الفصل الثاني بائعة
الفصل الثاني
زهرة في مكب النفايات
عادت حنان للنظر الي صغيرها ، فعلا كانت مهمة شاقة قاسم لم ينسى شقيقته قط ، كان دائم السؤال عنها دائما يتنظر عودتها لا يكل ولا يمل ، ولم يكن باستطاعتهم تركه يختلط مع ابناء عمومته خوفا من ان يخطا احدا في الكلام عن الحادث حتى المدرسة لم يكن يذهب اليها فقد نصحهما الطبيب بالسفر الي الخارج بعيدا عن اجواء الحادث والاماكن التي كان يزورها مع شقيقته ميس وهذا ما فعله سالم فقد انهى جميع اعماله العالقة واخذ عائلته وسافر الي السعودية حيث قام بافتتاح مشروع جديد هناك ، وبالرغم من ذلك قاسم لم ينسى ميس وكان يترقب حضورها كل يوم ، فقد اغرقته والدته بالنشاطات المختلفة والرياضات المختلفة كركوب الخيل والسباحة وقد اتقنهما بمهارة رائعة ولكن في نهاية اليوم حينما كان يعود الي المنزل يسال والدته متى ستلحق بهم ميس فقد كذبو واخبروه بانها بعهدة عمها الى ان ينجزا اعمالهم وهي ستلحق بهم حينما ياتي الوقت المناسب وكل ما سالهم متى سيكون هذا الوقت كانت اجابتهم قريبا جدا باذن الله ، لكن قاسم شعر بانهما يخفيان عنه امرا ما لذا اصبح يفتعل معهم المشاكل ويشاكس المدرسين ويضرب الطلاب وحينما يسالونه عن سبب تصرفاته يخبرهم بكل بساطة.
- اكرهكم لانكم تكذبون.
ومن ثم يتركهم ويغلق على نفسه داخل غرفته لساعات طويلة واحيانا يرفض الطعام ويمتنع عن الحديث معهم مما ارهق والديه كثيرا جدا ، اقترحت حنان على زوجها ان يتبنو ولدا يكون شقيقا له ربما يستطيع اخراجه مما هو فيه ، فوافق الاب على مضض على امل ان يعود قاسم كما كان ولا يطالب بشقيقته المتوفاه مجددا ، كانا كل يوم يذهبان الى دار ايتام كي يجدا طفلا يقارب عمره لقاسم كي يستطيعا التواصل جيدا ولكن للاسف لم يجدو فاما كانو صغارا جدا او سلوكهم سيئا جدا وعدواني وبائت محاولتهم بالفشل ، في طريق العودة واثناء توقف السيارة بسبب الضوء الاحمر لشارة المرور طرقات صغيرة ضعيفة فوق النافذة جذبت انتباه حنان رفعت راسها لتصطدم بعينين لوزيتين واسعتين بلون العسل تنظران اليها برجاء صامت ، كانت فتاة صغيرة تقريبا تبلغ من العمر ثلاثة او اربعة سنوات ، تحمل بين ذراعيها باقة من الازهار الصناعية الحمراء والتي تبدو مكسرة ورديئة ، مدت الطفلة يدها بوردة حمراء رثة حالما فتحت حنان النافذة ، ونظرت الى الطفلة المسكينة التي كانت تنظر اليها برجاء وامل واستعطاف ، همست حنان برقة:
- هل تريدين مني ان اشتريها ؟!
لا اجابة ، فقط نظرات بريئة وابتسامة تذيب الحجر حثتها حنان على الرد:
- حسنا... سأشتريها ان اخبرتني باسمك..
ايضا لا اجابة والتعابير ذاتها لم تتغير ، دهشت حنان لصمت الفتاة الغريب ، فحاولت مرة اخرى علها تسمع صوتها.
- كم تريدين ثمنها ؟
ايضا لا اجابة ، عبست حنان بتساؤل ، ان ارادت بيع الورد كل ما عليها هو ان تجيب على السؤال ، لامر ليس صعبا ابدا ، او ربما انها ليست محتاجة ، عادت حنان بنظراتها الي الطفلة تتاملها من راسها حتى اخمص قدميها من المستحيل ان لا تكون محتاجة ، فملابسها الرثة الممزقة اكبر دليل على حاجتها ، فالبرغم من ان الطفلة كانت قذرة جدا الا ان هذا لم يؤثر على جمالها البريئ فقد كانت تمتلك عينان كعينان الغزال في صفائهما واتساعهما وبرائتهما وشفتين كحبات الكرز في لونهم واهداب طويلة تكاد تصل الى حاجبيها المرسومين بدقة تحت خصلات شعرها النافرة من ضفيرتها لتغطي جبهتها كانت الفتاة جميلة جدا ، فقرها لم ينقص شيئا من جمالها ، تحولت نظرات الطفلة الصغيرة الي يأس عندما تحول لون اشارات المرور من اللون الاحمر الى اللون الاخضر معلنا عن بدا حركة مرور السيارات وعلت صوت المزامير يحثون سالم على المسير كي يفتح الطريق لغيره من السائقين ، و اتى شرطي المرور ليسحب الفتاة الصغيرة عن النافذة ويبعدها وهو يصرخ بها بشدة حانقا.
- ان استمريتي في فعل هذا سوف تجدين نفسك يوما ما تحت عجلات سيارة مسرعة لا ترحم --لا ادري كيف عائلتك لا تابه لامرك --اللعنة عليهم.
وحالما ابتعدت الطفلة قاد سالم السيارة مبتعدا ولم يكن يعلم شيئا مما يدور داخل زوجته من معركة هوجاء --تتمنى لو زوجها يتوقف لتعود وتشتري الورود من تلك المسكينة ولكن هيهات فقد ابتعد سالم واختفت الطفلة عن انظارها --ولكن حنان لم تنسى الطفلة ابدا فقد لاحقتها نظراتها اليائسة في كل مكان حتى انها راتها في احلامها تعاتبها وتلومها لانها لم تشتري منها الازهار --لذا ظلت حنان تعود لنفس المكان علها تجدها --تريد ان تشتري منها بعض الازهار كي يتوقف طيفها عن ملاحقتها --فهي لم تصارح زوجها بشعورها هذا --فقط لم ترد ان تضيق عليه وتزعجه بمشاعرها المرهفة لذا جعلت هذا المكان مزارها كل يوم برفقة سائقها الخاص تطلب منه يدور في نفس المكان علها تجدها --الى ان راتها --نفس الازهار الرديئة والملابس الرثة --والابتسامة الرائعة لم تفارق شفتيها --بسرعة انزلت زجاج نافذتها ونادت عليها --ولكن الفتاة لم تجيب ولم تلتفت --كل ما فعلته هو الالتصاق بنوافذ السيارات واقحام ورودها الرثة من النافذة في محاولة يائسة لبيعها --ولكن كل ما كانت تتلقاه هو شتائم الناس لها ودفعها بقوة بعيدا عن نوافذ سيارتهم خوفا من اتساخها--شعرت حنان بالغضب والاسى على تلك الصغيرة المسكينة --واندفعت تفتح باب سيارتها وركضت اليها ساعدتها على النهوض واخبرتها بانها ستشتري منها جميع الازهار وحاولت اقناعها بركوب سيارتها --ولكن الطفلة الصغيرة شعرت بالخوف وبسرعة التفت هاربة بين السيارات الواقفة واختفت بعيدا عن انظار حنان المصدومة --اجل الطفلة محقة في تصرفها --بالتاكيد اخبروها ان لا تستمع الى الغرباء وتهرب عندما يحاولون التقرب منها باي طريقة من الطرق --ابتسمت حنان بسعادة --هذه الطفلة شجاعة وذكية --فبالرغم من وعدها لها بشراء جميع الازهار منها الا انها لم تسلم جانبها وظلت على حذرها --تنهدت حنان باسف فقد كانت ترغب حقا بمساعدتها --ولكن لم يكن هناك نصيبا هذه المرة ايضا --عادت الي سيارتها وانطلقت الي المنزل --ولكن حنان لم تستطع اخراج الطفلة من عقلها او قلبها --تلك الطفلة ظلت تظهر بمخيلتها طوال الوقت كضوء الفلاش الوهاج الذي يؤذي النظر --ولكن هذه المرة كانت خيالاتها مؤلمة --اذ ربطت صورتها وابتسامتها بصورة ميس وابتسامتها فقد اضحت كلما تذكرت ميس تتذكر تلك الطفلة ايضا في نفس اللحظة وكانهما مرتبطتان ببعضهما البعض لا تفارق احداهما الاخرى --وعادت حنان مرة اخرى الى نفس المكان برفقة سائقها ولكن هذه المرة حالما وقع نظرها عليها نزلت من سيارتها وطلبت من السائق ان يعود للبيت دونها واتبعت خطوات الطفلة الصغيرة تراقب تحركاتها وماذا تفعل --كانت تنتقل من سيارة الى اخرى ومن شخص الي اخر تعرض عليه زهورها الصناعية --وللاسف لم يحالفها الحظ ببيع اي منها وشعرت بالالم لاجلها --غادرت جميع السيارات --وجرت الفتاة اذيال الخيبة متجهة الى شجرة تساقطت اوراقها لتستظل بظلها لحين توقف السيارات مرة اخرى لتعود وتحاول من جديد بيعهم ازهارها --اقتربت حنان منها وقد امسكت بيدها ثمن الازهار--وحالما وقع ظلها فوق الطفلة --ارتفعت عيونها اللوزية لترى صاحب الظل --ورات الخوف في عينين الطفلة --وشعرت بالم في قلبها --انها المرة الوحيدة التي تشعر بها بعذاب هذه الطفلة البريئة --ترى ما الذي تعرضت له كي تشعر بكل هذا الخوف منها --ركعت حنان على ركبتيها لتستطيع التواصل جيدا مع الطفلة دون ان تخيفها وهمست برقة.
- هلا اعطيتني بعض الازهار؟!
وحينما لم تجبها مدت لها يدها ببضع اوراق نقدية وهمست.
- انا لا اعرف كم ثمنها لذا --تفضلي هذا هو المال --اريد شراء جميع الازهار --هل تسمحين لي بذلك؟
واضح جدا ان الطفلة الصغيرة لم تفهم تماما ما قالته ولكن نظراتها تركزت على الاوراق النقدية التي في يدها ومن ثم نظرت خلف حنان لتتاكد بانها وحدها دون سيارتها التي قد تحاول اختطافها بواسطتها --وحينما اطمانت لعدم وجودها --عادت لتتفقد المال بيد حنان وقد اتسعت عيناها بريبة وامل --رفعت نظرها الي حنان واشارت الى ازهارها تسالها ان كانت تنوي حقا شرائها ولكن دون ان تفتح فمها بكلمة واحدة --ابتسمت حنان وهزت براسها موافقة وقالت برقة:
- اجل --اريد شراء ازهارك كلها --هل يكفى هذا المال؟!
الفتاة الصغيرة لم تصدق نفسها مدت يدها بعد تردد قليل واخذت المال من يد حنان وقد كان المبلغ اكثر بكثير من ثمن الازهار لذا عمدت لخصم ثمن الازهار ومن ثم اعادت باقي المال مع الازهار الى حنان وهربت من امامها مسرعة --ولكن كانت سعيدة جدا --فقد عرفت حنان ذلك من ابتسامتها الواسعة التي ارتسمت فوق شفتيها حالما حصلت على المال.
ومن يومها دأبت حنان لمعرفة كل ما يخص هذه الصغيرة فقد دخلت قلبها بسرعة كبيرة وارادت لها الخير وكم تمنت لو كانت وحيدة دون عائلة كي تضمها لعائلتها وتحتويها وتوفر لها كل ما تحتاجه ، ولكن اكتشفت بان تلك الصغيرة تعيش مع والدها و زوجته وان امها توفت قبل عام واحد فقط نتيجة سطو بعض اللصوص على منزلها وقد ابرحوها ضربا حتى لفظت انفاسها الاخيرة امام طفلتها ماسة التي كانت تبلغ من العمر ٣ اعوام فقط ، وهذا جعل ماسة تعاني من صدمة نفسية افقدتها الكلام والسمع ، واكتشفت ايضا بأن والدها سكيرا رعديدا سيء الخلق والأخلاق يضربها ويعذبها ويهينها ويجبرها على العمل كي توفر له السم الذي يشربه وان عادت بدون مال يطردها خارج البيت ولا يسال عنها بالايام والاسابيع ، ولكنها كانت دائما تعود بعد تغيبها بالقليل من المال الذي جنته بعرق جبينها كي تعطيه لوالدها الاخرق ويعفو عنها ويسمح لها بالمبيت داخل بيته المتهالك ، تقطع قلب حنان عليها لذا ، في احدى المرات ذهبت لزيارة والد ماسة ، وفوجئت بحال البيت السيئة والبيئة الغير صحية التي تعيش فيها ماسة ، وسط عائلة لا تهتم لامرها ابدا ، كانت تقف خارج البيت مترددة من طرق الباب ، ولوهلة ارادت العودة من حيث أتت ولكن اندفاع ماسة المفاجىء وتعلقها بثوبها بشدة جعلها تتسمر في مكانها ، لتظهر بعد ذلك خلفها امرأة حانقة غاضبة رثة المظهر حادة الملامح تحمل بيد خيزرانة وفي اليد الاخرى تعلق على خاصرتها طفل لم يتجاوز عمره العام الواحد تقريبا، واخدت تلوح بعصاتها تتهدد وتتوعد ماسة بأشد انواع العقوبات، نظرت حنان الي عينان ماسة الدامعة وجسدها الصغير المرتعش ، وانتفض قلبها غضبا والما حين رات الكدمات الحمراء والزرقاء تكسو ذراعيها و عنقها اثر ضربات الخيزران ، والذي يستعمل عادة لضرب الدواب للسيطرة عليها ، اعتصر قلب حنان عليها حزنا واضح ان هذه الطفلة تعاني اكثر مما يفوق عمرها والمسكينة لا تستطيع الكلام او الشكوى --تركتها حنان تختفي خلفها ووقفت بمواجهة المراة الغاضبة --والتي حالما وقعت عينيها على حنان بدات تغير اسلوبها وتلين قليلا وانطلقت الكلمات المتلعثمة من شفتيها تبرر هجومها على الطفلة المسكينة.
- اوه سيدتي --هذه الطفلة المشاكسة دائمة المشاكل تخيلى انها قامت بصفع اخيها الصغير بقسوة--لقد حذرتها مرارا وتكرارا ولكنها لا تسمع الكلام.
عبست حنان - من الواضح ان هذه المراة اعتادت التبلي على الطفلة بسهولة وثقة - فماسة لا يمكنها الدفاع عن نفسها بكل الاحوال لذا بامكانها ان تلقي عليها جميع الاتهمات دون ان يرف لها جفن - سالت حنان بلطف.
- هل هي ابنتك؟!
نفت المراة بسرعة مستنكرة:
- ابنتي --حاشا الله ان انجب مثل هذه الطفلة--ولكني زوجة ابيها واحاول تهذيبها على قدر ما استطيع --ولكن على ما يبدو انها اخذت طبع والدتها --لذا لا امل فيها.
هزت حنان راسها رافضة اسلوب هذه المراة بالحديث عن طفلة صغيرة لم تتجاوز الثالثة من عمرها - وعادت بنظراتها الى ماسة الخائفة المختبئة خلفها تحتمي بها ورق قلب حنان لحالها --وهذا كان سيئا --فحنان يجب ان لا تتعلق بهذه الطفلة --ولكن على ما يبدو ان كل ما تفعله هو التعلق بها رغما عنها - وكلما عرفت عنها اكثر كلما تعلقت بها اكثر - تنهدت حنان --عليها ان تفعل شيئا لمساعدتها والا لن تفارق هذه الطفلة خيالها واحلامها ابدا --عادت تلك المراة تتحدث بلطف.
- انتي لست من هنا --اليس كذلك؟! --هل تبحثين عن احد؟! --هل انتي تائهة؟! --فمنطقتنا لا ياتي اليها الكثير من الناس الاثرياء امثالك.
ارتفع حاجبا حنان بدهشة --واضح جدا على هذه المراة مهما حاولت ان تبدو لطيفة واضح عليها اللؤم --حنان لها نظرة ثاقبة في البشر ونادرا ما تخطئ --وهي تشعر بان هذه المراة ليست سوية ابدا --حسنا سوف تتعامل مع الامر وكانها مرت صدفة ولم تاتي مخصوص لاجل ماسة - فواضح على هذه المراة انها لا تحبها ولا تعاملها جيدا --فان شعرت باني احسن الى ماسة وانحاز عليها ربما تسيئ معاملتها اكثر --رسمت على شفتيها ابتسامة لطيفة وقالت:
- اخبروني ان هنا الكثير من العائلات العفيفة تحتاج لمساعدة --وانا كل عام اتكفل عائلة لمساعدتها --وعلى ما يبدو ان القدر ساقني اليكم كي اقوم بالمساعدة اذا كنتم بحاجة لها.
لمعت عينان المراة بجشع واضح للحظة ومن ثم تصنعت البؤس والحزن وبدات تستعطف حنان بكلماتها المعسولة ودعاؤها الواضح انه لا يخرج من قلبها ابدا بل بالكاد يتجاوز لسانها.
- فليشهد الله اننا باشد الحاجة الى المساعدة --فنحن عائلة مكونة من 6 اشخاص وبالكاد نجد قوت يومنا - فكما تعلمين ان الاطفال بحاجة الى ملابس وطعام صحي عدا عن تكاليف الدراسة ، وهذا الطفل الصغير انظري اليه فهو بحاجة الى الحليب المغذي فانا تغذيتي سيئة وطفلي صحته سيئة لانه يفتقد العناصر الغذائية المفيدة.
قاطعتها حنان --فهي لم تحب ابدا هذا النوع من استعطاف الناس المتملق --فحنان كل ما ارادته هو مساعدة ماسة بغض النظر عن الظروف التي تمر بها.
- هل هذه الصغيرة تذهب الي المدرسة ؟
وكانت تعني ماسة بالطبع :
هزت راسها نافية وهي تنظر الي ماسة بغضب
- لم يحن بعد موعد دخولها للمدرسة --ثم انها بكماء --لن تفيدها الدراسة في شيئ فهي لن تسمع ولن تفهم --انا لدي طفلان اخران انهما الان بالمدرسة وسيصلان باي لحظة الان --هما طفلان ذكيان جدا ولكن الحظ لما يحالفهم .
ارتفع حاجبا حنان بتساؤل :
- ووالدهم ماذا يعمل؟!
تذمرت المراة بشدة وهي تندب حظها السيئ بمبالغة جعلت حنان تشعر بالغثيان.
- والدهم لا يابه سوى لنفسه --فقد سافر للعمل بالخارج وطلقني ولا يرسل المال لاطفاله --لقد اضطررت للعمل كخادمة كي استطيع تربيتهم --لقد تزوجت بوالد هذه الشقية على امل ان يساعدني ويهتم بي وباطفالي --ولكني اكتشفت بانه يريدني لاربي له ابنته واخدمه فهو عاطل عن العمل ويمضي اغلب النهار بالخارج ولا يسال حتى عن طفلته --انني ذات حظ سيئ وقد ارسلك الله لنا لانتشالنا من هذا البؤس.
لم يكن لدى حنان خيار اخر فان ارادت مساعدة الصغيرة هذا سيكون من خلال هذه المراة --صحيح ان الطفلة بكماء ولكن هناك مدارس مخصصة لهذه الحالات الخاصة --وستعمل حنان جاهدة كي تنال هذه الطفلة المسكينة جميع حقوقها --اخرجت من حقيبتها مبلغ من المال وكان كافيا لشراء جميع احتياجات البيت الاساسية والثانوية حتى انه يكفي ايضا لشراء الملابس والمستلزمات الدراسية --واعطته للمراة التي تقريبا سقط فكها بصدمة وجشع لرؤية المال اذ انها سارعت بسحبه من يد حنان بفظاظة وكانها كانت تخشى ان تغير رايها واخذت تعده وهي تكاد لا تصدق ما حصلت عليه وفي نفس الوقت تدعو لحنان ادعيتها التي لم تشعر حنان بصدقها ابدا
- فليجعل الله هذا في ميزان حسناتك --ان الله ارسلك الينا لانه يعلم اننا اكثر الناس حاجة لهذا المال --سادعو لكي ليلا نهارا ان يرزقك الله كما رزقتنا --فوالله مالك هذه لن يذهب الا لاجل الاطفال المساكين --فليباركك الله وليجازيكي كل خير.
- جيد --اتمنى ان تعتني بالاطفال جيدا --فهم نعمة من الله اما بالنسبة لهذه الطفلة --فانتي محقة هي بحاجة لمدرسة خاصة نظرا لوضعها لذا ساتي بالغد لاصطحبها الى مدرسة خاصة ساسجلها بها كي تستطيع تعلم الدروس وكل ما تحتاج اليه وايضا ستتعلم لغة الصم والبكم كي تستطيع ان تجابه الحياة في المستقبل ، فمن الظلم تركها دون تعليم فقط لان المدارس العادية لن تقبل بها .
هزت المراة بسرعة راسها موافقة تريد كسب ود حنان وتستحوذ على اهتمامها.
- بالتاكيد انتي محقة -- ان والدها المسكين لا يستطيع دفع تكاليف المدارس الخصوصية --ولكن بالتاكيد بمساعدتك سوف يتسنى لها ذلك --بارك الله بكي وجعله في ميزان حسناتك بإذن الله.
وفارقتها حنان بعد ان ودعت الصغيرة ووعدتها بان تعود من اجلها لاحقا لتاخذها الي المدرسة .
زهرة في مكب النفايات
عادت حنان للنظر الي صغيرها ، فعلا كانت مهمة شاقة قاسم لم ينسى شقيقته قط ، كان دائم السؤال عنها دائما يتنظر عودتها لا يكل ولا يمل ، ولم يكن باستطاعتهم تركه يختلط مع ابناء عمومته خوفا من ان يخطا احدا في الكلام عن الحادث حتى المدرسة لم يكن يذهب اليها فقد نصحهما الطبيب بالسفر الي الخارج بعيدا عن اجواء الحادث والاماكن التي كان يزورها مع شقيقته ميس وهذا ما فعله سالم فقد انهى جميع اعماله العالقة واخذ عائلته وسافر الي السعودية حيث قام بافتتاح مشروع جديد هناك ، وبالرغم من ذلك قاسم لم ينسى ميس وكان يترقب حضورها كل يوم ، فقد اغرقته والدته بالنشاطات المختلفة والرياضات المختلفة كركوب الخيل والسباحة وقد اتقنهما بمهارة رائعة ولكن في نهاية اليوم حينما كان يعود الي المنزل يسال والدته متى ستلحق بهم ميس فقد كذبو واخبروه بانها بعهدة عمها الى ان ينجزا اعمالهم وهي ستلحق بهم حينما ياتي الوقت المناسب وكل ما سالهم متى سيكون هذا الوقت كانت اجابتهم قريبا جدا باذن الله ، لكن قاسم شعر بانهما يخفيان عنه امرا ما لذا اصبح يفتعل معهم المشاكل ويشاكس المدرسين ويضرب الطلاب وحينما يسالونه عن سبب تصرفاته يخبرهم بكل بساطة.
- اكرهكم لانكم تكذبون.
ومن ثم يتركهم ويغلق على نفسه داخل غرفته لساعات طويلة واحيانا يرفض الطعام ويمتنع عن الحديث معهم مما ارهق والديه كثيرا جدا ، اقترحت حنان على زوجها ان يتبنو ولدا يكون شقيقا له ربما يستطيع اخراجه مما هو فيه ، فوافق الاب على مضض على امل ان يعود قاسم كما كان ولا يطالب بشقيقته المتوفاه مجددا ، كانا كل يوم يذهبان الى دار ايتام كي يجدا طفلا يقارب عمره لقاسم كي يستطيعا التواصل جيدا ولكن للاسف لم يجدو فاما كانو صغارا جدا او سلوكهم سيئا جدا وعدواني وبائت محاولتهم بالفشل ، في طريق العودة واثناء توقف السيارة بسبب الضوء الاحمر لشارة المرور طرقات صغيرة ضعيفة فوق النافذة جذبت انتباه حنان رفعت راسها لتصطدم بعينين لوزيتين واسعتين بلون العسل تنظران اليها برجاء صامت ، كانت فتاة صغيرة تقريبا تبلغ من العمر ثلاثة او اربعة سنوات ، تحمل بين ذراعيها باقة من الازهار الصناعية الحمراء والتي تبدو مكسرة ورديئة ، مدت الطفلة يدها بوردة حمراء رثة حالما فتحت حنان النافذة ، ونظرت الى الطفلة المسكينة التي كانت تنظر اليها برجاء وامل واستعطاف ، همست حنان برقة:
- هل تريدين مني ان اشتريها ؟!
لا اجابة ، فقط نظرات بريئة وابتسامة تذيب الحجر حثتها حنان على الرد:
- حسنا... سأشتريها ان اخبرتني باسمك..
ايضا لا اجابة والتعابير ذاتها لم تتغير ، دهشت حنان لصمت الفتاة الغريب ، فحاولت مرة اخرى علها تسمع صوتها.
- كم تريدين ثمنها ؟
ايضا لا اجابة ، عبست حنان بتساؤل ، ان ارادت بيع الورد كل ما عليها هو ان تجيب على السؤال ، لامر ليس صعبا ابدا ، او ربما انها ليست محتاجة ، عادت حنان بنظراتها الي الطفلة تتاملها من راسها حتى اخمص قدميها من المستحيل ان لا تكون محتاجة ، فملابسها الرثة الممزقة اكبر دليل على حاجتها ، فالبرغم من ان الطفلة كانت قذرة جدا الا ان هذا لم يؤثر على جمالها البريئ فقد كانت تمتلك عينان كعينان الغزال في صفائهما واتساعهما وبرائتهما وشفتين كحبات الكرز في لونهم واهداب طويلة تكاد تصل الى حاجبيها المرسومين بدقة تحت خصلات شعرها النافرة من ضفيرتها لتغطي جبهتها كانت الفتاة جميلة جدا ، فقرها لم ينقص شيئا من جمالها ، تحولت نظرات الطفلة الصغيرة الي يأس عندما تحول لون اشارات المرور من اللون الاحمر الى اللون الاخضر معلنا عن بدا حركة مرور السيارات وعلت صوت المزامير يحثون سالم على المسير كي يفتح الطريق لغيره من السائقين ، و اتى شرطي المرور ليسحب الفتاة الصغيرة عن النافذة ويبعدها وهو يصرخ بها بشدة حانقا.
- ان استمريتي في فعل هذا سوف تجدين نفسك يوما ما تحت عجلات سيارة مسرعة لا ترحم --لا ادري كيف عائلتك لا تابه لامرك --اللعنة عليهم.
وحالما ابتعدت الطفلة قاد سالم السيارة مبتعدا ولم يكن يعلم شيئا مما يدور داخل زوجته من معركة هوجاء --تتمنى لو زوجها يتوقف لتعود وتشتري الورود من تلك المسكينة ولكن هيهات فقد ابتعد سالم واختفت الطفلة عن انظارها --ولكن حنان لم تنسى الطفلة ابدا فقد لاحقتها نظراتها اليائسة في كل مكان حتى انها راتها في احلامها تعاتبها وتلومها لانها لم تشتري منها الازهار --لذا ظلت حنان تعود لنفس المكان علها تجدها --تريد ان تشتري منها بعض الازهار كي يتوقف طيفها عن ملاحقتها --فهي لم تصارح زوجها بشعورها هذا --فقط لم ترد ان تضيق عليه وتزعجه بمشاعرها المرهفة لذا جعلت هذا المكان مزارها كل يوم برفقة سائقها الخاص تطلب منه يدور في نفس المكان علها تجدها --الى ان راتها --نفس الازهار الرديئة والملابس الرثة --والابتسامة الرائعة لم تفارق شفتيها --بسرعة انزلت زجاج نافذتها ونادت عليها --ولكن الفتاة لم تجيب ولم تلتفت --كل ما فعلته هو الالتصاق بنوافذ السيارات واقحام ورودها الرثة من النافذة في محاولة يائسة لبيعها --ولكن كل ما كانت تتلقاه هو شتائم الناس لها ودفعها بقوة بعيدا عن نوافذ سيارتهم خوفا من اتساخها--شعرت حنان بالغضب والاسى على تلك الصغيرة المسكينة --واندفعت تفتح باب سيارتها وركضت اليها ساعدتها على النهوض واخبرتها بانها ستشتري منها جميع الازهار وحاولت اقناعها بركوب سيارتها --ولكن الطفلة الصغيرة شعرت بالخوف وبسرعة التفت هاربة بين السيارات الواقفة واختفت بعيدا عن انظار حنان المصدومة --اجل الطفلة محقة في تصرفها --بالتاكيد اخبروها ان لا تستمع الى الغرباء وتهرب عندما يحاولون التقرب منها باي طريقة من الطرق --ابتسمت حنان بسعادة --هذه الطفلة شجاعة وذكية --فبالرغم من وعدها لها بشراء جميع الازهار منها الا انها لم تسلم جانبها وظلت على حذرها --تنهدت حنان باسف فقد كانت ترغب حقا بمساعدتها --ولكن لم يكن هناك نصيبا هذه المرة ايضا --عادت الي سيارتها وانطلقت الي المنزل --ولكن حنان لم تستطع اخراج الطفلة من عقلها او قلبها --تلك الطفلة ظلت تظهر بمخيلتها طوال الوقت كضوء الفلاش الوهاج الذي يؤذي النظر --ولكن هذه المرة كانت خيالاتها مؤلمة --اذ ربطت صورتها وابتسامتها بصورة ميس وابتسامتها فقد اضحت كلما تذكرت ميس تتذكر تلك الطفلة ايضا في نفس اللحظة وكانهما مرتبطتان ببعضهما البعض لا تفارق احداهما الاخرى --وعادت حنان مرة اخرى الى نفس المكان برفقة سائقها ولكن هذه المرة حالما وقع نظرها عليها نزلت من سيارتها وطلبت من السائق ان يعود للبيت دونها واتبعت خطوات الطفلة الصغيرة تراقب تحركاتها وماذا تفعل --كانت تنتقل من سيارة الى اخرى ومن شخص الي اخر تعرض عليه زهورها الصناعية --وللاسف لم يحالفها الحظ ببيع اي منها وشعرت بالالم لاجلها --غادرت جميع السيارات --وجرت الفتاة اذيال الخيبة متجهة الى شجرة تساقطت اوراقها لتستظل بظلها لحين توقف السيارات مرة اخرى لتعود وتحاول من جديد بيعهم ازهارها --اقتربت حنان منها وقد امسكت بيدها ثمن الازهار--وحالما وقع ظلها فوق الطفلة --ارتفعت عيونها اللوزية لترى صاحب الظل --ورات الخوف في عينين الطفلة --وشعرت بالم في قلبها --انها المرة الوحيدة التي تشعر بها بعذاب هذه الطفلة البريئة --ترى ما الذي تعرضت له كي تشعر بكل هذا الخوف منها --ركعت حنان على ركبتيها لتستطيع التواصل جيدا مع الطفلة دون ان تخيفها وهمست برقة.
- هلا اعطيتني بعض الازهار؟!
وحينما لم تجبها مدت لها يدها ببضع اوراق نقدية وهمست.
- انا لا اعرف كم ثمنها لذا --تفضلي هذا هو المال --اريد شراء جميع الازهار --هل تسمحين لي بذلك؟
واضح جدا ان الطفلة الصغيرة لم تفهم تماما ما قالته ولكن نظراتها تركزت على الاوراق النقدية التي في يدها ومن ثم نظرت خلف حنان لتتاكد بانها وحدها دون سيارتها التي قد تحاول اختطافها بواسطتها --وحينما اطمانت لعدم وجودها --عادت لتتفقد المال بيد حنان وقد اتسعت عيناها بريبة وامل --رفعت نظرها الي حنان واشارت الى ازهارها تسالها ان كانت تنوي حقا شرائها ولكن دون ان تفتح فمها بكلمة واحدة --ابتسمت حنان وهزت براسها موافقة وقالت برقة:
- اجل --اريد شراء ازهارك كلها --هل يكفى هذا المال؟!
الفتاة الصغيرة لم تصدق نفسها مدت يدها بعد تردد قليل واخذت المال من يد حنان وقد كان المبلغ اكثر بكثير من ثمن الازهار لذا عمدت لخصم ثمن الازهار ومن ثم اعادت باقي المال مع الازهار الى حنان وهربت من امامها مسرعة --ولكن كانت سعيدة جدا --فقد عرفت حنان ذلك من ابتسامتها الواسعة التي ارتسمت فوق شفتيها حالما حصلت على المال.
ومن يومها دأبت حنان لمعرفة كل ما يخص هذه الصغيرة فقد دخلت قلبها بسرعة كبيرة وارادت لها الخير وكم تمنت لو كانت وحيدة دون عائلة كي تضمها لعائلتها وتحتويها وتوفر لها كل ما تحتاجه ، ولكن اكتشفت بان تلك الصغيرة تعيش مع والدها و زوجته وان امها توفت قبل عام واحد فقط نتيجة سطو بعض اللصوص على منزلها وقد ابرحوها ضربا حتى لفظت انفاسها الاخيرة امام طفلتها ماسة التي كانت تبلغ من العمر ٣ اعوام فقط ، وهذا جعل ماسة تعاني من صدمة نفسية افقدتها الكلام والسمع ، واكتشفت ايضا بأن والدها سكيرا رعديدا سيء الخلق والأخلاق يضربها ويعذبها ويهينها ويجبرها على العمل كي توفر له السم الذي يشربه وان عادت بدون مال يطردها خارج البيت ولا يسال عنها بالايام والاسابيع ، ولكنها كانت دائما تعود بعد تغيبها بالقليل من المال الذي جنته بعرق جبينها كي تعطيه لوالدها الاخرق ويعفو عنها ويسمح لها بالمبيت داخل بيته المتهالك ، تقطع قلب حنان عليها لذا ، في احدى المرات ذهبت لزيارة والد ماسة ، وفوجئت بحال البيت السيئة والبيئة الغير صحية التي تعيش فيها ماسة ، وسط عائلة لا تهتم لامرها ابدا ، كانت تقف خارج البيت مترددة من طرق الباب ، ولوهلة ارادت العودة من حيث أتت ولكن اندفاع ماسة المفاجىء وتعلقها بثوبها بشدة جعلها تتسمر في مكانها ، لتظهر بعد ذلك خلفها امرأة حانقة غاضبة رثة المظهر حادة الملامح تحمل بيد خيزرانة وفي اليد الاخرى تعلق على خاصرتها طفل لم يتجاوز عمره العام الواحد تقريبا، واخدت تلوح بعصاتها تتهدد وتتوعد ماسة بأشد انواع العقوبات، نظرت حنان الي عينان ماسة الدامعة وجسدها الصغير المرتعش ، وانتفض قلبها غضبا والما حين رات الكدمات الحمراء والزرقاء تكسو ذراعيها و عنقها اثر ضربات الخيزران ، والذي يستعمل عادة لضرب الدواب للسيطرة عليها ، اعتصر قلب حنان عليها حزنا واضح ان هذه الطفلة تعاني اكثر مما يفوق عمرها والمسكينة لا تستطيع الكلام او الشكوى --تركتها حنان تختفي خلفها ووقفت بمواجهة المراة الغاضبة --والتي حالما وقعت عينيها على حنان بدات تغير اسلوبها وتلين قليلا وانطلقت الكلمات المتلعثمة من شفتيها تبرر هجومها على الطفلة المسكينة.
- اوه سيدتي --هذه الطفلة المشاكسة دائمة المشاكل تخيلى انها قامت بصفع اخيها الصغير بقسوة--لقد حذرتها مرارا وتكرارا ولكنها لا تسمع الكلام.
عبست حنان - من الواضح ان هذه المراة اعتادت التبلي على الطفلة بسهولة وثقة - فماسة لا يمكنها الدفاع عن نفسها بكل الاحوال لذا بامكانها ان تلقي عليها جميع الاتهمات دون ان يرف لها جفن - سالت حنان بلطف.
- هل هي ابنتك؟!
نفت المراة بسرعة مستنكرة:
- ابنتي --حاشا الله ان انجب مثل هذه الطفلة--ولكني زوجة ابيها واحاول تهذيبها على قدر ما استطيع --ولكن على ما يبدو انها اخذت طبع والدتها --لذا لا امل فيها.
هزت حنان راسها رافضة اسلوب هذه المراة بالحديث عن طفلة صغيرة لم تتجاوز الثالثة من عمرها - وعادت بنظراتها الى ماسة الخائفة المختبئة خلفها تحتمي بها ورق قلب حنان لحالها --وهذا كان سيئا --فحنان يجب ان لا تتعلق بهذه الطفلة --ولكن على ما يبدو ان كل ما تفعله هو التعلق بها رغما عنها - وكلما عرفت عنها اكثر كلما تعلقت بها اكثر - تنهدت حنان --عليها ان تفعل شيئا لمساعدتها والا لن تفارق هذه الطفلة خيالها واحلامها ابدا --عادت تلك المراة تتحدث بلطف.
- انتي لست من هنا --اليس كذلك؟! --هل تبحثين عن احد؟! --هل انتي تائهة؟! --فمنطقتنا لا ياتي اليها الكثير من الناس الاثرياء امثالك.
ارتفع حاجبا حنان بدهشة --واضح جدا على هذه المراة مهما حاولت ان تبدو لطيفة واضح عليها اللؤم --حنان لها نظرة ثاقبة في البشر ونادرا ما تخطئ --وهي تشعر بان هذه المراة ليست سوية ابدا --حسنا سوف تتعامل مع الامر وكانها مرت صدفة ولم تاتي مخصوص لاجل ماسة - فواضح على هذه المراة انها لا تحبها ولا تعاملها جيدا --فان شعرت باني احسن الى ماسة وانحاز عليها ربما تسيئ معاملتها اكثر --رسمت على شفتيها ابتسامة لطيفة وقالت:
- اخبروني ان هنا الكثير من العائلات العفيفة تحتاج لمساعدة --وانا كل عام اتكفل عائلة لمساعدتها --وعلى ما يبدو ان القدر ساقني اليكم كي اقوم بالمساعدة اذا كنتم بحاجة لها.
لمعت عينان المراة بجشع واضح للحظة ومن ثم تصنعت البؤس والحزن وبدات تستعطف حنان بكلماتها المعسولة ودعاؤها الواضح انه لا يخرج من قلبها ابدا بل بالكاد يتجاوز لسانها.
- فليشهد الله اننا باشد الحاجة الى المساعدة --فنحن عائلة مكونة من 6 اشخاص وبالكاد نجد قوت يومنا - فكما تعلمين ان الاطفال بحاجة الى ملابس وطعام صحي عدا عن تكاليف الدراسة ، وهذا الطفل الصغير انظري اليه فهو بحاجة الى الحليب المغذي فانا تغذيتي سيئة وطفلي صحته سيئة لانه يفتقد العناصر الغذائية المفيدة.
قاطعتها حنان --فهي لم تحب ابدا هذا النوع من استعطاف الناس المتملق --فحنان كل ما ارادته هو مساعدة ماسة بغض النظر عن الظروف التي تمر بها.
- هل هذه الصغيرة تذهب الي المدرسة ؟
وكانت تعني ماسة بالطبع :
هزت راسها نافية وهي تنظر الي ماسة بغضب
- لم يحن بعد موعد دخولها للمدرسة --ثم انها بكماء --لن تفيدها الدراسة في شيئ فهي لن تسمع ولن تفهم --انا لدي طفلان اخران انهما الان بالمدرسة وسيصلان باي لحظة الان --هما طفلان ذكيان جدا ولكن الحظ لما يحالفهم .
ارتفع حاجبا حنان بتساؤل :
- ووالدهم ماذا يعمل؟!
تذمرت المراة بشدة وهي تندب حظها السيئ بمبالغة جعلت حنان تشعر بالغثيان.
- والدهم لا يابه سوى لنفسه --فقد سافر للعمل بالخارج وطلقني ولا يرسل المال لاطفاله --لقد اضطررت للعمل كخادمة كي استطيع تربيتهم --لقد تزوجت بوالد هذه الشقية على امل ان يساعدني ويهتم بي وباطفالي --ولكني اكتشفت بانه يريدني لاربي له ابنته واخدمه فهو عاطل عن العمل ويمضي اغلب النهار بالخارج ولا يسال حتى عن طفلته --انني ذات حظ سيئ وقد ارسلك الله لنا لانتشالنا من هذا البؤس.
لم يكن لدى حنان خيار اخر فان ارادت مساعدة الصغيرة هذا سيكون من خلال هذه المراة --صحيح ان الطفلة بكماء ولكن هناك مدارس مخصصة لهذه الحالات الخاصة --وستعمل حنان جاهدة كي تنال هذه الطفلة المسكينة جميع حقوقها --اخرجت من حقيبتها مبلغ من المال وكان كافيا لشراء جميع احتياجات البيت الاساسية والثانوية حتى انه يكفي ايضا لشراء الملابس والمستلزمات الدراسية --واعطته للمراة التي تقريبا سقط فكها بصدمة وجشع لرؤية المال اذ انها سارعت بسحبه من يد حنان بفظاظة وكانها كانت تخشى ان تغير رايها واخذت تعده وهي تكاد لا تصدق ما حصلت عليه وفي نفس الوقت تدعو لحنان ادعيتها التي لم تشعر حنان بصدقها ابدا
- فليجعل الله هذا في ميزان حسناتك --ان الله ارسلك الينا لانه يعلم اننا اكثر الناس حاجة لهذا المال --سادعو لكي ليلا نهارا ان يرزقك الله كما رزقتنا --فوالله مالك هذه لن يذهب الا لاجل الاطفال المساكين --فليباركك الله وليجازيكي كل خير.
- جيد --اتمنى ان تعتني بالاطفال جيدا --فهم نعمة من الله اما بالنسبة لهذه الطفلة --فانتي محقة هي بحاجة لمدرسة خاصة نظرا لوضعها لذا ساتي بالغد لاصطحبها الى مدرسة خاصة ساسجلها بها كي تستطيع تعلم الدروس وكل ما تحتاج اليه وايضا ستتعلم لغة الصم والبكم كي تستطيع ان تجابه الحياة في المستقبل ، فمن الظلم تركها دون تعليم فقط لان المدارس العادية لن تقبل بها .
هزت المراة بسرعة راسها موافقة تريد كسب ود حنان وتستحوذ على اهتمامها.
- بالتاكيد انتي محقة -- ان والدها المسكين لا يستطيع دفع تكاليف المدارس الخصوصية --ولكن بالتاكيد بمساعدتك سوف يتسنى لها ذلك --بارك الله بكي وجعله في ميزان حسناتك بإذن الله.
وفارقتها حنان بعد ان ودعت الصغيرة ووعدتها بان تعود من اجلها لاحقا لتاخذها الي المدرسة .