الفصل الثامن و الثلاثون

الفصل الثامن والثلاثون ..
__________________

تقلبت لورين في فراشها من شدة الألم ،
لو انها لم تأخذ دواء لوجع الراس لكانت فكرت
بوضوح أكثر ،
فلم تهجر سيلا الرجل الذي كان خطيبها فقط ،
لكنها فعلت الكثيربعد اعتقاله ،
ستحتفل هي و لوكاس بعيد زواجهما السادس الشهر المقبل ؟ وزواجهما هي ؟ يا للسخرية !
بدأت مأساتها تتوضح تدريجيا الآن ،
بعد أن جمعت المعلومات التي في حوزتها الى بعضها البعض ،
أمضى دريك ثلاث سنوات في السجن ،
وبقي بعيدا عن بلفادير لسنتين ،
هذا يعني ان لوكاس تزوج سيلا بعد اعتقال دريك وقبل محاكمته ،
خائنه سيلا !
كيف باستطاعها ان ترتبط بشخص بهذه السرعه وهي ما تزال تحب الرجل الذي رفضته ؟
كلمه واحده فرضت نفسها ،
فعلى الرغم من تلبد أفكارها الحالمة ،
لكن هذا مستحيل ..
كانت إكزاني في الخامسة فقط !
لكن متى ؟ بالطبع يوم عيد بوليكزينا
قفزت من سريرها بسرعه وأشعلت ضوء خفيفًا ،
سحبت دفتر يومياتها من اعلى الطاولة بجانبها ،
عذا الدفتر الذي أهدته صوفيا لها منذ خمس سنوات ،
كانت أيام الأسبوع مرفقة بأعياد السنه ،
لذا ستبدأ بشهر كانون الثاني ..
توقفت أصابعها على الرابع والعشرين من
شهر كانون الثاني ،
كانت على حق اذا كانت إكزاني قد اتمت
الخامسه في كانون الثاني ،
هذا يعني إن سيلا كانت حاملا من دريك في شهرها الثالث عندما تزوجت لوكاس !
هل كان لوكاس يعرف ذلك ؟!
بالطبع ولذلك كان لقاء الرجلين في الفناء
مقتضبا ،
لا بد أن لوكاس أحب سيلا أيضا ،
لا يعقل ان يكون تزوجها لمجرد ان يمنح طفل أخيه اسما !
إلا إذا كان ثيو هو الذي حثه على ذلك ،
مقابل مركز مهم في شركة آرنستو للبناء ،
هل سيفعل ثيو أي شئ حتى يحتفظ بطفل
دريك في العائله ،
لأنه كان يريد ان يعهد ببلفادير إلى ولديه !
ارتجفت لورين من تفكيرها لتردد يا للسخرية !
لأن سيلا انجبت طفلة من لوكاس لا حقا ،
ولم يعد في مقدورها الانجاب أبدا ..
لن يتغير أي شئ مهما كانت دوافع سيلا ،
ستظل الوقائع كما هي
دريك لا يحبها ..
وهو مغرم بزوجة أخيه ،
لقد سمعت ورات الاثبات بعينيها وأذنينها ..
تنهدت بألم والدموع تنهمر على خديها ،
وتتساقط على قميص نومها القطني ..
لقد اتضح لها الآن معنى قرار دريك ، هو لا يريد سوى تحقيق رغباته ،
وعودته بمفرده ليست بسبب كاف إذا كان يريد أن يعود الى بلفادير .
إذا كان يريد ان يجتمع بلوكاس وبسيلا ،
ويتمتع برؤية ابنته أيضاً ،
سيكون من الأنسب له ان يتزوج ،
ويتظاهر بالسعاده حتى يتجنب الفضيحه ،
ربما لم يكن لوكاس يتمتع بسلطة دريك الواضحة ،
لكن من المؤكد أن عنده ما يكفي من كبرياء آل إرنستو
حتى يبعد زوجته عن أي رجل آآخر، حتى ولو كان هذا الرجل أخيه الأكبر !
لم يكذب دريك عندما قال إنه سيرحب
به أكثر في بلفادير إذا احضر معه عروسا ،
مع ان دوافعه كانت اكثر تعقيدا مما أوحى به لها ،
لقد كانت غبيه عندما اعتقدت بأن بإمكانها ان تكتسب وده بصبر وبقوة حبها ،
مهما كانت خيبات أمله في الماضي .
" يا الهي كم كنت غبيه .. "
ادركت لورين الآن السبب الذي جعلها مثاليه للقيام بالدور
الذي فرضه دريك عليها ،
برغم انها نصف يونانيه ،
فهي أجنبيه ولم تكن موجوده عندما وقعت المأساة ،
ما يزال دريك يثير فضول الكثيرين ،
مع ان جريمته تصدرت صفحات الجرائد منذ سنوات ،
ولكن كان من الصعب عليه ان يجد فتاة محليه تقبل بهذه المهمة المستحيله ،
وبالزواج من رجل يحب امراة أخرى ، ولم تكن اي امراءه ، بل زوجة اخيه ..
عاودتها هذه الأفكار مرارا وتكرارا حتى اشتد عليها صداع رأسها ..
هل كانت دوافع دريك حقيره بالفعل ؟
هل كان ينوي ان يبدد شكوك لوكاس بالتباهي بها كحب حياته الوحيد ، ويستغلها ليستأنف
علاقته بفردريكا ؟!
انها القشة التي قسمت ظهر البعير ،
وأفقدتها أعصابها نهائيا ..
تنهدت بيأس ودفنت وجهها في الوساده ،
ودموعها تنهمر على خديها وهي تردد بقهرة وغضب ..
" أكرهك يا دريك اكرهك ... "

ادركت أنها لم تكن تكره دريك ،
بل تكره ما فعله بها وبعائلته التي تحبه ،
استيقظت باكرا في الصباح التالي وجدت ثيو
..
يلآعب حفيدته في الفناء ،
وكاليوبي في المطبخ تتناول وجبه الفطور مع ماريا
،
بينما يجلس لوكاس مستلقيا على احدى الآرائك
في غرفة الجلوس ،
يقرأ جريدة ..
لم تجد اثر لسيلا و دريك !
سكبت لنفسها فنجان قهوة بعد ان القت
التحيه على الجميع ،
ثم تحاشت تناول الخبز ،
لأنها أحست انها ستختنق إذا حاولت أن تاكل اي شئ صلب
،
اقد اختارت ثيابها بعناية ،
لتلائم هذه المسرحيه المعقده ،
ارتدت بنطالا من الجينز ، وقميصا من دون كمين ،
هذا النوع من الثياب جعلها تشعر
بطريقه ما ، انها أكثر تحصنا ضد سطوة دريك
عليها ،
لم تكن بحاجة إلى مواجهته فقط ،
بل الى اقناعه بقرارها الذي اتخذته بالأمس ،
وكانت تترقب هذا اللقاء بفضول وغضب شديدين ،
لم تكن مستاءة من نفسها ،
بخلاف ذلك أنها قررت أن تقوم بالمبادرة الأولى ،
ولذللك اختارت ثيابها بعنايه ،
بل ووضعت بعض المساحيق على وجهها لتخفي آثار دموعها ، وشحوبها ...
وصلت سيلا بعد بضع دقائق ،
لقد بدت جميله وأنيقه في بنطالها القصير ،
وقميصها الأبيض ..
ابتسمت نحو الجميع و قالت بهدوء :
-كنا انا و لوكاس قد وعدنا الطفلتين ،
بأن ناخذهما إلى الشاطئ هذا الصباح ..
-  انها فكرة جيده ..
ظهر دريك فجأة !
وهو يضع يديه في جيبي بنطاله الرمادي ،
المتناسق مع قميصه القطني القصير الكمين ،
كانت تنتظر هذه اللحظه بنفاد صبر بعد ان اكتشفت مؤامرته الحقيره .
وثب قلبها من مكانه ،
وشعرت بألم في حلقها عندما أراح جسده القوي على احد المقاعد ، ثم أمسك ابريق القهوه وهو يقول :
-  يجب ان اتصل بالشركه بعد تناول وجبه الفطور ، سأنضم انا و لورين إليكم ..
إذا كنتم قد اخترتم الشاطئ الذي ستذهبون إليه ،
ثم رفع حاجبيه بتساؤل :
-  ما رأيك ؟!
أجابت على اقتراحه المتعجرف باللهجه نفسها :
-  لقد اكتفيت من البحر البا رحه ..
ثم هزت كتفيها وهي تتذكر الساعات التي امضتها معه ، وقد بدت جميله حينها ،
لتدرك الأن انها بدت وقحه وغير مباليه ،
كان هذا جزءا من الشخصيه الجديده التي قررت ان تفرضها على هذا اليوناني المعقد الذي حطم قلبها ...
حاول أن يداري احراجه بابتسامة رقيقة ، وهو يقول لها :
-  لا عليكِ يا حبيبتي ..
في هذه الحال سنجد شيئا أخر نشغل به
وقتنا ..
ثم ابتسم بسهولة وحول نظره عن عينيها المفعمتين بالتحدي ،
إلى فمها الممتلئ ..
شعرت بالتوتر ،
وغضبت من نفسها لأن تأثيره ما يزال قويا عليها على الرغم من استيائها الشديد منه .
أدارت رأسها بعيدا عنه ،
وأغمضت عينيها بشدة حتى تطرد صورته من مخيلتها ،
خيم صمت غريب لبضع لحظات بين الجميع ،
قبل ان يطلق لوكاس ضحكة سريعة وهو يقول :
-قرار حكيم يا دريك ..
عندك مل يكفي من الوقت لكي تبدأ في بناء قصور من الرمال ، عندما يصبح عندك أولاد .
أجاب دريك بهدوء :
-  مشهد أترقبه بفارغ الصبر .
فلفت انتباهها مرة ثانية وهي تردد في عقلها ..
طالما انك لا تتوقع مني ان اكون والدتهم ..
أرادت ان تصرخ عندما شعرت انها على حافة الإنهيار ،
ومع ذلك استطاعت ان تسيطر على نفسها ، وهي واعيه لنظرات كاليوبي وثيو الفضوليه .
وقفت بسرعه وتمتمت شيئا حول نظارة
الشمس خاصتها ،
ودخلت الى البيت وهي ترتجف برعب من القادم ..
-  لورين انتظري ما بكِ ،
هل انت مريضة !
كانت في طريقها الى غرفتها ،
عندما احست بيد دريك على كتفها ،
كانت حركته سريعه كأسد على وشك ان ينقض على فريسته ..
اجابته دون ان تنظر نحوه :
-انا بخير ..
تظاهرت بالهدو ء وهي تردف :
-لقد فكرت مليا في الموضوع وقررت أن أعود إلى كريت ..
لم يصدق ما سمعه فردد بذهول :
-  ماذا ؟!
بدا وجهه شاحبا ..
ابتعدت عنه خطوات الى الوراء ،
وشعرت بالأمان لأنها لم تكن في غرفتها ،
و لأنها تستطيع أن تطلب المساعدة إذا احتاجت لها ،
وعرفت ان ذلك محتمل من النظره المرعبه التي على وجهه ،
فعتذرت بسخرية :
-اني آسفه هل لغتي اليونانيه سيئه إلى هذا الحد .
ثم تابعت بهدوء :
-قلت ان ...
قاطعها سريعًا :
-اعرف ماذا قلت .
ثم اقترب خطوة منها وهو يحدثها بهدوء حاول بقدر ما استطاع ان يتحلى به :
-لماذا تريدين ان تعودي إلى كريت ،
بعد ان حددنا موعد الزوا ج ..
-  حقًا !
كان قلبها يخفق بسرعه مؤلمه ،
مما جعلها تضع يدا إلى صدرها في محاولة يائسه لإبطاء سرعة خفقانه .
أمسكها بذراعيه القويتين متسائلًا بقلق :
-ماذا تحاولين اخباري به يا لورين !
نظرت لعينيه بعمق لتواجهه بقولها :
-  لقد غيرت رأيي ،
فكرت مليا البارحه وقررت ألا أتزوجك ..
سرت رجفه مؤلمه في جسدها ،
وهي تنظر على وجهه الجميل ، وهو يحمر شذرًا ..
فسألها بتوتر وعيناه تقدحان شررًا :
-  لماذا ؟! ما الذي حدث البارحه حتى جعلك
تغيرين رايك ؟!
حان الوقت لتخبره بالحقيقه ،
لكن كبرياءها أجبرها على المراوغه :
-  لنقل انني استعدت رشدي ،
-  لم أعلم ما بلته البارحه ونحن على الشاطئ ،
لقد كان مكانا رومانسيًا ، وقد وقعت تحت سحره ،
وحين عدت الى الواقع بعد ليلة نوم هانئة ، اكتشفت انني اخطأت ..
هذا ما في الأمر .
امسك مرفقها قائلًا بغيظ :
-هذا سخيف ،
لا يمكننا ان نقف هنا ونناقش مستقبلنا .
شدت مرفقها من بين كفه ، قائلة :
-ليس لدينا أي مستقبل ليس معا ،
بلعت ريقها بصعوبة وهي تردف :
-هذا ما أحاول ان اخبرك اياه ،
لقد قررت ولا داعي لأن نناقش الموضوع أكثر ،
حدقت إليه بمزيج من الحب والكراهيه لتُكمل :
-أنا آسفه ..
لأنني أفسدت خططك ،
ولكنك لم تعد بحاجة لي في بلفادير .
نظر لعينيها وهو يقول :
-هذا لا يعني انني لم أعد أريدك ..
بدا صوته ضعيفا وهو ينظر عليها ، ليردف بشجن :
-إلا إذا كنتِ لا تريدينني ايضا ..
ثم داعبت أصابعه بشرتها الناعمه ، وهو يستمع لصوتها المضطرب وهي تقول له :
-انا لا انكر ،
انك رجل جذاب ، و ماهر ..
وانك استطعت ان تغريني بالزواج لبضع لحظات ..


ثم اجبرت نفسها على الإبتسام ، وهي تُكمل :
-  لكن هذا كان ليلة البارحه ،
اما الأن أريد ان انسحب .
تملك الغيظ منه وهو يسألها :
-  وإذا منعتك ..
كان صوته قاسيًا للغاية ..
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تقول
-لن تستطيع ..
و حاولت ان تسيطر على خوفها عندما لوى فمه بسخريه . واردفت :
-لدي مايكفي من المال لأدفع لأريستيد حتى يعود بي إلى كريت ،
وهذا ما أنوي أن أفعله اليوم ..
-إذا سمحت لكِ بذلك ..
تحدى قرارها متابعا :
-لا يستطيع أريستيد ان يتصرف بمفرده ،
بما أنني ورثت كل المراكب من عمي ،
بادلته التحدي بآخر :
-  إذا سأنتظر وصول العبارة ،
وسأذهب إلى احد الجزر القريبه ،
وأحاول تدبير أمري وحظي هناك ..
ثم رفعت ذقنها بتحد لتواجه نظرته الباردة وهو يقول :
-  انت مصممه على تركي ؟!
ثم تفحص جسدها المضطرب باحتقار وتابع :
-  لقد تمكنت من خداعي ..
توقف حتى لا ينهي جملته ، ثم تابع :

-  هل هناك شئ استطيع ان اقوله أو أفعله
لأقنعك بالبقاء ؟!
بدا غير متأثر بقرارها ،
أرادت للحظه ان تضمه وتتوسل اليه لمنحها فرصة ،
حتى تنسيه فردريكا ، ولكنها اخذت نفسًا عميقًا ،
وأدركت أن عليها أن تقدم له عذرا يفهمه ويتقبله ،
اذا كانت تريد أن تحافظ على كبريائها ، لتنطق بالسبب الذي لم تجد غيره :
-لا اريد أن أتورط مع مجرم كاذب ..!
___________________
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي