الفصل الثالث قبض الثمن

الفصل الثالث
قبض الثمن.
عادت حنان الى واقعها حينما سمعت صوت باب غرفة ماسة يفتح برفق وذهبت لترى ان كانت تحتاج لشيئ --كانت ماسة تقف على باب غرفتها لا تعرف باي اتجاه تذهب وتذكرت حنان بانها لم تاخذ ماسة في جولة بالمنزل وبالتاكيد لا تعرف اين المطبخ او الحمام والمسكينة لا تتكلم لذا لن تستطيع طلب المساعدة من احد --رق قلب حنان على منظر الصغيرة البائس الناعس --تشعر بانها محظوظة لانها وجدتها --وكانها هدية من السماء وكأن الخالق وضعها في طريقها من اجل هدف ما ولن تستطيع كشفه الا بعد حين --تقدمت من ماسة وسالتها برقة.
- ماذا تحتاجين حبيبتي --هل ترغبين ان احضر لكي شيئا؟
نظرت لها ماسة بعينين ناعستين براقتين بدموع مستترة جاهدت ماسة ان لا تنحدر من عينيها الجميلتين --ومن ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة بريئة واصدرت صوت اهة صغيرة وهي تشير بيدها الى فمها --وقد فهمت حنان انها بحاجة لكاسة من الماء --احتضنتها بين ذراعيها واخذتها الي المطبخ وهي تقول بحنان فائق.
- ساحضر لكي كاسا كبيرا من الماء واذا احببتي فسوف اصنع لك فنجانا من الحليب الدافئ كي يساعدك على النوم ما رايك ؟
كانت الصغيرة تهز براسها موافقة بسعادة تفوق سعادة حنان التي كل ما رات ابتسامة الطفلة الصغيرة تشعر بمدى صحة قرارها الذي اتخذته فهما الاثنتان ستكونان شفاءا ودواءا لنفسيهما ولقاسم ايضا --بعد قليل من الوقت عادت ماسة للنوم في احضان حنان وقد شعرت بالدفئ والامان الذين حرمت منهما بوفاة والدتها المسكينة.--اخذت حنان تملس شعرها الكستنائي الناعم فقد اصبح جميلا جدا بعد ان استحمت واعتنت به جيدا في هذا اليوم المرهق --فقد زارتها بالمدرسة الخاصة بعد ان سجلتها ودفعت تكاليفها و اوصت المدرسات ان يعتنو بها جيدا ويعاملوها معاملة خاصة --و بعد اسبوعين فوجئت بانها تغيبت طوال الاسبوع الماضي وان والدها اتى واخذ باقي الرسوم واخبرهم بانها لن تعود للدراسة مجددا --غضبت حنان كثيرا لان المدرسات لم يعلموها بذلك منذ لحظة حدوثه وعلى الفور ذهبت لترى سبب تغيب ماسة وهناك وجدتها تتعرض للتعنيف من قبل والدها وزوجته لانها لم تجلب اليوم لهم المبلغ المعتاد وقد كانت ماسة متقوقعة على نفسها تتلقى الضربات بيديها كي تحمي راسها من الاذى وكانت فتاة تقريبا تبلغ من العمر احد عشر عاما وفتى بمثل عمرها واقفين ينظران اليها بشماته وسخرية وكانهما يستلذان بعذابها او ربما الاسوا كان يتسببا هما في ظلمها وعذابها -- كانا يبدوان مرتبان وانيقان وملابس المدرسة جديدة وزاهية ولا يدل لبسهما على مدى فقرهما او وضعهم المادي السيئ --كادت حنان ان تصرخ عليهم من شدة غيظها --كيف لهما انا يعاملا هذه المسكينة بهذا الشكل ويستغلان ضعفها وعدم قدرتها على الحديث او الدفاع عن نفسها --صاحت حنان بصوت حاد كي ينتبهوا لوجودها ويكفو اذاهم عن الصغيرة.
- ماذا يحدث هنا؟
وفي الحال التفت الجميع بصدمة لرؤيتها وقد شاهدتهم بالجرم المشهود وفي الحال تداركت زوجة ابيها الوضع وصاحت متظاهرة بالراحة لوجود حنان في هذه اللحظة
- يا الهي من حسن الحظ انكي اتيتي --تلك الشقية ترفض الذهاب الي المدرسة --لقد تعبنا انا ووالدها في محاولة اقناعها ولكن دون فائدة --من الجيد انكي اتيتي لربما تستمع اليكي.
تمالكت حنان اعصابها بقوة متناهية وجثت على ركبتيها امام الصغيرة تمسح دموعها وتطبطب عليها --فقد رات وسمعت كل شيئ وكذبة زوجة ابيها المنافقة لم تمر عليها ابدا قالت لماسة برقة.
- ما رايك ان اخذك انا الي المدرسة بنفسي --هل تحبين ذلك؟!
هزت ماسة راسها بلهفة موافقة --مما اثار غيظ زوجة ابيها وابنائها بينما ابيها تذمر قائلا:
- ان ما تفعلينه لاجلها دون فائدة --هذه الشقية لن تنفع لشيئ ابدا --ربما لو اعطيتني هذا المال لافتتح مشروعا صغيرا اعيل به عائلتي سيكون هذا المشروع سترا ابديا لها بدلا من هروبها الي الشارع وسخرية الناس منها طوال الوقت.
نظرت حنان الي الرجل الاعرج الرث المظهر- شعره الذي كساه الشيب كان في غاية الكثافة والقذارة وكانه لم يستحم لشهور وعيناه ضيقتان صغيرتان غائراتان في محجرهما --والتجاعيد تكسو وجهه المغطى بلحية بيضاء كثيفة غير مهذبة تماما كملابسه الممزقة القذرة التي كان يرتديها --شعرت حنان بغثيان ، كيف يبدو هذا الرجل بهذا العمر فقد اعتقدت بانه اصغر سنا ولكن هذا الرجل يبدو بالاربعين من عمره كيف انه ليس لديه ابناء سوى ماسة --وفكرت بانه ربما تزوج متاخرا جدا --بالطبع من ستقبل برجل رث كهذا مسكينة ماسة فقد ظلمت بهذا الزواج الغير ملائم --اشارت حنان لماسة بان تسبقها الي سيارتها وتنتظرها بداخلها وعلى الفور اطاعت ماسة طلبها وكأن فيه حبل نجاتها --وقفت حنان على ساقيها وهي تراقب فرار ماسة السعيد من امامها وتنهدت --هذه العائلة غير مناسبة لماسة ابدا فهي تحتقرها وتهينها وحنان لن تطمئن عليها بينهم ابدا --وبعد هذه اللحظة ايقنت بمدى جشع والدها واهتمامه بالمال اكثر منها ومن هنا خطرت لها فكرة التبني وكانت واثقة بان العرض سيلائم والدها وزوجته كثيرا بل وسيرحبان به جلست حوالي النصف ساعة معهم كي لا تتاخر على ماسة وكانت واضحة جدا في عرضها بحيث لا يتظاهرا بعدم الفهم او يساء فهمها
- كم تريد؟
انبسط وجه والدها وزوجته بسعادة غامرة اظهرت اسنانه السوداء الساقط اغلبها جراء شربه الخمر والدخان وقال بجشع متناه في صوته ونظراته ولهفته لاخذ المال منها قال بخباثة .
- انتي كريمة ونحن الناس الاحق بهذه المساعدة المالية ولن ننسى معروفك هذا ابدا --فانتي انقذتي عائلة باسرها من الضياع.
هزت حنان براسها ونظرت الي البيت المتهالك ومن ثم قالت بثقة:
- مليون دولار --وتنسى امر طفلتك نهائيا ولا تطلبها ابدا ولا تاتي حتى لزيارتها بل لن تقترب منها قيد انملة --بكلمة واحدة ستنسى بان لك طفلة اسمها ماسة للابد --اتفقنا؟
لمعت عينا الرجل بجشع كبير وكانها عرضت عليه فرصة للحياة وامل للنجاة وسنوات قادمة من السعادة الابدية --ولكن سرعان ما بدا عليها وكأنه سيعترض ليتفاوض بالامر لربما المبلغ يزيد فتظاهر بالحزن والاسى وهو يقول:
- ستاخذين مني فلذة كبدي ولن اراها ابدا --طفلتي التي لا تساوى بالمال نهائيا كيف لك ان تقدمي لي المال في مقابل اخذها مني؟!
ابتسمت حنان بينها وبين نفسها فقد علمت ان هذا الرجل خبيث ولكنه ليس غبيا ابدا و هي واثقة بانها لو اصرت على المبلغ الذي عرضته سيقبل به وعلى الفور ولكن ماسة تستحق الاكثر وهي لن تبخل عليها بالمحاولة ابدا --فالحصول على ماسة يساوي ملايين الدولارات وليس مليونا واحدا فقط.
هزت حنان براسها ونظرت الي زوجته التي كانت تشد على يديه ليقبل بالمبلغ المعروض بدلا من ان يخسراه في مقابل طفلة لا نفع منها وهمست ساخرة:
- اذن اثنين مليون دولار --هل هذا يكفي ثمنا لفلذة كبدك؟!
وكادت عينا الرجل تخرج من مكانها لشدة فرحته بالعرض بينما زوجته اخذت ترتجف من السعادة والاثارة سوف يصبحا من اغنى الاغنياء بسبب هذه البكماء هذا ما كانت تفكر به زوجة والدها الجشعة وحالما حاول الاب مجددا ان يماطل اكثر لعله يحصل على مبلغ اكبر --صاحت زوجته بالموافقة مسرعة قبل ان يفسد زوجها الامر ويخسرو العرض للابد
- بالتاكيد هذا لن يكفي ولكنا موافقون --انتي سيدة طيبة ونحن واثقين بان ماسة ستكون معكي بامان وانك ستقومين برعايتها وتعليمها جيدا --اليس كذلك يا صابر؟
وحينما نظر صابر الي نظرات زوجته الغامزة والتي تطالبه ان يوافق ويجاريها والا سيخسر كل شيئ وحينها تدارك الموقف وتظاهر بالحزن الشديد لفراق ابنته وقال بنفاق واضح:
-اجل انتي محقة --ماسة ستكون افضل مع عائلة تهتم بها --فانا لم استطع ان البي لها احتياجاتها بسبب فقري ولكن --بالتاكيد انتي ستوفرين لها كل ما تحتاجه انا شاكر لك جدا سيدتي.
وقفت حنان معلنة اتمام الاتفاق بينهم وقد شعرت بداخلها انهار من السعادة تفيض داخلها ، فقد حصلت على ما املت به وما توفيقها بهذا الامر الا رضا من الله على صحة قرارها وقالت قبل ان تغادر بيتهم:
- اتفقنا اذن --ماسة ملكي منذ الان ولا يحق لكما المطالبة بها او تغيير رايكم بعد توقيع الاتفاق بيننا --ساغادر انا وهي ولن تروها ابدا بل لن تحاولو رؤيتها -- ساعود لاحصل على توقيع منكم ولتحصلو انتم على المبلغ المتفق عليه.
ولكن والد ماسة اعترض بجشع فهو يهمه المال ولا شيئ اخر
- اما ان تدفعي الان او يلغى الاتفاق --فانتي لا تاخذين قطعة جماد يا سيدتي بل ما تحصلين عليه هو فتاة من لحم ودم فتاتي الوحيدة الغالية على قلبي والتي لن اراها ابدا طوال حياتي --لذا حصولي على المال الان في هذه اللحظة هو اقل تعويض يمكن ان يفرض علي كوالد.
وبالرغم من صعوبة انجاز الاوراق المطلوبة في يوم واحد الا ان حنان لم ترد ان يعيقها شيئ في سبيل الوصول الي هدفها فقد وافقت على مضض وذهبت برفقة والد ماسة وزوجته الى المحامي الخاص بها والذي قام بتحضير اوراق التبني وجميع الاجراءات بنفس اليوم وتم التوقيع من كلا الطرفين وتم نقل حضانة ماسة الي حنان قانونيا واستلم والدها الشيك بالمبلغ المتفق عليه واختفى هو وزوجته حتى دون ان يقوم بوداع صغيرته المسكينة او القاء نظرة اخيرة اليها --كان زوجها سالم هو من وقف معها وساعدها وجعل المعاملة تتم بشكل اسرع من المعتاد ولم يكن يبدو عليه التذمر او الاعتراض فهو كان يثق كثيرا بقرارات زوجته لشدة حبه لها --فقد شرحت له الامر باختصار ووضوح ولانه كان بكل الاحوال موافقا على فكرة التبني منذ البداية فلم يقم بالاعتراض وكان تصرفه الحاد مع والد ماسة ادخل السرور في قلب حنان اذ انه اخبره وبالحرف الواحد وبوضوح شديد.
- بناء على هذا الاتفاق --اذا رايتك بالقرب من ماسة ولو كان صدفة او مرورا عابرا سوف اقوم بالقائك بالسجن مدى الحياة --لا علاقة لك بهذه الطفلة ابدا وانت لن تاتي للبحث عنها ما حييت.
وقد بدا الهلع على وجه الرجل من شدة الخوف وبالحال اختفى هو وزوجته بعد حصوله على ثمن ابنته--تنهدت حنان وهي تحمد ربها للمرة الالف على حصولها على زوج بهذه الشخصية والمواصفات التي تتمناها كل امراة في زوجها --عادت بنظراتها الى ماسة النائمة في حضنها بسلام تلك الصغيرة لقد تعبت كثيرا اليوم فقد تسوقت لها الكثيرمن الملابس والاحذية والكتب الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة وقد جعلت منها في ليلة وضحاها اميرة ، الكل يحسدها ويغار منها --كانت ماسة اجمل طفلة على وجه الارض بنظر حنان --فهي لم تشبه والدها ابدا فقد كانت مختلفة تماما عنه بالتاكيد هي تشبه امها المتوفاة فعلى ما يبدو ان والدتها كانت في غاية الجمال --عجبا كيف تتزوج من رجل يكبرها سنا وتلقي بحياتها تحت قدميه وتلك المسكينة لم تكمل حياتها فقد خسرتها بسرعة وبقيت ماسة لتتحمل خطأ والدتها--ابتسمت حنان بسعادة لانجازها العظيم --تلك الفتاة مقدرة لها ولن تسمح لاحد بان يهينها او يستصغرها --ستكون ابنتها الحقيقية وستساعدها على التاقلم مع حياتها الجديدة .
في الصباح الباكر عادت ماسة لمتابعة دروسها الخاصة وكانت تمضي ما تبقى من وقتها في غرفتها تلعب بالعابها التي طالما تمنت الحصول عليها يوما ، كانت ماسة سعيدة جدا رغم عدم تقبل قاسم لها الذي كان دائما يصرخ عليها ويشتمها حتى انه طردها من البيت الاف المرات الا انها كانت دائما تعود اليه بابتسامتها البريئة , كان ينبذها و ينعتها بالبكماء ذات الابتسامة الغبية ولكن ردة فعلها كانت عبارة عن قبلة بالهوء له وابتسامة اكثر اتساعا , مما كان يزيد حنق قاسم الذي كان يرفع عينيه للسماء وكأنه يشكوها للخالق ويقول عنها بليدة ما باليد حيلة , وفي كل يوم كان يزداد حب حنان لها وتعلقها بها فالفتاة طيبة جدا ولم تحاول ابدا ان تسيئ لقاسم رغم اساءاته المتكررة لها .
مضت الشهور بسرعة وطرأ تحسن كبير على تصرفات قاسم وايضا على ماسة من ناحية التعبير عن طلباتها او ارائها فقد اصبح باستطاعتها كتابة الحروف الابجدية كما انها اتقنت لغة الصم والبكم ، وقد اشاد المعلمين بذكائها وسرعة تلقيها وحفظها لكل ما يقومون بتلقينه لها حتى انها تفوقت على جميع زميلاتها , لقد احبت العلم كثيرا وكل شيئ كانت تتعلمه كانت تاتي لوالدتها وتقصه عليها وتحاول تعليمه لها , وبهذه الطريقة تعلمت حنان تدريجيا معاني حركات الاشارة التي كانت تقوم بها ماسة لتتواصل مع عائلتها وكانت حنان دائما تحثها ان تذهب لقاسم وتحاول التواصل معه وتعليمه ما تعلمته ولكن قاسم كان دائم السخرية منها ومن حركاتها ,ولكنها كانت عنيدة وكانت تلتصق به كالعلقة اينما يذهب برغم رفضه لها طوال الوقت حتى انه اصبح يغلق باب غرفته على نفسه لانها تقتحم عليه خلوته دون استئذان وبرغم من ان قاسم لم يحب ماسة ابدا كما هو واضح الا انه ما عاد يسال عن شقيقته ميس وما عاد يذكرها قط فقد انشغل بالسخرية من ماسة طوال الوقت او التعليق على تصرفاتها ونقدها باستمرار او متابعة دروسه في غرفته وفي مدرسته ايضا طرأ تحسن كبير على تصرفاته مع زملائه ومعلميه واصبح ينخرط معهم في اهتماماتهم والعابهم وقصصهم حتى الرحلات اصبح يشارك بها , هذا التحسن لم ياتي بسهولة بل اتى تدريجيا وبعد صبر وجهد وعناء , وكان والديه يراقبا هذا التحسن بسرور خفي ولا يعلقان عليه ابدا كي لا ينتكس ويتقوقع على نفسه مجددا , فقد كانا دائما على تواصل مع طبيبه النفسي الذي نصحهم بعدم الضغط عليه كثيرا وتركه يتاقلم مع حياته الجديدة دون انتقادات او تذمر , حنان كانت تشعر بالحزن على ماسة كلما رات اساءة قاسم لها ,لهذا استشارت الطبيب الذي نصحها بعدم التدخل وان الاطفال يستطيعون حل مشاكلهم بانفسهم دون تدخل من ذويهم ,وهكذا كان بالفعل ..ماسة كانت تظل تعود لتشاكس قاسم كلما اساء اليها , تعود اقوى واكثر عنادا واصرارا على نيل محبته حتى لو اضطرت لاستفزازه ,فقد كانت تحمل نوته وقلم بجيب سروالها الجينز وكلما احتاجت ان تخبره بشيئ تكتب وتجبره على قرائتها , فقد عمد عدة مرات على تمزيق الورقة او الصراخ بها او طردها او صناعة طائرة ورقية من رسائلها ,ولكنها لم تستسلم ابدا وهذا ما كان يسعد حنان اكثر اذ انها احبت عنادها وعزيمتها فهما السبيل الوحيد لكسر الحاجز بينهما , احبت حنان اشارات الصم والبكم وحفظتها عن ظهر قلب لتستطيع التواصل مع ماسة بسهولة , ولكنها لم تحتاج ابدا ان تقوم بنفس الحركات فماسة كانت رائعة اذ انها تعلمت قراءة الشفاه جيدا فهي تدقق النظر جيدا الى فم الشخص الذي يحادثها وحينها تفهم كل ما يقوله , وحينما علم قاسم بانها تتقن قراءة الشفاه عمد الى اجبارها على النظر اليه حينما يطالبها بتركه وشانه مستخدما اسوا الالفاظ النابية الجارحة علها لا تعود له مجددا ولكنها كانت دائما تجيبه بحركات الاشارة =انا احبك اخي= مما كان يفقده صوابه ويصرخ باعلى صوته عليها
-ولكن انا لا احبك وانا لست اخوكي ايتها الغبية
-بلغة الاشارة =انت الغبي= وتخرج لسانها باغاظة وتهرب من امامه
ومع مرور السنوات تقبل قاسم وجودها في حياتهم واعتادت حنان مشاكلهم الصغيرة المضحكة وكان قاسم دائم الشكوى من ماسة وتصرفاتها لامه وكانت حنان تقول له
-لا شان لي بكما حل مشاكلك معها بنفسك انت اخاها الكبير وهي ماستك الصغيرة انت عليك ان تعتني بها وهي عليها ان تحترمك
كان قاسم يغضب وهو يرد عليها
- انها ليست ماسة بل رصاصة تصيب فتدمي
ويتركهم متذمرا ويذهب الى اصدقائه...ولكن السعادة كانت تغمر المنزل ولم يكن هناك من يشتكي او يتذمر ,بعد حصوله على درجات عالية بالثانوية العامة ارسله والده ليدرس بالخارج فقد كان وداعه قاسيا على ماسة البالغة من العمر ثلاثة عشر عاما ولم تقبل النزول الي الصالة لوداعه وقد تقوقعت على نفسها داخل غرفتها رافضة فكرة سفره ...كان سيرحل دون وداعها ولكن والدته اصرت ان يذهب لوداعها ...ذهب الى غرفتها وكعادته التي كان يزعجها بها لم يضيئ الجرس الاحمر الذي كان يعلن عن وجوده وينبهها اليه ...فتح الباب ونظر اليها كانت تجلس بجانب النافذة تنتظر خروجه من البيت لتودعه بنظراتها وكانت الدموع تغرق عينيها وتحتضن بذراعيها دبدوب الباندا الذي اهداه لها تحت ضغط من والدته ...رق قلبه لحالها فهو لا يحبها ولكنه لا يكرهها ايضا فحتى الان لم يعرف ما هي حقيقة مشاعره اتجاهها فهو لا يحب رؤيتها ولكنه يشتاق اليها حينما تغيب عنه ولا يحب التحدث اليها ولكنه يتوق لمراقبتها وهي تحاول ايصال فكرتها اليه , كان لا يحب اللعب معها او قضاء الوقت برفقتها ولكنه كان يفقد صوابه حينما يراها تتعلق بطفل غيره وخاصة من الذكور وكان دائما يتعارك معهم ويضربهم ويسحبها من شعرها ليعيدها الي المنزل بقوة , حتى انه في احدى المرات تدخلت لتساعد صديق كان قاسم يكيل اليه اللكمات والركلات وحينها جن جنونه اكثر ودفعها بقوة ليتابع ضرب صديقها وجراء دفعه لها اصطدم كتفها بقوة بحافة المكتب الحديدي وفزع قاسم لرؤية الدم الذي صبغ ملابسها الناصعة البياض ودموعها الصامتة المتالمة ونادى والدته التي اسرعت لاخذها الى المشفى فقد احتاجت الى ستة غرزات لقطب الجرح وقد شعر قاسم بالحزن والندم على تصرفه وكي لا يؤذيها صار يتجنبها دائما ويتجنب الشجار معها كي لا يتسبب في اذيتها وقد كانت الندبة فوق كتفها الايسر كفيلة بتذكيره بما تسبب به لها --والان هي ترتدي قميصا بلا اكمام لتظهر الندبة واضحة جدا لدرجة اعتصرت قلبه بشدة فقد كانت تحتضن دميتها وعيونها باكية تنتظر خروجه من المنزل بصبر فارغ وقلب متالم كانت مشاعره المتناقضة اتجاهها ترعبه وتشتته لذا فضل ان يتجنبها .
شعرت ماسة بيد تربت على كتفها وفي الحال التفتت اليه لتراه واقفا ينظر اليها بابتسامة رقيقة حانية وهذه كانت اول مرة يوجه لها مثل هذه الابتسامة , مسحت دموعها بسرعة وعبست بشدة وهي تشير الى جرس غرفتها المضيئ
- لما لم تضغط فوق الجرس ؟
كشر قاسم عن ابتسامة مشاكسة , انها تكابر وتكره ان يراها تبكي لاجله وتتظاهر بالقوة والغضب كي تشتته , فعشرتهما هذه السنين جعلته يفهمها جيدا ويفهم جميع تصرفاتها .
- لم اجد حاجة لذلك فهذا بيتي وادخل اينما شئت وقتما شئت ودون استئذان .
غضبت ماسة لرؤيتها ابتسامته الساخرة منها واستائت لانه شاهدها تبكي فرمت دميتها التي كانت تفضلها عن جميع العابها وامسكت به تدفعه خارج غرفها وهي تشير له بيديها .
- اخرج من غرفتي ، اذهب الى طائرتك وحلق بعيد عني ولا تعود الى هنا ابدا.
ولكنه تملص من يديها وركض بسرعة الى دب الباندا المسكين الذي القت به الى الارض واخذ يربت على راسه بحنان ممازحا اياها
- اه ولكن ما ذنب هذا المسكين لتصبي جام غضبك عليه ...انظري كم هو حزين ويتالم
اسرعت ماسة تنتزع منه الباندا بغضب وعادت لدفعه من جديد خارج غرفتها وهي تصدر اصواتا متذمرة غاضبة وحالما استطاعت اخراجه من غرفتها اقفلت الباب وارتكزت عليه بظهرها ووقعت عيناها على دب الباندا المبتسم لها باغاظة فانقضت عليه تضربه وتركله ومن ثم حملته بعد ان انتزعت عينه وشقت اذنه وسارعت لتبحث عن قاسم الذي نزل الدرجات مستسلما عائدا لسيارته التي ستقله الى المطار - وفجاة امسكت به من ذراعه تسحبه بشدة لينظر اليها وحالما التفت اليها القت الباندا بين يديه واخبرته بلغة الاشارة
-هذا المشوه ملكك لا اريده بعد الان ولا اريدك ان تعود الى هنا ابدا --انا اكرهك
وركضت باتجاه غرفتها مجددا ,قبل ان تغلق الباب بعنف اندفع قاسم خلفها ليمسك بها ويشدها بين احضانه بقوة صرخت ماسة وحاولت دفعه بعيدا بغضب شديد الا انه زاد من احتضانها وقيد حركاتها بعناقه المحكم واخذ يهدئها برقة ولطف وهو يمسد رأسها بيده بحنان
_ اششش ...اهدئي..اهدئي
وبالرغم من انه يعلم جيدا بأنها لا تسمعه ابدا الا انها استكانت بين يديه ومن ثم اجهشت بالبكاء وما عادت تحاول انتزاع نفسها منه وحالما احس بهدوئها ، ابعدها عنه قليلا لينظر الي وجهها الباكي وقام بمسح دموعها بظهر كفه فاحنت راسها لتخفي وجهها عنه ، امسك بذقنها ورفع وجهها اليه ليغرق في بحر عينيها الدامعتين و قال بابتسامة حانية
_ انتي ماستي الغالية هل تعرفين ذلك ...كوني على ثقة بأني سأعود لاجلك.
وطبع قبلة حانية فوق وجنتها الغارقة بالدموع ودون ان يعود للنظر اليها مرة اخرى سارع بالخروج من غرفتها، قام بوداع والديه و قبل ان يصعد الي السيارة ارتفعت عيونه الي نافذتها ليلقي عليها نظرة اخيرة ، ولكنه لم يراها و من حركة الستائر الخفيفة عرف انها تراقبه خفية من خلف الستائر ..رفع يديه نحوها بتحية وابتسامة جميلة ومن ثم اختفى داخل السيارة التي سرعان ما انطلقت لتتلاشى بين الزحام
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي