الأقتباس الثاني

أخذت الذكريات ليلى إلى ما يقرب إلى ثلاث سنوات ماضية حيث كان التؤام يستعدان لأمتحانات الترم الثاني من الصف الثالث الاعدادي، وكان الصيف قد بدأ بجوه المعتاد في مدينة القاهرة، حيث ترتفع الحرارة في النهار وتزيد الرطوبة في الليل، في أحد تلك الليالي وتقريبا في العاشرة مساء وبعد أنتهاء أولادها من المذاكره وذهاب كل منهما إلى سريره كي ينام، ذهبت هي الأخرى إلى غرفة المعيشة في الدور الأرضي لكي تستريح حتى عودة زوجها من الخارج، وفتحت التلفاز على أحد القنوات التي اعتادت على متابعتها، لم تمضي أكثر من ساعة حتى سمعت جرس باب الفيلا الداخلي وذهبت الدادة لفتح الباب، فقامت ليلى بكتم صوت التلفاز لكي تعرف من القادم ولكنها لم تسمع شئ، حتى جاءت الدادة إليه وهي تقول:
مدام ليلي عم صلاح البواب بيقول في بنت شكلها غريب وقف عند البوابه وبتقول أنها أنسة شهد بنت البشمهندس كامل.
تعجبة ليلى من ذلك حيث أن الوقت متأخر على وجود شهد في الخارج وكذلك كان زوجها هو من يحضرها في حالة سماح والدتها له بذلك:
طيب هو عم صلاح مش عارف الأنسة شهد يأم سعاد يعني؟!.
ترددة أم سعاد وهي تشرح لها:
هو بيقول هي شبها بس لبسها متبهدل خالص وهي نفسها متبهدلة على الأخر ومش عارفه تقف فقعدة على البوابة لحد ما يتأكد منك يدخلها ولا ايه.
هنا وقفت ليلى وقد وصل إليه بعض من القلق والتساؤل عما يحدث فما الذي قد يحدث لأبنة زوجها ويجعلها في ذلك الوضع الذي يصفه البواب، حيث أشارت إلى الدادة:
روحي خلية يجبها وأنا جاي وراكي.
وبالفعل تحركت الدادة في اتجاه الباب، وتبعتها ليلى وهي تفكر في كل الاحتمالات الممكنة، حتى وصلت إلى باب الفيلا الداخلي وكانت الدادة تقف بعد أن قالت لعم صلاح أن يحضر تلك الفتاة، وقفت ليلى تنظر إلى الخارج دون أن تنطق بكلمة وكان البواب قد جاء ومن خلفه فتاة لم تتبينها ولكن كلما اقتربت من الباب كانت ملامح التوتر تزيد على وجه ليلى حتى تأكدت بالفعل من أنها شهد فأسرعت إليها ويكد قلبها يقف من المنظر الذي تراه أمامها، وعندما أقتربت أكثر منها نزلت على ركبتيها وأمسكت بيد شهد التي كانت ترتجف رغم حرارة الجو المرتفعة نسبيا، ووجهها ملطخ بألوان غريبة وملابسها كذلك وعينيها متورمتين من كثرة البكاء وسألته في تعاطف:
شهد مين اللى عمل فيكى كده يا قلبي؟!.
وحاولت أن تحتضنها ولكن الفتاة التي كانت في السادسة عشر من العمر تراجعت في خوف شديد للخلف، فتذكرة ليلى أن زوجها قد أخبرها في السابق أن شهد لا تحب التلامس أبدأ، فاعتدلة ليلى واقفة وهي تشير إلى البواب:
روح أنت ياعم صلاح.
انصرف البواب بالفعل وهي تقول إلى شهد:
تعالي ندخل ماشي.
نظرة لها شهد ولم تنطق بحرف ولكن تبعتها في صمت إلى الداخل، ثم وجهة ليلى كلامها إلى الدادة:
ممكن يأم سعاد تجهزي غرفة شهد وكمان جهزي لها الحمام؟.
تحركة أم سعد وهي تجيب عليها:
حاضر يا مدام.
ذهبة ام سعاد إلى الطابق الذي به غرف النوم، على الرغم من عدد المرات القليلة التي تأتي بها شهد إلى منزل والدها إلا أنه قد جهز لها غرفة خاص في الطابق العلوي بجوار غرف النوم الاخرى، نظرة ليلى لها في ود وهي تحاول ألا تخيفها:
أيه رأيك تأخذي دش وأحضر لك حاجه تاكليها وبعد كده ممكن نتكلم؟.
هزت شهد راسها بالموافقه ثم صعدت في أتجاه غرفتها دون أن تنطق بأي كلمة ، وليلى تقف في الأسفل تنظر لها وداخلها مئات الأسئلة التي لا ترى له من أجوبة في ذلك الوضع السيئ الذي تظهر عليه شهد، حاولت أن تترك الأفكار التي تزاحمت في خيالها واتجهت إلى المطبخ كي تعد لتلك المسكين بعض الشطائر حتى نزلت إليها أم سعاد وهنا سألتها:
اية شهد اخبارها ايه؟!.
اخذت ام سعاد تجمع بعض الأدوات التي كانت على طاولة المطبخ وهي تشرح لها:
هي دخلت تأخد دش وانا فرشة لها السرير وضبط الغرفة.
تنهدت ليلى في يأس:
طيب انا طلع لها.
أخذت بيدها كوب من العصير وطبق به بعض من الشطائر، واتجهت إلى غرفة شهد وفتحت باب الغرفة بعد أن طرقة عليه بعض الخبطات الخفيفة، لكي تجد الفتاة نائمة على السرير وتضم ركبتيها إلى صدرها، اقتربة منها ووضعت ما بيدها على الطاولة بجوار السرير:
شهد قومي عشان تاكلي عملتلك سندوتشات خفيفة.
لم تجب عليها وشعرت ليلى بالقلق واقتربة أكثر لكي تتأكد من أنتظام أنفاسها، وهنا دخل كامل الغرفة مسرعا فقد اخبرته الدادة بحالة ابنته وكان منفعلا مما سمعه:
شهد مالها يا ليلى؟.
أشارة له أن لا يتحدث وأخذته إلى خارج الغرفة وهي تتحدث بصوت منخفض:
تعالى بس وطي صوتك هي نايمة.
أغلقت الباب بهدوء، وهي تتحدث بصوت خافت له
ام سعاد وصفة لك شكلها؟!.
اخرج نفسا عميقا ليخرج معه الغضب الكامن بداخله
ايوة انت عرفتي ايه اللي عمل فيها كده؟!.
حاولت ليلى أن تجد ما تقوله لكي يهدئ زوجها:
هي دلوقتي احسن زي ما أنت شايف واهم حاجه انه كويس، لما تصح نحاول نعرف منها الموضوع.
مسح كامل بيده على رأسه وهو يتحرك يمين ويسار في عصبية:
بس أنا مش هيجيلي نوم إلا ما أعرف.
قامت ليلى بالإمساك به وتثبيته وهي تقول:
ممكن تهدى شوية على شان تعرف تفكر صح.
نظر له وقد حزم أمره:
أنا نازل.
سحب نفسه من بين يديها واتجه إلى أسفل فسألته وهي تسرع من خلفة:
أنت رايح فين دلوقتي فهمني؟!.
وقف أسفل السلم:
رايح أشوف هما عملوا ايه في بنتي.
أسرعة لكي تلحق به:
أستنى بس.
وقفة بجوار سيارته الموجود أمام الفيلا، وقد تأكدت أنه لن تستطيع جعله يتراجع عن ما قد عزم عليه لذلك قررت الذهاب معه:
أنا جاي معاك.
نظر لها متسأل:
ليه؟!.
فتحت الباب المقابل له وجلست داخل السيارة، وعندما دخل إلى السيارة تحدثت في هدوء:
أنا مش هعرف اقعد هنا أستناك، وكمان عايز اعرف ايه ال حصل.
تحرك بعد كلماته دون أي تعليق فهو يعرف زوجته جيدا فهي لن تتراجع عن الذهاب معه، خاصة وهو نفسه لا يعلم ما سوف يواجه في ذلك المكان، وبعد فترة وصل أمام الفيلا الخاص بزوجته السابقة والتي تكون ملك لزوجها الحالي، توقف أمام باب الفيلا وخرج له حارس المكان، وعندما أقترب من السيارة وتعرف عليه سأله بتعجب:
أيوة يا بشمهندس حضرتك جاي دلوقتي ليه؟!.
ترجل كامل من السيارة ووقف ينظر للفيلا التي يسودها السكون:
الهانم والبيه فين؟.
لحقة به ليلى لكي تقف بجواره وذلك الحارس ينظر لهم متسألا:
حضرتك عارف الساعة كام دلوقتي.
كان كامل يعلم أن الساعة قد تخطت الثانية عشر، وهنا خرجة زوجة الحارس ومن خلفها طفلين أحدهم يبدو أنه في العاشرة من العمر والثاني أصغر منه، ووقفت الأسرتين أمام باب الفيلا الحديدي الذي كان مغلقا وهنا حاولت ليلى أن تسأل زوجة الحارس بشكل ودي:
هي المدام صحية؟.
قاطعها الحارس في جفاف:
لو سمحت ما فيش داعي للاحراج الوقت دلوقتي متأخر.
كانت المقاطع الأن من نصيب كامل الذي لم يعد يتحمل أكثر من ذلك:
أتكلم عدل واطلع نادي لي البيه ال مشغلك.
كاد الحارس أن يتكلم ولكن ولده الكبير تدخل قائلا:
أنت عاوز شهد؟ هي مش هنا أصلا.
نظر الجميع إلى الفتى الذي يتكلم بكل ثقة وتحدث له والدة بقسوة:
أنت مالك يا سعد أدخل جوى ياله.
هنا اقتربت ليلى من سعد وسألته وهي تضع يدها على رأسه في حنان:
أنت عرفت إزاي أن هي مش هنا؟.
هنا تدخل الحارس وهو يبعد ولده ويدفع به إلى والدته:
لو سمحتي يا مدام مافيش داعي انك تدخل ابني في مشاكل الخاص بيكم هو طفل صغير مش يفهم الكلام ده.
هنا تحدث كامل وهو يمسك بالحارس ويكاد أن يضربه لولا تدخل ليلى التي أمسكت بزوجها في اللحظة المناسبة حيث كان يصرخ به:
انت انسان مستفز بجد ... سيبيني يا ليلى.
امسكت به وهي تقف بينهم وتوجه كلامها إلى الحارس:
احنا مش عاوزين نعمل مشاكل لأي حد احنا بس عاوزين نكلم المدام عشان نعرفها أن شهد عندنا.
ونظرة إلى زوجها تترجاه أن يسايرها في الحوار لكن سعد لم يمهلهم الوقت لتنفيذ ذلك حيث صرخ وهو يقف خلف والدته خائفا من والده
لا ما تخلوهاش ترجع هنا ثاني أنا اللي ساعدتها عشان تهرب منهم مترجعهاش هنا ثاني ربنا يخليك.
هنا نظر له والده نظرة قاتلة وهو يحاول الإمساك به من خلف والدته التي تحمية:
أنت بتقول أيه أنا مش قولت لك مية مرة ملكش دعوة بحد هنا يا..
امسك كامل بالحارس وهو يمنعه من الوصول لولده، وتحدثة ليلى إلى الحارس:
اسمع يابو سعد احنا مش عايزين نضرك أبدا أنت ولا أسرتك.
نظر لها وهو يحاول الإفلات من كامل الذي كان يمسك به بشكل قوي مستغلا قوته العضلية وبنية جسده الرياضية أمام ذلك الحارس الهزيل وأكمل الكلام عن زوجته فقد فهم أن المعلومات التي يرغب في الحصول عليه سوف تكون مع ذلك الطفل دون الحاجة لمواجهة والدة شهد وزوجها، لذلك أمره:
ممكن تهدى شوية وصدقني أنت الكسبان في الأخر.
توقف الحارس عن المقاومة والتفت إلى كامل:
يا سعادة البيه أنا واحد غلبان وماصدقت لقيت شغلانة ومعايا عيال محتاجني ما دخلناش في مشاكلك مع البيه أحنا مش نقدر عليها.
تنهد كامل محاولا ألا يغضب:
أنا مش هدخلك في مشاكل أنا عاوز أسأل سعد كام سؤال وليه مكافأة كبيرة مني.
تدخل سعد بشجعات الأطفال التي لم تلوثها مطامع الكبار:
أنا مش عاوز حاجه ست شهد كانت طيبة معايا وبتجيب لي حاجات حلوه أنا واخويا عشان كده انا ساعدته.
لم يتدخل الحارس مرة أخرى بل جلس على أرض في يأس لا يعلم ما سوف يحدث له ولأسرته نتيجة لتصرفات ولده، هنا أقترب كامل من سعد وسأله:
انت شوفت اللى حصل لها النهارده؟.
حرك سعد رأسه بالموافقة ونظر إلى والده في خوف، فأمسك كامل بوجه لكي يواجه وهو يقول مطمئنا له:
ما تخافش يا سعد قول لي ايه ال حصل.
وكانه كان ينتظر الفرصة لكي يسرد ماحدث وأنطلق يحكي في حماس وأنفعال مع كل كلمة:
النهارده الباش كان عنده حفل فيها ناس كثير أجانب وكانوا بيعملوا مسابقة ولعب زي ال بنشوفها في الأفلام وأنا بتفرج عليهم من على السطح من غير ما حد يحس بيا، وشهد جاءت من درس و هما لسه بادئين و..
توقف للحظة وهو ينظر لوالده الذي كان يخفي وجهه بين يديه وأكمل:
كل مرة كان بيحاولوا يغلس عليها بس هي كانت بتعرف تفلت منهم، لكن المرة دي معرفتش وبهدلوها بالالون ال كانو بيلعبو بيه اصلهم كانو بيرسم وش بعض وهي كانت تصرخ كمان قطع هدومها ووقعت كذا مرة.
سكت وهو متردد وكان كامل على مشارف أن يفقد كل ما لديه من صبر وهو يشجعه على استكمال الحديث:
وبعدين يا سعد.
استكمل سعد سرد الأحداث التي مرت بها شهد:
وبعدين انا نزلت من على السطح واستخبت في الجنينة ولم قربة مني وهي بتستخبى منهم شديتها معايا وهي كانت بتعيط وطلعتها من الباب ال في أخر الجنينه وقلت لها تهرب وانا رجعت عند أمي.
تنهد كامل وهو يقول:
طيب يا سعد أنت ولد شجاع تيجي معايا القسم وتقول الكلام ده.
هنا صرخ الحارس وهو يسحب ولده ويدفعه هو والدته إلى الداخل وهو يوجه كلامه إلى كامل:
لا يا بيه لحد كده وكفايه انت بنتك معاك واحنا مش قدكم سينا في حالنا.
حاول كامل أن يتكلم ولكنا ليلى أمسكت بزوجها فقد أغلق الحارس الباب على زوجته وأولاده ووقف ينظر لهم دون أن يتكلم:
تعالى يا كامل وبعدين نتكلم
نظر لها وهو يستشيط غضبا:
ده الشاهد على ال بيحصل لبنتي يا ليلى.
فتحت له باب السيارة وهي تدفعه إلى الداخل:
أركب بس ياكامل وكل حاجه تيجي بالعقل.
دخل إلى السيارة وأغلق الباب بغضب شديد، وبعد أن ركبة ليلى بجوارة وهي تكمل حديثها معه:
أحنا وقفتنا هنا مالهاش فايدة.
بالفعل تحرك بالسيارة وهو يحاول أن يهدئ، وجعل يخرج أنفاسه في تتابع فقد تملك منه الغضب واليأس معا، وبدأ يتساءل:
انا مش عارف أزاي وصلت بنتي للحال ده أنا الغلطان.
حاولت ليلى أن تخفف عنه:
المهم أنها بخير ومش هنخليها ترجع ثاني للمكان ده.
قاطعها في لوم:
المفروض انا عارف امها وتصرفاته الغير محترمة دي ست خاينه المفروض مش كنت أوافق أنها تفضل معاها أبداً.
وضعت ليلى يدها على كتف زوجها الذي، يستشيط غضبا وهي تحاول أن تقلل من ذلك الغضب:
حصل خير يا كامل مفيش فايدة من الكلام ده دلوقتي.
حاول أن يركز في قيادة السيارة وهو يكمل ألقاء اللوم على نفسه:
لا يا ليلى أنا كنت عارف انها شخص لا يؤتمن لأسباب كثير منها مثلا أنها وحدة مدمنة مخدرات ومش بتهتم غير بنفسها، وبعدين الأكبر من كده اتجوزت اللي كانت مصاحبة وهي على ذمتي كل ده غباء مني...
قاطع ذكريات ليلى دخول شهد ومعها التؤام إلى الشاليه وهما يتشاجران بصوت صاخب ، وقد امتلأت ملابسهم بالرمال والمياة وكان عمر يحمل الحقائب ووضعها على الأرض وهو في شدة الغضب:
عاجبك كده يا ماما ابنك سايبني أشيل كل حاجه لوحدي وهو ماشي زي الباشه.
ضحك حازم وهو يستفز أخيه:
مش انت ال اخترت أن نطلع على الشاطئ وكمان عملت نفسك جدع أوي وكنت بتساعد الجيران كمل جميلك وشيل حاجتنا أحنا أولى منهم.
كانت شهد تنظر لهم وهي تبتسم وقالت مقاطعة:
أنا طالعه اغير وانت الأثنين كمل خناق براحتكم عاوز حاجه يا ماما؟.
ابتسمة لها ليلى وهي تتابع الشجار المعتاد بين طفليها و ردة عليها:
لا غيري وانزلي عشان ننزل نتمشى مع بعض شوية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي