الفصل الأول

... أجلس هنا و تداعب وجهي انسام الهواء العليل ، أستنشق ذرة ذرة من هذا النسيم الرائع  ، كل هذه الأراضي الخضراء و المساحات الشاسعة التي تسمح لي و للعجائز هنا في الإسترخاء هي ملكي انا ...، باري أو كما هو اسمي براين دي وايت ، و لكن منذ زمن بعيد لم أعد أتذكره يناديني الجميع باري و اليوم صرت العجوز باري  ، رجل في الخامسة و الثمانين من عمره ، أجل انا كبير جدا في السن ، فقد عشت حياة غزيرة كأشجار الكافور و طويلة الأمد مثلها تماما ، كنت الابن الوحيد وسط ثلاث فتيات جميلات ، حنونات و طيبات القلب ، مع أنني اكبر منهن إلا اعتدن على أن يغمرنني بالدلال لأنني كنت اخوهن الوحيد ،  بريندا  ، سامانثا  ، غريتيلا  ، كانت عائلتنا تغمرها السعادة و الحب ، تربينا مع عائلة لطيفة و والدين محبين ، لا أكذب حياتي عشتها بكل سعادة و دفئ بين أخواتي  ، حتى بعد وفاة والدينا اهتمت بريندا بكل شئ  ، و الفضل في كل هذا الثراء لها ، لأنها كانت تشعر بالمسؤولية أكثر منا نحن الثلاثة ، بريندا منذ الصغر كانت دائما عندما نلعب سويا تمثل دور الأم  ، ولدت لتكون اما عطوفة لأن صفاتها كلها حنونة ، اما سامانثا كانت مشاغبة و متهورة قليلة و لكن كانت محبوبة من الجميع بسبب عفويتها و طيبة قلبها ، غريتيلا أو كما نناديها غريتل كانت الجميلة و الرقيقة ، ذات الطبع الملائكي  ، رغم أنها الأصغر إلا أنها كانت لها رقة مفرطة كالأزهار و محبة للحيوانات و الجميع  كانت مثل الأميرات في طبعها ، وكنا نخاف عليها كثيرا لأنها حساسة و جميلة جدا و لا تتحمل الأذى ...، كنا نشكل عائلة جميلة جدا ، لدينا جيران محبين أيضا في مدينتنا ...
.
...
  عندما قابلت اناستازيا اول مرة أقسم أنه كان حبا من النظرة الأولى  ، لم أستطيع أن أشيح بنظري عنها ، كانت مثل فراشات الربيع المشرقة و كقوس المطر الذي يبهج القلب ، فرحتي بها كانت مثل فرحة الأطفال بهدية العيد  ،  كان حبا مندفعا متبادلا و اقوى من أعاصير كادنغارا ....
أحبت اخواتي كثيرا حتى أنني أحيانا أشعر بالغيرة من علاقتها القوية معهن ، كأنها أختهم و انا زوج الأخت  ، لكن كان هذا محبب إلى قلبي فهن جميعا فتيات صالحات ، يشبهن بعض كثيرا ، تزوجنا بعد قصة حب قوية مباشرة ، عشان حياة جميلة معا و السعادة تتقطر من كل مكان بجوارنا  ، أنجبت طفلتنا الأولى و التي اسميناها بريندا على إسم اختي الكبرى و كانت عرابتها هي ، و بعد أن صارتي بيري في الثالثة انجبنا وليام و الذي أحببناه كثيرا ، بعدها لم نكن مقررين أن ننجب الآن و لكن مشيئت الله كانت اقوى و بعدها ولد أليكس و كان بالنسبة لنا اجمل فرحة أصيبت بها عائلتنا  ، فقد كان من ذوي الاحتياجات الخاصة ، كان لطيف كالملائكة  و مضحك جدا و ظريف لأبعد حد يمكن للإنسان أن يصل له ، كان إخوته يحبونه كثيرا و الجميع يفعل و لكن بعمر الخامسة أصيب بنوبة قلبية جراء ضعف القلب الذي كان يعاني منه و توفي ، كان بالنسبة لنا كسر لا يمكن جبره و انا الان قلبي تألم كأنها المرة الأولى التي يصدمني الخبر ، لم أشعر بالدموع التي تتساقط من عيني و النحيب الذي بدأ يخرج من صوتي إلا بعد أن جائت لويزا  و هي تصرخ خائفة و ملامح الذعر تبدو على وجهها و هي تقول "
باري باري عزيزي هل انت بخير ؟؟
رددت بتحريك رأسي قليلا و لكنها لم تقتنع بذلك ، أمسكت يدي و قبلتها ثم عانقتني بحب ، يالها من طفلة طيبة و محببة و لكن غبية ، تظن أنني لن أعرفها ، أن أذكر هذه الحضن جيدا فهو يمتلك رائحة بريندا  ، سامانثا ، غريتيلا  ، يحمل رائحة عائلة دي وايت ، لا يمكن لحدسي أن يخيب ، فهذه رقة غريتل و قوة بيري و عطفها ثم سذاجة و طيبة سام ، هي من رائحة الحبيبات و انا أعلم هذا من أعماقي فبنات دي وايت لا يشبههن أحد لا شكلا و لا قلبا و عقلا ... أخوات العجوز باري ...، ابتسمت بحب لها ، فأنا أرى نظرة القلق الصادقة في عينيها و منذ أن جائت هذه الدار و هي تهتم بي كثيرا و قريبة إلى قلبي أكثر من نفسي ....
.
.
.
.
.
.
.
.
    لويزا كانت تنظر إلى باري من بعيد ، فهو جدها الذي تحب كثيرا و ستدفع حياتها ثمانا باهظا فقط ليقيم معها ، كانت تسمع عنه كثيرا من جدتها غريتيلا  ، كانت جدتها رقيقة و جميلة لحد كبير ، فخورة بعائلتها التي دائما ما كانت تخبرها عنها ، شقيقها باري المحبب و سام المشاغبة و بيري التي كانت مثل الأم لهم و حتى زوجة شقيقها اللطيفة  ، هي يتيمة الأبوين  ، كان والدها هو الأبن الوحيد لجدتها و لكن توفي بحادث هو و جدها و والدتها فقد غرقت بهم سفينة متجهة إلى سويسرا و هذا كان القشة التي قسمت ظهر جدتها الرقيقة فهي لم تتحمل الصدمة الكبيرة و أصيبت بالقلب و كانت ضعيفة جدا و لكن بالرغم من هذا غمرتها بالحنان و الحب الكبير الذي لم تكن لتحصل عليه حتى لو كان والديها على قيد الحياة  ...
كانت تخبرها أن بيري عطوف و لطيف و حنون حتى تمنت لو كان لها أخ مثله و أيضا هو يخاف الوحدة فقد تربى وسط أسرة مغمورة بالحب و مترابطة لذا يخشى عليهم أو أن يفقدهم  ....، غريتل كانت تتغير ملامحها بطريقة خرافية عندما تتذكر عائلتها و الجو الأسري اللطيف الذي عاشت فيه ، حتى أنها تحتفظ بصور كثيرة لها هي و عائلتها منذ الطفولة  ، حتى باتت لويزا ترى أن أفضل لوحاتها هي ما رسمت لعائلة جدتها الكبرى  ، نظرت إلى باري و هو يزرف الدموع فلم تتحمل فهبت راكضة نحوه ، فلا يعز على قلبها أن ترى جدها الحبيب يذرف دمعة  ، علمت أنه تذكر شيئا عن الماضي ، لانه ترى هذه الدموع على أعين غريتل كلما تذكرت أهلها  و كلما خطر على بالها عائلتها التي كانت تفتخر بها كثيرا ...  أخذته في عناق كانت هي أشد حوجة منه لها  ، فقد اتت لهذا الدور لسبب و لن تعود من دونه ، في البداية كانت قد قررت ألا تتقرب من باري بسرعة هكذا و لكن نسيت هذا اول أن رأت جدها فلم تتحمل و وجدت نفسها تنغمس معه كأنهما يعرفان بعضهما منذ الأزل  و كأن باري علم الرابط الدموي الذي بينهم و كأن هذا لم يكن أول لقاء و لم تتفرق الأسرة أبدا  ...
أصبحت كل الوقت مع باري و إن تركته لساعات تعود ركضا حتى لقبت حبيبه العجوز باري ... و لم يكن هذا يزعجها فما أجمل أن تكون حبيبه جدها و القريبة منه...
.
.
  جلس بعدها باري يتحدث مع صديقه العجوز واكين ، و كان ذلك رجلا هزليا و مضحك للغاية ، كل شيء بقلبه على أطراف لسانه ، لسانه لاذع لكنه طيب ، يحب أن يلعب الدومينو كثيرا  و لكن ل باري معزة خاصة بقلبه و لا يرى اخا له مثل باري ، يحب أن يستمع له و أن ينصحه  ، كلهم عجائز ذوي خبرات هنا لا يوجد أحد اصغر من أحد طالما دخلت سن الشيخوخة ، كلنا نصبح بنفس العمر ، و نفس الخبرة و التجارب سواء كانت قاسية أو حكيمة  ، كان واكين يخاف من التقدم بالسن و لكن عندما وصل له وجد فيه راحته و وجد الصديق الذي لم يحصل عليه في شبابه  و أيضا وجد آخيرا  المأوى الذي أسماه البيت ، فقد عاش حياة ليست لطيفة و ليست قاسية  ، حياة ضائعة و متشتتة و لم يجد راحته اخيرا إلى في أكثر شئ كان يخاف منه و هو كبر السن  ....
  واكين كان جالسا ينظر لصديقه العزيز باري و هو يضحك من قلبه مع لويزا  ، فقد أخبره باري أنه يعلم أنها حفيدته و لكن سينتظرها حتى تتحدث بنفسها و تخبره بذلك ، ظل ينظر لهم من بعيد و يبتسم و تذكر عندما قدم صديقه إلى هنا اول مرة ، كان يبدو حزينا منطفئا ، بقلبه جرحا كبير ، لم يفصح عنه للان و لكن ما علمه أن بيري غاضب و لكن حزين أكثر من ابنه وليام  ، عندما يتحدث عنه يصبح عاطفيا و لكن فجأة تصبح الغيوم داكنة و يغير الموضوع بأي شيء  ، يحذر و يخشى و لا يريد التحدث عن وليام كما لاحظ واكين ، لا يعلم ما حدث و لكن علم أن صديقه مجروح جدا من طفله ، عندما قدم لأول مرة كان واضحا عليه ملامح الترف و الراحة التي تلقاها منذ نعومة أظفاره  ، فأمثال باري من الأشخاص الذين ولدوا على فرش من حرير واضحين من أسلوبهم و طريقة تعاملهم مع الآخرين ، و حتى طريقة حزنهم فخمة مثلهم .... ضحك واكين على أفكاره فهو يتذكر كيف قضى حياته كلها بالشقاء في الطبقة الوسطى و أحيانا كان وضعهم يصل للفقر ، كان والده محبا معطاء و حنون و لكن مات في سن مبكرة تاركا لوالدته ثلاث أطفال و كان هو الأصفر فيهم ، بعد وفاة الوالد أصبح الوضع صعبا أكثر فعملت والدته بكل شيء و اخيرا استقرت على الدعارة فكانت كل يوم تجلب رجل بشكل جديد و لم تعد تهتم بهم و أصبحت مهووسة بنفسها و شبابها الذي انغمست فيه ، و بالتالي ولد هذا اطفال عديمي التربية و الأخلاق فاقدين للدفء و الحنان ، اخته الكبرى هربت مع حبيبها بمجرد أن تخرجت من الثانوية بصعوبة و أخيه إنضم لفتيان سمعتهم ليست جيدة في الأنحاء  ، اما هو فلسوء حظه و هو الأصفر وجد نفسه وحيدا من دون عناية ، والدة مهملة أنانية لا تهتم سوى بنفسها و لا تعلم متى أستيقظ و متى نام  ، هل تناول وجبته أم لا ، فكان بالنسبة لها كالعبء لذا أخذته ذات يوم بسيارة أحد زبائنها مدعية انهم سيذهبون لنزهة ، و التي استمرت يوما كاملا على الطريق و تركته في مونتريال بميتم على ضاحية المدينة بدا كالبيوت المهجورة ثم رحلت و لم تنظر له حتى ، و بعدها لم يعد يشعر بأي مشاعر كأنها انعدمت منه ، في الحقيقة هو لم يحمل مشاعر صادقة في حياته إلا لوالده الذي عاش على ذكراه و على حبه له حتى شاب شعره و من بعد والده فقط صديقه العزيز باري  ، بعدها عاش حياة صعبة مليئة بالأحداث المتعبة فقد قاسى في الميتم حتى خرج منه في سن السابعة عشر و بعدها بدأت الأيام تتخبط به أكثر فأكثر  ... ، عندما كبر واكين كان له عقدة كبيرة من التقدم في السن كي لا يصبح مثل عائلته و عقدة أخرى من الزواج حتى لا يموت و يترك أبنائه كما فعل والده ، يعلم أن هذا ليس بيد والده و أن والده رجل عظيم فعل كلما يستطيع لهم و لكن الظروف كانت أقسى  ، و أن إخوته ضحية تفكك أسري ناتج من ام أنانية لذا لم يعتب عليهم و لكن لم يستطيع الغفران لوالدته حتى و هي تلفظ أنفاسها الأخيرة و قد طلبت منه المغفرة و لكن فعل بها كما فعلت به ، ذهب و تركتها تحتضر في فراشها و لم ينظر لها حتى ، هو ليس نادم أبدا على هذا فهي تستحق  ، بعدها استمرت حياته بين اللهو مع هذه و تلك و لكن واكين لا يتزوج أبدا  ، ثم يعمل هنا و هناك حتى يكمل تعليمه فقد أحب التعليم كثيرا بسبب العجوز شوبنهاور الذي كان يحرس الميتم ، كان رجلا متعلم و مثقف  و لكن الظروف لم تسمح إلا بأن يصبح حارس لميتم مهجور لا أحد يعرف اسمه حتى ... ، بعدها واصل تعليمه حتى اكمل الدراسة الجامعية و أصبح قاضيا مهما يعمل على قضايا الأطفال و مصلحتهم و لكن رجلا لعبوبا لا يتزوج فقد اعتزله بسبب عقدته ، و كان كلما كبر زاد خوفه من التقدم في السن ، حتى تقاعد و هو لا يملك أي عائلة  سوى الخدم الاوفياء بمنزله و الذين حرص على أن يحصلوا على اكراميات جيدة تبقيهم بخير بقية حياتهم  ، و بسبب الخوف من الكبر أصيب بالضغط بعدها أصبح يخشى الوحدة فسمع بهذا الدار فلم يتردد و جمع ما تبقى له من مال و دفعه ليحصل على حياة مريحة و كان هذا أفضل قرار اتخذه في حياته لانه لأول مرة يعلم معنى أسرة و منزل و عائلة هنا  ، علم الآن في وقت متأخر أن ليس كل البشر والدته و لكن لم يأسف على هذا فبسبب هذا التأخر وجد صديق عمره باري و العائلة في هذا الدار و الآن هو عجوز في التسعين  من عمره و قد مضى خمس عشر عاما على وجوده هنا يشعر أنها أفضل سنين حياته و أهمها  ....
.
.
.
.
.
.

.
.
.
.
    كانت هناك في ذلك القصر الجميل تجلس تلك العجوز التي بالرغم من تقدمها في السن إلا أنها كانت جميلة كما كانت ، غريتيلا دي وايت الجميلة التي أحدثت ضجة كبرى عندما تزوجها الدوق الشاب دانيال فيترا  ، الذي جعل الجميع يحب غريتل هو رقتها التي تشبه الأزهار و طيبة قلبها التي لا تبخل لأحد بها و هذا جعلهم يلقبونها بزهرة السلام ، غريتل أرادت أن تعرف متى ستعود حفيدتها لويزا و معها الوعد الذي قطعته عليها ، هي تتحدث معها أكثر من مرة باليوم و لكن اشتاقت لها و أيضا متلهفة ليلتم شملهم من جديد ، فقد ضاقت ذرعا بالفراق و بالصدفة علمت أين هو مكان شقيقها و بعد هذه السنين ، ستكون حريصة على ألا يبتعد عنها شبرا واحدا ، باري باري باري الفتى الشقي الذي اعتدن هي و شقيقاتها على تدليله  ، تذكرت آخر مرة رأته فيها منذ عشرة أعوام و بعدها لم تراه لانه أختفى بسبب نقاش مع ابنه وليام الذي يعاني الآن من نتائج أفعاله  ، باري كان حساس منذ الصغر و لم يعتدن على جعله يعاني نفسيا لانه الشقيق الوحيد لهم و لكن كان إبنه هو من قام بهذا الواجب ، ابنه الذي أحبه و قدم له كل ما يستطيع و لم يحرمه من شئ  ، حتى بعد وفاة اناستازيا رفض باري الزواج و كرس حياته من أجل بيري و وليام الجاحد  ، قام بتزويج بيري من الفتى الذي أحبت و سافرا بعيدا و أيضا قدم لوليام كل ما يحتاج حتى دخلت بيتهم تلك الشيطانة الصغيرة التى تسمى سينتيا  و التي كانت السبب في كل ما جرى بين الأب و ابنه و لكن عاقبها الله عقابا تستحقه...
  خرجت غريتل من افكارها و ماري الخادمة تقدم لها الدواء ، و كانت تلك لحوحة جدا لن تتركها حتى تأخذ علاجها فقد اوصتها لويزا المجنونة بذلك ، حتى لو لم تفعل لويزا فماري تحب غريتل كثيرا و هي أقدم شخص هنا ، و قد كانت أفضل مسؤولة عن المنزل في كل حياة هذا القصر ، لا يوجد أفضل منها ، تعمل بتفاني و اخلاص كبير و هي أفضل صديقة لغريتل  ....

.
.
.
.
.
  هناك كان وليام دي وايت الرجل الأربعيني يجلس حزينا كئيبا مستاء من نفسه ، عشر سنوات و هو لم يرى والده  ، عشر سنوات من العذاب و تأنيب الضمير و القرف من نفسه ، بحث في كل مكان إستطاع الوصول إليه لكنه لم يجده ، لم يريد سوى الاعتذار و طلب المغفرة من والده الذي احبه ، والده الذي لم يقصر بحقه أبدا و قدم له كل ما تمنى قبل أن ينطق به ، اخته لم تعد تتحدث معه و حتى عماته خاصمنه ماعدا بريندا التي تسأل عنه بين كل حين و الآخر  ،  يعلم أنها أيضا غاضبة منه و لكن هي بريندا التي تتحمل مسؤولية كل شي و تسأل عنه فقط من أجل شقيقها ، فقد اعتادت عماته على حب مفرط نحو والده ، الوحيدة التي شعر أنه لازالت تحبه هي لويزا التي دائما ما تزوره و تقول له أن الله يسسامحه و كذلك جدها  ....

وليام كانت هذه العشر أعوام بالنسبة له مثل الكابوس ، كل مرة يرى والدته بالمنامة و هي تعاتب فيه و تخبره أنها غير راضية عنه ، تخبره أنها لن تسامحه اذا لم يجد والده ، هو لن يسامح نفسه حتى لو سامحه والده بنفسه ، فقد أحرم بحق نفسه قبل الجميع عندما سمح لفتاة عاهرة أن تتحكم به و هو مثل الأغبياء تتبعها و كانت هي نهايتها بشعة مثلها و لكن هو مصيره المبني على تأنيب الضمير و عذاب النفس أفضل منه الموت الذي حصلت عليه سينتيا ، لم يشعر بالراحة منذ ما حدث حتى أنه يدعي السعادة أمام أطفاله و لكن زوجته مايدا تعلم جيدا أنه حزين ، و بالحديث عن مايدا أبتسم إبتسامة خفيفة و لكنها صادقة ، فهي الشئ الجميل الوحيد الذي حدث لها خلال هذه العشر أعوام من المعاناة ، تذكر كيف وجدها منذ سبعة أعوام في مطار تورونتو في إحدى رحل البحث عن والده التي كان يخوضها ، تذكر كيف كان وقح معها و قد أخبرته وقتها أنها لن ترد عليه لأن الجبان لا يستحق أن يجادل ، و كان هذا هو البنزين الذي جعله يزداد غضبا فزادت وقحاته لأن طرف السوط لمسه ، و عندما فرغ نظرت له و قالت حينها له " هل ارتحت الآن لنذهب و نحتسي قهوة يبدو أنك مريضا في روحك و انا طبيبة نفسية و أعلم مرضاي من خلال نظرة ، ثم وجد نفسه تتبعها من دون أن يشعر بعدها وجد نفسه في جلسات حديث مع طبيبة نفسية تعرف عليها بالمطار و التي لاحقا أصبحت أفضل صديقة له و لم يشعر بنفسه عندما وقع بحبها و عندما تزوجها و في الحقيقة هي التي شجعته ليتواصل مرة أخرى مع عماته و قد أحبوها حقا و يتعاملون معه ببرود عكس تعاملهم مع أطفاله و زوجته مايدا ، لديه تؤام شقيين مارك و توني و فتاة لطيفة عمرها أربعة أعوام تدعي جوزفين أو كما يناديها جوزي ...
شقيقته بيري تتواصل معه أحيانا من باب الواجب و لكن إحساس الحنان الذي تقطره عليه من دون أن تشعر دائما ما كان يلحظه و يعلم أنها تتحدث مع مايدا أكثر من ثلاث مرات باليوم كي تطمئن عليه من دون أن يعلم و كذلك يعلم أنها تحرص على تذكير مايدا بعلاج الربو لانه يعاني منه منذ الصغر و يعلم أيضا أن عماته يفعلن هذا مثل بيري و لكن هم لازالو حزينين منه بسبب باري ، ومن لا يحزن و باري الرجل الطيب ذو القلب البشوش و العطوف قد جرح ، هو لن يستطيع مسامحة نفسه أبدا و لن يفعل ...
يريد من قلبه أن يحصل أطفاله على حب جدهم فقد حرص دائما على أن يقص لهم القصص عن العجوز الطيب براين دي وايت الشهير بباري حتى كانوا يظنون أنه أسطورة ، فكان أطفاله يحبون مسرحية واحدة يقومون بتمثيلها بأنفسهم كل يوم كان يمثل مارك أنه باري الطفل و توني باري الشاب و جوزي هي بريندا مرة وأخرى سامانثا و تارة غريتل ، ضحك على أطفاله فهم يحبون باري كثيرا حتى قبل أن يلتقوا به لدرجة أن تؤامه الإثنين يريدان أن يكونا باري و طفلته تحب أن تكون جداتها الثلاث في آن واحد ، حرص على زرع حب العائلة فيهم كما فعل والده و كان يحرص على أن يلتقي أطفاله بعمتهم و جداتهم و قد احبوهم كثيرا ، كان لشقيقته بيري طفل يدعي براين فكان الأحب لقلبه و قد كان يغدقه بالهدايا و لن ينسى ابنة اخته كاثرين ابنة عمته غريتل و هي لويزا فقد كان يحبها كثيرا كما يفعل مع أبنائه ، هي لطيفة جدا في الثامن عشر من عمرها و لكن لديها قلب بألف عام و هذا يذكره بعماته و والده .....
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
باري كان يلعب مع أصدقائه العجائز بالورق و قد تعالت أصواتهم من الجدال فقد كان العجوز ألبرت دائما ما يغش و يفتعل الشجار و يتركهم يتناقشون فيما بينهم بأعلى صوت ، كان هذا نوعا من المتعة بالنسبة له ، فهو يذكره بأيام الصبا و الشباب و قد كان ينسحب منذ بداية النقاش و هو يبتسم بمكر و تلاعب و قد حفظ الجميع هذا و لكن كل مرة يقعون بنفس الفخ ، خرج باري و قد جلس قرب الجدة كاثرين و هي تقهق و قد قال " مثل الأطفال تقعون في فخ ألبرت ..
رد باري بقلة حيلة " بل اغبياء يا كاثي يا صديقتي .... ثم بعدها ضحكا مما يحدث كل مرة ، ألبرت يفتعل المشكلة و يتركهم يتجادلون و ليزا تنفعل بسرعة و تبدأ بالشتائم اما جايكوب يقوم برمي الأوراق على الأرض و هو يصرخ ، واكين كل مرة يتوعد إلى ألبرت و لكن ذلك بذكائه كل مرة يوقعهم بنفس الفخ ، حتى لويزا التي جائت منذ أشهر قليل باتت تعلم كل حيل ألبرت و لكنها أيضا بسذاجة تقع بالفخ و تصرخ جدي انت مخادع و ذاك يضحك بقوة عليها ...
في تلك الليلة جلست لويزا تكتب في مذكراتها و كم أنها اشتاقت لجدتها غريتل و كم اشتاقت للجميع و كم أن حبها لباري كل يوم يكبر و أنها لن تعود إلا معه و قد كتبت جزء يخص خالها وليام و كتبت كم تحبه و كم يشعر بالندم و كم أن أطفاله لطفاء ، تمنت أن تجتمع العائلة مرة أخرى في مكان واحد ، و من دون أن تشعر وجدت نفسها في سابع حلم و لم تشعر بباري الذي غطاها و جذب المذكرة من يدها و بدأ يقرأ ، كان يبتسم لكل كلمة يقرأها و كم أن طفلته محببة و جميلة الروح مثل شقيقته غريتل و عندما وصل للجزء المتعلق بوليام بدأ التوتر يتخلل أعصابه و يده ترتجف و كأنه خائف من امتحان ، ثم قرأه بشغف و نهم و عندما علم أن طفله أصبح اب لم يشعر إلا بعيناه تذرف الدموع من تلقاء نفسها و لكن فجأة رنت كلمات في عقله جعلته ينتفض من مكانه تاركا المذكرة قرب لويزا و انتفض مسرعا لداخل غرفته يجرجر المه خلفه كأن تلك الكلمات قيلت له الآن كأنها لم تكن منذ طول وقت بعيد .....
حتى أنه لم يشعر بتلك التي استيقظت جراء انتفاضته و رأته يمشي مسرعا كئيبا حزينا فعلمت أنه تذكر شيئا و شكرت الله أنه لم يلمس المذكرة التي وجدتها بمكانها على يدها ، لكن لم تذهب خلفه لأنها علمت أنه الآن في حوجة للإختلاء بنفسه و لا يحتاج مواساة ، بل يحتاج سكون و راحة في التفكير لذا جلست تدعو بأن يطمئن الله قلب جدها و كل من تحب فقد عانوا لوقت طال جدا أكثر مما يجوز و الحزن خيم لسنين طويلة لم يستحقها لذا تمسكت أكثر تلك الليلة بعزيمتها و اصرارها نحو هدفها الذي جائت من أجله و لن تتراجع أبدا مهما حدث ........
.
.
.
واكين كان جالسا بغرقته عندما جائه اتصال من شخص يدعي انه ابن شقيقه الذي لم يراه منذ أن كان في السابعة من عمره ، اول احتمال ورد في خاطره أن شاب يافع و محتال يريد أن ينصب عليه لانه يعلم أنه عجوز ليس له أحد و ليس لديه وريث و لكن ما لا يعلمه الجميع أنه كتب وصيته منذ تقاعده و قد دخل لهذا الدار و بقية ماله يذهب لمنظمات حقوق الأطفال المشردين ، و النصف الآخر لدار أيتام مونتريال الذي لن ينسى فضله عليه بالرغم من قسوة الحياة التي عاشها فيه و لكن لن ينسى أن هناك اطفال يتامى آخرين يحتاجون للعون و المساعدة و هو كان واحد من الف انحرفت طرقهم و لم يكملوا التعليم لذا حرص على أن يكون التعليم موجود في كل قرش يتبرع به ....ال
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي