الأقتباس الأولى
الساعة العاشرة صباحا
في احد الشاليهات على البحر المتوسط في الساحل الشمالي حيث كانت أسرة رجل الأعمال كامل وزوجته مدام ليلى ومعهم أولادهم حازم وعمر وابنته من زوجته الأول شهد، يقيما لفترة بعيدا عن زحام القاهرة والحرارة المرتفعة ، مضى عليهم ثلاثة أيام لم يشعر فيها بالوقت ما بين رحلاتهم المائي وسهره على شاطئ البحر في هدوء، كان هذا الصباح مميز بالنسبة ل البشمهندس كامل الذي يمتلك شركة مقاولات كبيرة في القاهرة، وكان يرتب اليوم للقاء أحد رجال الأعمال لإتمام صفقة من صفقات عمله والتي كانت على قدر كبير من الأهمية لشركة الخاص به،
وقف امام المرأة في غرفته وهو يضع عطره المفضل والمميز جدا بالنسبة ل ليلى التي قالت له متسائلة:
على فين بدري كده ؟.
فنظر لها مبتسما في هدوء:
المفروض أني أقوم بمقابلة الشخص ال كنت قلت لك عليه بخصوص المشروع الجديد.
استسلمت للأمر الواقع فهي تعلم مسبقا أنه يسعى لإتمام تلك الصفقة التي يتنافس عليها مع الكثير من المنافسين، ومن أجل أهمية تلك الصفقة فقد استأجر هذه الفيلا رغم أن لديهم شالية خاص لهم في مدينة من مدن الساحل المجاورة، بينما هذا الشالية أقرب لشاليه الشخص الذي يرغب في الحصول على المشروع المتاح لديه، وذلك ما جعلها لا تحاول الاختلاط بجيرانها كثيرا، هنا تسألت ليلى:
طيب نستناك على الغداء ولا هتتأخر ؟.
امسك بوجهها بين كفيه وهو يطبع قبله على جبينها:
لا بلاش تستنيني يمكن اتأخر أكثر من كده.
واتجه بعد ذلك إلى الخارج، فقد رتب رحلة صيد مع ذلك الشخص لكي يتمكن من الحديث معه بشكل أفضل وعلى أنفراد.
وقفت في صمت تنظر إلى البحر من شرفة غرفتها تتأمل تلك الأمواج المتلاحقة على رمال الشاطئ في انتظام يعطي النفس هدوء وراحة، تتنفس ذلك النسيم المعبق باليود، حتى سمعت طرقات خفيفة على باب غرفتها:
ايوة ادخل.
فتحة الباب ودخلت شهد الى الغرفة وهي تبتسم متسأله:
هو بابا نزل بدري كده ليه ؟.
فأجابته ليلى وهي تقترب منها:
شغل انت عارف طبعا، بس النهار ده كل لينا لوحدنا، ايه رأيك أن أنت ال تخططي ليومنا وتحديد نعمل ايه ونروح فين ؟.
ابتسامة شهد في سعادة:
خلاص هروح اصحي عمر وحازم عشان اتفق معاهم على كل حاجه، وهنبرهك النهار ده.
انطلاقة مسرعة الى غرفة أخيها دون انتظار إلى أي تعليق من ليلى التي وقفت تنظر لها في سعادة فمن يرى شهد الان لن يصدق أن تلك هي الفتاة التي حضرت الى منزلها منذ أكثر من عامين محطمة ومنطوية على نفسها لا تتحدث مع أحد أبدا فقد تغيرت الى فتاة تشع نشاط وحيوية وتداركه ما فاتها في الدراسة لتصبح الآن في الجامعة وهي أكبر من التوأم حازم وعمر بعامين حيث أنها كانت تحيا مع والدتها وزوجها بعد أن توفت جدتها لأكثر من أربع اعوام ل تهرب منهم وتأتي إلى أبيها، ورغم مرور كل ذلك الوقت لا أحد يعلم ماذا حدث معها غير طبيبها النفسي الذي كان يتابع معها وقد نبها عليهم ألا يذكرها أحد بتلك الأحداث حتى لا تنتكس، انتبهت ليلى من أفكارها على دخول الشباب ومن خلفهم شهد وهنا تحدث حازم:
احكمي انت يا ماما، ايه رأيك نروح الجزيرة المهجورة، ونعمل رحلة استكشف لل الأمكان هناك.
فقاطعه عمر بحماس شديد:
لا انا بقول نروح إلى الشاطئ ونعزم جيراننا ونقضي اليوم معهم على البحر.
هنا تدخلت شهد في الحوار:
انا موافقة على اقتراح عمر.
فقال حازم وهو ينظر لعمر في خبث ويضع يده على كتف تؤامه:
تتفق معه ليه طيب هو عاوز أن يتقرب من بنت الأسرة دي وأنت بقا عايزه تروحي ليه ؟.
ترددة شهد قليلا ثم نظرة إلى زوجة أبيها:
بصراحه انا مش بحب المخاطِر والمكان ده مش ينفع نروح فيه لوحدنا لازم بابا يكون موجود.
هنا تدخلت ليلى لكي تنهي الخلاف بينهم:
انا مع عمر وشهد وبكده يبقى الرأي للاغلبيه.
سكت حازم فوضعت ليلى يدها على كتفه قائله:
وبعدين الأيام ال جاي كثير احنا ممكن نرتب مع بابا يوم ونروح فيه الجزيرة زي ما أنت عاوز صح.
ليصمت الجميع فقد وضعت ليلى نهاية هذا النقاش بتلك الكلمات ثم وجهة لهم التعليمات لتذهب شهد لدعوة جارتهم لتنضم إليهم في الوقت المناسب لها و لأسرتها، وذهبت ليلى إلى المطبخ حيث كان هناك ذلك الخادم الذي أصر من قام بوضع عقد الإيجار لهم الخاص بالفيلا على وجوده .
وقد استنكرت ليلى ذلك الشرط ولكنها في النهاية تعامله مع الموقف ببعض من الاقتناع حيث انها اول مرة تقوم فيها ب أستأجر أي مكان ولابد أن تلك الشروط امر معتاد كي يضمن صاحب المكان انه هناك شخص يقوم بالعناية بالمكان والمحافظة عليه، وجدته منهمك في عمله في المطبخ، و يدعى عم جابر فطلبة منه أن يعد لهم بعض الشطائر والعصير والمقابلات التي تصلح لأخذها على الشاطئ ثم ذهبت لكي تقوم بتجهيز نفسها.
اجتمعت الأسرتين على الشاطئ بعد الساعة الثاني من ظهر ذلك اليوم، وكانت أسرة جارتهم مكون من الزوجة مدام ابتسام وابنتها مها وزوجها مجدي الذي حضر معهم ولما وجد أن زوج ليلى لم يحضر استأذن في الانصراف وتركهم وحدهم متعللا ببعض المشاغل، بدأ الشباب في الانصراف إلى اللعب وانضمت إليهم الفتاتين وترك السيدتين وحدهم يتبادلان أطراف الحديث والذي بدأت به ابتسام حين سألت ليلى:
انت اشتريتي الشالية ده من المالك القديم ؟.
استغربت ليلى سؤال جارته التي لم تتعرف عليه سوى من يومين وكان ذلك من خلال إلقاء بعض التحية عند مقابلتها على الشاطئ أو أمام الشالية، ومن عادتها الصراحة والجدية في كل الأمور ولكنها حاولت ألا تكون جاف معها:
لا احنا مأجرين المكان لمدة شهر بس، ليه بتسألي عن الموضوع ده ؟.
ترددة ابتسام قليلا ثم قالت موضحة:
لا أصل جوزي كان بيحاول يشتري المكان من المالك الجديد عشان أخوه كان عاوز مكان قريب مننا.
تساءلت ليلى في استهجان:
المالك الجديد ؟!.
اسرعة ابتسام في التوضيح أكثر وكأنه كانت ترغب منذ البداية في توصيل تلك المعلومة:
أيوة أصلا المالك القديم مات وساب كل أملاكه لأبن أخوة ال يعتبر ابنه وذراعه اليمين في كل حاجه.
نظرة له ليلى في تسال:
انت كنت تعرفي المالك القديم؟.
اخذة ابتسام نفس عميق وكأنه تعود بذاكرتها للحظة ماضية:
أيوه أصل الراجل ده كان يقضي كل وقته هنا في الشاليه حتى أيام الشتاء، ولما حصلت حادثة موته الغريبة كلنا مش كنا مصدقين ال حصل.
سكتت تنتظر رد فعل ليلى التي تعجبت من تعليقها:
و ايه ال مخليكم مش تصدقوا الموضوع ؟.
ابتسامة الجارة عندما استطاعت أن تجذب انتباه الجالس أمامها:
الغريب أن يموت غرقان، وانا نفسي شفته كثير يسبح في البحر بشكل متمرس على الرغم من سن الكبير وبعدين كمان في كلام بيتقال عن أنه كان يشتغل في تجارة الآثار وانت عارف ان المجال ده ميخلاش من القتل.
سكتت ليل قليل وحاولت أن تغير الموضوع فقد شعرت بتقزز من مجرد التفكير في جريمة القتل ومضى بهم الوقت في أحاديث جانبية متفرقة.
أما في الشاليه الخاص بعائلة البشمهندس كامل، كان عم جابر يخرج من المطبخ الى القاعة الخارجية فوجد شخصا يقف في مدخل الفيلا من جهة البحر حيث دخلا من باب الشرفة المفتوح ظهرت المفاجأة على وجه الشخصين ، وحاول الشخص الدخيل والذي كان مجدي جار الاسرة أن يبرر موقفه:
انا بعتذر بس لقيت باب الشرفة مفتوح أفتكره أن الأستاذ كامل رجع من مشواره.
ظهر التوتر على مجدي حيث كان يظن أن الشالية خاليا ولا يوجد به أحد، وذلك بعد أن سمع ليلى تحدث زوجته عن ذهاب زوجها للعمل، أجابه عم جابر باستغراب:
لا هو لسه موصلش وانا كنت قافل باب الشرفة بعد ما المدام والأولاد خرجو من ساعة تقريبا.
شعر مجدي بحرج شديد وظهر ذلك في توتره وهو يردد:
متأسف جداً على الإزعاج استأذن منك هرجع للجماعة على الشاطئ.
والتفت لكي يخرج من حيث جاء ولكن عم جابر استوقفه متسائلا:
لو سمحت ممكن اعرف اسم حضرتك عشان لما يوصل الأستاذ كامل أبلغة أنك سألت عليه؟.
تردد مجدي للحظات:
أنا الأستاذ مجدي زوج مدام ابتسام ال خرجت الى الشاطئ مع مدام ليلى والأولاد.
وانصرف مسرعا كي لا يوجه له عم جابر ذلك الرجل العجوز الذي يظهر عليه معالم الكبر في كل شيء إلا في حركته النشيطة، واغلق مجدي باب الشرف من خلفه وعاد عم جابر الى عمله ولم تمض إلا لحظات حتى سمع جرس الباب الخارجي، فنظر الى ساعة هاتف وتسأل في نفسه عن من يكون الطارق فالأستاذ فتحي معه مفتاح فتوجه على الفور الى الباب وعندما فتحه وجد رجلا في العقد الرابع من العمر متوسط الطول يرتدي ملابس لا تليق بسنه، ونظر الاثنان لبعضهم نظرات متفحصه كأن كل واحدا منهم يستكشف الاخر وهنا تحدث القادم قائلا:
هل صاحب الشالية متواجد الأن ؟.
أجابه عم جابر وهو لازال يتفحصه في نفاذ صبر
حضرتك مين وعايز ايه ؟.
اعتدل الضيف وهو يعرف بنفسه لعم جابر:
قول له إن رجل الأعمال عامر ناصيف عاوز يقابله في موضوع مستعجل.
نظر له عم جابر وتحدث بشكل ساخر من نبرة ذلك الغريب المتعالية:
بس هو مش موجود في الوقت الحالي انت ممكن تيجي له في وقت تاني.
قاطعهم دخول مدام ليلى من الشرف وتفاجأت بذلك الشخص الذي يقف مع عم جابر في مدخل الفيلا، وعندما انتبه لها هو الآخر ظهرت عليه علامات التعجب الشديد، كان واضحا جدا أن مدام ليلى تشعر بالارتباك فقد وقفت بمكانها ولم تنطق بكلمة، وتقدم عامر ليقترب منها وقد أزاح عم جابر من طريقه الذي كان يقف زاهلا من تصرفات ذلك الضيف الغامض ومد عامر يده الى ليلى كي يصافحها قائلا:
اهلا مدام ليلى ايه الصدف السعيدة دي؟!.
لم تتحرك ليلى وظلت يده ممدوده للحظات حتى انه شعر بتوتر فأنزلها وجلس على أحد المقاعد حتى يخفي توتره، نظر عم جابر الى ليلى متسائلا، فعلى مايبدو أن ذلك الضيف يعرفها هي وزوجها بشكل جيد، و أنتبه ليلى لذلك الموقف الغريب إمام عم جابر فقالت له وهي تحاول ان تخفي توترها:
أذا سمحت يا عم جابر أعمل لنا كوبين من العصير.
شعر جابر بتوتر ها وحديثها المرتبك على غير عادتها ولكنه امتثل الى أمرها وذهب ليحضر ما طلبته منه، وبعدما تأكدت ليلى من انصرافه نظرة الى ذلك الشخص البغيض بغضب شديد وقد حاولت أن تخفي تلك المشاعر اثناء وجود عم جابر وقالت له:
انت ايه اللى جابك هنا عاوز ايه بالظبط ؟.
أخذ عمر نفسا عميقا وهو يشعر بأنه جعل تلك الواقف امامه تخرج عن شعورها مما أسعده وابتسم في زهوا:
أنا جاي عشان اتفق مع زوجك المحترم عشان لسه ما اتمناش الإتفاق ال بينا.
أرتفع صوت مدام ليلى بعصبيه شديدة وهي تتسأل:
اتفاق ايه اللي بتتكلم عنه، ما فيش بينك وبين زوجي أي اتفاقات.
استرخ عامر اكثر في جلسته وكأنه يستمتع بذلك النقاش وبما وصل إليه الوضع:
أنتي شكلك نسيتي موضوع شهد إل لسه تحت حضانة والدتها وطبع لسه ما وصلتش السن القانوني عشان تقرر بنفسها.
ارتبكت ليلى وجلسة على احد المقاعد المقابلة له وهي تحاول ان تتحدث بشيء من القوة:
لا محصلش المحامي قال أن زوجتك اتنازلت عن حضانة شهد.
ضحك عامر بسخرية:
طيب فين الورق اللي يثبت الكلام ده ممكن أشوفه لو سمحتي؟!.
هزت ليلى رأسها نافية ذلك فأكمل حديثه في تعالى:
كده يبقى من حق زوجتي تأخذ بنتها في أي وقت وما فيش حد يقدر يمنعها.
استشاطت ليلى غضبا عندما تذكرت كيف كانت حالة شهد عندما وصلت إليهم وما مدى ما عانته معها حتى تحسنت حالته الجسدية والنفسية فقامت واقف وقالت بكل قوة:
ده من رابع المستحيلات أن يحصل طالما أنا موجود أنت فاهم.
وقف عامر هو الآخر أمامها متحديا:
أفتكر يا مدام أن الكلام ده مش من حقك تدخلي فيه أصلا.
رفعت ليلى يده وهي تشير له بيدها لكي ينصرف:
وكمان انت ملكش في الموضوع اتفضل اخرج بره بيتى.
هنا وصل عم جابر وهو يحمل العصير فتوقفت ليلى عن الحديث ووضعه على الطاولة امامهم ولم ينصرف فقالت له ليلى وهي تشير الى عامر وتحاول أن لا تظهر مشاعرها أمام عم جابر الذي لا يعلم أن شهد ليست أبنتها:
ممكن توصل الأستاذ عامر الى الباب يا عم جابر.
ظهر الضيق على وجه عامر ولكنه اختار أن ينصرف في الوقت الحاضر فأشر له عم جابر الذي لاحظ أنه شخص غير مرغوب به، وتبعه بالفعل إلى الخارج حيث قال له عم جابر:
تحب أطلب لحضرتك تاكسي؟.
ظهر الضيق على ملامح عامر وهو يشير لسيارته التي تقف في الخارج:
لا شكرا معايا عربيتي.
واتجها إلى سيارته أمام أنظار جابر الذي لم يتحرك من مكانه وكأنه أراد أن يطمئن لانصراف ذلك الشخص البغيض بالفعل، وبعد أن تأكد من أنصرافه عاد إلى الداخل فوجد مدام ليلى لم تتحرك من مكانها وسألته:
متأكد أنه مشي؟.
ابتسم جابر بشكل ودي:
أيوة ركب عربيته ومشى متقلقيش.
وكاد أن ينصرف ولكنه نظر إلى ليلى وتحدث بجدية:
احنا ممكن نبلغ أمن المدينة ويمنعوه من الدخول أصلا من البوابات؟!.
فكرة قليلا في اقتراحه الذي يبدو أنه مطمئن لها ولكن ذلك القرار قد يؤثرعلى زوجها بشكل مختلف لذلك لم توافق عليه:
لما يرجع جوزى يبق يقدم بلاغ.
واستدركة نفسها حتى لا تثير الشك لدى عم جابر:
أصل فيه تعاملات بينه وبين الشخص والقرار ليه، شكرا لاهتمامك يا عم جابر.
وحاولت أن تبتسم في ود على الرغم من كل مشاعر الغضب التي تشتعل داخلها، وانصرف عم جابر دون أن يعقب على رأيه، وجلست هي على أحد المقاعد بعد أن أخذت كوب من العصير لكي تتناوله وهي تتذكر بعض الأحداث التي مرت عليهم منذ عامين، وعادت إليه بعض من المشاعر التي حاولت أن تنساها ولكنها لازالت عالقة في ذهنها.
في احد الشاليهات على البحر المتوسط في الساحل الشمالي حيث كانت أسرة رجل الأعمال كامل وزوجته مدام ليلى ومعهم أولادهم حازم وعمر وابنته من زوجته الأول شهد، يقيما لفترة بعيدا عن زحام القاهرة والحرارة المرتفعة ، مضى عليهم ثلاثة أيام لم يشعر فيها بالوقت ما بين رحلاتهم المائي وسهره على شاطئ البحر في هدوء، كان هذا الصباح مميز بالنسبة ل البشمهندس كامل الذي يمتلك شركة مقاولات كبيرة في القاهرة، وكان يرتب اليوم للقاء أحد رجال الأعمال لإتمام صفقة من صفقات عمله والتي كانت على قدر كبير من الأهمية لشركة الخاص به،
وقف امام المرأة في غرفته وهو يضع عطره المفضل والمميز جدا بالنسبة ل ليلى التي قالت له متسائلة:
على فين بدري كده ؟.
فنظر لها مبتسما في هدوء:
المفروض أني أقوم بمقابلة الشخص ال كنت قلت لك عليه بخصوص المشروع الجديد.
استسلمت للأمر الواقع فهي تعلم مسبقا أنه يسعى لإتمام تلك الصفقة التي يتنافس عليها مع الكثير من المنافسين، ومن أجل أهمية تلك الصفقة فقد استأجر هذه الفيلا رغم أن لديهم شالية خاص لهم في مدينة من مدن الساحل المجاورة، بينما هذا الشالية أقرب لشاليه الشخص الذي يرغب في الحصول على المشروع المتاح لديه، وذلك ما جعلها لا تحاول الاختلاط بجيرانها كثيرا، هنا تسألت ليلى:
طيب نستناك على الغداء ولا هتتأخر ؟.
امسك بوجهها بين كفيه وهو يطبع قبله على جبينها:
لا بلاش تستنيني يمكن اتأخر أكثر من كده.
واتجه بعد ذلك إلى الخارج، فقد رتب رحلة صيد مع ذلك الشخص لكي يتمكن من الحديث معه بشكل أفضل وعلى أنفراد.
وقفت في صمت تنظر إلى البحر من شرفة غرفتها تتأمل تلك الأمواج المتلاحقة على رمال الشاطئ في انتظام يعطي النفس هدوء وراحة، تتنفس ذلك النسيم المعبق باليود، حتى سمعت طرقات خفيفة على باب غرفتها:
ايوة ادخل.
فتحة الباب ودخلت شهد الى الغرفة وهي تبتسم متسأله:
هو بابا نزل بدري كده ليه ؟.
فأجابته ليلى وهي تقترب منها:
شغل انت عارف طبعا، بس النهار ده كل لينا لوحدنا، ايه رأيك أن أنت ال تخططي ليومنا وتحديد نعمل ايه ونروح فين ؟.
ابتسامة شهد في سعادة:
خلاص هروح اصحي عمر وحازم عشان اتفق معاهم على كل حاجه، وهنبرهك النهار ده.
انطلاقة مسرعة الى غرفة أخيها دون انتظار إلى أي تعليق من ليلى التي وقفت تنظر لها في سعادة فمن يرى شهد الان لن يصدق أن تلك هي الفتاة التي حضرت الى منزلها منذ أكثر من عامين محطمة ومنطوية على نفسها لا تتحدث مع أحد أبدا فقد تغيرت الى فتاة تشع نشاط وحيوية وتداركه ما فاتها في الدراسة لتصبح الآن في الجامعة وهي أكبر من التوأم حازم وعمر بعامين حيث أنها كانت تحيا مع والدتها وزوجها بعد أن توفت جدتها لأكثر من أربع اعوام ل تهرب منهم وتأتي إلى أبيها، ورغم مرور كل ذلك الوقت لا أحد يعلم ماذا حدث معها غير طبيبها النفسي الذي كان يتابع معها وقد نبها عليهم ألا يذكرها أحد بتلك الأحداث حتى لا تنتكس، انتبهت ليلى من أفكارها على دخول الشباب ومن خلفهم شهد وهنا تحدث حازم:
احكمي انت يا ماما، ايه رأيك نروح الجزيرة المهجورة، ونعمل رحلة استكشف لل الأمكان هناك.
فقاطعه عمر بحماس شديد:
لا انا بقول نروح إلى الشاطئ ونعزم جيراننا ونقضي اليوم معهم على البحر.
هنا تدخلت شهد في الحوار:
انا موافقة على اقتراح عمر.
فقال حازم وهو ينظر لعمر في خبث ويضع يده على كتف تؤامه:
تتفق معه ليه طيب هو عاوز أن يتقرب من بنت الأسرة دي وأنت بقا عايزه تروحي ليه ؟.
ترددة شهد قليلا ثم نظرة إلى زوجة أبيها:
بصراحه انا مش بحب المخاطِر والمكان ده مش ينفع نروح فيه لوحدنا لازم بابا يكون موجود.
هنا تدخلت ليلى لكي تنهي الخلاف بينهم:
انا مع عمر وشهد وبكده يبقى الرأي للاغلبيه.
سكت حازم فوضعت ليلى يدها على كتفه قائله:
وبعدين الأيام ال جاي كثير احنا ممكن نرتب مع بابا يوم ونروح فيه الجزيرة زي ما أنت عاوز صح.
ليصمت الجميع فقد وضعت ليلى نهاية هذا النقاش بتلك الكلمات ثم وجهة لهم التعليمات لتذهب شهد لدعوة جارتهم لتنضم إليهم في الوقت المناسب لها و لأسرتها، وذهبت ليلى إلى المطبخ حيث كان هناك ذلك الخادم الذي أصر من قام بوضع عقد الإيجار لهم الخاص بالفيلا على وجوده .
وقد استنكرت ليلى ذلك الشرط ولكنها في النهاية تعامله مع الموقف ببعض من الاقتناع حيث انها اول مرة تقوم فيها ب أستأجر أي مكان ولابد أن تلك الشروط امر معتاد كي يضمن صاحب المكان انه هناك شخص يقوم بالعناية بالمكان والمحافظة عليه، وجدته منهمك في عمله في المطبخ، و يدعى عم جابر فطلبة منه أن يعد لهم بعض الشطائر والعصير والمقابلات التي تصلح لأخذها على الشاطئ ثم ذهبت لكي تقوم بتجهيز نفسها.
اجتمعت الأسرتين على الشاطئ بعد الساعة الثاني من ظهر ذلك اليوم، وكانت أسرة جارتهم مكون من الزوجة مدام ابتسام وابنتها مها وزوجها مجدي الذي حضر معهم ولما وجد أن زوج ليلى لم يحضر استأذن في الانصراف وتركهم وحدهم متعللا ببعض المشاغل، بدأ الشباب في الانصراف إلى اللعب وانضمت إليهم الفتاتين وترك السيدتين وحدهم يتبادلان أطراف الحديث والذي بدأت به ابتسام حين سألت ليلى:
انت اشتريتي الشالية ده من المالك القديم ؟.
استغربت ليلى سؤال جارته التي لم تتعرف عليه سوى من يومين وكان ذلك من خلال إلقاء بعض التحية عند مقابلتها على الشاطئ أو أمام الشالية، ومن عادتها الصراحة والجدية في كل الأمور ولكنها حاولت ألا تكون جاف معها:
لا احنا مأجرين المكان لمدة شهر بس، ليه بتسألي عن الموضوع ده ؟.
ترددة ابتسام قليلا ثم قالت موضحة:
لا أصل جوزي كان بيحاول يشتري المكان من المالك الجديد عشان أخوه كان عاوز مكان قريب مننا.
تساءلت ليلى في استهجان:
المالك الجديد ؟!.
اسرعة ابتسام في التوضيح أكثر وكأنه كانت ترغب منذ البداية في توصيل تلك المعلومة:
أيوة أصلا المالك القديم مات وساب كل أملاكه لأبن أخوة ال يعتبر ابنه وذراعه اليمين في كل حاجه.
نظرة له ليلى في تسال:
انت كنت تعرفي المالك القديم؟.
اخذة ابتسام نفس عميق وكأنه تعود بذاكرتها للحظة ماضية:
أيوه أصل الراجل ده كان يقضي كل وقته هنا في الشاليه حتى أيام الشتاء، ولما حصلت حادثة موته الغريبة كلنا مش كنا مصدقين ال حصل.
سكتت تنتظر رد فعل ليلى التي تعجبت من تعليقها:
و ايه ال مخليكم مش تصدقوا الموضوع ؟.
ابتسامة الجارة عندما استطاعت أن تجذب انتباه الجالس أمامها:
الغريب أن يموت غرقان، وانا نفسي شفته كثير يسبح في البحر بشكل متمرس على الرغم من سن الكبير وبعدين كمان في كلام بيتقال عن أنه كان يشتغل في تجارة الآثار وانت عارف ان المجال ده ميخلاش من القتل.
سكتت ليل قليل وحاولت أن تغير الموضوع فقد شعرت بتقزز من مجرد التفكير في جريمة القتل ومضى بهم الوقت في أحاديث جانبية متفرقة.
أما في الشاليه الخاص بعائلة البشمهندس كامل، كان عم جابر يخرج من المطبخ الى القاعة الخارجية فوجد شخصا يقف في مدخل الفيلا من جهة البحر حيث دخلا من باب الشرفة المفتوح ظهرت المفاجأة على وجه الشخصين ، وحاول الشخص الدخيل والذي كان مجدي جار الاسرة أن يبرر موقفه:
انا بعتذر بس لقيت باب الشرفة مفتوح أفتكره أن الأستاذ كامل رجع من مشواره.
ظهر التوتر على مجدي حيث كان يظن أن الشالية خاليا ولا يوجد به أحد، وذلك بعد أن سمع ليلى تحدث زوجته عن ذهاب زوجها للعمل، أجابه عم جابر باستغراب:
لا هو لسه موصلش وانا كنت قافل باب الشرفة بعد ما المدام والأولاد خرجو من ساعة تقريبا.
شعر مجدي بحرج شديد وظهر ذلك في توتره وهو يردد:
متأسف جداً على الإزعاج استأذن منك هرجع للجماعة على الشاطئ.
والتفت لكي يخرج من حيث جاء ولكن عم جابر استوقفه متسائلا:
لو سمحت ممكن اعرف اسم حضرتك عشان لما يوصل الأستاذ كامل أبلغة أنك سألت عليه؟.
تردد مجدي للحظات:
أنا الأستاذ مجدي زوج مدام ابتسام ال خرجت الى الشاطئ مع مدام ليلى والأولاد.
وانصرف مسرعا كي لا يوجه له عم جابر ذلك الرجل العجوز الذي يظهر عليه معالم الكبر في كل شيء إلا في حركته النشيطة، واغلق مجدي باب الشرف من خلفه وعاد عم جابر الى عمله ولم تمض إلا لحظات حتى سمع جرس الباب الخارجي، فنظر الى ساعة هاتف وتسأل في نفسه عن من يكون الطارق فالأستاذ فتحي معه مفتاح فتوجه على الفور الى الباب وعندما فتحه وجد رجلا في العقد الرابع من العمر متوسط الطول يرتدي ملابس لا تليق بسنه، ونظر الاثنان لبعضهم نظرات متفحصه كأن كل واحدا منهم يستكشف الاخر وهنا تحدث القادم قائلا:
هل صاحب الشالية متواجد الأن ؟.
أجابه عم جابر وهو لازال يتفحصه في نفاذ صبر
حضرتك مين وعايز ايه ؟.
اعتدل الضيف وهو يعرف بنفسه لعم جابر:
قول له إن رجل الأعمال عامر ناصيف عاوز يقابله في موضوع مستعجل.
نظر له عم جابر وتحدث بشكل ساخر من نبرة ذلك الغريب المتعالية:
بس هو مش موجود في الوقت الحالي انت ممكن تيجي له في وقت تاني.
قاطعهم دخول مدام ليلى من الشرف وتفاجأت بذلك الشخص الذي يقف مع عم جابر في مدخل الفيلا، وعندما انتبه لها هو الآخر ظهرت عليه علامات التعجب الشديد، كان واضحا جدا أن مدام ليلى تشعر بالارتباك فقد وقفت بمكانها ولم تنطق بكلمة، وتقدم عامر ليقترب منها وقد أزاح عم جابر من طريقه الذي كان يقف زاهلا من تصرفات ذلك الضيف الغامض ومد عامر يده الى ليلى كي يصافحها قائلا:
اهلا مدام ليلى ايه الصدف السعيدة دي؟!.
لم تتحرك ليلى وظلت يده ممدوده للحظات حتى انه شعر بتوتر فأنزلها وجلس على أحد المقاعد حتى يخفي توتره، نظر عم جابر الى ليلى متسائلا، فعلى مايبدو أن ذلك الضيف يعرفها هي وزوجها بشكل جيد، و أنتبه ليلى لذلك الموقف الغريب إمام عم جابر فقالت له وهي تحاول ان تخفي توترها:
أذا سمحت يا عم جابر أعمل لنا كوبين من العصير.
شعر جابر بتوتر ها وحديثها المرتبك على غير عادتها ولكنه امتثل الى أمرها وذهب ليحضر ما طلبته منه، وبعدما تأكدت ليلى من انصرافه نظرة الى ذلك الشخص البغيض بغضب شديد وقد حاولت أن تخفي تلك المشاعر اثناء وجود عم جابر وقالت له:
انت ايه اللى جابك هنا عاوز ايه بالظبط ؟.
أخذ عمر نفسا عميقا وهو يشعر بأنه جعل تلك الواقف امامه تخرج عن شعورها مما أسعده وابتسم في زهوا:
أنا جاي عشان اتفق مع زوجك المحترم عشان لسه ما اتمناش الإتفاق ال بينا.
أرتفع صوت مدام ليلى بعصبيه شديدة وهي تتسأل:
اتفاق ايه اللي بتتكلم عنه، ما فيش بينك وبين زوجي أي اتفاقات.
استرخ عامر اكثر في جلسته وكأنه يستمتع بذلك النقاش وبما وصل إليه الوضع:
أنتي شكلك نسيتي موضوع شهد إل لسه تحت حضانة والدتها وطبع لسه ما وصلتش السن القانوني عشان تقرر بنفسها.
ارتبكت ليلى وجلسة على احد المقاعد المقابلة له وهي تحاول ان تتحدث بشيء من القوة:
لا محصلش المحامي قال أن زوجتك اتنازلت عن حضانة شهد.
ضحك عامر بسخرية:
طيب فين الورق اللي يثبت الكلام ده ممكن أشوفه لو سمحتي؟!.
هزت ليلى رأسها نافية ذلك فأكمل حديثه في تعالى:
كده يبقى من حق زوجتي تأخذ بنتها في أي وقت وما فيش حد يقدر يمنعها.
استشاطت ليلى غضبا عندما تذكرت كيف كانت حالة شهد عندما وصلت إليهم وما مدى ما عانته معها حتى تحسنت حالته الجسدية والنفسية فقامت واقف وقالت بكل قوة:
ده من رابع المستحيلات أن يحصل طالما أنا موجود أنت فاهم.
وقف عامر هو الآخر أمامها متحديا:
أفتكر يا مدام أن الكلام ده مش من حقك تدخلي فيه أصلا.
رفعت ليلى يده وهي تشير له بيدها لكي ينصرف:
وكمان انت ملكش في الموضوع اتفضل اخرج بره بيتى.
هنا وصل عم جابر وهو يحمل العصير فتوقفت ليلى عن الحديث ووضعه على الطاولة امامهم ولم ينصرف فقالت له ليلى وهي تشير الى عامر وتحاول أن لا تظهر مشاعرها أمام عم جابر الذي لا يعلم أن شهد ليست أبنتها:
ممكن توصل الأستاذ عامر الى الباب يا عم جابر.
ظهر الضيق على وجه عامر ولكنه اختار أن ينصرف في الوقت الحاضر فأشر له عم جابر الذي لاحظ أنه شخص غير مرغوب به، وتبعه بالفعل إلى الخارج حيث قال له عم جابر:
تحب أطلب لحضرتك تاكسي؟.
ظهر الضيق على ملامح عامر وهو يشير لسيارته التي تقف في الخارج:
لا شكرا معايا عربيتي.
واتجها إلى سيارته أمام أنظار جابر الذي لم يتحرك من مكانه وكأنه أراد أن يطمئن لانصراف ذلك الشخص البغيض بالفعل، وبعد أن تأكد من أنصرافه عاد إلى الداخل فوجد مدام ليلى لم تتحرك من مكانها وسألته:
متأكد أنه مشي؟.
ابتسم جابر بشكل ودي:
أيوة ركب عربيته ومشى متقلقيش.
وكاد أن ينصرف ولكنه نظر إلى ليلى وتحدث بجدية:
احنا ممكن نبلغ أمن المدينة ويمنعوه من الدخول أصلا من البوابات؟!.
فكرة قليلا في اقتراحه الذي يبدو أنه مطمئن لها ولكن ذلك القرار قد يؤثرعلى زوجها بشكل مختلف لذلك لم توافق عليه:
لما يرجع جوزى يبق يقدم بلاغ.
واستدركة نفسها حتى لا تثير الشك لدى عم جابر:
أصل فيه تعاملات بينه وبين الشخص والقرار ليه، شكرا لاهتمامك يا عم جابر.
وحاولت أن تبتسم في ود على الرغم من كل مشاعر الغضب التي تشتعل داخلها، وانصرف عم جابر دون أن يعقب على رأيه، وجلست هي على أحد المقاعد بعد أن أخذت كوب من العصير لكي تتناوله وهي تتذكر بعض الأحداث التي مرت عليهم منذ عامين، وعادت إليه بعض من المشاعر التي حاولت أن تنساها ولكنها لازالت عالقة في ذهنها.