الفصل الاول
في أحد اسواق الخردة في منطقة الباطنية بالقاهرة حيث كان المكان مكتظًا بالأشخاص والسلعات بينما يمارس التجار وظيفتهم تحت اشعة الشمس الحارقة تناثر عددًا ليس بقليلٍ من الرجال الذين يرتدون ملابس مهلهلة لا تتفق مع صفاتهم او ملامحهم،
ولكن النظرات المرتقبة والتي على أهبة الاستعداد وكأن أمر ما على وشك الحدوث كأسدٍ يتأهب لفريسته هي ما يجمعهم وقد اتخذوا اماكنهم بحرفيةٍ شديدة ومن يراهم من منظور الاعلى سيعلم انهم يتجمعون على شكل دائرةٍ حول مبنى قد عُرف عنه انه يخص اكبر تاجر مخدرات وأسلحة في المنطقة وليس هذا فقط فلقد كان بالداخل يتم الاتفاق على اكبر واضخم صفقة حدثت في العام الحالي في تشكيلة منوعة من المخدرات والأسلحة بالإضافة الى اثار فرعونيةٍ قديمة.
داخل المبنى الذي كان يبدو انه متهالك وغير صالحٌ للسكن وآيلٌ للسقوط من الخارج هناك غرفة فخمة للغاية مؤثثةٌ بأحدث وافخم الاثاث الدمياطي وقد انتشرت لوحاتٍ وصورٍ لراقصاتٍ متعرياتٍ وفتياتٍ اخرى كملكات الجمال على جدرانها،
كان بداخلها ممدوح التاجر المسؤول عن الصفقة يجلس على مقعده الدمياطي الوثير بلونه العاجي الممزوج مع الذهبي يكاد يساعه من حجم معدته المهول وقد ارتدى بذلةً زرقاء فاقع لونها وقد اكمل اناقته كما يعتقد بقميصٍ رُسم عليه الزهور المتناثرة يرتشف من ارجيلةٍ امامه يأخذ منها نفسًا عميقًا ثم يخرجه باستمتاعٍ قبل ان يلتفت للرجل الذي بجواره قائلًا بصوته الأجش:
-اخبرتك انني سأتمكن من الحصول على كل طلباتك دون اللجوء الى الزعيم.
استطاع الرجل الذي يجلس على الاريكة التي تقابله اخفاء الاحباط الذي يشعر به وهو يبعد نفسه عن مجال تصاعد الدخان قائلًا بدهاء مميز:
-ولكنني أرى انك تحصل على بضاعتك من مكان مجاور للبحر.
نظر له ممدوح بشكٍ شديد وقال بحذر اكب، بعدما ابعد خرطوم النارجيلة عنه:
-وكيف علمت بذلك؟.
كان الرجل محنكٌ للغاية فلقد لاحظ الرمال الناعمة الخاصة بشاطئ البحر التي تبعثرت اسفل الصناديق بالعلاوة لنوع معين من السلطعون يسكن داخل قوقعة يتواجد فقط في مياه البحر الابيض المتوسط ولكنه اجابه بابتسامةٍ صاخبةٍ وهدوء اعصاب:
-من الاسماك التي احضرها الرجل للتو يا رجل فهي تبدو طازجةً وتنوعها يثبت انه تم اصطيادها وليس شرائها، من الاسكندرية أليس كذلك؟.
هدأ ممدوح قليلًا وهو يأخذ نفسًا عميقًا من الارجيلة مرةً اخرى ومن الواضح انها تحتوي على نوع من المخدرات حيث بدأ يفقد تركيزه قليلًا وهو يجيبه زافرًا الدخان ببطء:
-اخطأت انها من مرسى مطروح.
لمعت عين الرجل بانتصارٍ كصيادٍ حصل على فريسته وهو يقول بابتسامة ظفرٍ بينما يضغط على ساعته دون ان يلاحظه أحد:
-اذا ستقوم بدعوتي للغداء اليوم أليس كذلك؟.
لم يلاحظ احد الضغط على الساعة والذي كان اقرب بقرع اجراس الجحيم حيث في الخارج اصبح الجو مكهرب وكلًا يتحرك بسرعة،
عندما ظهرت داخل الساحة اربعُ سياراتٍ من نوع الدفع الرباعي ضخمة في نفس وقت ظهور طائرة مروحية وقد اخرج منها سلم يتأرجح منه رجل يبدو انه قوي البنية صلب العضلات وبدون مقدمات اخرج الرجال الذين تناثروا سابقًا قنابل دخانية واخرى مسيلة للدموع وقد ظهرت قوات اخرى تحاصر المكان مانعة اي شخص الولوج او الخروج بينما اخذ الرجال بعد ان ارتدوا الاقنعة يقتربون بتروي من المبنى المتهالك.
هبط الرجل الذي كان يتمسك بسلم المروحية الى سطح المنزل بعد ان اقترب منه وقد تأكد من التشويش التام على اجهزة الاتصال والتنصت حتى لا يتم ارسال اي دعم لهم،
بينما بالأسفل داخل السيارات هبط ستة عشر رجلًا ضخام الجثة يرتدون الزي الخاص بالقوات الخاصة وهم يقاتلون الرجال الذين تقدموا للمواجهة بحرفية حيث ان كل رجل يحتاج الى ضربة واحدة فقط كي يسقط ارضًا ويتم الايطاح به.
ومع تساقط الرجال مثل الذباب صار الفوز امر محتم لصالحهم ولكن حدث ما لم يخطر ع البال حيث تحول معظم التجار والزبائن الى مهاجمين يهاجمون القوات على امل ايقافهم وهم ينتحبون من اثر القنابل والبعض الاخر من الذعر الذي حل بهم،
اخذ القائد للقوات الخاصة القليل من الوقت حتى يدرك انهم يخافون من انتقام رئيس العصابة ممدوح لهم عندما يتمكن من الهرب فهو دائما ما يستطيع الهروب في اخر لحظة وكأنه مكتوب عليه عدم الامساك به،
بينما كانت العثرة بالأعلى عند الضابط الذي هبط من المروحية هو انه قد تجمع الرجال المسؤولين عن المراقبة والحراسة وقد بدأوا في اطلاق النيران بشكلٍ عشوائي مانعين اياه من الاقتراب من باب السطح المؤدي الى الاسفل ليدرك حينها ان كل هدفهم هو تعطيله حتى يتمكن ممدوح ورجاله بطريقة او بأخرى من الهرب،
بينما بالداخل انتفض ممدوح من صوت الطلقات التي علت والحركة بالخارج فأرسل احد رجاله لتقصي الوضع بينما حاول الاتصال بأحدٍ لمساعدته عدة مراتٍ ولكن هناك خطب ما في الشبكة فألقى الهاتف بغيظ ثم اعتدل من جلسته وقد نسى امر التاجر تمامًا وهو يتجه نحو المخرج مما جعل الرجل الذي كان من الشرطة يتوتر قليلًا فسيفر ممدوح هكذا وكل جهدهم سيضيع هباءً منثورًا اذا لابد من الارتجال والا فشلت الخطة،
فامسك اقرب رجل له وقام بضربه ضربةً واحدةً على عنقه اطاحت به ارضًا مما دفع الثمانِ رجال الاخرين بالالتفاف اليه بينما وقف ممدوح مصعوق حتى ادرك اخيرًا انه ليس بتاجر مخدرات كما كان يظنه حقًا وانه جزءٌ من الكمين المنصوب له،
فاسرع بالرحيل وهو يترك الثمان رجال تحيطه ليسبّ صاخبًا بينما يشاهد التفاف الرجال حوله:
-تبًا لكم مشاري وياسر لقد تأخرتم كثيرًا.
قام بطقطقة رقبته قبل ان يركل بقدمه اليمين الرجل الذي امامه في انفه ليفقد توازنه للحظة فورًا فاستغل الفرصة ليلكم الرجل الذي خلفه بكوعه في بطنه بكل قوته قبل ان ترتد يده ويلكم الرجل الذي امامه في معدته بقوةْ اكبر ثم يعالج الرابع بلكمه في وجهه حطمت فكه وعظمة انفه،
ولكن كالمعتاد الكثرة تغلب الشجاعة فلقد ضربه الرجل الذي خلفه على رأسه مما جعله يترنح وفقد التوازن للحظة، اعتدل بقامته يحاول استعادة توازنه قبل ان يركض من وسطهم مثل السهم المشتعل يتجه نحو ممدوح يمسكه من تلابيبه من الخلف محاولًا ايقافه بكل الطرق مما جعل الرجال تقترب منه مرةً اخرى يضربونه بعشوائية.
في هذه الاثناء كان الرجل اعلى السطح قد استطاع استجماع شتات نفسه وقد وجد مكانًا جيدًا للاختباء من انهمار الطلقات النارية العشوائية ثم بدء هجمته المرتدة وهو يرتكز ببندقيته التي جلبها معه على احد الاسوار ثم بدء باقتناصهم واحدًا تلو الاخر كقناصٍ ماهر دون ان يتردد او يتراجع،
لم يحبذ ان يفكر ان لهم اهاليٍ وعائلاتٍ ربما ينتظروهم ليلًا للاجتماع بهم بل كانوا مجرد اهداف ويجب القضاء عليها، وما ان نجح في الامر حتى ابتسم بظفر وهو يتجه الى باب السطح ليقوم بكسر القفل قبل ان يتجه للداخل بحذر،
هبط الدرج بخفة شديدة مثل قطٍ بري دون ان يشعر به احد حتى وصل الى الاسفل ليجد الوضع محتدمًا وممدوح يكاد ينجح في الهروب والافلات من قبضة زميله معاذ الذي تجمع عليه الرجال يحاولون الفتك به.
بالخارج كان ياسر يبدو في وضع لا يحسد عليه، لا يمكنه اعتبار الرجال الذين يقومون بتعطيله مجرد اهداف ويجب القضاء عليهم، بل يعلم انهم رجال عاشوا يتغذون على الخوف،
يدرك ان ما يحركهم هو هلعهم في ان ينجح ممدوح في الفرار فينتقم منهم اشد انتقام لهذا اخذ قرارًا حاسمًا وهو يقول لأحد رجاله:
-تولى انت القيادة ولا تدع احدهم يدخل مهما حدث وانتظر مساعدة باقي القوات.
ثم تحرك ياسر بهمة اتجاه الباب وهو يخفض مسدسه للأسفل وما زال اصبعه على الزناد بينما عينيه تتحرك بسرعةٍ كصقر يستكشف ان كان هناك احد يعترض طريقه او يترصده ليتأكد من خلو المكان،
وهنا لاحظ مشاري الذي يهبط الدرج بخفة شديدة بينما معاذ يتم ضربه وهو متمسك بكل قوته بممدوح فتدخل بسرعة يقاتل جنبًا الى جنب مع معاذ ورغم انهم كانوا ثمانِ رجال الا ان معاذ الذي استطاع استجماع قوته بسرعةٍ يحسد عليها وهو يركل ويلكم كل من اقترب منه بينما يده الاخرى لم تترك ممدوح للحظة،
وياسر الذي من الواضح انه متخصصٌ في المناورات والهجمات المفاجئة كان يقضي على الرجال بدق عنقهم او كسر احد ارجله حتى يفقد القدرة على الحراك ثم سرعان ما انضم لهم مشاري الذي قد وصل للتو وهو يضرب الرجال بطريقة عنيفة حتى انه يمكنك سماع صوت تهشم عظامهم في كل مرةٍ يوجه ضربةً،
وما ان انتهوا من الرجال جميعهم حتى تفاجئوا بممدوح يمسك عنق معاذ بيده وهو يضغط عليها ببعض القوة وقد وجه سلاحا الى رأسه وهو يصرخ بهم بتحذير يبطن الخوف:
-القوا اسلحتكم ارضًا والا قتلت زميلكم دون لحظة تردد.
اخذت عيون ياسر تتحرك بسرعةٍ تدرس الموقف عندما لاحظ المدخل السري الذي يتوجه اليه ممدوح ليهمس لمشاري بسرعة:
-طريق للهروب قم بالإلهاء.
هنا ابتسم مشاري بطريقةٍ استفزازيةٍ باردة وهو يواجه ممدوح وقد اشهر السلاح في وجهه ليقول بنفس الاستفزاز:
-يمكنك قتله ان اردت فهو دائمًا ما يزعجني.
حدق معاذ فيه للحظة ليفهم خلالها ما ينوي بداخله فقال بصوتٍ بدا مرتعبٍ اجاده:
-لا تفعلها (ضاد) فأنا من سيقتل ان قمت بأي حركةٍ عشوائية.
اتسعت ابتسامة مشاري وقد لمعت عينيه الثاقبتان بلون مخيف يشبه سمكة قرش اشتمت الدماء لتوها وهو يقول بفحيح افعى رأت طعامها:
-ربما سيكون هذا افضل للجميع.
امام عدم اكتراث مشاري بما يمكن ان يحدث لصديقه والهلع الذي اجتاح معاذ اصاب ممدوح حالة من التردد الشديد وقد تشتت تفكيره لا يدرى ما القرار الصحيح الذي يجب اتخاذه فإن قام بالتخلص من معاذ سيكون فقد درع الحماية والذي يبدو في نفس الوقت بدون قيمة اذ ان زميله لا يكترث كثيرا لموته،
فرفع يده بسرعة يريد ان يقتنص مشاري عندما اسرع معاذ بمعالجته بضربه بكل قوته في معدته ولكن الشحوم في بطنه حالت دون وقوعه، فاستغل مشاري الفرصة ليصوب طلقات بندقيته صوب المسدس الذي يحمله ممدوح لتصيبه بدقةٌ شديدة مما جعل يده تنتفض،
لكنه ضغط على الزناد بدون قصد لتخترق الطلقة النارية رأسه مفجرة اياها بقوة وقد تناثرت اشلاؤه على كتف معاذ بينما فوهة السلاح اصابته في طرف اذنيه فنظر الى مشاري بغضب شديد:
-هل جننت لقد قمت بقتل اهم شاهد والشخص الوحيد الذي يعلم اين يمكن ان نجد زعيم العصابة.
نظر له مشاري باستهتار وهو يقول ببرود قبل ان يتحرك بلا مبالاة:
-انت على الرحب والسعة فبفضلي ما زلت على قيد الحياة.
لكزه معاذ في كتفه بقوة وهو يقول بهدوءٍ قاتل:
-رأيت الكثير من الحمقى الذين يتصرفون بغرور ولكن انت اكثرهم حمقًا واقلهم كفاءة.
نفخ مشاري اودجه مثل ثور مصارع وهو ينفث بقوة قبل ان يلكم معاذ بقوة على وجنته ارجعته خطوةً للخلف فاعتدل الاخير وهو يمسك وجهه بألم قبل ان ينطلق بكل قوته نحو مشاري ليوقعه ارضًا وهو يسقط فوقه،
ثم اخذ يكيل له باللكمات العشوائية واصابت اول لكمة عينيه قبل ان يضع مشاري يديه امامه كحماية ثم لف ساقيه حول معاذ وبحركة مباغتة ألقاه ارضًا بقوة آلمته، نهض كل منهم بسرعة واقتربا يشتبكان سريعًا ليبدو مثل ديوك تم تدريبها للقتال،
في هذه اللحظة كان ياسر قد انتهى بالفعل من المخرج وقد امسك عربة بها سائقان كانا جاهزين في اي لحظة للهرب ولم يأخذ الامر منه وقتا حتى قضى القى القبض عليهم ولكن ما ان عاد حتى صدمه ما رآه،
فاقترب منهم مسرعًا وهو يسب المهمة التي جمعته مع هذين الاخرقين وقد قرر ان يفرق بينهم ولكن تلقى لكمة من يد مشاري الباطشة حطمت له انفه بينما ركله معاذ في قصبة ساقه اجبرته على الانحناء ولو كان شخص اخر ربما هشمتها الى قطعٍ صغيرة، شعر بالغضب يسري بين اوردته فبدأ هو الامر في قتالهم.
هناك الكثير من الامثلة التي تبين مدى سوء الحظ ولكن ما حدث للثلاثة يستحق ان يضرب به المثل ففي هذه اللحظة دخلت القوات بقيادة اللواء عصام والذي كان يرفض وبشدة انضمام الثلاثة للمهمة مما جعله يتأكد من صحة رفضه فصرخ بهم بغضب:
-انتباه.
انتبه الثلاثة بسرعة رغم جراحهم التي تنزف وبعض العظام التي ربما تحطمت فقال اللواء عصام بصرامةٍ وقد وقف امامهم:
-الرائد ياسر، الرائد معاذ والرائد مشاري تم تحويلكم جميعًا الى مجلس التأديب وبما انكم تحت امارة الجيش سيتم محاكمتهم محاكمة عسكرية.
لم ينبس احد منهم ببنت شفاه وقد وقفوا يطالعون بعضهم البعض ببعض الغضب بينما ياسر يعض شفاهه ندمًا انه تدخل فيما لا يعنيه قبل ان يتوجهوا الى سيارة القوات مفسحين الطريق لباقي الفرقة القبض على التشكيل العصابي.
في نفس اليوم ولكن مساءً داخل مقهى يطل على البحر الابيض المتوسط مع نسماته الهادئة جلست فتاة ببشرة حنطية تنظر للشاب الذي يجلس امامها ببعض الذهول لا يمكنها ان تستوعب انه يخبرها انه لم يعد يحبها،
لم تبكي حينها ليس لأنها قويةً كما يشاع عنها وليس لشيءٍ اخر الا انها تكاد لا تصدق اذنيها فهذا الشخص كان يتصرف مثل مجنونٍ وقع في عشقها، فعل المستحيل من اجل ان يوافق والدها على زواجهم،
ولكن ها هو بعد فترة ليست طويلة في خطبتهم يخبرها بكل بساطة انه لا يحمل مشاعر نحوها، لم تعلم ايهم ضايقها اكثر انه لم يعد يحبها ام انه وضعها في مكانة عالية ثم اسقطها ارضا بلا رحمة، كان احساسها مثل يعسوبٍ صغيرٍ قطع الاطفال ذيله لانهم يظنون ان هذا ممتع ولكنه كان يتألم واكثر ما يؤلمه انه مازال على قيد الحياة.
اخذت نفسًا عميقًا ثم قامت بالتجرد من خاتم الخطوبة الذي يقيد اصبعها وهي تحاول ان تتجرد من مشاعر التعلق اتجاهه ثم نهضت بهدوء وهي تقول:
-شكرًا لأنك حررتني من عبئك.
نظر لها بعدم فهم فهو لم يفهمها ابدا كان يعلم انها فاتنة رغم بساطة ملامحها، ولكنها كانت صعبة المراس لا تستمع الى اي امر يطلبه منها تشعره دائمًا انها الرجل في العلاقة، كانت عنيدةً متمردةً كفرسٍ يصعب ترويضها لكنه لم يتوقع ردها هذا بالرغم من كل شيء فقال بصوت خفيض مشوبًا ببعض التوسل:
-عنود فقط استمعي لي.
ولكنها رحلت وتركته خلفها تاركة احلامًا واماني تم بناؤها، وما ان خرجت حتى امسكت هاتفها تتصل بصديقتها الاقرب والوحيدة وما ان اجابتها الاخرى حتى قالت بصوت مختنق محاولة كتم العبرات:
-تارا اين انتِ احتاجك.
اجابتها الاخرى بقلقٍ وقد توقفت عما كانت تفعله:
-اين انتِ.
تحركت بجمود كآلة يتم تحركيها:
-ستجديني في مكاننا عند صخرة ليلى مراد.
ومن لا يعلم هذه الصخرة العريقة في مدينة مرسى مطروح.
ولكن النظرات المرتقبة والتي على أهبة الاستعداد وكأن أمر ما على وشك الحدوث كأسدٍ يتأهب لفريسته هي ما يجمعهم وقد اتخذوا اماكنهم بحرفيةٍ شديدة ومن يراهم من منظور الاعلى سيعلم انهم يتجمعون على شكل دائرةٍ حول مبنى قد عُرف عنه انه يخص اكبر تاجر مخدرات وأسلحة في المنطقة وليس هذا فقط فلقد كان بالداخل يتم الاتفاق على اكبر واضخم صفقة حدثت في العام الحالي في تشكيلة منوعة من المخدرات والأسلحة بالإضافة الى اثار فرعونيةٍ قديمة.
داخل المبنى الذي كان يبدو انه متهالك وغير صالحٌ للسكن وآيلٌ للسقوط من الخارج هناك غرفة فخمة للغاية مؤثثةٌ بأحدث وافخم الاثاث الدمياطي وقد انتشرت لوحاتٍ وصورٍ لراقصاتٍ متعرياتٍ وفتياتٍ اخرى كملكات الجمال على جدرانها،
كان بداخلها ممدوح التاجر المسؤول عن الصفقة يجلس على مقعده الدمياطي الوثير بلونه العاجي الممزوج مع الذهبي يكاد يساعه من حجم معدته المهول وقد ارتدى بذلةً زرقاء فاقع لونها وقد اكمل اناقته كما يعتقد بقميصٍ رُسم عليه الزهور المتناثرة يرتشف من ارجيلةٍ امامه يأخذ منها نفسًا عميقًا ثم يخرجه باستمتاعٍ قبل ان يلتفت للرجل الذي بجواره قائلًا بصوته الأجش:
-اخبرتك انني سأتمكن من الحصول على كل طلباتك دون اللجوء الى الزعيم.
استطاع الرجل الذي يجلس على الاريكة التي تقابله اخفاء الاحباط الذي يشعر به وهو يبعد نفسه عن مجال تصاعد الدخان قائلًا بدهاء مميز:
-ولكنني أرى انك تحصل على بضاعتك من مكان مجاور للبحر.
نظر له ممدوح بشكٍ شديد وقال بحذر اكب، بعدما ابعد خرطوم النارجيلة عنه:
-وكيف علمت بذلك؟.
كان الرجل محنكٌ للغاية فلقد لاحظ الرمال الناعمة الخاصة بشاطئ البحر التي تبعثرت اسفل الصناديق بالعلاوة لنوع معين من السلطعون يسكن داخل قوقعة يتواجد فقط في مياه البحر الابيض المتوسط ولكنه اجابه بابتسامةٍ صاخبةٍ وهدوء اعصاب:
-من الاسماك التي احضرها الرجل للتو يا رجل فهي تبدو طازجةً وتنوعها يثبت انه تم اصطيادها وليس شرائها، من الاسكندرية أليس كذلك؟.
هدأ ممدوح قليلًا وهو يأخذ نفسًا عميقًا من الارجيلة مرةً اخرى ومن الواضح انها تحتوي على نوع من المخدرات حيث بدأ يفقد تركيزه قليلًا وهو يجيبه زافرًا الدخان ببطء:
-اخطأت انها من مرسى مطروح.
لمعت عين الرجل بانتصارٍ كصيادٍ حصل على فريسته وهو يقول بابتسامة ظفرٍ بينما يضغط على ساعته دون ان يلاحظه أحد:
-اذا ستقوم بدعوتي للغداء اليوم أليس كذلك؟.
لم يلاحظ احد الضغط على الساعة والذي كان اقرب بقرع اجراس الجحيم حيث في الخارج اصبح الجو مكهرب وكلًا يتحرك بسرعة،
عندما ظهرت داخل الساحة اربعُ سياراتٍ من نوع الدفع الرباعي ضخمة في نفس وقت ظهور طائرة مروحية وقد اخرج منها سلم يتأرجح منه رجل يبدو انه قوي البنية صلب العضلات وبدون مقدمات اخرج الرجال الذين تناثروا سابقًا قنابل دخانية واخرى مسيلة للدموع وقد ظهرت قوات اخرى تحاصر المكان مانعة اي شخص الولوج او الخروج بينما اخذ الرجال بعد ان ارتدوا الاقنعة يقتربون بتروي من المبنى المتهالك.
هبط الرجل الذي كان يتمسك بسلم المروحية الى سطح المنزل بعد ان اقترب منه وقد تأكد من التشويش التام على اجهزة الاتصال والتنصت حتى لا يتم ارسال اي دعم لهم،
بينما بالأسفل داخل السيارات هبط ستة عشر رجلًا ضخام الجثة يرتدون الزي الخاص بالقوات الخاصة وهم يقاتلون الرجال الذين تقدموا للمواجهة بحرفية حيث ان كل رجل يحتاج الى ضربة واحدة فقط كي يسقط ارضًا ويتم الايطاح به.
ومع تساقط الرجال مثل الذباب صار الفوز امر محتم لصالحهم ولكن حدث ما لم يخطر ع البال حيث تحول معظم التجار والزبائن الى مهاجمين يهاجمون القوات على امل ايقافهم وهم ينتحبون من اثر القنابل والبعض الاخر من الذعر الذي حل بهم،
اخذ القائد للقوات الخاصة القليل من الوقت حتى يدرك انهم يخافون من انتقام رئيس العصابة ممدوح لهم عندما يتمكن من الهرب فهو دائما ما يستطيع الهروب في اخر لحظة وكأنه مكتوب عليه عدم الامساك به،
بينما كانت العثرة بالأعلى عند الضابط الذي هبط من المروحية هو انه قد تجمع الرجال المسؤولين عن المراقبة والحراسة وقد بدأوا في اطلاق النيران بشكلٍ عشوائي مانعين اياه من الاقتراب من باب السطح المؤدي الى الاسفل ليدرك حينها ان كل هدفهم هو تعطيله حتى يتمكن ممدوح ورجاله بطريقة او بأخرى من الهرب،
بينما بالداخل انتفض ممدوح من صوت الطلقات التي علت والحركة بالخارج فأرسل احد رجاله لتقصي الوضع بينما حاول الاتصال بأحدٍ لمساعدته عدة مراتٍ ولكن هناك خطب ما في الشبكة فألقى الهاتف بغيظ ثم اعتدل من جلسته وقد نسى امر التاجر تمامًا وهو يتجه نحو المخرج مما جعل الرجل الذي كان من الشرطة يتوتر قليلًا فسيفر ممدوح هكذا وكل جهدهم سيضيع هباءً منثورًا اذا لابد من الارتجال والا فشلت الخطة،
فامسك اقرب رجل له وقام بضربه ضربةً واحدةً على عنقه اطاحت به ارضًا مما دفع الثمانِ رجال الاخرين بالالتفاف اليه بينما وقف ممدوح مصعوق حتى ادرك اخيرًا انه ليس بتاجر مخدرات كما كان يظنه حقًا وانه جزءٌ من الكمين المنصوب له،
فاسرع بالرحيل وهو يترك الثمان رجال تحيطه ليسبّ صاخبًا بينما يشاهد التفاف الرجال حوله:
-تبًا لكم مشاري وياسر لقد تأخرتم كثيرًا.
قام بطقطقة رقبته قبل ان يركل بقدمه اليمين الرجل الذي امامه في انفه ليفقد توازنه للحظة فورًا فاستغل الفرصة ليلكم الرجل الذي خلفه بكوعه في بطنه بكل قوته قبل ان ترتد يده ويلكم الرجل الذي امامه في معدته بقوةْ اكبر ثم يعالج الرابع بلكمه في وجهه حطمت فكه وعظمة انفه،
ولكن كالمعتاد الكثرة تغلب الشجاعة فلقد ضربه الرجل الذي خلفه على رأسه مما جعله يترنح وفقد التوازن للحظة، اعتدل بقامته يحاول استعادة توازنه قبل ان يركض من وسطهم مثل السهم المشتعل يتجه نحو ممدوح يمسكه من تلابيبه من الخلف محاولًا ايقافه بكل الطرق مما جعل الرجال تقترب منه مرةً اخرى يضربونه بعشوائية.
في هذه الاثناء كان الرجل اعلى السطح قد استطاع استجماع شتات نفسه وقد وجد مكانًا جيدًا للاختباء من انهمار الطلقات النارية العشوائية ثم بدء هجمته المرتدة وهو يرتكز ببندقيته التي جلبها معه على احد الاسوار ثم بدء باقتناصهم واحدًا تلو الاخر كقناصٍ ماهر دون ان يتردد او يتراجع،
لم يحبذ ان يفكر ان لهم اهاليٍ وعائلاتٍ ربما ينتظروهم ليلًا للاجتماع بهم بل كانوا مجرد اهداف ويجب القضاء عليها، وما ان نجح في الامر حتى ابتسم بظفر وهو يتجه الى باب السطح ليقوم بكسر القفل قبل ان يتجه للداخل بحذر،
هبط الدرج بخفة شديدة مثل قطٍ بري دون ان يشعر به احد حتى وصل الى الاسفل ليجد الوضع محتدمًا وممدوح يكاد ينجح في الهروب والافلات من قبضة زميله معاذ الذي تجمع عليه الرجال يحاولون الفتك به.
بالخارج كان ياسر يبدو في وضع لا يحسد عليه، لا يمكنه اعتبار الرجال الذين يقومون بتعطيله مجرد اهداف ويجب القضاء عليهم، بل يعلم انهم رجال عاشوا يتغذون على الخوف،
يدرك ان ما يحركهم هو هلعهم في ان ينجح ممدوح في الفرار فينتقم منهم اشد انتقام لهذا اخذ قرارًا حاسمًا وهو يقول لأحد رجاله:
-تولى انت القيادة ولا تدع احدهم يدخل مهما حدث وانتظر مساعدة باقي القوات.
ثم تحرك ياسر بهمة اتجاه الباب وهو يخفض مسدسه للأسفل وما زال اصبعه على الزناد بينما عينيه تتحرك بسرعةٍ كصقر يستكشف ان كان هناك احد يعترض طريقه او يترصده ليتأكد من خلو المكان،
وهنا لاحظ مشاري الذي يهبط الدرج بخفة شديدة بينما معاذ يتم ضربه وهو متمسك بكل قوته بممدوح فتدخل بسرعة يقاتل جنبًا الى جنب مع معاذ ورغم انهم كانوا ثمانِ رجال الا ان معاذ الذي استطاع استجماع قوته بسرعةٍ يحسد عليها وهو يركل ويلكم كل من اقترب منه بينما يده الاخرى لم تترك ممدوح للحظة،
وياسر الذي من الواضح انه متخصصٌ في المناورات والهجمات المفاجئة كان يقضي على الرجال بدق عنقهم او كسر احد ارجله حتى يفقد القدرة على الحراك ثم سرعان ما انضم لهم مشاري الذي قد وصل للتو وهو يضرب الرجال بطريقة عنيفة حتى انه يمكنك سماع صوت تهشم عظامهم في كل مرةٍ يوجه ضربةً،
وما ان انتهوا من الرجال جميعهم حتى تفاجئوا بممدوح يمسك عنق معاذ بيده وهو يضغط عليها ببعض القوة وقد وجه سلاحا الى رأسه وهو يصرخ بهم بتحذير يبطن الخوف:
-القوا اسلحتكم ارضًا والا قتلت زميلكم دون لحظة تردد.
اخذت عيون ياسر تتحرك بسرعةٍ تدرس الموقف عندما لاحظ المدخل السري الذي يتوجه اليه ممدوح ليهمس لمشاري بسرعة:
-طريق للهروب قم بالإلهاء.
هنا ابتسم مشاري بطريقةٍ استفزازيةٍ باردة وهو يواجه ممدوح وقد اشهر السلاح في وجهه ليقول بنفس الاستفزاز:
-يمكنك قتله ان اردت فهو دائمًا ما يزعجني.
حدق معاذ فيه للحظة ليفهم خلالها ما ينوي بداخله فقال بصوتٍ بدا مرتعبٍ اجاده:
-لا تفعلها (ضاد) فأنا من سيقتل ان قمت بأي حركةٍ عشوائية.
اتسعت ابتسامة مشاري وقد لمعت عينيه الثاقبتان بلون مخيف يشبه سمكة قرش اشتمت الدماء لتوها وهو يقول بفحيح افعى رأت طعامها:
-ربما سيكون هذا افضل للجميع.
امام عدم اكتراث مشاري بما يمكن ان يحدث لصديقه والهلع الذي اجتاح معاذ اصاب ممدوح حالة من التردد الشديد وقد تشتت تفكيره لا يدرى ما القرار الصحيح الذي يجب اتخاذه فإن قام بالتخلص من معاذ سيكون فقد درع الحماية والذي يبدو في نفس الوقت بدون قيمة اذ ان زميله لا يكترث كثيرا لموته،
فرفع يده بسرعة يريد ان يقتنص مشاري عندما اسرع معاذ بمعالجته بضربه بكل قوته في معدته ولكن الشحوم في بطنه حالت دون وقوعه، فاستغل مشاري الفرصة ليصوب طلقات بندقيته صوب المسدس الذي يحمله ممدوح لتصيبه بدقةٌ شديدة مما جعل يده تنتفض،
لكنه ضغط على الزناد بدون قصد لتخترق الطلقة النارية رأسه مفجرة اياها بقوة وقد تناثرت اشلاؤه على كتف معاذ بينما فوهة السلاح اصابته في طرف اذنيه فنظر الى مشاري بغضب شديد:
-هل جننت لقد قمت بقتل اهم شاهد والشخص الوحيد الذي يعلم اين يمكن ان نجد زعيم العصابة.
نظر له مشاري باستهتار وهو يقول ببرود قبل ان يتحرك بلا مبالاة:
-انت على الرحب والسعة فبفضلي ما زلت على قيد الحياة.
لكزه معاذ في كتفه بقوة وهو يقول بهدوءٍ قاتل:
-رأيت الكثير من الحمقى الذين يتصرفون بغرور ولكن انت اكثرهم حمقًا واقلهم كفاءة.
نفخ مشاري اودجه مثل ثور مصارع وهو ينفث بقوة قبل ان يلكم معاذ بقوة على وجنته ارجعته خطوةً للخلف فاعتدل الاخير وهو يمسك وجهه بألم قبل ان ينطلق بكل قوته نحو مشاري ليوقعه ارضًا وهو يسقط فوقه،
ثم اخذ يكيل له باللكمات العشوائية واصابت اول لكمة عينيه قبل ان يضع مشاري يديه امامه كحماية ثم لف ساقيه حول معاذ وبحركة مباغتة ألقاه ارضًا بقوة آلمته، نهض كل منهم بسرعة واقتربا يشتبكان سريعًا ليبدو مثل ديوك تم تدريبها للقتال،
في هذه اللحظة كان ياسر قد انتهى بالفعل من المخرج وقد امسك عربة بها سائقان كانا جاهزين في اي لحظة للهرب ولم يأخذ الامر منه وقتا حتى قضى القى القبض عليهم ولكن ما ان عاد حتى صدمه ما رآه،
فاقترب منهم مسرعًا وهو يسب المهمة التي جمعته مع هذين الاخرقين وقد قرر ان يفرق بينهم ولكن تلقى لكمة من يد مشاري الباطشة حطمت له انفه بينما ركله معاذ في قصبة ساقه اجبرته على الانحناء ولو كان شخص اخر ربما هشمتها الى قطعٍ صغيرة، شعر بالغضب يسري بين اوردته فبدأ هو الامر في قتالهم.
هناك الكثير من الامثلة التي تبين مدى سوء الحظ ولكن ما حدث للثلاثة يستحق ان يضرب به المثل ففي هذه اللحظة دخلت القوات بقيادة اللواء عصام والذي كان يرفض وبشدة انضمام الثلاثة للمهمة مما جعله يتأكد من صحة رفضه فصرخ بهم بغضب:
-انتباه.
انتبه الثلاثة بسرعة رغم جراحهم التي تنزف وبعض العظام التي ربما تحطمت فقال اللواء عصام بصرامةٍ وقد وقف امامهم:
-الرائد ياسر، الرائد معاذ والرائد مشاري تم تحويلكم جميعًا الى مجلس التأديب وبما انكم تحت امارة الجيش سيتم محاكمتهم محاكمة عسكرية.
لم ينبس احد منهم ببنت شفاه وقد وقفوا يطالعون بعضهم البعض ببعض الغضب بينما ياسر يعض شفاهه ندمًا انه تدخل فيما لا يعنيه قبل ان يتوجهوا الى سيارة القوات مفسحين الطريق لباقي الفرقة القبض على التشكيل العصابي.
في نفس اليوم ولكن مساءً داخل مقهى يطل على البحر الابيض المتوسط مع نسماته الهادئة جلست فتاة ببشرة حنطية تنظر للشاب الذي يجلس امامها ببعض الذهول لا يمكنها ان تستوعب انه يخبرها انه لم يعد يحبها،
لم تبكي حينها ليس لأنها قويةً كما يشاع عنها وليس لشيءٍ اخر الا انها تكاد لا تصدق اذنيها فهذا الشخص كان يتصرف مثل مجنونٍ وقع في عشقها، فعل المستحيل من اجل ان يوافق والدها على زواجهم،
ولكن ها هو بعد فترة ليست طويلة في خطبتهم يخبرها بكل بساطة انه لا يحمل مشاعر نحوها، لم تعلم ايهم ضايقها اكثر انه لم يعد يحبها ام انه وضعها في مكانة عالية ثم اسقطها ارضا بلا رحمة، كان احساسها مثل يعسوبٍ صغيرٍ قطع الاطفال ذيله لانهم يظنون ان هذا ممتع ولكنه كان يتألم واكثر ما يؤلمه انه مازال على قيد الحياة.
اخذت نفسًا عميقًا ثم قامت بالتجرد من خاتم الخطوبة الذي يقيد اصبعها وهي تحاول ان تتجرد من مشاعر التعلق اتجاهه ثم نهضت بهدوء وهي تقول:
-شكرًا لأنك حررتني من عبئك.
نظر لها بعدم فهم فهو لم يفهمها ابدا كان يعلم انها فاتنة رغم بساطة ملامحها، ولكنها كانت صعبة المراس لا تستمع الى اي امر يطلبه منها تشعره دائمًا انها الرجل في العلاقة، كانت عنيدةً متمردةً كفرسٍ يصعب ترويضها لكنه لم يتوقع ردها هذا بالرغم من كل شيء فقال بصوت خفيض مشوبًا ببعض التوسل:
-عنود فقط استمعي لي.
ولكنها رحلت وتركته خلفها تاركة احلامًا واماني تم بناؤها، وما ان خرجت حتى امسكت هاتفها تتصل بصديقتها الاقرب والوحيدة وما ان اجابتها الاخرى حتى قالت بصوت مختنق محاولة كتم العبرات:
-تارا اين انتِ احتاجك.
اجابتها الاخرى بقلقٍ وقد توقفت عما كانت تفعله:
-اين انتِ.
تحركت بجمود كآلة يتم تحركيها:
-ستجديني في مكاننا عند صخرة ليلى مراد.
ومن لا يعلم هذه الصخرة العريقة في مدينة مرسى مطروح.