم تحمد ربها على الخير الذي بين يديها، ثم نهض عن المائده هو الآخر وترك لها المنزل وخبط الي الأسفل ليجلس على القهوه بصحبة أصدقائه وجيرانه افضل من الجلوس معها، لحين تهدأ وتعود الي صوابها.

جلست بيسان ولمياء تذاكران، ظلّت بيسان ترمق لمياء بين الحين والآخر، تريد فتح الحديث معها لكن خشت ان تسيئ لمياء فهمها؛
لاحظت أيضا لمياء بأن بيسان مضطربه متلعثمه على غير العاده، أغلقت كتابها ووضعت القلم أعلاه، ثم حدقت بيسان متسائله
-في ايه يابوسي، مالك يابت، في حاجه حصلت في البيت عندكوا ولا ايه.

طرقت بيسان بيدها على سطح المكتب وهي تحدق بلمياء أبصا
-لا ياستي مفيش حاجه من دي، بس انا عرفت من بابا ان انتوا احتمال تسافروا وتسيب نا، ده صحيح فعلا؟!

انفرجت شفتا لمياء عن ثناياهم ضاحكه، ثم أجابتها وهي تقرصها من وجنتها
-بقى هي دي القصه ال مخلياكي مش علي بعضك من ساعة ما دخلتي!؟ يابنتي احنا لسه مش عارفين حاجه، ما يمكن يحصل اي حاجه وبابا مايعرفش يخلص ورقه لسبب ما، او الشركه ترفضه، حد عالم ايه ال ممكن يحصل، بس في أسوأ الظروف لو حصل وهو سافر، هيكون في بعدها على الاقل خمس شهور عبال ما يبعت لينا، وقتها هنكون خلصنا السنه ونشوف وقتها هنعمل ايه، ماتقاطعيش انتي بس، وبعدين انا ما اقدرش استغني ولا ابعد عنك ياهبله، ده انتي اختي ال طلعتي بيها من الدنيا.


التقطت بيسان أنفاسها وهدأت بعض الشيئ، انفتحت نفسها على المذاكره، استأنست بالجلوس مع لمياء بضعة ساعات، لم يشعروا بالوقت الا حينما جاءهم صوت من الشرفه المجاوره، إذ هي هايدي تنادي على بيسان كي تعود إلى المنزل، رمقتا الفتاتان الساعه فوجدوها السابعه بعد المغرب، أغلقت بيسان كتبها وحملت حقيبتها ثم نهضت بالوقوف كي تغادر،
-الوقت سوقنا بس الحمد لله حاسه اني ذاكرت النهارده كويس، يلا ياسوسو، تصبحي على خير، اشوفك بكرا بقي

ثم أشارت لها بقبله طائره في الهواء، ابتسمت لمياء وهمّت بالوقوف كي تسير معها الي مدخل المنزل وهي ترد لها قبلتها
-وانتي من اهل الخير يا مجنونه، ادعي بس الامتحان يجي بكرا سهل


مرت الليله بسلام على العائلتين، في اليوم التالي تلاقوا الأسرتين على مائدتهم كل أسرف على حدي ليتناولوا فطورهم قبل ذهابهم لأشغالهم، البعض منهم فرح والآخر حزين والآخر بين هذا وذاك؛
بعد مغادرة الأزواج والفتاتان المنزل، كانت هايدي ترتب منزلها بينما أغلقت مروه منزلها وذهبت إليها مهروله لتحكي لها ماصار معها بحسن نيه اعتقادا منها بأن هايدي ستسعد لها على اعتبار انها صديقتها، لم تعرف ما مرت به امس،

عندما فتحت لها هايدي الباب رمقتها بديق ثم انتبهت لتصرفها، ورحبت بها بابتسامه صفراء ثم تحدثت إليها من بين أسنانها
-اهلا يامروه، صباح الفل، مش عوايدك يعني تزوريني الصبح كده، خير، ادخلي.. ادخلي.. ماتوقفيش على الباب كده

لغت مروه حذاءها وولجت الي المنزل، جلست على أول مقعد قابلها، أصابها ذهول بعض الشيئ لأنها لاحظت بأن هايدي ليست كطبيعتها، لكن أعادت النظر وتحدثت بينها وبين نفسها
-يمكن انتي متهيألك يابت يامروه، ولا يمكن ايمن جوزها قالها حاجه دايقتها قبل ما ينزل، يلا انا مالي


ثم وضعت مفاتيح شقتها على المنضده واعتدلت في جلستها واشارت لهايدي لتجلس بالقرب منها
-آه يادودو لو تعرفي ال حصل امبارح، اسكتي ياختي، انا حاسه اني بحلم، آه والله، اصل حصل حاجه لا كانت على البال ولا على الخاطر


أشاحت هايدي بنظرها بعيدا عنها ثم لوت شفتاها، عادت بنظرها إليها مبتسمه
-خير ياقلبي احكيلي، شكلك طايره من الفرح كده، ماتفرحيني معاكي


سردت لها مروه كل ما دار بينها وبين محمد بخصوص مهنته الجديده، تأثرت وهي تحكي مآساة محمد مع والدها وعائلته، اغرورقت عيناها بالدموع رافعة يدها للسماء
-ربنا يعوضك خير يامحمد ياجوزي يارب، وماتشوف شر تاني في حياتك أبدا.


تفاجأت هايدي بنفسها ذهب عن قلبها الحقد والغل والنفور من جارتها، وظهر على ملامحها التأثر أيضا والحزن من أجلها، رفعت يدها ورتبتت على كتف مروه بحنو وتحدثت معها من صميم قلبها كأنها عادت هايدي السابقه الحنونه
-ياحبيبتي يامروه، انا مكنتش اعرف كل ال انتو مريتو بيه ده، قطعتي قلبي، أن شاء الله خير وهتكون الوظيفه دي وش السعد عليكو، فرحت ليكو من قلبي والله

وضعت مروه يدها على يد مروه تربت عليها أيضا، رمقتها بابتسامه باكيه
-ربنا يخليكي ياهادي، والله انا بعتبرك اختي ال ليا في البلد دي، أن شاالله ماتحرم منك

التقطت هايدي أنفاسها لأنها إرتاحت من داخلها ثم نهضت من مقعدها
-روقي بقى كده وامسحي دموعك، وانا هقوم اعمل لينا اثنين نسكافيه مظبوطين وارجعلك عشان نكمل كلامنا، بس من غير بي، آه انا بقولك اهو، عشان انا مش ناقصه نكد، فرفشي كده

في هذه الأثناء كانتا الفتاتان في المدرسه، جاءت حصة المادة التي سيمتحنون فيها، كانت لمياء على أتم استعداد، بينما كانت لمياء متلثمه وكأنه إذ فجأةً عقلها مُحي بممحاه، حين بدأ المعلم بتوزيع الأسئله عليهم، إرتبكت بيسان وحاولت ان تشير للمياء كي تساعدها، لكن كانت لمياء منغمسه تماما في الإجابات كي تلحق ان تسلم ورقتها للمعلم قبل انتهاء الحصه؛

تبعثرت بيسان تماما وصارت تكتب إجابات خاطئه على ثلاثة أرباع الإمتحان، لم يكن بمقدورها فعل شيئ، انتهى الوقت وقاموا بتسليم الأوراق للمعلم وغادروا الفصل لتقضيه الفسحه المدرسيه، كانت لمياء مرتاحه وسعيده بإجابتها ولم تحمل هم النتيجه، بينما كانت بيسان بائسه يائسه تماماً، لأنها تعرف بأنها سترسب لكن أظهرت للمياء عكس ذلك تماما، بعد انتهاء الوقت المستقطع عادوا الي الفصول وبدأ المعلم يملي عليهم درجاتهم!
قفزت ليماء حينما قال المعلم بصوت مرتفع
-كلنا نصفق للمياء لأنها جابت أعلى نتيجه في الفصل كله، برافو يا بنتي.

صعقوا جميعا بعدها عندما سمعوا بأن بيسان قد رسبت في الاختبار، انهارت في البكاء لأنها كانت تريد النجاح والمرور فقط، وليس بهدف ان تصبح من الأوائل مثل لمياء؛
انتهى الفصل الدراسي وهي حزينه، كانت لمياء حزينه كرمالها أيضاً، حين عودتهم الي المنزل تفاجأت لمياء بالشباب الذي تغزّل فيهن من قبل بينما بيسان لم تكن منتبهه له، امالت لمياء بكتفها لكتف بيسان، طرقته وهي تغمز لها مبتسمه
-بصي هناك كده، شوفي مين مستنيكي تعدي عليه،...

انتفضت بيسان وصارت ترتب ملابسها وتمسح وجنتيها وتظبط حجابها، ثم التفتت اليه مرتبكه مضطربه، ذهب الحزن عن عيناها وقلبها، رمقته بدلال صامته! بينما كانت لمياء مشغوله في هاتفها لم تعطي اهتمام لما يحصل حولها، ظل الشاب أيضا يرمق بيسان بعيونه العسلي مبتسماً وأسمعها بعض الكلمات المذابه بالعسل
-ياحلو صبح ياحلو طل، القمر فينه مختفي من زمان، آه يانا يا قلبي.

حنت بيسان رأسها للأسفل بإبتسامه، لم تقل شيئا لكن كانت مستمتعه تماما بما قيل لها وظلت شارده لحين وصلت إلى مدخل المنزل، قامت لمياء بافاقتها من شرودها حين طرقتها بيدها على رأسها من الخلف ضاحكه
-هاي، ال واخد عقلك ياكتكوته، على أساس كنت زعلانه من ساعه بسبب درجاتك القليلة، إيه إل حصل، هتعيشي دور ليلى ولا إيه، اما نشوف أخرت قيس بتاعك ده ايه، بلا خيبه

قفزت بيسان من الخضه، جحظت عيناها في وجه لمياء
-إيه ياهبله، هو في حد يكلم حد بالطريقه دي، ده بدل ماتشجعيني! يعني لاهنفع في مدرسه ولا هنفع في الحب كمان، يلا امشي ادخلي شقتكوا وسبيني اعيش اللحظه الرومانسيه دي، اصلك ماشوفتيش هو كان جينتل قد ايه وحلو قد ايه ولا عيونه، يالهوي عليهم، قمر يابت قمر

أطلقت لمياء ضحكتها ثم أجابتها وهي تتجه نحو منزلهز
-يااه دا انتي حكايه، طيب ياستي الواقعه في الحب لسوستك، اسيبك انا بقى تكملي وصلة السرحان بتاعتك، وادخل انا اتوضأ واصلي واشوف هعمل ايه، يلا see you بكرا.

ولجت لمياء الي منزلها هادئه رزينه بينما واجت بيسان منزلها وهذ تصفر وترنم وتتمايل وكأنها سكرانه، لم ترى أحدا أمامها، نادت عليها هايدي كثيرا لكن هي لم تنتبه لشيئ، أوصدت باب غرفتها من الداخل بإحكام وألقت بنفسها فوق الفراش وقدامها ملامسه للأرض، محلقة في سقف الغرفه تستعيد نظرات الشاب لها شارده تماما في وسامته ولباقته، صدقت انه أحبها، أشعلت الكاسيت بالريموت الملقى بجانبها على الفراش، أغمضت عيناها وهي تسمع الاغاني و الألحان الرومانسيه، ثم جلبت وسادتها وقامت بحضنها ولم تعد تفكر بإنها رسبت بالإختبار المدرسي؛

طرقت هايدي عليها الباب كثيرا كي تسمعها وتفتح لها، لكن دون جدوى، اعتقدت بأنها عادت من المدرسه متعبه فنامت رغما عنها، تركتها لترتاح، دقم عادت هي ادراجها الي المطبخ لتكمل اعداد الغذاء لحين عودة أيمن.

بعد ذلك كان روتين يومي مكرر لم يكن هناك جديد سوي التفكير في موضوع محمد وسفره الي الخارج، بعد مرور شهر كامل عاد التاجر الي المصنع ليأخذ بضاعته، تلاقي مع محمد وجلسوا يشاورون فيما بينهم ليعرف ما قرار محمد النهائي، أشار محمد لصديقه أيمن ليجلس معهما وبكون شاهد على ما سيقال، بعد المناقشات و التشاور فيما بينهم، أبلغه محمد بقراره بعد تفكير عميق مع نفسه ومع عائلته لمدة طويله
-أنا آسف يا عمر باشا، رب هنا رب هناك، انا عمري ما تغربت فمش هاجي الوقتي واستغرب، انا الحمد لله الراتب ال باخذه من هنا مكفيني انا وعيلتي وبيفيض كمان؛ في ناس تانيه أحق مني بالوظيفه دي، انا ماصدقت لقيت وظيفه ثابته في المصنع ده، مش هكون مبسوط لما أضيعها من إيدي.


إندهش أيمن من قراره المفاجئ، اعتقد انه سيسمع بأن محمد سيبدأ في اجراءات السفر، زهل التاجر عمر أيضا لكن احترم قراره كثيرا، بينما كان محمد يرتجف بعض الشيئ لانه لا بعرف بأن مافعله هل هو صحيح أم خطأ، انتهت جلستهم على ذلك واخذ التاجر بضاعته وغادر المصنع، جحظ ايمن عيناه رامقا محمد بإستغراب
-إيه يابني ال انت هببته ده، حد يسيب فرصه زي دي تضيع من ايده بسهوله كده! لما انت واخد قرارك ليه مابلغتنيش طيب من بدري، سايبني على عمايا كده، ماشي ياعم محمد يا فقري


اتكأ محمد على مقعده وعقد زراعيه على صدره محدقا فيه بإبتسامه
-والله ياصاحبي لو صعبانه عليك الوظيفه، كلم الحاج عمر وخدها لنفسك، لاني زي السمك لو طلع من الميه يموت، انا برده لو خرجت برا مصر أموت،انا راضي بال ربنا قسمه لي، وحاسس ان اقدر ابقى حاجه هنا في المصنع، وبعدين مش كفايه سايب عيلتي بقالي سنين، عايزني كمان اسيب مصر خالص واعيش في الغربه في بلاد لا أعرفها ولا اعرف حد فيها، لا ياعم الله الغني، غير الموضوع بقى لان ده اخد اكتر من وقته بصراحه
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي