الفصل الرابع و الثلاثون

الرابع والثلاثون ..
_______________

قبلته الصغيرة بشوق :
-  اخبرتني والدتي انك ستكون هنا ،
ولذلك ركضت طوال الطريق حتى استطيع ان اراك اولا ،
لان والدتي تمشي ببطء ، لأجل رينا النائمة ،
وبحاجة الى من يحملها ..
سألته وهي تمرر كفها الصغير على وجنته برقة :
-   لماذا لم تات الى رؤيتنا من قبل
يا عمي دريك ؟
اجابها وهو يقبل كفها الصغير. برقة :
-  لانني كنت مسافرًا .
عاتبته بملامح طفولية غاضبة :
-  لكن كان بامكانك ان تستقل طائرة ،
كما فعل ابي لاحضارنا من اثينا قبل ان ياتي بنا المركب الى هنا .
ثم اردفت بنفس الصوت الحنون :
-  كان لدى ابي شعر كثيف على وجهه ايضًا ،
ولكنه تخلص منه قبل ان ناتي الى هنا .
اخبرها دريك وهو يبتسم لها :
-  لم تحب والدتك اللحية أبدًا ،
ثم قبلها قائلًا بابتسامة هادئة :
-  سيصبح وجهي نظيفا كوجه والدك غدًا .... انا اعدك بذلك .
احتضنته بقوة ، ثم ابتعدت وهي تقول له بحزن :
-  هل سترحل من جديد ؟
اجابها وهو يمسد خصلات شعرها الجميل :
-  سأحاول ألا افعل ذلك يا اكزني .....
لم يعد نظره مثبتا على الطفلة لان شخصًا آخر قد وصل ،
نحيفة وفاتنة ،
تحركت بتانق وشعرها الاسود
معقود الى الوراء والتمعت عيناها مثل صفاء السماء ،
وكشفت ابتسامتها عن اسنان رائعة .
-  فردريكت !
عرفت لورين هذه الغريبة الجميلة في فستانها
الحريري البسيط قبل ان ينطق دريك باسمها .
يا للهول لابد انها مجنونة !
هل يفعل الحب ذلك ؟ غيرة من دون سبب .
ترددت في الهرب االى غرفتها ،
ولكنها كانت غبية لانها لم تدرك ذلك منذ البداية ،
لن يخرج لوكاس وزوجته من الفضيحة التي سببها سالمين .
نظرت تتفحص لورين بعينان محمرتان ، ثم نقلت نظرها نحو دريك قائلة :
-  لقد اخبرني لوكاس انك خطبت ،
نحن سعيدان لك .
سألها بحنق ظاهر :
-  وأنتِ فريكا ... هل انتِ سعيدة ؟
كان وراء سؤاله مغزى مهم او هل كانت تتخيل ذلك ؟
نقلت لورين نظرتها تتفحصها بتركيز تام ، ثم انتبهت لها وهي تقول :
-   بعد ان عدت الى بلفادير حيث تنتمي ، مؤكد اكتملت سعادتي .
سألها باستفهام :
-  و كيف حال اخي ؟ لقد ترك المأتم بسرعة ،
ليحضرك انت والاولاد ،
ولم يتسن لنا الوقت للتحدث بحرية ..
كان دريك مهتم بسيلا كثيرًا ، لدرجة انه لم يلاحظ وجودها بعد ، يجب عليها الأن أن تعود الى غرفتها ،
ولكنها توقفت حين سمعتها تقول له :
-  لوكاس بخير .. بل افضل من ذي قبل ،
ليس لانه نسي ما حدث .....
ثم غيرت مجرى الحوار سريعًا ، فقد ادت مهمتها من هذا التلميح ، لتردف :
-  لقد غفت رينا بين ذراعي ،
وهي ليست بخفيفة مع انها
ما تزال في الثالثة من عمرها ،
ولذلك اخذ عني هذا الحمل وترك لي الحرية لاتي بسرعة وارحب بعودتك الى المنزل .
قالت اكزاني بفرح :
-  لقد وصل ابي ورينا .
لاحظت لورين الفرق بين الاخوين ،
عندما اقترب ، لوكاس إرنستو ،
بدا لوكاس اقصر من اخيه ،
ومشيته اكثر ثقة ، ورأسه اقل انحناء .
-  لوكاس !

تقدم دريك منه ويده ممدودة ،
فكرت لورين للحظة ان الاخ الاصغر سيرفض عرض
الصلح عندما قابل نظرة اخيه الصادقة ثم
نظر بعيدا .. تدخلت سيلا سريعًا وهي تقول :
-  دعني اخذ رينا عنك ... حتى تتعانقا كما يجب ان يتعانق الاخوة .
ليبدوا الأمر وكأنه اكثر من اقتراح ،
وتجاوب الرجلان معها بالتصافح على الطريقة التقليدية التي يتبعها سكان البحرالابيض المتوسط .
***
كانت تبالغ في تصرفها بالطبع اعترفت لورين سرًا ، وهي تجلس الى طاولة بيضاوية الشكل تتناول الغداء مع عائلة ال آرنستو في اليوم التالي .
كانت تداعب اكزاني بقولها :
-  هذا اسم جميل ..... اكزاني لم اسمع به من قبل .
ضحكت الطفلة بفرح قائلة :
-  اسمي الحقيقي بوليكزينا لاني ولدت منذ خمس سنوات ،
و في يوم عيدي الأول ، اصبح الجميع يدعونني باكزاني ... ما عدا جدتي التي تناديني ببولي احيانًا .
سألتها بابتسامة مشرقة :
-  وماذا عن اخيك ،
هل ولد ايضا في يوم
عيد ما ؟
هزت اكزاني راسها بحماسة واجابت :
-  اجل ووالدي ايضا ولد في يوم عيد نيكولاس .
كان آرنستو ينصت إلى لورين وحديثها اللطيف مع اكزاني ، ليفاجأها بسؤاله :
-  اذا متى ستعقدون الزواج ، يا لورين ؟
سرى الخوف في جسدها ونظرت الى دريك تتوسله أن يساعدها .

فهب الى نجدتها بهدوء تام قائلًا :
-  لم نحدد التاريخ بعد ،
لقد بد والد لورين موجود الان في الولايات المتحدة ،
وللأسف لم نتمكن من الاتصال به بعد ،
تريد لورين ان تاخذ موافقته قبل ان نحدد موعدًا .
ثم هز دريك كتفيه وهو ينظر نحو لورين نظرة عشق ، قائلًا :
-  فيما يتعلق بنا ،
-   كلما اسرعنا كلما كان ذلك افضل .
تدخلت سيلا بقولها :
-  ما رأيك لو نحدده في العشرين من الشهر المقبل ؟
ثم احنت سيلا راسها الى الامام ، وثبتت نظرها على وجه لورين لتردف :
-  نحتفل انا و لوكاس بعيد زواجنا في ذلك التاريخ ،
بامكاننا ان نقيم احتفالين .
-  ست سنوات من الزواج السعيد .
قالها لوكاس وهو بنظر الى وجه زوجته الجميل ببطء وتابع :
-  ربما يفضل دريك و لورين شيئا اكثر هدوءًا .
انتقلت إليها نظرات الجميع عندما نادها دريك :
-  لورين ؟
ثم وضع دريك يده على يدها المثبتة بجانب طبقها بكسل ،
وببتسامة توبخها وهو يرفع حاجبيه ،
كي يدعوها الى ابداء رأيها ،
وكانهم يناقشون حدثا على وشك ان يحدث قريبًا ..
تبا له لعدم اهتمامه بمشاعرها !
ولكنها وعدته ان تؤدي دورها على اكمل وجه حتى يصبح مستعدًا لاطلاق سراحها .
لتقول ببساطة :
-  أنا لا امانع يا حبيبي ، ما دمت انت راض .
ابتسم لها بسعادة وهو يقول :
-  اذا سنتصل بوالدك في الوقت المحدد مهما كلف الامر ، وسنعد احتفالا مزدوجًا ..
طالبتها عيناه الزرقاوين بالموافقة ،
على ادائه ..
فهزت رأسها بكسل وقبلت قراراه بصمت ،
ثم تفحصت ووجهه المحرج وهي تردد بداخلها ..
دريك الماكر !
كل ما كانت تتمناه هو عدم موافقة والدها على هذا الزواج ،
وهكذا تستطيع ان تنسحب من هذا الارتباط كابنة مطيعة تراعي شعور والدها ...
مؤكد لن يصعب عليه صياغة سبب !
ثم فكرت بحزن لا يرغب العديد من الرجال في مصاهرة
مجرم ،
مع ان والدها لا يهتم كثيرا بما تفعله
...
ولكن هذا شيء لا يحتاج ال آرنستو الى معرفته ابدًا .

صرخ ثيو بحماس :
-  رائع سنستأجر اكبر حانة ....
لا اكبر حانتين في كافوس وسندعو جميع اهالي
الجزيرة ....
زواج يوناني لائق ،
طعام جيد و شراب مفتوح ، موسيقى ورقص وسندعو
الجميع كي يعرفوا كم ان ثيو آرنستو ،
فخور بولديه وبعروسيهما الجميلتين .
كان من الطبيعي ان يرغب ثيو بمعرفة المزيد عنها وعن عائلتها ،
ولذلك سمح للاولاد
بالانصراف فاسترخى الكبار ،
على الارائك المريحة والناعمة عندما قدمت القهوة بينما روت لورين قصة صوفيا وحبها للشاب
الانجليزي الذي اختارته لتتزوج منه بدلا من التاجر اليوناني الذي فضله والدها .
رفعت كتفيها ثم ارختهما بيأس قائلة :
-  منعها من الرجوع الى كريت بعدما تحدت ارادته ،
ولقد اوضح لها جيدا بانه لا يريد رؤيتها مرة ثانية مهما كانت الاسباب .
علق ثيو قائلًا :
-  نحن لا نتخلى عن بناتنا لغريب بسهولة .
ثم استقرت ثيو عيناه عليها بحنان :
-  ليس لاننا لا نثق برجال من بلد اخر ،
بل لاننا نعرف ان بناتنا سيتخلين عن هويتهن اليونانيه ،
المواقف تتغير لكننا بحاجة الى مزيد من الوقت قبل ان نتكيف مع تقاليد الاوروبيين .
تحدته وهي مدركة ان دريك لم يكف عن النظر اليها طوال السهرة ، لتقول له :
-  و ماذا عن ابنائك هل الوضع يختلف معهما ؟
اجاب ثيو باقتضاب :
-  بالطبع ! صحيح ان الفتيات الاجنبيات يحملن دمًا جديدًا. الى عرقنا ،
ولكنهن ينجبن اطفالا يونانينن وهذا ما يُهم ،
لقد عانى هذا البلد عبر التاريخ كثيرًا ،
ولكنه استطاع ان يصمد بوجه المعتدين ،
لاننا نؤمن بوحدة الهوية الوطنية .
سأل دريك بلطف وهو يمد ذراعه على ظهر الاريكة :
-  انت لا ترتابين في حسن ضيافة والدي
بالتاكيد ؟
داعبت يده الثانية خدها قبل ان تشعر باصابعه تضغط على اذنها وهو يقول :
-  بما انه كان مستعدًا ان يرى دمه يمتزج بدم غريب ،
لا يمكنه ان يعارض ان تبع ابنه خطاه .
التمعت عينا ثيو بالتحدي قائلًا :
-  كنت دائما ارغب في ان يجد دريك
عروسا تليق به !
الخلق وليس الهوية ... هو اساسّ الزواج الناجح .
توقف للحظة وحدق الى ابنه االبكر، ليردد :
-  كنت اصلي دائمًا حتى يجد دريك امراة تناسب مزاجع المتقلب ،
-  امراة جميلة وطيبة ،
تستطيع اقناعه بالاستقرار في بلفادير ،
امراة تستطيع ان تتفهم ماضيه وتقدر ظروفه ،
وقف دريك وبدا وجهه شاحبا في ضوء الغرفة الضعيف وهو يقول :
-  هلط من اضروري ان نتحدث عن ذلك .
تفحص ثيو وجهه بكابة قائلًا :
-  ولما لا ..
ارادت لورين ان نؤكد لها ترحيبنا بها هنا ،
فكنت احاول ان اساعدها فقط ..
سنغير الموضوع اذا كان يزعجك ،
هل خططت
لكيفية قضاء فترة بعد الظهر ؟
اجابه دريك بعملية :

-  طفي الواقع اود ان ازور شركة فلاميوس ،
لقد اخبرني اريستيد ان الاعمال مزدهرة على الرغم من فترة الركود التي يمر بها اقتصادنا .
نظر الى لورين وكانه رجل صادق وشريف سائلا اياها بنعومة :
-  هل ترغبين في القيام بنزهة ؟
وهو يمد يده لها ليساعدها على النهوض وكانه متاكد من اجاباتها ، ليردف :
-  لن نذهب لمسافة طويلة .
قامت معه دون اي تردد ،
ليتاملها مليا عندما وصلا الى الرواق الواسع قائلًا :
-  بدوت بحاجة الى من ينقذك من هذا الاستجواب ،
عائلتي فضولية كمعظم سكان المنطقة خصوصا في ما يختص بزواج وشيك .

اعترضت بصوت منخفض وهو يقودها الى الخار ج :
-  ما زلت اشعر بالخوف حيال خداعهم .
نظر لعينيها بعمق قائلا :
-  العلاج بين يديك ، ما يزال عرض الزواج مفتوحا عليك ، سوف اتركك تتاكدي من مكانتك هنا فقط .. وستغيرين رايك .
لم ترد عليه ومشيا عبر المدينة من دون
كلام ،
وسمحت لنفسها بالاسترخاء ،
فاستمتعت باشعة الشمس ، وهي تلفح بشرتها الناعمة ، وبالعشب الطويل وهو يداعب قدميها .

تجولت في المكان بعد ان تركها دريك وذهب الى مبنى صغير يضم المكاتب الرئيسية للشركة .

-  هل تسمحين لي ان اكون اول من يتمنى لك مستقبلا سعيدا ؟
استدارت لورين عندما سمعت صوت اريستيد حيته وهي تبتسم له يتهذيب :
-  هل خيرك ديرك ؟
اجابها بابتسامة صافية :
-  الجميع يعرف ،
هذا شيء لا يمكن اخفاؤه في مكان كهذا ،
مع انني افهم لماذا احتفظت بهذا السر حتى يرحب بدريك في بلفادير .
التمعت عيناه وهو يقيم ردة فعلها :
-  انني مسرورًا ،
لانه يعيد بناء حياته ، يكفي انه هدر ثلاث سنوات من حياته بسبب قيامه بعمل شهم .

لابد انها لم تسمعه جيدًا ، فرددت بذهول :
-  ماذا ؟
اجابها بتعجب :
-  لقد هب الى مساعدة امراة ،
كان رجل سكير يعتدي عليها ،
اعتقدت بانه اخبرك القصة بكاملها .
رددت وملامحها المتعجبة تستقبل الخبر بحركات عفوية :
-  امرأة ؟ امرأة متورطة في الموضوع ؟
من كانت هذه المرأة ؟
ابتسم اريستيد لها قائلًا :
-  لا احد يعرف ..
لم يكن هناك حاجة لكشف هويتها ،
لان الحادث قد حصل في حانة ،
والقتال حدث بعد ذلك بكثير في الغابة ..
لكن هكذا بدأت المتاعب ...
رجل اجنبي يعاكس فتاة يونانية .
ليُكمل بدفاع عنه :
-  لم يتوقع احد من دريك ان يقف وقفة المتفرج ،
لقد كانت مأساة ،
كان الرجل ضعيفا و دريك رجل قوي ولقد دفع ثمن قوته غاليًا .
رددت بضيق قائلة :
-  لا انه مخطئ ...
رفضت لورين حكم اريستيد ،
لقد عوقب دريك ليس بسبب قوته ،
بل بسبب افتقاره للسيطرة على استعمالها بشكل صحيح .
لتسأله بصدق :
-  انت لا تلومه اليس كذلك ؟
اجابها بثقة :
-  لن احكم عليه .. لا أحد من الذين يعرفونه جيدًا يتكلم ضده مثلك ،
فمهما كانت حقيقة الامر سنعرف فقط ما يريد دريك ان
نعرفه ،
المهم انه عاد الى بيته والافضل من ذلك عروسه .
رسمت ابتسامة نحوه وهي تردد بخفوت :
-  شكرا لك .
ثم حاولت لورين ان تتظاهر بالسعادة ،
كم كان محظوظا ذلك اليوناني المتعجرف ،
الذي دمر حياة هذا الرجل الطيب ،
على الرغم من كل الوقائع المريرة .

اية وقائع ؟ لا بد أن اريستيد شعر ان هناك
شيئا غامضًا ،
يلف هذه الحادثة ،
لتتسأل بقلق في نفسها ..
من كانت هذه المراة التي ضحى ثلاث سنوات من عمره من اجلها ؟!
هل كانت محقة عندما افترضت انها امراة احبها كثيرًا ؟!
هي الان لن تعرف ابدًا ،
الا اذا كان دريك مستعدًا لان يجيب على اسئلتها ،
ولكن السؤال الاهم هنا ، هل هو مضطر لان يفعل ذلك ؟
هل بإمكان امراة واحدة ان تطالبه بهذا الحق ؟!
المرأة التي ستصبح زوجته فقط ...... هل ستقرر أن تكون هي ؟!

__________________
الرابع والثلاثون ..
_______________

قبلته الصغيرة بشوق :
-  اخبرتني والدتي انك ستكون هنا ،
ولذلك ركضت طوال الطريق حتى استطيع ان اراك اولا ،
لان والدتي تمشي ببطء ، لأجل رينا النائمة ،
وبحاجة الى من يحملها ..
سألته وهي تمرر كفها الصغير على وجنته برقة :
-   لماذا لم تات الى رؤيتنا من قبل
يا عمي دريك ؟
اجابها وهو يقبل كفها الصغير. برقة :
-  لانني كنت مسافرًا .
عاتبته بملامح طفولية غاضبة :
-  لكن كان بامكانك ان تستقل طائرة ،
كما فعل ابي لاحضارنا من اثينا قبل ان ياتي بنا المركب الى هنا .
ثم اردفت بنفس الصوت الحنون :
-  كان لدى ابي شعر كثيف على وجهه ايضًا ،
ولكنه تخلص منه قبل ان ناتي الى هنا .
اخبرها دريك وهو يبتسم لها :
-  لم تحب والدتك اللحية أبدًا ،
ثم قبلها قائلًا بابتسامة هادئة :
-  سيصبح وجهي نظيفا كوجه والدك غدًا .... انا اعدك بذلك .
احتضنته بقوة ، ثم ابتعدت وهي تقول له بحزن :
-  هل سترحل من جديد ؟
اجابها وهو يمسد خصلات شعرها الجميل :
-  سأحاول ألا افعل ذلك يا اكزني .....
لم يعد نظره مثبتا على الطفلة لان شخصًا آخر قد وصل ،
نحيفة وفاتنة ،
تحركت بتانق وشعرها الاسود
معقود الى الوراء والتمعت عيناها مثل صفاء السماء ،
وكشفت ابتسامتها عن اسنان رائعة .
-  فردريكت !
عرفت لورين هذه الغريبة الجميلة في فستانها
الحريري البسيط قبل ان ينطق دريك باسمها .
يا للهول لابد انها مجنونة !
هل يفعل الحب ذلك ؟ غيرة من دون سبب .
ترددت في الهرب االى غرفتها ،
ولكنها كانت غبية لانها لم تدرك ذلك منذ البداية ،
لن يخرج لوكاس وزوجته من الفضيحة التي سببها سالمين .
نظرت تتفحص لورين بعينان محمرتان ، ثم نقلت نظرها نحو دريك قائلة :
-  لقد اخبرني لوكاس انك خطبت ،
نحن سعيدان لك .
سألها بحنق ظاهر :
-  وأنتِ فريكا ... هل انتِ سعيدة ؟
كان وراء سؤاله مغزى مهم او هل كانت تتخيل ذلك ؟
نقلت لورين نظرتها تتفحصها بتركيز تام ، ثم انتبهت لها وهي تقول :
-   بعد ان عدت الى بلفادير حيث تنتمي ، مؤكد اكتملت سعادتي .
سألها باستفهام :
-  و كيف حال اخي ؟ لقد ترك المأتم بسرعة ،
ليحضرك انت والاولاد ،
ولم يتسن لنا الوقت للتحدث بحرية ..
كان دريك مهتم بسيلا كثيرًا ، لدرجة انه لم يلاحظ وجودها بعد ، يجب عليها الأن أن تعود الى غرفتها ،
ولكنها توقفت حين سمعتها تقول له :
-  لوكاس بخير .. بل افضل من ذي قبل ،
ليس لانه نسي ما حدث .....
ثم غيرت مجرى الحوار سريعًا ، فقد ادت مهمتها من هذا التلميح ، لتردف :
-  لقد غفت رينا بين ذراعي ،
وهي ليست بخفيفة مع انها
ما تزال في الثالثة من عمرها ،
ولذلك اخذ عني هذا الحمل وترك لي الحرية لاتي بسرعة وارحب بعودتك الى المنزل .
قالت اكزاني بفرح :
-  لقد وصل ابي ورينا .
لاحظت لورين الفرق بين الاخوين ،
عندما اقترب ، لوكاس إرنستو ،
بدا لوكاس اقصر من اخيه ،
ومشيته اكثر ثقة ، ورأسه اقل انحناء .
-  لوكاس !

تقدم دريك منه ويده ممدودة ،
فكرت لورين للحظة ان الاخ الاصغر سيرفض عرض
الصلح عندما قابل نظرة اخيه الصادقة ثم
نظر بعيدا .. تدخلت سيلا سريعًا وهي تقول :
-  دعني اخذ رينا عنك ... حتى تتعانقا كما يجب ان يتعانق الاخوة .
ليبدوا الأمر وكأنه اكثر من اقتراح ،
وتجاوب الرجلان معها بالتصافح على الطريقة التقليدية التي يتبعها سكان البحرالابيض المتوسط .
***
كانت تبالغ في تصرفها بالطبع اعترفت لورين سرًا ، وهي تجلس الى طاولة بيضاوية الشكل تتناول الغداء مع عائلة ال آرنستو في اليوم التالي .
كانت تداعب اكزاني بقولها :
-  هذا اسم جميل ..... اكزاني لم اسمع به من قبل .
ضحكت الطفلة بفرح قائلة :
-  اسمي الحقيقي بوليكزينا لاني ولدت منذ خمس سنوات ،
و في يوم عيدي الأول ، اصبح الجميع يدعونني باكزاني ... ما عدا جدتي التي تناديني ببولي احيانًا .
سألتها بابتسامة مشرقة :
-  وماذا عن اخيك ،
هل ولد ايضا في يوم
عيد ما ؟
هزت اكزاني راسها بحماسة واجابت :
-  اجل ووالدي ايضا ولد في يوم عيد نيكولاس .
كان آرنستو ينصت إلى لورين وحديثها اللطيف مع اكزاني ، ليفاجأها بسؤاله :
-  اذا متى ستعقدون الزواج ، يا لورين ؟
سرى الخوف في جسدها ونظرت الى دريك تتوسله أن يساعدها .

فهب الى نجدتها بهدوء تام قائلًا :
-  لم نحدد التاريخ بعد ،
لقد بد والد لورين موجود الان في الولايات المتحدة ،
وللأسف لم نتمكن من الاتصال به بعد ،
تريد لورين ان تاخذ موافقته قبل ان نحدد موعدًا .
ثم هز دريك كتفيه وهو ينظر نحو لورين نظرة عشق ، قائلًا :
-  فيما يتعلق بنا ،
-   كلما اسرعنا كلما كان ذلك افضل .
تدخلت سيلا بقولها :
-  ما رأيك لو نحدده في العشرين من الشهر المقبل ؟
ثم احنت سيلا راسها الى الامام ، وثبتت نظرها على وجه لورين لتردف :
-  نحتفل انا و لوكاس بعيد زواجنا في ذلك التاريخ ،
بامكاننا ان نقيم احتفالين .
-  ست سنوات من الزواج السعيد .
قالها لوكاس وهو بنظر الى وجه زوجته الجميل ببطء وتابع :
-  ربما يفضل دريك و لورين شيئا اكثر هدوءًا .
انتقلت إليها نظرات الجميع عندما نادها دريك :
-  لورين ؟
ثم وضع دريك يده على يدها المثبتة بجانب طبقها بكسل ،
وببتسامة توبخها وهو يرفع حاجبيه ،
كي يدعوها الى ابداء رأيها ،
وكانهم يناقشون حدثا على وشك ان يحدث قريبًا ..
تبا له لعدم اهتمامه بمشاعرها !
ولكنها وعدته ان تؤدي دورها على اكمل وجه حتى يصبح مستعدًا لاطلاق سراحها .
لتقول ببساطة :
-  أنا لا امانع يا حبيبي ، ما دمت انت راض .
ابتسم لها بسعادة وهو يقول :
-  اذا سنتصل بوالدك في الوقت المحدد مهما كلف الامر ، وسنعد احتفالا مزدوجًا ..
طالبتها عيناه الزرقاوين بالموافقة ،
على ادائه ..
فهزت رأسها بكسل وقبلت قراراه بصمت ،
ثم تفحصت ووجهه المحرج وهي تردد بداخلها ..
دريك الماكر !
كل ما كانت تتمناه هو عدم موافقة والدها على هذا الزواج ،
وهكذا تستطيع ان تنسحب من هذا الارتباط كابنة مطيعة تراعي شعور والدها ...
مؤكد لن يصعب عليه صياغة سبب !
ثم فكرت بحزن لا يرغب العديد من الرجال في مصاهرة
مجرم ،
مع ان والدها لا يهتم كثيرا بما تفعله
...
ولكن هذا شيء لا يحتاج ال آرنستو الى معرفته ابدًا .

صرخ ثيو بحماس :
-  رائع سنستأجر اكبر حانة ....
لا اكبر حانتين في كافوس وسندعو جميع اهالي
الجزيرة ....
زواج يوناني لائق ،
طعام جيد و شراب مفتوح ، موسيقى ورقص وسندعو
الجميع كي يعرفوا كم ان ثيو آرنستو ،
فخور بولديه وبعروسيهما الجميلتين .
كان من الطبيعي ان يرغب ثيو بمعرفة المزيد عنها وعن عائلتها ،
ولذلك سمح للاولاد
بالانصراف فاسترخى الكبار ،
على الارائك المريحة والناعمة عندما قدمت القهوة بينما روت لورين قصة صوفيا وحبها للشاب
الانجليزي الذي اختارته لتتزوج منه بدلا من التاجر اليوناني الذي فضله والدها .
رفعت كتفيها ثم ارختهما بيأس قائلة :
-  منعها من الرجوع الى كريت بعدما تحدت ارادته ،
ولقد اوضح لها جيدا بانه لا يريد رؤيتها مرة ثانية مهما كانت الاسباب .
علق ثيو قائلًا :
-  نحن لا نتخلى عن بناتنا لغريب بسهولة .
ثم استقرت ثيو عيناه عليها بحنان :
-  ليس لاننا لا نثق برجال من بلد اخر ،
بل لاننا نعرف ان بناتنا سيتخلين عن هويتهن اليونانيه ،
المواقف تتغير لكننا بحاجة الى مزيد من الوقت قبل ان نتكيف مع تقاليد الاوروبيين .
تحدته وهي مدركة ان دريك لم يكف عن النظر اليها طوال السهرة ، لتقول له :
-  و ماذا عن ابنائك هل الوضع يختلف معهما ؟
اجاب ثيو باقتضاب :
-  بالطبع ! صحيح ان الفتيات الاجنبيات يحملن دمًا جديدًا. الى عرقنا ،
ولكنهن ينجبن اطفالا يونانينن وهذا ما يُهم ،
لقد عانى هذا البلد عبر التاريخ كثيرًا ،
ولكنه استطاع ان يصمد بوجه المعتدين ،
لاننا نؤمن بوحدة الهوية الوطنية .
سأل دريك بلطف وهو يمد ذراعه على ظهر الاريكة :
-  انت لا ترتابين في حسن ضيافة والدي
بالتاكيد ؟
داعبت يده الثانية خدها قبل ان تشعر باصابعه تضغط على اذنها وهو يقول :
-  بما انه كان مستعدًا ان يرى دمه يمتزج بدم غريب ،
لا يمكنه ان يعارض ان تبع ابنه خطاه .
التمعت عينا ثيو بالتحدي قائلًا :
-  كنت دائما ارغب في ان يجد دريك
عروسا تليق به !
الخلق وليس الهوية ... هو اساسّ الزواج الناجح .
توقف للحظة وحدق الى ابنه االبكر، ليردد :
-  كنت اصلي دائمًا حتى يجد دريك امراة تناسب مزاجع المتقلب ،
-  امراة جميلة وطيبة ،
تستطيع اقناعه بالاستقرار في بلفادير ،
امراة تستطيع ان تتفهم ماضيه وتقدر ظروفه ،
وقف دريك وبدا وجهه شاحبا في ضوء الغرفة الضعيف وهو يقول :
-  هلط من اضروري ان نتحدث عن ذلك .
تفحص ثيو وجهه بكابة قائلًا :
-  ولما لا ..
ارادت لورين ان نؤكد لها ترحيبنا بها هنا ،
فكنت احاول ان اساعدها فقط ..
سنغير الموضوع اذا كان يزعجك ،
هل خططت
لكيفية قضاء فترة بعد الظهر ؟
اجابه دريك بعملية :

-  طفي الواقع اود ان ازور شركة فلاميوس ،
لقد اخبرني اريستيد ان الاعمال مزدهرة على الرغم من فترة الركود التي يمر بها اقتصادنا .
نظر الى لورين وكانه رجل صادق وشريف سائلا اياها بنعومة :
-  هل ترغبين في القيام بنزهة ؟
وهو يمد يده لها ليساعدها على النهوض وكانه متاكد من اجاباتها ، ليردف :
-  لن نذهب لمسافة طويلة .
قامت معه دون اي تردد ،
ليتاملها مليا عندما وصلا الى الرواق الواسع قائلًا :
-  بدوت بحاجة الى من ينقذك من هذا الاستجواب ،
عائلتي فضولية كمعظم سكان المنطقة خصوصا في ما يختص بزواج وشيك .

اعترضت بصوت منخفض وهو يقودها الى الخار ج :
-  ما زلت اشعر بالخوف حيال خداعهم .
نظر لعينيها بعمق قائلا :
-  العلاج بين يديك ، ما يزال عرض الزواج مفتوحا عليك ، سوف اتركك تتاكدي من مكانتك هنا فقط .. وستغيرين رايك .
لم ترد عليه ومشيا عبر المدينة من دون
كلام ،
وسمحت لنفسها بالاسترخاء ،
فاستمتعت باشعة الشمس ، وهي تلفح بشرتها الناعمة ، وبالعشب الطويل وهو يداعب قدميها .

تجولت في المكان بعد ان تركها دريك وذهب الى مبنى صغير يضم المكاتب الرئيسية للشركة .

-  هل تسمحين لي ان اكون اول من يتمنى لك مستقبلا سعيدا ؟
استدارت لورين عندما سمعت صوت اريستيد حيته وهي تبتسم له يتهذيب :
-  هل خيرك ديرك ؟
اجابها بابتسامة صافية :
-  الجميع يعرف ،
هذا شيء لا يمكن اخفاؤه في مكان كهذا ،
مع انني افهم لماذا احتفظت بهذا السر حتى يرحب بدريك في بلفادير .
التمعت عيناه وهو يقيم ردة فعلها :
-  انني مسرورًا ،
لانه يعيد بناء حياته ، يكفي انه هدر ثلاث سنوات من حياته بسبب قيامه بعمل شهم .

لابد انها لم تسمعه جيدًا ، فرددت بذهول :
-  ماذا ؟
اجابها بتعجب :
-  لقد هب الى مساعدة امراة ،
كان رجل سكير يعتدي عليها ،
اعتقدت بانه اخبرك القصة بكاملها .
رددت وملامحها المتعجبة تستقبل الخبر بحركات عفوية :
-  امرأة ؟ امرأة متورطة في الموضوع ؟
من كانت هذه المرأة ؟
ابتسم اريستيد لها قائلًا :
-  لا احد يعرف ..
لم يكن هناك حاجة لكشف هويتها ،
لان الحادث قد حصل في حانة ،
والقتال حدث بعد ذلك بكثير في الغابة ..
لكن هكذا بدأت المتاعب ...
رجل اجنبي يعاكس فتاة يونانية .
ليُكمل بدفاع عنه :
-  لم يتوقع احد من دريك ان يقف وقفة المتفرج ،
لقد كانت مأساة ،
كان الرجل ضعيفا و دريك رجل قوي ولقد دفع ثمن قوته غاليًا .
رددت بضيق قائلة :
-  لا انه مخطئ ...
رفضت لورين حكم اريستيد ،
لقد عوقب دريك ليس بسبب قوته ،
بل بسبب افتقاره للسيطرة على استعمالها بشكل صحيح .
لتسأله بصدق :
-  انت لا تلومه اليس كذلك ؟
اجابها بثقة :
-  لن احكم عليه .. لا أحد من الذين يعرفونه جيدًا يتكلم ضده مثلك ،
فمهما كانت حقيقة الامر سنعرف فقط ما يريد دريك ان
نعرفه ،
المهم انه عاد الى بيته والافضل من ذلك عروسه .
رسمت ابتسامة نحوه وهي تردد بخفوت :
-  شكرا لك .
ثم حاولت لورين ان تتظاهر بالسعادة ،
كم كان محظوظا ذلك اليوناني المتعجرف ،
الذي دمر حياة هذا الرجل الطيب ،
على الرغم من كل الوقائع المريرة .

اية وقائع ؟ لا بد أن اريستيد شعر ان هناك
شيئا غامضًا ،
يلف هذه الحادثة ،
لتتسأل بقلق في نفسها ..
من كانت هذه المراة التي ضحى ثلاث سنوات من عمره من اجلها ؟!
هل كانت محقة عندما افترضت انها امراة احبها كثيرًا ؟!
هي الان لن تعرف ابدًا ،
الا اذا كان دريك مستعدًا لان يجيب على اسئلتها ،
ولكن السؤال الاهم هنا ، هل هو مضطر لان يفعل ذلك ؟
هل بإمكان امراة واحدة ان تطالبه بهذا الحق ؟!
المرأة التي ستصبح زوجته فقط ...... هل ستقرر أن تكون هي ؟!

__________________
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي