الأقتباس الرابع
على الرغم من أن ليلى قد غفلة مع طلوع النهار إلا أنها كانت أول شخص يستيقظ في الأسرة وذلك في الثاني عشر ظهرا لكي تذهب حتى تطمئن على شهد بعد أن تركة زوجها يغط في نوما عميق، ودخلت عليها الغرفة بهدؤ لكي تجدها نائمة، وتركتها ونزلت إلى المطبخ حيث كان جابر يجلس ويتناول كوب من الشاي وعندما وجدها أمامه:
صباح الخير يا مدام اعمل لحضرتك شاي أو نسكافيه؟.
ردة ليلى:
=صباح النور ياريت كوباية قهوة مظبوط وجيب لي معاها قطعة كيك وانا هطلع في الفرندة.
حرك جابر رأسه بالموافقة:
=حاضر يافندم.
وانصرفت تاركة له المجال لكي يجهز ما طلبته وقبل أن تتوجه إلى الشرفة دخلة إلى غرفة المكتب التي كانت تمتلئ ب رائحة المنظفات من أثار ما حدث هنا منذ ساعات، ونظرة في المكان للحظات تحاول أن تتأكد من عدم وجود أي أثار للدماء، ثم توجهت إلى الشرفة وجلست على أحد المقاعد وهي تنظر إلى البحر، وتفكر فيما حدث في اليوم السابق، وتتذكر بعض الأحداث حتى أخرجها جابر من تلك الأفكار وقد أحضر القهوة:
=أتفضل يا مدام تؤمري بحاجة ثاني؟.
أبتسمت له بود:
=لا شكرا يا عم جابر.
كاد جابر أن ينصرف ولكنها أوقفته متسأله:
= بقول لك يا عم جابر بحكم أنك قديم هنا تعرف أيه عن وفاة صاحب الشالية السابق؟.
صدم السؤال جابر وظهر عليه التردد، حتى ليلى نفسها لم تعرف لماذا خطر ببالها هذا السؤال بالتحديد ولكنها وجدة أن جابر كان متوترا فنظرة له منتظر الإجابة:
=أيه يا جابر هو أنت مش فاكر ال حصل؟.
تردد جابر قبل أن يقول:
=لا فاكر بس مستغرب سؤال حضرتك.
شعرت ليلى أنه قد أخطأت بهذا السؤال، لذلك حاولت أن تبرر له:
= اصل المدام ال كانت معانا على الشاطئ أمبارح، حكت لي حاجه غريبه، بتقول أنه مات غرقان وهو أصلا كان بيعرف يعوم، قلت أنك هنا من زمان واكيد تعرف تفسير للموضوع.
تسأل جابر:
=وهي عارفة الكلام ده إزاي؟.
أجابت ليلى:
= ما هي جارتكم من زمان مدام ابتسام زوجة الأستاذ مجدي ال في الشاليه ال هناك.
وأشارت بيدها إلى ذلك الشاليه المجاور لهم، والتفت جابر ينظر لما تشير له وزاد تعجبه أكثر:
= المكان ده لسه مسكون من اسبوع واحد بس قبل ما حضرتك توصل بكذا يوم وقبل كده مشوفتش في حد من سنين.
تعجبه ليلى من تلك المعلومة فهذا يعني أحتمالين أن أبتسام تخترع تلك الحكاية أو أن هناك ما هو أكثر من فتح حوار نسائي لمجرد الدردشة، والتفت لتجد أن جابر قد انصرف دون أن ينطق بشيء وكأنه يهرب من استكمال الحديث معها، تسألت في داخلها عم يحدث من حولها منذ وصولهم إلى هذا المكان، وخاصة بعد حادثة الأمس التي لن تستطيع محو آثارها على نفسية كل الأسرة للأبد، وابتسمة في سخرية عندما جاء في خيالها ما حدث لذلك الشخص المدعو عامر وتتمنى لو أنها كانت موجود لحظة وجوده مع شهد، قاطع تفكيرها دخول كامل الشرف وهو يتساءل:
=انتي مانمتش اصلا ولا صحيتي بدري؟.
وطبع قبله على جبينها، فأبتسمت له:
=لا نمت بس صحية على الظهر كده وكنت نايم محبتش أزعجك فنزلت هنا، تحب تشرب شاي ولا قهوة؟.
جلس على أحد المقاعد:
= يا ريت فنجان قهوة مظبوط.
تركته ليلى جالس واتجهت إلى المطبخ لكي تعد له ما طلبه ، وعندما أقتربت من المطبخ سمعت صوت جابر يتحدث لشخص ما بصوت خافت:
=انت بتتصل ليه دلوقتي؟.
وسكت ينصت لمن كان يتحدث معه على هاتفة المحمول، وبعد ما انتبه لوجودها خلفه ظهر عليه القلق وهو يقول:
= خلاص انا هبقى أكلمك لما أكون فاضي.
وأغلق الخط وهو يتظاهر بالهدوء:
=ايوة يا مدام في حاجة تحبي أعملها لك؟.
نظرة له بعدم رضا ولكنها لم تظهر له ذلك:
= ممكن تعمل فنجان قهوة مظبوط وجيب بره.
= حاضر يا فندم تحب مع حاجه حلوه؟.
=أيوة.
للحظة فكرة أن تسأله عن المحادثة التليفونية التي كان يجريها، ولكنها تراجعت؛ فمن المحتمل أن يكون الأمر شخصي ولم يكن من عادتها أن تدخل في الأمور الشخصية للغير تراجعت متوجه إلى الشرفة مرة أخرى حيث كان زوجها يجلس هناك ممسكا بهاتفه المحمول يتصفح به، جلسة أمامه دون أن تتحدث فقد شغل تفكيرها عدد من الأمور التي تحاول ترتيبها معا، وبعد لحظات أدرك كامل أن زوجته شاردة فنظر له بتعجب:
= ما لك يا ليلى أنتي سرحان في أيه؟!.
أنتبه له وكادت أن تتحدث ولكن جابر وصل ومعه القهوة؛ ووضعها على الطاولة أمامهم وانصرف على الفور، نظرة ليلى خلفه وعندما تأكدت من ابتعاده:
=الراجل ده في حاجه غريبه مش مريحاني خالص.
ضحك كامل لملاحظة زوجته التي تعود منها الشك؛ دائما في كل معاملاته منذ أن ارتبط بها؛ فهي دائما ما تفترض أن الأشخاص من حوله لديهم نواي سئ، حتى أنها كانت تخش أن تترك ولديها لسائق الباص الخاص بالمدرسة؛ وكانت تصر على أن توصلهم بنفسها كل يوم في الذهاب والعودة من المدرسة؛ وذلك حتى فترة قريبة جدا، عندما كبر التوأم وأصبح مراهقين رفض تصرفات والدتهم، لذلك حاول تهدئتها:
=ايه الغريب يا قلبي بس احنا ال أكيد غريبن عليه بس لسه مش متعود علينا.
= لا يا كامل أنت مش هتفهمني أبدا.
ضحك مرة أخرى، ونظرة له في ضيق:
=خلاص انسى اللي أنا قلته.
= انت زعلتي ليه بس؟! طيب احكي لي أسبابك وأنا أحكم في الأخر علية.
نظرة إلى الداخل لكي تتأكد من أنه لن يسمعها، ثم بدأت تحكي له ما حدث من مدام أبتسام، ورد فعل جابر عندما سألته عن الموضوع، بالإضافة إلى الموقف الذي حدث عند دخولها المطبخ؛ وسماعه لمحادثة الهاتفي ثم سكتت للحظة وكأنه تذكرة شئ ما:
= أيوة كمان امبارح لما حصل موقف شهد، هو ظهر لنا متأخر وعلى الرغم من أن غرفة معانا في الفيلا بس جارن سمع ووصل قبل منه.
حل الصمت لبعض اللحظات وكامل يحاول التفكير في تفسير منطقي لكل ال هي قالته، ومسح على وجهه وهو ينظر لها:
= شوفي يا ليلى أنا ممكن بعد اللى حصل أمبارح أكون عندي تخوف من حاجات كثير بس في الأخر كل الكلام ال أنت قولتيه ما يأثرش علينا في حاجة حتى موضوع ظهوره بعد الجار الحشري ممكن يكون لأنه راجل كبير وبيتحرك بصعوب أو….
قاطعته ليلى:
= بصعوبة إيه بس؛ ده لول شكله وشعره الأبيض والتجعيد ال في وشه أنا كنت فكرته أصغر منك من حركته الخفيفة.
ضحك كامل من ملاحظتها الدقيق لكل التفاصيل:
=على كل حال ما فيش حاجة تقلقك في كل ده وبلاش نوتر نفس على الفاضي، شوفي أنا كنت بدور من شوية على النت على حد متخصص في الحراسة الخاص وشوفة كذا مكان هخلي المحامي الخاص يتواصل معاهم ونشوف الأفضل.
=تمام.
لم تكن ليلى قد اقتنعت برأي زوجها؛ فيما يخص قلقها من جابر ولكنها فضلت أن توافقه حتى يتبين لها في الامر جديد، ثم تذكرة حالة شهد التي لم تستيقظ حتى الآن، لذلك وجهت الكلام إلى هذا الإتجاه:
=على فكرة انا هكلم الدكتور الخاص بشهد بعد الساعة اتنين؛ عشان اخذ رأية في الموضوع تفتكر أقول له على اللي حصل بالتفصيل.
فكر كامل قليلا قبل أن يقرر :
= أيوة طبعا عشان يقولك على الصح كمان الحمدالله أن عامر مش مات كنا ساعتها مش هنعرف نتكلم، ولا نقول عن أي حاجة.
= عندك حق انا هطلع اطمن عليها وكمان أشرح لها اللي حصل، يمكن ده يهديها شوية من ال حصل أمبارح.
وبالفعل صعدت ليلى إلى شهد لكي تطمئن عليها؛ وكذلك تطمئنها، وتمر ثلاث أيام على ذلك اليوم، جاء خلالها حارس متخصص من طرف شركة الأمن التي تتعامل معها الشركة الخاص بكامل، وقام ذلك الحارس الذي كان يدعى نادر بتركيب عدد من كاميرات المراقبة على المداخل الخاص بالفيلا، وقام بربطها بهاتفه الخاص، كذلك قام بترتيب كل الرحلات الخاص بهم، وذلك من اليوم التالي لوصوله مما تسبب في بعض من التقييد على التوأم وخاصة أنهم لم يقتنع بوجود شخص غريب معهم، بالنسبة لشهد فقد استقرت حالتها منذ أن أبلغتها ليلى بعدم وفاة ذلك المدعو عامر.
جاءت تجهيزات ذلك اليوم بتوجيه من البشمهندس كامل لنادر، حيث تم ترتيب رحلة خاص لأحد الجزر بناء على رغبة التوأم في ذلك، وجاء الاستعداد منذ الصباح الباكر حيث تم حجز قارب خاص في تمام التاسع، استيقظ الجميع في نشاط في السابع لكي يستعد للرحلة المنتظرة، وقد خرج نادر في الساعة السادسة لكي يقوم برياضة الركض، عندما عاد كان البشمهندس وزوجته يتناولان الإفطار في الشرفة، أبتسم له كامل :
=صباح النشاط تعالى افطر.
= صباح النور.
جلس نادر على أحد المقاعد وهو يجفف عرقه، وقامت ليلى بتقديم كوب من العصير له، فتناوله منها شاكرا، وهو يتسأل:
=الأولاد بدأ يجهز عشان المعاد الساعة تسعة على الرصيف .
أجاب عليه كامل :
= ايوة حصل بس عاوزك تكون فري شوية معاهم، بلاش تكون متشدد؛ أنت عارف الشباب مش بيحب التحكم خاصة في الفسح.
سكت نادر للحظة وكأنه تذكر شئ ما؛ لكي يوضح موقفه:
=على فكرة أنا بحاول اكون متساهل في أمور فيه خطورة عليهم، بس عشان حضرتك نبهتني أن هما واخدين موقف من وجودي، حتى النهاردة كنت بفكر الغي الرحلة دي خالص.
نظرة له ليلى وكامل في عدم تصديق لما وصل إليه تشدد ذلك الحارس، ولكنه أكمل محاولا تفسير موقفه :
=ده بسبب أن أول لما نزلت الصبح لقيت ناس متجمعين؛ ولما قربت من المكان عرفة أن في جثة لشخص غرق في البحار وطلعت على الشاطئ.
هنا تدخل كامل متسألا:
= ربنا يرحمه طبعا، بس ده مش سبب يمنع الناس من نزول البحر، ولأن ده نسبة بسيطة وحالات نادرة.
ونظر إلى ليلى وكانت نظرته توحي بما يجول بخاطره من ندم على إحضار حارس شخصي لأبنائه؛ مما قد يؤثر على نشاطاتها المعتادة وخاصة أن هذا وقت المرح الخاص بهم، تدارك نادر الموقف وأسرع في أكمال حديثة:
= عشان كده الرحلة ماشية عادي، بس أكيد هاخد كل احتياطاتي اللازمة .
لم يعلق كل من ليلى وكامل على حديثة مرة أخرى، بل نظر كل منهما للأخر متفهمين للوضع، حيث من المفترض أن يكون ذلك الشخص هو المسؤول عن تأمين حياة أسرتهم وذلك بناء على طلبهم، وبالتالي هو يقوم بعمله ولا داعي للاعتراض عليه، لذلك مضى اليوم كما خطط له نادر، ولم يكن الوضع بذلك السوء، وعلى العكس حصل التؤام على يوم من النشاط والمرح في البحر، وعند عودتهم في نهاية النهار لاحظ الجميع وجود عدد من أفراد الشرطة التي تحيط بالمنطقة القريبة من الفيلا الخاص بهم، ولم يعرف سبب ذلك التواجد الغير طبيعي، لذلك بعدما وصل الجميع للشالية وفتح لهم جابر الباب سأله كامل على الفور:
=هو ايه ال بيحصل ليه الشرطة موجودة في الشارع ال خلف الفيلا؟.
نظر له جابر متعجبا :
=شرطة إيه أنا ما نزلتش خالص النهارده.
صعدة ليلى إلى غرفتها بعد أن نظرة لزوجها نظرة هو الوحيد الذي فهم ما تعنيه بتلك النظرة، وذلك لعدم اقتناعها بأن جابر لا يعلم شيء عما يحدث في الخارج، كما لحق بها باقي أفراد الأسرة ما عاد كامل الذي لاحظ أن نادر قد أختفى فجأة، لذا خرج أمام باب الفيلا يبحث عنه ولكنه لم يجد له أثر، ووقف هناك وقد ملائه التعجب من الموقف، لكي يقاطع تفكيره جاره الثقيل مجدي:
=مساء الخير.
استدار كامل لكي يواجه ذلك الشخص الذي يشعر بشئ من القلق كلما تحدث معه، وذلك بعد حادثة شهد، حيث يبدو عليه أنه من الأشخاص التي تتدخل في أمور الآخرين فرد عليه التحية:
=مساء الخير.
لكي تبدأ وصلت الأسئلة الغير مرغوب بها من شخص يعد غريبا عنك، ولكنه يصر على معرفة تفاصيل تخصك :
= حضرتك بتدور على حاجه؟.
نظر له كامل بضيق وتكلم بنفاذ صبر :
= لا ليه بتسأل؟.
لم ترضي تلك الإجابة مجدي بالطبع لذلك قرر أن يكون أكثر دقة:
= أصل شايفك تبص يمين وشمال قلت أسعدك.
=لا شكرا ليك.
نطق كامل تلك الكلمات واستدار متجه إلى داخل الشالية دون أن يلقي التحية على ذلك الذي المتطفل عليه، والذي أنصرف وهو يشعر بالإحباط، دخل بالفعل كامل إلى الفيلا وطلب من جابر أن يعد له كوب من الشاي وجلس ينتظر عودة نادر، الذي وصل بعد أكثر من نصف ساعة، وكان كامل ينظر له في تعجب من ذلك الموقف الغير متوقع:
= أنت كنت فين كل ده؟.
جلس نادر على المقعد المقابل لكامل وتحدث في هدوء وثبات يحسد عليه:
= ما فيش كنت بشوف ايه موضوع الشرطة المنتشرة في المنطقة.
سكت للحظة؛ وهنا كان فضول كامل قد وصل إلى أقصى حد ؛ لذلك تسأل:
= وبعدين؟!.
اعتدل نادر في جلسته باسترخاء وهو يستعد لسرد ما توصل إليه :
=حضرتك فاكر الشخص الغريق اللي ظهر الصبح قبل مانطلع الرحلة.
= أيوه فاكر أنت قلت عليه النهارده.
مال نادر بجسده للأمام مقتربا من كامل أكثر، وكأنه يحاول أن لا يسمعه أحد:
=طلع مقتول مش غرقان، يعني جريمة قتل.
توتر كامل للحظة عند سماع ذلك ولكن نادر أكمل حديثة ، وهو يتابع رد فعل كامل:
=حد ذبحه وبعدين رماه في البحر.
ورجع إلى جلسته بعد ما لاحظ أقتراب جابر منهم، وهو يحمل بعض الفاكهة والمقبلات ويضعها على الطاولة متسائلا:
= أجيب لحضرتك شاي يا أستاذ نادر؟.
= ياريت يا عم جابر بعد أذنك.
أنصرف جابر متجها إلى المطبخ وقد سمع الجزء الأخير من الحوار، وبعدما تأكد كامل من ابتعاد جابر ، تسأل:
= طيب عرفوا مين الشخص ده؟.
صباح الخير يا مدام اعمل لحضرتك شاي أو نسكافيه؟.
ردة ليلى:
=صباح النور ياريت كوباية قهوة مظبوط وجيب لي معاها قطعة كيك وانا هطلع في الفرندة.
حرك جابر رأسه بالموافقة:
=حاضر يافندم.
وانصرفت تاركة له المجال لكي يجهز ما طلبته وقبل أن تتوجه إلى الشرفة دخلة إلى غرفة المكتب التي كانت تمتلئ ب رائحة المنظفات من أثار ما حدث هنا منذ ساعات، ونظرة في المكان للحظات تحاول أن تتأكد من عدم وجود أي أثار للدماء، ثم توجهت إلى الشرفة وجلست على أحد المقاعد وهي تنظر إلى البحر، وتفكر فيما حدث في اليوم السابق، وتتذكر بعض الأحداث حتى أخرجها جابر من تلك الأفكار وقد أحضر القهوة:
=أتفضل يا مدام تؤمري بحاجة ثاني؟.
أبتسمت له بود:
=لا شكرا يا عم جابر.
كاد جابر أن ينصرف ولكنها أوقفته متسأله:
= بقول لك يا عم جابر بحكم أنك قديم هنا تعرف أيه عن وفاة صاحب الشالية السابق؟.
صدم السؤال جابر وظهر عليه التردد، حتى ليلى نفسها لم تعرف لماذا خطر ببالها هذا السؤال بالتحديد ولكنها وجدة أن جابر كان متوترا فنظرة له منتظر الإجابة:
=أيه يا جابر هو أنت مش فاكر ال حصل؟.
تردد جابر قبل أن يقول:
=لا فاكر بس مستغرب سؤال حضرتك.
شعرت ليلى أنه قد أخطأت بهذا السؤال، لذلك حاولت أن تبرر له:
= اصل المدام ال كانت معانا على الشاطئ أمبارح، حكت لي حاجه غريبه، بتقول أنه مات غرقان وهو أصلا كان بيعرف يعوم، قلت أنك هنا من زمان واكيد تعرف تفسير للموضوع.
تسأل جابر:
=وهي عارفة الكلام ده إزاي؟.
أجابت ليلى:
= ما هي جارتكم من زمان مدام ابتسام زوجة الأستاذ مجدي ال في الشاليه ال هناك.
وأشارت بيدها إلى ذلك الشاليه المجاور لهم، والتفت جابر ينظر لما تشير له وزاد تعجبه أكثر:
= المكان ده لسه مسكون من اسبوع واحد بس قبل ما حضرتك توصل بكذا يوم وقبل كده مشوفتش في حد من سنين.
تعجبه ليلى من تلك المعلومة فهذا يعني أحتمالين أن أبتسام تخترع تلك الحكاية أو أن هناك ما هو أكثر من فتح حوار نسائي لمجرد الدردشة، والتفت لتجد أن جابر قد انصرف دون أن ينطق بشيء وكأنه يهرب من استكمال الحديث معها، تسألت في داخلها عم يحدث من حولها منذ وصولهم إلى هذا المكان، وخاصة بعد حادثة الأمس التي لن تستطيع محو آثارها على نفسية كل الأسرة للأبد، وابتسمة في سخرية عندما جاء في خيالها ما حدث لذلك الشخص المدعو عامر وتتمنى لو أنها كانت موجود لحظة وجوده مع شهد، قاطع تفكيرها دخول كامل الشرف وهو يتساءل:
=انتي مانمتش اصلا ولا صحيتي بدري؟.
وطبع قبله على جبينها، فأبتسمت له:
=لا نمت بس صحية على الظهر كده وكنت نايم محبتش أزعجك فنزلت هنا، تحب تشرب شاي ولا قهوة؟.
جلس على أحد المقاعد:
= يا ريت فنجان قهوة مظبوط.
تركته ليلى جالس واتجهت إلى المطبخ لكي تعد له ما طلبه ، وعندما أقتربت من المطبخ سمعت صوت جابر يتحدث لشخص ما بصوت خافت:
=انت بتتصل ليه دلوقتي؟.
وسكت ينصت لمن كان يتحدث معه على هاتفة المحمول، وبعد ما انتبه لوجودها خلفه ظهر عليه القلق وهو يقول:
= خلاص انا هبقى أكلمك لما أكون فاضي.
وأغلق الخط وهو يتظاهر بالهدوء:
=ايوة يا مدام في حاجة تحبي أعملها لك؟.
نظرة له بعدم رضا ولكنها لم تظهر له ذلك:
= ممكن تعمل فنجان قهوة مظبوط وجيب بره.
= حاضر يا فندم تحب مع حاجه حلوه؟.
=أيوة.
للحظة فكرة أن تسأله عن المحادثة التليفونية التي كان يجريها، ولكنها تراجعت؛ فمن المحتمل أن يكون الأمر شخصي ولم يكن من عادتها أن تدخل في الأمور الشخصية للغير تراجعت متوجه إلى الشرفة مرة أخرى حيث كان زوجها يجلس هناك ممسكا بهاتفه المحمول يتصفح به، جلسة أمامه دون أن تتحدث فقد شغل تفكيرها عدد من الأمور التي تحاول ترتيبها معا، وبعد لحظات أدرك كامل أن زوجته شاردة فنظر له بتعجب:
= ما لك يا ليلى أنتي سرحان في أيه؟!.
أنتبه له وكادت أن تتحدث ولكن جابر وصل ومعه القهوة؛ ووضعها على الطاولة أمامهم وانصرف على الفور، نظرة ليلى خلفه وعندما تأكدت من ابتعاده:
=الراجل ده في حاجه غريبه مش مريحاني خالص.
ضحك كامل لملاحظة زوجته التي تعود منها الشك؛ دائما في كل معاملاته منذ أن ارتبط بها؛ فهي دائما ما تفترض أن الأشخاص من حوله لديهم نواي سئ، حتى أنها كانت تخش أن تترك ولديها لسائق الباص الخاص بالمدرسة؛ وكانت تصر على أن توصلهم بنفسها كل يوم في الذهاب والعودة من المدرسة؛ وذلك حتى فترة قريبة جدا، عندما كبر التوأم وأصبح مراهقين رفض تصرفات والدتهم، لذلك حاول تهدئتها:
=ايه الغريب يا قلبي بس احنا ال أكيد غريبن عليه بس لسه مش متعود علينا.
= لا يا كامل أنت مش هتفهمني أبدا.
ضحك مرة أخرى، ونظرة له في ضيق:
=خلاص انسى اللي أنا قلته.
= انت زعلتي ليه بس؟! طيب احكي لي أسبابك وأنا أحكم في الأخر علية.
نظرة إلى الداخل لكي تتأكد من أنه لن يسمعها، ثم بدأت تحكي له ما حدث من مدام أبتسام، ورد فعل جابر عندما سألته عن الموضوع، بالإضافة إلى الموقف الذي حدث عند دخولها المطبخ؛ وسماعه لمحادثة الهاتفي ثم سكتت للحظة وكأنه تذكرة شئ ما:
= أيوة كمان امبارح لما حصل موقف شهد، هو ظهر لنا متأخر وعلى الرغم من أن غرفة معانا في الفيلا بس جارن سمع ووصل قبل منه.
حل الصمت لبعض اللحظات وكامل يحاول التفكير في تفسير منطقي لكل ال هي قالته، ومسح على وجهه وهو ينظر لها:
= شوفي يا ليلى أنا ممكن بعد اللى حصل أمبارح أكون عندي تخوف من حاجات كثير بس في الأخر كل الكلام ال أنت قولتيه ما يأثرش علينا في حاجة حتى موضوع ظهوره بعد الجار الحشري ممكن يكون لأنه راجل كبير وبيتحرك بصعوب أو….
قاطعته ليلى:
= بصعوبة إيه بس؛ ده لول شكله وشعره الأبيض والتجعيد ال في وشه أنا كنت فكرته أصغر منك من حركته الخفيفة.
ضحك كامل من ملاحظتها الدقيق لكل التفاصيل:
=على كل حال ما فيش حاجة تقلقك في كل ده وبلاش نوتر نفس على الفاضي، شوفي أنا كنت بدور من شوية على النت على حد متخصص في الحراسة الخاص وشوفة كذا مكان هخلي المحامي الخاص يتواصل معاهم ونشوف الأفضل.
=تمام.
لم تكن ليلى قد اقتنعت برأي زوجها؛ فيما يخص قلقها من جابر ولكنها فضلت أن توافقه حتى يتبين لها في الامر جديد، ثم تذكرة حالة شهد التي لم تستيقظ حتى الآن، لذلك وجهت الكلام إلى هذا الإتجاه:
=على فكرة انا هكلم الدكتور الخاص بشهد بعد الساعة اتنين؛ عشان اخذ رأية في الموضوع تفتكر أقول له على اللي حصل بالتفصيل.
فكر كامل قليلا قبل أن يقرر :
= أيوة طبعا عشان يقولك على الصح كمان الحمدالله أن عامر مش مات كنا ساعتها مش هنعرف نتكلم، ولا نقول عن أي حاجة.
= عندك حق انا هطلع اطمن عليها وكمان أشرح لها اللي حصل، يمكن ده يهديها شوية من ال حصل أمبارح.
وبالفعل صعدت ليلى إلى شهد لكي تطمئن عليها؛ وكذلك تطمئنها، وتمر ثلاث أيام على ذلك اليوم، جاء خلالها حارس متخصص من طرف شركة الأمن التي تتعامل معها الشركة الخاص بكامل، وقام ذلك الحارس الذي كان يدعى نادر بتركيب عدد من كاميرات المراقبة على المداخل الخاص بالفيلا، وقام بربطها بهاتفه الخاص، كذلك قام بترتيب كل الرحلات الخاص بهم، وذلك من اليوم التالي لوصوله مما تسبب في بعض من التقييد على التوأم وخاصة أنهم لم يقتنع بوجود شخص غريب معهم، بالنسبة لشهد فقد استقرت حالتها منذ أن أبلغتها ليلى بعدم وفاة ذلك المدعو عامر.
جاءت تجهيزات ذلك اليوم بتوجيه من البشمهندس كامل لنادر، حيث تم ترتيب رحلة خاص لأحد الجزر بناء على رغبة التوأم في ذلك، وجاء الاستعداد منذ الصباح الباكر حيث تم حجز قارب خاص في تمام التاسع، استيقظ الجميع في نشاط في السابع لكي يستعد للرحلة المنتظرة، وقد خرج نادر في الساعة السادسة لكي يقوم برياضة الركض، عندما عاد كان البشمهندس وزوجته يتناولان الإفطار في الشرفة، أبتسم له كامل :
=صباح النشاط تعالى افطر.
= صباح النور.
جلس نادر على أحد المقاعد وهو يجفف عرقه، وقامت ليلى بتقديم كوب من العصير له، فتناوله منها شاكرا، وهو يتسأل:
=الأولاد بدأ يجهز عشان المعاد الساعة تسعة على الرصيف .
أجاب عليه كامل :
= ايوة حصل بس عاوزك تكون فري شوية معاهم، بلاش تكون متشدد؛ أنت عارف الشباب مش بيحب التحكم خاصة في الفسح.
سكت نادر للحظة وكأنه تذكر شئ ما؛ لكي يوضح موقفه:
=على فكرة أنا بحاول اكون متساهل في أمور فيه خطورة عليهم، بس عشان حضرتك نبهتني أن هما واخدين موقف من وجودي، حتى النهاردة كنت بفكر الغي الرحلة دي خالص.
نظرة له ليلى وكامل في عدم تصديق لما وصل إليه تشدد ذلك الحارس، ولكنه أكمل محاولا تفسير موقفه :
=ده بسبب أن أول لما نزلت الصبح لقيت ناس متجمعين؛ ولما قربت من المكان عرفة أن في جثة لشخص غرق في البحار وطلعت على الشاطئ.
هنا تدخل كامل متسألا:
= ربنا يرحمه طبعا، بس ده مش سبب يمنع الناس من نزول البحر، ولأن ده نسبة بسيطة وحالات نادرة.
ونظر إلى ليلى وكانت نظرته توحي بما يجول بخاطره من ندم على إحضار حارس شخصي لأبنائه؛ مما قد يؤثر على نشاطاتها المعتادة وخاصة أن هذا وقت المرح الخاص بهم، تدارك نادر الموقف وأسرع في أكمال حديثة:
= عشان كده الرحلة ماشية عادي، بس أكيد هاخد كل احتياطاتي اللازمة .
لم يعلق كل من ليلى وكامل على حديثة مرة أخرى، بل نظر كل منهما للأخر متفهمين للوضع، حيث من المفترض أن يكون ذلك الشخص هو المسؤول عن تأمين حياة أسرتهم وذلك بناء على طلبهم، وبالتالي هو يقوم بعمله ولا داعي للاعتراض عليه، لذلك مضى اليوم كما خطط له نادر، ولم يكن الوضع بذلك السوء، وعلى العكس حصل التؤام على يوم من النشاط والمرح في البحر، وعند عودتهم في نهاية النهار لاحظ الجميع وجود عدد من أفراد الشرطة التي تحيط بالمنطقة القريبة من الفيلا الخاص بهم، ولم يعرف سبب ذلك التواجد الغير طبيعي، لذلك بعدما وصل الجميع للشالية وفتح لهم جابر الباب سأله كامل على الفور:
=هو ايه ال بيحصل ليه الشرطة موجودة في الشارع ال خلف الفيلا؟.
نظر له جابر متعجبا :
=شرطة إيه أنا ما نزلتش خالص النهارده.
صعدة ليلى إلى غرفتها بعد أن نظرة لزوجها نظرة هو الوحيد الذي فهم ما تعنيه بتلك النظرة، وذلك لعدم اقتناعها بأن جابر لا يعلم شيء عما يحدث في الخارج، كما لحق بها باقي أفراد الأسرة ما عاد كامل الذي لاحظ أن نادر قد أختفى فجأة، لذا خرج أمام باب الفيلا يبحث عنه ولكنه لم يجد له أثر، ووقف هناك وقد ملائه التعجب من الموقف، لكي يقاطع تفكيره جاره الثقيل مجدي:
=مساء الخير.
استدار كامل لكي يواجه ذلك الشخص الذي يشعر بشئ من القلق كلما تحدث معه، وذلك بعد حادثة شهد، حيث يبدو عليه أنه من الأشخاص التي تتدخل في أمور الآخرين فرد عليه التحية:
=مساء الخير.
لكي تبدأ وصلت الأسئلة الغير مرغوب بها من شخص يعد غريبا عنك، ولكنه يصر على معرفة تفاصيل تخصك :
= حضرتك بتدور على حاجه؟.
نظر له كامل بضيق وتكلم بنفاذ صبر :
= لا ليه بتسأل؟.
لم ترضي تلك الإجابة مجدي بالطبع لذلك قرر أن يكون أكثر دقة:
= أصل شايفك تبص يمين وشمال قلت أسعدك.
=لا شكرا ليك.
نطق كامل تلك الكلمات واستدار متجه إلى داخل الشالية دون أن يلقي التحية على ذلك الذي المتطفل عليه، والذي أنصرف وهو يشعر بالإحباط، دخل بالفعل كامل إلى الفيلا وطلب من جابر أن يعد له كوب من الشاي وجلس ينتظر عودة نادر، الذي وصل بعد أكثر من نصف ساعة، وكان كامل ينظر له في تعجب من ذلك الموقف الغير متوقع:
= أنت كنت فين كل ده؟.
جلس نادر على المقعد المقابل لكامل وتحدث في هدوء وثبات يحسد عليه:
= ما فيش كنت بشوف ايه موضوع الشرطة المنتشرة في المنطقة.
سكت للحظة؛ وهنا كان فضول كامل قد وصل إلى أقصى حد ؛ لذلك تسأل:
= وبعدين؟!.
اعتدل نادر في جلسته باسترخاء وهو يستعد لسرد ما توصل إليه :
=حضرتك فاكر الشخص الغريق اللي ظهر الصبح قبل مانطلع الرحلة.
= أيوه فاكر أنت قلت عليه النهارده.
مال نادر بجسده للأمام مقتربا من كامل أكثر، وكأنه يحاول أن لا يسمعه أحد:
=طلع مقتول مش غرقان، يعني جريمة قتل.
توتر كامل للحظة عند سماع ذلك ولكن نادر أكمل حديثة ، وهو يتابع رد فعل كامل:
=حد ذبحه وبعدين رماه في البحر.
ورجع إلى جلسته بعد ما لاحظ أقتراب جابر منهم، وهو يحمل بعض الفاكهة والمقبلات ويضعها على الطاولة متسائلا:
= أجيب لحضرتك شاي يا أستاذ نادر؟.
= ياريت يا عم جابر بعد أذنك.
أنصرف جابر متجها إلى المطبخ وقد سمع الجزء الأخير من الحوار، وبعدما تأكد كامل من ابتعاد جابر ، تسأل:
= طيب عرفوا مين الشخص ده؟.