الفصل الثامن و الاربعين
الفصل الثامن والاربعون ..
_________________
سألها باهتمام :
- لديك حفل زفاف ليلة رأس السنة ؟!
وعندما أحنت رأسها تابع :
- وهل ستبقين هناك طوال الليل ؟
هزت كتفيها بإقرار :
- قد أفعل ذلك ..
رددت برأفة عليها :
- ليلة رأس السنة هو الوقت المناسب للاحتفال ،
لا للعمل جينيفر ..
مع كلماته فكرت بتلك الصفحات الأخرى
في دفتر مواعيدها ، الصفحات التي تركتها فارغة بشكل مطلق ...
كان كل عمل ستيفاني طوال الخمس سنوات ،
و كل العلاج الفيزيائي ، و كل القلق ،
بالإضافة لكل أحلامها لابنتها ..
يقودها الي آخر أسبوع من يناير .. كانون الثاني ..
حيث ستخضع ستيفاني وكما تأمل جينيفر الي آخر عملية رئيسية ،
اذا تمت الأمور علي ما يرام أثناء العملية ،
ففي السنة الجديدة ستري ابنتها تسير بمفردها ..
,وهذا كان الهدف الوحيد ل
جينيفر طوال الخمس سنوات الماضية ،
منذ اليوم الذي وضع فيه الطبيب ستيفاني بين ذراعيها ،
منذ اليوم الذي بكت فيه أن هذه الطفلة الرائعة
ستواجه الحياة علي كرسي ،
ومنذ المرة الأولي التي سمعت فيها كلمتي تشويه خلقي،
حتي أقسمت أنها ستفعل كل ما باستطاعتها لتري ابنتها تمشي ..
لا يهم كم تشعر بالراحة قرب آريستيد ،
و لا يهم كم يشعرها بأهميتها ، و لا كم تشعر بالانجذاب نحوه ، فهي لا تستطيع
الاستسلام لهذا الانجذاب بأي شكل ،
ولمصلحة ستيفاني لا يمكنها التخلي عن أهدافها ..
فرددت بحزن ظهر في نظرة عينيها :
- هناك أشياء أخري في الحياة بجانب
المرح ، كما تعلم ...
لم يزعج نفسه بالإجابة علي ذلك وقال بصوته المميز :
- وماذا بعد أن ينتهي الزفاف ؟!
- قلت أن لدينا حفلة يا ماما ، حفلة رأس السنة ..
نظرا معا الي الفتاة التي كانت تدفع بنفسها لتجلس علي الصوفا ،
وهي تتابع :
- هل تعتقدين أن آريستيد يحب أن يأتي ؟!
في أوقات كهذه كانت جينيفر تتمني أن
ابنتها ليست دائما مشرقة وفرحة ،
فقالت لها بنفاذ صبر :
- أنا متأكدة أن لدي آريستيد مشاريع أخري ..
ثم رمت آريستيد بنظرة متمنية أن يفهمها جيدًا ،
قبل أن تسأله ستيفاني :
- هل لديك مشاريع أخرى يا آريستيد ؟!
هذه المرة تلعثم آريستيد محاولا أن يجد جوابا ،
راقب ستيفاني تمسك بالعكازتين ،
ومن ثم تحمل نفسها علي قدميها ،
منذ لحظات شعر بقوة كبيرة من الانجذاب نحو جينيفر ،
وهو يعانقها ..
والآن هي تنظر اليه وكأنها تتوسل إليه أن يفهم لماذا لا تريد دعوته مرة ثانية .
كررت ستيفاني سؤالها ما أن وصلت بجانبه :
- ألديك ؟! ستمضي ايمي جو باركر ليلة رأس السنة في فلوريدا عند جدها ،
فهي لديها حوض سباحة كبير ،
وقالت لي أنها ستسبح في الشتاء ،
أنا لا أهتم للسباحة ولكنني سأكون سعيدة جدا ان
أتيت الي حفلتنا ..
ذكر ستيفاني للسباحة ،
أعاد الي مخيلة آريستيد صورته هو ابناء عمه الاثنان ، و صديقه المفضل جاسون وهم يقفزون ويلعبون بالماء ،
كانت الصورة واضحة جدا لدرجة أنه كاد يسمع ضحكة جاسون ،
تركت تلك الذكري احساس كبير بالفراغ داخله ،
لأن ذلك اليوم كان آخر مرة سبحوا فيها معا .
أجاب بصدق وهو ينظر الي الفتاة والي أمها ليقول بحرج :
أنا لا أعلم ما الذي سأفعله في تلك الليلة ..
أجابت ستيفاني بضيق وهي تذم شفتيها :
- آه .. حسنا ...
ان كنت لن تفعل شيئا ، فعليك القدوم الي حفلتنا .. ارجوك ..
لدي ذكريات ذلك اليوم كانت قادرة علي جعل آريستيد حزينا ، والتحدث عن أي شيء يساعد على تخطيه الامر هذا ،
فسأل جينيفر :
- أي نوع من الحفلات ستقيمان ؟!
شددت على حروفها وهي تقول له :
- فقط أنا وستيفاني ،
لقد وعدتها أن نستأجر فيلما لعالم ديزني وسنشوي حلوي الخطمي فوق النار،
وسنحتفل بالسنة الجديدة ونحن نشرب الشوكولا الساخنة ،
لا شيء مثير على الاطلاق ..
قالت ستيفاني بحماس شديد :
- هل تريد أن تأتي ؟!
أجابها من دون أي وعد صريح :
- سنرى ما الذي يمكنني فعله ..
رددت بحزن واضح على وجهها :
- جيد ..
من الواضح أن جينيفر لم تكن متحمسة
لإمكانية رؤيته ثانية كما كانت ستيفاني ،
لم يستطع أن يفهم تلك المرأة ، ولا يفهم ما الذي يجعلها دافئة وباردة أيضا ، والشيء الوحيد الذي يعرفه حقا أنه يريد رؤيتها مرة ثانية .
استدار ليغادر و هو يقول :
- عيد سعيد عليكما ..
قالت ستيفاني بصوت عالي :
- عيد سعيد ..
ثم اردفت سريعًا :
وآه .. آريستيد ؟ اذا أتيت الي حفلتنا ،
هل يمكنك أن تحضر المزلاج أيضا ؟!
أغلق البا وراؤه وهذا ما أنقذه من الاجابة بضيق وتوتر .
************
كانت هناك موسيقي صاخبة في كل مكان ،
ومع كل صخب يقوم به كل شخص ،
لم يعرف آريستيد كيف تمكن من البقاء هادئًا هكذا ،
كانت هناك أوراق للزينة في كل مكان ،
وكل شخص كان هناك ، ولده و لوكاس و سيلا و دريك و لورين و الصغيرة اكزاني ، وعمه وزوجته ..
الكل كان سعيد ،
يضحك ويسخر ويطلب النكات ،
الكل ما عدا واحد .... وهو آريستيد ،
مع أنه لم يكن يرغب في أن يجعلهم يعرفون ذلك .
شارك بالحديث مع لوكاس عن الرهان الجديد ،
لكنه لم يرتبط بأي كلام ،
و من المؤكد أنه لن يقدم علي أمر سخيف ،
بإيجاد فتاة يائسة ،
كما وأنه أخبر جميع أفراد عائلته ما الذي يفكر فيه بشأن تركه بمفرده علي العيد .
لقد مر يومان منذ أن رآها ،
ولكنه لم يتمكن من ابعادها عن أفكاره ولو للحظة واحدة .
قاد دريك و لورين اكزاني وشقيقتها الرضيعة الي غرفتهما ليناما ،
ورمى لوكاس بنفسه على الصوفا ، فوق قدم سيلا التي عاتبته بصوت منخفض :
- دعني أذهب يا لوكاس حتى تغفو الفتاتان واعود إليك ، ليس من اللائق أن نتركهما للورين ودريك ..
نظر لعيني آريستيد النص مغلقتان ، فعلم على الفور انه يحمل همًا كبيرًا ،
فاعتدل في مجلسه ، مقبلًا سيلا على وجنتها وهو يقول لها :
- لديك كل الحق يا جميلتي ، اذهبي اليهما ودعي دريك ولورين يستمتعان بمفردهم قليلا ، وانا سأنتظرك هنا ..
قامت سيلا على الفور ،
وجلس هو بمواجهة آريستيد وهو يقول له بحماس :
- كان يجب أن تأتي معنا الي بانكوك يا آريستيد ،
اعتقد أنك سوف تغرم لثلاث مرات على الاقل ،
فأنا لم أري بحياتي هكذا نساء جميلات في مكان واحد ..
قالت فريدريكا لزوجها وهي تأخذ فتى آريستيد من يده :
- تعالوا معي لنذهب ونعد القهوة ، وتحضر أطباق الحلوى ..
غمز آرنستو لهما وهو يقول :
- لا تدعا اعتذارها لصنع القهوة يمر عليكما ،
هي فقط لا تريد أن تستمع اليكما تتحدثان عن آخر انتصاراتكما ..
رددت فريدريكا من بعيد :
- تتحدثان ؟! بل تتبجحان هي الكلمة المناسبة أكثر ..
ثم التفت اليها لتتابع :
- كما وأنني ان تعلمت شيئا واحدا في تربية الصبيان ، أنه كلما تحدثوا أكثر عن الأمر كان فعلهم أقل ..
تفاجأ لوكاس وضحك آريستيد لأول مرة ،
ضحكة حقيقة هذا النهار
سألت آريستيد بغيظ :
- وما الذي يضحكك ؟ لقد كنت صامتا طوال النهار ،
و حسب حدسي الأمومي أقول أن هناك شيئا ما له علاقة بامرأة ..
انتظر لوكاس حتي غاب والديه داخل المطبخ قبل أن يقول :
- ما الذي يحدث أيها المحتال ؟!
انا سافرت الي خط الاستواء لرحلة سياحية انا وطفلتي ،
و أنت وجدت من تريدها هنا ، اذا أخبرني .. من تكون ؟!
- من هي من تكون ؟!
سأل لوكاس وهو يدخل
الي الغرفة ..
- قل لي من هي المرأة التي يقابلها آريستيد ..
- آريستيد يواعد امرأة ؟!
سألت لورين ..
وبعدها صرخت بمرح بسبب ضم دريك لها بسعادة ..
فكر آريستيد ..
انه أمر مزعج ، هكذا هما لورين و دريك ..
سعيدان ومغرمان بكل وضوح ... ولهذا هما مصدر ازعاج .
مالت لورين برأسها الي جهة واحدة ،
و ابتسمت بنعومة الي آريستيد ،
وهذا ما جعله يشعر بالألم ،
انها فتاة رائعة ومحبة وعطوفة ومثيرة للاهتمام ،
لا عجب أن دريك وقع في غرامها على الفور ،
وكل ذلك مزعج بالنسبة اليه ..
كما وأنها صديقة جينيفر ،
و هو لن يخبر أحدا بهذا ،
وبالأخص لورين .. بتأكيد لن يخبرها انه قَبل صديقتها العزيزة .. ولن يخبر دريك ولا لوكاس حتى ..
لذلك قال لهم بحزم :
- ليس هناك ما أصرح به ،
كما و أنني أرغب في سماع المزيد من الأشياء التي كان آرنستو يتحدث عنها ..
وهكذا صمت الجميع حتى ،
مرت فترة بعد الظهر كالعادة في منزل
آرنستو الكبير ،
كان هناك الكثير من الضحك والضجة ،
وتظاهر آريسنيد أنه يستمع الي حديث لوكاس عن النساء في بانكوك ،
ولكن فكره كان مع امرأة أخري ، وهي هنا في جنوب كريت .
بعد مرور عدة ساعات كان هو أول من
أظهر رغبته في الرحيل ،
و أول من ارتدي معطفه وسار باتجاه الباب .
نادته لورين بعتاب :
لا تتصرف كالغرباء ، في أي وقت ترغب في لعب كرة السلة مع دريك تعال مباشرة الي منزلنا ..
لم يكن قد اعتاد بعد علي فكرة أن دريك قد تزوج ،
وسماعه للورين تقول منزلنا ،
ذكرته بالتغيرات التي حلت بالعائلة ..
حمل الهدايا التي حصل عليها بين يديه وسار نحو الباب .
استوقفه لوكاس يسأله :
- ما الذي ستفعله في ليلة رأس السنة ؟!
فكر آريستيد بدعوة ستيفاني ولكنه قال له :
- لا أعلم بعد ، لماذا ؟
اخبره لوكاس :
- لأن الإخوة جورغنسون ، سيقيمون حفلة هذه السنة أيضا ..
لقد تعاقدوا مع فرقة موسيقية ، و استأجروا صالة وفيها قاعة كبيرة للرقص ،
يجب أن تكون مناسبة كبيرة لتربح تلك الجائزة من دريك ..
تسأل دريم بابتسامة عابثة :
- هل تريد أن تربح جائزتي يا آريستيد ؟!
حذره آريستيد بتحدي واضح :
- لا تسأل ..
قالت فريدريكا وهي تأتي من الخلف :
- و هذا يذكرني ...
ان ابنة عمك اميليا اتصلت البارحة ،
و طلبت مني أن أعلمكم جميعا أنها و سوزي تخططان لإقامة حفلة مفاجئة لعيد ميلاد الستين للعم مارتن الشهر القادم ،
أنتم تعلمون كم أنتم مميزون بالنسبة اليه وكيف ساعدتموه علي ابقاء ذكري
جاسون حية لديه طوال تلك السنين ،
ثم استدارت نحو زوجة ابنها وقالت :
تتمني اميليا أن تعطيها بعض النصائح في تنظيم الحفلات يا لورين ..
سألتها لورين باستفهام :
- العم مارتن ، هل هو زوج العمة ميلي ؟
شهق كل من لوكاس و دريك و سيلا و ومعهم فردريكا ، و آرنستو
معا وقالت فردريكا بإصرار :
- العمة ميلي متزوجة من العم جو ..
آوه لا .. لم أتمن يوما أن أري ميلي و مارتن معا ..
قال آرنستو ساخرا :
- لم أتمن أن أراها يوما مع أحد ..
وما أن بادر الجميع بأخبار لورين قصصا مرعبة عن لسان ميلي السليط ،
أخيرا فهم آريستيد ما الذي يربكه هكذا طوال النهار ،
ليس السبب ذكري جاسون ،
بل كان هناك شيء آخر ..
لقد كان آريستيد مع عائلته وفي وسطهم ،
ولكنه شعر بأنه وحيد .
قال وداعه الأخير ، و استدار وسار نحو الردهة ونزل الدرج ..
لم يدرك أن لوكاس تبعه حتي سمع صوته يقول له :
- ما الذي تقوله بشأن الحفلة ؟
لقد علمت أن الفرقة الموسيقية رائعة يا آريستيد ،
وهناك العديد من النساء لترقص معهن ..
عدد من النساء للرقص معهن ؟ آريستيد يريد
فقط أن يرقص مع واحدة بالذات ،
استدار ليواجه ابن عمه قائلًا :
سأفكر بالأمر لو لوك و سوف أعلمك ...
*********
صرخت ستيفاني بحماس :
- ماما .. هذا هو صوت آريستيد !
لماذا هو في الراديو ؟!
وضعت جينيفر الفيلم المستأجر علي المقعد بينها وبين ستيفاني ،
وأدارت المساحات علي الحاجب الزجاجي لتبعد الثلج الذي تجمع هناك ،
ثم نظرت للوراء وبدأت بالخروج من موقف السيارات ،
ثم قالت تفسر لابنتها :
- صوت آريستيد في الراديو كل صباح لأنه يعمل بالإذاعة يا حبيبتي ..
قالت لها بفخر لم تعرف جينيفر مصدره حتى الان :
- أنت تقصدين أنه مشهور ؟!
ابتسمت وهي تصحح لها الأمر :
- صوته المشهور ، يا عزيزتي ..
وهذا صحيح ، فصوت آريستيد مشهور جدا ..
و في الحقيقة هذا الصوت الناعم المنخفض ،
يسحر النساء في اليونان وفي كل المنطقة المحيطة ،
وقد أصبح اسمه الأول في الاذاعة ،
اذ أن النساء تريد أن تستيقظ علي صوته ،
وشهرته مع المستمعين ..
الرجال تزداد فان لديه طريقة خاصة بالكلام
التي تثير اهتمام الجميع ،
لم تقصد جينيفر أن تدير الراديو علي محطة آريستيد ،
والآن بعد أن سمعت ستيفاني صوته فهي تشك أن كانت تستطيع تبديلها ،
سألتها ابنتها بخيبة أمل جرحت قلبها لتعلقها هكذا به :
- هل تعتقدين أنه سيأتي الي حفلتنا الليلة ، يا ماما ؟!
_________________
سألها باهتمام :
- لديك حفل زفاف ليلة رأس السنة ؟!
وعندما أحنت رأسها تابع :
- وهل ستبقين هناك طوال الليل ؟
هزت كتفيها بإقرار :
- قد أفعل ذلك ..
رددت برأفة عليها :
- ليلة رأس السنة هو الوقت المناسب للاحتفال ،
لا للعمل جينيفر ..
مع كلماته فكرت بتلك الصفحات الأخرى
في دفتر مواعيدها ، الصفحات التي تركتها فارغة بشكل مطلق ...
كان كل عمل ستيفاني طوال الخمس سنوات ،
و كل العلاج الفيزيائي ، و كل القلق ،
بالإضافة لكل أحلامها لابنتها ..
يقودها الي آخر أسبوع من يناير .. كانون الثاني ..
حيث ستخضع ستيفاني وكما تأمل جينيفر الي آخر عملية رئيسية ،
اذا تمت الأمور علي ما يرام أثناء العملية ،
ففي السنة الجديدة ستري ابنتها تسير بمفردها ..
,وهذا كان الهدف الوحيد ل
جينيفر طوال الخمس سنوات الماضية ،
منذ اليوم الذي وضع فيه الطبيب ستيفاني بين ذراعيها ،
منذ اليوم الذي بكت فيه أن هذه الطفلة الرائعة
ستواجه الحياة علي كرسي ،
ومنذ المرة الأولي التي سمعت فيها كلمتي تشويه خلقي،
حتي أقسمت أنها ستفعل كل ما باستطاعتها لتري ابنتها تمشي ..
لا يهم كم تشعر بالراحة قرب آريستيد ،
و لا يهم كم يشعرها بأهميتها ، و لا كم تشعر بالانجذاب نحوه ، فهي لا تستطيع
الاستسلام لهذا الانجذاب بأي شكل ،
ولمصلحة ستيفاني لا يمكنها التخلي عن أهدافها ..
فرددت بحزن ظهر في نظرة عينيها :
- هناك أشياء أخري في الحياة بجانب
المرح ، كما تعلم ...
لم يزعج نفسه بالإجابة علي ذلك وقال بصوته المميز :
- وماذا بعد أن ينتهي الزفاف ؟!
- قلت أن لدينا حفلة يا ماما ، حفلة رأس السنة ..
نظرا معا الي الفتاة التي كانت تدفع بنفسها لتجلس علي الصوفا ،
وهي تتابع :
- هل تعتقدين أن آريستيد يحب أن يأتي ؟!
في أوقات كهذه كانت جينيفر تتمني أن
ابنتها ليست دائما مشرقة وفرحة ،
فقالت لها بنفاذ صبر :
- أنا متأكدة أن لدي آريستيد مشاريع أخري ..
ثم رمت آريستيد بنظرة متمنية أن يفهمها جيدًا ،
قبل أن تسأله ستيفاني :
- هل لديك مشاريع أخرى يا آريستيد ؟!
هذه المرة تلعثم آريستيد محاولا أن يجد جوابا ،
راقب ستيفاني تمسك بالعكازتين ،
ومن ثم تحمل نفسها علي قدميها ،
منذ لحظات شعر بقوة كبيرة من الانجذاب نحو جينيفر ،
وهو يعانقها ..
والآن هي تنظر اليه وكأنها تتوسل إليه أن يفهم لماذا لا تريد دعوته مرة ثانية .
كررت ستيفاني سؤالها ما أن وصلت بجانبه :
- ألديك ؟! ستمضي ايمي جو باركر ليلة رأس السنة في فلوريدا عند جدها ،
فهي لديها حوض سباحة كبير ،
وقالت لي أنها ستسبح في الشتاء ،
أنا لا أهتم للسباحة ولكنني سأكون سعيدة جدا ان
أتيت الي حفلتنا ..
ذكر ستيفاني للسباحة ،
أعاد الي مخيلة آريستيد صورته هو ابناء عمه الاثنان ، و صديقه المفضل جاسون وهم يقفزون ويلعبون بالماء ،
كانت الصورة واضحة جدا لدرجة أنه كاد يسمع ضحكة جاسون ،
تركت تلك الذكري احساس كبير بالفراغ داخله ،
لأن ذلك اليوم كان آخر مرة سبحوا فيها معا .
أجاب بصدق وهو ينظر الي الفتاة والي أمها ليقول بحرج :
أنا لا أعلم ما الذي سأفعله في تلك الليلة ..
أجابت ستيفاني بضيق وهي تذم شفتيها :
- آه .. حسنا ...
ان كنت لن تفعل شيئا ، فعليك القدوم الي حفلتنا .. ارجوك ..
لدي ذكريات ذلك اليوم كانت قادرة علي جعل آريستيد حزينا ، والتحدث عن أي شيء يساعد على تخطيه الامر هذا ،
فسأل جينيفر :
- أي نوع من الحفلات ستقيمان ؟!
شددت على حروفها وهي تقول له :
- فقط أنا وستيفاني ،
لقد وعدتها أن نستأجر فيلما لعالم ديزني وسنشوي حلوي الخطمي فوق النار،
وسنحتفل بالسنة الجديدة ونحن نشرب الشوكولا الساخنة ،
لا شيء مثير على الاطلاق ..
قالت ستيفاني بحماس شديد :
- هل تريد أن تأتي ؟!
أجابها من دون أي وعد صريح :
- سنرى ما الذي يمكنني فعله ..
رددت بحزن واضح على وجهها :
- جيد ..
من الواضح أن جينيفر لم تكن متحمسة
لإمكانية رؤيته ثانية كما كانت ستيفاني ،
لم يستطع أن يفهم تلك المرأة ، ولا يفهم ما الذي يجعلها دافئة وباردة أيضا ، والشيء الوحيد الذي يعرفه حقا أنه يريد رؤيتها مرة ثانية .
استدار ليغادر و هو يقول :
- عيد سعيد عليكما ..
قالت ستيفاني بصوت عالي :
- عيد سعيد ..
ثم اردفت سريعًا :
وآه .. آريستيد ؟ اذا أتيت الي حفلتنا ،
هل يمكنك أن تحضر المزلاج أيضا ؟!
أغلق البا وراؤه وهذا ما أنقذه من الاجابة بضيق وتوتر .
************
كانت هناك موسيقي صاخبة في كل مكان ،
ومع كل صخب يقوم به كل شخص ،
لم يعرف آريستيد كيف تمكن من البقاء هادئًا هكذا ،
كانت هناك أوراق للزينة في كل مكان ،
وكل شخص كان هناك ، ولده و لوكاس و سيلا و دريك و لورين و الصغيرة اكزاني ، وعمه وزوجته ..
الكل كان سعيد ،
يضحك ويسخر ويطلب النكات ،
الكل ما عدا واحد .... وهو آريستيد ،
مع أنه لم يكن يرغب في أن يجعلهم يعرفون ذلك .
شارك بالحديث مع لوكاس عن الرهان الجديد ،
لكنه لم يرتبط بأي كلام ،
و من المؤكد أنه لن يقدم علي أمر سخيف ،
بإيجاد فتاة يائسة ،
كما وأنه أخبر جميع أفراد عائلته ما الذي يفكر فيه بشأن تركه بمفرده علي العيد .
لقد مر يومان منذ أن رآها ،
ولكنه لم يتمكن من ابعادها عن أفكاره ولو للحظة واحدة .
قاد دريك و لورين اكزاني وشقيقتها الرضيعة الي غرفتهما ليناما ،
ورمى لوكاس بنفسه على الصوفا ، فوق قدم سيلا التي عاتبته بصوت منخفض :
- دعني أذهب يا لوكاس حتى تغفو الفتاتان واعود إليك ، ليس من اللائق أن نتركهما للورين ودريك ..
نظر لعيني آريستيد النص مغلقتان ، فعلم على الفور انه يحمل همًا كبيرًا ،
فاعتدل في مجلسه ، مقبلًا سيلا على وجنتها وهو يقول لها :
- لديك كل الحق يا جميلتي ، اذهبي اليهما ودعي دريك ولورين يستمتعان بمفردهم قليلا ، وانا سأنتظرك هنا ..
قامت سيلا على الفور ،
وجلس هو بمواجهة آريستيد وهو يقول له بحماس :
- كان يجب أن تأتي معنا الي بانكوك يا آريستيد ،
اعتقد أنك سوف تغرم لثلاث مرات على الاقل ،
فأنا لم أري بحياتي هكذا نساء جميلات في مكان واحد ..
قالت فريدريكا لزوجها وهي تأخذ فتى آريستيد من يده :
- تعالوا معي لنذهب ونعد القهوة ، وتحضر أطباق الحلوى ..
غمز آرنستو لهما وهو يقول :
- لا تدعا اعتذارها لصنع القهوة يمر عليكما ،
هي فقط لا تريد أن تستمع اليكما تتحدثان عن آخر انتصاراتكما ..
رددت فريدريكا من بعيد :
- تتحدثان ؟! بل تتبجحان هي الكلمة المناسبة أكثر ..
ثم التفت اليها لتتابع :
- كما وأنني ان تعلمت شيئا واحدا في تربية الصبيان ، أنه كلما تحدثوا أكثر عن الأمر كان فعلهم أقل ..
تفاجأ لوكاس وضحك آريستيد لأول مرة ،
ضحكة حقيقة هذا النهار
سألت آريستيد بغيظ :
- وما الذي يضحكك ؟ لقد كنت صامتا طوال النهار ،
و حسب حدسي الأمومي أقول أن هناك شيئا ما له علاقة بامرأة ..
انتظر لوكاس حتي غاب والديه داخل المطبخ قبل أن يقول :
- ما الذي يحدث أيها المحتال ؟!
انا سافرت الي خط الاستواء لرحلة سياحية انا وطفلتي ،
و أنت وجدت من تريدها هنا ، اذا أخبرني .. من تكون ؟!
- من هي من تكون ؟!
سأل لوكاس وهو يدخل
الي الغرفة ..
- قل لي من هي المرأة التي يقابلها آريستيد ..
- آريستيد يواعد امرأة ؟!
سألت لورين ..
وبعدها صرخت بمرح بسبب ضم دريك لها بسعادة ..
فكر آريستيد ..
انه أمر مزعج ، هكذا هما لورين و دريك ..
سعيدان ومغرمان بكل وضوح ... ولهذا هما مصدر ازعاج .
مالت لورين برأسها الي جهة واحدة ،
و ابتسمت بنعومة الي آريستيد ،
وهذا ما جعله يشعر بالألم ،
انها فتاة رائعة ومحبة وعطوفة ومثيرة للاهتمام ،
لا عجب أن دريك وقع في غرامها على الفور ،
وكل ذلك مزعج بالنسبة اليه ..
كما وأنها صديقة جينيفر ،
و هو لن يخبر أحدا بهذا ،
وبالأخص لورين .. بتأكيد لن يخبرها انه قَبل صديقتها العزيزة .. ولن يخبر دريك ولا لوكاس حتى ..
لذلك قال لهم بحزم :
- ليس هناك ما أصرح به ،
كما و أنني أرغب في سماع المزيد من الأشياء التي كان آرنستو يتحدث عنها ..
وهكذا صمت الجميع حتى ،
مرت فترة بعد الظهر كالعادة في منزل
آرنستو الكبير ،
كان هناك الكثير من الضحك والضجة ،
وتظاهر آريسنيد أنه يستمع الي حديث لوكاس عن النساء في بانكوك ،
ولكن فكره كان مع امرأة أخري ، وهي هنا في جنوب كريت .
بعد مرور عدة ساعات كان هو أول من
أظهر رغبته في الرحيل ،
و أول من ارتدي معطفه وسار باتجاه الباب .
نادته لورين بعتاب :
لا تتصرف كالغرباء ، في أي وقت ترغب في لعب كرة السلة مع دريك تعال مباشرة الي منزلنا ..
لم يكن قد اعتاد بعد علي فكرة أن دريك قد تزوج ،
وسماعه للورين تقول منزلنا ،
ذكرته بالتغيرات التي حلت بالعائلة ..
حمل الهدايا التي حصل عليها بين يديه وسار نحو الباب .
استوقفه لوكاس يسأله :
- ما الذي ستفعله في ليلة رأس السنة ؟!
فكر آريستيد بدعوة ستيفاني ولكنه قال له :
- لا أعلم بعد ، لماذا ؟
اخبره لوكاس :
- لأن الإخوة جورغنسون ، سيقيمون حفلة هذه السنة أيضا ..
لقد تعاقدوا مع فرقة موسيقية ، و استأجروا صالة وفيها قاعة كبيرة للرقص ،
يجب أن تكون مناسبة كبيرة لتربح تلك الجائزة من دريك ..
تسأل دريم بابتسامة عابثة :
- هل تريد أن تربح جائزتي يا آريستيد ؟!
حذره آريستيد بتحدي واضح :
- لا تسأل ..
قالت فريدريكا وهي تأتي من الخلف :
- و هذا يذكرني ...
ان ابنة عمك اميليا اتصلت البارحة ،
و طلبت مني أن أعلمكم جميعا أنها و سوزي تخططان لإقامة حفلة مفاجئة لعيد ميلاد الستين للعم مارتن الشهر القادم ،
أنتم تعلمون كم أنتم مميزون بالنسبة اليه وكيف ساعدتموه علي ابقاء ذكري
جاسون حية لديه طوال تلك السنين ،
ثم استدارت نحو زوجة ابنها وقالت :
تتمني اميليا أن تعطيها بعض النصائح في تنظيم الحفلات يا لورين ..
سألتها لورين باستفهام :
- العم مارتن ، هل هو زوج العمة ميلي ؟
شهق كل من لوكاس و دريك و سيلا و ومعهم فردريكا ، و آرنستو
معا وقالت فردريكا بإصرار :
- العمة ميلي متزوجة من العم جو ..
آوه لا .. لم أتمن يوما أن أري ميلي و مارتن معا ..
قال آرنستو ساخرا :
- لم أتمن أن أراها يوما مع أحد ..
وما أن بادر الجميع بأخبار لورين قصصا مرعبة عن لسان ميلي السليط ،
أخيرا فهم آريستيد ما الذي يربكه هكذا طوال النهار ،
ليس السبب ذكري جاسون ،
بل كان هناك شيء آخر ..
لقد كان آريستيد مع عائلته وفي وسطهم ،
ولكنه شعر بأنه وحيد .
قال وداعه الأخير ، و استدار وسار نحو الردهة ونزل الدرج ..
لم يدرك أن لوكاس تبعه حتي سمع صوته يقول له :
- ما الذي تقوله بشأن الحفلة ؟
لقد علمت أن الفرقة الموسيقية رائعة يا آريستيد ،
وهناك العديد من النساء لترقص معهن ..
عدد من النساء للرقص معهن ؟ آريستيد يريد
فقط أن يرقص مع واحدة بالذات ،
استدار ليواجه ابن عمه قائلًا :
سأفكر بالأمر لو لوك و سوف أعلمك ...
*********
صرخت ستيفاني بحماس :
- ماما .. هذا هو صوت آريستيد !
لماذا هو في الراديو ؟!
وضعت جينيفر الفيلم المستأجر علي المقعد بينها وبين ستيفاني ،
وأدارت المساحات علي الحاجب الزجاجي لتبعد الثلج الذي تجمع هناك ،
ثم نظرت للوراء وبدأت بالخروج من موقف السيارات ،
ثم قالت تفسر لابنتها :
- صوت آريستيد في الراديو كل صباح لأنه يعمل بالإذاعة يا حبيبتي ..
قالت لها بفخر لم تعرف جينيفر مصدره حتى الان :
- أنت تقصدين أنه مشهور ؟!
ابتسمت وهي تصحح لها الأمر :
- صوته المشهور ، يا عزيزتي ..
وهذا صحيح ، فصوت آريستيد مشهور جدا ..
و في الحقيقة هذا الصوت الناعم المنخفض ،
يسحر النساء في اليونان وفي كل المنطقة المحيطة ،
وقد أصبح اسمه الأول في الاذاعة ،
اذ أن النساء تريد أن تستيقظ علي صوته ،
وشهرته مع المستمعين ..
الرجال تزداد فان لديه طريقة خاصة بالكلام
التي تثير اهتمام الجميع ،
لم تقصد جينيفر أن تدير الراديو علي محطة آريستيد ،
والآن بعد أن سمعت ستيفاني صوته فهي تشك أن كانت تستطيع تبديلها ،
سألتها ابنتها بخيبة أمل جرحت قلبها لتعلقها هكذا به :
- هل تعتقدين أنه سيأتي الي حفلتنا الليلة ، يا ماما ؟!