الفصل السادس و الثلاثون

الفصل السادس والثلاثون ..
_________________

تقدمت بصعوبة واعية لمراقبة دريك لحركاتها .
لم تجرؤ وتنظر وراءها الا عندما غمرتها المياه حتى عنقها ،
كان يقف عند حافة الماء مرتدية ثيابه وفكرت للحظة بانه لاينوي ان ينضم اليها ..
ولكنها كانت مخطئة .
لم تستطع ان تبعد نظرها عنه ،
وهو يلف ذراعيه ليمسك بطرف قميصه ويسحبه من فوق راسه بكسل .

بدا قلبها يخفق بسرعة جنونية ،
عندما لاحظت انها كانت تتوقع ان ينضم اليها في اي وقت ولكنها لم تر له اي اثر ،
تضاربت الافكار في راسها واعترها الخوف ،
ولم يتبدد الا عندما استطاعت ان تلمح راسه من دون عوائق .
لم تكن سباحة ماهرة ،
ولذلك قررت ان تعود الى الشاطيء ،
لتتفحص بعض الاصداف والاحجار الملونة .
تناولت منشفتها من حقيبتها وجففت نفسها بها ،
ثم دهنت جسمها بزيت البحر ،
و تمددت تحت ظل شجرة واغمضت عينيها بعمق .
احست بوخز خفيف يدغدغ وجنتيها بعد وقت قصير ،
فتحت عينيها وارتبكت عندما وجدت دريك بقربها تتدلى من يده بعض الاعشاب .
لتسأله بتعجب :
-  متى عدت ؟
ادهشها حين اجاب :
-  منذ ساعتين .
رددت بحيرة وهي لا تصدق :
-  لا يمكن ذلك .
ثم بحثت عن ساعتها في حقيبتها ،
ورفعت حاجبيها بذهول عندما لاحظت انه لم يكن يعبث معها بالفعل ، لتشهق قائلة :
يا الهي ! لماذا لم توقظني ؟
ضم حاجبيه قائلًا :
-  وهل كان علي ان افعل ذلك ؟
كان يجلس قربها وراسه مدرا باتجاهها ،
وعيناه شبه مغمضتين بسبب ضوء النهار .
ليردف بنفس الابتسامه :
-  من الواضح أنك كنت بحاجة الى النوم ،
وقد اخترت افضل مكان تنامين به ،
لم يكن هناك خطر على بشرتك الناعمة من الاحتراق ،
والى جانب ذلك استمتعت بمراقبتك وانت نائمة .
لم ترد ان تعلق على كلماته الغامضة وقالت بتوتر :
-  كان عليك ان توقظني .
قال لها بهدوء :
-  لقد فعلت الان ولسبب مهم .
مال جسده نحوها ورفع يده لينفض الرمل العالق على كتفيها وهو يقول :
-  كنت افكر لساعتين مضتا اذا كان علي ان اعانقك ام لا ، و قررت ان افعل ذلك اخيرًا .
-  دريك !
حاولت ان تتظاهر بالغضب ،
ولكن الطريقة التي لفظت بها اسمه بدت اقرب الى الدعوة منها الى الرفض .
وادركت ذلك بخوف ،
عندما شعرت بالدفء والكسل في هذا العناق لابد ان يكون هناك سبب !
حاولت ان تبتعد عنه لكنه امسكها وهي تحاول النهوض وشدها اليها بقوة ،
حتى استلقت فوق الرمال الدافئة .
فتوسلت اليه قبل أن يسترسل بالامر :
-  دريك .... لا يجب أن تفعل ذلك .
تحداها بتهذيب :
-  يجب ان افعل ذلك ، صدقيني .
ارتعدت وازعجها ما كان يحصل بينهما ،
وشعرت بالم الفراغ الذي لم تختبره من قبل ،
فضعفت مقاومتها الذهنية ، ليفاجأها بسؤاله :
-  اخبريني هل كان ذلك الانجليزي فرانسيسكو عشيقك ؟
حاولت ان تبعتد عنه ، ولكنه منعها بقوة ..
ياللهول ! الم يكتف منها بعد ؟ لقد اربكها
جسديا وذهنيا ،
كيف يتوقع منها ان تتحدث عن ماضيها بعد ان اسرتها جاذبيته ؟
فلم تجد حلًا إلا أن تجيبه بحدة :
-  هذا لا يعنيك .
نظر لعمق عينيها ليعيد سؤاله بإصرار :
-  هل كان عشيقك ؟
لم تستطع إلا ان تجيبه حتى يتوقف :
-  لا .. مع انه ليس من حقك أن اجيبك .....
يألها بدهشة بدت واضحة على وجهه :
-  ولم ؟
ثم تأمل ردة فعلها وهو يُكمل :
-  ولم لا يا لورين ؟ كنت تنوين الزواج منه
...... لابد انه ارادك .
حاولت شرح الامر له :
-  لان ...
توقفت ، ثم ترددت في الاجابة على سؤاله ،
لكنها قالت اخيرا :
-  لان جدتي كانت يونانية ،
ولم تكن فتاة مدينة بل فتاة جزيرة ،
ولقد علمتني ان احتفظ بنفسي لزوجي ،
هل بامكانك ان تفهم ذلك ..
كانت هذه نصف الحقيقة ،
فهيلم تشعر بانها تريد ان تلتزم بمبادئ صوفيا ،
لولا ان ذلك اصبح من مبادئها عندما احست ان الأمر بالفعل ممتع وذو اهمية كبيرة ..
في الواقع كانت مسرورة فلو كان فرانسيسكو
عشيقها لكان الامر اكثر اذلالاً بعدما وقع في حب امراة اخرى .
رددت بخفوت :
-  ربما.
لم تستطع ان تقرا تعبير وجهه وهو يقول :
-  كانت هذه العقيدة سائدة بالتاكيد ،
لكن هل كانت الفتياتات تتبعها بحذافيرها ؟
اجابته بضيق :
-  انت تستند الى خبرتك الخاصة .
لم يجادلها وهو ينظر نحوها بعمق قائلًا :
-  بامكانك ان تقولي ذلك .
توردت وجنتاها عندما تذكرت خطيبته
السابقة ،
التي وجدت رجلا اخر في غيابه .
فسالته وهي ترتجف :
-  اذا انت لا تحتقرني لتمسكي بتلك المبادئ ؟
مدركة الخطر المحيط بها ،
وحدة تعابير وجهه الداكن ،
بدا جسمها يتراخى وفي تلك اللحظة شعرت انها بالفعل تحت تصرفه الكامل .
حاولت ان تمنع فمها من الإرتجاف ،
عندما ترقرقت الدموع في عينيها ،
ادارت راسها بعيدا عنه خجلا من نفسها ،
ناداها :
-  لورين ..
احني راسه قليلا ،
فحاولت ألا تنظر إليه ،
لكنه أدار ذقنها بلطف وأجبرها على النظر إليه
وعيناه تتفحصانها بإحراج ، وهو يقول لها
-  لا تغضبي مني إني أصدقك وأقدر مبادئك ،
لكنه ليس الجواب الذي أرادته .
توقف ولم ترى سوى الحيره على وجهه وهو يقول :
-  أردت أن اسمعك تقولين إنه لم يكن فرانسيس ،
لأنك تحبيه كفاية ، لم تتوقع حديثه هذا ، ولذا قد اجبرها على قول الحقيقة :
اعتقدت بأنني أحببته اعترفت بشجاعه ،
لقد وافقت عليه جدتي كان وسيما ومهذبا ،
وكنا نحب نوع الطعام نفسه ، ووالموسيقى نفسها ، ونوع الأدب ذاته .
سألها بصوت شجي :
-  لكنه لم يلهب مشاعرك أو يملأ أحلامك ؟! اليس كذلك ؟!
اجابته بصدق مشاعرها :
-  لقد كان حساسا ولطيفا ،
لا .. أعرف كيف كنت سأتصرف لو لم يكن بجانبي يواسيني بعد موت صوفيا .
ثم اردفت :
-لقد أعجبت به واعتمدت عليه ..
وكنت اقتنع برأيه سريعًا .
قال لها وهو يمرر سبابته على وجنتها برقة :
-  لكنه لم يجعلك تشعرين بالسعاده كما أفعل أنا معك .
ثم تفحصها بدقه ،
كانت ستنكر لو كان هناك أمل في أن يصدقها ،
ولو لم تخنها أحاسيسها
اتهمته بالقول :
- أنت الخبير ..
وطغت المراره على صوتها الناعم وهو يقول :
-وانا كنت فريسه سهله من البدايه ،
ولكنني لن اضحي بمبادئي من اجلك ..
أنا .. أنت تلعثمت ..
ولم تستطيع إخفاء مشاعرها ..
قاطعها سريعًا :
-  لأنني أشعرك بأنوثتك بدل ان تكوني رفيقة مسليه أصحبها معي في الحفلات أو اتعشى معها في الخارج ،

انكمشت من سخريته ، فأكمل :
_ ولكنك تعرفين انك لست بحاجه إلى التضحيه بمبادئك لتستمعي ، داعبت اصابعه بشرتها .
تعالت دقات قلبها ، بينما يهبط صدرها ويعلوا بتوتر كبير ، وهو يقول :
-  صدقيني لن أؤذيك أبدا ،
كل ما عليكِ أن تفعليه لإراحة ضميرك ،
هو ان تجعلي ارتباطنا المؤقت ، ارتباطا أبديا ..
ثم شدت اصابعه على بشرتها ، وبدا صوته ناعما لكن متوتر وهو يحايلها :
-  كوني زوجتي يا لورين ،
بما انك تضعين خاتم والدتي ،
تقلص حلقها و ما تزال تحس بقربه ، لتحاول ان تدفعه ببطء وهي تقول له :
-ما نكاد نعرف بعضنا بعضا ،
عرفت أنها لم ترفض الفكره تماما وحذرتها غريزتها من الخضوع لقوة شخصيته ،
حاول اقناعها وهو ينظر إليها تلك النظرة التي تجعلها ضعيفة بين يديه :
-  سنمضي بقية حياتنا ،
نكتشف بعضنا البعض
تغاضى عن احتجاجها وتابع :
-  هناك ثمن لكل مبدأ ،
وانا مستعد ان أدفع ثمن مبادئك ،
ماذا تريدين اكثر من ذلك ؟ هل تعتقدين أن
ليس باستطاعتي أن أؤمن لك حياة رغيده ..
لم ينتظر ردها وأضاف بقسوة :
-  لست برجل غني أو بفقير ،
ايضا ورثت عشرة بالمئه من أسهم شركة فارادكسيس للبناء ،
منذ ثماني سنوات وعندما كنت في الخامسة والعشرين من عمري ،
وهناك شركة فلاميوس ،
بكل ممتلكاته لي ،
و أنا أؤكد لك أن أعماله في ازدهار مستمره .
-توقف توقف ..
غضبت من إصراره على رشوتها بالمال والتمعت عيناها ، وهي تقول له :
-أنا لست مهتمه بأموالك ..
ابتسم من دون حرج قائلًا :
-  حتى لو انه سيمكنك من شراء ثيابك ،
من اثينا والعوده إلى انكلترا في العطلات الصيفيه بانتظام ،
وزيارة بعض الأماكن الجديده ،
ولن تحتاجي الى العمل يوما آخر في حياتك ،
إذا كنت تفضلين ان تؤسسي عملا خاصا بك ،
هذا ممكن أيضا ..
هزت راسها بضعف ،
كيف بإمكانه أن يتغاضى عن مشاعرها وقالت :
-لا يعوض المال الأشياء الأخرى ،
فسأل بحرارة :
-هل تقصدين أيامي في السجن ،
ألا يمكنك تحمل الماضي ، اعترضت بحدة :
-  مؤكد لا أعني ذلك ..
قال بصدق وتأثر :
-هل انت خائفه مني ،
إذا خائفه ان تصبحي ضحية عنفي لورين ..
-  لا هذا ليس صحيحا يا دريك ،
انا أقسم بذلك بدا وجهها حزينا ،
ورفعت يدها لتلمس خده الناعم لتؤكد له كلامها .
كانت تعرف ان دريك لن يسئ معاملة ،
امرأة مهما كان الدافع ومن دون شهاده أريستيد ،
-انت لا تفهمين ..
لا شئ يجمع بيننا ، هناك حاجة متبادلة ،
لمس يدها وهو يردف :
-  تأسيس بيت وعائله هو شئ مؤكد ،
لقد حاولت أن أتصور المرأة ،
التي ستكون مستعدة للإرتباط بشخص له ماضِ ، كماضي ،
لمدة سنوات تقريبا ثم التقيت بك وجذبني جمالك وحنانك ،
شعرت بالإزدراء ، وهي تقول :
-  اعتقدت بأنني فتاة مستهتره ،
و افترضت أنني متوفرة بأي سعر ،
لم يتغير اي شئ ،
ما يزال يفكر بالطريقه نفسها ..
ابتسم باقتضاب وهو يقول لها :
-  لا يا حبيبتي اعترف انني عالجت الوضع ،
بطريقة سيئة ..
لقد توفي عمي فجأة ، كما كان يتمنى ،
وكانت الصدمة كبيره علي ،
و كنت أبحث عن عزاء عندما ظهرت أمامي ،
استمر في تحديقه بها ،
ومرر يده على شعرها ،
تسارعت نبضات قلبها وتدفق الدم إلى وجهها ،
هل كان يجيد صعوبة في السيطره على نفسه ،
أكثر مما تخليت ..
حاولت أن تنسحب ، خائفة من ردة فعله ،
فهمست باسمه :
- دريك ..
لم ينتبه لندائها بل استمر في التقرب إليها قائلًا :
-  من انا حتى ارفض هذه النعمه ،
أردت ان اخفف من المي معك ،
لقد أردتك كثيرا لدرجة إنني أوهمت نفسي بأنك تريدنني أيضا ، لقد كان حكما خاطئًا ..
حكما ما كنت سأصدره لو لم تكن حراسي ،
متلبده بالحزن ، فتركتك عندما أدركت غلطتي ..
شعرت بالغضب الشديد وهي تقول له :
-  انت غير معقول ..
كل ما تريده هو امرأة ،
أمراة فقط تضمن لك قبولك في بلفادير ،
انت خائف من ان يطردوك ،
عندما ارحل ..
شعرت بنفسها تذوب تدريجيا تحت ضغط
إصراره ،
لم يتظاهر دري بأنه يحبها أبدا .
لكن يقال إن الحب يولد الحب ،
إذن هل يمكن أن تجعله يبادلها الشعور مع الوقت ،
إذا وافقت على عرضه ..
صحح بلطف :
-  لا لن يتكرر ذلك ابدا ،
هل تستطيعين انت كزوجه أن تقبلي بي ،
اما بالنسبه لكوني غير معقول ..
ضحك واردف :
- اعترف انني صعب أحيانا لكن
، ليس غير معقول أبدا ..
كان يعرض عليها كل شئ ما عدا الشئ الذي
ارادته منه ،
هي تريد اعتراف بأن رغبته فيها مبنيه على عاطفه صادقه .
احتجت بالقول :
-  تجعل الأمر يبدو وكانني مرشحه في عمل ما ،
وتمنت ألا يرى الدموع في عينيها ..
لم ينكر ذلك وقال :
- هذا أفضل مركز لأفضل طالب وظيفه ،
لكنني لا أستطيع ان أكذب عليك يا لورين !
سأحاول إن أتكيف مع الماضي ،
لكنني لن استطيع أن أدفنه أبدا ،
ستجدي ان المال يمنح الإحترام ، وأن لدى معظم الناس ذاكره ضعيفه ،
كان محقا لقد كانت تعرف ذلك أشخاص
كأريستيد ،
والعائله التي اعتقد بانها سترفض استقباله في بيته ، وبعض المواطنين الآخرين ،
الذين كانت أيديهم ملطخة بالدم ،
لأن كان عندهم الشجاعه لحماية الضعيف من اي اعتداء ..
قالت له بخفوت :
-  لا اعتقد ان الأمر بهذه السهوله ..
حاولت لورين ان تسيطر على ارتجاف صوتها ،
وهي في صراع مع نفسها ،
كانت مشاعرها تجاه كريستوف
معقده ،
أليس هذا أساس الحب ؟ كانت تدرك شيئا واحدا كانت تريده ان يمتلكها ،
ان تواسيه في وحدته ،
أن تسانده في لحظات ضعيفه ،
أن تبكي معه في كآبته ، أن تضحك معه في سعادته ، أن تنجب أطفاله ، ولكن ماذا ستجني من هذا الزواج ..
_________________
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي