16

تثاقل دوناتيلو في سيره، سار حتى قارب باب غرفته، جسده كان و كأنه يحمل هموم العالمين أجمع، نظرى الي الممر الضيق الذي في آخر الزقاق هناك، ما عاد يستطيع التمييز بين حقيقة أو خيال، ظلال لكيانات غريبة يراها تتراقص أمامه، تحوم حوله، و دون سابق إنذار تختفي، تماسك نفسه و هم بالنهوض، عار عليه أن يسقط بهذة السهولة، ففي حياته منذ صغره كان والده يهتم بأخيه الأكبر كابريل الذي أصبح وزيرا ذا شأن و سلطة كما أراده والده، يتذكر دوناتيلو اللحظات التي كان يخطأ و يقع في المصائب الواحدة تلو الأخرى، يظن أن والده النرجسي سيترك كل إجتماعاته التي على مدار الثلاثمائة و خمسة و ستين يوما، و لكن لا تسير الأمور هكذا في عائلة دوايز، دائما ما يرسلون له المساعد الشخصي لحل ما يقومه من أفعال صبيانية كما كانت والده يقول له.
فتحت دوناتيلو باب غرفته و أخذ نفسا عميقا، بين الوسادات الكثير أغرق نفسه محاول تناسي الماضي و مواكبة تيار الحاضر، رغم أن المستقبل إعصار على مرئي ناظرييه.
هو لا يهتم كثيرا بأمور العوالم الموازية، لا يصدق بتات تلك النظريات و الفرضيات، يؤمن فقط بما له دليل و برهان قطعي، بيد أنه بعد مقابلته لمالينا تغير قليلا و بات يتابع أخبارها و يراقب و يقلد ما تفعله يهتم لما يهماها أمره، ربما قد جاء الوقت ليتغير أو أنه لم يحن.











" ما الذي تقوله هذة البيضاء"
قالت إمرأة لصاحبتها حيث تجمعن حول مالينا تلك التى كانت تتحدث عن خطر تصديق بدع الدجالين.
" أتنصحيننا و قبل يومين رأيتك عند طارد الأرواح ذاك تلتمسين عونه، عن أي منطقة تريدين منا أن نتبعه"
صاحت فتاة سمينة شاحبة الوجه. كانت تمضغ نوع من التمر طريا و حلو المذاق .

" إسمعوني، إن التعامل مع السحر لشيء منافي للفطرة، كنت أجرى أبحاثا و تحريات عن هذا الموضوع ووجدت الأمر به هفوات و أسرار خفيه، به سفك دماء و إزهاق للأرواح و مآسي كثيره، إجتنبوها لعلكم تنعمون بحياة رخية"
قالت مالينا و هي تنظر صوب تلك الفتاة السمينة.
" إليكم عنها"
ردت فتاة و أسرعت بالمغادرة.

توالت السيدات بالذهاب واحدة تلوها الأخرى، تركوها لمالينا واقفة محدقة في الساحة الفارغة.
" سيدتي"
همست أياكو
نظرت إليها مالينا بحزن و نزلت عن الخشبة التي كانت تقف عليها...

كم من الصعب أن يظن المرء نفسه قادر على تغير العالم كله بمجرد أنه قرر هذا، أحيانا يجب عليه بدأ التغيير و الإصلاح من داخله و العالم حتما سيصبح مكان أفضل، أفكار كهذة كانت تراود مالينا تلك التي خاب أملها و لكنها لم تستسلم ففي داخلها بركان لن يخمد و لو بعد مئة عام.



" أعرف ما تودين قوله"
قالت مالينا وهي تأخذ حقيبتها، لوهلة أحست بأن يدها ترتجف من تلقاء نفسها، أمسكتها بقوة. أحست مالينا وكأن الضغط بات عاليا و الأرض تسحبها للأسف.
"أي نوع من القوى الخفية هذة"
همست مالينا

صفعت نفسها بقوة و إستعادت زمام أمرها.
" هل أنت بخير؟"
سألت أياكو بقلق، فوجه مالينا بات لا يمكن تفسيره.
بضع خطوات للأمام ثم سقطت أرضا دون حراك، لا أحد يقترب منهما ليساعدهما، على بعد شارع كانت تلك الفتاة قرمزية العينين واقفه تشاهد ما جرى لهما. أسرعت بالركض حتى وصلت المخيم، كانت تبحث عن كاينر دون توقف، دخلت غرفة ظنتها تخصه، إستضمت به فوقعت على الأرض.
" هل فاض شوقك و جئيتي إلي وحالك لا يحسد عليها؟
ما الأمر؟"
سأل كاينر و هو يساعدها على النهوض.
سحبت قرمزية العينين يدها منه و قالت بصوت يكاد يسمعه:
" صديقتك ...
إنها في حال بائسة لا أحد يقبل مساعدتهما
أنقذها و الإ هلكت"

" خذيني إليها،
بالمناسبة أنا ليس لدي أصدقاء"
رد كاينر ثم توجها بعدها الي حيث كانت مالينا تستلقى على الأرض لم تكن أياكو بجانبها، تفحصها كاينر، هي لا تشكو من أي خطب.
" أحدهم دس غرضا مسحورا في حقيبتها، لقد رأيته و لم أتمكن من مساعدتها، لا أحد يسمع صرخاتي حتى و إنصحت فلن يجيبو نداء إستغاثتي."
قالت قرمزية العينين و قد بدأت الدموع تنهمر من عينيها.
لم يتحمل فؤاد كاينر رؤيتها تبكي.
" إمسحي دموعك، فأنا هنا، أسمعك و أراك و أشعر بك، لست وحدك "
قال كاينر و هو يمسح دموعها تبسم لها بحنية.
فتحت مالينا عينيها ببطء و قالت :
" ماء...
أريد الماء"

" إنه هنا لقد جلبته"
قالت أياكو التى كانت تحمل كوبا به القليل من الماء فلم يرضى أحد إعطاها، كل من يعيق أعراف و عادات قبائلهم في نظرهم هو لا يستحق التعامل معه .

" لا تعطها الماء، خذها الي مكان ظليل سأستدلك على طريقة لتخفيف حده ما يعتريها ما آه"
قالت قرمزية العينين بصوتها الرقيق .
أمسك كاينر كوب الماء ووضعه أرضا، نهض وحملها معه متجاهلا كل ما تقوله أياكو له.

كانت ملامحه شاردة، فذلك المشهد من ذلك اليوم يتكرر على مرى من ذاته مجددا، هو لا يريدها أن تموت و هي بين يديه، يكره فكرو كونه عاجزا عن إسعافها، تمنى لو يمتلك قوى سحرية عظمى تخول له المقدرة على شفائها سريعا.


" كاينر!"
نطقت هي بإسمه لأول مرة منذ أن تقابلا، فعيناه كادتا تدمعان.
" تمالك نفسك"
همست هي، فنظر إليها و مقلتاه تصرخان، ساعديها فأنا عاجز.

أخرجت قرمزية العينين، قنينه بها سائل برتقالي اللون، طلب من كاينر أن يرشها به على جسدها ببطء و تأنى .
أخبرته أن يردد عبارتها من بعدها بصوت عالي كل مرة يذكر فيها إسم مالينا يجب عليه رشها بكمية أكثر من ذي قبل من السائل، واصلا على هذا المنوال حتى كادت محتويات القنينة تنفذ.
فتحت مالينا عينيها و تبسمت ثم أغلقت عينيها للمرة الثانية.
" هل ستستعيد وعيها؟
ألا يجدر بي نقلها الي المخيم للتلقى العلاج الطبي المناسب لحالته؟"
سأل كاينر بينما ظل يراقبها.

"صه!
الأ تثق بي؟"
ردت قرمزية العينين عليه، و عم الصمت بينهما، بات هو يسمع ضربات سؤدده تقول و بكل وضوح:" أثق بك أكثر من نفسي التي أجهلها"
و اصلت هي ترديت عبارة من لغة لم يتعرف عليها، أغمضت عينها و قالت بعد بضع دقائق:" أعطنى يدك"
همس هو " لماذا؟"
ردت هي بإنزعاج" ألا تجيد غير دور المحقق"
سحبت هي يده ووضعت سورا عليه
" ألبسها هذة، ستكون بخير أحد السكان أصابه بالسحر الأسود، عليها ملازمة المنزل لفترة، لا يجب عليها التعرض للشمس لثلاثة ليالي، ستكون بخير"

قالت هي ثم همت بالرحيل، فقد أطالت عليه الحديث.
" ما إسمك؟"
سأل كاينر
" أعدنا لمربع البداية؟
سمنى ما تشاء"
ردت هي و يدها على قلبها.

تحركت مالينا فنظر كاينر إليها،
" تماسك ستكونين بخير، لقد أنقذت حياتك"
قال كاينر لها و هو يبتسم لأول مرة لها، لقد كان سعيد كونه تمكن من إنقاذها بعد فقدانه الأمل في ذلك.
تلفت حوله، لقد إختفت قرمزية العينين، لم تخبره متى سيلتقيان مجددا، آلمه قلبه فكأنه خسر حربا لم تبدأ قط.
" تبا"
همس كاينر
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي