الفصل الرابع و الاربعين
الفصل الرابع والاربعون ..
_____________________
- الي أين أنت ذاهب ؟
اجابها ببساطة :
- سأوصلك الي منزلك ..
كانت حائرة ومشتتة ، و هي تقول له ؛
- اسمع يا آريستيد ، لدي قاعدة بأن أكون مستقلة ...
أسرع في القيادة ، ودون ان ينظر نحوها قال لها :
- جينيفر ..
ثم صمت ليردف بمزاح :
- بما تناديك الناس ؟ جيني ؟ او جينر ام فاري ؟
انزعاجها جعلها تخفض صوتها وهي تقول له :
- إذا أرادوا مني أن أجيب ، فهم ينادونني جينيفر ..
ردد بثبات ، وبصوته المثير :
- جينيفر .. علي أن أعمل علي ذلك .
ثم تابع :
- حسنا ، يا جينيفر ، القواعد صنعت لتكسر ،
كما وانه موسم الأعياد والتغيير ..
أدار جهاز الراديو فصدحت موسيقي العيد وملأت الشاحنة ،
ومع تلك الأغنية إحساسها بالانزعاج تبخر ،
فهذه ليلة العيد وحتي لو كانت في التاسعة والعشرين من
عمرها ، لقد شعرت بالحماسة والاثارة في تلك الليلة ،
انها سحر خاص ..
عندما انتهت الأغنية وضع مكانها موسيقي هادئة ،
غني آريستيد مع الأغنية وسألها :
- أتساءل كيف هو العيد في مناطق الباهامس أو بانكوك أو علي متن سفينة ؟
سألته باهتمام :
- هل أنت ذاهب في رحلة لإمضاء العيد ؟!
اجابها سريعًا :
- لا ، لكن عائلتي ستفعل ..
حدثته بلمحة حزن بدت في صوتها :
- هل يعني أنك ستكون بمفردك يوم العيد ؟!
اخبرها بنبرة رنانة :
- لو أردتِ لن أكون بمفردي ...
فكرت جينيفر بالعيد في منزلها ، الشجرة
المزينة ، الهدايا المخبأة في العلية ،
وبالشخص الوحيد الذي سيشاركها كل هذا .
انتظر ردها كثيرًا على جملته ، ليردف حتى يزيل الحرج عنه :
- سنحتفل .. فقط أنا وظلي ..
حاولت أن لا تستمع للغضب الساخط في صوته ،
وقالت لنفسها .. لا يمكن أن يكون
آريستيد آرنستو وحيدًا ..
لكن جينيفر تعرف جيدا معني الوحدة وتفهم صداها في صوت أي إنسان آخر ..
شعرت بالشفقة عليه ، فقالت له :
- يمكنك أن تأتي للمنزل في الغد .
للحظة .. سطع مصباح الشارع علي وجه
آريستيد ،
فالتفتت نحوه على الفور ،
لم تكن متأكدة من رؤية تعابير المفاجأة علي وجهه من دعوتها ،
أرادت أن تسترد كلماتها ،
لكنها قالت عوضا عن ذلك :
- هذا هو الشارع ، منزلي في وسط المبني التالي ...
أوقف الشاحنة أمام منزلها واستدار لمواجهتها وهو يقول لها بصوته المؤثر :
- أنت تدعينني لإمضاء العيد معك ؟!
كان صوته يحمل دفئا فتمنت لو بإمكانها أن
تجد طريقة لتجعله يفهم أنها غير مهتمة به ،
بل هي غير مهتمة بأي أحد غيره ..
سألته بضيق :
- هل هذا يعني أنك ستأتي ؟!
اجابها بإبتسامة رقيقة :
- أحب أن أفعل ..
فجأة لم تعد قادرة علي التفكير بطريقة واضحة ،
والسبب يعود الي صوته ،
فهو يثير العواطف لدي المرأة ، ويجعلها تشعر بأنها ناعمة ودافئة ،
علي الرغم من برودة الطقس ،
فهو جذاب جدا لكنه من المحتمل أنه يعلم ذلك ،
أبعدت نظرها عنه وأخذت تفكر بطريقة تجعله يفهم أنه من المستحيل أن يكون هناك شيء بينهما ..
رأت الستائر أمام نافذ تها تتحرك .....
ها قد وجدت الوسيلة ،
الطريقة لتبرهن له أنها لا تستطيع التورط معه ،
أو مع أي إنسان آخر ،
لم يكن عليها أن تقول شيئا ، صباح الغد سيرى بنفسه .
- شكرا لك علي إيصالي للمنزل .
قالتها له وهي تعبر الباب الخارجي للمنزل ..
ليعلو صوته خلفها مرددًا :
- وشكرا لك علي الدعوة ..
أجابت دون ان تنظر إليه :
- أهلا بك .. كما وأن ابنتي الصغيرة تحب أن يكون لدينا رفقة علي العيد ..
ضم حاجبيه وهو يسألها بدهشة :
- ابنتك الصغيرة ؟!
قالت له وهي تلوح بكفها :
- نعم انها في الخامسة من عمرها ،
واسمها ستيفاني ، أراك عند الساعة الحادية عشر
غدا ..
أغلقت الباب قبل أن يتمكن من قول
وداعا ،
ولكن آريستيد لم يكن متأكدا أنه قادرا علي قول أي شيء بكل الأحوال .....
ابنتها الصغيرة ؟
سيمضي العيد مع جينيفر وابنتها الصغيرة ،
البالغة من العمر خمس سنوات ؟
لماذا لم تخبره بأن لديها طفلة ؟
ربما لأنه لم يسأل !
ما الذي سيقوله لفتاة صغيرة ؟
أمر مؤسف أنه لا يستطيع الاتصال ب دريك أو لوكاس ، فهما يعرفان ما الذي عليهم فعله ،
لوكاس دائما كان يحب الأطفال ، وحتي دريك يبدو مرتاحا حولهم .
عند الإشارة الحمراء ، توقفت أفكار آريستيد مع المحرك ،
تساءل ما الذي يفعله دريك في الباهامس و لوكاس في بانكوك ؟ تحت أشعة الشمس الحارقة وهما ممدان علي الرمال
البيضاء ، عندما تحولت الإشارة الي خضراء ،
أبعد قدمه عن الفرامل ، وهو ما زال يتسأل ..
ما الذي يفعلانه الان ؟
انه ليس بحاجة لأي مقدرة ليتصور ما الذي
يفعلانه الآن ،
بينما هو ، في المقابل ، هنا ...
في جنوب اليونان حيث الطقس الرطب
البارد ، وبمفرده مع امرأة بالكاد تبتسم ،
وعيناها البنيتان تلمحان لأشياء لا يستطيع حتي أن يتخيلها ، وسيمضي نهار العيد مع
طفلة صغيرة ، وهو يعلم وبدون أي شك أن الأطفال تثير قلقه على الدوام .
- كم من الوقت سيمضي قبل أن يصل
ماما ؟
أحاطت جينيفر رسغ ستيفاني بأصابعها والتي كانت تضع عليه ساعة جديدة و
أحنت رأسها الي قرب رأس ابنتها قائلة :
- عندما تصبح الإبرة الجديدة علي الرقم اثني عشر والإبرة الصغيرة علي الرقم الحادي عشر .
عينان بنيتان كبيرتان ، مليئتان بالفضول ،
نظرت اليها وقالت :
- الساعة الثانية عشر الحادية
عشر ؟
ضحكت جينيفر من قلبها وهي توضح لها الأمر :
- لا عزيزتي ،
عند الساعة الحادية عشر ..
وبصوت ناعم سرحت عن الساعة وكيف تحسب كل خمس دقائق .
قالت ستيفاني باستفهام :
- ومتي تعتقدين أنها ستصبح الحادية عشر ؟!
قبلت كفها الصغير وهي تقول لها :
- بعد خمس وثلاثين دقيقة ..
قالت الفتاة الصغيرة :
- آه .. انه وقت طويل ..
هذا يعتمد علي سن الانسان ، بالنسبة ل ستيفاني الخمسة وثلاثين دقيقة تعتبر وقتا طويلا ،
أما ل جينيفر ، التي نظرت حولها الي الأوراق الممزقة ،
و أوراق الهدايا المجعدة ، و الشرائط المكومة ، و العلب الفارغة ، فاعتبرت أن هذا الوقت ليس كافيا .
سألت ستيفاني باههل باهتمام :
- تعتقدين أن السيد أبراثي يستطيع البقاء مستيقظا لوقت كافي ليري آلة التسجيل الجديدة ؟ !
انتقل السيد أبراثي الي الشقة الخلفية للمنزل قبل عيد الهالوين ، وبعد مدة قصيرة أصبحت ستيفاني تطلب الشاي مع كل وجبات الطعام ،
ومنذ ذلك الوقت تقريبا ، أصبحت كلمة " هل تعتقدين "
تحسب في كل أسئلتها ..
ابتسمت جينيفر وطبعت قبلة علي جبين
ابنتها وقالت :
- أعتقد أن السيد أبراثي سيعجب كثيرا بها ؟!
قالت لها ستيفاني بحزن :
- جيد .. ماما .. ألا تحبين عيد الميلاد ؟!
انها فقط تحب ابنتها ، لذلك اجابتها بثقة :
- بالطبع عزيزتي ..
حاولت ستيفاني جاهدة لتقف وضربت
الأسلاك المعدنية بساقيها ، بالطاولة الصغيرة ،
وبصورة أوتوماتيكية مدت جينيفر يدها
لتساعد ابنتها لتنهض ،
عينان بنيتان ، تماما كعينيها ، حدقتا بها ..
وكأنها تنظر الي مرآة داخل قلب ابنتها ،
فشعور ستيفاني واضح في عينيها ،
الثقة .. الحب ... السعادة ، واليوم يضاف اليها الإثارة والحماسة ،
وفوق كل ذلك لمسة من العناد ، و التي بإمكان المرء رؤيتها علي بعد ميل تقريبا ..
دفعت الفتاة بنفسها علي قدميها ، وبمساعدة العصى ،
أسرعت نحو الباب وقد وضعت شرائط لآلة التسجيل الجديدة وعلقتها علي كتفيها ، عند الباب نظرت الي أمها وقالت :
- كم من الدقائق بعد ؟!
قالت جينيفر بصوت ناعم وهي تبتسم :
- أربع وثلاثين دقيقة ..
قالت ستيفاني قبل أن تخرج مسرعة من الباب :
- مازال الوقت طويل جدًا ..
أمسكت بسلة الفواكه وقد لفتها بورق
الألمنيوم ،
وتبعت جينيفر وقع خطوات
ابنتها علي الدرج وهي تسير بسرعة كبيرة
عبر الممر ،
نحو الجهة الخلفية من المنزل ،
فتح أبراثي الباب وسمعت جينيفر ستيفاني تقول :
- صباح الخير .. و عيد سعيد سيد أبراثي ..
ابتسم بحبور قائلًا :
- ولكِ أيضا طفلتي ، ادخلي .. أدخلي ،
آه سيدتي الصغيرة ،
أضاف عندما وصلت جينيفر الي بابه :
- تسعدني رؤيتك أيضا ،
لقد حضرت للتو ابريقا من الشاي ..
ابتسمت جينيفر وهي تسلم الرجل العجوز سلة الفاكهة .
تحب ستيفاني جارهما بشدة وهي مقتنعة أنه رجل العيد ،
" بابا نويل "
ولقد عانت الكثير من الألم والعذاب ،
في حياتها وليس لدي جينيفر القلب الشجاع لتخبر ابنتها الحقيقة ،
كما أنها لا تستطيع الاختلاف مع ابنتها ،
فهو حقا يشبه رجل العيد ، بلحيته البيضاء ، وملابسه الحمراء حتي جواربه الصوفية .
استدار الرجل العجوز أمامهما برشاقة تثير
العجب لرجل بعمره ،
حتى وصل نحو الطاولة ورفع إبريق الشاي ونظر الي جينيفر ليسألها بصمت ،
ان كانت ستشاركه شرب فنجان من الشاي
...
قالت لها بلطف بالغ :
- أحب أن أبقي سيد أبراثي ،
لكنني لا أستطيع اليوم ،
أردت فقط أن أتمني لك عيدا سعيدا ،
وأن أقول لك كم أقدر الأوقات التي كنت تمضيها مع ستيفاني لأجلي ..
قال وهو يحمل صحنا كبيرا من الحلوى :
- كنت سعيدا جدا للقيام بذلك ،
أليس لديك وقت لتناول قطعة حلوي صغيرة ؟!
كان الصحن يحتوي علي كل أنواع الحلوى تقريبا ،
فرفعت جينيفر حاجبيها متسائلة :
- من أين حصلت علي كل هذه الأنواع من الحلوى ؟
ضحكت ستيفاني وجلست علي مقعد وهي تقول :
- مَن من الأطفال الذين يتركون الحلوى
لرجل العيد ، يا ماما .
غمز السيد أبراثي وقال ل جينيفر
- لا تلقيت هذه الحلوى من الأصدقاء ..
قالت وهي تضحك :
- لابد أن لديك الكثير من الأصدقاء !
احنى ظهره ليصل إليها ، وقال لها
- و بالطبع امرأة جميلة مثلك ، لديها العديد من الأصدقاء .
وقبل أن تتمكن جينيفر من الإجابة قالت ستيفاني :
- معظم أصدقاء أمي هم الأطباء والممرضات ،
أليس كذلك يا ماما ؟!
مررت يدها فوق شعر ابنتها وقالت وهي تبتسم :
راين أيضا ، فهي صديقتنا ..
وافقت ستيفاني بحماس :
- نعم .. ولا تنسي الصديق الجديد الذي دعوته لقضاء العيد معنا ..
لقد اصبح آريستيد صديقها !
لم تكن جينيفر راغبة في التحدث عن الأمر ،
كما وأن بعد اليوم فهي تشك أنها ستراه ثانية ..
قالت جينيفر كي تغيير دفة الحوار :
- كانت ستيفاني قلقة أن تكون نائما أو تكون منشغلًا ..
فأجاب بقوله :
- أعمالي قد شارفت علي الانتهاء ،
كنت سأتناول بعض الحلوى وأنام ..
نظر لستيفاني موجه لها الحديث :
هل تشربين الشاي معي ؟
هزت الطفلة رأسها موافقة فأضاف الرجل
العجوز وهو يبتسم نحو جينيفر :
- لا تقلقي جينيفر سأرسلها للمنزل عندما ننتهي من شرب الشاي ..
ودعت ستيفاني أمها وانتظرت حتي سمعت صوت الباب يغلق ، ابتسمت بفرح له وببراءة وتعجب راقبته وهو يتثاءب ،
وربت يده علي معدته وقدم لها صحن لحلوى ،
اختارت أكبر قطعة وقضمت منها قبل أن تشرب من
فنجان الشاي ..
فسألها باهتمام :
- أخبريني صغيرتي ، هل حصلت علي كل ما تريدينه هذا العيد ؟!
______________________
_____________________
- الي أين أنت ذاهب ؟
اجابها ببساطة :
- سأوصلك الي منزلك ..
كانت حائرة ومشتتة ، و هي تقول له ؛
- اسمع يا آريستيد ، لدي قاعدة بأن أكون مستقلة ...
أسرع في القيادة ، ودون ان ينظر نحوها قال لها :
- جينيفر ..
ثم صمت ليردف بمزاح :
- بما تناديك الناس ؟ جيني ؟ او جينر ام فاري ؟
انزعاجها جعلها تخفض صوتها وهي تقول له :
- إذا أرادوا مني أن أجيب ، فهم ينادونني جينيفر ..
ردد بثبات ، وبصوته المثير :
- جينيفر .. علي أن أعمل علي ذلك .
ثم تابع :
- حسنا ، يا جينيفر ، القواعد صنعت لتكسر ،
كما وانه موسم الأعياد والتغيير ..
أدار جهاز الراديو فصدحت موسيقي العيد وملأت الشاحنة ،
ومع تلك الأغنية إحساسها بالانزعاج تبخر ،
فهذه ليلة العيد وحتي لو كانت في التاسعة والعشرين من
عمرها ، لقد شعرت بالحماسة والاثارة في تلك الليلة ،
انها سحر خاص ..
عندما انتهت الأغنية وضع مكانها موسيقي هادئة ،
غني آريستيد مع الأغنية وسألها :
- أتساءل كيف هو العيد في مناطق الباهامس أو بانكوك أو علي متن سفينة ؟
سألته باهتمام :
- هل أنت ذاهب في رحلة لإمضاء العيد ؟!
اجابها سريعًا :
- لا ، لكن عائلتي ستفعل ..
حدثته بلمحة حزن بدت في صوتها :
- هل يعني أنك ستكون بمفردك يوم العيد ؟!
اخبرها بنبرة رنانة :
- لو أردتِ لن أكون بمفردي ...
فكرت جينيفر بالعيد في منزلها ، الشجرة
المزينة ، الهدايا المخبأة في العلية ،
وبالشخص الوحيد الذي سيشاركها كل هذا .
انتظر ردها كثيرًا على جملته ، ليردف حتى يزيل الحرج عنه :
- سنحتفل .. فقط أنا وظلي ..
حاولت أن لا تستمع للغضب الساخط في صوته ،
وقالت لنفسها .. لا يمكن أن يكون
آريستيد آرنستو وحيدًا ..
لكن جينيفر تعرف جيدا معني الوحدة وتفهم صداها في صوت أي إنسان آخر ..
شعرت بالشفقة عليه ، فقالت له :
- يمكنك أن تأتي للمنزل في الغد .
للحظة .. سطع مصباح الشارع علي وجه
آريستيد ،
فالتفتت نحوه على الفور ،
لم تكن متأكدة من رؤية تعابير المفاجأة علي وجهه من دعوتها ،
أرادت أن تسترد كلماتها ،
لكنها قالت عوضا عن ذلك :
- هذا هو الشارع ، منزلي في وسط المبني التالي ...
أوقف الشاحنة أمام منزلها واستدار لمواجهتها وهو يقول لها بصوته المؤثر :
- أنت تدعينني لإمضاء العيد معك ؟!
كان صوته يحمل دفئا فتمنت لو بإمكانها أن
تجد طريقة لتجعله يفهم أنها غير مهتمة به ،
بل هي غير مهتمة بأي أحد غيره ..
سألته بضيق :
- هل هذا يعني أنك ستأتي ؟!
اجابها بإبتسامة رقيقة :
- أحب أن أفعل ..
فجأة لم تعد قادرة علي التفكير بطريقة واضحة ،
والسبب يعود الي صوته ،
فهو يثير العواطف لدي المرأة ، ويجعلها تشعر بأنها ناعمة ودافئة ،
علي الرغم من برودة الطقس ،
فهو جذاب جدا لكنه من المحتمل أنه يعلم ذلك ،
أبعدت نظرها عنه وأخذت تفكر بطريقة تجعله يفهم أنه من المستحيل أن يكون هناك شيء بينهما ..
رأت الستائر أمام نافذ تها تتحرك .....
ها قد وجدت الوسيلة ،
الطريقة لتبرهن له أنها لا تستطيع التورط معه ،
أو مع أي إنسان آخر ،
لم يكن عليها أن تقول شيئا ، صباح الغد سيرى بنفسه .
- شكرا لك علي إيصالي للمنزل .
قالتها له وهي تعبر الباب الخارجي للمنزل ..
ليعلو صوته خلفها مرددًا :
- وشكرا لك علي الدعوة ..
أجابت دون ان تنظر إليه :
- أهلا بك .. كما وأن ابنتي الصغيرة تحب أن يكون لدينا رفقة علي العيد ..
ضم حاجبيه وهو يسألها بدهشة :
- ابنتك الصغيرة ؟!
قالت له وهي تلوح بكفها :
- نعم انها في الخامسة من عمرها ،
واسمها ستيفاني ، أراك عند الساعة الحادية عشر
غدا ..
أغلقت الباب قبل أن يتمكن من قول
وداعا ،
ولكن آريستيد لم يكن متأكدا أنه قادرا علي قول أي شيء بكل الأحوال .....
ابنتها الصغيرة ؟
سيمضي العيد مع جينيفر وابنتها الصغيرة ،
البالغة من العمر خمس سنوات ؟
لماذا لم تخبره بأن لديها طفلة ؟
ربما لأنه لم يسأل !
ما الذي سيقوله لفتاة صغيرة ؟
أمر مؤسف أنه لا يستطيع الاتصال ب دريك أو لوكاس ، فهما يعرفان ما الذي عليهم فعله ،
لوكاس دائما كان يحب الأطفال ، وحتي دريك يبدو مرتاحا حولهم .
عند الإشارة الحمراء ، توقفت أفكار آريستيد مع المحرك ،
تساءل ما الذي يفعله دريك في الباهامس و لوكاس في بانكوك ؟ تحت أشعة الشمس الحارقة وهما ممدان علي الرمال
البيضاء ، عندما تحولت الإشارة الي خضراء ،
أبعد قدمه عن الفرامل ، وهو ما زال يتسأل ..
ما الذي يفعلانه الان ؟
انه ليس بحاجة لأي مقدرة ليتصور ما الذي
يفعلانه الآن ،
بينما هو ، في المقابل ، هنا ...
في جنوب اليونان حيث الطقس الرطب
البارد ، وبمفرده مع امرأة بالكاد تبتسم ،
وعيناها البنيتان تلمحان لأشياء لا يستطيع حتي أن يتخيلها ، وسيمضي نهار العيد مع
طفلة صغيرة ، وهو يعلم وبدون أي شك أن الأطفال تثير قلقه على الدوام .
- كم من الوقت سيمضي قبل أن يصل
ماما ؟
أحاطت جينيفر رسغ ستيفاني بأصابعها والتي كانت تضع عليه ساعة جديدة و
أحنت رأسها الي قرب رأس ابنتها قائلة :
- عندما تصبح الإبرة الجديدة علي الرقم اثني عشر والإبرة الصغيرة علي الرقم الحادي عشر .
عينان بنيتان كبيرتان ، مليئتان بالفضول ،
نظرت اليها وقالت :
- الساعة الثانية عشر الحادية
عشر ؟
ضحكت جينيفر من قلبها وهي توضح لها الأمر :
- لا عزيزتي ،
عند الساعة الحادية عشر ..
وبصوت ناعم سرحت عن الساعة وكيف تحسب كل خمس دقائق .
قالت ستيفاني باستفهام :
- ومتي تعتقدين أنها ستصبح الحادية عشر ؟!
قبلت كفها الصغير وهي تقول لها :
- بعد خمس وثلاثين دقيقة ..
قالت الفتاة الصغيرة :
- آه .. انه وقت طويل ..
هذا يعتمد علي سن الانسان ، بالنسبة ل ستيفاني الخمسة وثلاثين دقيقة تعتبر وقتا طويلا ،
أما ل جينيفر ، التي نظرت حولها الي الأوراق الممزقة ،
و أوراق الهدايا المجعدة ، و الشرائط المكومة ، و العلب الفارغة ، فاعتبرت أن هذا الوقت ليس كافيا .
سألت ستيفاني باههل باهتمام :
- تعتقدين أن السيد أبراثي يستطيع البقاء مستيقظا لوقت كافي ليري آلة التسجيل الجديدة ؟ !
انتقل السيد أبراثي الي الشقة الخلفية للمنزل قبل عيد الهالوين ، وبعد مدة قصيرة أصبحت ستيفاني تطلب الشاي مع كل وجبات الطعام ،
ومنذ ذلك الوقت تقريبا ، أصبحت كلمة " هل تعتقدين "
تحسب في كل أسئلتها ..
ابتسمت جينيفر وطبعت قبلة علي جبين
ابنتها وقالت :
- أعتقد أن السيد أبراثي سيعجب كثيرا بها ؟!
قالت لها ستيفاني بحزن :
- جيد .. ماما .. ألا تحبين عيد الميلاد ؟!
انها فقط تحب ابنتها ، لذلك اجابتها بثقة :
- بالطبع عزيزتي ..
حاولت ستيفاني جاهدة لتقف وضربت
الأسلاك المعدنية بساقيها ، بالطاولة الصغيرة ،
وبصورة أوتوماتيكية مدت جينيفر يدها
لتساعد ابنتها لتنهض ،
عينان بنيتان ، تماما كعينيها ، حدقتا بها ..
وكأنها تنظر الي مرآة داخل قلب ابنتها ،
فشعور ستيفاني واضح في عينيها ،
الثقة .. الحب ... السعادة ، واليوم يضاف اليها الإثارة والحماسة ،
وفوق كل ذلك لمسة من العناد ، و التي بإمكان المرء رؤيتها علي بعد ميل تقريبا ..
دفعت الفتاة بنفسها علي قدميها ، وبمساعدة العصى ،
أسرعت نحو الباب وقد وضعت شرائط لآلة التسجيل الجديدة وعلقتها علي كتفيها ، عند الباب نظرت الي أمها وقالت :
- كم من الدقائق بعد ؟!
قالت جينيفر بصوت ناعم وهي تبتسم :
- أربع وثلاثين دقيقة ..
قالت ستيفاني قبل أن تخرج مسرعة من الباب :
- مازال الوقت طويل جدًا ..
أمسكت بسلة الفواكه وقد لفتها بورق
الألمنيوم ،
وتبعت جينيفر وقع خطوات
ابنتها علي الدرج وهي تسير بسرعة كبيرة
عبر الممر ،
نحو الجهة الخلفية من المنزل ،
فتح أبراثي الباب وسمعت جينيفر ستيفاني تقول :
- صباح الخير .. و عيد سعيد سيد أبراثي ..
ابتسم بحبور قائلًا :
- ولكِ أيضا طفلتي ، ادخلي .. أدخلي ،
آه سيدتي الصغيرة ،
أضاف عندما وصلت جينيفر الي بابه :
- تسعدني رؤيتك أيضا ،
لقد حضرت للتو ابريقا من الشاي ..
ابتسمت جينيفر وهي تسلم الرجل العجوز سلة الفاكهة .
تحب ستيفاني جارهما بشدة وهي مقتنعة أنه رجل العيد ،
" بابا نويل "
ولقد عانت الكثير من الألم والعذاب ،
في حياتها وليس لدي جينيفر القلب الشجاع لتخبر ابنتها الحقيقة ،
كما أنها لا تستطيع الاختلاف مع ابنتها ،
فهو حقا يشبه رجل العيد ، بلحيته البيضاء ، وملابسه الحمراء حتي جواربه الصوفية .
استدار الرجل العجوز أمامهما برشاقة تثير
العجب لرجل بعمره ،
حتى وصل نحو الطاولة ورفع إبريق الشاي ونظر الي جينيفر ليسألها بصمت ،
ان كانت ستشاركه شرب فنجان من الشاي
...
قالت لها بلطف بالغ :
- أحب أن أبقي سيد أبراثي ،
لكنني لا أستطيع اليوم ،
أردت فقط أن أتمني لك عيدا سعيدا ،
وأن أقول لك كم أقدر الأوقات التي كنت تمضيها مع ستيفاني لأجلي ..
قال وهو يحمل صحنا كبيرا من الحلوى :
- كنت سعيدا جدا للقيام بذلك ،
أليس لديك وقت لتناول قطعة حلوي صغيرة ؟!
كان الصحن يحتوي علي كل أنواع الحلوى تقريبا ،
فرفعت جينيفر حاجبيها متسائلة :
- من أين حصلت علي كل هذه الأنواع من الحلوى ؟
ضحكت ستيفاني وجلست علي مقعد وهي تقول :
- مَن من الأطفال الذين يتركون الحلوى
لرجل العيد ، يا ماما .
غمز السيد أبراثي وقال ل جينيفر
- لا تلقيت هذه الحلوى من الأصدقاء ..
قالت وهي تضحك :
- لابد أن لديك الكثير من الأصدقاء !
احنى ظهره ليصل إليها ، وقال لها
- و بالطبع امرأة جميلة مثلك ، لديها العديد من الأصدقاء .
وقبل أن تتمكن جينيفر من الإجابة قالت ستيفاني :
- معظم أصدقاء أمي هم الأطباء والممرضات ،
أليس كذلك يا ماما ؟!
مررت يدها فوق شعر ابنتها وقالت وهي تبتسم :
راين أيضا ، فهي صديقتنا ..
وافقت ستيفاني بحماس :
- نعم .. ولا تنسي الصديق الجديد الذي دعوته لقضاء العيد معنا ..
لقد اصبح آريستيد صديقها !
لم تكن جينيفر راغبة في التحدث عن الأمر ،
كما وأن بعد اليوم فهي تشك أنها ستراه ثانية ..
قالت جينيفر كي تغيير دفة الحوار :
- كانت ستيفاني قلقة أن تكون نائما أو تكون منشغلًا ..
فأجاب بقوله :
- أعمالي قد شارفت علي الانتهاء ،
كنت سأتناول بعض الحلوى وأنام ..
نظر لستيفاني موجه لها الحديث :
هل تشربين الشاي معي ؟
هزت الطفلة رأسها موافقة فأضاف الرجل
العجوز وهو يبتسم نحو جينيفر :
- لا تقلقي جينيفر سأرسلها للمنزل عندما ننتهي من شرب الشاي ..
ودعت ستيفاني أمها وانتظرت حتي سمعت صوت الباب يغلق ، ابتسمت بفرح له وببراءة وتعجب راقبته وهو يتثاءب ،
وربت يده علي معدته وقدم لها صحن لحلوى ،
اختارت أكبر قطعة وقضمت منها قبل أن تشرب من
فنجان الشاي ..
فسألها باهتمام :
- أخبريني صغيرتي ، هل حصلت علي كل ما تريدينه هذا العيد ؟!
______________________